مصباح الفقيه - ج ٦

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٦

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

وأجاب عنه : بأنّ التمسّك بها تمسّك بدلالة الخطاب ، وهي متروكة في معرض النصّ إجماعا (١). انتهى.

ونوقش بورودها في مقام الامتنان ، فلو لم يكن التقييد مقصودا ، لكان ذكر التراب ـ مع كونه لغوا ـ مخلّا بالمقصود ، ومنافيا لما يقتضيه المقام ، فإنّ تركه أتمّ في إظهار المنّة ، فليس الاستدلال بها بمفهوم الخطاب المجرّد من القرينة المقتضية له حتّى يكون متروكا.

وزاد بعض المناقشين عليه بأنّ التفصيل قاطع للشركة (٢).

ويتوجّه على المناقشة ـ كأصل الاستدلال ـ : أنّ النكتة في تخصيص التراب بالذكر يجب أن تكون غير ما زعموه ، فإنّ جواز التيمّم بغير التراب بل مطلق وجه الأرض في الجملة مسلّم عند الخصم ، بل لم يتحقّق الخلاف فيه من أحد ، غاية الأمر أنّ الخصم يزعم الترتّب بين التراب وغيره ، وهذا لا يقتضي تخصيص التراب بالذكر في مثل هذه الرواية التي ليست مسوقة إلّا لبيان طهوريّة الأرض على سبيل الإجمال الذي لا ينافيه الترتّب بين أبعاضها ، كما أنّه لا ينافيه ترتّب طهوريّة مطلق الأرض على فقد الماء ، فالمقتضي للتعميم موجود على كلّ تقدير.

نعم ، لو منع من التيمّم بما عدا التراب مطلقا حتى مع فقد التراب ، لكان للاستدلال له بالرواية وجه ، وإن كان يتوجّه عليه أيضا ما أورده المصنّف من أنّه استدلال بمفهوم الخطاب.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤.

(٢) انظر : مستند الشيعة ٣ : ٣٨٨.

١٨١

وأمّا ما اعترضوه عليه فإنّما يتمّ لو انحصرت النكتة المقتضية للتقييد ـ مع مخالفته لمقتضى المقام ـ في إرادة المفهوم ، وليس الأمر كذلك ، بل النكتة الظاهرة فيه فضلا عن احتمالها التنبيه على الفرق بين طهوريّة الأرض ومسجديّتها التي أريد بها في هذه الروايات مكان الصلاة ، لا موضع السجود ، كما هو واضح.

ويزيده وضوحا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذيل رواية المعتبر : «أينما أدركتني الصلاة صلّيت» (١) فلم يقصد في الثانية خصوصيّتها ، ولذا تجوز الصلاة في كلّ مكان ولو لم يكن أرضا ، فالمقصود بالرواية بيان أنّ الله تعالى منّ عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن جعل له كلّ مكان مسجدا ، ولم يخصّصه ببيت المقدّس أو الكعبة ـ زادها الله شرفا ـ أو غير ذلك ، وأنّه تعالى جعل له الأرض طهورا ، فالمراد بالأرض في الأوّل كلّ مكان من غير أن يكون لخصوصيّة الأرضيّة مدخليّة فيه ، وقد عبّر عنه بالأرض ؛ للجري مجرى العادة في مقام التعبير عند إرادة إظهار التوسعة في المكان. وأمّا في الثاني فأريد بها نفسها بعنوانها الخاصّ ، فذكر «ترابها» في الرواية ـ على الظاهر ـ للتنبيه على ذلك ، وأمّا تخصيصه بالذكر فهو إمّا للجري مجرى العادة في مقام التعبير عن إرادة رقبة الأرض من حيث هي ، أو لكونه الفرد الشائع من دون أن تكون خصوصيّته مقصودة بالحكم ، وإلّا لم يجز التيمّم بما عداه بحال ؛ لما أشرنا إليه من أنّ الرواية ليست مسوقة إلّا لبيان الجواز على سبيل الإجمال ، وحيثما جاز التيمّم بمطلق وجه الأرض في الجملة وجب أن لا يكون التخصيص مقصودا بالرواية.

وربما أيّد هذا القول بل استدلّ له بأخبار كثيرة :

منها : الأخبار الواردة بلفظ «التراب» :

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١١٦.

١٨٢

مثل : ما في الصحيح عن جميل بن درّاج ومحمّد بن حمران أنّهما سألا أبا عبد الله عليه‌السلام عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم؟ فقال عليه‌السلام : «لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلّي بهم ، فإنّ الله عزوجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (١).

وفي خبر معاوية بن ميسرة : «إنّ ربّ الماء ربّ التراب» (٢) وغير ذلك.

ومنها : أخبار استحباب نفض الكفّ بعد الضرب (٣) بتقريب أنّه لو لا التيمّم محصّلا للعلوق لم يتوجّه رجحان النفض ، فإنّه فرع وجود ما ينفض ، فيستكشف من ذلك أنّ المراد بما يتيمّم به التراب.

وفي الجميع ما لا يخفى من قصورها عن التأييد فضلا عن أن يستدلّ بها.

وقد يستدلّ له أيضا : بصحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه ، فإنّ ذلك توسيع من الله عزوجل» قال : «فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتمّم من غباره أو شي‌ء مغبّر ، وإن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» (٤) بتقريب أنّه عليه‌السلام أمر بالنظر إلى أجفّ موضع عند فقد التراب والماء ، فلو جاز التيمّم بالحجر اختيارا لفرض عدمه كالتراب ، فإنّه لا يعتبر فيه الجفاف.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٤ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢٠ ، التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٤ ، الإستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١٣.

(٣) الكافي ٣ : ٦١ / ١ ، التهذيب ١ : ٢١١ و ٢١٢ / ٦١٣ و ٦١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٣ و ٥٩٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٣ و ٦ ، وكذا الباب ٢٩ من تلك الأبواب.

(٤) التهذيب ١ : ١٨٩ ـ ١٩٠ / ٥٤٦ ، الإستبصار ١ : ١٥٦ / ٥٣٩ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم ، الحديث ٤.

١٨٣

وفيه : أنّه إذا وجد في الفرض حجرا فقد وجد أجفّ موضع من الأرض ، فيتيمّم منه ، وعدم اعتبار الجفاف فيه مبنيّ على عدم اشتراط العلوق الذي سنتكلّم فيه ، فحال الحجر المبتلّ حال التراب المبتلّ الذي لا يعلق باليد ولم ينته حدّ الطين ، فإن اعتبرنا العلوق ، لا يجوز التيمّم بشي‌ء منهما اختيارا ، وإلّا جاز بكليهما ، فلا فرق بينهما بحال.

وقد يستدلّ له أيضا : بقاعدة الاشتغال ، التي ستعرف حالها.

ويدلّ على المشهور ـ مضافا إلى إطلاق قوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (١) بالتقريب الذي تقدّم تحقيقه من أنّ الأظهر إرادة المعنى الوصفي أو مطلق وجه الأرض من الصعيد لا خصوص التراب ـ جملة من الأخبار الدالّة بعضها على جواز التيمّم بالصعيد مطلقا ، فيكون حالها حال الكتاب ، وبعضها الآخر على جواز التيمّم بالأرض على الإطلاق.

فمن الأوّل : صحيحة ابن أبي يعفور وعنبسة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به فتيمّم بالصعيد ، فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد ، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم» (٢).

وصحيحة الحلبي في الجنب لا يجد الماء ، قال : «يتيمّم بالصعيد» (٣).

وفي صحيحة ابن سنان ، الواردة في رجل أصابته جنابة في السفر : «و

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٣ ، المائدة ٥ : ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٦٥ / ٩ ، التهذيب ١ : ١٤٩ ـ ١٥٠ / ٤٢٦ ، و ١٨٥ / ٥٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ ـ ١٢٨ / ٤٣٥ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١.

١٨٤

ليتيمّم بالصعيد ، فإنّ الصعيد أحبّ إليّ» (١) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

ومن الثاني : صحيحة ابن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ» (٢) إلى آخره.

ونحوها صحيحة الحلبي (٣).

وفي صحيحته الأخرى : «إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض» (٤).

وفي صحيحة محمّد بن مسلم : «فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» (٥).

والأخبار (٦) الواردة في كيفيّة التيمّم المصرّح في بعضها بضرب كفّيه على الأرض.

ولا ينافي إطلاقها ما في بعض تلك الأخبار من الأمر بنفض اليدين (٧) ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

ولا يخفى عليك أنّ ورود هذه المطلقات في المدينة التي يغلب في أرضها الأحجار وغيرها ممّا لا يسمّى باسم التراب ـ على ما قيل (٨) ـ ممّا يؤيّد إطلاقها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٥ / ١ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٧ ، الوسائل الباب ٢٥ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٣ / ٥٥٦ ، و ١٩٧ / ٥٧٢ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٩ ، و ١٦١ / ٥٥٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٦٣ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٥٧ ـ ٥٨ / ٢١٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٦٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٣ / ٥٨٨ ، الإستبصار ١ : ١٦٥ / ٥٧٣ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٦) منها ما في التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٤ ، و ٦١٥ ، والاستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٤ و ٥٩٥ ، والوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٦ و ٧.

(٧) انظر الموضع الثاني من المصادر في الهامش السابق.

(٨) راجع : جواهر الكلام ٥ : ١٢٦.

١٨٥

ويدلّ عليه أيضا خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليه‌السلام أنّه سئل عن التيمّم بالجصّ ، فقال : «نعم» فقيل : بالنورة ، فقال : «نعم» فقيل : بالرماد ، فقال : «لا ، إنّه ليس يخرج من الأرض ، إنّما يخرج من الشجر» (١).

والمروي عن الراوندي بسنده عن عليّ عليه‌السلام قال : «يجوز التيمّم بالجصّ والنورة ، ولا يجوز بالرماد ، لأنّه لم يخرج من الأرض» فقيل له : أيتيمّم بالصفا (٢) العالية (٣) على وجه الأرض؟ قال : «نعم» (٤).

إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيّدات ، فلا مجال للتشكيك في قوّة ما عليه المشهور من جواز التيمّم بمطلق ما يقع عليه اسم الأرض حجرا كان أو غيره من غير فرق بين حالتي الاختيار والضرورة.

وما عن بعض (٥) ـ من التفصيل بين الحالتين ، بل في حاشية المدارك (٦) نسبته إلى المشهور أو المجمع عليه ـ ممّا لا وجه له.

وما يقال في توجيه جواز التيمّم بالحجر ونحوه لدى الاضطرار ـ من أنّ دليله الإجماع وإن لم يكن داخلا تحت الصعيد الذي هو عنوان الموضوع في الأدلّة السمعيّة ـ ففيه ـ بعد تسليم الإجماع ـ ما لا يخفى بعد وضوح عدم استنادهم في ذلك إلّا إلى وقوع اسم الأرض عليه الذي هو المناط لديهم في الجواز.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٨٧ / ٥٣٩ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٢) الصفا : العريض من الحجارة الأملس ، جمع صفاة. لسان العرب ١٤ : ٤٦٤ «صفا».

(٣) في المصدر : «البالية» بدل «العالية». وفي هامش الطبعة الحجريّة : «الثابتة ـ نسخة». واستظهرها أيضا الميرزا النوري في مستدرك الوسائل.

(٤) النوادر : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ٤٣٧ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٥) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨.

(٦) الحاشية على مدارك الأحكام ٢ : ١٠٥.

١٨٦

وأضعف من ذلك ما قد يتوهّم من اقتضاء الجمع بين الأدلّة تقييد الأخبار المطلقة الدالّة على جواز التيمّم بالأرض في حال الاختيار بالأخبار المتقدّمة التي ادّعوا ظهورها في اشتراط كونه بالتراب ، وبظاهر الكتاب وغيره ممّا اعتبر كونه بالصعيد بعد ترجيح ما عن بعض اللغويّين من تفسيره بالتراب الخالص.

وفيه ـ بعد الغضّ عمّا عرفت من أنّ الأظهر إرادة المعنى الوصفي أو مطلق وجه الأرض من الصعيد ، وقصور سائر الأدلّة عن إفادة اعتبار خصوص التراب ـ أنّ تقييد تلك المطلقات في حال دون حال فاسد ؛ فإنّ مقتضى قاعدة الجمع في مثل المقام إرجاع إحدى الطائفتين من الأدلّة إلى الأخرى إمّا بتنزيل المطلقات على إرادة الفرد الشائع أو بدعوى جري الأخبار المقيّدة مجرى الغالب.

وكيف كان فلا يهمّنا إطالة الكلام في المقام بعد أن حقّقنا ظهور الأدلّة في كفاية مطلق وجه الأرض ، وسلامتها من المعارض.

وبهذا ظهر لك فساد الاستدلال لكلّ من شقّي التفصيل ـ أعني اعتبار كونه بالتراب مع القدرة ، وعدمه لدى الضرورة ـ بقاعدة الاشتغال.

مضافا إلى أنّ المرجع في مواقع الشكّ هو البراءة.

أمّا عند تعذّر التراب : فلأنّ الشكّ إنّما هو في تنجّز التكليف بالصلاة مع الطهارة ، المستلزم لجواز التيمّم بما عدا التراب ، والأصل ينفيه ، سواء قلنا بسقوط الصلاة عمّن فقد الطهورين أم لم نقل.

أمّا على الأوّل : فواضح.

و [أمّا] على الثاني : فلم يعلم اشتغال الذمّة إلّا بنفس الصلاة ، واشتراطها بالطهور في مثل الفرض غير معلوم ، فيعمل بالبراءة.

١٨٧

وأمّا مع التمكّن من التراب : فالشكّ إنّما هو في اعتبار الخصوصيّة ، والمرجع فيه أيضا البراءة (١) بناء على ما هو التحقيق من جريانها عند الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة مطلقا.

ودعوى أنّ المكلّف به في مثل الفرض هو الصلاة مع الطهارة ، وهو مفهوم مبيّن يشكّ في تحقّقه بالتيمّم بما عدا التراب ، فيكون الشكّ في المكلّف به لا التكليف ، قد عرفت في مبحث الوضوء أنّها غير خالية عن التأمّل.

فائدة : لو شكّ في وقوع اسم الأرض على شي‌ء ، فإن علم له حالة سابقه ، استصحبت ، وإلّا فيرجع إلى الأصول الحكميّة من استصحاب بقاء الحدث ، وعدم استباحة الصلاة ، ونحوهما ، كما عرفت تحقيقه عند التعرّض لحكم الشكّ في إضافة الماء وإطلاقه.

(ولا يجوز التيمّم بالمعادن) كالكحل والزرنيخ والملح والنحاس والرصاص وغيرها بلا نقل خلاف فيه ، إلّا من ابن أبي عقيل ، بل عن الغنية والخلاف والمنتهى الإجماع عليه (٢) ؛ لصحّة سلب اسم الأرض عنها ، وإطلاقه عليها أحيانا حال انطباعها في الأرض توسّع.

وعن ابن أبي عقيل رحمه‌الله أنّه يجوز التيمّم بالأرض وبكلّ ما كان من جنسها ، كالكحل والزرنيخ ؛ لأنّه يخرج من الأرض (٣).

وفيه : أنّه إن أريد بما كان من جنسها ما كان من أجزائها وإن انفصل عنها

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «إلى البراءة». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) حكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٢٩ ، وانظر : الغنية : ٥١ ، والخلاف ١ : ١٣٤ ، المسألة ٧٧ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٤١.

(٣) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٣٧٢.

١٨٨

بحيث لم يصدق عليه اسمها حين انفصاله كالتراب أو الحجر المتّخذ من الأرض ، الذي لا يطلق عليه اسم الأرض بعد الاتّخاذ وإن صدق عليه أنّه من أجزاء الأرض ، فهو حقّ ، لكنّ الكحل والزرنيخ ونحوهما من أنواع المعادن ليست كذلك ؛ لعدم كونها من أجزاء الأرض ، بل هي متولّدة منها ، كالنباتات ، ولا يطلق عليها الأرض عرفا إلّا بنحو من المسامحة حين انطباعها ، وأدلّة الباب مصروفة عنها جزما.

وإن أريد ما يعمّ الجمادات المتكوّنة في الأرض ، الخارجة من مسمّاها ، ففيه : أنّ عنوان الموضوع الذي يدور مداره الحكم ـ على ما يظهر من الأدلّة ـ إنّما هو الأرض ، وخروج المعادن منها غير مجد بعد خروجها من مسمّاها.

مضافا إلى استفاضة نقل الإجماع على عدم الجواز.

وربّما يستدلّ له : بمفهوم التعليل لعدم جواز التيمّم بالرماد في خبر السكوني والمرويّ عن الراوندي ـ المتقدّمين (١) ـ : بأنّه «لم يخرج من الأرض».

وفيه أوّلا : أنّه لا يفهم من التعليل إلّا المنع من كلّ ما لم يخرج من الأرض ، وأمّا الجواز بكلّ ما خرج منها فلا ، وإلّا لفهم منه جواز التيمّم بالنباتات كلّها.

نعم ، يفهم منها أنّ علّة المنع في خصوص الرماد عدم خروجه من الأرض ، وإلّا لكان حاله حال الجصّ والنورة ، لا أنّ علّة الجواز في كلّ شي‌ء منحصرة بخروجه من الأرض.

ألا ترى أنّه لو قيل : «لا تأكل الرمّان ؛ لأنّه حامض» لا يفهم من التعليل إلّا النهي عن أكل كلّ حامض ، وجواز أكل الرمّان إن لم يكن حامضا ، لا جواز أكل كلّ شي‌ء ليس بحامض.

__________________

(١) في ص ١٨٦.

١٨٩

نعم ، قد ينسبق إلى الذهن فيما لو علّل انتفاء الحكم بفقد صفة ـ كما فيما نحن فيه ـ أنّ وجود هذه الصفة علّة لثبوت الحكم مطلقا ، كما أنّ عدمها علّة للعدم ، لكنّه انسباق بدويّ منشؤه عدم التفات الذهن في بادئ الرأي إلى احتمال مدخليّة الخصوصيّات في العلّيّة ، وبعد الالتفات يتوقّف في الحكم ، فلو قيل مثلا : «لا تشارك زيدا فإنّه ليس بأمين ، ولا تعطه من الزكاة شيئا فإنّه ليس بفقير» ربما يخطر ابتداء في الذهن كون الأمانة والفقر علّة تامّة لثبوت الحكمين ، لكن بعد الالتفات إلى أنّ المتكلّم لم يتعرّض إلّا لكون الانتفاء علّة للانتفاء ، لا الوجود للوجود وإن استلزمه في خصوص المورد واحتمل (١) مدخليّة بعض الخصوصيّات ـ مثل الحذاقة في الأمور ـ في العلّيّة للحكم الأوّل ، وكونه مؤمنا في الثاني يتردّد الذهن لا محالة ، ولا يبقى على حالته الاولى حيث لم يكن ذلك الانسباق مسبّبا عن دلالة معتبرة.

فغاية ما يفهم من التعليل فيما نحن فيه إنّما هو جواز التيمّم برماد التراب والحجارة ونحوهما من أجزاء الأرض ، وسيأتي نفي البعد عنه ، لا جوازه بكلّ ما خرج منها.

وثانيا : لو سلّم ظهوره فيما ادّعي ، للزم رفع اليد عن هذا الظاهر بعد إعراض الأصحاب عنه ، ومخالفته لظواهر الكتاب والسنّة ، مع ما في الخبرين من ضعف السند.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ مناط المنع من التيمّم بالمعادن إنّما هو خروجه (٢) من مسمّى الأرض عرفا ، لا كونه معدنا ، فلو فرض صدق المعدن على ما يصدق عليه

__________________

(١) كذا ، والظاهر : «واحتمال».

(٢) أي : خروج المعدن.

١٩٠

اسم الأرض أيضا حقيقة ـ كحجر الرحى وبعض أنحاء الطين لو سلّم كونه من مصاديق المعدن ـ جاز التيمّم به بلا تأمّل.

والاستدلال على المنع : بإطلاق معاقد الإجماعات المستفيضة مخدوش بتشبّث المجمعين في منعهم بخروجه من مسمّى الأرض ، كما لا يخفى على المتتبّع.

(ولا) يجوز التيمّم (بالرماد) بلا إشكال ولا خلاف ؛ لعدم وقوع اسم الأرض عليه ، وقد سمعت التصريح بالمنع في الخبرين (١) المتقدّمين معلّلا بعدم خروجه من الأرض وخروجه من الشجر.

وقد أشرنا فيما تقدّم إلى أنّ مقتضى التعليل جوازه برماد التراب والحجارة ، وليس بالبعيد ؛ إذ الظاهر عدم خروج أجزاء الأرض بتأثّرها من النار أو حرارة الشمس وصيرورتها رمادا من كونها من أجزاء الأرض حقيقة.

ولا يقاس ذلك بالمعادن ؛ لوضوح الفرق بين الذهب والفضّة والنحاس والرصاص وغيرها من المعادن ، وبين الرماد الذي استحيل إليه التراب أو الحجارة في كون الأوّل أجنبيّا عن الأرض متكوّنا منها ، بخلاف الثاني ، ولا أقلّ من الشكّ فيه ، الموجب لجريان الاستصحاب ، مضافا إلى شهادة الخبرين بذلك.

وتوهّم مخالفته للمشهور أو المجمع عليه فاسد ، كما لا يخفى على المتأمّل.

(و) كذا (لا) يجوز (بالنبات المنسحق) الذي يشبه التراب (كالأشنان والدقيق) ونحوهما فضلا عن غير المنسحق منه بلا خلاف فيه ؛ لخروجه من

__________________

(١) أي : خبر السكوني والمروي عن الراوندي ، المتقدّمين في ص ١٨٦.

١٩١

مفهوم الأرض التي أنيط به الحكم في الأدلّة.

(ويجوز التيمّم بأرض النورة والجصّ) اختيارا كما عن المشهور (١) ، وعن مجمع البرهان أنّه ينبغي أن يكون لا نزاع فيه (٢).

أقول : وهو كذلك لو لم تكن حجرا ، وإلّا فينبغي أن يمنع منهما المانعون من الحجر ، كما هو الغالب فيهما.

ولعلّه لذا اشترط الشيخ فيه ـ فيما حكي عن نهايته (٣) ـ فقد التراب.

وعن الحلّي المنع منه ؛ للمعدنيّة (٤).

وفيه : منع كونها من المعادن عرفا ، مضافا إلى ما عرفت من أنّ المناط كونه أرضا ، لا عدم كونه معدنا ، ومن المعلوم عدم صحّة سلب اسم الأرض عن أرض الجصّ والنورة.

هذا ، مع دلالة خبري (٥) السكوني والمرويّ عن الراوندي عليه بالفحوى ، ومفادهما جواز التيمّم بعد الإحراق ، كما هو أحد القولين في المسألة.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ استصحاب الحالة السابقة.

__________________

(١) نسبه إلى المشهور المحقّق السبزواري في كفاية الأحكام : ٨ ، وصاحب الجواهر فيها ٥ : ١٣٢.

(٢) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٣١ ، وكما في جواهر الكلام ٥ : ١٣٢ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٢٠.

(٣) حكاه عنها صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٤٥١ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٣١ ، وصاحب الجواهر فيها ٥ : ١٣٢ ، وانظر : النهاية : ٤٩.

(٤) كما في جواهر الكلام ٥ : ١٣٢ ، وانظر : السرائر ١ : ١٣٧.

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادرهما في ص ١٨٦ ، الهامش (١ و ٤).

١٩٢

وقيل بالعدم (١) ؛ لحصول الاستحالة وخروجها بعد الإحراق من مسمّى الأرض ، وضعف الروايتين.

وفيه تأمّل بل منع ، ولا أقلّ من الشكّ في الخروج ، الموجب للرجوع إلى الحالة السابقة.

مع أنّ خبر (٢) السكوني ـ على الظاهر ـ ممّا لا بأس بالعمل به.

ويؤيّده في الجصّ بل يشهد له : ما رواه الشيخ وابن بابويه ـ في الصحيح ـ عن الحسن بن محبوب ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمّ يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطّه «إنّ الماء والنار قد طهّراه» (٣) فإنّ ظاهره بمقتضى التقرير جواز السجود عليه ، ووجهه ـ على الظاهر ـ ليس إلّا كونه من أجزاء الأرض ، وعدم تحقّق الاستحالة المانعة منه ، والله العالم.

وهل يجوز التيمّم بالخزف والآجر؟ وجهان بل قولان : من تحقّق الاستحالة المانعة منه ، ومن منع ذلك.

ومنشؤ توهّم الاستحالة : عروض الهيئة الخاصّة وانفصالهما عن الأرض ، وإلّا فهما بعد الطبخ بنظر العرف ليسا إلّا مشويّ ما كانا قبله من دون استحالة ، ولا أقلّ من الشكّ فيه ، الموجب للرجوع إلى الاستصحاب.

__________________

(١) أي : عدم جواز التيمّم بنفس النورة أو الجصّ ، كما قال به الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٢ ، والخلاف ١ : ١٣٦ ، المسألة ٧٨.

(٢) تقدّم الخبر في ص ١٨٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٦ / ١٢٣٧ ، الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٩ ، الوسائل ، الباب ٨١ من أبواب النجاسات ، ح ١.

١٩٣

ولعلّ هذا هو الأقوى خصوصا في الآجر الذي يغلب على الظنّ بقاؤه على حالته الأصليّة.

وعن ظاهر المنتهى والدروس : التوقّف في الخزف (١).

وعن كشف الالتباس : التوقّف في مطلق المشويّ (٢).

وعن المفاتيح أنّه جعل جواز الخزف بعد التراب والجصّ والنورة والطين والحجر ملتزما بالترتّب بينها (٣).

وعن المعتبر التصريح بالمنع في الخزف.

قال فيما حكي عنه : ولا يعارض بجواز السجود عليه ؛ لأنّه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض ، كالكاغذ (٤). انتهى.

ويتوجّه عليه : أنّه لا يجوز السجود إلّا على الأرض أو نباتها ، إلّا أن يدلّ عليه دليل بالخصوص ، فتسليمه في الخزف مع عدم كونه نباتا ولم يدلّ عليه دليل بالخصوص لا يجتمع مع القول بحصول الاستحالة المانعة من التيمّم.

نعم ، لو قيل بعدم جواز التيمّم بمطلق الأرض ، واشتراط الترابيّة إمّا مطلقا أو مع الاختيار ، أمكن الالتزام بالتفصيل بدعوى بقاء وصف الأرضيّة دون الترابيّة بشهادة العرف.

__________________

(١) الحاكي عنهما هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٣٣ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٤١ ، والدروس ١ : ١٣٠.

(٢) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٣٣ ، وفي كشف الالتباس ١ : ٣٦١ هكذا : «ويجوز ـ أي التيمّم ـ بالحجر الصلد الذي لا تراب عليه وإن كان رخاما أو براما أو مشويّا». انتهى.

(٣) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٣٣ ، وانظر : مفاتيح الشرائع ١ : ٦٢.

(٤) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٠٢ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٧٥.

١٩٤

ويظهر من المحكيّ عن بعض (١) : التفصيل بين الخزف المسحوق وغيره ، فأجاز في الأوّل دون الثاني.

ولعلّه ممّن يعتبر وصف الترابيّة ، وقد زعم عدم تأثير الحرارة والشوى في زوال هذه الصفة ، وإنّما المؤثّر فيه الهيئة الاتّصاليّة ، فإذا زالت ، عاد إلى ما كان ، كما لو انقلب الحجر ترابا.

وفيه تأمّل.

(و) كذا يجوز التيمّم بـ (تراب القبر) وإن نبش ، بل وإن تكرّر نبشه ما لم يعلم بنجاسته بلا إشكال ، حيث لا مقتضي للمنع منه ، بل لا وجه لتخصيصه بالذكر عدا قوّة احتمال نجاسته عند التكرّر بإصابة النجس واحتمال كونه مستحيلا من جسد الميّت ، ومن المعلوم عدم الاعتناء باحتمال النجاسة ما لم تتحقّق ، وعدم البأس بكونه في الأصل آدميّا بعد تحقّق الاستحالة فضلا عن احتماله من غير فرق بين كون الميّت المستحال إليه طاهرا أو نجسا ؛ لزوال نجاسته بالاستحالة.

(و) كذا يجوز (بالتراب المستعمل في التيمّم) بلا خلاف فيه ظاهرا ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه ؛ لعدم المانع منه ، مع إطلاق الأدلّة.

وحكي عن الشافعي المنع في أصحّ قوليه ؛ قياسا على الماء المستعمل في الحدث الأكبر (٢).

__________________

(١) راجع : قواعد الأحكام ١ : ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٠ ، الحاوي الكبير ١ : ٢٤١ ، حلية العلماء ١ : ٢٣٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ١ : ٣٥٥ ، الوجيز ١ : ٢١ ، الوسيط ١ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ١ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ١ : ٢٢٢ و ٢٢٣ ، المجموع ٢ : ٢١٨ ، المغني ١ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠.

١٩٥

وفيه : مع كونه قياسا ما لا يخفى.

ثمّ إنّ المراد بالمستعمل ـ على ما ذكره بعض (١) ـ هو : الممسوح به أو المتساقط عن محلّ الضرب ، لا المضروب ، فإنّه ليس بمستعمل عند الجميع.

وكيف كان فلا جدوى في تحقيقه بعد أن عرفت أنّه لا شبهة بل لا خلاف عندنا في جواز التيمّم به ، والله العالم.

(ولا يصحّ التيمّم بالتراب) أو الحجر (المغصوب) مع العلم بالغصبيّة بمعنى تنجّز الخطاب بالاجتناب عنه ، وعدم معذوريّته شرعا أو عقلا في تركه ، سواء علق باليد شي‌ء منه فمسح به جبهته ويديه ، أم لا ؛ لحرمة التصرّف فيه ، المتحقّق بالضرب عليه ، المأخوذ في ماهيّة التيمّم ، فلا يعقل أن يقع عبادة.

نعم ، لو قيل بأنّ التيمّم إنّما هو إمرار اليد ـ المضروبة على الأرض ـ على الجبهة واليدين بأن لم يكن الضرب مأخوذا في ماهيّته وكان من مقدّماته التوصّليّة ، اتّجه القول بصحّته ما لم يعلق باليد عند المسح بها شي‌ء من المغصوب لو لا الإجماع على خلافها ، كما أنّ المتّجه ذلك لو جهل الغصبيّة أو نسيها حال الضرب وإن علم بها بعده بشرط أن لم يصاحب يده حال المسح بها ما يحرم التصرّف فيه ، وإلّا لم يصحّ.

وكذا لو تيمّم بتراب مباح في مكان مغصوب أو في آنية مغصوبة ؛ لحصول التصرّف في المكان والإناء بالاعتماد الحاصل بواسطة الضرب.

وكذا في هواء المكان المغصوب بواسطة المسح الذي يتحقّق به التيمّم.

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٤٨٢ ، مسالك الأفهام ١ : ١١٢.

١٩٦

نعم ، لو فرض انفكاكه عن الأمرين ، اتّجه الصحّة ، ولا يفسده حرمة كونه في المكان الذي هو من لوازم وجوده ؛ لخروج الكون في المكان من ماهيّة التيمّم.

ولا يقاس ذلك بأكوان الصلاة ، المتّخذة في ماهيّتها ، كما هو واضح.

ولو اشتبه المغصوب بغيره ، اجتنب عنهما ، كما عرفت في حكم الشبهة المحصورة.

(و) كذا (لا) يجوز التيمّم (ب) التراب (النجس) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، كما يدلّ عليه الوصف بالطيّب في الكتاب (١) العزيز ؛ إذ الظاهر أنّ المراد الطاهر الذي يقابل القذر ، كما عن غير واحد تفسيره به.

وعن جامع المقاصد (٢) نسبته إلى المفسّرين.

ويؤيّده ما عن الفقيه الرضوي ومعاني الأخبار من تفسير الطيّب بالمكان الذي ينحدر عنه الماء (٣).

ويؤيّده أيضا بل ربما يستدلّ له ـ كما في الحدائق (٤) ـ بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأخبار المستفيضة : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» (٥) بناء على أنّ الطهور هو الطاهر المطهّر ، كما تقدّم تقريبه في صدر الكتاب ، فيختصّ ذلك بما إذا

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٣ ، المائدة ٥ : ٦.

(٢) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٣٦ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٤٧٩.

(٣) حكاه عنهما البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٢٤٥ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٠ ، ومعاني الأخبار : ٢٨٣.

(٤) الحدائق الناضرة ٤ : ٣١١ ـ ٣١٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٥ / ٧٢٤ ، الخصال : ٢٩٢ / ٥٦ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب التيمّم ، ح ٢ و ٤.

١٩٧

لم يعرضها النجاسة ؛ لأنّها على هذا التقدير لا توصف بالطهوريّة ، فليتأمّل.

وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في الحكم بعد ما سمعت من دلالة الكتاب عليه ولو بواسطة الاعتضاد بفهم الأصحاب وعدم الخلاف فيه بل استفاضة نقل الإجماع عليه ، كما صرّح به بعض (١).

ولو اشتبه الطاهر بالنجس ، تيمّم بغيرهما مع الإمكان على الأحوط ؛ تحصيلا للجزم بالنيّة وإن لم نلتزم بوجوبه كما عرفت في مبحث الوضوء ، وإلّا تيمّم بكلّ منهما احتياطا.

ولا يقاس ذلك بالوضوء بالماءين المشتبهين ، الذي لا يبعد المنع منه مطلقا ؛ لمكان النصّ ، مع وجود الفارق لأجل ثبوت البدل.

وقد عرفت في محلّه أنّ مقتضى القاعدة هو الوضوء بهما مع الإمكان لو لا دلالة النصّ على خلافه ؛ لما أشرنا إليه من أنّه ليس للطهارة بالنجس حرمة إلّا من حيث التشريع الذي يمتنع تحقّقه مع قصد الاحتياط ، فيجب ، كما يجب ذلك عند اشتباه التراب بغير التراب ، والماء المطلق بالمضاف.

(و) كذا (لا) يجوز التيمّم (بالوحل مع وجود التراب) أو غيره ممّا يقع عليه اسم الأرض ، ويجوز بدونه في الجملة ، كما سيأتي التكلّم فيه إن شاء الله.

(وإن مزج التراب بشي‌ء من المعادن) ونحوها ممّا لا يجوز التيمّم به (فإن استهلكه التراب) على وجه لم يبق للخليط اسم عرفا يعدّ بنظر العرف ترابا ممتزجا بغيره (جاز) التيمّم به (وإلّا لم يجز) بلا إشكال بل ولا خلاف في الأخير ، فإنّ المستفاد من الأدلّة إنّما هو اعتبار ضرب اليد على ما يقع عليه اسم

__________________

(١) راجع : مفتاح الكرامة ١ : ٥٢٩.

١٩٨

التراب أو الأرض على الإطلاق ، وهو ممّا ينافيه المزج المعتدّ به حيث إنّه لا يطلق على ما يقع عليه الضرب اسم التراب على الإطلاق إلّا على سبيل التجوّز.

وأمّا إن استهلك ذلك الشي‌ء على وجه أطلق عليه الاسم من دون تجوّز ، فلا ينبغي الاستشكال في الصحّة كما هو المشهور ، بل لم يتحقّق خلاف فيه من أحد ، فإنّ من أطلق المنع من التيمّم بالممتزج لم يعلم إرادته لذلك ، وكذا من اعتبر التيمّم بالتراب الخالص لم يعلم منعه من ذلك ؛ إذ المفروض عدم اعتناء العرف بما فيه المزج ، وتوصيف التراب بالخلوص ليس إلّا كتوصيف الماء بالإطلاق.

وكيف كان فيدلّ عليه تحقّق الامتثال عرفا بضرب الصعيد والأرض ونحوهما.

وتوهّم كونه من المسامحات العرفيّة ، مدفوع : بأنّه لا يفهم عرفا من الأدلّة إلّا إرادة ما يعمّ ذلك ، نظير الأمر بالغسل بالماء الذي لا ينافيه امتزاجه بما لا يخرجه من أن يقع عليه اسمه.

ولا يتفاوت الحال في ذلك على الظاهر ـ كما هو قضيّة إطلاق المتن وغيره ـ بين كون الخليط المستهلك مثل الكحل ونحوه ممّا يلحق بالمعدوم ولم يبق له حقيقة بنظر العرف ، أو مثل الشعرة وبعض أجزاء الحشيش الذي قلّما ينفكّ أكثر الأراضي عنه ، لكن وجوده فيها ليس إلّا كوجود ما يوجد في الحنطة ونحوها من غير جنسها ممّا لا يمنعها من إطلاق الاسم ودفعها لتفريغ الذمّة عند اشتغالها بها ببيع ونحوه.

وفرّق بينهما بعض (١) ، فمنعه في الثاني دون الأوّل ؛ نظرا إلى اشتراط

__________________

(١) انظر : مدارك الأحكام ٢ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

١٩٩

استيعاب ملاصقة الكفّ لما يضرب عليه من الصعيد ؛ لظهور الأدلّة في ذلك ، وهو لا يحصل فيما إذا امتاز الخليط وإن قلّ ، كشعرة ونحوها ، لا لعدم صدق اسم الصعيد على المضروب عليه ، بل لعدم تحقّق ملاصقة جميع أجزاء الكفّ للصعيد بواسطة حاجبيّة الخليط المتمايز.

وفيه ـ بعد تسليم اعتبار الاستيعاب الحقيقي ، وعدم كفاية تحقّق مسمّاه عرفا ـ : أنّ المعتبر إنّما هو ضرب باطن الكفّ وملاصقته لما يسمّى في العرف صعيدا ، وهو حاصل في الفرض ما لم يكن الجزء المختلط ملحوظا لدى العرف بحياله ، لكون المجموع من حيث المجموع مصداقا للصعيد في الفرض ، ولا يعتبر فيه كون كلّ جزء جزء يفرض منه ممّا يقع عليه الاسم ، وإلّا لامتنع تحقّقه على سبيل التحقيق في الفرض الأوّل أيضا ، ولا تدور الأحكام الشرعيّة مدار التدقيقات الحكميّة.

ولذا لا يرتاب أحد في حصول امتثال الأمر بوضع اليد على الحنطة ـ مثلا ـ عند وضعها على ما يسمّى في العرف حنطة ، فهل ترى فرقا بين ما لو قال : اضرب يدك على الحنطة ، أو تصدّق بالحنطة على الفقير ، فكلّ طبيعة يحصل بدفعها للفقير براءة الذمّة عن الأمر بالتصدّق يتحقّق بوضع اليد عليها امتثال الأمر بالضرب بلا شبهة.

وتوهّم الفرق بين التراب والحنطة ونحوها بدعوى غلبة اختلاط الحنطة ونحوها بغير الجنس ، فلا يتبادر من الإطلاقات إلّا الأفراد المتعارفة ، بخلاف التراب ، مدفوع أوّلا : بأنّ اختلاط التراب بغير جنسه أغلب ، كيف! وقد يدّعى أنّ التيمّم بالتراب المحض قد يتعذّر في بعض المواضع ، أو أنّه من التكاليف العسرة

٢٠٠