مصباح الفقيه - ج ٦

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٦

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

قال : «إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك» (١) الحديث.

والأقوال في تعيين النيروز مختلفة ، والمشهور المعروف في هذه الأزمنة بل وكذا في الأعصار المتقدّمة ـ مثل زمان المجلسيّين بل وكذا قبله ـ إنّما هو يوم انتقال الشمس إلى الحمل.

وقيل : إنّه اليوم العاشر من أيّار (٢).

وربما احتمل كونه مصحّف «آذار» فيؤول إلى المشهور.

وقيل : إنّه يوم نزول الشمس في أوّل الجدي (٣).

وعن المهذّب أنّه المشهور بين فقهاء العجم (٤).

وقيل : إنّه السابع عشر من كانون الأوّل (٥).

وقيل : إنّه تاسع شباط ، حكي عن المهذّب نسبته إلى صاحب كتاب الأنواء (٦).

وقيل (٧) : هو أوّل يوم من «فروردين» ماه ، وهو أوّل سنة الفرس.

وحكي عن بعض أنّه قال : إنّ تأسيس النيروز الجديد بانتقال الشمس إلى برج الحمل في زمان السلطان ملكشاه السلجوقي في يوم الجمعة عاشر شهر رمضان المبارك من سنة إحدى وسبعين وأربعمائة ، فكيف يمكن أن يجعل ذلك

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٧٩٠ (الهامش) الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٢) حكاه صاحب السرائر فيها ١ : ٣١٥ عن بعض محصّلي أهل الحساب وعلماء الهيئة.

(٣) كما في جواهر الكلام ٥ : ٤٢.

(٤) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٢١٣ ، وانظر : المهذّب البارع ١ : ١٩٢.

(٥) حكاه صاحب كتاب الأنواء ـ كما في المهذّب البارع ١ : ١٩٢ ـ عن بعض العلماء.

(٦) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٢١٣ ، وانظر : المهذّب البارع ١ : ١٩٢.

(٧) القائل هو صاحب كشف اللثام فيه ١ : ١٤٥ بعنوان «لعلّ».

٤١

منوطا للأحكام الشرعيّة الثابتة قبل ذلك نحوا من خمسمائة سنة!؟ وذكر قبل ذلك أنّ نيروز الفرس إنّما حدث في زمان جمشيد رابع ملوك الدنيا ، بل قيل : كان في زمان نوح عليه‌السلام (١). انتهى.

والذي يغلب على الظنّ كون المراد به في الرواية هو اليوم المشهور المعروف في هذه الأزمنة.

وأمّا سائر الأقوال فلا يبعد أن يكون منشؤها الحدس والاجتهادات ، أو الاعتماد على نقل قصص غير ثابتة.

وما حكي عن زمان ملكشاه على تقدير ثبوته لم تتحقّق منافاته لذلك ؛ لاحتمال كونه تجديدا له بعد الاندراس ، لا تأسيسا.

وكيف كان فربّما يؤيّد المشهور : الخبر الآخر الذي رواه المعلّى أيضا عن الصادق عليه‌السلام في فضل النيروز ، المشتمل على ذكر أمور عظيمة قد وقعت في هذا اليوم ، مثل : أخذ العهد لأمير المؤمنين عليه‌السلام في غدير خمّ ، وإرساله إلى وادي الجنّ ، وظفره بأهل نهروان ، وقتل ذي الثدية ، وأنّه يظهر فيه القائم عجّل الله فرجه ، ويظفّره [الله] (٢) بالدجّال فيصلبه في كناسة الكوفة ـ إلى أن قال : «وما من يوم نيروز إلّا ونحن نتوقّع فيه الفرج لأنّه من أيّامنا حفظه الفرس وضيّعتموه» (٣) إلى آخر الرواية.

وفي رواية أخرى عنه أيضا أنّه عليه‌السلام قال لي : «أتعرف هذا اليوم؟» قال :

__________________

(١) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٢٨ (الهامش) عن شارح النخبة.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) المهذّب البارع ١ : ١٩٤ ـ ١٩٥ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ح ٢.

٤٢

قلت : لا ، ولكنّه يوم يعظّمه العجم ، فقال عليه‌السلام : «أفسّره لك حتّى تعلمه» قال : «يوم النيروز هو اليوم الذي أخذ الله ميثاق العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» (١) الحديث ، فإنّ العادة قاضية بأنّه لو كان اليوم المعظّم المحفوظ لدى العجم غير هذا اليوم المشهور ، لبقي رسمه في الجملة ، ولا أقلّ من بقاء اسمه لديهم ولو في ألسنة الشعراء وغيرهم من أرباب الحكايات.

ويؤيّده أيضا ما قيل (٢) من انطباقه على اليوم الذي أخذ فيه البيعة لأمير المؤمنين عليه‌السلام بغدير خمّ حيث حسب ذلك ، فوافق نزول الشمس بالحمل في التاسع عشر من ذي الحجّة على حساب التقويم ، ولم يكن الهلال مرئيّا ليلة الثلاثين في تلك السنة ، فكان الثامن عشر بحسب الرؤية ، والله العالم.

هذا كلّه في الأغسال المستحبّة للزمان (و) أمّا ما يستحبّ لغيره فقد ذكر المصنّف رحمه‌الله منه (سبعة للفعل ،) (وهي : غسل الإحرام) الذي لا خلاف في مشروعيّته في الجملة نصّا وفتوى ، بل الأخبار الدالّة عليه كادت تكون متواترة.

وربما يظهر من بعض الأخبار وجوبه ، كمرسلة يونس عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الغسل في سبعة عشر موطنا منها الفرض ثلاثة» قلت : جعلت فداك وما الفرض منها؟ قال : «غسل الجنابة وغسل من مسّ ميّتا وغسل الإحرام» (٣).

لكن يجب ارتكاب التأويل فيه وكذا في غيره ممّا ظاهره الوجوب من حيث اشتماله على الأمر به ؛ لاستفاضة نقل الإجماع على استحبابه ، بل عن حجّ

__________________

(١) المهذّب البارع ١ : ١٩٥ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ح ٣.

(٢) القائل هو ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ١ : ١٩٦.

(٣) التهذيب ١ : ١٠٥ / ٢٧١ ، الإستبصار ١ : ٩٨ / ٣١٦ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الجنابة ، ح ٤.

٤٣

التحرير التصريح بأنّه ليس بواجب إجماعا (١).

وعن ابن المنذر : أجمع أهل العلم أنّ الإحرام جائز بغير اغتسال (٢).

ويؤيّده بعد اختفاء مثله في الشريعة مع توفّر الدواعي على نقله.

مضافا إلى ظهور جملة من الروايات فيه :

مثل : خبر فضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام فيما كتبه إلى المأمون «وغسل يوم الجمعة سنّة وغسل العيدين وغسل دخول مكّة والمدينة وغسل الزيارة وغسل الإحرام ـ إلى أن قال ـ هذه الأغسال سنّة ، وغسل الجنابة فريضة وغسل الحيض مثله» (٣).

وعن الفقه الرضوي «الغسل أربعة عشر وجها : ثلاث منها غسل واجب مفروض متى نسيه ثمّ ذكره بعد الوقت اغتسل ، وإن لم يجد الماء تيمّم ، ثمّ إن وجدت فعليك الإعادة ، وأحد عشر غسلا سنّة : غسل العيدين والجمعة وغسل الإحرام ويوم عرفة ودخول مكّة ودخول المدينة وزيارة البيت وثلاث ليال في شهر رمضان : ليلة تسعة عشر وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ، ومتى نسي بعضها أو اضطرّ أو به علّة تمنعه من الغسل فلا إعادة» (٤) إلى غير ذلك من الروايات الدالّة عليه.

__________________

(١) حكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ٥ : ٢٤٧ ، وانظر : تحرير الأحكام ١ : ٩٥.

(٢) حكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٣٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٣١.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٦.

(٤) حكاه عنه المجلسي في البحار ٨١ : ١٣ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٣ ، وليس فيه «غسل الإحرام». وعدّه من الواجب في ص ٨٣ منه ، فلا حظ.

٤٤

فما عن ظاهر بعض (١) القدماء من وجوبه ضعيف.

(وغسل زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام) على المشهور ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (٢) ، وعن الوسيلة عدّه في المندوب (٣) ، بلا خلاف. وعن المصابيح وغيره نسبته إلى قطع الأصحاب (٤) ، وهو الحجّة في مثل المقام.

وربّما يستدلّ له : بخبر سماعة (٥) ونحوه (٦) ممّا دلّ على استحباب غسل الزيارة.

ونوقش فيه : بأنّ المراد به زيارة البيت على ما يشهد به القرائن.

وعن الفقه الرضوي التصريح بغسل الزيارات بعد ذكره غسل زيارة البيت (٧) ، فلا يتطرّق فيه مثل هذه المناقشة.

وربما يستدلّ له أيضا : برواية العلاء بن سيابة عن الصادق عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٨) قال : «الغسل عند لقاء كلّ

__________________

(١) هو ابن أبي عقيل كما حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ١٥٢ ، المسألة ١٠٢.

(٢) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٥ : ٤٥ ، وانظر : الغنية : ٦٢.

(٣) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٥ : ٤٥ ، وانظر : الوسيلة : ٥٤.

(٤) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٤٥ ، وانظر : كشف اللثام ١ : ١٥٠. وكتاب المصابيح مخطوط.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠ / ٢ ، الفقيه ١ : ٤٥ / ١٧٦ ، التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

(٦) الخصال ٤٩٨ ـ ٤٩٩ / ٥ ، و ٦٠٣ / ٩ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، الأحاديث ٦ ـ ٨.

(٧) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٤٥ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٢.

(٨) الأعراف ٧ : ٣١.

٤٥

إمام» (١) الحديث ، بناء على ظهوره ـ بقرينة التعبير بلفظ «كلّ» ووقوعه تفسيرا للآية الظاهرة في تعدّد المسجد في كلّ زمان ـ في ما يعمّ مشاهدهم ، أو بدعوى عدم الفرق بين زيارتهم حيّا وميّتا ، كما يؤيّدها بعض الشواهد النقليّة والمناسبات العقليّة.

والأولى في المقام الاستدلال بالأخبار الكثيرة الواردة في كيفيّة زياراتهم وإن اختصّ بعضها ببعض ، أو ورد في خصوص زيارة ، مثل الرواية (٢) المشهورة الواردة في زيارة الجامعة التي يزار بها كلّ إمام ، الآمرة بالغسل ، والأخبار الكثيرة الدالّة عليه عند زيارة النبيّ (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين (٤) وأبي عبد الله (٥) وأبي الحسن الرضا (٦) صلوات الله عليهم.

والمرويّ عن كامل الزيارات ـ لابن قولويه ـ عن سليمان بن عيسى عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك؟ قال : قال لي : «يا عيسى إذا لم تقدر على المجي‌ء فإذا كان يوم الجمعة فاغتسل وتوضّأ واصعد إلى سطحك وصلّ ركعتين وتوجّه نحوي فإنّه من زارني في حياتي فقد زارني في

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١١٠ / ١٩٧ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب المزار ، ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٣٧٠ / ١٦٢٥ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب المزار ، ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٥٥٠ (باب دخول المدينة وزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ..) ح ١ ، التهذيب ٦ : ٥ / ٨ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب المزار ، ح ١.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٥ / ٥٣ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب المزار ، ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٥٧٢ / ١ ، الوسائل ، الباب ٥٩ من أبواب المزار ، ح ١.

(٦) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٦ / ٢١ ، و ٢٦٢ / ٣٢ ، الوسائل ، الباب ٨٨ من أبواب المزار ، ح ١ و ٢.

٤٦

مماتي ، ومن زارني في مماتي فقد زارني في حياتي» (١).

وعن الكتاب المذكور عن أبي الحسن عليه‌السلام «إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمّد بن علي عليهما‌السلام فاغتسل وتنظّف والبس ثوبيك الطاهرين» (٢).

وعنه أيضا قال : وروي عن بعضهم عليهم‌السلام «إذا أردت زيارة قبر أبي الحسن علي بن محمّد وأبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام ، تقول بعد الغسل إن وصلت إلى قبرهما وإلّا أومأت بالسلام من عند الباب الذي على الشارع» (٣) الحديث.

فإنّ المتأمّل في مثل هذه الروايات لا يكاد يشكّ في شرعيّة الغسل ، وكونه من الآداب المطلوبة عند زيارة جميع الأئمّة عليهم‌السلام مطلقا ولو بغير الزيارة الجامعة المنصوص عليها بالخصوص وإن لم يرد نصّ عليه في خصوص بعضهم ، خصوصا بعد ما سمعت من الشهرة ودعوى الإجماع عليه ، فلا شبهة فيه ولو لم نقل بالمسامحة ، والله العالم.

(وغسل المفرّط في صلاة الكسوف) أو الخسوف بأن تركهما متعمّدا (مع احتراق القرص) كلّه (إذا أراد قضاءها على الأظهر) الأشهر بل المشهور سيّما بين المتأخّرين ، كما في طهارة شيخنا المرتضى (٤) قدس‌سره ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٥).

ويدلّ عليه ما عن الخصال عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

__________________

(١) كامل الزيارات : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ / ٤ ، وعنه في البحار ١٠١ : ٣٦٦ / ٦.

(٢) كامل الزيارات : ٣٠١ ، وعنه في البحار ١٠٢ : ٧ / ١.

(٣) كامل الزيارات : ٣١٣ ، وعنه في البحار ١٠٢ : ٦١ / ٥.

(٤) كتاب الطهارة : ٣٢٩.

(٥) حكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٨ ، وانظر : الغنية : ٦٢.

٤٧

«الغسل في سبعة عشر موطنا» وعدّها إلى أن قال : «وغسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاستيقظت ولم تصلّ فاغتسل وتقضي الصلاة ، وغسل الجنابة فريضة» (١) إلى آخره.

ورواه في الفقيه (٢) مرسلا.

وصحيحة محمد بن مسلم ـ المرويّة عن التهذيب ـ عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «الغسل في سبعة عشر موطنا ـ إلى أن قال ـ وغسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاغتسل» (٣).

ومرسلة حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلّي (٤) فليغتسل من غد ، وليقض الصلاة ، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل» (٥).

وعن الفقه الرضوي «وإن انكسف الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك أن تصلّيها إذا علمت ، فإن تركتها متعمّدا حتّى تصبح فاغتسل وصلّ ، وإن لم يحترق القرص فاقضها ولا تغتسل» (٦).

__________________

(١) الخصال : ٥٠٨ / ١ ، وليس فيه «وغسل الجنابة فريضة» الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٥.

(٢) الفقيه ١ : ٤٤ / ١٧٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٤.

(٣) التهذيب ١ : ١١٤ ـ ١١٥ / ٣٠٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١١.

(٤) في التهذيب : «ولم يصلّ» بدل «فكسل أن يصلّي».

(٥) التهذيب ١ : ١١٧ ـ ١١٨ / ٣٠٩ ، الإستبصار ١ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ / ١٧٥٨ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٦) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٢١١ ـ ٢١٢ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٣٥.

٤٨

وظاهر هذه الأخبار بأسرها وجوبه ، كما حكي القول به عن صلاة المقنعة والمراسم والمهذّب ومصباح الشيخ وجمله والمبسوط والخلاف والاقتصاد والكافي والوسيلة وشرح الجمل للقاضي والصدوقين (١) نصّا في بعضها ، وظهورا في الباقي ، ومال إليه في محكيّ المنتهى والمدارك (٢) ، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع على أنّ من ترك صلاة الكسوف مع احتراق القرص فعليه الغسل والقضاء (٣). انتهى.

وعن شرح الجمل للقاضي : وأمّا لزوم القضاء فالدليل عليه الإجماع ، وطريق براءة الذمّة. وكذلك القول في الغسل (٤).

ولذلك كلّه اختاره صريحا بعض (٥) متأخّري المتأخّرين ، إلّا أنّ المحكيّ عن أكثر هؤلاء التصريح بالاستحباب في باب الطهارة (٦) ، ولذا ادّعى في محكيّ

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٠ ، وانظر : المقنعة : ٢١١ ، والمراسم : ٨١ ، والمهذّب ١ : ١٢٤ ، ومصباح المتهجّد : ٧٤٢ ، والجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر) : ١٩٤ ، والمبسوط ١ : ١٧٢ ، والخلاف ١ : ٦٧٨ ، المسألة ٤٥٢ ، والاقتصاد : ٢٧٢ ، والكافي في الفقه : ١٥٦ ، والوسيلة : ١١٢ ، وشرح جمل العلم والعمل : ١٣٦ ـ ١٣٧ ، والفقيه ١ : ٤٤ / ١٧٢ ، والهداية : ٩٠ ، وحكاه عن الصدوقين العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٢٩٢ ، ضمن المسألة ١٨٠.

(٢) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٠ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٣١ ، ومدارك الأحكام ٢ : ١٧٠.

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٠ ، وانظر : الخلاف ١ : ٦٧٩ ، ذيل المسألة ٤٥٢.

(٤) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٠ ، وانظر : شرح جمل العلم والعمل :١٣٦ ـ ١٣٧.

(٥) لم نتحقّقه.

(٦) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٠.

٤٩

[المصابيح] (١) تحقّق الإجماع على الاستحباب (٢).

واستدلّ للمشهور : بالأصل ، وحصر الأغسال الواجبة في جملة من الروايات فيما عداه ، وإشعار الأخبار الآمرة به باستحبابه من حيث عدّه في ضمن الأغسال المستحبّة ، خصوصا مع تخصيص الفرض في صحيحة ابن مسلم ورواية الخصال (٣) بغسل الجنابة ، وأنت خبير بأنّ رفع اليد عن ظواهر الأخبار المستفيضة بمثل المذكورات في غاية الإشكال.

وأمّا تخصيص الفرض في الروايتين بغسل الجنابة فلا بدّ من توجيهه ؛ لاشتمالهما على غسل المسّ الذي نلتزم بوجوبه.

وبهذا ظهر لك أنّ عدّه في سوق الأغسال المستحبّة لا يجدى لكون غسل المسّ أيضا مذكورا في ضمنها ، خصوصا مع أنّه مذكور في صحيحة ابن مسلم بعد غسل الجنابة حيث عدّ سائر الأغسال ثمّ قال : «وغسل الجنابة فريضة وغسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاغتسل» (٤).

لكن مع ذلك يغلب على الظنّ استحبابه ، إلّا أنّه ليس عن مستند يعتدّ به. ولعلّ منشأه الشهرة ، ونقل الإجماع ، وبعض المبعّدات المغروسة في الذهن ، فالقول بالوجوب لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

ثمّ إنّ المشهور اختصاص الغسل بالقضاء ، فلا يشرع للأداء.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «المصباح». والصحيح ما أثبتناه من جواهر الكلام.

(٢) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٥ : ٥٠.

(٣) تقدّمتا في ص ٤٨.

(٤) التهذيب ١ : ١١٤ ـ ١١٥ / ٣٠٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١١.

٥٠

وعن المختلف وبعض من تأخّر عنه استحبابه للأداء أيضا (١). ولعلّه لإطلاق الأمر بالاغتسال عند احتراق القرص كلّه في الصحيحة المتقدّمة (٢).

وفيه : أنّ ظاهر هذه الصحيحة بمقتضى إطلاق الأمر الوارد فيها : مطلوبيّة الغسل بل وجوبه بعد الاحتراق لذاته ، لا لأجل الصلاة التي ربما يؤتى بها قبل احتراق القرص ، وهذا ممّا لا يقول به الخصم ، بل لم يلتزم به أحد ، بل عن بعض (٣) دعوى الإجماع على عدم كونه إلّا لأجل الصلاة ، فالقرينة المرشدة إلى إرادة خلاف هذا الظاهر ليست إلّا سائر النصوص والفتاوى الدالّة على اختصاصه بالقضاء.

وبعبارة أخرى : إذا تعذّر الأخذ بهذا الظاهر ، تكون الرواية مجملة من حيث المتعلّق ، وسائر الأخبار مبيّنة لها.

هذا ، مع أنّه ليس للصحيحة ظهور معتدّ به في الإطلاق ، فإنّها على الظاهر (٤) مسوقة لبيان عدد الأغسال المشروعة ، لا لبيان شرعيّتها على الإطلاق.

هذا كلّه بعد الغضّ عمّا يقوى في النظر من اتّحاد هذه الرواية مع رواية الخصال ، الصريحة في الاختصاص بالقضاء بقرينة اتّحاد الراوي والمرويّ عنه ـ على احتمال ـ ومضمون الرواية ومعظم فقراتها ، فالاختلاف الحاصل فيها بحسب الظاهر ليس إلّا بواسطة الرواية من حيث الاختصار ونقل المضمون ، والله

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٠ ، وانظر : مختلف الشيعة ١ : ١٥٣ ، المسألة ١٠٣ ، ومدارك الأحكام ٢ : ١٧٠ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣١.

(٢) وهي صحيحة ابن مسلم ، المتقدّمة في ص ٥٠.

(٣) الحاكي عنه هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣٠.

(٤) في «ض ٨» : «بحسب الظاهر» بدل «على الظاهر».

٥١

العالم.

وقد حكي (١) عن المشهور أيضا ـ كما في المتن وغيره ـ اشتراط الغسل للقضاء بشرطين ، أحدهما : تعمّد الترك ، والآخر : استيعاب الاحتراق ، بل عن السرائر نفي الخلاف في عدم الغسل فرضا ونفلا عند انتفاء أحد الشرطين (٢) ، خلافا للمحكيّ عن المرتضى رحمه‌الله في المصباح (٣) ، فلم يعتبر الثاني ، وللمحكيّ عن المقنع والذكرى (٤) ، فلم يعتبرا الأوّل.

ولعلّ مستند الأوّل : إطلاق مرسلة (٥) حريز ، الواجب حملها على صورة الاستيعاب بقرينة غيرها من النصوص والفتاوى.

ومستند الأخيرين : إطلاق صحيحة (٦) ابن مسلم ، التي عرفت قوّة احتمال اتّحادها مع رواية الخصال ، التي كادت تكون صريحة فيما هو المشهور فضلا عن لزوم تقييدها على تقدير التعدّد بهذه الرواية وغيرها من مرسلة حريز ، المصرّحة بالاشتراط ، وكذلك الفقه الرضوي (٧) ، مع اعتضادها بفتاوى الأصحاب ، والله العالم.

(وغسل التوبة سواء كان عن فسق أو كفر) على المشهور ، بل عن

__________________

(١) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣٠.

(٢) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٠ ، وانظر : السرائر ١ : ٣٢١.

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٠ ، وحكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٣٥٨.

(٤) الحاكي عنهما هو صاحب كشف اللثام فيه ١ : ١٥٢ ، وحكاه عن ابن بابويه في المقنع العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٢٩٢ ، ضمن المسألة ١٨٠ ، ولم نجده فيه ، وانظر :الذكرى ١ : ١٩٨.

(٥) المتقدّمة في ص ٤٨.

(٦) المتقدّمة في ص ٤٨.

(٧) تقدّم في ص ٤٨.

٥٢

المنتهى أنّه مذهب علمائنا أجمع (١).

ويدلّ عليه : رواية مسعدة بن زياد ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل : بأبي أنت وأمّي إنّي أدخل كنيفا ولي جيران وعندهم جوار يتغنّين ويضربن بالعود فربما أطلت الجلوس استماعا منّي لهنّ ، فقال عليه‌السلام : «لا تفعل» فقال الرجل : والله ما أتيتهنّ برجلي وإنّما هو سماع أسمعه بأذني ، فقال عليه‌السلام : «بالله أنت أما سمعت الله يقول (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٢)؟» فقال : بلى والله كأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله من عربيّ ولا من عجميّ ، لا جرم إنّي لا أعود إن شاء الله وإنّي أستغفر الله ، فقال له : «قم فاغتسل وصلّ ما بدالك فإنّك كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك ، احمد الله وسله التوبة من كلّ ما يكره ، فإنّه لا يكره إلّا كلّ قبيح ، والقبيح دعه لأهله فإنّ لكلّ أهلا» (٣).

والرواية وإن وردت في الفسق لكن يكفي في التعميم للكفر : الشهرة ونقل الإجماع ، مضافا إلى إمكان استفادته من التعليل الوارد في الرواية.

وقد روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر قيس بن عاصم وثمامة بن أثال بالاغتسال لمّا أسلما (٤) ، والظاهر أنّه لم يكن للجنابة ؛ لعدم اختصاصها بهما.

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٠ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٣١.

(٢) الإسراء ١٧ : ٣٦.

(٣) الكافي ٦ : ٤٣٢ / ١٠ ، وفي الفقيه ١ : ٤٥ ـ ٤٦ / ١٧٧ ، والتهذيب ١ : ١١٦ / ٣٠٤ مرسلا ، وفي الجميع بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٤) سنن أبي داود ١ : ٩٨ / ٣٥٥ ، سنن النسائي ١ : ١٠٩ ، سنن البيهقي ١ : ١٧١ و ١٧٢ ، مسند أحمد ٥ : ٦١ ، اسد الغابة ٤ : ١٣٣ / ٤٣٦٤ ، الإصابة في تمييز الصحابة ٥ : ٢٥٩ / ٧١٨٨ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٣ : ٢٩٠ ـ ٢٩١ / ١٣٩١.

٥٣

ثمّ إنّه حكي عن بعض الأصحاب التصريح باختصاص استحباب الغسل بالتوبة عن الكبيرة دون الصغيرة (١) ، بل ربما استظهر ذلك من المتن ونحوه ؛ نظرا إلى عدم كون الصغيرة موجبة للفسق كي يندرج في موضع الحكم ، لكن عمّمه بعضهم (٢) ، بل عن بعض أنّه هو المشهور (٣) ، بل عن المنتهى دعوى الإجماع عليه (٤) ، وعن الحدائق نسبته إلى الأكثر (٥) ، بل لا يبعد إرادته من المتن وغيره.

وكيف كان فهذا هو الأظهر بعد البناء على المسامحة خصوصا مع إمكان دعوى استفادته من الرواية المتقدّمة (٦) ؛ إذ الظاهر أنّ قوله عليه‌السلام : «قم فاغتسل» إلى آخره ، بيان لكيفيّة التوبة بإظهار الندم بالتطهير ، وفعل الصلاة كفّارة له عمّا صدر منه من الخطيئة ، وقوله عليه‌السلام : «فإنّك كنت مقيما على أمر عظيم» مسوق لأن يقرّب احتياجه إلى التوبة إلى ذهنه.

هذا ، مع أنّ المورد ـ وهو استماع التغنّي من وراء الجدار ـ بحسب الظاهر من الصغائر ، وكون إصرار الجاهل بالحكم ـ الذي يرى جوازه ـ موجبا لصيرورته كبيرة لا يخلو عن إشكال.

ولا ينافيه إطلاق الأمر العظيم عليه في الرواية ؛ فإنّ مطلق الخروج من طاعة الله بارتكاب محارمه عظيم وإن كان بعضها أعظم من بعض ، والله العالم.

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٥٣ عن الغنية : ٦٢.

(٢) كصاحب الجواهر فيها ٥ : ٥٤.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٥٤ عن كتاب المصابيح ، وهو مخطوط.

(٤) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٥٤ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٣١.

(٥) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣١ ، وانظر : الحدائق الناضرة ٤ : ١٩٤.

(٦) في ص ٥٣.

٥٤

(و) غسل (صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة) على المشهور من غير نقل خلاف فيه ، بل عن الغنية وظاهر غير واحد دعوى الإجماع عليه (١).

وقيل (٢) : إنّ المراد بصلاة الحاجة والاستخارة هي الصلاة الخاصّة التي وردت للحاجة والاستخارة مقيّدة بالغسل ، لا مطلق صلاة يصلّيها الرجل لهما.

أقول : أمّا الأخبار الآمرة بالغسل لصلاة الحاجة فهي كثيرة ، لكنّها مشتملة على خصوصيّات ربما يقوى في النظر كونها من الآداب المحسّنة من دون أن يتقيّد بها مطلوبيّة صلاتها أو الغسل لها.

ويؤيّده إطلاق الأصحاب في فتاويهم ومعقد إجماعهم ، فإنّ ظاهرها استحباب الغسل لمطلق صلاة الحاجة والاستخارة وإن لم تكن بالكيفيّة الواردة في خصوص الأخبار الآمرة بالغسل. فالأشبه شرعيّة الغسل لمطلق صلاتهما ، كما أنّ الأظهر شرعيّة الصلاة لهما مطلقا وإن لم تكن بالآداب الموظّفة المنصوصة.

بل قد يقال : إنّ الأقوى شرعيّة الغسل لنفس طلب الحاجة والاستخارة من دون صلاة ، كما يستظهر ذلك من المحكيّ عن التذكرة ناسبا إلى علمائنا (٣).

ويستشهد له بما عن الفقه الرضوي في تعداد الأغسال : «وغسل طلب الحوائج وغسل الاستخارة» (٤).

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣١ ، وانظر : الغنية : ٦٢ ، والمعتبر ١ : ٣٥٩ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ١٤٦ ، المسألة ٢٨٢ ، وروض الجنان : ١٨.

(٢) القائل هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣١ ، وقبله المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٧٦ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٢ : ١٧١ ، وصاحب كشف اللثام فيه ١ : ١٥٧.

(٣) كما في جواهر الكلام ٥ : ٥٥ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٢ : ١٤٦ ، المسألة ٢٨٢.

(٤) الحاكي عنه هو صاحب كشف اللثام فيه ١ : ١٥٧ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٢.

٥٥

وفي موثّقة سماعة ، الواردة في تعداد الأغسال : «وغسل الاستخارة مستحبّ» (١).

لكن يتوجّه عليه : كون الخبرين مسوقين لبيان حكم آخر ، فلا ظهور لهما في الإطلاق ، فالقول باستحبابه مطلقا لا يخلو عن تأمّل.

ثمّ إنّه قد يراد بالاستخارة المشاورة والإرشاد إلى الأصلح. وقد يراد بها طلب أن يجعل الله له الخيرة في الأمر الذي يطلبه.

ولعلّ هذا الأخير هو المراد بصحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام في الأمر الذي يطلبه الطالب من ربّه ، إلى أن قال : «فإذا كان الليل فاغتسل في ثلث الليل الثاني» وساق الحديث إلى أن قال : «فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية استخار مائة مرّة» (٢) الحديث.

وأمّا الأصحاب فمرادهم على الظاهر ـ كما يظهر من بعض (٣) ـ هو المعنى الأوّل.

وكيف كان فلا شبهة في شرعيّة الصلاة لها في الجملة بكلا معنييه ، كما يدلّ عليه الأخبار الواردة في باب الاستخارة.

والأظهر شرعيّة الغسل لصلاتها بكلا المعنيين ولو باعتبار اندراجها في صلاة طلب الحوائج ، كما أنّه لا يبعد اندراج بعض الأغسال المسنونة التي أهمل المصنّف ذكرها في ذلك.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١١٧ / ٣٠٧ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٣) راجع جواهر الكلام ٥ : ٥٥.

٥٦

منها : الغسل لصلاة الاستسقاء ، وقد حكي عن الغنية الإجماع عليه (١).

وفي موثّقة سماعة : «وغسل الاستسقاء واجب» (٢).

والمراد به الاستحباب المؤكّد ؛ إذ لا قائل بوجوبه على الظاهر ، بل قد عرفت غير مرّة عدم ظهور هذه الرواية في إرادة الوجوب بالمعنى المصطلح.

وعن فلاح السائل نقلا عن ابن بابويه في كتاب مدينة العلم عن الصادق عليه‌السلام أنّه روى حديثا في الأغسال ذكر فيها «غسل الاستخارة وغسل صلاة الاستسقاء وغسل الزيارة» (٣).

ومنها : الغسل لصلاة الظلامة.

فعن مكارم الأخلاق عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا طلبت بمظلمة فلا تدع على صاحبك ، فإنّ الرجل يكون مظلوما فلا يزال [يدعو] (٤) حتّى يكون ظالما ، ولكن إذا ظلمت فاغتسل وصلّ ركعتين في موضع لا يحجبك عن السماء ، ثمّ قل : اللهمّ إنّ فلان بن فلان ظلمني وليس لي أحد أصول به عليه غيرك ، فاستوف لي ظلامتي الساعة الساعة بالاسم الذي إذا سألك به المضطرّ أجبته فكشفت ما به من ضرّ ومكّنت له في الأرض وجعلته خليفتك على خلقك ، فأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تستوفي لي ظلامتي الساعة الساعة» قال : «فإنّك لا تلبث حتّى ترى ما تحبّ» (٥).

__________________

(١) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٥ : ٥٦ ، وانظر : الغنية : ٦٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

(٣) كما في جواهر الكلام ٥ : ٥٦ ، ولم نجده في فلاح السائل ، وعنه في البحار ٨١ : ٢٣ / ٣٠.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) مكارم الأخلاق : ٣٣٢ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ح ١.

٥٧

ومنها : الغسل لصلاة الخوف من الظالم.

حكي عن المكارم قال : «اغتسل وصلّ ركعتين واكشف عن ركبتيك ، واجعلهما ممّا يلي المصلّي وقل مائة مرّة : يا حيّ يا قيّوم يا حيّ يا قيّوم يا حيّ لا إله إلّا أنت برحمتك أستغيث ، فصلّ على محمّد وآل محمّد وأغثني الساعة الساعة ، فإذا فرغت من ذلك فقل : أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تلطف لي وأن تغلب لي وأن تمكر لي وأن تخدع لي وأن تكيد لي وأن تكفيني مئونة فلان بلا مئونة ، فإنّ هذا كان دعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم احد» (١). انتهى.

وربما يتكلّف في إدراج الغسل لصلاة الشكر فيما عرفت ؛ لكون الشكر موجبا لمزيد النعمة التي هي من أعظم الحوائج.

وفيه ما لا يخفى ، لكن لا بأس بالالتزام باستحباب غسلها من باب المسامحة ؛ لما حكي عن الغنية من الإجماع عليه (٢).

بقي بعض الأغسال للأفعال :

منها : غسل قتل الوزغ ، وهو حيوان ملعون قد ورد ذمّه في الأخبار (٣) والترغيب على قتله.

وقال في الجواهر وغيره : الظاهر أنّ سام أبرص والورل بعض أفراده (٤).

وعن حياة الحيوان أنّ سامّ أبرص بتشديد الميم ، قال أهل اللغة : هو كبار

__________________

(١) مكارم الأخلاق : ٣٣٩ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ح ٢.

(٢) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٥ : ٥٧ ، وانظر : الغنية : ٦٢.

(٣) منها ما في الكافي ٨ : ٢٣٢ / ٣٠٥ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٤) جواهر الكلام ٥ : ٥٨ ، كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٢.

٥٨

الوزغ (١). انتهى.

ويدلّ على استحباب الغسل له : رواية عبد الله بن طلحة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوزغ ، فقال : «هو رجس ، وهو مسخ كلّه ، فإذا قتلته فاغتسل» (٢).

وعن الهداية أنّه روي «والعلّة في ذلك أنّه يخرج من الذنوب فيغتسل منها» (٣).

ومنها : الغسل لمن أراد تغسيل الميّت وكذا تكفينه ، نسبه بعض (٤) إلى الرواية.

ولعلّ المراد بها رواية محمّد بن مسلم «الغسل في سبعة عشر موطنا ـ إلى أن قال ـ وإذا غسّلت ميّتا أو كفّنته أو مسسته بعد ما يبرد» (٥).

وفي دلالتها عليه منع ظاهر.

ومنها : غسل من مات جنبا ، ذكره بعض (٦) ؛ للأمر به في بعض (٧) الأخبار ، لكن عن المصنّف في المعتبر دعوى الإجماع على عدم استحبابه (٨).

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣٢ ، وانظر : حياة الحيوان ١ : ٥٤٢.

(٢) الكافي ٨ : ٢٣٢ / ٣٠٥ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٣) حكاه عنها صاحب كشف اللثام فيه ١ : ١٥٧ ، وانظر : الهداية : ٩١.

(٤) هو يحيى بن سعيد الحلّي في نزهة الناظر : ١٦.

(٥) الفقيه ١ : ٤٤ / ١٧٢ ، الخصال : ٥٠٨ / ١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٤ و ٥.

(٦) كالشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣٣ ، واحتمله الشيخ الطوسي في التهذيب ١ : ٤٣٣ ، ذيل ح ١٣٨٨ ، والاستبصار ١ : ١٩٥ ، ذيل ح ٦٨٤.

(٧) التهذيب ١ : ٤٣٣ / ١٣٨٦ ـ ١٣٨٨ ، الإستبصار ١ : ١٩٤ ـ ١٩٥ / ٦٨٢ ـ ٦٨٤ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب غسل الميّت ، الأحاديث ٦ ـ ٨.

(٨) كما في جواهر الكلام ٥ : ٥٩ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٧٤.

٥٩

ومنها : الغسل لأخذ التربة على مشرّفها ألف سلام وتحيّة.

فعن مصباح السيّد رحمه‌الله : روي في أخذ التربة «أنّك إذا أردت أخذها فقم في آخر الليل واغتسل والبس أطهر ثيابك وتطيّب بسعد وادخل وقف عند الرأس وصلّ أربع ركعات» (١).

وعن البحار عن المزار الكبير عن جابر الجعفي عن الباقر عليه‌السلام «إذا أردت أن تأخذ من التربة فتعمّد لها آخر الليل واغتسل لها بماء القراح وتطيّب بسعد» (٢) الرواية.

ومنها : الغسل عند إرادة السفر.

حكي عن ابن طاوس في أمان الأخطار أنّه روي «أنّ الإنسان يستحبّ له إذا أراد السفر أن يغتسل ويقول عند غسله : بسم الله وبالله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» (٣) الدعاء.

وعن التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام «إذا أردت الخروج إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فصم قبل أن تخرج ثلاثة أيّام : يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة ، فإذا أمسيت ليلة الجمعة فصلّ صلاة الليل ثمّ قم فانظر في نواحي السماء فاغتسل تلك الليلة قبل المغرب ثمّ تنام على طهر ثمّ إذا أردت

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٢ ، وعنه في البحار ١٠١ : ١٣٧ / ٨٠ ، وانظر :مصباح الزائر : ٢٥٧.

(٢) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٢ ، وعنه في البحار ١٠١ : ١٣٨ ـ ١٣٩ / ٨٣ ، وانظر : المزار الكبير : ٥٠٩ ـ ٥١١ (مخطوط).

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، وعنه في البحار ٧٦ : ٢٣٥ / ١٩ ، وانظر : الأمان من إخطار الأسفار والأزمان : ٣٣.

٦٠