مصباح الفقيه - ج ٦

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٦

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

والمرسل المحكيّ عن الهداية عن الصادق عليه‌السلام «إن نسيت الغسل أو فاتك لعلّة فاغتسل بعد العصر أو يوم السبت» (١).

وعن الفقه الرضوي «وإن نسيت الغسل ثمّ ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل» (٢).

ولا ينافيها ما في بعض الأخبار من اختصاص يوم السبت بالذكر ، كخبر عبد الله بن جعفر القمّي ـ المنقول من كتاب العروس ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام «لا يترك غسل يوم الجمعة إلّا فاسق ، ومن فاته غسل الجمعة فليقضه يوم السبت» (٣) ومرسلة حريز عن الباقر عليه‌السلام «لا بدّ من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر ، فمن نسي فليعد من الغد» (٤) فإنّ المراد بفوته يوم الجمعة بحسب الظاهر إنّما هو فوته في مجموع اليوم ، وعلى تقدير انصرافه إلى إرادة فوته في وقته المعهود ـ أي قبل الزوال ـ فليحمل على ما عرفت بقرينة سائر الروايات.

ثمّ إنّه لا فرق على الظاهر في مشروعيّة القضاء بين فوته عمدا أو لعذر ، كما عن المشهور (٥) ؛ لإطلاق خبر سماعة وموثّقة ابن بكير وخبر عبد الله بن جعفر القمّي (٦).

ولا ينافيه تعليقه في مرسلة الهداية والفقه الرضوي (٧) على النسيان ؛ لعدم

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٩ ـ ٢٠ ، وانظر : الهداية : ١٠٣.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٠ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٧٥.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٨ ، الهامش (٢).

(٤) الكافي ٣ : ٤٣ / ٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٥) نسبه إلى المشهور صاحب الحدائق فيها ٤ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٦) تقدّمت أخبارهم آنفا.

(٧) تقدّم تخريجهما في الهامش (١ و ٢).

٢١

ظهورهما في إرادة المفهوم ، بل شهادة سياقهما بكون الشرطيّة مسوقة لبيان تحقّق الموضوع ، كظهور قوله عليه‌السلام في خبر سماعة : «فإن لم يجد فليقضه يوم السبت» (١) في إرادة ذلك لمريد الغسل ، وعلى تقدير ظهورها في إرادة المفهوم فليس على وجه يصلح لتقييد المطلقات.

فما عن الحلّي ـ من أنّه لو تركه تهاونا ، ففي استحباب قضائه يوم السبت إشكال (٢). انتهى ـ في غير محلّه.

وعن الصدوقين (٣) التعبير بمثل المرسلة المتقدّمة (٤) عن الهداية ، فاستظهر منهما اختصاص القضاء بالناسي. وعبارتهما قابلة للحمل الذي عرفته في المرسلة ، وعلى تقدير إرادتهما الاختصاص فقد عرفت ضعفه.

وهل يلحق بيوم السبت ليلته في جواز قضائه فيها كما حكي عن ظاهر الأكثر (٥) ، أم لا كما عن غير واحد نقله؟ (٦) وجهان : من الاقتصار على مورد النصوص مع ما فيها من الإشعار بإرادة القضاء ـ كالأداء ـ في اليوم ، ومن دعوى الأولويّة وتنقيح المناط ، التي عهدتها على من يدّعي القطع بها.

ولا يجدي في إثبات الإلحاق دعوى جري القيد الوارد في الروايات ـ من قضائه آخر النهار أو يوم السبت ـ مجرى العادة من عدم فعل القضاء غالبا إلّا في

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٠ ، الهامش (١).

(٢) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٢٤ نقلا عن «ئر» والظاهر : «التحرير» حيث لم نجده في السرائر ، وورد نصّا في تحرير الأحكام ١ : ١١.

(٣) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٣ ، وانظر : الفقيه ١ : ٦١ ذيل ح ٢٢٧.

(٤) في ص ٢١.

(٥) الحاكي عنهم هو صاحب البحار فيها ٨١ : ١٢٦.

(٦) انظر : كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٢٤ ، ومجمع الفائدة والبرهان ١ : ٧٥.

٢٢

اليوم ، فإنّ غاية هذه الدعوى عدم دلالة القيد على إرادة المفهوم ، لا ثبوت الحكم لغير الموضوع المذكور في القضيّة من غير دليل ، فالقول بعدم الإلحاق أشبه بالقواعد.

نعم ، لا بأس بإتيانه في ليلة السبت بقصد الاحتياط ورجاء المطلوبيّة وإن تمكّن من تحصيل الجزم بالنيّة بتأخيره إلى اليوم على الأقوى.

ثمّ إنّ ظاهر الأصحاب من غير نقل خلاف فيه من أحد ـ كما ادّعاه بعض (١) ـ عدم مشروعيّة القضاء بعد انقضاء نهار السبت.

لكن عن الفقه الرضوي أنّه يقضي يوم السبت أو بعده من أيّام الجمعة (٢). وهو شاذّ.

وعن المصابيح أنّه احتمله بعض مشايخنا المعاصرين تسامحا في أدلّة السنن ، واعترضه بأنّه ليس بجيّد ؛ لأنّ ظاهر الأدلّة ينفي ذلك ، وأدلّة التسامح لا تجري مع ظهور المنع ؛ فإنّه مخصوص بما يؤمن معه الضرر مع رجاء النفع (٣). انتهى.

وأنت خبير بأنّ الأدلّة المتقدّمة لا ينفي ذلك إلّا من حيث السكوت.

نعم ، لا يبعد أن يقال : إنّ في تخصيص يوم السبت ـ في النصوص ـ بالذكر إشعارا بذلك ، أمّا الدلالة فلا ، فلا مانع من الإتيان به بعده برجاء المطلوبيّة ، بل بعنوان الاستحباب أيضا من باب المسامحة بعد أن ورد فيه رواية ضعيفة ، بل

__________________

(١) هو صاحب البحار فيها ٨١ : ١٢٦.

(٢) الحاكي عنه هو المجلسي في البحار ٨١ : ١٢٥ ذيل ح ١٠ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٤ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٢٩.

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٢٤.

٢٣

لو دلّت الأدلّة أيضا على المنع ، لا يمنع ذلك من جواز إتيانه بقصد الاحتياط ورجاء الأجر لأجل العمل بالرواية الواصلة ما لم تكن دلالتها على المنع موجبة للقطع بعدم مشروعيّته في الواقع ، فإنّ حرمة إتيان الغسل في غير وقته ليست إلّا من حيث التشريع الذي لا يتحقّق قطعا عند إتيانه باحتمال المطلوبيّة ، أو العمل بالرواية الضعيفة من باب التسامح.

فما احتمله بعض المشايخ في غاية الجودة بعد البناء على المسامحة ، والله العالم.

ويستحبّ الدعاء عند غسل الجمعة بالمأثور.

ففي رواية أبي ولّاد الحنّاط عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من اغتسل يوم الجمعة للجمعة فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين ، كان طهرا له من الجمعة إلى الجمعة» (١).

(و) من الأغسال المسنونة المشهورة (ستّة في شهر رمضان : أوّل ليلة منه) إجماعا كما عن الغنية والروض نقله (٢) ، وعن المعتبر أنّه مذهب الأصحاب (٣).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ جملة من الأخبار.

ففي خبر سماعة ـ الذي عدّ فيها جملة من الأغسال الواجبة والمستحبّة ـ

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٠ / ٣١ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٢) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٤ ، وانظر : الغنية : ٦٢ ، وروض الجنان : ١٧.

(٣) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٥٥.

٢٤

عن أبي عبد الله عليه‌السلام «وغسل أوّل ليلة من شهر رمضان مستحبّ» (١).

وعن كتاب الإقبال عن بعض كتب القمّيّين عن الصادق عليه‌السلام قال : «من اغتسل أوّل ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصبّ على رأسه ثلاثين كفّا من الماء طهر إلى شهر رمضان من قابل» (٢).

ومن ذلك الكتاب أيضا : «من أحبّ أن لا تكون به الحكّة فليغتسل أوّل ليلة من شهر رمضان فلا تكون به الحكّة إلى شهر رمضان القابل» (٣).

ومن كتاب الإقبال أيضا قال : روى ابن أبي قرّة في كتاب «عمل شهر رمضان» بإسناده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يستحبّ الغسل في أوّل ليلة من شهر رمضان (وليلة النصف) منه» (٤) فيستفاد من هذه الرواية استحبابه في ليلة النصف أيضا ، كما حكي عن المشايخ الثلاثة وأتباعهم (٥) ، بل عن الغنية والوسيلة الإجماع عليه (٦).

ويدلّ عليه أيضا : المرسل المحكي عن المقنعة عن الصادق عليه‌السلام أنّه «يستحبّ الغسل ليلة النصف من شهر رمضان» (٧).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

(٢) إقبال الأعمال : ١٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٤.

(٣) إقبال الأعمال : ١٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٥.

(٤) إقبال الأعمال : ١٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٥) الحاكي عنهم هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ١٦٥ ، وانظر : المقنعة : ٥١ ، والجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر) : ١٦٨ ، والمهذّب ١ : ٣٣ ، والمراسم : ٥٢ ، والكافي في الفقه : ١٣٥ ، والمعتبر ١ : ٣٥٥ حيث فيه حكاية قول السيّد المرتضى نقلا عن المصباح له.

(٦) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٧ ، وانظر : الغنية : ٦٢ ، والوسيلة : ٥٤.

(٧) حكاه عنها السيّد ابن طاوس في كتاب الإقبال : ١٥٠ ، وعنه في الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٩.

٢٥

(و) ليلة (سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين) كما يدلّ عليها الأخبار المستفيضة :

منها : رواية الفضل بن شاذان ، المتقدّمة (١) في غسل الجمعة.

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «الغسل في سبعة عشر موطنا : ليلة سبع عشرة من شهر رمضان ، وهي ليلة التقى الجمعان ، وليلة تسع عشرة ، وفيها يكتب الوفد وفد السنّة ، وليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء ، وفيها رفع عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وقبض موسى عليه‌السلام ، وليلة ثلاث وعشرين يرجى فيها ليلة القدر» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

ويستحبّ في ليلة الثلاث وعشرين غسل آخر الليل ؛ لرواية بريد بن معاوية ، قال : رأيته ـ يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ، كما صرّح به في محكيّ (٣) الإقبال ـ اغتسل في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان مرّة في أوّل الليل ومرّة في آخره (٤) ، الخبر.

ويستحبّ أيضا في شهر رمضان أغسال أخر غير الأغسال المشهورة التي عرفتها.

ففي رواية ابن أبي يعفور ـ المرويّة عن الإقبال من كتاب علي بن

__________________

(١) في ص ١٠.

(٢) التهذيب ١ : ١١٤ / ٣٠٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١١.

(٣) الحاكي هو صاحب الوسائل فيها ، ذيل ح ١ من الباب ٥ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٣١ / ١٠٣٥ ، إقبال الأعمال : ٢٠٧ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

٢٦

عبد الواحد ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الغسل في شهر رمضان ، فقال : «اغتسل ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين» (١).

وعنه أيضا من الكتاب المذكور عن ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر في كلّ ليلة» (٢).

وعنه أيضا من كتاب الأغسال لأحمد بن محمّد بن عيّاش الجوهري بإسناده عن عليّ عليه‌السلام في حديث «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا دخل العشر من شهر رمضان شمّر وشدّ المئزر وبرز من بيته واعتكف وأحيى الليل كلّه ، وكان يغتسل كلّ ليلة منه بين العشاءين» (٣).

ويحتمل قويّا كون مرجع الضمير في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «منه» شهر رمضان المذكور في صدر الحديث ، فتدلّ الرواية حينئذ على استحباب الغسل في كلّ ليلة منه.

وقد صرّح المحدّث المجلسي في زاد المعاد بأنّه ورد في رواية استحباب الغسل في كلّ ليلة (٤) ، فلعلّه عثر على رواية أخرى غير هذه الرواية ، فلا يبعد الالتزام به من باب التسامح.

وعن جماعة من أساطين الأصحاب (٥) التصريح باستحباب الغسل في

__________________

(١) إقبال الأعمال : ٢٢٦ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١٣.

(٢) إقبال الأعمال : ١٩٥ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١٠.

(٣) إقبال الأعمال : ٢١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٦.

(٤) زاد المعاد : ٩٩.

(٥) الحاكي عنهم هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٥.

٢٧

جميع ليالي الإفراد.

ويدلّ عليه ما أرسله السيّد ابن طاوس رحمه‌الله في الإقبال ، قال ـ فيما حكي عنه في أعمال الليلة الثالثة من شهر رمضان ـ : ويستحبّ فيها الغسل على حسب الرواية التي تضمّنت أنّ كلّ ليلة مفردة من جميع الشهر يستحبّ فيها الغسل (١).

(و) من الأغسال المشهورة : غسل (ليلة الفطر).

ويدلّ عليه رواية حسن بن راشد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة القدر ، فقال : «يا حسن إنّ القاريجار إنّما يعطى أجرته عند فراغه وذلك ليلة العيد» قلت : جعلت فداك فما ينبغي لنا أن نعمل فيها؟ فقال : «إذا غربت الشمس فاغتسل» (٢) الحديث.

«القاريجار» فارسيّ معرّب «كارگر» معناه : العامل والأجير ، كما حكاه في الوسائل عن بعض مشايخه (٣).

(و) منها : الغسل (يومي العيدين) : الفطر والأضحى بلا خلاف فيه ظاهرا ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه.

ويدلّ عليه أخبار كثيرة :ففي خبر سماعة ، الوارد في بيان الأغسال : «وغسل يوم الفطر وغسل يوم الأضحى سنّة لا أحبّ تركها» (٤).

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٥ ، وانظر : إقبال الأعمال : ١٢١.

(٢) الكافي ٤ : ١٦٧ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٣) الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الأغسال المسنونة ، ذيل ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣ ، وأيضا الباب ١٦ من تلك الأبواب ، ح ٢.

٢٨

ورواية عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر ، قال : «سنّة وليس بفريضة» (١) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وقد يتراءى من بعض الروايات وجوبه ، كموثّقة عمّار ، الآتية (٢).

ورواية القاسم بن الوليد ، قال : سألته عن غسل الأضحى ، قال : «واجب إلّا بمنى» (٣).

لكنّه يجب طرحه أو تأويله بقرينة ما عرفت.

وأمّا وقت هذا الغسل فلا خلاف ظاهرا في أنّ أوّله من طلوع الفجر ، كما يدلّ عليه ـ مضافا إلى صدق الغسل في اليوم ـ : ما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته هل يجزئه أن يغتسل بعد طلوع الفجر؟ هل يجزئه ذلك من غسل العيدين؟ قال : «إن اغتسل يوم الفطر والأضحى قبل الفجر لم يجزئه ، وإن اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه» (٤).

ويؤيّده بل يدلّ عليه مرسلة جميل بن درّاج عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كلّ غسل يلزمه في ذلك اليوم» (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٢ / ٢٩٥ ، الإستبصار ١ : ١٠٢ / ٣٣٣ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٢) في ص ٣٠.

(٣) الفقيه ١ : ٣٢١ / ١٤٦٥ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٤.

(٤) قرب الإسناد : ١٨١ / ٦٦٩ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٤١ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب الجنابة ، ح ٢.

٢٩

وصحيحة زرارة ، المتقدّمة (١) في مبحث تداخل الأغسال.

وهل يمتدّ وقته إلى الليل؟ كما عن ظاهر الأكثر بل عن جملة من الأصحاب (٢) التصريح به ؛ لإطلاق الأخبار ، ومعاقد إجماعاتهم المحكيّة ، أو أنّه إلى ما قبل الخروج إلى المصلّى؟ كما عن الحلّي (٣) ، وأحد قولي العلّامة حيث قال في محكيّ المنتهى : والأقرب تضيّقه عند الصلاة ؛ لأنّ المقصود منه التنظيف للاجتماع والصلاة وإن كان اللفظ الوارد دالّا على امتداد وقته (٤).

وعن الذكرى أنّه نسب هذا القول إلى ظاهر الأصحاب ، قال فيما حكي عنه : الظاهر امتداد غسل العيدين بامتداد اليوم ؛ عملا بالإطلاق ، ويتخرّج من تعليل الجمعة أنّه إلى الصلاة أو إلى الزوال الذي هو وقت صلاة العيد ، وهو ظاهر الأصحاب (٥). انتهى.

وقد يستدلّ له : بموثّقة عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتّى يصلّي ، قال : «إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته» (٦).

__________________

(١) في ج ٢ ص ٢٧٠.

(٢) الحاكي عنهم هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٥ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ١٧٦ ، وروض الجنان : ١٨ ، ومدارك الأحكام ٢ : ١٦٦.

(٣) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٥ ـ ١٦ ، وانظر : السرائر ١ : ٣١٨.

(٤) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٢٦ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٣٠.

(٥) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ١٨٥ ، وانظر : الذكرى ١ : ٢٠٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٨٥ / ٨٥٠ ، الإستبصار ١ : ٤٥١ / ١٧٤٧ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

٣٠

وعن الفقه الرضوي : «إذا طلع الفجر يوم العيد فاغتسل ، وهو [أوّل] (١) أوقات الغسل [ثمّ] (٢) إلى وقت الزوال» (٣).

وفي الجميع ما لا يخفى ؛ فإنّ العلّة المتخرّجة ـ التي نبّه عليها في الذكرى واستدلّ بها في محكيّ المنتهى ـ بعد الغضّ عن عدم صلاحيّتها لإثبات حكم شرعي أنّها من قبيل الحكم التي لا يدور مدارها الحكم ، ولذا لا تنفي استحبابه لمن لا يصلّي العيد.

وأمّا الموثّقة : فهي بظاهرها مسوقة لبيان حكم الصلاة الواقعة بلا غسل ، فهي بظاهرها تدلّ على اشتراط الصلاة بالغسل ، ووجوب إعادتها عند الإخلال به ما دام وقتها باقيا ، ومقتضاها وجوب تقديم غسل العيد على الصلاة من باب المقدّمة.

ولا ينافي ذلك استحباب الغسل لذاته يوم العيد مطلقا لا من باب المقدّمة في حقّ كلّ أحد ممّن يصلّي ولا يصلّي ، كما يقتضيه سائر الأدلّة ؛ إذ لا منافاة بين استحباب الغسل لذاته في اليوم مطلقا ، ووجوب إتيانه قبل الصلاة لأجل توقّف الصلاة الواجبة عليه.

هذا إذا أمكن الالتزام بظاهر الموثّقة من توقّف الصلاة على الغسل ، فكيف ولا يجوز الأخذ بهذا الظاهر ؛ لوجود القاطع بعدم الاشتراط ، فلا بدّ إمّا من طرح الموثّقة ، أو حملها على استحباب إيقاع الصلاة عقيب الغسل ، المستلزم لاستحباب تقديم الغسل عليها من باب المقدّمة الغير المنافي لإطلاق استحبابه النفسي ، كما هو واضح.

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٤ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٣١.

٣١

وأمّا الرضوي ـ فمع ضعفه ومخالفته لفتوى الأصحاب ـ لا يصلح مقيّدا لإطلاقات الأدلّة ، مع أنّ انطباقه على ما يدّعيه الخصم لا يخلو عن تأمّل.

وأضعف ممّا عرفت : الاستدلال له برواية عبد الله بن سنان ، الآتية (١) ، كما لا يخفى.

فالأظهر ما حكي عن الأكثر من بقاء وقته إلى الليل وإن لا يخلو استدلالهم عليه ـ بإطلاق النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات المحكيّة ـ عن تأمّل ؛ نظرا إلى قوّة احتمال ورود المطلقات مورد حكم آخر من بيان مشروعيّة الغسل في اليوم المخصوص ، ونحوها ، فلا يبقى لها ظهور معتدّ به في الإطلاق ، لكن مع ذلك لا يخلو عن قوّة ، فإنّ ترك التعرّض للتقييد مع تظافرها وتكاثرها ربما يوجب ظهورها في ذلك بملاحظة المجموع وإن لم يكن لكلّ من آحادها من حيث هو هذا الظهور.

هذا ، مضافا إلى استصحاب بقاء التكليف ، وعدم سقوطه بحضور وقت الصلاة.

ومنع جريان الاستصحاب فيه ؛ لكونه زمانيّا مدفوع : بأنّ المأخوذ في موضوع الحكم في النصوص والفتاوى ليس إلّا يوم العيد ، ولذا تمسّك الأصحاب لإثبات المدّعى بإطلاق الأدلّة ، لا الجزء الأوّل منه كي يكون الشكّ بعد انقضاء ذلك الجزء راجعا إلى الشكّ في ثبوت مثل الحكم الأوّل لموضوع آخر غير الموضوع الأوّل حتّى يمتنع فيه الاستصحاب ، نظير ما لو أمر الشارع بالجلوس يوم الجمعة في المكان الفلاني بأمر غير قابل لأن يتمسّك بإطلاقه ،

__________________

(١) في ص ٣٤.

٣٢

فشكّ في اختصاص التكليف بما قبل الزوال أو شموله لما بعده أيضا ، فلا مانع من استصحابه ما دام اليوم باقيا ، وإنّما الممتنع إجراؤه بعد انقضاء اليوم الذي أخذه قيدا في الموضوع ، لا الجزء الأوّل الذي احتملنا مدخليّته فيه.

نعم ، لو كان مبنى الاستصحاب في بقاء الموضوع على المداقّة العقليّة ، لاتّحد حكم الصورتين ، لكنّه ليس كذلك ؛ وإلّا لم يجر في شي‌ء من الأحكام الشرعيّة ، بل المحكّم فيه العرف القاضي ببقاء الموضوع في مثل الفرض بلا شبهة ، لكن مع ذلك لا ريب في أنّ الأولى عدم تأخير الغسل عن أوّل الزوال بل عن وقت الصلاة ، والأحوط إتيانه عند التأخير بداعي الاحتياط ، والله العالم.

(و) منها : غسل (يوم عرفة) على المشهور بل المجمع عليه ، كما عن الغنية والمدارك (١) ؛ للأخبار المستفيضة.

وفي بعضها وصفه بالوجوب ، كخبر (٢) سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، الذي عدّ فيه جملة من الأغسال الواجبة والمستحبّة ، ووصف أكثرها بالوجوب.

والمراد به ـ على ما يشهد نفس هذه الرواية فضلا عن شهادة غيرها من النصوص والفتاوى ـ ما لا ينافي الاستحباب ، كما لا يخفى على من لاحظها ، فيحمل عليه بقرينة ما عرفت.

ولا يختصّ بالناسك في عرفات ؛ لإطلاق النصوص والفتاوى ، وخصوص رواية عبد الرحمن (٣) بن سيابة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن

__________________

(١) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٥ ، وانظر : الغنية : ٦٢ ، ومدارك الأحكام ٢ : ١٦٦.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٨ ، الهامش (٤).

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «عبد الله» بدل «عبد الرحمن» والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

٣٣

غسل عرفة في الأمصار ، فقال : «اغتسل أينما كنت» (١).

والظاهر امتداد وقت هذا الغسل أيضا ـ كسابقيه ـ بامتداد اليوم ؛ للأصل ، وإطلاق الدليل من النصّ والفتوى.

وعن عليّ بن بابويه أنّه قال : واغتسل يوم عرفة قبل زوال الشمس (٢). ولعلّه أراد به الفضل.

وكيف كان فلا دليل عليه.

نعم ، في رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الغسل من الجنابة والجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة عند زوال الشمس» (٣).

وهي لا تصلح مستندة له ، كما هو واضح ، كما أنّها بعد إعراض الأصحاب عنها لا تصلح قرينة لتقييد غيرها من الأخبار ، خصوصا مع بعد إرادة الغسل في خصوص وقت الزوال من تلك الأخبار ، المتظافرة من دون تعرّض له في شي‌ء منها ، فلا يبعد أن يكون تخصيص هذا الوقت بالذكر في هذه الرواية إمّا لكونه أفضل أو لرجحان اشتغاله بعد الغسل بالأعمال المطلوبة يوم المعرفة بعد الزوال ، والله العالم.

ويستحبّ الغسل يوم التروية أيضا ، كما عن جملة من الأصحاب (٤)

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٧٩ / ١٦٩٦ ، روضة الواعظين : ٣٥١ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٢) كما في جواهر الكلام ٥ : ٣٥.

(٣) التهذيب ١ : ١١٠ ـ ١١١ / ٢٩٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٤) الحاكي عنهم هو النراقي في مستند الشيعة ٣ : ٣٣٥ ، وانظر : الهداية ـ للصدوق ـ : ٩٠ ، ونزهة الناظر : ١٥ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٣٠ ، ونهاية الإحكام ١ : ١٧٧.

٣٤

التصريح به ؛ لصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «الغسل في سبعة عشر موطنا» وعدّ منها «يوم التروية ويوم عرفة» (١).

وصحيحة [معاوية بن عمّار] (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إذا كان يوم التروية فاغتسل» (٣) الحديث.

(و) من الأغسال المشهورة : غسل (ليلة النصف من رجب) كما صرّح به جملة من الأصحاب ، بل عن غير واحد دعوى الشهرة عليه ، بل عن بعض نفي الخلاف فيه (٤) ، وكفى به دليلا في مثل المقام ، مضافا إلى ما حكي عن بعض من نسبته إلى الرواية (٥).

وعن السيّد ابن طاوس في الإقبال أنّه قال : وجدنا في كتب العبادات عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوّله وأوسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته امّه» (٦).

ولو قيل بعدم اختصاص وقت هذا الغسل بالليل وامتداده إلى آخر النهار نظرا إلى إطلاق هذه الرواية ، لكان وجها.

والأحوط تكرير الغسل في اليوم وليلته ؛ لاحتمال كون كلّ منهما بالخصوص مرادا بالرواية ، ويفهم منها استحباب الغسل في أوّله وآخره أيضا ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٤ / ٣٠٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١١.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «زرارة». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٤٥٤ / ١ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب الإحرام ، ح ١.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٦ عن الوسيلة : ٥٤.

(٥) كما في جواهر الكلام ٥ : ٣٦ عن العلّامة الحلّي في نهاية الإحكام ١ : ١٧٧ ، والصيمري في كشف الالتباس ١ : ٣٤٠ ـ ٣٤١.

(٦) إقبال الأعمال : ٦٢٨ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

٣٥

والله العالم.

(و) منها : غسل (يوم السابع والعشرين منه) وهو يوم المبعث ، كما عن المشهور (١) ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٢) ، وعن العلّامة والصيمري نسبته إلى الرواية (٣) ، لكن حكي عن جماعة (٤) الاعتراف بعدم الظفر على رواية.

وربما يستأنس له : بالمرسل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في جمعة من الجمع : «هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا» (٥) حيث علّل الاغتسال : بأنّه عيد ، خصوصا بضميمة ما حكي عن الخلاف من الإجماع على استحباب الغسل في الجمعة والأعياد (٦) ، وعليه يتّجه القول باستحبابه في يوم المولود أيضا ، كما صرّح به بعض (٧) ، بل وكذا في غيره من الأعياد بعد البناء على المسامحة.

كما يؤيّده أيضا ما رواه المجلسي رحمه‌الله في زاد المعاد من فعل أحمد بن إسحاق القمّي في تاسع ربيع المولود ، معلّلا بأنّه عيد (٨) ، بل يظهر منه كون الغسل في الأعياد من الأمور المعهودة المفروغ منها ، والله العالم.

(و) منها : (ليلة النصف من شعبان) بلا خلاف فيه ، كما في الجواهر (٩) ،

__________________

(١) نسبه إلى المشهور الشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٦٨٦.

(٢) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٦ ، وانظر : الغنية : ٦٢.

(٣) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٦ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ١٧٧ ، وكشف الالتباس ١ : ٣٤٠ ـ ٣٤١.

(٤) الحاكي عنهم هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٢٦ ، وانظر : الذكرى ١ : ١٩٩.

(٥) كنز العمّال ٧ : ٧٥٦ / ٢١٢٥٦.

(٦) كما في جواهر الكلام ٥ : ٣٧ ، وانظر : الخلاف ١ : ٢١٩ ، المسألة ١٨٧.

(٧) صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٦.

(٨) زاد المعاد : ٣٧٣.

(٩) جواهر الكلام ٥ : ٣٧.

٣٦

بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (١).

ويدلّ عليه : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه ، وذلك تخفيف من ربّكم ورحمة» (٢).

(و) منها : غسل (يوم الغدير) إجماعا ، كما عن جماعة نقله ، وقد سمعت نقل الإجماع أيضا على استحبابه في الأعياد ، الشامل للمقام.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ خبر عليّ بن الحسين العبدي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «صيام يوم غدير خمّ يعدل صيام عمر الدنيا ـ إلى أن قال ـ ومن صلّى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة» ثمّ بيّن كيفيّة الصلاة ، إلى أن قال : «ما سأل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قضيت له كائنة ما كانت» (٣) الحديث.

وعن كتاب الإقبال بسنده عن الصادق عليه‌السلام في حديث ذكر فيه فضل يوم الغدير ، قال : «فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره» (٤).

وظاهر الرواية الأولى تحديد الغسل بما قبل الزوال ، وظاهر الثانية كونه في صدر النهار ، وظاهر الفتاوى ومعاقد الإجماعات امتداده بامتداد اليوم.

ولا يبعد تنزيل الروايتين على الفضل ، بل لا يبعد اختصاص الاولى بمريد الصلاة.

وكيف كان فلا يبعد الالتزام باستحبابه مطلقا بعد البناء على المسامحة.

__________________

(١) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٧ ، وانظر : الغنية : ٦٢.

(٢) التهذيب ١ : ١١٧ / ٣٠٨ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ١٤٣ ـ ١٤٤ / ٣١٧ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٤) إقبال الأعمال : ٤٧٤ ، وعنه في جواهر الكلام ٥ : ٣٨.

٣٧

(و) منها : غسل يوم (المباهلة) وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة على المشهور.

وعن الإقبال نسبته إلى أصحّ الروايات بعد أن حكى فيه قولا بأنّه الواحد والعشرون ، وقولا بأنّه السابع والعشرون (١) ، ولم يحك قولا بالخامس والعشرين ، لكن حكي عن المصنّف في المعتبر (٢) القول به.

ويدلّ على الأوّل ما عن مصباح الشيخ عن محمّد بن صدقة العنبري عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «يوم المباهلة يوم الرابع والعشرون من ذي الحجّة تصلّي في ذلك اليوم ما أردت» ثمّ قال : «وتقول وأنت على غسل : الحمد لله ربّ العالمين» (٣) إلى آخره.

ومنه يظهر استحباب غسل هذا اليوم ، كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل عن ظاهر الوسيلة عدم الخلاف في ثبوت غسل يوم المباهلة (٤) ، وعن الغنية الإجماع على استحباب غسل المباهلة (٥).

وفي موثّقة سماعة ، التي عدّ فيها جملة من الأغسال : «وغسل المباهلة واجب» (٦).

والمراد بالوجوب الاستحباب المؤكّد.

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٥ : ٤٠ ، وانظر : إقبال الأعمال : ٥١٥.

(٢) الحاكي عنه هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٦ ، وصاحب الجواهر فيها ٥ : ٤٠ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٥٧.

(٣) مصباح المتهجّد : ٧٠٨ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ح ٢.

(٤) الحاكي عنه هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٢٧ ، وانظر : الوسيلة : ٥٥.

(٥) حكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٦ ، وانظر : الغنية : ٦٢.

(٦) التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

٣٨

والمراد بالمباهلة فيها ـ على الظاهر ـ ليس إلّا يومها ولو بقرينة فتوى الأصحاب.

لكن يحتمل قويّا إرادة الغسل لفعل المباهلة ، كما عن جماعة من المتأخّرين استظهاره ، بل عن الحدائق أنّ في بعض الحواشي المنسوبة إلى المولى محمّد تقي المجلسي رحمه‌الله مكتوبا على الحديث المشار إليه ما صورته : «ليس المراد بالمباهلة اليوم المشهور حيث بأهل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مع نصارى نجران ، بل المراد به الاغتسال لإيقاع المباهلة مع الخصوم في كلّ حين ، كما في الاستخارة ، وقد وردت بذلك رواية صحيحة في الكافي ، وكان ذلك مشتهرا بين القدماء ، كما لا يخفى» (١) انتهى.

ولعلّ مراده بما في الكافي رواية أبي مسروق ـ المرويّة عن أصول الكافي ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت : إنّا نتكلّم مع الناس فنحتجّ عليهم بقول الله عزوجل (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) فيقولون : نزلت في أمراء السرايا ، فنحتجّ بقول الله عزوجل (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٣) فيقولون : نزلت في مودّة قربى المسلمين ، فنحتجّ بقول الله عزوجل (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (٤) فيقولون : نزلت في المؤمنين ، فلم أدع شيئا ممّا حضرني ذكره من هذا وشبهه إلّا ذكرته ، فقال لي : «إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة» قلت : فكيف أصنع؟ قال : «أصلح نفسك» ثلاثا ، وأظنّه قال : «وصم

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٢٧ ، وانظر : الحدائق الناضرة ٤ : ١٩٠ ـ ١٩١.

(٢) النساء ٤ : ٥٩.

(٣) الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٤) المائدة ٥ : ٥٥.

٣٩

واغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبّان ، فشبّك أصابعك اليمنى في أصابعهم ثمّ ألصقه وابدأ بنفسك ، وقل : اللهمّ ربّ السموات وربّ الأرضين عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، إن كان أبو مسروق جحد حقّا وادّعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ، ثمّ ردّ الدعاء عليه فقل : وإن كان فلان جحد حقّا أو ادّعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ، ثمّ قال : «فإنّك لا تلبث إلّا أن ترى ذلك ، فو الله ما وجدت خلقا يجيبني إلى ذلك» (١) الخبر.

ويستفاد من هذه الرواية مشروعيّة المباهلة واستحباب الغسل لها ، والله العالم.

ثمّ إنّه قد حكي عن جملة من الأصحاب أنّه يستحبّ الغسل ليوم دحو الأرض (٢) ، وهو يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة. ولم يظهر مستنده.

وحكي عن الحلبي في إشارة السبق استحباب غسل ليلة الجمعة (٣).

وهو أيضا ـ كسابقه ـ غير معلوم المستند ، لكن لا بأس بالالتزام بهما من باب المسامحة.

وعن جملة من الأصحاب التصريح باستحباب الغسل يوم النيروز ، بل لعلّه هو المشهور بين المتأخّرين ، بل في الجواهر : لم أعثر فيه على مخالف (٤).

والمستند فيه : رواية المعلّى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام في يوم النيروز ،

__________________

(١) الكافي ٢ : ٥١٣ ـ ٥١٤ / ١.

(٢) الحاكي عنهم هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٤٠ ـ ٤١ ، وانظر : البيان : ٤ ، والدروس ١ : ٨٧ ، والذكرى ١ : ١٩٩.

(٣) حكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ١ : ١٤٨ ، وانظر : إشارة السبق : ٧٢.

(٤) جواهر الكلام ٥ : ٤١.

٤٠