مصباح الفقيه - ج ٦

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٦

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

(الطرف الرابع : في أحكامه) (وهي عشرة) :

(الأوّل : من صلّى بتيمّمه) الصحيح (لا يعيد) ما صلّاه لو وجد الماء وإن كان في الوقت فضلا عن خارجه (سواء كان في سفر أو حضر) لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء.

وتوهّم أنّ الأمر بالصلاة مع التيمّم لا يقتضي إلّا الاجتزاء بالفعل المأمور به في سقوط هذا الطلب ، دون الطلب المتعلّق بالصلاة مع الطهارة المائيّة ، الذي لم يكن منجّزا عند عدم وجدان الماء بواسطة التعذّر ، مدفوع : بعدم كونهما تكليفين مستقلّين كلّ منهما في عرض الآخر حتّى يعقل فيهما ذلك ، بل الواجب على المكلّف إنّما هو الإتيان بالفرائض الخمس ـ مثلا ـ بشرائطها التي اعتبرها الشارع من الطهور ونحوه ، فإذا أتى بها المكلّف على الوجه المشروع بأن كانت جامعة لشرائطها التي منها الطهارة ، مائيّة كانت أم ترابيّة ، فقد برئت ذمّته عنها قطعا.

نعم ، يجوز أن يكون وجدان الماء في الوقت ـ مثلا ـ كاشفا عن مخالفة المأتيّ به لما تعلّق به الأمر في الواقع ، فيجب عليه حينئذ الإعادة. لكنّه خلاف ما فرضناه من صحّة التيمّم والصلاة الواقعة معه.

والحاصل : أنّ مقتضى القاعدة : الاجتزاء بالصلاة الواقعة مع التيمّم الصحيح ، وعدم وجوب إعادتها مطلقا ، إلّا أن يدلّ عليه دليل تعبّديّ ، نظير ما لو

٣٢١

أوجب الشارع إعادة الصلاة جماعة عند انعقاد الجماعة ، فيلتزم به حينئذ من باب التعبّد ، لا لأجل القاعدة.

ويدلّ على عدم وجوب الإعادة ـ مضافا إلى ذلك ـ أخبار كثيرة ، جملة منها تدلّ على عدم الإعادة مطلقا.

مثل : صحيحة عبيد الله (١) بن علي الحلبي أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء ، قال : «يتيمّم بالصعيد ، فإذا وجد الماء فليغتسل ، ولا يعيد الصلاة» (٢).

وحسنة الحلبي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليتمسّح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلّى» (٣).

ونحوها صحيحة عبد الله بن سنان (٤).

وصحيحة العيص ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلّى ، قال : «يغتسل ، ولا يعيد الصلاة» (٥).

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل أجنب فتيمّم بالصعيد ثمّ وجد الماء ، قال : «لا يعيد ، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «عبد الله». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٦٣ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ٤.

(٤) التهذيب ١ : ١٩٣ / ٥٥٦ ، و ١٩٧ / ٥٧٢ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٩ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ٧.

(٥) التهذيب ١ : ١٩٧ / ٥٦٩ ، الإستبصار ١ : ١٦١ / ٥٥٦ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١٦.

٣٢٢

أحد الطهورين» (١).

وهذه الروايات وإن كانت مطلقة لكنّها خصوصا الأخيرتين منها كادت تكون صريحة في إرادة عدم الإعادة ولو عند وجدان الماء في الوقت ، بل المتبادر منها ليس إلّا إرادة بيان الحكم في هذا الفرض.

نظير : صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإن أصاب الماء وقد صلّى بتيمّم وهو في وقت ، قال : «تمّت صلاته ولا إعادة عليه» (٢).

وموثّقة عليّ بن أسباط عن عمّه عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل تيمّم وصلّى ثمّ أصاب الماء وهو [في] وقت ، قال : «قد مضت صلاته وليتطهّر» (٣).

وصحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تيمّم وصلّى ثمّ بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت ، فقال : «ليس عليه إعادة الصلاة» (٤).

ورواية معاوية بن ميسرة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل في السفر لا يجد الماء تيمّم وصلّى ثمّ أتى الماء وعليه شي‌ء من الوقت أيمضي على صلاته أم يتوضّأ ويعيد الصلاة؟ قال : «يمضي على صلاته فإنّ ربّ الماء هو ربّ

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩٧ / ٥٧١ ، الإستبصار ١ : ١٦١ / ٥٥٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦٢ ، الإستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ٩.

(٣) التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٣ ، الإستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١٤ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٥ ، الإستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٥ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١١.

٣٢٣

التراب» (١).

وخبر عليّ بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : أتيمّم وأصلّي ثمّ أجد الماء وقد بقي عليّ وقت ، فقال : «لا تعد الصلاة فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد» (٢).

وهذه الأخبار وإن كان موردها ما لو وجد الماء في الوقت لكن يفهم منها حكم ما لو وجده بعد خروج الوقت بالفحوى والأولويّة القطعيّة.

ويدلّ عليه بالخصوص ـ مضافا إلى أنّه هو القدر المتيقّن الذي يدلّ عليه جميع ما دلّ على طهوريّة التراب وبدليّته من الماء خصوصا مثل قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين» (٣) ـ حسنة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضّأ لما يستقبل» (٤).

وصحيحة يعقوب بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل تيمّم

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٤ ، الإستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٢ / ٥٨٧ ، الإستبصار ١ : ١٦٥ / ٥٧٢ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١٧.

(٣) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢١ ، التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦١ ، و ١٩٩ ـ ٢٠٠ / ٥٧٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١٢.

(٤) الكافي ٣ : ٦٣ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٩٢ ـ ١٩٣ / ٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٨ ، و ١٦٥ ـ ١٦٦ / ٥٧٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ٣.

٣٢٤

فصلّى (١) فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضّأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال : «إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ وأعاد ، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه» (٢).

وما في هذه الصحيحة من الإعادة في الوقت يحمل إمّا على التقيّة ؛ لحكاية القول به عن جملة من العامّة (٣) ، أو على الاستحباب ، والثاني أوفق بالقواعد.

ولا ينافيه ما في بعض الأخبار المتقدّمة من النهي عن الإعادة ؛ لوروده في مقام توهّم الوجوب ، فلا ينافي الاستحباب.

ويشهد له موثّقة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل تيمّم فصلّى (٤) ثمّ أصاب الماء ، فقال : «أمّا أنا فكنت فاعلا ، إنّي كنت أتوضّأ وأعيد» (٥) فإنّ ظاهرها الاستحباب.

ويحتمل فيها أيضا التقيّة.

فما عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل ـ من وجوب الإعادة في الوقت (٦) ـ ضعيف ، سواء أرادا وجوبها تعبّدا أو للبناء على كون وجدان الماء في الوقت كاشفا عن بطلان التيمّم ، فإنّ الأخبار المتقدّمة حجّة عليهما على كلّ تقدير ، والروايتان الأخيرتان لا تصلحان لمعارضتها بوجه.

__________________

(١) في «ض ٤ ، ٥» والاستبصار : «وصلّى».

(٢) التهذيب ١ : ١٩٣ ـ ١٩٤ / ٥٥٩ ، الإستبصار ١ : ١٥٩ ـ ١٦٠ / ٥٥١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ٨.

(٣) المجموع ٢ : ٣٠٦ ، حلية العلماء ١ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ، المغني ١ : ١٧٧ ، الشرح الكبير ١ : ٣٠٥.

(٤) في «ض ٤ ، ٥» والاستبصار : «وصلّى».

(٥) التهذيب ١ : ١٩٣ / ٥٥٨ ، الإستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٥٠ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ١٠.

(٦) حكاه عنهما الشهيد في الذكرى ٢ : ٢٧٣.

٣٢٥

وأضعف منه ما حكي عن السيّد في شرح الرسالة من وجوب الإعادة على الحاضر إذا تيمّم لفقد الماء ثمّ وجده (١).

ولعلّ مستنده دعوى انصراف الأخبار الدالّة على مضيّ الصلاة وعدم إعادتها إذا وجد الماء وهو في وقت عن مثل الفرض ؛ لندرة عدم وجدان الماء في الحضر.

وأمّا ما دلّ على شرعيّة التيمّم للعاجز وطهوريّة التراب وأن ربّه ربّ الماء فلا يفهم منه أزيد من طهوريّته في الجملة ، والقدر المتيقّن منه العاجز الذي لم يتمكّن من استعمال الماء مطلقا بأن يكون عذره مستوعبا لجميع الوقت ، فإذا تيمّم وصلّى باعتقاد العجز ثمّ وجد الماء ، انكشف فساد ظنّه ومخالفة المأتيّ به لما كان تكليفه في الواقع ، فيعيد.

وفيه : ـ مع انعقاد الإجماع على الظاهر ـ كما عن ظاهر بعض ادّعاؤه (٢) ـ على مساواة الحضر والسفر في ذلك ـ ما عرفت عند البحث عن مسوّغات التيمّم من أنّ المناط في شرعيّته هو العجز حين الفعل ، لا العجز المستوعب لجميع الوقت.

مع أنّ دعوى الانصراف غير مسموعة ؛ فإنّ ندرة تحقّق فقدان الماء في

__________________

(١) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٣٦٥.

(٢) قال الشيخ محمد حسن النجفي رحمه‌الله في جواهر الكلام ٥ : ٢٢٦ : «بل في الخلاف التصريح بعدم الإعادة بل ظاهره أو صريحه الإجماع ، كما أنّ عنه الإجماع على مساواة الحضر والسفر في ذلك». وهذا يعني ظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع على عدم الإعادة ، لا أنّ ظاهره أو صريحه الإجماع على مساواة الحضر والسفر في عدم الإعادة. وانظر : الخلاف ١ : ١٤٢ ، المسألة ٩٠ ، وكذا كشف اللثام ٢ : ٤٨٦.

٣٢٦

الحضر لو كانت مقتضية لذلك ، لاقتضته أيضا بالنسبة إلى الأسفار التي جرت العادة بمصادفة الماء في طريقها كالحضر ، وليس كذلك قطعا ، بل لو كان مورد الأخبار خصوص المسافر ، لم تكن خصوصيّته مقصودة بالحكم بلا شبهة ، ولذا استفدنا حكم سائر اولي الأعذار من مثل هذه الأخبار.

وكيف كان فالتوجيه المذكور إنّما هو على تقدير أن يكون مراده الإعادة في الوقت لا في خارجه ، وإلّا فلم يعرف له وجه أصلا.

(وقيل) كما عن كتب الشيخ والمهذّب والإصباح وروض الجنان (١) (فيمن تعمّد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء : يتيمّم ويصلّي ثمّ يعيد) لرواية جعفر بن بشير عمّن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، قال : «يتيمّم فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة» (٢).

وعلّله بعض (٣) أيضا بقاعدة الاحتياط ؛ لعدم العلم بإجزاء الترابيّة في الفرض بعد ما ورد من التشديد عليه في عدّة أخبار بالاغتسال وإن تألّم من البرد.

وفيه : ما عرفت عند البحث عن مسوّغات التيمّم أنّ الأقوى شرعيّة التيمّم لمن خشي على نفسه من استعمال الماء من غير فرق بين الجنب وغيره وإن

__________________

(١) الحاكي عنها هو صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٤٨٧ ، وانظر : النهاية : ٤٦ ، والمبسوط ١ : ٣٠ ، والتهذيب ١ : ١٩٦ ، ذيل ح ٥٦٨ ، والاستبصار ١ : ١٦٢ ، ذيل ح ٥٦٠ ، والمهذّب ١ : ٤٨ ، وإصباح الشيعة : ٤٩ ، وفي روض الجنان : ١٣٠ خلاف ما نسب إليه في المتن ، أي الإعادة ، كما أشار إليه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٥٤.

(٢) الكافي ٣ : ٦٧ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٩٦ / ٥٦٧ ، الإستبصار ١ : ١٦١ / ٥٥٩ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ٦.

(٣) صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٢٧.

٣٢٧

استحبّ للجنب بل ولغيره أيضا الطهارة المائيّة ما لم يكن خوفه على وجه يوجب حرمة الإقدام عليها.

وكيف كان فلا شبهة في صحّة التيمّم والصلاة الواقعة معه في الفرض ، وهذه المرسلة (١) أيضا شاهدة عليها ، لكنّها تدلّ على وجوب إعادتها للإجادة وإدراك فضيلة الصلاة مع الطهارة المائيّة ، فيعارضها من هذه الجهة المستفيضة المتقدّمة التي وقع التصريح في جملة منها بعدم إعادة الجنب للصلاة الواقعة مع التيمّم.

واختصاص موردها بفاقد الماء غير مجد في رفع المعارضة بعد وضوح عدم مدخليّة الخصوصيّة في الحكم ، كما يدلّ عليه ما في بعضها من التعليل لعدم الإعادة : باتّحاد ربّ الماء وربّ الصعيد ، وأنّه قد فعل أحد الطهورين (٢).

وفي قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر حين جامع امرأته على غير ماء : «يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين» (٣) أيضا إشارة إليه.

وأنت خبير بأنّ حمل الإعادة في هذه المرسلة (٤) على الاستحباب أهون من التصرّف في تلك الأخبار ، بل لو لا معارضتها بتلك الأخبار ، لأشكل الاعتماد على مثل هذا الظهور في إثبات هذا الحكم التعبّدي المخالف للأصل وقاعدة الإجزاء ، المعتضدة بظواهر الكتاب والسنّة الدالّة على انحصار ما وجب على المكلّف في فرد من الطبيعة لا الفردين.

هذا ، مع ما فيها من ضعف السند ، ومخالفة ظاهرها لما عليه الأصحاب. و

__________________

(١) أي : مرسلة جعفر بن بشير ، المتقدّمة في ص ٣٢٧.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٢٣ ، الهامش (١).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٣٢٤ ، الهامش (٣).

(٤) أي : مرسلة جعفر بن بشير ، المتقدّمة في ص ٣٢٧.

٣٢٨

تخصيصها بالمتعمّد تأويل بلا شاهد ، بل المتبادر من قول السائل : «أصابته جنابة» إرادة ما يعمّ الاحتلام ، فالمتعيّن إمّا طرحها وحملها على التقيّة ؛ لحكاية القول بمضمونها عن جملة من العامّة ، أو الاستحباب ، كما هو الأولى ، خصوصا بملاحظة ما سمعته منّا في بعض مباحث الوضوء من نفي البعد عن الالتزام بحسن الإعادة للإجادة مطلقا ولو لم يدلّ عليها دليل تعبّدي ، والله العالم.

(و) عن الوسيلة والجامع والمقنع والنهاية والمبسوط والمهذّب (١) (فيمن منعه زحام الجمعة من الخروج) لاستعمال الماء قبل فوات الجمعة (مثل ذلك) أي يتيمّم ويصلّي ثمّ يعيد ؛ لموثّقة سماعة عن أبي عبد الله عن أبيه عن عليّ عليهم‌السلام أنّه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة فأحدث أو ذكر أنّه على غير وضوء ولا يستطيع الخروج من كثرة الزحام ، قال : «يتيمّم ويصلّي معهم ويعيد إذا هو انصرف» (٢).

وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم‌السلام أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس ، قال : «يتيمّم ويصلّي معهم ويعيد إذا انصرف» (٣).

أقول : أمّا شرعيّة التيمّم وصحّته في الفرض فممّا لا ينبغي الاستشكال فيه ، كما يدلّ عليه الروايتان وغيرهما ممّا يدلّ على عموم طهوريّة التراب للعاجز

__________________

(١) الحاكي عنها هو صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٤٩٠ ، وانظر : الوسيلة : ٧٠ ، والجامع للشرائع : ٤٥ ، والمقنع : ٢٧ ، والنهاية : ٤٧ ، والمبسوط ١ : ٣١ ، والمهذّب ١ : ٤٨.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤٨ / ٦٧٨ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٨٥ / ٥٣٤ ، الإستبصار ١ : ٨١ / ٢٥٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب التيمّم ، ح ١.

٣٢٩

حتّى على القول بعدم جوازه في السعة ؛ لأنّ المفروض فوات الجمعة بالتأخير ، فمقتضى القاعدة الاجتزاء بالصلاة الواقعة معه.

وقد أشرنا في الفرع السابق إلى أنّ حمل الإعادة في مثل هاتين الروايتين على الاستحباب أهون من التصرّف في القاعدة العقليّة ، الذي مرجعه إلى التصرّف في ظواهر الكتاب والسنّة الدالّة على انحصار الواجب بفرد من طبيعة الصلاة ، خصوصا مع ما في صحيحة محمّد بن مسلم ، وغيرها من تقرير القاعدة ، وتعليل عدم الإعادة : «بأنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين» (١).

ومن الواضح أنّ رفع اليد عن عموم هذه العلّة المعتضدة بالعقل والنقل أشكل من حمل الإعادة على الاستحباب ، خصوصا مع إعراض المشهور عن ظاهر الروايتين.

هذا ، مع غلبة الظنّ بإرادة الجمعة مع المخالفين ، كما كان متعارفا في تلك الأعصار ، ويشعر بذلك قوله عليه‌السلام : «ويصلّي معهم» (٢) فلا يجتزئ بها وإن صلّاها بطهارة مائيّة ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار :

منها : صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ أناسا رووا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه صلّى أربع ركعات بعد الجمعة لم يفصل بينهنّ بتسليم ، فقال : «يا زرارة إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام صلّى خلف فاسق ، فلمّا سلّم وانصرف قام أمير المؤمنين عليه‌السلام فصلّى أربع ركعات لم يفصل بينهنّ بتسليم ، فقال له رجل إلى جنبه : يا أبا الحسن صلّيت أربع ركعات لم تفصل بينهنّ ، فقال : أما إنّها أربع ركعات

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٣٢٣ ، الهامش (١).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٢٩ ، الهامش (٢ و ٣).

٣٣٠

مشبّهات ، فسكت ، فو الله ما عقل ما قال له» (١).

فمن هنا قد يشكل الالتزام باستحباب الإعادة على تقدير صحّة الجمعة وانعقادها بأهلها إلّا من باب المسامحة ، لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالإعادة ، خصوصا فيما إذا لم يتعيّن عليه صلاة الجمعة بأن كان مخيّرا بينها وبين الظهر ، كما في زمن الغيبة ونحوها على أشهر الأقوال ، بل وجوبها في الفرض لا يخلو عن وجه ، كما أنّ شرعيّة الجمعة فيه لو لم تكن بعنوان الاحتياط ورجاء أفضليّتها لا تخلو عن إشكال ، والله العالم.

(وكذا) قيل في (من كان على جسده نجاسة) لا يعفى عنها (ولم يكن معه ماء لإزالتها) التي هي مقدّمة على استعماله في رفع الحدث : يتيمّم ويصلّي ثمّ يعيد ، حكي ذلك عن الشيخ رحمه‌الله في النهاية والمبسوط (٢) ، لكنّ المسألة في كلامه مفروضة في نجاسة الثوب ، فإلحاق الجسد به لعلّه للأولويّة.

وكيف كان فمستنده رواية عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن رجل ليس عليه إلّا ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال : «يتيمّم ويصلّي ، وإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة» (٣).

وفيه ـ مع ما عرفت من عدم صلاحيّة مثل هذا الظاهر ـ مع إعراض

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٤ / ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ / ٧٥٦ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب صلاة الجمعة ، ح ٤.

(٢) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٤١ ، وانظر : النهاية : ٥٥ ، والمبسوط ١ : ٣٥.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٧ / ١٢٧٩ ، و ٢ : ٢٢٤ / ٨٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ / ٥٨٧ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب التيمّم ، ح ١.

٣٣١

الأصحاب عنه حتّى الشيخ في بعض (١) كتبه ـ لطرح القاعدة التي قرّرها عموم العلّة المنصوصة في الصحيحة (٢) المتقدّمة وغيرها ـ أنّها معارضة بجملة من الأخبار المتقدّمة النافية للإعادة ، التي منها الصحيحة (٣) المعلّلة الواردة في الرجل الذي أجنب ولم يجد ماء فتيمّم بالصعيد ، فإنّ الغالب عدم انفكاك بدن الجنب في مثل الفرض عن النجاسة. وتنزيل تلك الأخبار على من كان ثوبه وبدنه خاليا عن النجاسة تنزيل على الفرد النادر ، بل هو بمنزلة الطرح.

(و) لذا لا ينبغي الارتياب في أنّ (الأظهر عدم) وجوب (الإعادة).

والأولى حمل الرواية (٤) المتقدّمة على الاستحباب ، والله العالم.

(الثاني :) من عدم الماء (يجب عليه طلب الماء ، فإن أخلّ بالطلب) فتيمّم (وصلّى ثمّ وجد الماء في رحله أو مع أصحابه ، تطهّر وأعاد الصلاة) وقد تقدّم البحث عنه مفصّلا ، فراجع (٥).

(الثالث : من فقد (٦) الماء وما يتيمّم به) ولو اضطرارا (لقيد أو حبس في موضع نجس (٧)) لم يتمكّن فيه من استعمال الطهور إمّا لفقده أو لتعذّر استعماله عقلا أو شرعا (قيل : يصلّي) من غير طهارة (ويعيد) بعد زوال العذر.

لكن لم يعرف قائله ، كما اعترف به في المدارك (٨) وغيره (٩).

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٦٩ ، المسألة ١٢٣.

(٢) أي : صحيحة محمّد بن مسلم ، المتقدّمة في ص ٣٢٢.

(٣) أي : صحيحة محمّد بن مسلم ، المتقدّمة في ص ٣٢٢.

(٤) أي : رواية عمّار الساباطي ، المتقدّمة في ص ٣٣١.

(٥) ص ١٠١ وما بعدها.

(٦) في الشرائع : «عدم» بدل «فقد».

(٧) كلمة «نجس» لم ترد في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وهي من «الشرائع».

(٨) مدارك الأحكام ٢ : ٢٤٢.

(٩) جواهر الكلام ٥ : ٢٣٢.

٣٣٢

نعم ، حكي عن الشيخ أنّه خيّر بين تأخير الصلاة أو الصلاة مع الإعادة (١).

(وقيل : يؤخّر الصلاة حتّى يرتفع العذر) فإذا استوعب الوقت ، سقط التكليف بالصلاة أداء ، وهذا هو المشهور ، بل عن جامع المقاصد والروض نسبته إلى ظاهر الأصحاب (٢).

وفي المدارك : أمّا سقوط الأداء فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا صريحا (٣). انتهى.

ووجهه : اشتراط الصلاة بالطهارة ، وعدم شرعيّتها بدونها ، فيسقط التكليف بها عند تعذّر شرطها.

ويدلّ على إطلاق الاشتراط وعدم اختصاصها بحال التمكّن : عموم قول الباقر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلّا بطهور» (٤) وغيرها ممّا دلّ على اشتراط الصلاة بالطهور.

ولا يعارضها إطلاق ما دلّ على وجوب الصلاة مطلقا ؛ لاشتراط التكليف عقلا بالقدرة على الامتثال ، وهي منتفية.

وما يقال ـ من أنّ الطهارة من المقدّمات الوجوديّة للواجب ، ولذا يجب تحصيلها في الوقت ، وقد تقرّر في الأصول عدم اشتراط التكليف بمقدّماته

__________________

(١) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، وانظر : المبسوط ١ : ٣١.

(٢) حكاها عنهما صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٣٢ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٤٨٦ ، وروض الجنان : ١٢٨.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ٢٤٢.

(٤) التهذيب ١ : ٤٩ ـ ٥٠ / ١٤٤ ، و ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الوضوء ، ح ١.

٣٣٣

الوجوديّة ـ فاسد ؛ لما أشرنا إليه من أنّ القدرة على الإيجاد شرط في حسن الطلب ، وعدم اشتراط التكليف بمقدّماته الوجوديّة ليس معناه أنّه يجب إيجاد المأمور به بغير تلك المقدّمات ، بل معناه أنّه يجب إيجاده مع مقدّماته بشرط القدرة عليه ، فمقتضى القاعدة الأوّليّة سقوط التكليف بالمركّب عند تعذّر شي‌ء من أجزائه وشرائطه.

فما عن المحدّث الجزائري في رسالته «التحفة» ما صورته : والأولى ـ إن لم ينعقد الإجماع على خلافه ـ وجوب الصلاة أداء من غير إعادة ؛ لأنّ الطهارة شرط في صحّة الصلاة لا في وجوبها ، فهي كغيرها من الساتر والقبلة ، وباقي شروط الصحّة إنّما تجب مع إمكانها ، وإلّا لكانت الصلاة من قبيل الواجب المقيّد ، كالحجّ ، والأصوليّون على خلافه (١). انتهى ، ضعيف جدّا.

نعم ، لو لا استدلاله بالقاعدة العقليّة لأمكن توجيهه بقاعدة الميسور وما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال ، فإنّ مقتضاها عدم سقوط التكليف بالصلاة عند تعذّر شي‌ء من شرائطها الوجوديّة التي منها الطهور ، فمقتضاها اختصاص شرطيّته ـ كسائر الشرائط ـ بحال التمكّن ، فتكون القاعدة حاكمة على إطلاق أدلّة الشرائط.

لكن يتوجّه عليه : أنّ القاعدة الثابتة في المقام بقاعدة الميسور ونحوها ممّا دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال وإن اقتضت ذلك لكن صحيحة زرارة ـ المتقدّمة (٢) ـ بظاهرها حاكمة على هذه القاعدة ، وليست هذه الصحيحة كغيرها من الأدلّة المطلقة أو العامّة الواردة لبيان سائر الأجزاء والشرائط المخصّصة

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٣١٨ ، و «التحفة» مخطوطة.

(٢) في ص ٣٣٣.

٣٣٤

بالقاعدة ؛ لأنّ مقتضى عدم سقوط الصلاة بحال ووجوب الإتيان بميسورها عند سقوط معسورها : كون فاقدة الشرط لدى الضرورة صلاة صحيحة تامّة الأجزاء والشرائط ، فيجب إيجادها بعنوان كونها صلاة ، وبعد أن صرّح الشارع بأنّه «لا صلاة إلّا بطهور» يعلم أنّ فاقدة الطهور ماهيّة اخرى أجنبيّة عن ماهيّة الصلاة ، وأنّ الطهارة من مقوّمات تلك الماهيّة ينتفي بانتفائها اسمها ، فلا تشملها القاعدة.

توضيح ذلك : أنّه إذا عدّد الشارع شرائط الصلاة وأجزاءها ثمّ قال : الميسور لا يسقط بالمعسور ، وأنّ الصلاة لا تسقط بحال ، يعرف بذلك أنّ ما عدا ما يتقوّم به تلك الماهيّة بنحو من المسامحة العرفيّة إنّما هو شرائط وأجزاء اختياريّة ، فيستفاد من ذلك أنّ ماهيّة الصلاة المطلوبة شرعا لها مراتب مرتّبة باختلاف حالتي الاختيار والضرورة كلّها صلاة صحيحة تامّة الأجزاء والشرائط في مرتبتها ، فإذا قال : «لا صلاة إلّا بطهور» يفهم من ذلك أنّ فاقدة الطهور ليست من تلك المراتب ، وأنّها أجنبيّة عن تلك الماهيّة وإن شابهتها (١) صورة ، فعدم سقوط الصلاة بحال كغيرها من التكاليف المطلقة مشروط عقلا بالقدرة على إيجاد شي‌ء من مراتبها ، فلا يقتضي ذلك وجوب إيجادها بلا طهارة بعد أن علم ببيان الشارع أنّ فاقدة (٢) الطهور ماهيّة اخرى أجنبيّة عن ماهيّة الصلاة.

إن قلت : مناط شمول قاعدة الميسور للمورد ليس إلّا كون المأتيّ به بنظر العرف صلاة ناقصة ، ولا شبهة في كون فاقدة الطهور كذلك ، فيعمّها القاعدة ، غاية

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «أنّ فاقد .. ليس .. وأنّه أجنبيّ .. شابهها». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «فاقد». والصحيح ما أثبتناه.

٣٣٥

الأمر أنّه تتحقّق المعارضة بينها وبين قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (١) والنسبة بينهما العموم من وجه ، فكما يمكن إخراج مورد الاجتماع من موضوع القاعدة ، كذلك يمكن تقييد الاشتراط بصورة التمكّن.

قلت : سلّمنا ذلك ، لكنّ الأوّل أولى في مقام الجمع ، لا لمجرّد اعتضاده بفهم الأصحاب وإجماعهم ، أو كون دائرة العموم في القاعدة أوسع ، فيكون تخصيصها أهون ، بل لما أشرنا إليه من أنّ التصرّف فيها من باب التخصّص ، فإنّه إذا شمله عموم «لا صلاة» يعلم بذلك كونه أجنبيّا عن تلك الماهيّة وإن زعم أهل العرف كونه من مراتبها ، وإن شمله القاعدة ، يلزمه تخصيص العموم ، والأوّل أولى.

فالأظهر ما هو المشهور من عدم شرعيّة الصلاة بلا طهور ، بل لم يتحقّق الخلاف فيه وإن حكاه في المتن قولا في المسألة ، لكن لم يعرف قائله ، عدا ما سمعته (٢) من الشيخ من التخيير بين تأخير الصلاة وقضائها ، وبين فعلها في الوقت وقضائها في خارجه ، ومرجعه على الظاهر إلى تجويز إيجادها في الوقت من باب الاحتياط.

ويحتمل رجوعه إلى ما حكي عن نهاية الإحكام من استحباب فعلها في الوقت ؛ لحرمة الوقت ، والخروج من الخلاف (٣).

وفيه : أنّ حرمة الوقت لا تصلح أن تكون مشرّعة لفعل الصلاة بلا طهور. و

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٣٣٣ ، الهامش (٤).

(٢) في ص ٣٣٣.

(٣) حكاه عنها صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٤٦٥ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ٢٠١.

٣٣٦

أمّا الخروج من شبهة الخلاف فمرجعه إلى الاحتياط ، ولا بأس به.

وحكي عن الشيخ المفيد رحمه‌الله في رسالته إلى ولده أنّه قال : وعليه أن يذكر الله تعالى في أوقات الصلاة (١). ولم يتعرّض للقضاء.

فإن أراد وجوبه عليه ، فلم نقف له على مستند. وإن أراد استحبابه ، فلا بأس به ، فإنّ ذكر الله حسن في كلّ حال ، فينبغي رعاية الاحتياط ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط بفعل الصلاة في الوقت وقضائها في خارجه لو لم تتحقّق حرمة الصلاة بلا طهور ذاتا ، كما قد يستظهر ذلك من بعض الأخبار :

مثل : رواية مسعدة بن صدقة أنّ قائلا قال لجعفر بن محمّد عليهما‌السلام : جعلت فداك إنّي أمرّ بقوم ناصبيّة وقد أقيمت لهم الصلاة وأنا على غير وضوء ، فإن لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاؤا أن يقولوا ، فأصلّي معهم ثمّ أتوضّأ إذا انصرفت وأصلّي؟ فقال جعفر بن محمد عليه‌السلام : «سبحان الله ، أفما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا!؟» (٢).

وفي شمولها لما يؤتى به من باب الاحتياط وشدّة الاهتمام بأمر الصلاة نظر بل منع.

وكيف كان (فإن خرج الوقت) ثمّ زال العذر (قضى) على الأظهر الأشهر بين المتقدّمين والمتأخّرين ، كما في الجواهر (٣) ، بل عن كشف الالتباس نسبته إلى

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ٤٥٨ ، المسألة ٣١٩ ، ولكلامه فيه تتمّة ، وهي : «وليس عليه قضاء الصلاة».

(٢) الفقيه ١ : ٢٥١ / ١١٢٨ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب الوضوء ، ح ١.

(٣) جواهر الكلام ٥ : ٢٣٣.

٣٣٧

المشهور (١) ؛ لعموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت من قول الباقر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «ومتى ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها» (٢).

وفي صحيحته الأخرى : «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة : صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أدّيتها» (٣).

والنبويّ المشهور : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (٤).

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في النائم والساهي ومن صلّى بغير طهور وغير ذلك ، فإنّها وإن لم تكن مسوقة لبيان هذا الحكم ، بل ليس في أغلبها بل في ما عدا النبويّ المتقدّم إطلاق أو عموم يمكن التمسّك به لما نحن فيه ، لكن يفهم منها ـ ولو بملاحظة المجموع ـ أنّ وجوب قضاء الفرائض على من لم يأت بها في وقتها كان من الأمور المعهودة لديهم ، كما يفصح عن ذلك التعليلات الواقعة في الأخبار لرفع التكليف بالقضاء عن الحائض والمغمى عليه ونحوه ، بل لا يبعد أن يقال : إنّه يستفاد من تلك الأخبار أنّ الأمر المتعلّق بالصلاة في أوقاتها من قبيل تعدّد المطلوب ، كما أشرنا إليه عند البحث عن تكليف الحائض إذا أدركت من الوقت بمقدار لا يسع للصلاة مع الطهارة ، فراجع (٥).

(و) كيف كان فلا ينبغي التشكيك في أنّ مقتضى القاعدة المتلقّاة من الشارع : وجوب قضاء الفرائض في غير ما ثبت خلافه.

__________________

(١) حكاها عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٣٧ ، وانظر : كشف الالتباس ١ : ٣٨٦.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩١ / ١ ، الوسائل ، الباب ٦٣ من أبواب المواقيت ، ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٥ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب قضاء الصلوات ، ح ١.

(٤) أورده المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٤٠٦.

(٥) ج ٤ ص ١٢٣ ـ ١٢٤.

٣٣٨

فما (قيل) من أنّه (يسقط الفرض أداء) لما عرفت (وقضاء) للأصل ، وتبعيّته للأداء ، وللتشبّه بالحائض بسقوط صلاة كلّ منهما بحدث لا يمكن إزالته ، ولانصراف أدلّة القضاء لغيره من الأفراد المتعارفة ـ ضعيف ؛ لانقطاع الأصل بالدليل. وتبعيّته لتنجّز التكليف بالأداء ممنوعة ، وإلّا لم يجب على النائم والغافل ونحوهما ، والتشبيه بالحائض قياس ، مع أنّ الأخبار الواردة فيها تدلّ على أنّ علّة سقوط القضاء عنها أمور أخر وراء ذلك.

وأمّا دعوى الانصراف : فهي غير مجدية بعد ما سمعت من وضوح المناط ، مع أنّها بالنسبة إلى مثل النبويّ المتقدّم (١) غير مسموعة ، فإنّ خصوصيّة الأفراد فيه غير ملحوظة جزما ، وإلّا لانصرف عن كثير من الموارد التي يتّفق فيها فوت الصلاة بغير الأسباب المتعارفة ، وهو باطل بديهة.

فتلخّص لك أنّ الأحوط فعل الفرض أداء وقضاء (و) لكنّ القول بسقوطه أداء لا قضاء (هو الأشبه) والله العالم.

(الرابع) من الأحكام : (إذا وجد) المتيمّم (الماء قبل دخوله في الصلاة) انتقض تيمّمه ، و (تطهّر) به بلا خلاف ولا إشكال ، كما يدلّ عليه المعتبرة المستفيضة التي سيمرّ عليك بعضها.

مضافا إلى ظهور الأدلّة ـ من الكتاب والسنّة ـ في كون التيمّم طهارة اضطراريّة للعاجز ، فإذا طرأ القدرة ، تبدّل الموضوع ، فارتفع أثره.

فما عن بعض (٢) العامّة ـ من بقاء أثره بعد وجدان الماء ـ واضح السقوط.

__________________

(١) في ص ٣٣٨.

(٢) هو أبو سلمة بن عبد الرحمن والشعبي ، كما في أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ : ٣٨٤ ، والمحلّى ٢ : ١٢٣ ، والمبسوط ـ للسرخسي ـ ١ : ١١٠ ، والمجموع ٢ : ٣٠٢ ، والتفسير الكبير ١١ : ١٧٤.

٣٣٩

ثمّ إنّ المراد بوجدان الماء في النصوص والفتاوى هو الماء الذي يتمكّن من استعماله عقلا وشرعا ؛ لأنّ هذا هو المتبادر منه في مثل المقام ، كما أنّه هو الذي تقتضيه قاعدة طهوريّته للعاجز ، بل المنساق إلى الذهن كون ذكره في الفتاوى بل النصوص من باب المثال جريا على الغالب ، وإلّا فالمراد به مطلق تجدّد القدرة من استعمال الماء بعد التيمّم من غير فرق بين كون المسوّغ له فقد الماء أو غيره من الأعذار.

ويشهد لما ذكرنا من إرادة وجدان الماء الذي يتمكّن من استعماله من النصوص والفتاوى ـ مضافا إلى ما ذكرناه من الانصراف ـ خبر أبي أيّوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، المرويّ عن تفسير العيّاشي ، قال : «التيمّم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضّأ من غدير ماء ، أليس الله يقول (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (١)؟» قال : قلت : فإن أصاب الماء وهو في آخر الوقت؟ قال : فقال : «قد مضت صلاته» قال : قلت له : فيصلّي بالتيمّم صلاة أخرى؟ قال : «إذا رأى الماء وكان يقدر عليه ، انتقض التيمّم» (٢) فإنّه يدلّ على عدم الانتقاض لو لم يقدر عليه ، فلا عبرة بما إذا وجد ماء لم يجز له استعماله لمانع عقليّ أو شرعيّ ، كتضرّره به ، أو كونه مغصوبا ، أو ضاق الوقت عن استعماله ، بل وكذا لو جاز له الاستعمال ولكن قصر زمان القدرة عليه عن التطهّر به ، بأن لم يتمكّن إلّا من بعض الغسل أو الوضوء مثلا ، فإنّه لا يعتدّ بذلك حيث لا يندرج به في موضوع القادر.

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٣.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٤٤ / ١٤٣ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب التيمّم ، ح ٦.

٣٤٠