مصباح الفقيه - ج ٦

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٦

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

عن صريح بعض وظاهر آخرين (١) ، بل عن الذكرى نسبته إلى معظم عبارات الأصحاب (٢) ، وعن كشف اللثام إلى المشهور (٣)؟ وجهان ، أحوطهما بل أظهرهما : الثاني ؛ لظهور معظم الأخبار البيانيّة ـ على كثرتها ـ في اعتبار الضرب ، وفي جملة من الأخبار التصريح به : ففي صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ـ بعد أن سأله عن كيفيّة التيمّم ـ قال : «التيمّم ضرب واحد للوضوء ، والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرّتين» (٤) الحديث.

وعن ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في التيمّم ، قال : «تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين» (٥) إلى آخره.

نعم ، ربما يظهر من بعض الأخبار كفاية مطلق الوضع ، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وروايتي داود بن النعمان وأبي أيّوب الخزّاز عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، الواردة في مقام بيان التيمّم بنقل قضيّة عمّار وفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ففي الأولى : قال عليه‌السلام : «ثمّ أهوى ـ أي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بيديه إلى الأرض ،

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٨٠ عن صريح الروض : ١٢٤ ، والروضة البهيّة ١ : ١٥٦ ، وكشف اللثام ٢ : ٤٦٨ ـ ٤٦٩ ، ورياض المسائل ٢ : ٤٣. وعن ظاهر المقنع : ٢٦ ، والهداية : ٨٧ ، وجمل العلم والعمل ـ للسيّد المرتضى ـ : ٥٤ ، والجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر) :١٦٩ ، والغنية : ٦٣ ، والوسيلة : ٧١ ، وإشارة السبق : ٧٤ ، والسرائر ١ : ١٣٦.

(٢) حكاها عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٨٠ ، وانظر : الذكرى ٢ : ٢٥٩.

(٣) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٨٠ ، وانظر : كشف اللثام ٢ : ٤٦٨.

(٤) التهذيب ١ : ٢١٠ / ٦١١ ، الإستبصار ١ : ١٧٢ / ٥٩٩ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التيمّم ، ح ٤ ، وفي «ض ٤ و ٥» والتهذيب : «بيدك» بدل «بيديك».

(٥) التهذيب ١ : ٢٠٩ ـ ٢١٠ / ٦٠٨ ، الإستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٦ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

٢٦١

فوضعهما على الصعيد» (١) الحديث.

وفي الثانية : «فوضع يديه على الأرض ثمّ رفعهما» (٢) الحديث.

وفي الثالثة : «فوضع يده على المسح ثمّ رفعها» (٣) الحديث.

والمراد بالمسح ـ على الظاهر ـ ما يمسح منه ، يعني الصعيد ؛ بشهادة الخبرين المتقدّمين وغيرهما من الأخبار الحاكية لهذه الواقعة الشخصيّة.

وفي خبر آخر لزرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «وذكر التيمّم وما صنع عمّار ، فوضع أبو جعفر عليه‌السلام كفّيه على الأرض» (٤) الحديث.

لكن لا تصلح هذه الأخبار لمعارضة الأخبار الدالّة على اعتبار الضرب ؛ لوجوب حمل الوضع في هذه الروايات على إرادة ما لا ينافي مفهوم الضرب ؛ إذ الظاهر أنّ الوضع أعمّ من الضرب من حيث الصدق ، فينزّل الوضع الصادر عن النبيّ والوصيّ عليهما‌السلام على ما تحقّق معه اسم الضرب ؛ بشهادة الأخبار الدالّة على اعتبار الضرب في التيمّم.

وبهذا يتّجه كلام من ردّ الاستدلال بهذه الأخبار على كفاية مطلق الوضع : بأنّه حكاية فعل لا عموم فيه.

لكن يتوجّه عليه : أنّ العبرة بظهور تعبير المعصوم عنه في مقام البيان بالوضع ، فيظهر من هذا التعبير في مثل الفرض كفاية مطلق الوضع لكن لا على

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٨.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٧ / ٥٩٨ ، الإستبصار ١ : ١٧٠ / ٥٩١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٦٢ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٨ / ٦٠٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٥.

٢٦٢

وجه يعارض ظهور الأخبار الدالّة على اعتبار الضرب ، فإنّها أقوى دلالة من ظهور نقل الحكاية في إرادة الإطلاق.

هذا ، مع أنّ مقتضى أعمّيّة الوضع من الضرب تقيّد الإطلاق بتلك الأخبار.

وبما ذكرنا ظهر أنّه على تقدير الالتزام بمباينة مفهوم الوضع للضرب ـ كما عن بعض (١) ادّعاؤها بدعوى أنّ المتبادر منه ما لم يكن فيه شدّة واعتماد ، عكس الضرب ـ أيضا لا تصلح هذه الأخبار للمعارضة ، إذ الظاهر أنّ المباينة بينهما ـ على تقدير التسليم ـ جزئيّة ، بمعنى أنّهما يتصادقان في بعض المصاديق التي يتحقّق بها أوّل مراتب الضرب ، وحيث إنّ ظهور هذه الأخبار في إرادة كفاية مطلق الوضع أضعف من ظهور تلك الأخبار في اعتبار الضرب تحمل هذه الأخبار على إرادة ما لا ينافي اعتبار الضرب.

نعم ، لو قلنا بتباين المفهومين كلّيّا ، لتحقّقت المعارضة بين الروايات حينئذ ، لكن مع ذلك أيضا معارضتها من قبيل النصّ والظاهر ، فإنّ إرادة مجرّد الوضع من الضرب في هذه الأخبار الكثيرة في غاية البعد ، بخلاف إرادة ما يصدق عليه اسم الضرب من الوضع ، فإنّه غير بعيد ، كما يشهد بذلك الخلاف في أنّه حقيقة في الأعمّ من الضرب أو مباين له؟ نعم ، بعد تسليم المباينة قد يتخيّل أنّ الالتزام بكفاية القدر المشترك ـ أعني مطلق وقوع اليد على الأرض سواء صدق عليه اسم الوضع أو الضرب من دون اعتبار شي‌ء من الخصوصيّتين بدعوى جريهما في الأخبار مجرى العادة في مقام التعبير ، أو لغيره من النكت ـ أولى في مقام الجمع من ارتكاب التأويل بحمل

__________________

(١) انظر : مدارك الأحكام ٢ : ٢١٧.

٢٦٣

اللفظ على المفهوم المباين.

ويدفعه : أنّ هذا التوجيه في حدّ ذاته وإن لم نستبعد أقربيّته من التأويل ، بل ربما يستشكل في كثير من الموارد في ترجيح تقييد المطلق على هذا النحو من التصرّف ، لكنّه في المقام متعذّر ، لأنّ الأخبار الحاكية لفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضيّة عمّار ـ على الظاهر ـ إنّما هي إخبار عن واقعة شخصيّة ، ففي بعض الروايات عبّر عنها بوضع يده على الصعيد ، كالخبرين المتقدّمين (١) ، وفي بعضها عبّر عنها بالضرب ، ففي صحيحة زرارة ، المرويّة عن مستطرفات السرائر : «فضرب بيديه على الأرض» (٢) الحديث ، فلا يتأتّى فيها هذا الحمل.

وأمّا خبره (٣) الآخر المشتمل على حكاية تيمّم أبي جعفر عليه‌السلام فهو إنّما ينهض حجّة بضميمة أصالة عدم الغفلة واشتباه الراوي في فهم الخصوصيّة التي بها يمتاز الوضع عن الضرب ، وهي ممّا لا ينبغي الالتفات إليها في مقابلة الأخبار المتظافرة الدالّة على اعتبار الضرب خصوصا في مثل المورد الذي يكثر في كثير من مصاديقه الاشتباه.

هذا ، مع ما فيه من قوّة احتمال كونه إخبارا عن خصوص الواقعة التي حكاها زرارة بسند آخر عن أبي جعفر عليه‌السلام معبّرا عنها بالضرب ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التيمّم ، فضرب بيديه على الأرض (٤) ، إلى آخره.

__________________

(١) في ص ٢٦٢.

(٢) السرائر ٣ : ٥٥٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٩.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٢ ، الهامش (٤).

(٤) الكافي ٣ : ٦١ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ / ٦٠١ ، الإستبصار ١ : ١٧٠ / ٥٩٠ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٣.

٢٦٤

وكيف كان فلا تصلح مثل هذه الروايات ـ مع ما فيها من ضعف الدلالة ـ قرينة لصرف الأخبار المتظافرة المتكاثرة الدالّة على اعتبار الضرب ، والله العالم.

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر النصوص والفتاوى اعتبار كون الضرب بكلتا يديه ، فلو ضرب بإحداهما ، لم يجزئ ، بل يعتبر أن يكون دفعة ، كما عن جامع المقاصد (١) وغيره التصريح به ، وفي الحدائق (٢) نسبته إلى ظاهر الأخبار والأصحاب.

ويمكن المناقشة في استفادة شرطيّة من الأخبار ، فإنّ المنسبق إلى الذهن من قوله : «اضرب بكفّيك» ونحوه وإن كان ذلك لكنّه انسباق بدويّ لا يقف عنده الذهن بعد الالتفات إلى إطلاق الكلام وانتفاء ما يصلح قرينة لصرفه من أمارة أو عادة ونحوها.

وكذا استظهاره من الأخبار الحاكية لفعلهم عليهم‌السلام ليس إلّا من هذا القبيل.

مع أنّ استفادة شرطيّة مثل هذه الأمور الجارية مجرى العادة من الفعل في حيّز المنع.

ويمكن دفعها : بأنّ مثل هذه المناقشة إنّما تتطرّق في كلّ واحدة من الروايات لو لوحظت بنفسها ، وأمّا بملاحظة المجموع فلا ، إذ لو سلّم قصور دلالة كلّ من الروايات على اعتبار المعيّة فلا أقلّ من إشعارها بذلك ، فإذا اعتضد بعضها ببعض ، فلا تقصر عن مرتبة الدلالة.

هذا ، مع أنّ إنكار ظهور مثل قوله عليه‌السلام : «فوضعهما على الصعيد» أو

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٨٢ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٤٩٠.

(٢) الحدائق الناضرة ٤ : ٣٣٢.

٢٦٥

«ضربهما على الأرض» ـ في مقام حكاية الفعل ـ في المعيّة مكابرة ، خصوصا بملاحظة قضاء العادة بأنّه لو وقع مترتّبا ، لوقع التصريح به ولو في بعض الأخبار الحاكية له.

وأمّا احتمال كونها من باب العادة والاتّفاق فإنّما يمنع ظهور الفعل الصادر في مقام التعليم من إرادتها ما لم يتكرّر ، وأمّا إذا تكرّر مرارا بقصد التعليم بكيفيّة خاصّة ، فظاهره أنّ اختيار هذه الخصوصيّة في جميع تلك الوقائع إنّما هو لمدخليّتها فيه.

ويؤيّده بل ربما يستدلّ له : بما ورد من أنّ التيمّم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة للكفّين (١).

وفي دلالته نظر (٢) ، لكنّه لا يخلو عن تأييد ، بل الإنصاف ما أشرنا إليه من أنّ شيئا من المذكورات في حدّ ذاته لا ينهض دليلا لإثبات المدّعى ، لكنّ المجموع من حيث المجموع لا يبعد كفايته ، مع موافقته للاحتياط الذي قد يقال بلزومه في مثل المقام ، فتأمّل.

ولا يعتبر فيما يتيمّم به من التراب وغيره اتّصاله بالأرض وكونه من أجزائها بالفعل ، بل ولا كونه موضوعا عليها ، وإنّما يعتبر كونه من الأرض وإن انفصل عنها بالفعل بحيث لم يصدق عليه بسبب انفصاله اسم الأرض ، بلا خلاف

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١٠ / ٦٠٩ ، الإستبصار ١ : ١٧١ ـ ١٧٢ / ٥٩٧ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التيمّم ، ح ٣.

(٢) قوله : «وفي دلالته نظر» وجهه : أنّ المنساق من تلك الأخبار إرادة بيان اعتبار الضربتين في التيمّم ، وعدم كفاية ضربة واحدة للمجموع ، فلا يفهم منها اعتبار الوحدة المقابلة للتدريج في كلّ ضربة ، كما لا يخفى على المتأمّل. (منه عفي عنه).

٢٦٦

فيه على الظاهر ، بل عليه السيرة القطعيّة ، مضافا إلى استفادته من جملة من الأخبار :

مثل : خبر السكوني (١) والمرويّ عن الراوندي (٢) ، الدالّين على جواز التيمّم بالجصّ والنورة مطلقا ، والمنع من الرماد ، معلّلا بأنّه لم يخرج من الأرض.

وقد عرفت في محلّه دلالتهما على جواز التيمّم بالرماد المتّخذ من الأرض فضلا عن التراب المأخوذ منها.

ومثل ما دلّ على أنّ الله عزوجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا ، كما في صحيحة جميل (٣) ، فإنّ مفاده أنّ التراب من حيث هو طهور وإن لم يكن متّصلا بالأرض.

ويؤيّده الأخبار (٤) الآمرة بالتيمّم بنفض الثوب ، والتيمّم بغباره ، أو بما على عرف دابّته ولبد سرجه ونحوهما من الغبار.

وكيف كان فلا شبهة في جواز التيمّم بالتراب ونحوه وإن لم يكن متّصلا بالأرض ولا موضوعا عليها ، بل يجزئ لو كان على غيرها ولو بدن غيره ، كما هو ظاهر إطلاق الفتاوى والأدلّة الدالّة على طهوريّة التراب.

فما في التيمّمات البيانيّة ونحوها من ضرب الأرض محمول على المثال.

بل في الجواهر : لو كان على وجه تراب صالح فضرب عليه ومسح ، أجزأ ، كما صرّح به في الذكرى وغيرها ، لصدق الامتثال ، وعدم ما يصلح

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٨٧ / ٥٣٩ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٢) النوادر ـ للراوندي ـ : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ٤٣٧ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ / ١٢٦٤ ، الوسائل ، الباب ٢٣ و ٢٤ من أبواب التيمّم ، ح ١ و ٢.

(٤) انظر : الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم.

٢٦٧

للمعارضة (١). انتهى.

وهو حسن بشرط عدم حيلولة التراب حين المسح بين الماسح والممسوح ، إذ لا مدخليّة لرفع اليد وانفصالها عن التراب بعد الضرب عليه في صحّة التيمّم ولو بحكم أصل البراءة.

فما عن بعض ـ من عدم الاجتزاء به ، لتوقيفيّة العبادة ، مع تبادر غيره من الأدلّة (٢) ـ منظور فيه ، فإنّ توقيفيّة العبادة لا تصلح مانعة من الرجوع إلى البراءة فيما يشكّ في اعتباره. وأمّا تبادر غيره من الأدلّة فإنّما هو باعتبار عدم تعارف كون الوجه محلّا للتراب ، كانصرافه عن التراب الموضوع على شي‌ء نفيس ونحوه ممّا لم تجر العادة بطرح التراب عليه ، وهذا ممّا لا يوهن إطلاق الدليل ، فإنّ المتبادر من الأمر بضرب التراب إنّما هو إرادة إيجاد هذه الطبيعة من حيث هي من دون التفات إلى خصوصيّات المحلّ ، فهي أجنبيّة عن ماهيّة المأمور به ، فالأظهر ما عرفت.

نعم ، لو أمرّ يده على ما على وجهه من التراب مجتزئا به عن الضرب والمسح ، لم يجزئ ، لما عرفت من اعتبار الضرب ثمّ المسح به.

وعن المنتهى احتمال كفايته (٣). وهو ضعيف.

ويعتبر كون الضرب بباطن الكفّ ، كما يشهد به مغروسيّته في أذهان المتشرّعة.

__________________

(١) جواهر الكلام ٥ : ١٨٢ ، وانظر : الذكرى ٢ : ٢٥٩.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٨٢ عن العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢١٨.

(٣) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٨٢ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٤٨.

٢٦٨

مضافا إلى أنّه هو المتبادر من الأمر بضرب اليد على الأرض ومسح الجبهة بها خصوصا من مثل قوله : «ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الأخرى» (١).

وتوهّم كون الانصراف بدويّا منشؤه انس الذهن لأجل غلبة الوجود قد عرفت ضعفه في مبحث الوضوء عند التكلّم في اعتبار كون المسح بباطن الكفّ.

وقد عرفت في ذلك المبحث أنّه لو تعذّر المسح بباطن الكفّ ، مسح بظاهرها ، فكذلك فيما نحن فيه لو تعذّر ضرب الباطن والمسح به ، ضرب بظاهر يديه ومسح به ، لعين ما مرّ من قاعدة الميسور ، بل إمكان استفادته من إطلاق مثل قوله عليه‌السلام : «تضرب بكفّيك الأرض» (٢) بالتقريب المتقدّم من أنّ انصرافه إلى الباطن إنّما هو مع الإمكان لا مطلقا ، بدعوى : أنّ الترتّب بين المصاديق المتعارفة التي ينصرف إليها الإطلاق عرفيّ ، فينطبق عليه الإطلاق من دون أن يكون اللفظ مستعملا في معاني متعدّدة.

لكن قد يشكل الأمر في المقام بالنسبة إلى فاقد الكفّين من الزند ، بخلاف مبحث الوضوء الذي عرفت فيه قيام ما بقي من الذراعين مقام الكفّ بقاعدة الميسور ، فإنّ المراد باليد في باب التيمّم هو الكفّ ، فضرب الذراع على الأرض ومسح الجبهة بها بمنزلة الاستعانة بآلة أجنبيّة.

فمن هنا قد يقال : إنّ تكليف الأقطع إنّما هو مسح جبهته بالتراب ، لسقوط فرض الكفّين ضربا ومسحا بسقوطهما ، فلم يجب عليه إلّا مسح جبهته ، وحيث

__________________

(١) السرائر ٣ : ٥٥٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٩.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٥ ، الإستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٥ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٧ ، وفي النسخ الخطّيّة والحجريّة : «اضرب» بدل «تضرب». وما أثبتناه كما في المصدر.

٢٦٩

تعذّر كونه بكفّيه مسحها على الأرض ، لأنّه ميسور المتعذّر.

وفيه : أنّ الجزم بهذا أشكل من الالتزام بقيام الذراعين مقام الكفّين ، إذ لا مدخليّة لإيصال التراب إلى الجبهة ومسحها به في ماهيّة التيمّم حتّى يكون إمرارها عليه بنظر العرف ميسور المتعذّر ، وإنّما المعتبر مسحها بكفّيه المضروبتين عليه ، فمقتضى القاعدة : إمّا سقوط اشتراط المباشرة ، فيستعين بيدي الغير ، أو اشتراط كونه بيديه ، فيمسح بذراعيه أو غيرهما من جوارحه.

والحاصل : أنّه لم يعلم أقربيّة شي‌ء من الأمور المذكورة إلى الماهيّة المأمور بها حتّى تقتضي القاعدة تعيّنه ، فيجب على المكلّف الإتيان بجميع المحتملات حتّى يقطع بالخروج من عهدة التكليف بالتيمّم الذي علم تنجّزه عليه بقاعدة الميسور ، التي هي عمدة المستند في كثير من الفروع المسلّمة في باب الطهارات الثلاث.

فما عن بعض ـ من سقوط التكليف به ، لتعذّره (١) ـ ضعيف ، بل الأحوط أن يعامل مع الذراعين في حدّ ذاتهما معاملة الكفّين بضرب باطنهما على الأرض ومسح ظاهر كلّ منهما بباطن الأخرى كالكفّين ، لإمكان أن يدّعى كونه ـ بشهادة العرف ـ ميسور المتعذّر ، لكن ما لم تتحقّق هذه الدعوى يمكن نفي وجوب مسح ظاهرهما بأصل البراءة ، لرجوعه إلى الشكّ في جزئيّته بالنسبة إلى تيمّم الأقطع ، والمرجع فيه البراءة على إشكال في باب الطهارات تقدّمت الإشارة إليه غير مرّة ، فلا ينبغي ترك الاحتياط فيه ، مع أنّ الدعوى المزبورة قريبة جدّا ، بل ربما يقال في مثل المقام باستصحاب وجوب مسح الكفّ بنحو من المسامحة العرفيّة التي

__________________

(١) حكاه صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٤٧٩ عن الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٣.

٢٧٠

عرفت تقريبها وما يتوجّه عليه من النقض والإبرام في نظائر المقام في مبحث الوضوء ، فراجع.

وبما ذكرنا ظهر لك أنّه يجب الاحتياط بالإتيان بالمحتملات في كثير من مواقع الضرورة التي يجب فيها رعاية قاعدة الميسور ، كما لو دار الأمر بين وضع اليدين معا من دون ضرب أو ضربهما مترتّبا ، أو دار الأمر بين وضع باطنهما أو ضرب ظاهرهما ، أو بين التيمّم بيد واحدة لمن قطعت إحدى يديه أو ضمّ الذراع إليها ، وكذا في مسح ظاهر كفّه ، فهل يمسحها على الأرض أو بذراعه؟ إلى غير ذلك من الموارد التي يشكل الجزم فيها بتعيّن كيفيّة خاصّة وأقربيّتها إلى الماهيّة المأمور بها ، والله العالم.

ثمّ إنّ المتبادر من الأمر بضرب الكفّ على الأرض هو الضرب بتمام الكفّ عرفا ، فلا يجزئ الضرب ببعضها مع الاختيار ، وأمّا مع الضرورة فيجزئ ، لقاعدة الميسور ، بل إطلاق الأمر بضرب اليد بالتقريب الذي عرفته في حكم الضرب بظاهر الكفّين.

والظاهر أنّ الضرب ببعض باطن الكفّين أقرب إلى الماهيّة بنظر العرف من ضرب ظاهرهما ، فيقدّم عليه ، والأحوط الجمع.

وكذا لو كان على الباطن حائل تعذّرت إزالته ، فإنّه ـ على الظاهر ـ بمنزلة البشرة ما دامت الضرورة ، كما يظهر وجهه ممّا مرّ في مبحث الوضوء ، فمع القدرة على ضرب الباطن مع ما عليه من الحائل لا يعدل إلى ضرب الظاهر.

وتوهّم أنّ الضرورة كما تؤثّر في قيام الحائل مقام البشرة ، كذا تؤثّر في الاجتزاء بضرب الظاهر ، فترجيح أحدهما على الآخر يحتاج إلى دليل ، مدفوع

٢٧١

بأنّ قضيّة قيام الحائل مقام البشرة تمكّنه من ضرب الباطن ، فلا تلغى شرطيّته مع الإمكان ، لكن لا ينبغي فيه أيضا ترك الاحتياط بالجمع.

وليس نجاسة باطن اليدين مع عدم التعدّي والحجب وتعذّر الإزالة عذرا في الانتقال إلى الظهر ، كما صرّح به في الجواهر (١) وغيره (٢) ، إذ لا دليل على اعتبار الطهارة في الفرض ، بل لم يقم دليل يعتدّ به على اشتراط خلوّ مواضع التيمّم مطلقا ـ حتّى مع الاختيار ـ عن النجاسة الغير المسرية ، عدا ما عن بعض من دعوى الإجماع على اشتراط طهارة الماسح والممسوح (٣) ، فإن تمّ فهو ، وإلّا فالأصل بل إطلاقات أدلّة التيمّم ـ من الكتاب والسنّة ـ ينفيه.

والاستدلال عليه : بأنّ بدليّته من الطهارة المائيّة تقتضي مساواته لها في جميع الأحكام التي لم يدلّ دليل على خلافها ممّا لا ينبغي الالتفات إليه ، ضرورة عدم استفادة مثل هذه الأمور من أخبار التيمّم ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وربما يجاب عن ذلك : بأنّ اشتراط طهارة المحلّ في الطهارة المائيّة إنّما هو لحفظ الماء عن الانفعال ، فلا يقتضي عموم المنزلة المنع من النجاسة الغير المسرية ، كما في الفرض.

وفيه : ما عرفت في محلّه من أنّ الأظهر اشتراطها من حيث هي وإن لم ينفعل الماء بأن كان كثيرا أو جاريا ، فراجع.

وعن [الذكرى] (٤) الاستدلال على اشتراط طهارة أعضاء التيمّم : بأنّ

__________________

(١) جواهر الكلام ٥ : ١٨٣.

(٢) انظر : مدارك الأحكام ٢ : ٢٢٨.

(٣) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٤٩ عن الشهيد في حواشيه على قواعد الأحكام.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «التذكرة». والصحيح ما أثبتناه حيث لم نعثر على ما نسب إلى التذكرة فيها ولا على ما حكاه عنها ، بل هو من الشهيد في الذكرى كما حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٨٦.

٢٧٢

التراب ينجس بملاقاة النجس فلا يكون طيّبا (١).

وفيه : أنّه إنّما يتمّ بالنسبة إلى النجاسة المسرية إلى التراب دون غيرها ، كما هو المفروض في المقام.

بل قد يناقش فيه أيضا تارة بمنع كون الطيّب بمعنى الطاهر.

وفيه : ما عرفت عند التكلّم في اشتراط طهارة التراب من الضعف.

واخرى : بأنّ المتبادر من الآية وغيرها ممّا دلّ على اشتراط طهارة التراب إنّما هو طهارة ما يتيمّم به عند إرادة التيمّم ، فلا يعمّ النجاسة الحاصلة باستعماله في التيمّم ، نظير النجاسة الحاصلة للماء بملاقاة النجس عند استعماله في إزالة الخبث.

وفيه : ما لا يخفى ، فإنّ مفادها ليس إلّا اعتبار طهارة ما يتيمّم به حين استعماله في التيمّم.

وقياسه على المستعمل في إزالة الخبث باطل ، كما يظهر وجهه ممّا سبق في مبحث اشتراط طهارة المستعمل في رفع الحدث ، بل يفهم بواسطة المناسبة الظاهرة بين الحكم وموضوعه اشتراط طهارة العلوق المعتبر عند مسح الجبهة واليدين على القول به وإن لم يصدق عليه اسم الصعيد بعد صيرورته علوقا ، فاشتراط خلوّ المواضع من النجاسة المسرية إلى التراب الذي يقع التيمّم به ممّا لا ينبغي الاستشكال فيه ، وإنّما الإشكال في اشتراط خلوّها عن النجاسة الغير المسرية أو المسرية التي لم تتعدّ إلى التراب بأن عرضت في اليد بعد ضربها على الأرض أو كانت في الجبهة أو ظاهر الكفّين ، ولم نشترط العلوق.

__________________

(١) الذكرى ٢ : ٢٦٧.

٢٧٣

لكن لا يبعد أن يدّعى أنّ مغروسيّة كون تلويث المواضع بالنجس من المحاذير الشرعيّة في الجملة ، وكونه استقذارا لدى الشارع يوجب صرف إطلاقات أوامر التيمّم عن الفرد المستلزم لاستعمال النجس باشتمال المواضع على النجاسة المسرية.

ولعلّ هذا هو المنشأ لما ادّعاه بعض (١) من القطع بعدم الاجتزاء بذلك ، فالأحوط ـ إن لم يكن الأقوى ـ عند تعذّر الإزالة حبسها عن السراية بتجفيف أو بعلاج ولو بشدّ خرقة ونحوها ، إذ الظاهر كفاية مثله عذرا في قيام الحائل مقام البشرة ، وإن كان الأحوط في مثل الفرض الجمع بين مسح البشرة والحائل لو لم يترتّب عليه محذور شرعيّ أو عرفيّ من تلويث المواضع الطاهرة بحيث يشقّ عليه تحمّله ، كما أنّ الأحوط عند تعذّر الحبس والإتيان بشي‌ء من مراتب التيمّم خاليا عن استعمال النجس الجمع بين التيمّم وبين ما يقتضيه فقد الطهورين ، والله العالم.

تنبيه : صرّح غير واحد بأنّه لا يشترط أن يعلق شي‌ء من الصعيد بالكفّين عند الضرب عليه ، بل عن جامع المقاصد ـ بعد أن نقل الاشتراط من بعض (٢) العامّة وابن الجنيد (٣) من أصحابنا ـ قال : والإجماع على خلافه (٤).

وعن المنتهى : لا يجب استعمال التراب في الأعضاء الممسوحة ، ذكره

__________________

(١) لم نتحقّقه.

(٢) يأتي تخريجه في الهامش (٢) من ص ٢٧٥.

(٣) يأتي تخريجه في ص ٢٧٥ ، الهامش (٤).

(٤) جامع المقاصد ١ : ٤٩٦ ، وانظر : جواهر الكلام ٥ : ١٨٧.

٢٧٤

علماؤنا. ثمّ حكى الخلاف فيه عن الشافعي ومحمد (١) (٢). وهو مؤذن باتّفاق أصحابنا.

وكيف كان فهذا بحسب الظاهر هو المشهور ، كما يشهد له تصريحهم بجواز التيمّم بمطلق وجه الأرض وتصريح جملة منهم بجوازه على الحجر اختيارا من غير تعرّض لاشتراط كونه مشتملا على ما يعلق باليد ، بل تجويز جلّهم أو كلّهم جوازه لدى الضرورة من دون تعرّض لوجوب التحرّي إلى تحصيل ما يشتمل على ما يعلق باليد ؛ فإنّ ترك التصريح بالاشتراط في كلمات الأعلام في مثل المقام في قوّة التصريح بعدم الاشتراط.

وعن شيخنا البهائي ووالده وصاحب الحدائق واللوامع وصاحب المفاتيح وشارحه : اشتراطه (٣) ، وفاقا لما حكى عن ابن الجنيد من التصريح بوجوب المسح بالتراب المرتفع على اليدين (٤).

وتحقيق المقام أنّه لا ينبغي الارتياب في عدم اعتبار اشتمال اليد ـ عند مسح الجبهة والكفّين ـ على ما يصدق عليه اسم التراب ؛ فإنّ الأخبار الآمرة بنفض اليدين بل الأخبار البيانيّة في قوّة التصريح بعدم اعتبار ذلك ، بل لا خلاف في ذلك على الظاهر وإن أوهمه ما وقع من بعض من التعبير باشتراط نقل التراب باليد و

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «أحمد» بدل «محمد». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٨٧ ـ ١٨٨ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٤٧ ، والمهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٠ ، والمجموع ٢ : ٢٣٨ ، وروضة الطالبين ١ : ٢٢٣ والوجيز ١ : ٢١ ، والعزيز شرح الوجيز ١ : ٢٣٥ ، وبدائع الصنائع ١ : ٥٣ ـ ٥٤.

(٣) حكاه عنهم النراقي في مستند الشيعة ٣ : ٤٣٣ ، وصاحب الجواهر فيها ٥ : ١٩٤ ، وانظر : الحبل المتين : ٨٩ ، والحدائق الناضرة ٤ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٦٢.

(٤) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٧٠ ، المسألة ٢٠١.

٢٧٥

مسح الجبهة به (١) ، وإنّما الإشكال بل الخلاف في اعتبار مقدار ما من الأثر الذي يبقى غالبا في اليد بعد نفضها.

ولذا استدلّ له شارح المفاتيح ـ فيما حكي (٢) عنه ـ : بإطلاق أخبار النفض ، واستظهره من المشهور من إطلاق فتواهم باستحباب النفض من دون تقييده بما إذا اتّفق العلوق ، وناقش في نسبة عدم الاشتراط إليهم.

لكنّك خبير بما في الاستدلال والاستظهار من النظر ؛ فإنّ استحباب النفض ـ على الظاهر ـ مشروط بتحقّق موضوعه بمعنى أنّ المتبادر من الأمر به إرادته على تقدير حصول العلوق ، وإطلاقه جار مجرى الغالب.

ولو سلّم ظهور دليله في استحبابه المطلق المقتضي لتحصيل مقدّمته بالتيمّم بما يعلق باليد ، فهذا لا يقتضي إلّا استحبابه لا شرطيّته.

ودعوى أنّه يفهم من إطلاق الأمر به قابليّة كلّ تيمّم صحيح لأن يقع فيه هذا المستحبّ ممّا لا ينبغي الإصغاء إليها.

مضافا إلى ما ستعرفه من عدم منافاة استحباب النفض انتفاء العلوق الذي يشترطه القائلون به.

ونظير هذا الاستدلال في الضعف : الاستدلال لعدم الاشتراط : بإطلاق ما دلّ على استحباب النفض من النصوص والفتاوى ، الشامل بإطلاقه لما إذا زال العلوق بالنفض بالمرّة ؛ لما أشرنا إليه من أنّ الغالب بقاء أثر التراب في الجملة بعد النفض ، فيمكن دعوى ورود الإطلاق مورد الغالب.

فالإنصاف عدم استقامة الاستدلال بإطلاق استحباب النفض لشي‌ء من المذهبين.

__________________

(١) حكاه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٧٠ ، المسألة ٢٠١ عن ابن الجنيد.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٩٠.

٢٧٦

نعم ، يمكن الاستدلال بأخبار النفض للمشهور بتقريب آخر ستعرفه إن شاء الله.

واستدلّ لعدم الاشتراط : بالأصل ، وبنقل الإجماع الذي سمعته (١) من المحقّق الثاني ، وبإطلاق ما دلّ على جوازه بمطلق وجه الأرض من الأدلّة المتقدّمة في محلّه.

أمّا الأصل : فالاستدلال به يتّجه على تقدير عدم تماميّة ما ستسمعه من أدلّة الطرفين.

وأمّا نقل الإجماع وإن لم نعتمد عليه لكنّه معتضد بالشهرة ، ومحفوف بأمارات ربما تفيد الوثوق بالمدّعى.

وأمّا الإطلاق : فربما يتأمّل فيه في بادئ الرأي ؛ نظرا إلى أنّ الغالب تأثّر اليد بضربها على الأرض وإن كانت ذات أحجار ونحوها ؛ لعدم خلوّها غالبا من شي‌ء من الغبار الذي يعلق باليد ، فلا يبعد ورود الإطلاق مورد الغالب.

مع أنّ كون تلك الأدلّة مسوقة لبيان الإطلاق على وجه يفهم منها نفي مثل هذا الشرط يحتاج إلى مزيد تأمّل.

لكنّ المتأمّل لا ينبغي [أن] يرتاب في استفادته من مجموع الأخبار الواردة في كيفيّة التيمّم ، بل من جميعها ، لا لأجل دلالتها على جوازه بمطلق وجه الأرض ، الشامل للحجر ونحوه ممّا لا يعلق باليد حتّى يتوجّه عليها بعض المناقشات الغير الخفيّة على المتأمّل ، بل لدلالة مطلقها ـ حتّى ما اشتمل منها على نقل الفعل الصادر من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصيّ عليه‌السلام ـ على أنّ التيمّم المشروع عبارة عن ضرب اليدين

__________________

(١) في ص ٢٧٤.

٢٧٧

على الصعيد ، ومسح الجبهة والكفّين بهما.

وما ادّعيناه من غلبة اشتمال الأرض على الغبار الذي تتأثّر منه اليد إنّما هي مع يبوستها ، وأمّا مع نداوتها ـ كما هو الغالب في أيّام الشتاء وأوقات نزول الأمطار في الأماكن الغير المحفوظة بسقف ونحوه ـ فلا تتأثّر اليد بضربها على الأرض إلّا من نداوتها ، ولا يعلق بها منها وإن كانت ترابا إلّا الأجزاء الغير المستوعبة ، المنفصل بعضها عن بعض ، التي تزول بالنفض الذي لا شبهة في استحبابه.

مع أنّه ليس في شي‌ء من الأخبار إشعار باشتراط جفاف الأرض على وجه يثأر منها الغبار.

وادّعاء أنّ الصعيد هو التراب الخالص ـ كما سمعته (١) من بعض في محلّه ـ ممّا لا يضرّ فيما نحن بصدده ؛ إذ لم يدّع أحد كونه موضوعا للتراب اليابس الذي يثأر منه الغبار. ومجرّد النداوة لا يخرج التراب من كونه مصداقا للتراب ، ولكن يمنعه من العلوق المحيط باليد ، الذي لا يحصل إلّا بالغبار.

وبما ذكرنا ظهر لك صحّة الاستدلال للمدّعى بالمستفيضة الواردة في التيمّم ، الآمرة بضرب اليدين على الأرض ، المشتملة على الأمر بنفضهما :

مثل : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في التيمّم ، قال : «تضرب بكفّيك الأرض ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك» (٢).

__________________

(١) في ص ١٦٩.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٥ ، الإستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٥ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٧.

٢٧٨

وصحيحة أبي بصير (١) وغيرها ممّا ستسمعه في المباحث الآتية.

وما فيها من إطلاق الأمر بالنفض لا يصلح قرينة لإرادة خصوص التراب الذي يعلق باليد ؛ لما أشرنا إليه من أخصّيّة هذا المعنى ممّا يصحّح الأمر بالنفض ، فإنّ مطلق لصوق شي‌ء من أجزاء الأرض من رمل وحصى وتراب ونحوها بجزء من أجزاء اليد ـ كما هو الغالب عند ضربها على الأرض ـ يصحّح ذلك ، ولا يتوقّف على حصول العلوق الذي يشترطه القائلون به.

واستدلّ القائلون بالاشتراط بقوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (٢) بدعوى ظهور كلمة «من» في التبعيض ، كما يؤيّده صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، التي هي عمدة المستند لهذا القول.

قال : قلت له : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إنّ المسح ببعض الرأس والرّجلين؟ وذكر الحديث إلى أن قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ثمّ فصل بين الكلام ، فقال (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) فعرفنا حين قال (بِرُؤُسِكُمْ) أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ـ إلى أن قال ـ (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا ، لأنّه قال (بِوُجُوهِكُمْ) ثمّ وصل بها (وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) أي من ذلك التيمّم ، لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجر على الوجه ، لأنّه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ ولا يعلق ببعضها» (٣) الحديث.

__________________

(١) كذا ، والظاهر : صحيحة أبي المقدام ، راجع : التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٤ ، والاستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٤ ، والوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٦.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠ / ٤ ، الفقيه ١ : ٥٦ ـ ٥٧ / ٢١٢ ، التهذيب ١ : ٦١ ـ ٦٢ / ١٦٨ ، الإستبصار ١ : ٦٢ ـ ٦٣ / ١٨٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب التيمّم ، ح ١.

٢٧٩

واستدلّ أيضا بالأمر بالمسح من الأرض في صحيحة الحلبي (١) وابن سنان (٢) بالتقريب المتقدّم في الآية.

وقد سبق عند تحقيق ما يتيمّم به ما يظهر منه ضعف الاستدلال بالآية وبهذه الأخبار لاشتراط العلوق ، وعدم استقامة حمل كلمة «من» على التبعيض ، وعدم شهادة الصحيحة بذلك بل إشعارها لو لم نقل بدلالتها على عدم اعتبار العلوق ، فراجع.

واستدلّ لهم أيضا : بظهور ما دلّ على طهوريّة التراب في كونه هو المطهّر بمباشرته للجسد ، كالماء ، سيّما بملاحظة المنزلة والبدليّة.

وفيه ـ بعد العلم بعدم إرادة تمريغ الجسد في التراب ، وعدم كون التطهير به كالتطهير بالماء وكونه أمرا تعبّديّا متلقّى من الشارع ـ ما لا يخفى ، فالقول باعتبار العلوق ضعيف.

لكن مع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط برعايته مع الإمكان ؛ فإنّ في النفس مناسبات مغروسة مانعة من الجزم بالعدم وإن اقتضته القواعد الظاهريّة ، بل لا يبعد أن يدّعى أنّ المتبادر إلى الذهن ـ بواسطة تلك المناسبات ـ من الأمر بضرب اليدين على الأرض ومسح الجبهة والكفّين إرادة إيصال أثرها الحسّي إليهما مع الإمكان ؛ لكونه أشدّ تأثيرا في حدوث العلاقة المصحّحة لإضافة المسح إلى الصعيد ، كما يؤيّده الأمر بالضرب وعدم الاكتفاء بمجرّد الوضع ، فليتأمّل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٣ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٣ / ٥٥٦ ، و ١٩٧ / ٥٧٢ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٩ ، و ١٦١ / ٥٥٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، ح ٧.

٢٨٠