مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

يونس المتقدّمة (١) في مسألة اعتبار التوالي من أنّ العبرة في أقلّ الحيض وأكثره بأيّام الدم ، والله العالم.

وهل تثبت العادة بتكرّر ما ثبت حيضيّته من المستمرّ باعتبار الأوصاف؟ فيه وجهان ، أوجههما : العدم ؛ لخروج الفرض عن مورد الروايتين ، وعدم الوثوق بكون واجد الصفات حيضاً لا غير ؛ لما عرفت من أنّ الأوصاف أمارات ظنّيّة اعتبرها الشارع في الجملة ، كعادة نسائها التي ترجع إليها في بعض الصور ، فلا تكون موجبةً للوثوق بمعرفة أيّام أقرائها حتى ترجع إليها.

(مسائل خمس) :

(الاولى : ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم إجماعاً) كما عن غير واحد نقله.

ومقتضى إطلاق المتن : عدم الفرق بين ذات العادة الوقتيّة والعدديّة ، وهذا بالنسبة إلى الوقتيّة ممّا لا شبهة فيه.

واستدلّ له مضافاً إلى الإجماع بالأخبار الكثيرة التي ادّعي تواترها ، الدالّة على أنّ ما تراه المرأة في أيّام حيضها فهو من الحيض.

وفيه نظر ؛ لأنّ مفاد هذه الأخبار ليس إلّا أنّ ما تراه من الدم في أيّام عادتها من صفرة أو كدرة فهو من الحيض ، وقد ثبت بالنصّ والإجماع تقييدها بما إذا لم يكن أقلّ من ثلاثة أيّام ، فالحكم بتحيّضها برؤية الدم مع عدم العلم بأنّه يستمرّ ثلاثة أيّام يحتاج إلى دليلٍ آخر من إجماعٍ ونحوه.

__________________

(١) في ص ٣٧.

٨١

نعم ، يتمّ الاستدلال له بقوله عليه‌السلام في مرسلة يونس : «فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض» (١).

وكيف كان فهذا ممّا لا إشكال فيه (و) إنّما الإشكال في ذات العادة العدديّة بل وكذا الوقتيّة لو رأت الدم قبل وقتها أو بعده بما لا يتسامح عرفاً ، فإنّها ـ بحسب الظاهر كالمبتدئة والمضطربة ، فكما أنّ (في) تحيّض (المبتدئة) والمضطربة برؤية الدم (تردّد) فكذا في ذات العادة العدديّة والوقتيّة التي رأت الدم في غير وقتها.

و (الأظهر) بالنظر إلى ما مرّ في تحقيق قاعدة الإمكان (أنّها) تترك الصلاة والصوم برؤية الدم في جميع هذه الأقسام ، وأمّا لو لم نقل بعموم القاعدة لمثل هذه الموارد ، فيجب عليها في جميع الصور بمقتضى أصالة عدم الحيض أن (تحتاط للعبادة) بأن تأتي بها اعتماداً على الأصل (حتى تمضي ثلاثة أيّام) فتترك العبادة بعدها إن استمرّ بها الدم ؛ لاستقرار حيضها حينئذٍ.

والأولى بل الأحوط أن تحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة ، بل القول بوجوب مراعاة هذا الاحتياط بالنسبة إلى الصلاة ونحوها من الواجبات لا يخلو عن وجه ؛ إذ لولاه لما حصل لها القطع بفراغ ذمّتها من التكاليف الثابتة في حقّها بمقتضى أصالة عدم الحيض.

وأصالة عدم كونها مستحاضةً غير مجدية في نفي التكليف المقدّمي

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

٨٢

الناشئ عن حكم العقل بقاعدة الشغل.

وهذا الكلام وإن كان قابلاً للنقض والإبرام لكن لقائلٍ أن يقول إجمالاً : متى وجب عليها الصلاة بمقتضى أصالة عدم الحيض كيف تتقرّب بفعلها بلا غسل أو وضوء على ما هو تكليف المستحاضة مع أنّها تعلم تفصيلاً ببطلان صلاتها وكونها محدثةً ؛ لتردّد أمرها في الواقع بين كونها حائضاً أو مستحاضة!؟ وسيأتي تمام الكلام في محلّه إن شاء الله.

هذا كلّه لو لم نعتمد على قاعدة الإمكان في مثل هذه الموارد ، وإلّا فعلى ما اخترناه من عموم القاعدة فالأمر واضح ، كما أنّه لا شبهة بناءً عليها في حكم المسألة (الثانية) وهي : ما (لو رأت) المرأة معتادةً كانت أم غيرها (الدم ثلاثة أيّام) ولم يكن مسبوقاً بحيض أو نفاس مانع من حيضيّته (ثمّ انقطع ورأت قبل العاشر) أو في العاشر نفسه (كان الكلّ) مع النقاء المتخلّل (حيضاً).

أمّا كون الدمين حيضاً : فللقاعدة.

وأمّا النقاء المتخلّل : فلما عرفت مفصّلاً عند التكلّم في أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام.

ويدلّ عليه مضافاً إلى ما عرفت الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة وعدم وجدان الخلاف إلّا ممّن لا يعتدّ بخلافه بعد وضوح مستنده ، كصاحب الحدائق حيث زعم أنّ النقاء المتخلّل طهر (١). وقد عرفت ضعفه بما لا مزيد عليه.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٣ : ١٦٠.

٨٣

وربما يستدلّ لإثبات المطلوب بالنسبة إلى جزئه الأوّل أعني إطلاق كون ما تراه في الثلاثة حيضاً ولو من المعتادة في غير وقت عادتها : بإطلاق صحيحة يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال : «تدع الصلاة» (١) الحديث. وبالنسبة إلى ما تراه قبل انقضاء العاشر : بالأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ ما تراه من الدم قبل انقضاء العشرة فهو من الحيضة الاولى. ولكون النقاء المتخلّل حيضاً : بما عرفت.

وكيف كان فقد أشرنا عند التكلّم في قاعدة الإمكان أنّ القدر المتيقّن من معاقد إجماعاتهم المنقولة على القاعدة إنّما هو فيما تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة ، تجانس لونُ الدم أو اختلف. وقضيّة إطلاق معاقد إجماعاتهم شمولها لما إذا رأت المعتادة الدم بعد عادتها بغير صفات الحيض.

قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله : ولو لا الإجماع لأشكل الحكم في هذا الفرض من جهة ما دلّ من المستفيضة على أنّ الصفرة بعد أيّام الحيض ليست حيضاً (٢).

أقول : لا يبعد أن يكون المراد من أيّام الحيض في جملة من هذه الأخبار : العشرةَ التي يمكن أن يكون الدم المرئي فيها حيضاً ، كما عن جملة من الأعلام تفسير أيّام الحيض بذلك.

ولعلّ هذا هو المتعيّن إرادته من مرسلة يونس ، حيث قال عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٩ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٢) كتاب الطهارة : ٢٢٦.

٨٤

«وكلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض ، وكلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض» (١) لأنّه عليه‌السلام صرّح في صدر هذه الرواية بأنّ ما تراه المرأة إلى عشرة أيّام فهو من الحيض (٢).

ومَنْ تأمّل في مجموع فقرأت الرواية يراها صريحة في عدم الفرق بين ذات العادة وغيرها ، بل موردها ذات العادة ، فالجمع بين مجموع الفقرات لا يمكن إلّا بإرادة أيّام إمكان الحيض من أيّام الحيض.

وكيف كان فهذه الأخبار لا بدّ من تقييدها أو تأويلها بما لا ينافي إطلاق المستفيضة الدالّة على أنّ ما تراه قبل العشرة فهو من الحيضة الأُولى ، المعتضدة بالإجماع ، والله العالم.

هذا كلّه فيما لو انقطع الدم قبل انقضاء اليوم العاشر (و) أمّا (لو تجاوز) الدم (العشرة) أيّام (رجعت إلى التفصيل الذي نذكره) إن شاء الله.

(ولو تأخّر بمقدار عشرة أيّام) من يوم طهرت (ثمّ رأت الدم ، كان الأوّل حيضاً منفرداً ، والثاني يمكن أن يكون حيضاً مستأنفاً) فهو حيض بمقتضى القاعدة المقرّرة ، بل قد عرفت أنّ مقتضاها التحيّض برؤية الدم الثاني وإن احتملت انقطاعه قبل إكمال الثلاثة ، كما في المبتدئة والمضطربة على ما اخترناه.

ولو تأخّر الدم الثاني عن عشرة الحيض ولكن لم يتحقّق الفصل بينهما بأقلّ الطهر ، فلا يمكن أن يكون الدم الثاني من الحيضة الأُولى

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٦ ٧٧ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ، الحديث ٣ من الباب ٤ ، والحديث ٢ من الباب ١٢ من أبواب الحيض.

(٢) الكافي ٣ : ٧٦ ٧٧ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ، الحديث ٣ من الباب ٤ ، والحديث ٢ من الباب ١٢ من أبواب الحيض.

٨٥

ولا من حيضة مستقبلة ، فهو استحاضة وإن كان بصفة الحيض وكان ما رأته أوّلاً بصفة الاستحاضة ، كما نسب إلى ظاهر الأصحاب.

واستدلّ عليه مضافاً إلى ظهور إطلاق الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المنقولة بقول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر صفوان بن يحيى ، قال ، قلت : إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم ثمّ طهرت فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً ثمّ رأت الدم بعد ذلك تمسك عن الصلاة؟ قال : «لا ، هذه مستحاضة» (١).

قال في الجواهر بعد الاستدلال للمطلوب بما عرفت ـ : ولولاه لأمكن التأمّل في مثل المبتدئة مع فرض كون الدم الثاني جامعاً والأوّل غير جامع ؛ إذ قاعدة الإمكان معارضة بمثلها ، فلا ترجيح للأوّل على الثاني (٢). انتهى.

وفيه : أنّه لا وجه للمعارضة ؛ لأنّ حيضيّة الأوّل تحقّقت قبل وجود الدم الثاني ، فالثاني وُجد في زمانٍ لا يمكن أن يكون حيضاً ، وكونه لذاته صالحاً للحيضيّة لا بجدي بعد أن وُجد مسبوقاً بحيض محقّق.

والحاصل : أنّ مقتضى عموم القاعدة للدم الأوّل امتناع كون الثاني حيضاً ، فلا يكون الثاني مشمولاً للقاعدة حتى تتحقّق المعارضة.

وإن شئت قلت : إنّ الدم الأوّل وُجد في زمانٍ يمكن أن يكون حيضاً ، فلا وجه لتخصيص القاعدة بالنسبة إليه ، وأمّا الدم الثاني فخروجه

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٠ / ٦ ، التهذيب ١ : ١٧٠ ١٧١ / ٤٨٦ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة الحديث ٣.

(٢) جواهر الكلام ٣ : ١٨٩.

٨٦

من تحت القاعدة من باب التخصّص لا التخصيص.

وليعلم توطئةً للمسألة (الثالثة) أنّ النقاء مطلقاً ولو من المعتادة في أيّام عادتها أمارة الطهر ، كما أنّ رؤية الدم في أيّام العادة بل مطلقاً على الأظهر أمارة الحيض.

ويستفاد ذلك استفادة قطعيّة من مراجعة أخبار الباب.

مثل : رواية يونس وغيره ، الواردة في حكم مَنْ ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة وترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة (١) ، وما ورد في مَنْ ترى الدم ساعة والطهر ساعة (٢).

وقد عرفت تقريب الاستشهاد بهذه الأخبار عند بيان أقلّ الطهر من كونها مسوقةً لبيان تكليفها في مقام العمل ، وإلّا فالطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام.

ومثل ما دلّ على أنّه إذا انقطع الدم تغتسل وتصلّي وتنتظر إلى عشرة أيّام ، فإن رأت الدم في تلك العشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولى (٣) ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي لا مجال للتشكيك في دلالتها على المطلوب.

نعم ، في استفادة عموم الحكم أعني كون النقاء أمارةً للطهر مطلقاً في حقّ المعتادة حتى مع ظنّ العود في العادة خصوصاً مع اعتيادها العود

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ / ١١٧٩ و ١١٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٣ ، و ١٣٢ / ٤٥٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الحيض ، الحديث ٢ و ٣.

(٢) قرب الإسناد : ٢٢٥ / ٨٨٠ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الحيض ، الحديث ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٧٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

٨٧

للتأمّل مجال وإن كان الأظهر بالنسبة إليها أيضاً عدم الاعتناء باحتمال العود إلّا إذا اطمأنّت من عادتها بالعود ، وإلّا فعليها الاغتسال عند حصول النقاء ، والإتيان بالصلاة ونحوها من العبادات الواجبة.

هذا إذا حصل النقاء الحقيقي بأن انقطع الدم من أصله من الداخل ، وأمّا (إذا انقطع) الدم في الظاهر واحتملت بقاءه في الداخل عند إمكان كونه حيضاً بأن كان الانقطاع (لدون عشرة) أيّام ، فمقتضى الأصل عدم وجوب الفحص عليها ، وجواز اعتمادها على استصحاب الحيض ما لم تستيقن بانقطاعه من أصله ، كما في غيره من الشبهات الموضوعيّة.

وربما يقال بوجوب الفحص في مثل هذه الموارد التي يستلزم الرجوع فيها إلى الاصول الوقوعَ في مخالفة الواقع كثيراً.

وفيه تأمّل بل منع ، لكن لا تأمّل في أنّها إذا أرادت أن تغتسل ما لم تقطع بنقاء الباطن (فعليها الاستبراء بـ) إدخال (القطنة) ونحوها حتى تطمئنّ بطهرها ، وإلّا فهي حائض بحكم الاستصحاب لا يشرع في حقّها الغسل ، فلا يتأتّى منها قصد القربة بغسلها ، فيفسد.

نعم ، لو نوت الاحتياط فصادف الواقع ، لا يبعد القول بصحّته لو لم نقل باعتبار الجزم في النيّة ولو مع الإمكان ؛ إذ الظاهر عدم كون الغسل في حقّها حراماً ذاتيّاً ، فيمكن التقرّب بفعله احتياطاً على الأظهر.

وممّا يدلّ على وجوب الاستبراء عند إرادة الغسل مضافاً إلى ما عرفت ـ صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنةً فإن خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شيئاً فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرةً فلتتوضأ

٨٨

ولتصلّ» (١).

وهذه الصحيحة كما تراها ظاهرة في الوجوب الشرطي بمعنى أنّ من شرط الاغتسال الاستبراء ، وأمّا أنّه يجب عليها الفحص وطلب الوثوق ببراءة الرحم إذا انقطع الدم ـ كما هو ظاهر المتن وصريح غيره فلا يكاد يفهم من هذه الصحيحة.

لكن في الحدائق (٢) نفى الخلاف عنه ظاهراً. وعن الذخيرة (٣) نسبته إلى ظاهر الأصحاب. وفي الجواهر : بلا خلاف أجده سوى ما عساه يظهر من المنقول من الاقتصاد ؛ للتعبير بلفظ «ينبغي» المشعر بالاستحباب (٤).

واستدلّ له مضافاً إلى الصحيحة التي عرفت حالها بمرسلة يونس عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سئل عن امرأة انقطع عنها الدم فلا تدري طهرت أم لا ، قال عليه‌السلام : «تقوم قائمة وتلزق بطنها بحائط وتستدخل قطنة بيضاء وترفع رِجْلها اليمنى فإن خرج على رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط لم تطهر ، وإن لم يخرج فقد طهرت تغتسل وتصلّي» (٥).

ورواية شرحبيل الكندي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال ، قلت : كيف تعرف الطامث طهرها؟ قال : «تعمد برِجْلها اليسرى على الحائط وتستدخل الكرسف بيده اليمنى ، فإن كان ثَمَّ مثل رأس الذباب خرج على

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٠ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٦١ / ٤٦٠ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ١٩١.

(٣) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ١٨٩ ، وانظر : ذخيرة المعاد : ٦٩.

(٤) جواهر الكلام ٣ : ١٨٩ ، وانظر : الاقتصاد للطوسي ـ : ٢٤٦.

(٥) الكافي ٣ : ٨٠ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

٨٩

الكرسف» (١).

وموثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : المرأة ترى الطهر وترى الصفرة أو الشي‌ء فلا تدري أطهرت أم لا ، قال : «فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط وترفع رِجْلها على الحائط كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد أن يبول ، ثمّ تستدخل الكرسف فإذا كان ثَمَّة من الدم مثل رأس الذباب خرج ، فإن خرج دم فلم تطهر ، وإن لم يخرج فقد طهرت» (٢).

وعن الفقه الرضوي : وإذا رأت الصفرة أو شيئاً من الدم فعليها أن تلصق بطنها بالحائط وترفع رِجْلها اليسرى كما ترى الكلب إذا بال ، وتدخل قطنةً ، فإن خرج فيها دم فهي حائض ، وإن لم يخرج فليست بحائض (٣).

وفي الاستدلال بما عدا الموثّقة لإثبات المطلوب نظر.

وأمّا الموثّقة : فالإنصاف عدم قصورها عن إفادة الوجوب سنداً ودلالةً ، كما أنّه لا قصور في الرضوي أيضاً من حيث الدلالة لو أُغمض عن سنده أو قيل بانجباره بالشهرة وعدم نقل الخلاف في المسألة ، لكن ظاهرهما وجوب الاختبار بالكيفيّة الخاصّة ، إلّا أنّه لا بدّ من حمل الخصوصيّة على بيان أفضل الأفراد ؛ جمعاً بينهما وبين صحيحة محمد بن

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٠ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٦١ / ٤٦١ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٦١ / ٤٦٢ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

(٣) أورده عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ١٩٢ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٩٣.

٩٠

مسلم ؛ لأنّ تقييد الصحيحة الواردة في مقام البيان في مثل هذا الحكم العامّ البلوى في غاية الإشكال خصوصاً مع ما في الأخبار المقيّدة الدالّة على اعتبار كيفيّة خاصّة من الاختلاف. وهذا هو السرّ في عدم اعتبار المشهور ـ كما نُسب (١) إليهم كيفيّة خاصّة في الاستبراء ، فالمتعيّن حمل هذه الأخبار المقيّدة على بيان أفضل الأفراد ، الموجب لشدّة الوثوق ببراءة الرحم.

فالأظهر ما هو المشهور من وجوب الاستبراء ، وعدم جواز العمل بالأصل قبل الفحص ، كما يؤيّده الوجه الذي أشرنا إليه للقول بوجوب الفحص في مثل هذه الموارد خصوصاً مع ما عُلم من اهتمام الشارع بالصلاة ونحوها ، وعدم رضاه بالمسامحة في أمرها ، كما يشهد به الاستقراء في نظائر المقام.

ولكن لا يخفى عليك أنّ هذا إنّما هو فيما إذا حصل لها تردّد زائد على ما تقتضيه طبيعة الحيض في غالب أوقاته ؛ إذ ليس دائماً ما دام الحيض يسيل الدم على وجه تدركه ، بل في أكثر أوقاتها ليس لها إلّا الظنّ بعدم ارتفاع الحيض ، ولو وجب عليها تحصيل العلم ، لتعسّر بل تعذّر ؛ إذ غاية ما يمكنها الاستبراء ، وهو لا ينفي احتمال كون ما أصاب القطنة آخر ما سال منها من الدم.

والحاصل : أنّه متى حصل لها ترديد زائد عن المتعارف بحيث رأت نفسها متحيّرةً ، وجب عليها الاختبار بإدخال قطنة ونحوها (فإن خرجت نقيّةً ، اغتسلت) إجماعاً كما صرّح به في المدارك (٢) (وإن كانت

__________________

(١) الناسب هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٢٧.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٢.

٩١

متلطّخةً) بالدم ولو بمثل رأس الذباب كما مثّل به في الأخبار المتقدّمة (صبرت المبتدئة حتى تنقى أو تمضي [لها (١)] عشرة أيّام) التي يمكن أن يكون الدم فيها حيضاً بلا خلاف فيه ، بل في المدارك (٢) دعوى الإجماع عليه.

ويدلّ عليه مع موافقته للأصل وقاعدة الإمكان مضافاً إلى الإجماع موثّقة ابن بكير «إذا رأت المرأة الدم في أوّل حيضها واستمرّ الدم تركت الصلاة عشرة أيّام» (٣).

وفي موثّقته الأُخرى قال في الجارية أوّل ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضةً : «إنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلّي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيّام فَعَلَتْ ما تفعله المستحاضة» (٤).

وفي حكم المبتدئة مَنْ لم يستقرّ لها عادة في العدد ؛ لما أشرنا إليه من موافقته للأصل والقاعدة.

ويمكن الاستدلال عليه أيضاً : بموثّقة سماعة ، قال : سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض تقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة يختلط عليها لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : «فلها أن

__________________

(١) ما بين المعقوفين من الشرائع.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٢.

(٣) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٢ ، الإستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٦٩ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٦.

(٤) التهذيب ١ : ٤٠٠ / ١٢٥١ ، الإستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٧٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

٩٢

تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة» (١) الحديث.

(و) أمّا (ذات العادة) عدداً وقتيّةً كانت أم لا : فمقتضى الأصل وإن كان وجوب تحيّضها كغيرها إلى أن ينقطع الدم أو يمضي عشرة أيّام وكذا مقتضى قاعدة الإمكان أيضاً ذلك على تأمّلٍ فيه يظهر وجهه بالتأمّل فيما أسلفناه وجهاً لقاعدة الإمكان لكن يظهر من جملة من الأخبار الآتية أنّ الشارع أهمل في حقّها الأصل والقاعدة ، فإنّه وإن كلّفها في عدّة من الأخبار المستفيضة بل المتواترة بترك العبادة في الجملة إلّا أنّه يظهر من بعض تلك الأخبار أنّ منشأه الاحتياط لا الاستصحاب وقاعدة الإمكان.

وحيث إنّ أخبار الباب في غاية الكثرة والاختلاف فالأُولى أوّلاً تأسيس ما يقتضيه الأصل بعد الإغماض عن الاستصحاب وقاعدة الإمكان كما هو المفروض.

فنقول : إنّها بعد تجاوز دمها عن العادة كما تحتمل انقطاعه في أثناء العشرة ، كذلك تحتمل تجاوزها ، فهي متحيّرة في أمرها ، فإن قلنا بعدم حرمة العبادة على الحائض إلّا تشريعاً ، فمقتضى الاحتياط الجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة لكن لا يجب عليها شي‌ء منها ؛ للأصل ؛ لأنّ الشكّ بالنسبة إليها مرجعه إلى الشكّ في أصل التكليف ، والمرجع فيه البراءة.

وإن قلنا بحرمة العبادة عليها ذاتاً كما هو الأظهر على ما سيتّضح لك إن شاء الله يدور أمرها بين المحذورين حيث تعلم إجمالاً بكونها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٩ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ / ١١٧٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

٩٣

مكلّفةً إمّا بترك الصلاة أو فعلها ، فهي مخيّرة بالأخذ بأحد الاحتمالين عقلاً لو لم نقل بتغليب جانب الحرمة ، كما ذهب إليه بعضٌ.

وهل التخيير في مثل المقام بدويٌّ أو استمراريّ؟ وجهان ، أوجههما : الثاني كما تقرّر في محلّه ، فهي مخيّرة في الأخذ بكلٍّ من الاحتمالين إلى أن يتمّ لها عشرة أيّام.

هذا إذا لم يكن أحد الاحتمالين أقوى ، وإلّا فالأخذ به متعيّن ، ولا شبهة أنّه كلّ ما امتدّ تجاوزه عن العادة يقوى احتمال كونه استحاضةً ، ويضعف احتمال كونه حيضاً ، فالمتعيّن عليها عقلاً أن تتحيّض عند أقوائيّة احتمال كونها حائضاً ، والبناء على طهارتها عند ضعف هذا الاحتمال.

وحيث إنّا أشرنا إلى حكم العقل بكونها مخيّرةً في الأخذ بأحد الاحتمالين في الجملة ظهر لك إمكان أن يكون تكليفها في مرحلة الظاهر شرعاً الأخذ بأحد الاحتمالين مخيّراً ، كما أنّه يجوز أن يكلّفها الشارع بتغليب أحد الاحتمالين معيّناً لكونه أهمّ بنظره ، ومتى جاز ذلك شرعاً لا يدور مدار تكافؤ الاحتمالين بنظر المكلّف ، بل يدور مدار إطلاقات الأدلّة الشرعيّة ؛ إذ من الجائز أن لا تكون أقوائيّة أحد الاحتمالين بنظر المكلّف سبباً لتعيّن الأخذ به عند الشارع ، وهذا بخلاف ما إذا كان الحاكم العقلَ ، فإنّه لا يحكم بالتخيير إلّا بعد التكافؤ.

إذا عرفت ذلك ، فنقول : قد استفاضت الأخبار بل تواترت على أنّ ذات العادة إذا تجاوز دمها العادة ، تستظهر وتحتاط بترك العبادة في الجملة ، ففي بعضها أمرها بالاستظهار مطلقاً من دون تعيين مدّة له ، وفي

٩٤

بعضها كلّفها بأن (تغتسل بعد) يوم ، فتكون مدّة الاستظهار يوماً ، وفي بعضها : بعد يومين ، وفي بعضٍ : بعد ثلاثة أيّام ، وفي غير واحد منها : بعد (يوم أو يومين) وفي بعضها : أو ثلاثة ، وفي جملة منها : تستظهر إلى العشرة (١).

وكيف كان فمشروعيّة الاستظهار أعني جواز ترك العبادة احتياطاً ؛ لاحتمال كونها حائضاً إجمالاً ممّا لا إشكال بل لا خلاف فيه ظاهراً ، بل عن جملةٍ دعوى الاتّفاق عليه ، والنصوص الدالّة عليه لا يبعد دعوى تواترها ، وإنّما الإشكال والخلاف في مقامين : أحدهما في تعيين مدّة الاستظهار ، والآخر في كونه واجباً أو غير واجب. ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار.

ففي مرسلة ابن المغيرة عمّن أخبره عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا كانت أيّام المرأة عشرة لم تستظهر ، فإذا كانت أقلّ استظهرت» (٢).

ورواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام «تجلس النفساء أيّام حيضها التي كانت تحيض ثمّ تستظهر وتغتسل وتصلّي» (٣).

وفي بعض الأخبار قيّده بيوم ، كرواية إسحاق بن جرير عن

__________________

(١) انظر : الكافي ٣ : ٧٧ / ٣ ، و ٩١ / ٣ ، و ٩٩ / ٤ و ٦ ، والتهذيب ١ : ١٦٩ / ٤٨٣ ، و ١٧١ / ٤٨٨ ، و ١٧٢ / ٤٨٩ ٤٩١ ، و ١٧٣ / ٤٩٦ ، و ١٧٥ / ٥٠١ ، و ٣٨٦ / ١١٩٠ ، و ٤٠٢ / ١٢٥٦ و ١٢٥٩ ، والاستبصار ١ : ١٣٩ / ٤٧٧ ، و ١٤٩ / ٥١٢ ـ ٥١٥ ، و ١٥١ / ٥٢١ و ٥٢٢ ، والوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الأحاديث ٢ ، ٤ ، ٦ ـ ١٠ ، ١٢ ١٤ ، والباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٥ ، والباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٢ و ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٧٧ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٩٩ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب النفاس ، الحديث ١.

٩٥

حريز (١) ، قال : سألتني امرأة منّا أن أُدخلها على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فاستأذنت لها ، فأذن لها فدخلَتْ ، إلى أن قال : فقالت له : ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها؟ قال : «إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد ثمّ هي مستحاضة» قالت : فإنّ الدم يستمرّ بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال : «تجلس أيّام حيضها ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين» (٢) الحديث.

ومرسلة داوُد مولى أبي المعزى (٣) عمّن أخبره عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تحيض ثمّ يمضي وقت طهرها وهي ترى الدم ، قال : «تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيّام ، فإن استمرّ الدم فهي مستحاضة ، وإن انقطع الدم اغتسلت وصلّت» (٤).

ورواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثمّ تستظهر على ذلك بيوم» (٥).

وموثّقة مالك بن أعين عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : إسحاق بن حريز. وفي الكافي : إسحاق بن جرير. وما أثبتناه من التهذيب.

(٢) الكافي ٣ : ٩٠ ٩٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٥١ / ٤٣١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٣) في الكافي : أبي المغراء.

(٤) الكافي ٣ : ٩٠ / ٧ ، التهذيب ١ : ١٧٢ ١٧٣ / ٤٩٤ ، الإستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٨ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

(٥) التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٢ ، الإستبصار ١ : ١٣٨ / ٤٧٢ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

٩٦

من الدم ، قال : «نعم إذا مضى له منذ يوم وضعت بقدر أيّام حيضها ثمّ تستظهر بيوم فلا بأس أن يغشاها إن أحبّ» (١).

ولا يخفى عليك أنّه لا معارضة بين هذه الأخبار والروايات المطلقة ؛ إذ المطلق يحمل على المقيّد ، فلا معارضة بينها ، وظاهر جميع الأخبار المتقدّمة وجوب الاستظهار ، وبعد تقيّد المطلقات بالأخبار المقيِّدة يكون مفادها وجوب ترك العبادة بعد انقضاء العادة يوماً احتياطاً ؛ لاحتمال كونها حائضاً ، ثمّ هي بعد اليوم إذا استمرّ بها الدم مستحاضة ، ومن المعلوم أنّ المراد من كونها مستحاضةً إنّها تُرتّب آثار المستحاضة بحسب الظاهر ، ولا تعتني باحتمال أن ينقطع الدم قبل العشرة فيكون حيضاً ، لا أنّها مستحاضة واقعاً سواء انقطع الدم قبل العشرة أم لا ، وإلّا لعارضها ـ مضافاً إلى الإجماع والنصوص الدالّة على أنّ ما تراه قبل العشرة فهو من الحيضة الاولى جميع الأخبار الآتية الدالّة على مشروعيّة الاستظهار بأزيد من يوم ، كما لا يخفى ، فيفهم من مجموع هذه الأخبار بالصراحة مشروعيّة الاستظهار ، أي : ترك العبادة في اليوم الأوّل بعد انقضاء عادتها ، ومشروعيّة فعلها بعده ، وظاهرها كون ترك العبادة في الأوّل وفعلها فيما بعده على سبيل الوجوب.

ولكن يعارضها ظاهراً بالنسبة إلى حكم ما بعد اليوم أخبار كثيرة ، مثل : صحيحة زرارة ، قلت له : النفساء متى تصلّي؟ قال : «تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين ، فإن انقطع الدم وإلّا اغتسلت» إلى أن قال

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٦ ١٧٧ / ٥٠٥ ، الإستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٥ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٤ ، والباب ٧ من تلك الأبواب ، الحديث ١.

٩٧

قلت : والحائض؟ قال : «مثل ذلك سواء» (١) وموثّقة زرارة «تقعد النفساء أيّامها التي كانت تقعد في الحيض ، وتستظهر بيومين» (٢) فإنّ هاتين الروايتين صريحتان في جواز ترك العبادة يومين ، وظاهرتان في كونه على سبيل الوجوب.

وموثّقة سماعة عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، فقال : «إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة فإنّه ربما تعجّل بها الوقت ، فإن كان أكثر [من (٣)] أيّامها التي تحيض فيهنّ فلتربّص ثلاثة أيّام بعد ما تمضي أيّامها ، فإذا تربّصت ثلاثة أيّام ولم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة» (٤).

وموثّقته الأُخرى عن امرأة رأت الدم في الحبل ، قال : «تقعد أيّامها التي كانت تحيض ، فإذا زاد الدم على الأيّام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام ثمّ هي مستحاضة» (٥).

ورواية محمد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الطامث وحدّ جلوسها ، فقال : «تنتظر عدّة ما كانت

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٩ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٣ ١٧٤ / ٤٩٦ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٩٩ / ٦ ، التهذيب ١ : ١٧٥ / ٥٠١ ، الإستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٥.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الكافي ٣ : ٧٧ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٥٨ ١٥٩ / ٤٥٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٥) التهذيب ١ : ٣٨٦ ٣٨٧ / ١١٩٠ ، الإستبصار ١ : ١٣٩ / ٤٧٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٦ ، والباب ٣٠ من تلك الأبواب ، الحديث ١١.

٩٨

تحيض ثمّ تستظهر بثلاثة أيّام ثمّ هي مستحاضة» (١).

وهذه الروايات كما تراها ظاهرها وجوب الاستظهار بثلاثة أيّام ، وصريحها مشروعيّته ، فيمكن الجمع بينها وبين الأخبار السابقة الدالّة على أنّها تستظهر بيوم ثمّ هي مستحاضة ، وكذا الأخبار الآمرة بأنّها تستظهر بيومين : برفع اليد عن ظاهر كلٍّ من هذه الأخبار بنصّ الآخر ، فيفهم من هذه الأخبار الأخيرة مشروعيّة ترك العبادة استظهاراً ثلاثة أيّام ، ومن سائر الأخبار المتقدّمة ممّا عدا مطلقاتها مشروعيّة فعل العبادة في اليوم الثالث ، ومن الطائفة الاولى مشروعيّتها في اليوم الثاني أيضاً ، فيكون ملخّص مجموع الأخبار أنّه يجب عليها الاستظهار يوماً أو يومين أو ثلاثة ، فهي بالنسبة إلى اليوم الثاني والثالث مخيّرة بين الأخذ باحتمال كونها حائضاً فتترك العبادة ، أو مستحاضة فتأتي بها.

والجمع بين الأخبار المتنافية بارتكاب التأويل في الظاهر لأجل النصّ وإن كان على وفق القواعد المقرّرة في الأُصول ولكن ارتكابه في مثل هذه الأخبار التي يظهر منها التنافي في بادئ الرأي من دون شاهدٍ خارجيّ في غاية الإشكال ، وإلّا لجاز الجمع بين الخبرين اللذين أحدهما يأمرنا بشي‌ء والآخر ينهانا عنه بالتقريب المتقدّم.

مع أنّ هذا الفرض هو القدر المتيقّن من مورد الأخبار الواردة في علاج الخبرين المتعارضين ، الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات.

لكنّ الذي يهوّن الخطب في المقام ورود التصريح بهذا المضمون

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩١ ، الإستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١٠.

٩٩

ـ الذي ادّعينا أنّه هو الذي يقتضيه الجمع بين الأخبار في غير واحد من الروايات المعتبرة.

مثل : صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحائض كم تستظهر؟ قال : «تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة» (١).

ورواية سعيد بن يسار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تحيض ثمّ تطهر وربما رأت بعد ذلك الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها ، فقال : «تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة» (٢).

ورواية حمران بن أعين ، المرويّة عن المنتقى عن كتاب الاغتسال لأحمد بن محمد بن عيّاش الجوهري ، وفيها : قلت : فما حدّ النفساء؟ قال : «تقعد أيّامها التي كانت تطمث فيهنّ أيّام أقرائها ، فإن هي طهرت ، وإلّا استظهرت بيومين أو ثلاثة» (٣).

ورواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «المستحاضة تقعد أيّام قرئها ثمّ تحتاط بيوم أو يومين ، فإن هي رأت طهراً اغتسلت ، وإن لم تر طهراً اغتسلت» (٤).

وصحيحة زرارة «المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها وتحتاط

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٨٩ ، الإستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٤ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٩.

(٢) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩٠ ، الإستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٩.

(٣) منتقى الجمان ١ : ٢٣٥ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ١١.

(٤) التهذيب ١ : ١٧١ / ٤٨٨ ، الإستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١٠.

١٠٠