مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

هذا كلّه ، مع أنّ مصادفة النذر المعيّن لأيّام الحيض تكشف عن عدم انعقاد نذرها من أصله.

وما يقال من أنّ هذا فيما إذا كان متعلّق النذر خصوص هذا اليوم ، وأمّا لو نذرت صوم كلّ خميس فصادف بعضه الحيض فلا ، ففيه : أنّ هذا يكشف عن عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى أيّام المصادفة لا مطلقاً.

ثمّ إنّها لو شكّت بعد طهرها في كيفيّة نذرها ، فالأصل براءة ذمّتها عن التكليف ، والله العالم.

(الثامن : يستحبّ) للحائض (أن تتوضّأ في وقت كلّ صلاة ، وتجلس في مصلّاها) أو غيره وإن كان الأوّل أولى لو كان لها مصلّى معهود ؛ لوقوع التعبير به في كلام الأصحاب.

وكفى به وجهاً للأولويّة وإن كانت النصوص الآتية خالية عن التنصيص عليه.

ولا يبعد عدم إرادته بالخصوص في عبائر الأصحاب أيضاً ، بل غرضهم بيان أنّه ينبغي لها عند حضور وقت الصلاة أن تجلس بعد الوضوء كهيئة المصلّية كما كانت قبل أيّام حيضها من دون أن يكون لخصوص مكانها مدخليّة في الحكم.

كما يؤيّد ذلك : عموم الحكم ، وندرة اختصاصها بمصلّي مخصوص يضاف إليها عرفاً ، مع عدم تعرّضهم للتعميم على تقدير العدم.

وكيف كان فليكن جلوسها (بمقدار زمان صلاتها ذاكرةً لله تعالى) للأخبار المستفيضة :

منها : رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «وكُنّ نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقضين الصلاة إذا حضن ولكن يتحشّين حين يدخل وقت

١٨١

الصلاة ويتوضّأن ثمّ يجلسن قريباً من المسجد فيذكرن الله عزوجل» (١).

وعن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا كانت المرأة طامثاً فلا تحلّ لها الصلاة ، وعليها أن تتوضّأ وضوء الصلاة عند وقت كلّ صلاة ثمّ تقعد في موضعٍ طاهر فتذكر الله عزوجل وتسبّحه وتهلّله وتحمده كمقدار صلاتها ثمّ تفرغ لحاجتها» (٢).

وعن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله ، قال : «أمّا الطهر فلا ، ولكنّها تتوضّأ وقت الصلاة ثمّ تستقبل القبلة وتذكر الله تعالى» (٣).

وعن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تتوضّأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل ، وإذا كان وقت الصلاة توضّأت واستقبلت القبلة وهلّلت وكبّرت وتلت القرآن وذكرت الله عزوجل» (٤).

وعن زيد الشحّام قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «ينبغي للحائض أن تتوضّأ عند وقت كلّ صلاة ثمّ تستقبل القبلة وتذكر الله مقدار ما كانت تصلّي» (٥).

ولا يبعد أن يكون المراد من الذكر ما يعمّ الدعاء وطلب الحاجة من الله تعالى ، بل لعلّ هذا هو المتبادر من الذكر خصوصاً في مثل المقام الذي تقتضيه المناسبة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٥ / ٢٠٦ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٠١ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٥٩ / ٤٥٦ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٠ / ١ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٠١ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

(٥) الكافي ٣ : ١٠١ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

١٨٢

فما عن بعضٍ من تخصيص التسبيح والتهليل والتحميد بالذكر (١) ، من باب المثال ، ولا يبعد أن تكون مرادةً بالخصوص ؛ لكونها أفضل أفراد الذكر ، فيكون اختيارها أشدّ استحباباً ، بل قضيّة خبر [معاوية بن] عمّار استحباب قراءة القرآن أيضاً ، فتكون هذه الرواية مخصّصةً لما دلّ على كراهتها عليها مطلقاً ، كما هو ظاهر.

ثمّ إنّ المتبادر من صلاتها التي يقدّر الذكر بقدرها هي صلاتها التي كان عليها الإتيان بها على تقدير كونها طاهرة ، فيلاحظ حالها في ذلك الوقت من حيث كونها مسافرةً أم حاضرةً ، لا حالها قبل الحيض ، كما قد يتوهّم ؛ لأنّ المنسبق إلى الذهن ليس إلّا كون هذا العمل بدلاً من الصلاة ، ولذا يتبادر إلى الذهن من الأخبار المطلقة كالمقيّدة : إرادة إيجاد الذكر مستقبلة القبلة بمقدار الصلاة ، كما أنّ هذا هو المتبادر من مطلقات عبائر العلماء كما في المتن ، فإنّه لا يشكّ في أنّ المراد جلوسها مستقبلة القبلة مع أنّه لم ينصّ عليه ، بل لا يبعد بمقتضى المناسبة أن يدّعى أنّ المنسبق إلى الذهن ليس إلّا جلوسها بمقتضى عادتها في مصلّاها لو كان لها مصلّى معهود. ولعلّ هذا هو الوجه في تعبير الأصحاب بجلوسها في مصلّاها.

وكيف كان فالأمر فيه سهل.

وعن ابن بابويه : القول بوجوب الوضوء والذكر (٢) ؛ استناداً إلى ظاهر الأمر في الأخبار المتقدّمة.

وفيه : مع أنّه بحسب الظاهر مخالف للإجماع على ما نُقل (٣) أنّ

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٥٥ عن الشهيد في البيان : ٢٠.

(٢) حكاه عنه ولده في الفقيه ١ : ٥٠ ذيل الحديث ١٩٥ نقلاً عن رسالته إليه.

(٣) الناقل هو الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٢٣٢ ، المسألة ١٩٨.

١٨٣

هذه الأوامر لورودها في مقام توهّم الحظر لا ظهور لها في الوجوب ، مع أنّه يمتنع عادةً أن يكون مثل هذا الحكم العامّ البلوى واجباً من صدر الإسلام وكان معروفاً بين نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم ينته إلى حدّ الضرورة فضلاً عن صيرورته مخالفاً للمشهور أو المجمع عليه.

مع أنّه لو كان واجباً ، لم يكن الأئمّة عليهم‌السلام بحسب العادة يتركون التعرّض لبيانه عند بيان أنّ الحائض لا تصلّي ولا يجب عليها قضاؤها في تلك الأخبار الكثيرة.

هذا كلّه ، مع أنّ التعبير بلفظ «ينبغي» في رواية زيد الشحّام ، المتقدّمة (١) ظاهره الاستحباب ، ولا يبعد كون هذا الظهور أقوى من ظهور سائر الروايات في الوجوب.

ثمّ إنّ مقتضى الجمود على ظواهر النصوص والفتاوى : استحباب الوضوء لكلّ صلاة وعدم كفاية وضوء واحد للجلوس مقدار صلاتين وإن لم يتخلّل بينهما حدث ، بل وإن جمعت بينهما في مجلسٍ واحد.

وهذا لا يخلو من تأمّل ، فإنّ المتبادر من الوضوء ليس إلّا الماهيّة المعهودة المؤثّرة في رفع الحدث على تقدير صلاحية المحلّ ، فيفهم من أمر الحائض بإيجاد هذه الطبيعة أنّها تؤثّر في حقّها أثراً لا ينافيه حدث الحيض ، كخفّة الحدث أو ارتفاع الأصفر أو التمرين أو غير ذلك ، فيكون الأمر بالوضوء لأجل كونه سبباً لحصول ذلك الأثر لا التعبّد المحض ، ولذا لا نشكّ في عدم الاعتداد بوضوئها لو بالت عقيبه قبل أن جلست في مصلّاها ، فمتى حصل ذلك الأثر يجوز الإتيان بغايته ، وهي الجلوس في

__________________

(١) في ص ١٨١.

١٨٤

مصلّاها ذاكرةً لله تعالى. وكون حدث الحيض بنفسه رافعاً لذلك الأثر غير معلوم ، بل المنساق إلى الذهن من أمر الحائض بالوضوء والذكر في وقت كلّ صلاة جريها على ما كانت عليه في حال طهارتها عدا تبديل صلاتها بالذكر ، والله العالم.

ويستحبّ لها الوضوء أيضاً عند إرادة الأكل ؛ لرواية معاوية بن عمّار ، المتقدّمة (١).

(ويكره لها الخضاب) وهو مذهب علمائنا أجمع ، كما عن المعتبر والمنتهى (٢) ؛ للنهي عنه في جملة من الأخبار :

منها : ما رواه عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «لا تختضب الحائض ولا الجنب» (٣) الحديث.

ورواية أبي جميلة عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «لا تختضب الحائض» (٤).

وموثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : هل تختضب الحائض؟ قال : «لا ، يخاف عليها الشيطان عند ذلك» (٥).

وعن أبي بكر الحضرمي مثلها ، إلّا أنّه قال : «لأنّه يخاف عليها الشيطان» (٦).

__________________

(١) في ص ١٨١.

(٢) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٥٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٣٣ ، ومنتهى المطلب ١ : ١١٥.

(٣) التهذيب ١ : ١٨٢ / ٥٢١ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٧.

(٤) قرب الإسناد : ٣٠٢ / ١١٨٦ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٨.

(٥) التهذيب ١ : ١٨١ / ٥٢٠ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

(٦) علل الشرائع : ٢٩١ (الباب ٢١٨) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

١٨٥

وهذه النواهي محمولة على الكراهة ؛ لنفي البأس عنه في جملة من الأخبار :

منها : رواية سهل بن اليسع عن أبيه ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة تختضب وهي حائض ، قال : «لا بأس به» (١).

وعن عليّ بن أبي حمزة (٢) ، قال : قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : تختضب المرأة وهي طامث؟ قال : «نعم» (٣).

ورواية أبي المعزى عن العبد الصالح عليه‌السلام في حديثٍ ، قال : قلت : المرأة تختضب وهي حائض؟ قال : «ليس به بأس» (٤).

وموثّقة سماعة قال : سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن الجنب والحائض أيختضبان؟ قال : «لا بأس» (٥).

فما عن ظاهر الصدوق في الفقيه من عدم الجواز (٦) ، ضعيف ، ولعلّه لا يريد به أيضاً إلّا الكراهة ، والله العالم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٩ / ١ ، التهذيب ١ : ١٨٢ / ٥٢٢ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي الكافي والتهذيب : محمد بن أبي حمزة. وفي الوسائل : محمد بن أبي حمزة عن عليّ بن أبي حمزة.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٩ (باب الحائض تختضب) الحديث ٢ ، التهذيب ١ : ١٨٢ / ٥٢٣ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٤) التهذيب ١ : ١٨٣ / ٥٢٥ ، الإستبصار ١ : ١١٦ / ٣٩٠ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

(٥) التهذيب ١ : ١٨٣ / ٥٢٥ ، الإستبصار ١ : ١١٦ / ٣٨٩ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٦.

(٦) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٥٧ ، وانظر : الفقيه ١ : ٥١ ذيل الحديث ١٩٦.

١٨٦

(الفصل الثالث : في الاستحاضة)

وهي في الأصل استفعال من الحيض ، يقال : استحيض المرأة بالبناء للمفعول ، فهي تستحاض كذلك ، لا تستحيض : إذا استمرّ بها الدم بعد أيّامها فهي مستحاضة ، ذكره الجوهري (١) على ما في الحدائق (٢) وغيره (٣). وهو يعطي أنّ بناءه للمعلوم غير مسموع.

ولكنّك ستسمع في مرسلة يونس الطويلة استعمال ماضيه بالبناء للفاعل.

ثمّ إنّ شيخنا المرتضى رحمه‌الله قال في طهارته : وظاهر غير واحد من أهل اللغة منهم : الزمخشري والفيروزآبادي أنّ الاستحاضة تخرج من عرقٍ يقال له : العاذل. قال في الفائق : كأنّ تسمية ذلك العرق بالعاذل لأنّه سبب لعذل المرأة ، أي ملامتها عند زوجها (٤). انتهى.

وإطلاقها على نفس الدم على الظاهر تجوّز ، ولا يبعد صيرورته حقيقةً اصطلاحيّة في عرف الفقهاء.

(وهو) أي الفصل الثالث (يشتمل على) بيان (أقسامها وأحكامها).

__________________

(١) الصحاح ٣ : ١٠٧٣ «حيض».

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٢٧٦.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ٧ ، جواهر الكلام ٣ : ٢٥٧.

(٤) كتاب الطهارة : ٢٤٣ ، وانظر : الفائق ٢ : ٤٠٧ ٤٠٨ ، والقاموس المحيط ٢ : ٣٢٩.

١٨٧

(أمّا الأوّل : فدم الاستحاضة في الأغلب) على ما يستفاد من مجموع الأخبار المتقدّمة في الفصل السابق ، الواردة في تشخيص دم الحيض عن الاستحاضة عند الاشتباه (أصفر بارد رقيق يخرج بفتور).

وبعض هذه الأوصاف كخروجه بفتور وإن لم ينصّ عليه بالخصوص في الأخبار لكن يستفاد ذلك منها باعتبار أخذ ضدّه ، وهو الخروج بقوّة ودفع ، معرّفاً للحيض في مقام التميّز.

وقد عرفت في مبحث الحيض أنّ هذه الأوصاف وكذا أوصاف الحيض ليست أوصافاً لازمة ، بل هي أمارات غالبيّة اعتبرها الشارع في الجملة في مقام التميّز (وقد يتّفق بمثل هذا الوصف حيضاً) وقد يتّفق عكسه (إذ الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض ، وفي أيّام الطهر طهر) نصّاً وإجماعاً.

وقد اتّضح لك فيما سبق أنّ أيّام الحيض هي الأيّام التي يمكن أن يكون الدم فيها حيضاً ، وأيّام الطهر ما لم يمكن فيه ذلك. وتخصيص الصفرة والكدرة بالذكر من بين الأوصاف إنّما هو لتبعيّة النصّ المعبّر فيه بمثل هذه العبارة.

ثمّ لا يخفى على المتتبّع في أخبار الباب أنّه ليس للاستحاضة حقيقة شرعيّة ، بل لم تستعمل في شي‌ء من الأخبار بظاهرها إلّا في معناها اللغوي.

ولكنّ الفقهاء رضوان الله عليهم اصطلحوا فسمّوا كلّ دم تراه المرأة بمقتضى طبعها أي من حيث كونها في مقابلة الرجل غير دمي الحيض والنفاس بالاستحاضة.

١٨٨

وقيد الحيثيّة للتحرّز عمّا لو كان من قرح أو جرح ومنه العذرة ؛ فإنّ هذا الدم ليس مخصوصاً بها من حيث هي.

وكيف كان فقد عمّموا موضوع الاستحاضة ؛ لعموم حكمها ، وعدم اختصاصه بما يسمّى في العرف استحاضةً.

قال في محكيّ النهاية : الاستحاضة قد يعبّر بها عن كلّ دم تراه المرأة غير دمي الحيض والنفاس ، خارج من الفرج ممّا ليس بعذرة ولا قرح ، سواء اتّصل بالحيض ، كالمجاوز لأكثر الحيض ، أو لم يكن ، كالذي تراه المرأة قبل التسع ، فإنّه وإن لم نوجب الأحكام عليها في الحال لكن فيما بعدُ يجب الغسل أو الوضوء على التفصيل ، أو نوجب الأحكام على الغير ، فيجب النزح وغسل الثوب من قليله. وقد يعبّر بها عن الدم المتّصل بدم الحيض وحده ، وبهذا المعنى تنقسم المستحاضة إلى معتادة ومبتدأة ، وأيضاً إلى مميّزة وغيرها. ويسمّى ما عدا ذلك دم فساد ، لكنّ الأحكام المذكورة في جميع ذلك لا تختلف (١). انتهى.

والظاهر عدم الخلاف في عموم الأحكام إلّا ممّن لا يعتدّ بخلافه بعد وضوح مستنده مع ما فيه من الضعف ، كما سيتّضح لك تفصيله.

وعن الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح دعوى الوفاق عليه (٢).

ويؤيّده ظهور كلمات أساطين الأصحاب مثل المصنّف والعلّامة وغيرهما ـ في ذلك من دون إشعار في كلماتهم بالتردّد والاختلاف ، بل لم ينقل الخلاف من أحدٍ إلّا من صاحب المدارك وبعض مَنْ تأخّر عنه.

__________________

(١) الحاكي هو صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ١٤٤ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ١٢٥.

(٢) حكاها عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٨٧ ، وشرح المفاتيح مخطوط.

١٨٩

قال في المدارك في شرح قول المصنّف قدس‌سره: (وكلّ دم تراه المرأة أقلّ من ثلاثة ولم يكن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة) : هذه الكلّيّة إنّما تتمّ إذا استثني دم النفاس ، ومع ذلك فلا بدّ من تقييدها بما إذا كان الدم بصفة دم الاستحاضة ، إلّا فيما دلّ الدليل على خلافه ، كما تقدّم (١). انتهى.

وقد تبعه في ذلك جملة ممّن تأخّر عنه.

وأشار بقوله : كما تقدّم ، إلى القاعدة الكلّيّة التي استظهرها من الأخبار الواردة في من اختلط حيضها بالاستحاضة ، الآمرة بالرجوع إلى أوصاف الدم زاعماً أنّ هذه الأخبار تدلّ على أنّ كلّ ما كان بأوصاف الحيض فهو حيض ، وكلّ ما كان بأوصاف الاستحاضة فهو استحاضة ، فلا ترفع اليد عن هذه الكلّيّة إلّا بدليلٍ (٢).

وفيه بعد الإغماض عن مخالفته للإجماع على ما ادّعاه في شرح المفاتيح ، مضافاً إلى ما عرفت من كون الأوصاف أماراتٍ تعبّديّةً اعتبرها الشارع في موارد مخصوصة لا يجوز التخطّي عنها إلّا بالدليل أنّ الأخبار الواردة في بيان أوصاف كلٍّ من دمي الحيض والاستحاضة كلّها واردة في من استمرّ بها الدم واختلط حيضها بالاستحاضة ، وقد عرفت من تنصيص اللغويّين كما يشهد به لفظا لاستحاضة ويعضده نفس هذه الأخبار سؤالاً وجواباً أنّ الاستحاضة عبارة عن استمرار دم الحيض وتجاوزه عن أيّامه ، وقد أشرنا إلى أنّها لم تستعمل في الأخبار أيضاً إلّا في هذا المعنى ،

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ٩.

(٢) انظر : مدارك الأحكام ١ : ٣١٣ و ٣٢٤.

١٩٠

غاية الأمر أنّ الشارع بيّن أنّ الدم الذي يستعقب الحيض ويسمّى استحاضةً في العرف ليس دم الحيض ، بل هو دم آخر له أوصاف مخصوصة وأحكام خاصّة ، وقد صرّح بالمغايرة غير واحد من اللغويّين أيضاً كما عرفت.

فغاية ما يمكن دعوى استفادته من الأخبار : أنّ هذه الأوصاف من الخواصّ اللازمة لدم الاستحاضة ، وهذا لا يقتضي الحكم بكون كلّ دم بهذه الأوصاف استحاضةً ؛ فإنّ ما تراه المرأة ساعة أو ساعتين غير مسبوق بحيض حيث لا يسمّى في العرف واللغة استحاضةً ليس إلّا كالدم الخارج من غير فرجها ، فكما أنّ تصادق أوصاف دم الاستحاضة على هذا الدم لا يوجب الحكم بكونه استحاضةً فكذا في مثل الفرض.

نعم ، مقتضى كون الأوصاف من الخواصّ اللازمة : تخطئة العرف واللغة في إطلاقهم الاستحاضة على ما تراه المرأة بعد أيّامها مطلقاً ، وعدم تخصيصهم اسم الاستحاضة بواجدة الأوصاف ، لكنّ الشارع قد أقرّهم على ذلك ، وحكم بأنّ ما تراه بعد أيّامها في الجملة استحاضة ، وأنّها إن عرفت أيّامها ، لا تعتني بأوصاف الدم ، فيعلم من ذلك أنّ الشارع بيّن بعض الأوصاف الغالبيّة للرجوع إليها عند الاشتباه واختلاط الحيض بالاستحاضة ، لا مطلقاً.

والحاصل أنّه ليس في شي‌ء من هذه الأخبار إشعار أصلاً بأنّ كلّ دم موصوف بهذه الأوصاف استحاضة ، بل غاية ما يمكن ادّعاؤه إنّما هو دلالتها على أنّ الاستحاضة لا تكون إلّا بهذه الأوصاف ، وهذا لا يجدي في الحكم بكون ما تراه مَنْ ليس بسنّ مَنْ تحيض كالصغيرة واليائسة وما

١٩١

تراه المرأة أقلّ من ثلاثة أيّام وكذا ما تراه بعد النفاس استحاضةً إذا كان بأوصافها ، كما هو ظاهر ، وإنّما الفقهاء يحكمون بذلك ؛ لما ثبت عندهم من أنّ المرأة في جميع هذه الحالات بمنزلة المستحاضة ، فعمّموا موضوعها بحيث صارت الاستحاضة لديهم حقيقةً في المعنى الأعمّ ، ومن المعلوم أنّ إطلاقات الشارع لا تنزّل على هذا المعنى الأعمّ الحادث في عرف الفقهاء ، فتعميم حكم المستحاضة بحيث يعمّ هذه الموارد يحتاج إلى دليلٍ تعبّدي غير الأدلّة المسوقة لبيان حكم الاستحاضة أو موضوعها ، فالمتّبع إنّما هو مقدار دلالة ذلك الدليل ، ففي جملة من الأخبار أنّه إذا استمرّ دم النفاس ، فهي بمنزلة المستحاضة مطلقاً من دون تفصيلٍ بين ما لو كان الدم أسود أو أصفر ، فلو كان لنا بالنسبة إلى سائر الموارد أيضاً مثل هذا الدليل ، نقول به ، وإلّا فلا من دون أن يكون لأوصاف الدم مدخليّة في ذلك. وكأنّ منشأ الاستدلال بهذه الروايات لنفي كون ما ليس بأوصاف الاستحاضة استحاضةً هو الخلط بين المعنى الاصطلاحي واللغوي الذي عليه تنزّل الأخبار.

ثمّ لو سلّم إرادة هذا المعنى من الاستحاضة في تلك الأخبار ، أو قيل : إنّ الاستحاضة وإن استُعملت فيها في مفهومها اللغوي لكن يفهم من سياقها أنّ موضوع الأحكام نفس دم الاستحاضة من حيث هو ، فالأوصاف إنّما هي أوصاف لذلك الدم ، سواء سمّي بالاستحاضة أم لا ، فهو غير مُجْدٍ فيما ادّعاه المستدلّ ، بل ربما يشهد على ما يقوله المشهور ؛ لما فيها من التصريح بأنّه إنّما تعوّل على الأوصاف مَنْ لا تعرف أيّامها ، وأمّا مَنْ عرفت أيّامها فسنّتها الرجوع إلى أيّامها من غير اعتناء بأوصاف الدم ،

١٩٢

ومعلومٌ أنّ مصادفة الدم لأيّامها إنّما هي أمارة لتشخيص الحيض عمّا ليس بحيض ، الذي هو استحاضة فيما هو المفروض موضوعاً في تلك الأخبار ، فالعبرة أوّلاً وبالذات على هذا ، وإنّما تعوّل على الأوصاف مَنْ لا يمكنها تشخيص حيضها عمّا ليس بحيض بأمارة أقوى ، ككونه في أيّام العادة ، أو بالقطع ، ككونها في سنّ مَنْ لا تحيض ، أو كون الدم مسبوقاً بحيض أو نفاس محقّق أو غير ذلك.

وكيف كان فالذي يظهر بالتصفّح في كلمات الأصحاب بحيث لا يشوبه شائبة الارتياب : أنّ الدم الذي تختصّ برؤيته المرأة من حيث كونها مرأةً لا من حيث كونها مقروحةً أو مجروحةً إذا رأته أقلّ من ثلاثة أيّام ولم يكن من دم النفاس أو رأته بعد اليأس ، بل وكذا في حال الصغر كونه بحكم دم الاستحاضة في الجملة من المسلّمات بل من ضروريّات الفقه بحيث لم يخالف فيه على إجماله أحد بأن يقول : دم اليائسة ـ مثلاً ليس بحكم الاستحاضة أصلاً ، وكفى بذلك دليلاً على استكشاف رأي المعصوم ، خصوصاً في مثل هذا الفرع العامّ البلوى ، الذي يمكن دعوى الجزم بأنّ كونه مسلّماً لديهم يكشف عن استقرار السيرة عليه ومعهوديّته من صدر الإسلام ووصوله إليهم يداً بيد ، وحيث إنّا علمنا بطلان قول المفصّل وأنّه إنّما صار إليه لشبهةٍ حصلت له تعيّن المصير إلى ما صار إليه غيره من الحكم بكون كلّ ما ليس بحيض ولا نفاس استحاضةً من دون تفصيل.

ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك استقراء الموارد التي وقع فيها السؤال عن حكم ما تراه المرأة من الدم.

١٩٣

كرواية أبي المعزى قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم ، قال : «تلك الهراقة إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (١).

والمراد من الدم القليل هو الدم الذي ليس بحيض ، كما أنّ المراد من الدم الكثير هو الدم المستمرّ الذي يمكن أن يكون حيضاً ، وتوصيفهما بالقلّة والكثرة على الظاهر للجري مجرى العادة.

وصحيحة الحسين بن نعيم الصحّاف ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ أُمّ ولدي ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة؟ قال : فقال لي : «إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه ، فإنّ ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضّأ وتحتشي بكرسف وتصلّي» (٢) الحديث.

وظاهرها إرادة الوضوء بسبب الدم ، فيدلّ على أنّ الدم الذي ليس من الطمث حدث ، فيتمّ سائر أحكامه بعدم القول بالفصل.

ومنها : مرسلة يونس ، القصيرة المتقدّمة (٣) ، وفيها : «فإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين اغتسلت وصلّت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام إلى أن قال وإن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيّام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض إنّما كان من علّة إمّا من قرحة في جوفها وإمّا من الجوف ، فعليها أن تعيد الصلاة

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٨٧ / ١١٩١ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٩٥ / ١ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٣) في ص ٣٧.

١٩٤

تلك اليومين التي تركتها لأنّها لم تكن حائضاً» إلى آخره.

وقد تقدّم في مبحث الحيض التنبيه على أنّ الغسل المأمور به بعد يوم أو يومين لا يمكن أن يكون غسل الحيض ، فوجب أن يكون غسل الاستحاضة.

ومنها : رواية إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال : «إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (١).

وهذه الرواية لا بدّ من تأويل صدرها بما لا يخالف النصّ والإجماع.

والمراد بقوله عليه‌السلام : «وإن كان صفرة» على ما يشهد به سوق الكلام أنّه إن لم يكن ذلك الدم العبيط الذي تترك لأجله الصلاة ، فلتغتسل ؛ لأنّ المتبادر من مثل هذه العبارة كون الموضوع في القضيّة الثانية نقيض ما هو الموضوع في القضيّة الاولى ، كما لا يخفى على العارف بأُسلوب الكلام ، وتوصيف الدم بالصفرة إنّما هو لنكتة الغلبة.

إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبّع ، الواردة في دم المرأة ، التي رتّب فيها الشارع عليه آثار الاستحاضة عند انتفاء احتمال كونه حيضاً ، فإنّه لا يبعد أن يدّعى أنّه يستفاد من تتبّع الموارد ولو باعتضاده بالفتاوى أنّ الدم الذي تراه المرأة ما لم يكن من قرح أو جرح أو نحوهما مطلقاً حَدَثٌ ، فهو إمّا حيض أو نفاس أو استحاضة ، فمتى انتفى

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٨٧ / ١١٩٢ ، الإستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٣ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٦.

١٩٥

الأوّلان يتعيّن الثالث ، فهذا إجمالاً ممّا لا ينبغي الاستشكال فيه.

وإنّما الإشكال بل الخلاف في أنّه كما يعتبر في الحكم بكون الدم استحاضةً إحراز عدم كونه حيضاً أو نفاساً ، كذلك يعتبر العلم بعدم كونه من قرح أو جرح أو دم عارضي آخر بمنزلتهما ، فلا يحكم بكونه استحاضةً إلّا عند انتفاء سائر الاحتمالات ، أو يدلّ عليه دليل تعبّدي بالخصوص من نصّ أو إجماع ، كما في الدم المتجاوز عن العادة أو بعد النفاس ، وإلّا فيرجع إلى الأُصول ، أم يكفي عدم العلم بكونه من سائر الدماء مطلقاً ، أو يفصّل بين احتمال الجرح أو القرح وبين سائر الاحتمالات ، فلا يعتنى في الثاني دون الأوّل ؛ لاعتناء الشارع به كما عرفته في باب الحيض دون سائر الاحتمالات ، أو يفصّل في ذلك أيضاً بين ما لو كان الاحتمال ناشئاً من العلم بوجود قرح أو جرح وبين غيره ، فلا يعتنى بالاحتمال مطلقاً إلّا عند العلم بوجود القرح أو الجرح ، كما هو مورد اعتناء الشارع باحتمالهما؟ وجوه بل أقوال ، أقواها : عدم الاعتناء مطلقاً بشرط أن لا يكون منشؤ سائر الاحتمالات وجودَ علّة محقّقة مقتضية لقذف الدم.

وإليه يرجع التفصيل الأخير ؛ فإنّ تخصيص القرح والجرح المعلومين بالذكر على الظاهر ليس إلّا لانحصار الاحتمال الناشئ من سبب محقّق عادة بكونه منهما.

وينبغي تقييده أيضاً بما إذا لم يكن احتمال كونه استحاضةً ممّا تبعّده العادات والأمارات ، كما لو رأت الصغيرة الدمَ وهي في سنّ الرضاع.

وكيف كان فيدلّ على عدم الاعتناء بسائر الاحتمالات فيما اخترناه

١٩٦

بناء العقلاء ؛ فإنّك إذا راجعت العرف لا تكاد تجد امرأة تعتني عند خروج الدم من فرجها ما لم تكن مجروحةً أو مقروحة باحتمال كونه غير الدم الطبيعي الذي تختصّ برؤيته النساء ، بل لا ينصرف ذهنها عند رؤيتها للدم إلّا إلى الدم المعهود ، كما لا ينسبق إلى الذهن عند إطلاق قولك : المرأة ترى الدم ، إلّا إلى الدم المعهود.

وكأنّ سرّه أصالة السلامة ، النافية لسائر الاحتمالات ، القاضية بكون الدم هو الدم الأصلي الذي تقتضيه الطبيعة قذفه.

وقد أشرنا في مبحث الحيض إلى أنّ الالتزام بأنّ الاستحاضة أيضاً لا تكون إلا من علّة لا ينافي إمكان إحرازها بأصالة السلامة عند انتفاء احتمال الحيضيّة حيث إنّها من العلل العامّة التي لا تعدّ علّةً بنظر العرف بحيث يحتاج إلى سببٍ حادث زائد عن أصل طبيعتها ، كالقرح والجرح ، فيكون كونه استحاضةً بمنزلة أقرب المجازات في باب الألفاظ ، وقد أشرنا في محلّه إلى أنّ عمل العقلاء في مباحث الألفاظ بمثل هذه الأُمور ليس لأمرٍ مخصوص بها.

وكيف كان فما يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه التتبّعُ في أخبار الحيض والاستحاضة سؤالاً وجواباً ، فإنّك لا تكاد تجد في شي‌ء منها الاعتناء بسائر الاحتمالات إلّا عند تحقّق منشئها كالقرح والجرح ودم العذرة ، وأمّا بدونه فلا.

نعم ، في مرسلة يونس القصيرة ذكر الإمام عليه‌السلام في مقام إبداء الاحتمال في أنّ الدم الذي رأته يوماً أو يومين ليس بحيض «أنّه من علّة

١٩٧

إمّا من قرحة في جوفها أو من الجوف» (١).

ولكنّك عرفت أنّه عليه‌السلام في مقام ترتيب الأثر لم يعتن بهذا الاحتمال ، وأمرها بالاغتسال ، فهذه الرواية بنفسها من أقوى الشواهد على ما ادّعيناه ، وقد تقدّم في مبحث الحيض عند التكلّم في قاعدة الإمكان ما يزيدك إيضاحاً للمقام ، فراجع.

وحيث إنّك عرفت أنّ كلّ دم تراه المرأة من حيث هي لو لم يكن حيضاً أو نفاساً فهو استحاضة علمت أنّ ما كان أقلّ من ثلاثة أيّام ولم يكن دم نفاس لا يكون إلّا استحاضةً.

(وكذا ما (٢) يزيد عن العادة ويتجاوز العشرة) من غير فرقٍ بين أيّام الاستظهار وغيرها على ما تقدّم تحقيقه سابقاً (أو يزيد عن أيّام (٣) النفاس) كما ستعرفه إن شاء الله (أو يكون مع الحمل على) القول بعدم اجتماع الحيض معه ، كما عن المفيد وابن الجنيد والحلّي (٤) ، واختاره المصنّف رحمه‌الله في الكتاب (٥) ، ونسبه في النافع إلى أشهر الروايات (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٧ ١٥٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٢) في الشرائع ١ : ٣٢ : وكذا كلّ ما.

(٣) في الشرائع ١ : ٣٢ : عن أكثر أيّام.

(٤) حكاه عنهم المحقّق في المعتبر ١ : ٢٠٠ ، والعلّامة الحلّي في منتهى المطلب ١ : ٩٦ ، ومختلف الشيعة ١ : ١٩٥ ، المسألة ١٤١ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ١٧٧ ، وانظر : أحكام النساء (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ٩) : ٢٤ ، والمقنعة : ٥٣٩ ، والسرائر ١ : ١٥٠.

(٥) شرائع الإسلام ١ : ٣٢.

(٦) المختصر النافع : ١١.

١٩٨

ولكنّ (الأظهر) الأشهر بل عن المشهور (١) خلافه ، بل عن السيّد في الناصريّات دعوى الإجماع عليه (٢) ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار التي لا يبعد دعوى تواترها.

مثل : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سُئل عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ قال : «نعم ، إنّ الحبلى ربما قذفت بالدم» (٣).

وموثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحبلى ترى الدم؟ قال : «نعم ، إنّه ربما قذفت المرأة الدم وهي حبلى» (٤).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى الدم قبل ذلك في كلّ شهر هل تترك الصلاة؟ قال : «تترك الصلاة إذا دام» (٥).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيّام حيضها مستقيماً في كلّ شهر ، قال : «تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها ، فإذا طهرت صلّت» (٦).

__________________

(١) نسبه إلى المشهور المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٨٦ ، وكذا صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٦٢.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٦٢ ، وانظر مسائل الناصريّات : ١٦٩ ، المسألة ٦١.

(٣) الكافي ٣ : ٩٧ / ٥ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ١ : ٣٨٦ / ١١٨٨ ، الإستبصار ١ : ١٣٩ / ٤٧٥ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١٠.

(٥) الكافي ٣ : ٩٧ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٦) التهذيب ١ : ٣٨٧ / ١١٩٤ ، الإستبصار ١ : ١٣٩ / ٤٧٩ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٧.

١٩٩

وحسنة سليمان بن خالد ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، الحبلى ربما طمثت ، قال : «نعم ، وذلك إنّ الولد في بطن امّه غذاؤه الدم فربما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفقته ، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة» (١).

قال الكليني وفي رواية أُخرى «فإذا كان كذلك تأخّرت الولادة» (٢).

ورواية زريق عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّ رجلاً سأله عن امرأة حامل رأت الدم ، قال : «تدع الصلاة» قلت : فإنّها رأت الدم وقد أصابها الطلق وهي تمخض ، قال : «تصلّي حتى يخرج رأس الولد ، فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة ، وكلّ ما تركته من الصلاة في تلك الحال لوجع ولما فيه من الشدّة والجهد قضته إذا خرجت من نفاسها» قال : قلت : جعلت فداك ، ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض؟ قال : «إنّ الحامل قذفت بدم الحيض وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد ، فعند ذلك يصير دم النفاس ، فيجب أن تدع في النفاس والحيض ، فأمّا ما لم يكن حيضاً أو نفاساً فإنّما ذلك من فتق في الرحم» (٣).

وصحيحة صفوان عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيام تصلّي؟ قال : تمسك عن الصلاة» (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٧ / ٦ ، وفيه : «.. دفعته .. دفعته.» ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١٤.

(٢) الكافي ٣ : ٩٧ ذيل الحديث ٦ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١٥.

(٣) أمالي الطوسي : ٦٩٩ / ١٤٩١ ٣٤ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١٧.

(٤) التهذيب ١ : ٣٨٧ / ١١٩٣ ، الإستبصار ١ : ١٣٩ / ٤٧٨ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

٢٠٠