مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

وعن بعضهم التصريح بجوازه على كراهة (١).

وقيل بتوقّفه على أفعالها مطلقاً ، قليلةً كانت أو كثيرةً ، أغسالاً كانت أو غيرها ، كما نسبه في كشف اللثام إلى ظاهر المقنعة والاقتصاد والجُمل والعقود والكافي والإصباح والسرائر ، وحكاه عن ظاهر أبي علي ومصباح السيّد (٢). وعن ظاهر المعتبر والتذكرة والذكرى نسبته إلى ظاهر الأصحاب ، معلّلين ذلك بأنّهم قالوا : يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة (٣). وقوّاه صريحاً بعض متأخّري المتأخّرين ، كصاحبي الحدائق والرياض (٤).

وقيل بتوقّفه على الغسل والوضوء دون سائر أفعالها ، كما عن ظاهر الشيخ في المبسوط (٥).

وقيل بتوقّفه على الغسل خاصّة ، كما عن ظاهر الصدوقين في

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٣ : ٣٥٦ ٣٥٧ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٤٨ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٢٩١ ، المسألة ٩٥ ، والدروس ١ : ٩٩ ، وكشف الالتباس ١ : ٢٤٤.

(٢) كشف اللثام ٣ : ٣٥٧ ، وانظر : المقنعة : ٥٧ ، والاقتصاد : ٢٤٦ ، والجُمل والعقود (ضمن الرسائل العشر) : ١٦٤ ١٦٥ ، والكافي في الفقيه : ١٢٩ ، وإصباح الشيعة : ٣٩ ، والسرائر ١ : ١٥٣.

(٣) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٥٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٤٨ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٢٩١ ، والذكرى ١ : ٢٥٠.

(٤) الحدائق الناضرة ٣ : ٢٩١ ، رياض المسائل ١ : ٤٩.

(٥) الحاكي هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٩٥ ، وانظر : المبسوط ١ : ٦٧.

٣٤١

الرسالة والهداية (١) ، بل ربما احتمل تنزيل كلام كلّ مَنْ كان ظاهره أحد القولين المتقدّمين عليه ؛ لبُعْد إرادتهم توقّفه على ما عدا الغسل خصوصاً مثل تبديل الخرقة والقطنة.

كما يؤيّده ما استظهره شيخنا المرتضى قدس‌سره من جامع المقاصد ؛ فإنّه قال بعد تقويته هذا القول ـ : ويظهر من جامع المقاصد أنّ الخلاف فيه لا غير ، وأنّ المراد من الأفعال في عبارتهم الأغسال حيث قال في شرح قول المصنّف قدس‌سره : «ومع الأفعال تصير بحكم الطاهر» : المراد بالأفعال جميع ما تقدّم من الغسل والوضوء وغيرهما ، إلى أن قال : ويلوح من مفهوم عبارته أنّها بدون الأفعال لا يأتيها زوجها ، وإنّما يراد بها الغسل خاصّة ؛ إذ لا تعلّق للوطئ بالوضوء ، واختاره في المنتهي ، وأسنده إلى ظاهر عبارات الأصحاب ، واستدلّ بالأخبار الدالّة على الإذن في الوطي بعد الغسل (٢). انتهى ما حكاه الشيخ عن جامع المقاصد.

وربما يظهر من بعضٍ توقّف الوطي على غسل الفرج إمّا خاصّة أو مع الأفعال السابقة (٣).

واستدلّ للجواز : بالأصل ، وعمومات حلّ الأزواج و (ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) (٤) ، وخصوص قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا

__________________

(١) الحاكي عنهما هو صاحب كشف اللثام فيها ٣ : ١٥٧ ١٥٨ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٩٥ ، وكما في الجواهر ٣ : ٣٥٦ ، وانظر : الفقيه ١ : ٥٠ ، والهداية : ٩٩.

(٢) كتاب الطهارة : ٢٦١ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٤٣ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٢١.

(٣) انظر : النهاية للشيخ الطوسي ـ : ٢٩.

(٤) سورة «المؤمنون» ٢٣ : ٥ و ٦.

٣٤٢

تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) (١).

وصحيحة ابن سنان : «ولا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء إلّا أيّام حيضها» (٢).

وقول أبي الحسن عليه‌السلام في صحيح صفوان : «لا ، هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة وتجمع بين صلاتين بغسل ويأتيها زوجها إن أراد» (٣).

وفي صحيحة معاوية بن عمّار «وهذه يأتيها بعلها إلّا أيّام حيضها» (٤).

وموثّقة زرارة «فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها» (٥) بناءً على أنّ الظاهر من الحلّ لغةً وعرفاً حلّيّة الصلاة لها في مقابل حرمتها عليها لا إجزاؤها وصحّتها في مقابل فسادها.

ويؤيّده أنّ صحّة الصلاة تتوقّف على الاحتشاء والاستثفار ، ولا يتوقّف عليهما الوطؤ ، كيف! ولو أُريد إباحة الدخول من جميع الجهات لا من حيث الإباحة الذاتيّة ، للزم توقّف الوطي على سائر مقدّمات الصلاة ، التي لا تباح الصلاة بدونها.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٢) الكافي ٣ : ٩٠ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٧١ / ٤٨٧ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٩٠ / ٦ ، التهذيب ١ : ١٧٠ ١٧١ / ٤٨٦ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٨٨ ٨٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ ١٠٧ / ٢٧٧ ، و ١٧٠ / ٤٨٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١.

(٥) التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١٢.

٣٤٣

اللهمّ إلّا أن تنزّل الرواية على إرادة ما يتوقّف عليه إباحة الصلاة من حيث حدث الاستحاضة ، كما يظهر من قوله عليه‌السلام في أوّل الرواية : «المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها ثمّ تحتاط بيوم أو يومين ثمّ تغتسل كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات وتحتشي لصلاة الغداة وتجمع بين الظهر والعصر بغسلٍ ، وتجمع بين المغرب والعشاء بغسلٍ ، فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها» (١).

قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله بعد تقريب الاستدلال بالرواية على الوجه المتقدّم ـ : بل الإنصاف عدم صحّة الاستدلال بها لمذهب الجماعة لو لم يتمسّك بها لخلافهم من حيث إنّ المتبادر عرفاً إباحة الدخول في الصلاة في مقابل المحدث الذي لا يستبيح الصلاة ، وعدم إباحتها للحائض من هذه الجهة أيضاً ، لا من جهة الحرمة الذاتيّة (٢). انتهى.

ويؤيّده استدلال صاحب الحدائق (٣) بها لمذهبه.

لكنّ الإنصاف ضعف الاستدلال بها لمذهب الخصم ، بل ظهورها في المعنى الأوّل بإرادة حلّيّة الصلاة لها في مقابل أيّام أقرائها ، إلّا أنّه ليس ظهوراً يعتدّ به بحيث يزاحم ما سيأتي دليلاً للخصم على تقدير تماميّته.

واستدلّ للقول بتوقّفه على جميع الأفعال أيضاً : بالموثّقة المتقدّمة التي عرفت حالها.

وبصحيحة محمد بن مسلم ، التي حالها حال الموثّقة في صلاحيّتها

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١٢.

(٢) كتاب الطهارة : ٢٦٠.

(٣) الحدائق الناضرة ٣ : ٢٩٢.

٣٤٤

للاستشهاد بها لكل من القولين بمعنى إمكان تنزيلها على كلٍّ منهما لو لم ندّع أظهريّتها في المعنى الأوّل.

وهي ما رواه المحقّق في المعتبر من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال في الحائض إذا رأت دماً بعد أيّامها التي كانت ترى فيها : «فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين ثمّ تمسك قطنة فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسلٍ ، ويصيب منها زوجها إذا أحبّ ، وحلّت لها الصلاة» (١).

وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المستحاضة أيطؤها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟ قال عليه‌السلام : «تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه ، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به ، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ثمّ تضع كرسفاً آخر ثمّ تصلّي ، فإذا كان دماً سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة ثمّ تصلّي صلاتين بغسلٍ واحد ، وكلّ شي‌ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجهاولتطف بالبيت» (٢).

وقد ادّعى في الحدائق (٣) صحّة سندها ، وصراحتها في المدّعى.

وفيه : أنّ غايتها الظهور ، بل الإنصاف إمكان الخدشة في دلالتها ؛ إذ من المستبعد جدّاً إرادة بيان اشتراط الوطي بما يستباح به الصلاة ، بل يحتمل قويّاً إرادة عدم الفرق بين أحكام الحائض ، فعند استمرار دمها كلّ

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢١٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٠٠ / ١٣٩٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٨.

(٣) الحدائق الناضرة ٣ : ٢٩٣.

٣٤٥

شي‌ء صار علّةً لاستحلال صلاتها بعينه هي العلّة الإباحة وطئها وطوافها بالبيت ؛ إذ لا تفكيك بين الأحكام.

نعم ، احتمال إرادة تأثير ما يؤثّر في حلّيّة الصلاة بالفعل في إباحة الوطي والطواف لعلّه أقوى ، على تأمّلٍ فيه وقد ادّعى شيخنا المرتضى رحمه‌الله ظهورها في إرادة خصوص الغسل بناءً على ما حقّقه فيما سبق من أنّها إذا أتت بما عليها من الأغسال ، فهي بحكم الطاهر من حيث الحدث الأكبر ، وأمّا بالنسبة إلى الحدث الأصغر فيجب عليها إعادة الوضوء عند كلّ غاية ، وحيث إنّ مفاد الرواية أنّ الشي‌ء الذي أباح صلاتها أباح وطئها وطوافها يجب أن يكون المراد من ذلك الشي‌ء هو الغسل ؛ لأنّه هو الذي إذا استبيح به الصلاة يبقى أثره فيما بعدُ ، ويستباح به سائر الغايات في الجملة ، وأمّا سائر المقدّمات مثل الوضوء وتغيير القطنة والخرقة ونحوها فتجب إعادتها لأجل الطواف ، فيستكشف من ذلك أنّ ما عدا الأغسال غير مراد من عموم «الشي‌ء» (١). وفيه تأمّل.

ثمّ لو سلّم ظهور الروايات في اشتراط جواز الوطي باستباحة الصلاة بالفعل ـ بأن يكون تحقّقه بعد الإتيان بجميع أفعالها التي يتوقّف عليها صحّة صلاتها بحيث يشرع لها عند إرادة الوطي الاشتغال بفعل الصلاة لوجب حملها على إرادة خصوص الغسل بقرينة الأخبار الآتية ، الظاهرة في كفاية خصوص الغسل ، فإنّ رفع اليد عن هذا الظاهر مع ما فيه من البُعْد أهون من تقييد الأخبار الآتية.

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٢٦١.

٣٤٦

واستدلّ له أيضاً بما رواه في قرب الإسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المستحاضة كيف تصنع؟ قال : «إذا مضى وقت طهرها الذي تطهر فيه فلتؤخّر الظهر إلى آخر وقتها ثمّ تغتسل ثمّ تصلّي الظهر والعصر ، فإن كان المغرب فلتؤخّرها إلى آخر وقتها ثمّ تغتسل ثمّ تصلّي المغرب والعشاء ، فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثمّ تصلّي ركعتين قبل الغداة ثمّ تصلي الغداة» قلت : يواقعها زوجها؟ قال : «إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضّأ ثمّ يواقعها إذا أراد» (١).

وفيه مع إمكان حمل الغسل المأمور به على غسل الحيض أنّها لا تدلّ إلا على ما حكي (٢) عن ظاهر الشيخ في المبسوط من توقّفه على الغسل والوضوء دون سائر الأفعال.

هذا ، مع أنّه ربما يوهن ظهورها في إرادة الوضوء الشرعي شدّة المناسبة بين المقام وبين إرادة معناه اللغوي ، وهو : نضح الماء على الفرج ، الذي هو كناية عن غسله وتنظيفه ، كما يؤيّد ذلك ما عن الفقه الرضوي «والوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل وبعد أن تغتسل وتنظّف لأنّ غسلها يقوم مقام الطهر للحائض» (٣) فليتأمّل.

ويمكن الاستدلال لمذهب الشيخ أيضاً : بالأخبار المتقدّمة التي

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٢٧ ١٢٨ / ٤٤٧ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١٥.

(٢) الحاكي هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٩٥ ، وانظر : المبسوط ١ : ٦٧.

(٣) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٢٩٥ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٩١.

٣٤٧

استدلّ بها للقول المتقدّم بدعوى انصرافها عمّا عدا الوضوء والغسل ؛ لبُعْد مدخليّتها في إباحة الوطي بل في رفع حدث الاستحاضة ، بل هي من قبيل الشرائط الخارجيّة لفعل الصلاة ، كطهارة البدن والثوب.

ويتوجّه عليه بعد تسليم الدلالة أنّ المتعيّن صرفها عن الوضوء أيضاً لو لم نقل بانصرافها عنه كسائر الأفعال ؛ جمعاً بينها وبين الأخبار التي استدلّ بها للقول بتوقّفه على الغسل خاصّة.

وهي : موثّقة سماعة ، قال : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين وللفجر غسلاً ، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة ، وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل» (١) ونحوها موثّقته المضمرة (٢).

وصحيحة مالك بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال : «ينظر الأيّام التي كانت تحيض فيها وحيضها مستقيم فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام من ذلك الشهر ، ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيّام ، ولا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل ثمّ يغشاها إن أراد» (٣).

وحمل الغسل على غسل الحيض بعيد ؛ لأنّ ظاهرها توقّف الوطي مطلقاً في غير تلك الأيّام على الغسل ، وإطلاقها منزّل على ما عدا القليلة ؛

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٩ ٩٠ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٠ / ٤٨٥ ، والوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الإستبصار ١ : ٩٧ / ٣١٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٧ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١.

٣٤٨

إذ لا شبهة نصّاً وفتوى في أنّه إذا حلّ لها الصلاة ، جاز لزوجها أن يغشاها ، وحلّيّة الصلاة في القليلة لا تتوقّف على الغسل.

ومن هنا قد يقوى في النظر بالنظر إلى إطلاق الأمر بالغسل إرادة غسل الحيض وإن كان الأوّل أظهر.

وأبعد من ذلك ارتكاب التأويل في الموثّقتين بحملهما على إرادة إتيانها حين تغتسل من حيضها.

نعم ، هذا الحمل غير بعيد في روايته الأُخرى : عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ، قال : «نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ثمّ تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها يأمرها فتغتسل ثمّ يغشاها إن أحبّ» (١).

فالقول بوجوب الغسل خاصّة لا يخلو عن قوّة ، لكنّ الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه بالنسبة إلى الوضوء ، وأمّا سائر الأفعال فلا ينبغي الارتياب في عدم وجوبها ، والله العالم.

(و) قد ظهر لك ممّا سبق أنّه (إن أخلّت) المستحاضة (بذلك) أي الأفعال التي أثبتنا وجوبها عليها (لم تصحّ صلاتها) ضرورة ظهور الأدلّة المتقدّمة في الوجوب الشرطي ، فهذا ممّا لا إشكال فيه.

(و) إنّما الإشكال فيما جزموا به من أنّها (إن أخلّت بالأغسال) الواجبة عليها لصلاتها (لم يصحّ صومها) إذ من المستبعد جدّاً أن لا يكون نفس الحدث من حيث هو مانعاً من صحّة الصوم بحيث لو

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٦ ١٧٧ / ٥٠٥ ، الإستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٥ ، الوسائل ، الباب ٣ و ٧ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٤ و ١.

٣٤٩

استحاضت قبل الفجر لم يجب عليها الغسل لصومها ، لكن يبطله الإخلال بالأغسال الواجبة عليها لصلاتها ، مع أنّه لم ينهض عليه دليل عدا مكاتبة ابن مهزيار ، قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ثمّ استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل كما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها؟ فكتب عليه‌السلام «تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك» (١).

وفي رواية الكليني والشيخ : «لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر فاطمة والمؤمنات بذلك» (٢).

وفيه : أنّه لا ينبغي الارتياب في أنّ ما كتبه الإمام عليه‌السلام في الجواب إنّما هو لبيان حكم الحائض ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام : «ولا تقضي صلاتها» وقوله عليه‌السلام : «لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر المؤمنات بذلك» فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر المؤمنات بذلك بالنسبة إلى أيّام الحيض ، كما تقدّمت حكايته في أخبار الحيض.

وأمّا في مفروض السائل فكيف يأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المؤمنات بقضاء الصوم دون الصلاة!؟ مع أنّه قضيّة فرضيّة لا يبعد عدم تحقّقه في الخارج.

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٩٣ (الباب ٢٢٤) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب الحيض ، الحديث ٧.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٦ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ / ٩٣٧ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب الحيض ، ذيل الحديث ٧.

٣٥٠

اللهمّ إلّا أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرهنّ بذلك على تقدير التحقّق.

وفيه : مع بُعْده ما لا يخفى من مخالفته للظاهر ، مع أنّه بظاهره مخالف للنصّ والإجماع ؛ لأنّه يجب عليها قضاء صلاتها نصّاً وإجماعاً ، فلم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر بذلك بلا شبهة. اللهم إلّا أن يكون أمره بذلك صوريّاً لمصلحة ، أو يكون ذلك حكماً منسوخاً ، ولا يناسب شي‌ء منهما التعليل.

والحاصل : أنّ الرواية ممّا لا يمكن العمل بظاهرها ، فيجب ردّ علمها إلى أهله.

وما يقال : من أنّ هذا أي كون بعض فقرأت الرواية مطروحةً لا يخرجها عن الحجّيّة فيما عداها جمود بحت في مثل المورد ؛ إذ لا نقول بحجّيّة الأخبار من باب السببيّة المحضة تعبّداً من حيث السند أو الدلالة حتى نلتزم بمثل هذه التفكيكات ، وإنّما نلتزم بعدم خروج بعض الفقرات عن الحجّيّة بخروج بعضٍ آخر إذا تطرّق احتمال خلل في الفقرة المطروحة يخصّها من نحو السقط والتحريف والاشتباه والتقيّة ونحوها ، وأمّا مثل هذه الرواية التي يشهد سوقها وتعليلها ومخالفة مدلولها للعامّة باشتراك الفقرتين في الاحتمالات المتطرّقة وعدم اختصاص ثانيتهما باحتمالٍ يعتدّ به ، فالتفكيك في غاية الإشكال ، وليس ارتكابه مع استلزامه الكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن لم يقصد به التورية أهون من نسبة الغفلة أو الاشتباه إلى الراوي في فهم الرواية أو نقلها.

وملخّص الكلام أنّ المظنون لو لم نقل بأنّه المقطوع به أنّ هذا الجواب ليس مسوقاً إلّا لبيان حكم الحائض أمّا توطئةً لجواب السائل أو

٣٥١

جواباً عن سؤالٍ مستقلّ أو بياناً لحكم أيّام عادتها من شهر رمضان. وقد حصل الاختلال في الرواية من حيث تقطيع الأخبار ، كما يدلّ عليه في خصوص المورد إضمار المسئول عنه ، أو غير ذلك من العوارض الموجبة للاختلال ، مثل سقط القيد المبيّن لاختصاص الحكم بأيّام العادة ، ونحوه.

لا يقال : إنّ فتح هذا الباب أي إبداء احتمال السقط والتحريف ونحوه في الأخبار مشكل.

لأنّا نقول : إنّ هذا الباب في الأخبار مفتوح ، لكنّه لا يجوز المسير إليه ، ولا يعتنى بمثل هذا الاحتمال ؛ لمخالفته للأُصول المعتبرة ، مثل أصالة عدم الغفلة والاشتباه ، ونحوها ، لكنّه بعد أن علم إجمالاً بوقوع خلل وحصول مخالفة أصلٍ معتبر كما فيما نحن فيه ، ودار الأمر بين ارتكاب هذه المخالفة أو غيرها من المخالفات للقواعد ، فلا مانع من الاعتناء بمثل هذا الاحتمال خصوصاً مع ما عرفت من المعاضدات التي ربما تورث القطع بتحقّقه.

ويحتمل قويّاً أن يكون المقصود بالرواية بيان حكم النفساء ؛ لأنّها هي التي تبتلي بمثل الفرض غالباً ، دون الحائض التي يندر ابتلاؤها بذلك ، فتكون الرواية نظير الأخبار الكثيرة التي ستسمعها ممّا ورد فيها أمر النفساء بالجلوس أربعين يوماً أو ما بين الأربعين والخمسين أو ما دام ترى الدم ، وستعرف أنّ أقرب محاملها التقيّة ، فلا يبعد صدور هذه الرواية أيضاً تقيّةً ، كما يؤيّد ذلك كونها مكاتبةً.

ولعلّ العامّة كانوا في عصر الإمام عليه‌السلام يقولون في الحائض أيضاً بأنّها

٣٥٢

تترك العبادة ما دامت ترى الدم أو إلى أربعين يوماً مثلاً ، فصدرت الرواية على وفق مذاقهم ، والله العالم.

ثمّ إنّ في الرواية إشكالاً آخر ، وهو إشعارها بأنّ فاطمة سلام الله عليها ـ كانت ترى الدم مع ما تكاثرت به الأخبار من أنّها لم تر حمرة قطّ (١) لا حيضاً ولا استحاضةً.

وربما يجاب عن ذلك : باحتمال أن لا يكون المراد بها الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) بل فاطمة بنت أبي حبيش ، المشهورة بكثرة الاستحاضة.

والأولى أن يجاب : بأنّ أمرها بذلك كان لتعليم المؤمنات ، كما يشعر بذلك ما في بعض الأخبار المتقدّمة في باب الحيض من أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر بذلك فاطمة (سلام الله عليها) وكانت تأمر بها المؤمنات (٢).

وكيف كان فالإنصاف أنّ الاعتماد على هذه الرواية مع ما فيها من الاختلال والإضمار وعدم وضوح استناد المشهور إليها في الحكم ببطلان صوم المستحاضة التي أخلّت بشي‌ء من إعمالها في غاية الإشكال بل غير سديد ، لكنّ الظاهر عدم الخلاف في المسألة.

نعم ، حكى صاحب المستند في مستنده عن المبسوط والمعتبر التوقّف في الحكم ، واستظهره أيضاً عن جمع من المتأخّرين ، كالمدارك والبحار وشرح القواعد للهندي ، وشرح الإرشاد للأردبيلي ، والحدائق.

__________________

(١) انظر : الكافي ١ : ٤٥٨ / ٢ ، و ٤٦٠ / ٦ ، الفقيه ١ : ٥٠ / ١٩٤ ، علل الشرائع : ١٨١ (الباب ١٤٤) وراجع بحار الأنوار ٨١ : ١١٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٤ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٦٠ / ٤٥٩ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

٣٥٣

ثمّ قال بعد أن ذكر وجه التوقّف من وهن الخبر سنداً ؛ لإضماره ، ومتناً ؛ لما فيه من الخلل ، ودلالةً ؛ لقصوره عن إفادة وجوب قضاء الصوم ، بل نهايته الرجحان المحتمل للاستحباب ـ : واحتمال أن يكون لفظ «تقضي» من باب التفعّل ، ويكون المعنى أنّ صومها صحيح دون الصلاة ، وهو في محلّه جدّاً ، والاحتياط لايترك مهما أمكن (١). انتهى.

وأقرب من الاحتمال الذي ذكره احتمال أن يكون «تقضي» بمعنى تؤدّي بأن يكون المراد أنّ المرأة المعهودة تؤدّي في شهر رمضان صومها دون صلاتها ، أي صومها صحيح دون الصلاة ، أو يكون «يقضي» بالتذكير بمعنى «يمضي» إلى غير ذلك من المعاني التي ذكروها للقضاء ممّا يؤدّي هذا المعنى.

وملخّص الكلام أنّه إن تمّ الإجماع في المسألة كما ليس بالبعيد فهو ، وإلّا فللنظر فيه مجال.

ثمّ إنّه هل تتوقّف صحّة الصوم على الأغسال النهاريّة خاصّةً ، أو هي مع الليلة السابقة خاصّةً ، أو اللاحقة خاصّةً ، أو الليلتين أو الفجر خاصّةً؟ أوجه ، أجودها : الأوّل ؛ لأنّه هو القدر المتيقّن الذي يمكن استفادته من النصّ والإجماع على تقدير تسليمها.

وأمّا الأخير وإن كان أخصّ الوجوه ينبغي الاقتصار عليه لكن احتماله في غاية الضعف ، بل في الجواهر : لم أعرف به قائلاً على البتّ ،

__________________

(١) مستند الشيعة ٣ : ٣٨ ، وانظر : المبسوط ١ : ٦٨ ، والمعتبر ١ : ٢٤٨ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٣٩ و ٤٠ ، وبحار الأنوار ٨١ : ١١٣ ، وكشف اللثام ٢ : ١٦٢ ، ومجمع الفائدة والبرهان : ١ : ١٦١ ، والحدائق الناضرة ٣ : ٢٩٧.

٣٥٤

نعم ، نُقل عن العلّامة في النهاية أنّه احتمله (١). انتهى.

والظاهر أنّ منشأ احتماله بعض المناسبات المقتضية للقصر عليه بعد إحمال الدليل ، ولا ريب في وهنها.

وأضعف منه القول بمدخليّة غسل الليلة اللاحقة خصوصاً لو قيل بها خاصّةً دون سابقتها ؛ فإنّه لا يكاد يمكن توجيهه ، وهذا بخلاف ما لو قيل بمدخليّة مجموع الليلتين ؛ فإنّه ربما يوجّه بترك التفصيل في النصّ وكلمات الأصحاب ، وظاهرها مدخليّة المجموع وإن كان فيه ما فيه.

نعم ، القول بتوقّفه على غسل الليلة السابقة بناءً على أنّه يجعلها بحكم الطاهر إلى أن يتضيّق عليها الأمر بالغسل لصلاة الغداة لا يخلو عن مناسبة.

فعلى هذا لو أخلّت به في الليلة السابقة أو حدثت الاستحاضة الموجبة للغسل قبل الفجر ، يجب عليها إمّا تقديم غسل الغداة على الفجر أو الغسل لخصوص الصوم ؛ لاستكشاف مانعيّة حدث الاستحاضة عن انعقاد الصوم ، فعليها رفعه قبل الفجر ، لكن ظهر لك مما تقدّم وهن كلا البناءين.

نعم ، يؤيّد القولَ بوجوب تقديم غسل الغداة على الفجر أو إيجاد غسل مستقل للصوم كما عن بعض بعضُ الوجوه الاعتباريّة ، كما أنّه يوهنه بعضٌ آخر ممّا لا يخفى على المتأمّل.

لكن لا ينبغي الالتفات إلى شي‌ء منها في الأُمور التعبّديّة ، كما أنّه

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ : ٣٦٦ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ١٢٩.

٣٥٥

لا ينبغي ترك الاحتياط بحال ، لكن لا يخفى عليك أنّها إذا قدّمت غسل الغداة على الفجر ، يجزئها لصلاة الغد لو وقف الدم عن السيلان قبل الغسل أو أتت بصلاة الغد عقيب الغسل بال فصلٍ معتدٍّ به ، وإلّا أعادت ، والله العالم بحقائق أحكامه.

٣٥٦

(الفصل الرابع : في النفاس)

(النفاس) بكسر النون لغةً : ولادة المرأة ، سُمّيت به ؛ لاستلزامها خروج الدم غالباً ، فهو من النفس بمعنى الدم ، أو خروج النفس الآدمي ، أي الولد ، أو من تنفّس الرحم من المضايقة بخروج الولد.

والمراد به في عرف الفقهاء (دم الولادة) لأنّه هو الذي أُنيط به الأحكام الشرعيّة التي تعلّق الغرض بالبحث عنها في المقام ، وربما يقال بصيرورته حقيقةً في عرفهم.

(وليس لقليله حدّ) بلا خلاف فيه ، بل في الجواهر : إجماعاً محصّلاً ومنقولاً في الغنية والخلاف والمعتبر والمنتهى والذكرى والروض وغيرها (١) (فيجوز أن يكون لحظةً واحدة) فيبطل بها صومها ، وينتقض طهارتها ؛ لإناطة أحكامه بالمسمّى الصادق على القليل والكثير.

واستدلّ له مضافاً إلى الإجماع ، وصدق النفساء على المرأة ، والنفاس على دمها الذي علّق عليه الأحكام الشرعيّة برواية ليث المرادي : عن النفساء كم حدّ نفاسها حتى تجب عليها الصلاة؟ وكيف تصنع؟ قال : «ليس لها حدّ» (٢) فإنّ المراد منه في طرف القلّة ؛ لأنّ في

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ : ٣٦٨ ، وانظر : الغنية : ٤٠ ، والخلاف ١ : ٢٤٥ ، المسألة ٢١٤ ، والمعتبر ١ : ٢٥٢ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٢٣ ، والذكرى ١ : ٢٥٩ ، وروض الجنان : ٨٩.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٠ / ٥١٦ ، الإستبصار ١ : ١٥٤ / ٥٣٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب النفاس ، الحديث ١.

٣٥٧

كثيره حدّا ، نصّاً وإجماعاً.

وفيه : ما نبّه عليه شيخنا المرتضى قدس‌سره بقوله : وفي الاستدلال بها إشكال حيث إنّ ظاهرها بقرينة قوله : حتى تجب عليها الصلاة ، وقوله : كيف تصنع؟ السؤال عن حدّه في طرف الكثرة ، ولعلّه لذا حمله الشيخ على أنّه ليس لها حدّ شرعيّ لا يزيد ولا ينقص ، بل ترجع إلى عادتها. وهذا الحمل وإن كان بعيداً بالنسبة إلى الجواب إلّا أنّ حمله على حدّ القلّة بعيد بالنسبة إلى السؤال.

ثمّ قال : وأشكل من ذلك الاستدلالُ بصحيحة ابن يقطين : في النفساء كم يجب عليها [ترك (١)] الصلاة؟ قال : «تدع ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً ، فإذا رقّ وكانت صفرة اغتسلت» (٢) (٣) انتهى.

وجه كون الاستدلال بالصحيحة أشكل من سابقتها ؛ لكون إطلاقها ـ مع ما فيه من الإشكال وارداً لبيان حكمٍ آخر.

(ولو ولدت ولم تر دماً) في الأيّام التي يحكم بكونه نفاساً كما حكي اتّفاقه في زمان النبيّ (٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لم يكن لها نفاس) من حيث الآثار الشرعيّة وإن تحقّق موضوعه لغةً ، لأنّ أحكامه نصّاً وإجماعاً معلّقة على دم الولادة لا على نفسها ، فلو لم تر دماً ، لا يبطل صومها ولا ينتقض

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ١٧٤ / ٤٩٧ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ١٦.

(٣) كتاب الطهارة : ٢٦٥.

(٤) كما في المهذّب للشيرازي ١ : ٥٢ ، والمغني ١ : ٣٩٣ ، والشرح الكبير ١ : ٤٠٤ ، والمعتبر ١ : ٢٥٣.

٣٥٨

طهارتها ، خلافاً لما حكي (١) عن بعض العامّة.

(ولو رأت) الحامل دماً (قبل) الأخذ في (الولادة) وبروز شي‌ء من الولد ، لم يكن نفاساً وإن كان بعد أن أصابها الطلق بلا خلاف فيه ، بل عن ، جماعة دعوى الإجماع عليه (٢).

ويدلّ عليه موثّقة عمّار ، المرويّة عن الكافي عن الصادق عليه‌السلام في المرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يوماً أو يومين فترى الصفرة أو دماً ، قال : «تصلّي ما لم تلد ، فإن غلبها الوجع ففاتها صلاة لم تقدر أن تصلّيها من الوجع فعليها قضاء تلك الصلاة بعد ما تطهر» (٣) ورواها الصدوق (٤) بإسناده إلى عمّار مع تغيير يسير.

وخبر رزيق بن الزبير الخلقاني (٥) ، المرويّ عن مجالس الشيخ عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنّ رجلاً سأله عن امرأة حامل رأت الدم ، فقال : «تدع الصلاة» قال : فإنّها رأت الدم وقد أصابها الطلق فرأته وهي تمخض ، قال : «تصلّي حتى يخرج رأس الصبي ، فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة ، وكلّ ما تركته من الصلاة في تلك الحال لوجعٍ أو لما هي فيه من الشدّة

__________________

(١) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٤٤ ، وانظر : الوجيز ١ : ١٧ ، والعزيز شرح الوجيز ١ : ١٧٨ ، والمهذّب للشيرازي ١ : ٣٧ ، والمجموع ٢ : ١٤٩ ، وروضة الطالبين ١ : ١٩٣ ، والتهذيب للبغوي ١ : ٣٢٥ ، والمغني ١ : ٣٩٤.

(٢) حكاها صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٦٨ عن المدارك ٢ : ٤٤ ، والرياض ١ : ٥٠.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٠ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب النفاس ، الحديث ١.

(٤) الفقيه ١ : ٥٦ / ٢١١ ، الوسائل الباب ٤ من أبواب النفاس ، الحديث ٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : الخرقاني. وما أثبتناه كما في رجال النجاشي : ١٦٨ / ٢٤٤ ، ورجال الشيخ الطوسي : ١٩٤ / ٤١ ، والفهرست للطوسي : ١٤٤ / ٢٩٨ وفيه كما في الطبعة الحجريّة من الكتاب : زريق ، بتقديم الزاي.

٣٥٩

والجهد قضته إذا خرجت من نفاسها» قال : جعلت فداك ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض؟ قال عليه‌السلام : «إنّ الحامل قذفت بدم الحيض ، وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد فعند ذلك يصير دم النفاس ، فيجب أن تدع في النفاس والحيض ، فأمّا ما لم يكن حيضاً أو نفاساً فإنّما ذلك من فتق الرحم» (١).

فلا إشكال في أنّ ما رأته قبل الولادة لم يكن نفاساً ، لكنّ الإشكال في أنّه على تقدير جامعيّته لشرائط الحيض من دون أن يتحقّق الفصل بينه وبين دم الولادة بأقلّ الطهر على القول بمجامعة الحيض والحمل كما هو الأظهر هل كان حيضاً أم (كان طهراً)؟.

ولا يجدي في حلّ الإشكال ما عن الخلاف من دعوى الوفاق على كونه طهراً حيث قال : إنّ الدم الذي يخرج قبل الولادة ليس بحيض عندنا ، إلى أن قال : دليلنا إجماع الفرقة على أنّ الحامل المستبين حملها لا تحيض (٢). انتهى ؛ إذ لا يعتنى بهذا النقل بعد ابتنائه على ما هدمناه.

وملخّص الإشكال أنّه هل يشترط في كون ما رأته الحامل حيضاً أن لا يتعقّبه النفاس من دون أن يتحقّق الفصل بينهما بأقلّ الطهر ، أم لا يشترط ذلك؟ فربما يقال بالأوّل ؛ نظراً إلى إطلاق ما دلّ من النصّ والإجماع على أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة ، وما دلّ على أنّ النفاس حيض محتبس ، فيشترط فيه جميع ما يشترط في الحيض ، إلّا أن يدلّ

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٦٩٩ / ١٤٩١ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١٧.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٦٩ ، وانظر : الخلاف ١ : ٢٤٦ ٢٤٧ ، المسألة ٢١٨.

٣٦٠