مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

حُكم أيضاً أنّه من الحيض ، فإن زاد على العشرة ، لم يُحكم بذلك (١) لا ينافي ذلك ؛ إذ الظاهر أنّ مراده ما إذا كانت العادة في خلال ما رأته.

وكيف كان فلا إشكال في الحكم المذكور (سواء كان ما رأته بصفة دم الحيض أو لم يكن) كما عرفت تحقيقه فيما سبق.

نعم ، ربما يستشكل فيما لو تحقّقت المعارضة بين العادتين بأن رأت ذلك العدد في غير وقتها ، وفي وقتها بغير ذلك العدد ، وأمكن كون كلٍّ منهما حيضاً لا كليهما ؛ إذ لم يثبت ترجيح إحدى العادتين على الأُخرى.

وما يقال من أنّ العادة بالعدد أولى بالاعتبار ممّا لا دليل عليه يعتدّ به ، بل الأظهر هو الحكم بحيضيّة المتقدّم بالتقريب الذي تقدّم توضيحه فيما لو رأت دمين بصفة الحيض ولم يتخلّل بينهما أقلّ الطهر ، والله العالم.

وهل تتحيّض برؤية الدم قبل وقتها أو عليها التربّص إلى ثلاثة أيّام حتى يستقرّ حيضها ، أو يفصّل بين ما هو بصفة الحيض وبين غيره؟ وجوه أوجهها : الأوّل ، كما سبق تحقيقه في حكم المبتدئة.

المسألة (الثانية : إذا رأت دماً قبل العادة وفي العادة ، فإن لم يتجاوز) المجموع (العشرة ، فالكلّ حيض) بلا خلاف فيه على الظاهر ، كما عرفته في مبحث الحيض.

(و) أمّا (إن تجاوز ، جعلت العادة) خاصّةً (حيضاً ، وكان ما

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٣ : ٢٩٦ ٢٩٧ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٥٨ ، وانظر : المبسوط ١ : ٤٣.

٢٦١

تقدّمها استحاضةً) لما عرفت من أنّه لا سنّة لذات العادة إلّا ترك الصلاة أيّام أقرائها من دون فرق بين ما لو عارضها تميز أم لم يعارض.

(وكذا لو رأت في وقت العادة وبعدها) فالجميع حيض إن لم يتجاوز العشرة ، وإلّا فالعادة حيض ، وما بعدها استحاضة.

(ولو رأت قبل العادة وفي العادة وبعدها ، فإن لم يتجاوز العشرة ، فالجميع حيض ، وإن زاد على العشرة ، فالحيض [وقت (١)] العادة ، والطرفان استحاضة) بلا إشكال في شي‌ء من هذه الفروع ، كما عرفت تحقيقها غير مرّة ، والله العالم.

(الثالثة : لو كانت عادتها في كلّ شهر مرّة واحدة عدداً معيّناً) تعيّن الوقت مع ذلك أم لا (فرأت في شهرٍ مرّتين بعدد أيّام العادة) وتخلّل بينهما أقلّ الطهر (كان ذلك حيضاً) بل (و) كذا (لوجاء في كلّ مرّة) أو في إحداهما أقلّ أو (أزيد من العادة ، لكان) كلٌّ منهما (حيضاً إذا) لم ينقص عن الثلاثة و (لم يتجاوز العشرة ، فإن تجاوز) العشرة (تحيّضت بقدر عادتها ، وكان الباقي استحاضةً) بلا إشكال في شي‌ء منها ، كما عرفت وجهها مراراً.

لكن ربما يتأمّل في رجوعها إلى عادتها عدداً على تقدير كون وقتها مضبوطاً فيما رأته على خلاف العادة ، فإنّه ربما يتخيّل كونها بالنسبة إلى هذا الدم بحكم المبتدئة ، والاحتياط ممّا لا ينبغي تركه وإن كان الأوّل لا يخلو من قوّة ؛ نظراً إلى إطلاق النصوص والفتاوى في رجوع ذات

__________________

(١) ما بين المعقوفين من الشرائع.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

٢٦٢

العادة إلى عادتها خصوصاً بعد التأمّل في أنّ من حكم المبتدئة الرجوع إلى عادة نسائها ؛ ضرورة عدم قصور عادتها عن عادة نسائها من حيث الكاشفيّة ، فليتأمّل.

(والمضطربة العادة) الناسية لها وقتاً وعدداً فلم تحفظ شيئاً منهما (ترجع إلى التمييز فتعمل عليه) من غير نقل خلاف فيه ، بل ولا إشكال فيه في الجملة ؛ لما في رواية السنن (١) من التنصيص على حكمها.

لكنّك عرفت عند التكلّم في مفادها التأمّل في إرادة الناسية بهذا المعنى منها ، بل إمكان دعوى ظهورها في إرادة مَنْ ذهبت عادتها بطول المدّة من الناسية ، إلّا أنّه لا تأمّل في استفادة حكمها منها ، وأنّ تكليفها الرجوع إلى أوصاف الدم ؛ لدلالتها على انحصار أحكام المستحاضة في السنن الثلاث ، وقد تعذّر رجوعها إلى عادتها ، فتعيّن إحدى الأُخريين ، وقد تحقّق في محلّه أنّ الرجوع إلى أوصاف الدم مقدّم على الرجوع إلى السنّة الثالثة ، وإنّما ترجع إليها عند فقد التميز.

وكيف كان فهذا إجمالاً ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الإشكال فيما لو ذكرت إجمالاً أنّ عادتها المنسيّة وقتاً وعدداً لم تكن في كلّ شهر أزيد من مرّة ، فرأت بصفة الحيض مرّتين أو ثلاث وأمكن كون كلٍّ منها حيضاً ، فإنّ مقتضى إطلاق كلماتهم بل كاد أن يكون صريحها : التحيّض عند واجد الصفة مطلقاً ، وهذا مع أنّها تعلم من عادتها إجمالاً أنّ حيضها لا يكون كذلك في غاية الإشكال ، بل يمكن أن يقال : إنّه يفهم من مرسلة يونس

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ ٨٦ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ٣٨٣ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

٢٦٣

وغيرها خلافه ؛ فإنّ المتأمّل فيها لا يكاد يشكّ في أنّها إنّما ترجع إلى أوصاف الدم من الجهة التي لا تعرف حيضها من حيث العادة كما هو شأنها عند نسيانها أحد الأمرين من الوقت كما ستعرف ، والمفروض أنّها عرفت من عادتها أنّ حيضها لا يكون في شهر أزيد من مرّة.

ولعلّ إطلاق الأصحاب منزّل على غير هذا الفرض وإن كان بعيداً ، والله العالم.

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر المتن كصريح غيره : أنّ المراد بالمضطربة أعمّ من الناسية للوقت والعدد أو الناسية لأحدهما.

ومن هنا ربما يستشكل في إطلاق الحكم برجوعها إلى التميز وعملها عليه ؛ إذ لا يستقيم ذلك عند مخالفة التميز لما ذكرتها من عادتها عدداً عند نسيانها الوقت أو الوقت عند نسيانها العدد.

ولذا التجأ بعضٌ (١) إلى تفسير مراده برجوعها إلى التميز إذا طابق تمييزها العادة بقرينة ما ذكره من ترجيح العادة على التمييز.

واعترضه في المدارك بأنّه لا يظهر لاعتبار التمييز حينئذٍ فائدة.

قال : ويمكن أن يقال باعتبار التمييز في طرف المنسيّ خاصّةً ، أو تخصيص المضطربة بالناسية للوقت والعدد ، ولعلّ هذا أولى (٢). انتهى.

وفي الجواهر بعد نقل عبارة المدارك قال : لكن ينافيه تقسيم المصنّف بعد ذلك المضطربةَ عند فقد التميز إلى الأقسام الثلاثة (٣). انتهى

__________________

(١) هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٩٨.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٢٥.

(٣) جواهر الكلام ٣ : ٢٩٩.

٢٦٤

أقول : فالأظهر إرادتها بمعناها الأعمّ واعتبار التميز في طرف المنسيّ خاصّة ، ففائدته تعين وقت حيضها من ذلك الشهر عند موافقته للعدد المعلوم وتعيّن العدد المنسيّ في الوقت المعيّن.

فالمراد من إطلاق القول برجوع الناسية إلى التميز إنّما هو رجوعها إليه من حيث كونها ناسيةً ، فلو ذكرت عادتها من بعض الجهات والخصوصيّات ، لا تعتني بأوصاف الدم من تلك الجهة.

وكيف كان فهذا هو الأظهر بالنظر إلى ما يستفاد من مرسلة يونس ، الحاصرة لأحكام المستحاضة في السنن الثلاث ، فإنّها وإن انصرفت عن جملة من أفراد المستحاضة إلّا أنّه يعرف حكم جميعها بالتدبّر فيها ؛ فإنّه عليه‌السلام بيّن فيها على ما نصّ عليه في الرواية جميع أحكام المستحاضة لمن عقلها وفهمها ، وبيّن فيها كيفيّة الاستفادة والتدبّر في كلماتهم عليه‌السلام.

وقد أشرنا عند نقلها إلى أنّه يستفاد منها بقرينة بعض فقرأتها وما فيها من التعليلات وكونها مسوقةً لبيان أحكام المستحاضة على وجه العموم بحيث لم يدع لأحد فيها مقالاً بالرأي أنّ السنن الثلاث التي سنّها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هي أحكام عامّة مجعولة لجميع أفراد المستحاضة على سبيل الترتّب ، بمعنى أنّ تكليف المستحاضة مطلقاً أوّلاً الأخذ بعادتها في تشخيص حيضها مهما أمكن ؛ لكونها أقوى الأمارات ، وعند التعذّر إمّا لفقد العادة أو نسيانها حكمها الرجوع إلى الأوصاف ، وعند الامتناع تكليفها التحيّض بستّة أيّام أو سبعة ، فيكون الرجوع إلى العادة بمنزلة رجوع المجتهد إلى الأمارات المنصوبة من قِبَل الشارع بالخصوص ،

٢٦٥

والرجوع إلى الأوصاف بمنزلة الظنّ المطلق الثابت اعتباره بدليل الانسداد ، والرجوع إلى الروايات بمنزلة الأُصول العمليّة المجعولة للمتحيّر.

ولو تأمّلت في الرواية حقّ التأمّل ، لوجدْتَها كالصريحة في إفادة ما ادّعيناه ، فيفهم منها أنّه لا يجوز العدول عن كلّ مرتبة إلى لاحقها إلّا إذا تعذّر في حقّها الرجوع إلى سابقتها بالمقدار المتعذّر ، كما هو الشأن في العمل بالأمارات المترتّبة.

والحاصل : أنّ الأحكام المستفادة من المرسلة إنّما هي أحكام عامّة منزّلة على الجهات بإلغاء الخصوصيّات ، وإلّا فلا يمكن استفادة جميع أحكام المستحاضة منها ، بل يبقى للرأي مجال في جملة من فروعها ، وهو خلاف ما صرّح به في الرواية.

وكيف كان فرجوعها إلى التمييز مطلقاً في تشخيص حيضها في الجهة التي يطلق عليها الناسية بملاحظتها أوفق بظاهر النصّ وفتاوى الأصحاب ، والله العالم.

تنبيه : لو قصر واجد الصفة عن عددها المعلوم أو زاد عليها ، فليس لها رفع اليد عنها بالمرّة ، وجَعْل حيضها فيما عداه على الأظهر ، فعليها تكميل عددها من الفاقد في صورة النقيصة ، واختيار ذلك العدد من الواجد عند الزيادة ، كما عرفت تحقيقه في حكم المبتدئة التي حكمها الرجوع إلى التمييز.

ثمّ لا يخفى عليك أنّه لا يعقل كونها ذاكرةً للوقت تفصيلاً ناسيةً لعددها ، وإنّما المتصوّر كونها عارفةً بوقتها في الجملة إمّا أوّله أو آخره أو وسطه أو شي‌ء منه على سبيل الإجمال ، وقد تقدّمت الإشارة إلى أنّها

٢٦٦

بالنسبة إلى القدر المتيقّن من عادتها تتحيّض مطلقاً ، سواء كان الدم بصفة الحيض أم لا ، فهي متحيّرة في أمرها بالنسبة إلى أوقاتها المشكوكة التي تحتمل كونها من عادتها ، وبهذه الملاحظة يطلق عليها الناسية والمضطربة ، وإنّما ترجع إلى التميز وتعمل عليها في هذه الأوقات ، لا في الأوقات التي تعلم بدخولها في عادتها أو خروجها منها.

(ولا تترك هذه) المرأة المتحيّرة التي وظيفتها الرجوع إلى التمييز إذا وجدت الدم بأوصاف الحيض (الصلاة إلّا بعد) استقرار حيضها إمّا بسبق حيضٍ محقّق ، كما لو كانت ذاكرةً لأوّل وقتها ثمّ تحيّرت لنسيانها العدد ، أو بـ (مضيّ ثلاثة أيّام) كغيرها من أقسام المتحيّرة (على) الأحوط وإن كان (الأظهر) أنّ لها التحيّض عند وجود التميز مطلقاً.

هذا لو لم نقل بحرمة العبادة عليها ذاتاً ، وإلّا فالأحوط بل الأقوى وجوب الترك إذا رأت الدم بصفة الحيض ؛ لإطلاق الأمر بترك الصلاة عند اتّصاف الدم بأوصاف الحيض في الأخبار الدالّة على اعتبار الأوصاف ، الآمرة بالرجوع إليها.

ففي صحيحة حفص بن البختري (١) ، قال عليه‌السلام : «فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة» (٢).

وفي مرسلة يونس حاكياً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضيّة فاطمة بنت أبي حبيش ، أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : «فإذا أقبلت الحيضة فدعي

__________________

(١) ورد بدل «حفص بن البختري» في النسخ الخطّية والحجريّة : معاوية بن عمّار. والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(٢) الكافي ٣ : ٩١ / ١ ، التهذيب ١ : ١٥١ / ٤٢٩ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

٢٦٧

الصلاة ، وإذا أدبرت الحيضة فاغسلي عنك الدم وصلّى» وقد نبّه الصادق عليه‌السلام على أنّه «إنّما يعرف إقبال الحيضة من إدبارها بتغيّر ألوان الدم ، وذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف» (١).

وفي المرسلة أيضاً حاكياً عن أبيه عليه‌السلام «أنّه قال للمستحاضة : إذا رأيت الدم البحرانيّ فدعي الصلاة» (٢).

ويستفاد المطلوب من سائر فقرأتها أيضاً ، كما لا يخفى على المتأمّل.

(فإن فقدت التمييز) بأن استمرّ بها الدم على نهج واحد أو اختلف لكن لا على وجه يمكن جَعْل بعضها حيضاً دون بعض (فهاهنا مسائل ثلاث).

(الاولى : لو ذكرت العدد ونسيت الوقت) فلم تذكر منه شيئاً لا تفصيلاً ولا إجمالاً بأن كان العدد المحفوظ ضالّاً في جملة عدد لا يزيد ذلك المحفوظ على نصف ما وقع الضلال فيه ، ففيه أقوال : (قيل) كما عن الشيخ في المبسوط (٣) بوجوب الاحتياط بأن (تعمل في الزمان) الذي وقع الضلال فيه (كلّه ما تعمله المستحاضة) وتترك جميع ما يجب على الحائض تركه ، كالوطي واللبث في المساجد وقراءة العزائم (وتغتسل للحيض في كلّ وقت تحتمل انقطاع دم الحيض فيه وتقضي صوم عادتها) بعد ارتفاع الشبهة ؛ للعلم الإجمالي

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ ٨٦ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ٣٨٣ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٨٣ ٨٦ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ٣٨٣ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

(٣) الحاكي عنه هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٥ ، وصاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٠٢ ، وانظر : المبسوط ١ : ٥١.

٢٦٨

بصيرورتها حائضاً ومستحاضةً واختلاط كلٍّ منهما بالآخر ، فعليها الإتيان بما وجب عليهما فعلاً وتركاً ما دام الاشتباه من باب المقدّمة.

ونُوقش فيه :

أوّلاً : باستلزام الاحتياط الحرج والضرر المنفيّين في الشريعة.

وثانياً : بمنع وجوب الاحتياط عند اشتباه المكلّف به في الأُمور التدريجيّة نظراً إلى عدم ابتلاء المكلّف بجميع أطراف الشبهة فعلاً دفعةً واحدة ، وقد تقرّر في محلّه أنّ من شرط تأثير العلم الإجماليّ في تنجيز الخطاب بالواقع المردّد كون أطراف الشبهة مورداً لابتلاء المكلّف بالفعل.

ويتوجّه عليه بعد تسليم استلزام الاحتياط الضررَ والحرجَ أنّ ما دلّ على نفيهما في الشريعة من الكتاب والسنّة لا يدلّ إلّا على ارتفاع كلّ حكمٍ يلزم منه الحرج ولو بملاحظة الغالب على تأمّل فيه بل منع ، ومقتضاه ليس إلّا رفع إيجاب الاحتياط في غسل الحيض مثلاً لو كان فيه ضرر أو حرج ، لا الترخيص في قراءة العزائم أو اللبث في المساجد ونحوهما ممّا لا يستلزم الاحتياط فيهما ضرراً أو حرجاً.

ودعوى أنّ إيجاب الاحتياط عليها بتروك الحائض وأعمال المستحاضة على إجماله حكم حرجيّ أو ضرريٌّ فهو منفيّ في الشريعة ، ممّا لا ينبغي الإصغاء إليها ؛ إذ ليس تروك الحائض وأعمال المستحاضة بعنوانها الإجماليّ عنواناً للموضوع الحاكم بوجوبه العقل حتى ينفيه أدلّة نفي الحرج والضرر ، وإنّما العقل حاكم بوجوب الخروج من عهدة كلّ واحدٍ واحدٍ من التكاليف المعلومة بالإجمال ، فلو نفى دليل نفي الحرج والضرر وجوب الاحتياط بالنسبة إلى شي‌ء منها ، يبقى حكمه بالنسبة إلى الباقي بحاله.

٢٦٩

وأمّا منع حكومة العقل بوجوب الاحتياط في التكليف المردّد بين مشتبهات متدرّجة في الوجود فقد مرّ تضعيفه في الشبهة المحصورة ، وأوضحنا عدم الفرق بين ما لو كان الابتلاء بأطراف الشبهة دفعةً أو تدريجاً ، وبيّنّا ما هو المناطفي الابتلاء وعدمه المؤثّرين في تأثير العلم وعدمه ، فراجع.

وكيف كان فإنّما يمكن الالتزام بمقالة الشيخ لو لم نقل بحرمة العبادات عليها ذاتاً ، وإلّا فلا مجال للاحتياط بالنسبة إلى عباداتها الواجبة ؛ لدوران الأمر فيها بين المحذورين ، فمقتضى الأصل فيها التخيير ما لم يكن أحد الاحتمالين أرجح أو أهمّ ، وإلّا فالأخذ به متعيّن. وأمّا العبادات المستحبّة كسائر المحرّمات ، فيجب عليها تركها احتياطاً.

هذا هو الذي تقتضيه الأُصول العمليّة ، وحيث إنّ الأظهر لدينا حرمة الصلاة عليها ذاتاً فالأصل يقتضي في الواجبات منها كونها مخيّرةً بين الفعل أخذاً باحتمال كونها طاهرةً والترك بملاحظة احتمال كونها حائضاً.

وقد تقرّر في محلّه أنّ التخيير الناشئ من حكم العقل عند دوران الأمر بين المحذورين هو التخيير الاستمراري ، فمقتضاه كونها مخيّرةً في تمام الشهر بين فعل الصلاة وتركها ؛ لأنّ كلّ يومٍ يومٍ مثلاً بنظر العقل موضوع مستقلّ أمرها دائر فيه بين المحذورين ، غاية الأمر أنّها لو اختارت الترك في الجميع عليها تدارك ما فات منها من العبادات بعد أن طهرت.

لكنّك خبير بأنّ جواز الترك في جميع المدّة مخالف للإجماع بل الضرورة ، بل التفكيك بين الأيّام بأن تترك يوماً وتصلّي يوماً أيضاً كذلك ، فليس لها إلّا اختيار الترك في جميع الشهر بقدر عادتها من دون تفكيك

٢٧٠

بين أيّامها ، بل التخيير الذي يحكم به العقل في مثل المقام لا يمكن أن يكون استمراريّاً ؛ لأنّا لو لم نقل بكونها مكلّفةً في مرحلة الظاهر كالمبتدئة ومَنْ لم تستقرّ لها عادة من حيث الوقت بأن تتحيّض أيّاماً وتصلّي فيما عداها ، كما ستعرف قوّته ، فلا أقلّ من احتماله ، فعلى هذا لا يحكم العقل بالتخيير إلّا ابتداءً ، فإنّها إذا اختارت الترك في اليوم الأوّل من الشهر مثلاً ، ففي اليوم الثاني يرتفع التحيّر الذي هو موضوع حكم العقل بالتخيير ؛ لأنّ أمرها فيما بعدُ يدور بين التعيين والتخيير ، فإنّ الترك فيه جائز قطعاً إمّا لكونها مخيّرةً بين الأمرين أو لكون اختياره متعيّناً في حقّها في مرحلة الظاهر ، فلا يستقلّ العقل حينئذٍ بالتخيير ، بل يتعيّن عليها الترك إلى أن تنقضي أيّامها ، فيعكس الأمر ، كما أنه لو اختارت ترك التحيّض من أوّل الشهر إلى أن لا يبقى منه إلّا عدد أيّامها ، يتعيّن عليها التحيّض فيما بقي ؛ لما عرفت من دوران الأمر بالنسبة إليها بين التعيين والتخيير ، فلا يحكم العقل إلّا بالإتيان بالمعين ؛ لقاعدة الاشتغال.

فاتّضح لك ضعف القول المحكيّ عن الشيخ من وجوب الاحتياط ، مضافاً إلى ابتنائه على عدم استفادة حكم المسألة من الأخبار ، وستعرف خلافه.

والأظهر ما عن الأكثر (١) بل عن المشهور (٢) من أنّها ترجع إلى عادتها ، فتتحيّض بعددها مخيّرةً في وضعها من الشهر حيث شاءت.

ويدلّ عليه مضافاً إلى مواقفته في الجملة للقواعد كما عرفته مفصّلاً ما يستفاد من مرسلة يونس وغيرها من أنّه ليس لذات العادة رفع

__________________

(١) الحاكي عن الأكثر هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٥.

(٢) الناسب إلى المشهور هو البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٢٣٩.

٢٧١

اليد عنها ، بل عليها الرجوع إليها مطلقاً ولو من حيث تعيين العدد ، فلو كان عادتها خمساً ، وجب عليها التحيّض بالخمس لا أقلّ منها ولا أكثر.

ففي مرسلة يونس قال عليه‌السلام في تفسير قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحمنة بنت جحش : «تحيّضي في كلّ شهر في علم الله ستّة أو سبعة : ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع وكانت خمساً أو أقلّ من ذلك ما قالها : تحيّضي سبعاً ، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيّاماً وهي مستحاضة غير حائض ، وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبع وكانت أيّامها عشراً أو أكثر ، لم يأمرها بالصلاة وهي حائض. ثمّ ممّا يزيد هذا بياناً قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تحيّضي ، وليس يكون التحيّض إلّا للمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض ، إلا تراه لم يقل لها أيّاماً معلومة تحيّضي أيّام حيضك. وممّا يبيّن هذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في علم الله» (١) إلى آخره ، فإنّه كاد أن يكون صريحاً في أنّه لو كان لحيضها عدد معلوم ، كان يأمرها بأن تتحيّض في علم الله بذلك العدد ، كما أنّه لو كان وقتها مضبوطاً ، كان يأمرها بترك الصلاة في ذلك الوقت المعيّن ولم يكن يقول لها : تحيّضي في علم الله بذلك العدد.

ويؤيّد ذلك ما أشرنا إليه مراراً من أنّ الأحكام المستفادة من المرسلة أحكام عامّة منزّلة على الجهات بإلغاء الخصوصيّات ، وإلّا فلا يمكن استفادة جميع أحكام المستحاضة منها ، وهو خلاف ما نصّ عليه في الرواية ، ومقتضاه رجوع ذات العادة إلى عادتها من حيث كونها ذات العادة ، ومن سائر الجهات التي لم تستقرّ لها عادة أو تعذّر الرجوع إليها لنسيانها تعمل على التمييز ، وإن تعذّر في حقّها ذلك أيضاً ، تتحيّض

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ ٨٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ٣٨٤ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

٢٧٢

في مرحلة الظاهر في كلّ شهر بعدد أيّامها ، كما أنّه لو لم يكن لها أيّام معلومة تتحيّض ستّة أو سبعة على ما في هذه الرواية.

وكيف كان فعدم وجوب الاحتياط عليها ممّا لا ينبغي الارتياب فيه ، بل يمكن استفادته أيضاً من فحوى عدم وجوبه على المتحيّرة التي لم تذكر شيئاً من وقتها وعددها ، فإنّ ذكر العدد لا يوجب زيادة التكليف قطعاً ، كما أنّه يمكن استفادته من حكم ذات العادة العدديّة التي لم تستقرّ لها عادة بدعوى القطع بعدم الفرق بينهما فيما هو مناط التكليف.

لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في مراعاة الظنّ بجعل عددها المعلوم فيما يظنّ كونه وقتاً لحيضها ، بل القول بتعين ذلك كما عن الذكرى والبيان حيث قيّد فيهما كونها مخيّرةً في وضع عددها في أيّ وقت شاءت من الشهر بعدم الأمارة المفيدة للظنّ بموضعٍ خاصّ (١) لا يخلو من قوّة ؛ لأنّ الحكم بكونها مخيّرةً إن كان من باب حكومة العقل ؛ نظراً إلى أنّ الأوقات نسبتها إلى عادتها المنسيّة على حدٍّ سواء ، وحيث لم يوجب الشارع عليها الاحتياط ولم يقطع النظر عن الواقع فهي مخيّرة بحكم العقل ، فهذا عند انتفاء الظنّ ، وأمّا مع وجوده فالأخذ بالمظنون متعيّن عقلاً. وإن كان من الأخبار ، ففي استفادته منها تأمّل.

وعلى تقدير دلالة الأخبار على التخيير فيمكن أن يقال : إنّ مفادها كونها مخيّرةً لأجل كونها متحيّرةً في أمرها ، فيكون التخيير المستفاد منها مساوقاً للتخيير الذي يحكم به العقل.

__________________

(١) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٠٢ ، وانظر : الذكرى ١ : ٢٥٤ ، والبيان : ١٧.

٢٧٣

هذا ، مع إمكان استفادة اعتبار الأمارات الظنّيّة من الأخبار كما تقدّمت الإشارة إليه غير مرّة.

نعم ، لا اعتبار بعادة الأهل في المقام ؛ لعدم الدليل عليه. اللهمّ [إلّا] أن يظنّ منها بعادتها ، فيكون حالها حال غيرها من الأمارات الظنّيّة التي تقدّم الكلام فيها.

والأولى عند فقد الأمارات الظنّيّة اختيار حيضها من أوّل الدورة لو ذكرته ، بل في كشف اللثام : الأقوى التخصيص بالأوّل ؛ لما مرّ (١) ، يعني في المبتدئة ، حيث قوّى فيها ذلك (٢) من دون فرقٍ بين ما لو ظنّ بخلافه أم لا. وقد عرفت فيما تقدّم قوّته بالنسبة إلى المبتدئة.

لكنّك خبير باختصاص الأدلّة المتقدّمة بما تقدّم.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الأخبار وإن كانت منصرفةً غن الناسية لكن لمّا كان المتعيّن تحيّضها في ابتداء رؤية الدم إلى العشرة يتعيّن عليها جَعْلُ حيضها من جملة العشرة ؛ إذ لا دليل على جواز تحيّضها ثانياً بعد انكشاف أمرها وصيرورتها مستحاضةً ، بل الأدلّة قاضية بخلافه ، كما أشرنا إليه في المبتدئة.

وإذا تعيّن عليها ذلك في الدور الأوّل ، يتبعه سائر الأدوار ؛ لما يستفاد من جملة من الأخبار من وجوب جَعْل المستحاضة حيضها قبل طهرها.

وممّا يؤيّد ذلك : أنّ مقتضى تخييرها مطلقاً جواز اختيار حيضها في

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ٨٨.

(٢) كشف اللثام ٢ : ٨٥.

٢٧٤

شهر من أواخرها ومن شهرٍ آخر من أوائلها من دون أن يتخلّل بينهما الفصل بأقلّ الطهر.

وهو واضح الضعف مخالف لما يستفاد من النصوص والفتاوى ، فليتأمّل.

وكيف كان فتخصيصها بالأوّل لو لم يكن أقوى فلا شبهة في أنّه أحوط ما لم يظنّ بكون عادتها المنسيّة في غير الأوّل ، وإلّا فالأولى بل الأظهر لزوم متابعة الظنّ ، كما عرفت ، والله العالم.

المسألة (الثانية : لو ذكرت الوقت ونسيت العدد) بأن كانت ذاكرةً لوقتها في الجملة كي يجتمع مع نسيان العدد (فإن ذكرت أوّل حيضها ، أكملته ثلاثة أيّام) بل وما فوقها ممّا لا تحتمل نقصان عادتها منه ، وأمّا فيما زاد عنه إلى العشرة ممّا تحتمل كونه من عادتها ، ففيه وجوه بل أقوال :قيل كما عن المعتبر والبيان وغيرهما (١) ـ : تعمل عمل المستحاضة اقتصاراً في ترك العبادات الواجبة على القدر المتيقّن.

وفيه : أنّه إن استند في ذلك إلى إطلاق الأمر بالعبادات المقتصر في تخصيصها على الأفراد المعلومة ، ففيه : أنّ الخارج من العمومات إنّما هو الأفراد الواقعيّة لا المعلومة ، فيجب في مثل المقام الرجوع إلى سائر القواعد ، مثل استصحاب الحيض ونحوه لو لا الدليل الخاصّ.

وإن استند إلى قاعدة الشغل ، ففيه أوّلاً : أنّ مقتضاها الاحتياط إن

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٣ : ٣٠٦ ، وكتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٢٠ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٢٠ ، والبيان : ١٨ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٢٧.

٢٧٥

جوّزناه في مثل المقام بأن تجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة ، كما هو ظاهر المتن وغيره ، لا البناء على الطهارة مطلقاً.

نعم ، له وجه لو قلنا بقاعدة المقتضي والمانع ، لكنّ المتّجه بطلان هذه القاعدة ، كما تقرّر في الأُصول.

وثانياً : أنّ استصحاب الحيض وارد على سائر القواعد.

ودعوى عدم جريانه ؛ لكون الحيض من الأُمور الغير القارّة التي توجد شيئاً فشيئاً ، فالمرجع عند الشكّ أصالة عدم زيادة الحيض على المتيقّن ، مدفوعة : بكونه بنظر العرف أمراً واحداً مستمرّاً ، كالكتابة والقراءة والوعظ ونحوها من الامور التدريجيّة التي لم يزل يستصحب أهل العرف عند الشكّ وجودها لا عدمها ، خصوصاً في مثل المقام الذي علم بوجود ذلك الأمر التدريجي وشكّ في كونه من تتمّة الفرد الأوّل أو كونه فرداً آخر ؛ فإنّه ربما يقال في مثل المقام بأنّ مقتضى أصالة عدم حدوث فردٍ آخر من الدم أعني دم الاستحاضة تعيّن كون الدم المشكوك من الدم السابق المعلوم كونه حيضاً ، فليتأمّل.

وكيف كان فلا مانع من استصحاب الحيض في موارد الشكّ ، ولذا ربما يقال ـ كما في الجواهر (١) تقويته بأنّها تتحيّض إلى أقصى ما تحتمل من عادتها ولو إلى العشرة معتضداً بقاعدة الإمكان.

لكن يتوجّه عليه : أنّ قاعدة الإمكان على ما عرفت في محلّها لا تجري في مثل المقام ممّا استمرّ بها الدم وامتزج حيضها بالاستحاضة.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ : ٣٠٦.

٢٧٦

وأمّا الاستصحاب فجريانه مبنيّ على قصور الأخبار عن إفادة حكم المسألة ، وقد عرفت مراراً عدم قصور مرسلة يونس الطويلة عن إفادة حكمها ؛ فإنّ مقتضاها بالتقريب الذي عرفته فيما تقدّم هو الرجوع في الأوقات المشكوكة إلى السنّة الثالثة التي سنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن لا تعرف أيّامها من عادتها ولا من إقبال الدم وإدباره وتغيّر ألوانه من التحيّض ستّة أيّام أو سبعة.

لكنّك عرفت في المبتدئة أنّه لا يتعيّن عليها اختيار الستّ أو السبع ، بل لها ـ على الأشهر أن تختار ثلاثة أيّام من شهرٍ وعشرة أيّام من شهرٍ آخر ، فلذا ربما يقال فيما نحن فيه أيضاً بكونها كذلك ؛ لظهور المرسلة في مساواتهما في الحكم ، كما تقدّم توضيحه.

لكن يتوجّه عليه : أنّ غاية ما يستفاد من المرسلة مساواتهما في جواز تحيّض كلٍّ منهما في كلّ شهر ستّاً أو سبعاً.

وأمّا جواز تحيّضها ثلاثة أو عشرة فإنّما استفيد من دليلٍ آخر قاصر عن شمول الناسية.

وما يتوهّم من استلزام التفكيك استعمال الأمر بتحيّض مَنْ لا تعرف أيّامها ستّاً أو سبعاً مطلقاً في معنيين : الوجوب التعييني والتخييري ، مدفوع : بعدم كونهما معنيين متباينين ، بل الأمر في مثل الفرض لم يستعمل إلّا في الإلزام بالفعل ، لكن دلّ الدليل الخارجي على قيام فعلٍ آخر مقام المأمور به بالنسبة إلى بعض المصاديق دون بعضٍ ، فالواجب هو الاقتصار في رفع اليد عن ظاهر الأمر على ما يدلّ عليه الدليل الخارجي.

٢٧٧

فالأظهر عدم جواز التخطّي عمّا يفهم من المرسلة ، أي التحيّض ستّة أيّام أو سبعة ، بل الأولى والأحوط هو الاقتصار على السبعة كما حكي عن ظاهر الشيخ القولُ به تعييناً ، مدّعياً في الخلاف الإجماع عليه (١) للأمر بالأخذ بها بالخصوص في غير موضعٍ من المرسلة ، واحتمال كون الترديد في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «تحيّضي في كلّ شهر في علم الله ستّاً أو سبعاً» (٢) من الراوي.

لكنّك عرفت فيما تقدّم بُعْد هذا الاحتمال ، فالأظهر عدم تعيّنها وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ، والله العالم.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ جواز تحيّضها ستّة أو سبعة إنّما هو فيما لم تعلم إجمالاً بمخالفة عادتها المنسيّة لهما ، وإلّا فليس لها الأخذ بهما ، بل تعمل في الأوقات المشكوكة التي تحتمل كونها من عادتها على ما تقتضيه الأُصول ، وقد عرفت أنّه لا مانع من استصحاب الحيض في مثل المقام ، والله العالم.

(وإن ذكرت) الناسية (آخره ، جَعَلَتْه نهاية الثلاثة) التي هي أقلّ الحيض أو ما زاد منها ممّا تعلم إجمالاً بكونه من عادتها.

وأمّا بالنسبة إلى ما عداها من الأوقات المشكوكة إلى العشرة ففيه الوجوه المتقدّمة ، وقد عرفت أنّ الأظهر وجوب رجوعها إلى المرسلة ، والأحوط اختيار خصوص السبعة ، فتجعل آخره نهايةً لها (وتغتسل) عند

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٠٦ ، وانظر : الخلاف ١ : ٢٤٢ ، المسألة ٢١١.

(٢) الكافي ٣ : ٨٣ ٨٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ٣٨٣ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

٢٧٨

حلول الآخر (للحيض) غسلاً واحداً على جميع الأقوال ؛ إذ لا ترديد بالنسبة إلى الآخر في الفرض ، وهذا بخلاف الفرض الأوّل ، وهو ما لو ذكرت أوّله ، فعليها في هذا الفرض على القول بالاحتياط أن تغتسل للحيض (في كلّ زمان يفرض) أي يحتمل فرضاً (فيه الانقطاع ، وتقتضي) على هذا القول في كلا الفرضين (صوم عشرة أيّام) بل أحد عشر يوماً عند احتمال التلفيق (احتياطاً ما لم يقصر) أي لم تعلم قصور (الوقت الذي عرفته) على سبيل الإجمال (عن العشرة) وإلّا فتقتصر على قضاء ما تحتمل كونه من أيّامها المنسيّة ، كما هو ظاهر.

وقد ظهر لك ممّا تقدّم حكم ما إن ذكرت وسطه أو شيئاً منه على سبيل الإجمال ، فإنّ الأظهر في جميع الصور هو الرجوع إلى مرسلة يونس ، الطويلة ، فتجعل الوسط على تقدير علمها به وسطاً للستّة أو السبعة التي تختارها ، وعلى تقدير العلم بمخالفة العددين لعادتها المنسيّة تعمل في الأوقات المشكوكة بما يقتضيه استصحاب الطهارة والحيض على الأشبه.

لكن ربما يشكل ذلك فيما لو ذكرت وسطه الحقيقي ؛ لاستلزام الرجوع إلى استصحاب الطهارة في أوّله واستصحاب الحيض في آخره مخالفة ما تعلمه تفصيلاً ، وهو كون ما ذكرته وسطاً.

اللهمّ إلّا أن يلتزم بجواز مثل هذه المخالفة في مجاري الأُصول العمليّة ، كما ليس بالبعيد ؛ إذ لا أثر لعلمها في مقام العمل بحيث يستلزم العمل بالأُصول مخالفته ، فليس الأصلان الجاريان في المقام إلّا كاستصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث في مَنْ توضّأ غفلةً بمائع مردّداً

٢٧٩

بين الماء والبول ، كما لا يخفى على المتأمّل.

(الثالثة : لو نسيتهما) أي الوقت والعدد (جميعاً) فلم تحفظ شيئاً منهما ، وهذه هي المسمّاة بالمتحيّرة (فهذه تتحيّض في كلّ شهر) بـ (سبعة أيّام أو ستّة) مخيّرة بينهما ، كما حكي (١) عن بعض أصحابنا ، ويدلّ عليه مرسلة يونس ، المتقدّمة (٢) بالتقريب المتقدّم.

ولكنّك عرفت مراراً أنّ اختيار السبعة كما عن الخلاف والجمل والعقود والإصباح والمهذّب والكافي والتحرير والتلخيص ومجمع الفائدة وشرح المفاتيح (٣) ، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه (٤) هو الأحوط.

وقيل : (أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر ما دام الاشتباه باقياً) كما عن جملة من الأصحاب ، بل الأكثر كما في كشف اللثام (٥) ؛ جمعاً بين المرسلة وبين ما تقدّم (٦) في المبتدئة من موثّقتي ابن بكير.

وقد عرفت فيما تقدّم عدم دلالتها في موردها على الثلاثة من كلّ شهر والعشرة من آخر فضلاً عن أن يتعدّى عن موردها إلى المتحيّرة.

__________________

(١) الحاكي هو صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٨٠ عن المحقّق الحلّي في المختصر النافع : ٩ ، والعلّامة الحلّي في تحرير الأحكام ١ : ١٤ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٣٠٧ ، ونهاية الإحكام ١ : ١٣٨ و ١٤٦.

(٢) في ص ٢١٠ وما بعدها.

(٣) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٧ ، وانظر : الخلاف ١ : ٢٤٢ ، المسألة ٢١١ ، والجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر) : ١٦٤ ، وإصباح الشيعة : ٣٩ ، والمهذّب ١ : ٣٧ ، والكافي في الفقه : ١٢٨ ، وتحرير الأحكام ١ : ١٤ ، وتلخيص المرام (ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة) ٢٦ : ٢٦٦ ، ومجمع الفائدة والرهان ١ : ١٤٧ ١٤٨. وشرح المفاتيح مخطوط.

(٤) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٧ ، وانظر : الخلاف ١ : ٢٤٢ ، المسألة ٢١١ ، والجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر) : ١٦٤ ، وإصباح الشيعة : ٣٩ ، والمهذّب ١ : ٣٧ ، والكافي في الفقه : ١٢٨ ، وتحرير الأحكام ١ : ١٤ ، وتلخيص المرام (ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة) ٢٦ : ٢٦٦ ، ومجمع الفائدة والرهان ١ : ١٤٧ ١٤٨. وشرح المفاتيح مخطوط.

(٥) انظر : كشف اللثام ٢ : ٨٠ ، وفيه نسبة الاقتصار على السبعة إلى الأكثر.

(٦) في ص ٢٤٥.

٢٨٠