مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

وإن جاز للزوجة منعه ، كما يجوز لها ترك الصلاة الواجبة.

ولا يقاس المفروض بأيّامها التي تختارها من كلّ شهر ؛ لأنّ مرجع الشكّ في تلك المسألة إلى الشكّ في المكلّف به ، فكان مقتضى الأصل فيها وجوب الاجتناب في مجموع أطراف الشبهة ، ولكنّ الشارع خيّرها في تعيين موضوع المكلّف به ، فيكون اختيارها بمنزلة طريقٍ تعبّديّ شرعيّ ، وأمّا فيما نحن فيه فالشكّ فيه شكّ في أصل التكليف ، وبعد أن عُلم من أخبار الاستظهار عدم كون الاستصحاب أو قاعدة الإمكان مرجعاً وأنّه يجوز له وطؤها في الجملة ولم يثبت أنّ لاختيارها مدخليّةً في الجواز فالمرجع فيه البراءة.

وهذا وإن لا يخلو عن قوّة ولكنّ الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ، والله العالم.

ولو شكّت في حيضها ، لا يحب عليها الفحص ، وكذا لو شكّ الزوج ، كغيره من الشبهات الموضوعيّة ، لكن لو أخبرته بذلك ، يجب تصديقها بلا إشكال ولا خلاف فيه ظاهراً كما في الحدائق (١) وغيره (٢) ما لم تكن متّهمةً.

ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع ما رواه الشيخ ـ في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «العدّة والحيض إلى النساء» (٣).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٣ : ٢٦١.

(٢) رياض المسائل ١ : ٤٣ ، جواهر الكلام ٣ : ٢٢٧.

(٣) التهذيب ١ : ٣٩٨ / ١٢٤٣ ، الإستبصار ١ : ١٤٨ / ٥١٠ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

١٤١

وما رواه الكليني في الحسن عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «العدّة والحيض إلى النساء إذا ادّعت صُدّقت» (١).

وربما يستدلّ له بقوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) (٢) ويمكن الخدشة فيه : بإمكان أن يكون الوجه فيه حصول الوثوق من قولها غالباً ، فلا يجب أن يكون قولها حجّةً تعبّديّة.

هذا ، مع أنّه يكفي وجهاً لحرمة الكتمان نفوذ قولها في حقّها بالنسبة إلى ما يترتّب على الكتمان من مصلحتها التي تكتمه لأجلها وإن لم يجب على الزوج تصديقها.

وبما أشرنا إليه من حصول الوثوق غالباً من قولها ظهر لك إمكان الخدشة فيما يقال من أنّ الحيض ممّا لا يُعرف إلّا من قِبَلها ، وقد علّق الشارع عليه أحكاماً كثيرة ، فوجب أن يكون قولها حجّةً فيه ، فتأمّل.

هذا إذا لم تكن متّهمةً ، وأمّا إذا كانت متّهمةً ، ففي وجوب تصديقها وعدمه وجهان ، بل قولان : من إطلاق الأدلّة المتقدّمة ، ومن أنّ عمدتها الإجماع والروايتان.

أمّا الإجماع فلا يعمّ مورد الخلاف.

وأمّا الروايتان فمنصرفتان عن مثل الفرض ؛ لأنّ كون المرأة متّهمةً

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٠١ (باب أنّ النساء يصدّقن في الحيض والنفاس) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٢٨.

١٤٢

في دعواها الحيضَ فرض نادر.

ويؤيّده بل يدلّ عليه : رواية إسماعيل بن أبي زياد عن أبي جعفر عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال في امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهرٍ واحد ثلاث حيض ، فقال : «كلّفوا نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت ، فإن شهدن صُدّقت ، وإلّا فهي كاذبة» (١).

ورواه الصدوق مرسلاً إلّا أنّه قال : «يسأل نسوة من بطانتها» (٢).

ونوقش في دلالتها على المطلوب بأخصّيّتها من المدّعى ؛ لاختصاص موردها بما إذا ادّعت أمراً بعيداً خلاف عادات النساء.

أقول : الظاهر أنّ المراد بالمتّهمة في المقام هي المرأة التي يبعد دعواها العادات والأمارات الخارجيّة بحيث يكون الزوج منها بمقتضى العادات والأمارات في شكّ وارتياب ، فيظنّ أنّها كاذبة ، كما في مورد الرواية.

ويشعر بإرادتهم هذا التفسير لا ما قيل من أنّها هي المرأة المعروفة بتضييع حقّ الزوج استدلالهم لعدم قبول قولها : بالرواية ، وتصريح بعضهم باشتراط قبول قولها بما إذا لم يظنّ الزوج كذبها.

قال في الحدائق : وأمّا لو ظنّ الزوج كذبها ، قيل : لا يجب القبول. وإليه مال الشهيد الثاني ، وقيل : يجب. وهو اختيار العلّامة في النهاية ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٨ / ١٢٤٢ ، الاستبصار ١ : ١٤٨ / ٥١١ ، و ٣ : ٣٥٦ ٣٥٧ / ١٢٧٧ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٥٥ / ٢٠٧ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب الحيض ، ذيل الحديث ٣.

١٤٣

والشهيد في الذكرى (١). انتهى.

والظاهر أنّ مراد المشترطين بعدم الظنّ بكذبها ليس مطلق الظنّ الحاصل للزوج ولو من دون مستند بأن كان سيّ‌ء الظنّ ، بل الظنّ الحاصل من الأمارات الموجبة للارتياب.

وعلى هذا فالإنصاف إمكان الاستشهاد له : بالرواية ، كما أنّه لا ينبغي الاستشكال في قصور الأدلّة المتقدّمة عن إثبات وجوب تصديقها في مثل الفرض ، والاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ، والله العالم.

(ويجوز له) أي لزوجها (الاستماع بما عدا القُبُل).

أمّا الاستمتاع بما فوق السرّة وتحت الركبة فممّا لا خلاف فيه ، بل في الجواهر : إجماعاً محصّلاً ومنقولاً مستفيضاً غاية الاستفاضة كالسنّة (٢).

فما في خبر عبد الرحمن عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل ما يحلّ له من الطامث؟ قال : «لا شي‌ء له حتى تطهر» (٣) يجب تأويله أو طرحه.

وأمّا الاستمتاع فيما بينهما حتى الوطء في الدُّبُر فيجوز أيضاً على الأظهر الأشهر ، بل في الجواهر دعوى الشهرة عليه شهرة كادت تكون إجماعاً (٤) ، بل عن ظاهر بعضٍ (٥) دعوى الإجماع عليه.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٣ : ٢٦٢ ، وراجع : روض الجنان : ٧٧ ، ونهاية الإحكام ١ : ١٢٢ ، والذكرى ١ : ٢٧٨.

(٢) جواهر الكلام ٣ : ٢٢٨.

(٣) التهذيب ١ : ١٥٥ / ٤٤٤ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الحيض ، الحديث ١٢.

(٤) جواهر الكلام ٣ : ٢٢٨.

(٥) كما في جواهر الكلام ٣ : ٢٢٨ عن ظاهر التبيان ٢ : ٢٢٠ ، ومجمع البيان ١ ٢ : ٥٦٢ ٥٦٣.

١٤٤

ويدلّ عليه جملة من الأخبار المعتبرة المستفيضة.

ففي رواية عبد الملك بن عمرو ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ قال : «كلّ شي‌ء ما عدا القُبُل منها بعينه» (١).

ورواية اخرى لعبد الملك بن عمرو ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ما يحلّ للرجل من المرأة وهي حائض؟ قال : «كلّ شي‌ء غير الفرج» قال : ثمّ قال : «إنّما المرأة لعبة الرجل» (٢).

والمراد من الفرج خصوص القُبُل بقرينة الرواية المتقدّمة وغيرها ممّا سيأتي ، مضافاً إلى أنّه هو المتبادر من إطلاقه.

وموثّقة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتّقى موضع الدم» (٣).

وصحيحة عمر بن يزيد ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : ما للرجل من الحائض؟ قال : «ما بين أليتيها ولا يوقب» (٤).

ورواية معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام عن الحائض ما يحلّ لزوجها منها؟ قال : «ما دون الفرج» (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٣٨ (باب ما يحلّ للرجل ..) الحديث ١ ، التهذيب ١ : ١٥٤ / ٤٣٧ ، الإستبصار ١ : ١٢٨ ١٢٩ / ٤٣٨ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٥ : ٥٣٩ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ١ : ١٥٤ / ٤٣٦ ، الإستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٧ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

(٤) التهذيب ١ : ١٥٥ / ٤٤٣ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الحيض ، الحديث ٨.

(٥) الكافي ٥ : ٥٣٨ ٥٣٩ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

١٤٥

ورواية عبد الله بن سنان ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : ما يحلّ للرجل من امرأة وهي حائض؟ قال : «ما دون الفرج» (١).

وموثقة هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج وهي حائض ، قال : «لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع» (٢) إلى غير ذلك من الروايات التي كادت تكون صريحةً في المدّعى.

لكن لا يخفى عليك أنّ استفادة جواز الوطء في الدُّبُر حال الحيض من هذه الروايات مبنيّة على القول بجوازه حال النقاء ، كما هو الأشهر بل المشهور عند الخاصّة نصّاً وفتوى ، عكس العامّة.

وأمّا لو لم يثبت ذلك بالنسبة إلى حال النقاء ، فربما يتأمّل في نهوض هذه الأخبار لإثباته ؛ لورودها في مقام بيان حكمٍ آخر ، أعني عدم ممانعة الحيض إلّا من الوطء في القُبُل دون سائر الاستمتاعات ، فيكون إطلاقها منزّلاً على بيان أنّ له حال الحيض جميع ما كان له حال الطهر ما عدا الوطء في القُبُل.

لكنّ المتأمّل في الروايات يراها كالصريحة في إرادة الوطء في الدُّبُر وإن لم يكن إطلاقها مسوقاً لبيان أصل الاستمتاعات الجائزة ؛ فإنّ هذا الفرد أظهر أفراد الاستمتاع بحيث لا يرتاب السامع في إرادته من قوله في جواب مَنْ سأله عمّا لصاحب المرأة الحائض : «كلّ شي‌ء منها ما عدا القُبُل منها بعينه» وكذا من قوله : «فليأتها زوجها حيث شاء ما اتّقى موضع

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٣٩ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٥٤ / ٤٣٨ ، الإستبصار ١ : ١٢٩ / ٤٣٩ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الحيض ، الحديث ٦.

١٤٦

الدم» بل لا شبهة في ظهور تخصيص القُبُل وموضع الدم بالذكر في اختصاص الحكم به دون الدُّبُر الذي هو عديل القُبُل في هذه الفائدة.

هذا كلّه بعد الإغماض عمّا يدلّ على جوازه في حدّ ذاته ، وإلّا فيأتي إن شاء الله في محلّه أنّه لا مجال للتشكيك فيه.

فعلى هذا لا ينبغي الإشكال في أنّ له الاستمتاع حال الحيض بما عدا القُبُل مطلقاً ، خلافاً لما نُقل عن المرتضى رحمه‌الله في شرح الرسالة من تحريم الوطء في الدُّبُر بل مطلق الاستمتاع بما بين السرّة والركبة (١).

واستدلّ له : بالنهي عن القرب في الكتاب (٢) العزيز والأمر باعتزالهنّ في المحيض (٣) بناءً على أنّ المراد منه وقت الحيض لا موضع الدم ، فيقتصر في تخصيص الآيتين بما انعقد عليه الإجماع ، واستفيد من النصوص الآتية التي استدلّ بها أيضاً لمذهبه :

منها : موثقة أبي بصير ، قال : سُئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الحائض ما يحلّ لزوجها منها؟ قال : «تتّزر بإزار إلى الركبتين وتخرج ساقها وله ما فوق الإزار» (٤).

وصحيحة الحلبي أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض وما يحلّ لزوجها منها ، قال : «تتّزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرّتها ثمّ له ما فوق الإزار» (٥).

__________________

(١) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ١ : ٢٢٤.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٤) التهذيب ١ : ١٥٥ / ٤٤٠ ، الإستبصار ١ : ١٢٩ / ٤٤٣ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٥) الفقيه ١ : ٥٤ / ٢٠٤ ، التهذيب ١ : ١٥٤ / ٤٣٩ ، الإستبصار ١ : ١٢٩ / ٤٤٢ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

١٤٧

ورواية حجّاج الخشّاب (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الحائض والنفساء ما يحلّ لزوجها منها؟ قال : «تلبس درعاً ثمّ تضطجع معه» (٢).

وفيه : أنّ المراد من القرب المنهيّ عنه ليس معناه الحقيقي ، وإلّا يستلزم التخصيص المستهجن ، وإنّما المراد المقاربة المعهودة المتعارفة ، وهي الجماع في الفرج.

ويدلّ عليه مضافاً إلى أنّه هو المتبادر منه بعد العلم بعدم إرادة معناه الحقيقي ـ ما عن تفسير العياشي عن عيسى بن عبد الله ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «المرأة تحيض يحرم على زوجها أن يأتيها ، لقوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ) (٣) فيستقيم للرجل أن يأتي امرأته وهي حائض فيما دون الفرج» (٤).

وأمّا الأخبار المزبورة فهي محمولة على الكراهة ونفي الحلّيّة بمعناها الأخصّ بقرينة الأخبار المستفيضة المتقدّمة المصرّحة بالجواز.

هذا ، مع مخالفتها للمشهور وموافقتها لكثير من العامّة ، كما عن الشيخ (٥) التصريح بذلك.

وربما يناقش في دلالتها على المنع : بأنّه لا يفهم منها إلّا حلّ

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : حجاج بن الخشاب. وما أثبتناه كما في المصادر.

(٢) التهذيب ١ : ١٥٥ / ٤٤١ ، الإستبصار ١ : ١٢٩ / ٤٤٤ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٤) تفسير العياشي ١ : ١١٠ / ٣٢٩ ، الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب الحيض ، الحديث ٩.

(٥) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٣٦٥ ، وانظر : التهذيب ١ : ١٥٥ ذيل الحديث ٤٤١ ، والاستبصار ١ : ١٢٩ ذيل الحديث ٤٤٤.

١٤٨

الاستمتاع بما فوق الإزار ، وأمّا المنع ممّا دونه فلا ؛ إذ لا اعتداد بمفهوم اللقب.

وفيه : أنّ ظاهر السؤال هو الاستفهام عن جميع ما يحلّ له ، والجواب مسوق لبيان التحديد ، فلا ينبغي التأمّل في ظهوره في المنع ، لكن يتعيّن حمل المنع المفهوم منه على الكراهة بقرينة سائر الأخبار ، والله العالم.

(فإن وطئ) الزوج زوجته الحائض في القُبُل (عامداً) بأن كان (عالماً) بالحكم وموضوعه (وجب عليه) خاصّةً دونها وإن كانت مطاوعةً (الكفّارة) على قولٍ مشهور بين القدماء على ما نسب (١) إليهم ، بل عن الإنتصار والخلاف والغنية دعوى الإجماع عليه (٢).

واستدلّ له : بأخبار كثيرة :

منها : رواية داوُد بن فرقد عن الصادق عليه‌السلام في كفّارة الطمث «يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار ، وفي وسطه بنصف دينار ، وفي آخره بربع دينار» قلت : وإن لم يكن عنده ما يكفّر؟ قال : «فليتصدّق على مسكين واحد ، وإلّا استغفر الله ولا يعود فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لمن لم يجد السبيل إلى شي‌ء من الكفّارة» (٣).

ونحوها الرضوي (٤).

__________________

(١) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٢٦٥.

(٢) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٣٠ ، وانظر : الانتصار : ٣٤ ، والخلاف ١ : ٢٢٦ ذيل المسألة ١٩٤ ، والغنية : ٣٩.

(٣) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧١ ، الإستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٥٩ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٣٦.

١٤٩

وعن المقنع أنّه قال : وروى أنّ مَنْ جامعها في أوّل الحيض فعليه أن يتصدّق بدينار ، وإن كان في نصفه فنصف دينار ، وإن كان في آخره فربع دينار (١).

وعن محمّد بن مسلم ، قال : سألت الباقر عليه‌السلام عن الرجل أتى المرأة وهي حائض ، قال : «يجب عليه في استقبال الحيض دينار ، وفي وسطه نصف دينار» (٢).

وعن محمّد بن مسلم أيضاً في الصحيح قال : سألته عمّن أتى امرأته وهي طامث ، قال : «يتصدّق بدينار ويستغفر الله تعالى» (٣).

وعن أبي بصير في الموثّق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «مَنْ أتى حائضاً فعليه نصف دينار» (٤).

ومنها : حسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يقع على امرأته وهي حائض ما عليه؟ قال : «يتصدّق على مسكين بقدر شبعه» (٥).

فقد حمل الأصحاب إطلاق ما بعد الرواية الأُولى على ما تضمّنته الرواية الاولى من التفصيل في أفراد الكفّارة.

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٢٦٦ ، وانظر : المقنع : ٥١.

(٢) الكافي ٧ : ٢٤٣ / ٢٠ ، التهذيب ١٠ : ١٤٥ / ٥٧٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ١ : ١٦٣ / ٤٦٧ ، الإستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٥ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٤) التهذيب ١ : ١٦٣ / ٤٦٨ ، الإستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٦ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

(٥) التهذيب ١ : ١٦٣ / ٤٦٩ ، الإستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٧ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

١٥٠

والخدشة فيها : بقصور السند ، ممّا لا ينبغي الالتفات إليها بعد استفاضتها واشتهار العمل بمضمونها واعتضادها بالإجماعات المنقولة ، فلا يعارضها بعض الأخبار المنافية لها.

مثل : رواية عبد الملك بن عمرو ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أتى جاريته وهي طامث ، قال : «يستغفر الله ربّه» قال عبد الملك : فإنّ الناس يقولون : عليه نصف دينار أو دينار ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فليتصدّق على عشرة مساكين» (١).

وروايته (٢) الأُخرى عن رجل واقع امرأته وهي حائض ، فقال : «إن كان واقعها في استقبال الدم فيستغفر الله ويتصدّق على سبعة نفر من المؤمنين بقدر قوت كلّ رجل منهم ليومه ولا يَعُدْ ، وإن كان واقعها في إدبار الدم آخر أيّامها قبل الغسل فلا شي‌ء عليه» (٣).

وعن عليّ بن إبراهيم في تفسيره ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : «مَنْ أتى امرأته في الفرج في أوّل أيّام حيضها فعليه أن يتصدّق بدينار ، وعليه ربع حدّ الزاني خمسة وعشرون جلدة ، وإن أتاها في آخر أيّام حيضها فعليه أن يتصدّق بنصف دينار ، ويضرب اثنتا عشرة جلدة ونصفاً» (٤).

هذا ، ولكنّ الإنصاف عدم إمكان حمل الأخبار المطلقة الواردة في

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠ ، الإستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٢) كذا ، والرواية عن الحلبي عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٣) الكافي ٧ : ٤٦٢ / ١٣ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الكفّارات من كتاب الإيلاء والكفّارات ، الحديث ٢.

(٤) تفسير القمّي ١ : ٧٣ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٦.

١٥١

مقام البيان على ما تضمّنته الرواية الأُولى ؛ لإمكان دعوى القطع بعدم إرادة وجوب التصدّق على مسكينٍ واحد من الحسنة لخصوص مَنْ لم يكن عنده ما يكفّر ، ولا من الموثّقة التصدّق بنصف دينارٍ لخصوص مَنْ وطئها في وسط الحيض ، ولا من الصحيحة خصوص مَنْ وطئها في أوّل الحيض ؛ إذ كيف يعقل أن يكون الواجب على الواطئ مراعاة هذا التفصيل ومع ذلك يأمره الإمام عليه‌السلام عند الاستفهام عن حكمه بأن يتصدّق على مسكين بقدر شبعه!؟

وقد تقدّم غير مرّة أنّ ارتكاب هذا النحو من التقييد في الروايات من أبعد التصرّفات ، فيجب إمّا الأخذ بالرواية الأُولى وما هو بمضمونها وطرح ما عداها بدعوى قصورها عن المكافئة بعد عمل الأصحاب بالرواية وإعراضهم عمّا عداها ، أو القول باستحباب التصدّق وتنزيل اختلاف الأخبار على اختلاف مراتب الاستحباب.

ولا ريب أنّ حملها على الاستحباب أهون من طرح هذه الأخبار الكثيرة التي يمكن دعوى العلم الإجمالي بصدور أغلبها ، خصوصاً مع معارضتها للمستفيضة المصرّحة بعدم الوجوب.

منها : صحيحة عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل واقع امرأته وهي طامث ، قال : «لا يلتمس فعل ذلك ، قد نهى الله أن يقربها» قلت : فإن فعل أعليه كفّارة؟ قال : «لا أعلم فيه شيئاً يستغفر الله» (١).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٢ ، الإستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٠ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

١٥٢

وموثّقة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن الحائض يأتيها زوجها ، قال : «ليس عليه شي‌ء يستغفر الله ولا يعود» (١).

وخبر ليث المرادي ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن وقوع الرجل على امرأته وهي طامث خطأً ، قال : «ليس عليه شي‌ء وقد عصى ربّه» (٢).

قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله : والظاهر من الخطأ بقرينة المعصية : الخطأ في الفعل ، ومنه الخطيئة أو الخطأ في الحكم مع التقصير في السؤال دون الخطأ في الموضوع (٣). انتهى.

وحيث إنّك عرفت تعذّر الأخذ بظاهر الرواية الأُولى وطرح جميع ما عداها فالمتعيّن إمّا حمل الأمر بالتصدّق في الأخبار على الاستحباب ، كما يؤيّده بل يدلّ عليه اختلاف الأخبار اختلافاً لا يمكن الجمع بينها إلّا بذلك ، كما تقدّم نظيره في أخبار البئر ، ويشهد له الخبر المرويّ عن الدعائم «مَنْ أتى حائضاً فقد أتى ما لا يحلّ له ويستغفر الله ويتوب من خطيئته ، وإن تصدّق مع ذلك فقد أحسن» (٤) فإنّه وإن ضعف سنده إلّا أنّه يصلح مؤيّداً لذلك ، أو الالتزام بصدورها تقيّةً ، كما يشهد به رواية (٥) عبد الملك ، الدالّة على أنّ القول بالتصدّق بدينار أو نصف دينار كان

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٦٥ / ٤٧٤ ، الإستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦٢ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٦٥ / ٤٧٣ ، الإستبصار ١ : ١٣٤ / ٤٦١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٣) كتاب الطهارة : ٢٣٥.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٢٧ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ١٥٠.

١٥٣

معروفاً بين العامّة ، كما أنّه يشهد بذلك أيضاً تعبير الإمام عليه‌السلام في صحيحة عيص بقوله : «لا أعلم فيه شيئاً» (١) فإنّ هذا التعبير يشعر بأنّ القول بأنّ عليه شيئاً كان معروفاً بين فقهائهم ولم يستطع الإمام عليه‌السلام إنكاره بطريق الجزم ، فقال عليه‌السلام : «لا أعلم» إلى آخره.

(و) بهذا ظهر لك قوّة ما (قيل) قديماً وحديثاً بل في الحدائق أنّه هو المشهور بين المتأخّرين (٢) من أنّه (لا تجب) عليه الكفّارة ولكنّها مستحبّة ؛ للأمر بها في المستفيضة المتقدّمة.

واحتمال حملها على التقيّة ممّا لا ينبغي الاعتناء به إلّا عند تعذّر الجمع عرفاً ، وليس لأخبار الوجوب قوّة ظهور في ذلك حتى يمتنع عرفاً تأويلها وحملها على الاستحباب جمعاً بينها وبين الأخبار المصرّحة بعدم الوجوب خصوصاً مع ما عرفت من وجود الشاهد للجمع.

هذا كلّه ، مع أنّ احتمال صدور هذه الأخبار الكثيرة تقيّةً ممّا يبعّده كون المسألة على ما نقل عنهم خلافيّةً بينهم ، فيبعد في مثلها الحكم بالوجوب أو بعدم الوجوب تقيّةً.

نعم ، لا يبعد التعبير بـ «لا أعلم» ونحوه ممّا يكون ظاهرة الإفتاء عن رأي واجتهاد ، والله العالم.

وهل يختصّ الحكم بوطء امرأته أم يعمّ الأجنبيّة؟ وجهان : من إطلاق بعض الأخبار ، ومن إمكان دعوى انصراف المطلقات إلى الوطء المباح ذاتاً الذي عرضه الحرمة لأجل الحيض.

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٥١.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٢٦٥.

١٥٤

هذا ، مع ما ربما يخدش في المطلقات : بقصور السند وعدم الجابر.

وكيف كان فلا تأمّل في شمولها بل صراحة بعضها ، كرواية عبد الملك لوطء أمته ، بل قد يدّعى عدم دلالة الرواية إلّا عليه. وفيه نظر.

لكن المعروف بين الأصحاب على ما في الجواهر (١) أنّه يتصدّق في وطء جاريته بثلاثة أمداد.

قال : المشهور هنا أيضاً وجوبه ، بل في الانتصار الإجماع عليه ، وفي السرائر نفي الخلاف فيه ، وهُما مع التأييد بالمنقول عن الفقه الرضوي الحجّة على ذلك (٢). انتهى وأنت خبير بأنّ مثل هذه الحجج لا تصلح حجّةً إلّا لإثبات الاستحباب مسامحةً ، فيشكل الالتفات إليها بناءً على وجوب الكفّارة في رفع اليد عمّا يقتضيه إطلاق الأدلّة ، وأمّا على المختار من استحبابها فلا مانع من الالتزام بمفاد الجميع ، والله العالم.

ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق بين الزوجة الدائمة والمنقطعة والحُرّة والأمة ، كما صرّح به غير واحد ؛ لعموم الأدلّة ، وصدق المرأة في الجميع.

وهل يختصّ الحكم بالعامد العالم بالحكم وموضوعه ، أم يعمّ مطلقاً أو بالنسبة إلى جاهل الحكم دون موضوعه؟ لا ينبغي الإشكال في عدم الشمول لجاهل الموضوع بشهادة تسمية التصدّق كفّارةً في بعض الأخبار والأمر بالاستغفار في أغلبها بإرادة مَنْ عدا جاهل الموضوع الذي لا يكون عمله معصيةً.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ : ٢٣٣ ، وانظر : الانتصار : ١٦٥ ، والسرائر ٣ : ٧٦ ، والفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٣٦.

(٢) جواهر الكلام ٣ : ٢٣٣ ، وانظر : الانتصار : ١٦٥ ، والسرائر ٣ : ٧٦ ، والفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٣٦.

١٥٥

وأمّا جاهل الحكم فربما يدّعى انصراف الأخبار عنه. وفيه تأمّل.

(و) لا يخفى عليك أنّا وإن رجّحنا القول بعدم الوجوب بالنظر إلى ما يقتضيه الجمع بين الأخبار لكن التخطّي عن القول (الأوّل) المشهور بين قدماء أصحابنا المطّلعين على غثّ الأخبار وسمينها مع كون الالتزام بمؤدّاه من دون تديّن وتشريع (أحوط) في غاية الجرية ، فلا ينبغي ترك الاحتياط بمتابعتهم.

وقد عرفت فيما سبق أنّ المعتمد لديهم هو التفصيل المستفاد من رواية (١) داوُد بن فرقد (و) هو أنّ (الكفّارة في أوّله دينار ، وفي وسطه نصف) دينار (وفي آخره ربع) دينار ، لكن نصّ في الجواهر على اختصاص هذا التفصيل بغير وطء الرجل جاريته ، وأمّا فيه فكفّارته ثلاثة أمداد (٢) ، كما تقدّمت الإشارة إليه (٣).

والمراد بالدينار على ما في المدارك (٤) وغيره (٥) المثقال من الذهب الخالص المضروب ، وذكروا أنّ قيمته عشرة دراهم جياد.

والمراد من المثقال هو المثقال الشرعي على ما نصّوا عليه.

وهل يتعيّن التصدّق بعين الدينار ، كما حكي (٦) عن جملة من الأصحاب ـ أم يجزئ قيمته ، كما صرّح به بعض (٧)؟ وجهان ، أوجههما

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ١٤٩ ، الهامش (٣).

(٢) جواهر الكلام ٣ : ٢٣٣.

(٣) في ص ١٥٥.

(٤) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٥.

(٥) جواهر الكلام ٣ : ٢٣٥.

(٦) الحاكي هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٧٥.

(٧) كابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٤٧ ، والصيمري في كشف الالتباس ١ : ٢٣١.

١٥٦

الثاني ؛ فإنّ المتبادر من الأمر بإعطاء الأثمان عرفاً ليس إلّا إرادة مقداره من حيث الماليّة ، كما يؤيّد ذلك الأمرُ بإعطاء نصف دينار أو ربعه ، فإنّ توهّم إرادة تسليط المسكين على نصفه أو ربعه المشاع بمعزلٍ عمّا يفهم عرفاً ، كما لا يخفى.

ومصرف هذه الكفّارة مصرف غيرها من الكفّارات ، وهو مستحقّ الزكاة ، كما عن صريح جملة من الأصحاب وظاهر غيرهم (١).

ولا يعتبر التعدّد ، كما صرّح به جماعة تبعاً للروض (٢) فيما حكي (٣) عنهم ؛ لإطلاق النصّ.

ويحتمل أن يكون المراد من قوله عليه‌السلام في رواية عبد الملك : «فليتصدّق على عشرة مساكين» (٤) التصدّق بالدينار أو نصف الدينار الذي كان الناس يزعمون أنّه يجب عليه.

وعلى هذا يرتفع التنافي بين هذه الرواية وبين الأخبار الآمرة بالتصدّق بدينار أو نصفه.

ولكنّ الرواية لا تصلح مستندةً للحكم خصوصاً على تقدير القول بالوجوب ؛ لعدم تعيّن إرادة هذا المعنى منها ، مع أنّه لم يقل أحد بمضمونها.

ثمّ إنّ المتبادر من النصوص والفتاوى كما عن تصريح جلّ

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٣٧.

(٢) روض الجنان : ٧٧ ٧٨.

(٣) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٣٧.

(٤) التهذيب ١ : ١٦٤ / ٤٧٠ ، الإستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٨ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

١٥٧

الأصحاب (١) أنّ كلّ حيض له أوّل ووسط وآخر بالنسبة إلى أيّامها ، فالأوّل لذات الثلاثة يوم واحد ، ولذات الأربعة يوم وثُلْث ، وهكذا.

وعن المراسم أنّ الوسط ما بين الخمسة إلى السبعة (٢).

وعن الراوندي (٣) رحمه‌الله أنّه اعتبر الأطراف الثلاثة بالنسبة إلى العشرة التي هي أكثر أيّام الحيض.

ولا يبعد أن يكون مرجع الأوّل أيضاً إلى ملاحظتها بالنسبة إلى العشرة بنحوٍ من المسامحة.

وعلى التقديرين فقد يخلو بعض العادات من الوسط والآخر ، ولا يخفى ما فيهما من الضعف.

(ولو تكرّر منه الوطء) بحيث يُعدّ في العرف وطئان أو أزيد ، ففيه أقوال :

قيل : إن كان العدد المتكرّر (في وقت لا تختلف الكفّارة) بأن وقع مجموعها في أوّل الحيض أو وسطه أو آخره (لم تتكرّر) الكفّارة بشرط عدم تخلّل التكفير ، كما في المدارك (٤) وغيره (٥).

(وقيل : بل تتكرّر) مطلقاً كما عن جملة من الأصحاب (٦).

__________________

(١) انظر : كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٣٥.

(٢) حكاه عنه المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٢٢ ، والعاملي في مدارك الأحكام ١ : ٣٥٥ ، وانظر : المراسم : ٤٤.

(٣) حكاه عنه المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٢٢ ٣٢٣ ، والعاملي في مدارك الأحكام ١ : ٣٥٥ ، وانظر : فقه القرآن ١ : ٥٤.

(٤) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٦.

(٥) جواهر الكلام ٣ : ٢٣٦.

(٦) الحاكي عنهم هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٧٦ ، وانظر : البيان : ٦٣ ، والدروس ١ : ١٠١ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٢٤ ، وروض الجنان ٧٨ ، ومسالك الأفهام ١ : ٦٥.

١٥٨

وعن السرائر أنّه لا تتكرّر مطلقاً (١).

وربما استظهر من إطلاقه عدم الفرق بين ما إذا تخلّل التكفير أو لم يتخلّل ، لكن التزامه بذلك في صورة التخلّل في غاية البُعْد ؛ إذ لا ينبغي التأمّل في كون الوطء المسبوق بالتكفير كالمبتدإ في استفادة سببيّته للكفّارة من عمومات الأدلّة.

وعن نكاح المبسوط القول بعدم التكرّر مطلقاً مع تنصيصه على اختصاص الحكم بما إذا لم يتخلّل التكفير (٢).

حجّة القائلين بالتكرّر مطلقاً : ظهور الأدلّة في كون وطء الحائض مطلقاً سبباً للكفّارة ، ومقتضى إطلاق سببيّته تكرّر المسبّب بتكرّره ، فإنّه إذا وجد ثانياً فإمّا أن يكون مؤثّراً أم لا ، والثاني خلاف ظاهر الدليل ، وعلى الأوّل فإمّا أن يكون أثره عين ما وجب بالسبب الأوّل ، وهو محال ، أو إيجاب جزاء مستقلّ ، وهو المطلوب.

وقد تقدّم (٣) تحقيقه وتوضيحه في مبحث تداخل الأغسال في باب الوضوء بما لا مزيد عليه.

واتّضح لك فيما تقدّم أنّه بعد تسليم ظهور الدليل في إطلاق سببيّة الشرط للجزاء بجميع وجوداته لا محيص عن الالتزام بتعدّد الأثر وتكرّره إذا وجدت الطبيعة في ضمن أفراد متعاقبة ، فللقائلين بعدم التكرّر ليس إلّا

__________________

(١) الحاكي عنه هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٢٤ ، وانظر : السرائر ١ : ١٤٤.

(٢) الحاكي عنه هو صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ١١٢ ، وانظر : المبسوط ٤ : ٢٤٢.

(٣) في ج ٢ ص ٢٥٧ وما بعدها.

١٥٩

منع الظهور إمّا بدعوى أنّه ليس للأدلّة إطلاقٌ من هذه الجهة ، وإنّما المستفاد منها عموم سببيّة إتيان الحائض من كلّ أحد للكفّارة في الجملة ، وأمّا سببيّة الإتيان مطلقاً للكفّارة فلا ، فإنّه لا يفهم من قوله عليه‌السلام : «مَنْ أتى حائضاً فعليه نصف دينار» (١) إلّا عموم الحكم بالنسبة إلى أفراد الموصول ، وهي أشخاص المكلّفين ، لا أحوال الصلة ، أعني أفراد الإتيان ، فمن الجائز أن تكون سببيّته مشروطةً بعدم مسبوقيّته بإتيان آخر ، فعند الشكّ في ذلك يرجع إلى أصالة البراءة.

وهذه الدعوى تصلح مستندةً للقول بعدم التكرّر مطلقاً وإن تخلّل التكفير كما عن ظاهر السرائر.

لكنّها بيّنة الضعف ؛ فإنّه كما أنّ للموصول عموماً كذا للصلة إطلاق إذا كانت القضيّة واردةً في مقام البيان.

ألا ترى أنّه لو أتى حائضاً أُخرى أو أتى هذه المرأة في حيض آخر ، يفهم حكمه من هذا الدليل بلا شبهة ، بل لا ينبغي التشكيك في فهم العرف من هذا الخطاب وكذا من غيره من الأدلّة المتقدّمة حكم ما لو أتاها مكرّراً مع تخلّل التكفير ، وليس المنشأ لهذه الاستفادة إلّا فهم الإطلاق من الدليل ، مع أنّه هو الذي يقتضيه دليل الحكمة كسائر المطلقات.

وإمّا بدعوى أنّ تعليق الجزاء على طبيعة الشرط لا يقتضي إلّا سببيّة ماهيّة الشرط من حيث هي بلحاظ تحقّقها في الخارج مطلقاً للجزاء

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٦٣ / ٤٦٨ ، الإستبصار ١ : ١٣٣ / ٤٥٦ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

١٦٠