مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

بيوم أو اثنين ثمّ تغتسل كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات إلى أن قال فإذا حلّ لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها» (١).

وصحيحة ابن مسلم ، المرويّة عن المشيخة لابن محبوب «الحائض إذا رأت دماً بعد أيّامها التي ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين» (٢).

وموثّقة زرارة «المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين» (٣).

وموثّقته الأُخرى عن الطامث تقعد بعدد أيّامها كيف تصنع؟ قال : «تستظهر بيوم أو يومين» (٤).

وهذه الأخبار كما تراها بعضها كالصحيحة الأُولى صريحة في أنّ لها الخيار في اليوم الثاني والثالث في الأخذ باحتمال كونها حائضاً أو مستحاضةً. وجملة منها تدلّ على أنّ لها الخيار بالنسبة إلى اليوم الثاني. وبعضها يدلّ على كونها مخيّرةً في اليوم الثالث ، فيفهم من مجموع هذه الأخبار أنّ قوله عليه‌السلام في بعض الأخبار المتقدّمة : «تستظهر بيوم ، فإن استمرّ الدم فهي مستحاضة» ليس كونها مستحاضةً على سبيل الحتم والإلزام ، بل لها البناء على كونها مستحاضةً ، وعدم الاعتناء باحتمال كونها حائضاً ، كما أنّ لها عكس ذلك بمقتضى سائر الأخبار التي كادت تكون متواترةً بشهادة المستفيضة الدالّة على أنّها مخيّرة في اليوم الثاني والثالث.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١٢.

(٢) المعتبر ١ : ٢١٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١٥ ، والباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١٤.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١٤.

(٤) التهذيب ١ : ١٦٩ / ٤٨٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١٣.

١٠١

وهذه الأخبار كما تصلح شاهدةً لتأويل الأخبار المتقدّمة ، كذلك تصلح قرينةً لتعيين المراد من الأخبار المستفيضة الآمرة بانتظارها إلى اليوم العاشر.

مثل : موثّقة يونس بن يعقوب عن امرأة رأت الدم في حيضها حتى تجاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلّي؟ قال : «تنتظر عدّتها التي كانت تجلس فيها ثمّ تستظهر لعشرة أيّام» (١).

ومرسلة عبد الله بن المغيرة عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المرأة ترى الدم إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة ، وإن كان أيّامها عشرة لم تستظهر» (٢).

ورواية اخرى ليونس في امرأة ولدت فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، قال عليه‌السلام : «تقعد أيّامها التي كانت تجلس فيها ثمّ تستظهر بعشرة أيّام» (٣).

وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «النفساء إذا ابتليت بأيّام كثيرة مكثت مثل أيّامها التي كانت تجلس قبل ذلك ثمّ تستظهر بمثل ثلثي أيّامها» (٤) الحديث.

فيفهم من الأخبار الدالّة على كونها مخيّرةً في اليوم الثاني والثالث

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٩ ، الإستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩٣ ، الإستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١١.

(٣) التهذيب ١ : ١٧٥ / ٥٠٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٤٠٣ / ١٢٦٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٢٠.

١٠٢

أنّ الأمر بانتظارها إلى العشرة مطلقاً وكذا باستظهارها بمثل ثلثي أيّامها ـ كما في رواية أبي بصير ليس على سبيل الحتم والتعيين ، كما يفهم من هذه الأخبار أنّ ما في بعض الأخبار السابقة من أنّها بعد ثلاثة أيّام أو يومين تصنع كما تصنع المستحاضة إنّما هو رخصة لا عزيمة.

نعم ، لا بدّ من تقييد إطلاق رواية أبي بصير وكذا الأخبار المطلقة الدالّة على أنّها تستظهر يومين أو ثلاثة أيّام بما إذا لم يتجاوز مدّة الاستظهار العشرة ، بل يفهم هذا التقييد من مادّة الاستظهار ، كما هو ظاهر.

فتلخّص لك أنّه يفهم من مجموع الأخبار بعد تأويل بعضها ببعض أنّه يجب عليها الاستظهار ولكنّها مخيّرة بين اليوم واليومين والثلاثة إلى أن يتمّ لها عشرة أيّام من يوم رأت الدم.

وبما ذكرنا في مقام تأسيس الأصل من حكم العقل بالتخيير في دوران الأمر بين المحذورين وتكافؤ الاحتمالين بالأخذ بأحد الاحتمالين وإمكان أن يجعل الشارع التخيير أو الأخذ بأحدهما معيّناً حكماً ظاهريّاً في مقام العمل ظهر لك اندفاع ما ربما يتوهّم من أنّ مرجع التخيير إلى جواز فعل الصلاة وتركها ، فكيف يعقل اتّصافها بالوجوب! مع أنّه يجوز تركها لا إلى بدل.

توضيح الاندفاع : أنّ التخيير بين الأخذ بكلٍّ من الاحتمالين غير التخيير في فعل الصلاة من حيث هي وتركها ، فهو نظير التخيير بين الخبرين المتعارضين أو تقليد المجتهدين المخالفين في الحرمة والوجوب ، وستعرف كونها مخيّرةً في البناء على كونها حائضاً في كلّ شهر ستّة أيّام أو سبعة أيّام في بعض الفروع الآتية ، فهو نظير ما نحن فيه ،

١٠٣

فكلّ ما يقال في توجيه أصل التخيير بالنسبة إلى اليوم السابع وفي تصوير كون المأمور به وهو التحيّض مردّداً بين الأقلّ والأكثر نقول به ها هنا.

وقد أشرنا إجمالاً في مقام تأسيس الأصل إلى ما ينحلّ به شبهة كون التخيير في المأمور به بين الأقلّ والأكثر ، كانحلال الشبهة في أصل التخيير حيث أومأنا إلى كون كلّ زمانٍ لذاته موضوعاً مستقلا للحكم بالتخيير شرعاً أو عقلاً يدور أمر الشارع أو إلزام العقل بالتخيير أو ترجيح أحد الاحتمالين مدار مكافئة الاحتمالين أو أهمّيّة أحدهما في نظر الآمر إمّا بالنظر إلى نفس المحتمل أو بملاحظة قوّة الاحتمال ، فلا مانع من أن يكون مراعاة احتمال كونها حائضاً في اليوم الأوّل بنظر الشارع أهمّ من سائر الأيّام ، كما يساعد عليه الاعتبار ، فأوجب فيه الاستظهار دون ما عداه ، فخيّرها فيما عداه بين الأخذ بكلٍّ من الاحتمالين.

إن قلت : هل الأمر المتعلّق بالاستظهار ثلاثة أيّام ـ مثلاً للوجوب أو للندب ، أو أنّه مستعمل في مطلق الطلب؟

قلت : لا مانع من حمله على ظاهره من الوجوب ، غاية الأمر ثبت من الخارج أنّ خصوصيّة الفرد غير مقصودة بالإلزام ، وليس هذا مانعاً من إرادة الوجوب بالنسبة إلى مطلق الطبيعة ، كما لو أمر المولى عبده بالمشي إلى مكانٍ خاصّ ، وعلم من الخارج أنّ خصوصيّة المكان ومقدار المسافة ممّا لم يتعلّق به إرادته الحتميّة ، وإنّما اختاره عند الأمر بالطبيعة ؛ لما فيه من الخصوصيّة المقتضية لذلك بنظر المولى من دون أن تكون موجبةً لإرادته بالخصوص على سبيل الوجوب.

١٠٤

وكيف كان فربما يقال باستحباب الاستظهار ، بل في المدارك (١) نسبه إلى عامّة المتأخّرين ؛ جمعاً بين الأخبار المتقدّمة الظاهرة في الوجوب وبين جملة من الأخبار التي يُدّعى ظهورها في المنع من الاستظهار.

مثل رواية يونس الطويلة التي سيأتي نقلها بطولها في مبحث الاستحاضة ، الصريحة في أنّ المستحاضة المعتادة لا وقت لها إلّا أيّامها ، وأنّ السنّة في وقتها أن تتحيّض أيّام أقرائها.

وقوله عليه‌السلام في المضطربة المأمورة بالتحيّض سبعاً : «ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع لما قال لها : تحيّضي سبعاً فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيّاماً وهي مستحاضة ، ولو كان حيضها أكثر ، لم يأمرها بالصلاة وهي حائض» (٢) الحديث ؛ فإنّ المستفاد منه أنّ الشارع لم يكن ليأمر بترك الصلاة بعد العادة.

وفي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المستحاضة تنتظر أيّامها فلا تصلّي فيها ولا يقربها بعلها ، وإن جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت وصلّت» (٣).

وموثّقة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المرأة المستحاضة التي لا تطهر ، قال : «تغتسل عند صلاة الظهر ، تصلّي إلى أن قال لا بأس

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٣.

(٢) الكافي ٣ : ٨٣ ٨٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ٣٨٤ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٨٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧ ، و ١٧٠ / ٤٨٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١.

١٠٥

يأتيها بعلها متى شاء إلّا أيّام قرئها» (١).

وموثّقة سماعة «المستحاضة تصوم شهر رمضان إلّا الأيّام التي كانت تحيض فيها» (٢).

ورواية ابن أبي يعفور «المستحاضة إذا مضت أيّام قرئها اغتسلت واحتشت» (٣).

ورواية مالك بن أعين عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال : «تنتظر الأيّام التي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام» (٤).

وصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي كانت تمكث فيها ثمّ تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة» (٥).

وفيه : أنّ الرواية الأخيرة لا بدّ من تقييد إطلاقها بالأخبار المتقدّمة ، وأمّا ما عداها فموردها صراحةً أو ظهوراً إنّما هو ما استمرّ بها الدم واختلط حيضها بالاستحاضة ، فالسنّة في حقّ هذه المرأة جَعْل مصادفة الدم لأيّام الحيض مميّزاً لحيضها إن كانت لها عادة ، وإلّا فالرجوع إلى

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٠ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٧١ / ٤٨٧ ، و ٤٠١ / ١٢٥٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٥ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٨ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١٣.

(٤) التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٥٧ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١.

(٥) الكافي ٣ : ٩٧ / ١ ، التهذيب ١ : ١٧٣ / ٤٩٥ و ١٧٥ / ٤٩٩ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ١.

١٠٦

أوصاف الدم ، ولا يشرع في حقّها الاستظهار جزماً.

ألا ترى إلى رواية إسحاق بن [جرير عن (١)] حريز ، المتقدّمة (٢) حيث أمرها بأن تستظهر بعد عادتها بيوم ، قالت : فإنّ الدم يستمرّ بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال عليه‌السلام : «تجلس أيّام حيضها ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين».

وأمّا الأخبار الآمرة بالاستظهار فموردها غير هذا الفرض جزماً وإن كان قد يتراءى من بعضها الإطلاق ، مثل قوله عليه‌السلام : «المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها ثمّ تحتاط بيوم أو يومين» (٣).

ولكنّ المتعيّن صرف مثل هذه الأخبار لو لم نقل بانصرافها بنفسها إلى إرادة الحكم في الدورة الاولى ؛ جمعاً بينها وبين غيرها من النصوص والفتاوى الدالّة على أنّ السنّة في من استمرّ بها الدم ليس إلّا الرجوع إلى عادتها إن كانت لها عادة ، وإلّا فإلى أوصاف الدم ، وإلّا فإلى الروايات بالتفصيل الآتي ، فلا يجوز لها الاستظهار في الفرض فضلاً عن أن يستحبّ ، كما هو مقتضى هذا الجمع ، بل لا معنى له حيث لم يثبت سنّة في حقّها غير ما ورد التنصيص عليها من ترك الصلاة أيّام أقرائها وإن علمت بانقطاع الدم قبل انقضاء العشرة ؛ فإنّ ما دلّ على أنّ ما تراه المرأة قبل انقضاء العشرة فهو من الحيضة الأُولى فالمراد بها ليس إلّا بيان الحكم فيما لو رأت الدم قبل انقضاء العشرة من يوم رأت الدم.

__________________

(١) أضفناها من التهذيب. وانظر الهامش (١) من ص ٩٥.

(٢) في ص ٩٥.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١٢.

١٠٧

وكذا فتوى الأصحاب بأنّ الدم المنقطع على العشرة مجموعة حيض تنصرف عن مثل الفرض الذي التزمنا بكون ما رأته في عادتها حيضاً من باب التعبّد ، فيشكل حينئذٍ رفع اليد عن ظواهر الأخبار المتقدّمة الدالّة بظاهرها على أنّها بعد أيّام أقرائها مستحاضة مطلقاً.

وكذلك الحصر المستفاد من قوله عليه‌السلام : «ليس لها سنّة غير أن تدع الصلاة أيّام أقرائها» (١).

نعم ، لو قلنا بأنّه عند انقطاعه على العشرة (من عادتها) حيض ، لأمكن أن يشرع في حقّها الاستظهار ، لكن أدلّته منصرفة عنه ، والله العالم.

وأضعف منه الجمع بين الأخبار بحمل وجوب الاستظهار على ما إذا كان الدم بصفة الحيض ، والأخبار الظاهرة في العدم على ما لم يكن بصفة الحيض بشهادة الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ الصفرة بعد أيّام الحيض ليس بحيض (٢).

وفيه مضافاً إلى ما عرفت من عدم المعارضة بين الأخبار ؛ لتغاير موضوعاتها أنّ الأخبار السابقة لا يمكن تقييدها بما إذا كان الدم بصفة الحيض ؛ لما في بعضها من التنصيص على أنّها رأت دماً رقيقاً بعد العادة (٣).

وكذا لا يمكن تنزيل هذه الأخبار المستفيضة الواردة في حكم المستحاضة على ما لو رأت بعد عادتها صفرةً ، فإنّه مخالف لصريح جُلّ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ ٨٨ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ٣٨٥ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٢) انظر : الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الحيض.

(٣) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩٠ ، الإستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٨.

١٠٨

هذه الأخبار.

وأمّا الأخبار الدالّة على أنّ الصفرة بعد أيّام الحيض ليس بحيض فقد عرفت في الفرع السابق أنّه لا بدّ من تأويلها أو تقييدها بما لا ينافي الأخبار (١) الدالّة على أنّ ما تراه قبل العشرة فهو من الحيضة الأُولى.

فالأظهر في مقام الجمع بين الأخبار هو ما ذكرنا من وجوب الاستظهار في الجملة وكونها مخيّرةً إلى العشرة ، ولكنّ الأحوط والأولى فيما عدا اليوم الأوّل مراعاة أقوى الاحتمالين والأخذ بالطرف المظنون ، بل ربما ينزّل اختلاف الأخبار على ذلك ، فيقال : إنّ الأمر بالاستظهار يوماً والبناء على كونها مستحاضةً بعده إنّما هو في مَنْ ظهر أمرها ولو ظنّاً بمضيّ يوم إمّا بانقطاع الدم أو بحصول الظنّ من غلبه الدم واستمراره بأنّه لا ينقطع قبل العشرة.

وكذا الأمر بالاستظهار يومين كما في بعض (٢) الأخبار أو ثلاثة ـ كما في بعضٍ (٣) آخر إنّما هو لمن لم يظهر أمرها إلّا بيومين أو ثلاثة وهكذا إلى العشرة ، فيجب الاستظهار ما لم يحصل الظنّ أو الوثوق بكونها مستحاضةً إلى أن ينقضي العشرة ، فيرتفع حينئذٍ احتمال كونه حيضاً.

والذي يمكن أن يقال في تقريب هذا الجمع هو : أنّ الروايات

__________________

(١) منها ما في الكافي ٣ : ٧٧ / ١ ، والتهذيب ١ : ١٥٦ / ٤٤٨ ، و ١٥٩ / ٤٥٤ ، والوسائل ، الباب ١١ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٦٩ / ٤٨٣ ، و ٤٠٢ / ١٢٥٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١٣ و ١٤.

(٣) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩١ ، الإستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٥ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١٠.

١٠٩

المختلفة ، الصادرة عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم بمنزلة كلامٍ واحد في كون بعضها قرينةً لبعض ، فيكون مجموع هذه الروايات بمنزلة ما لو قال : استظهرت يوماً أو يومين أو ثلاثة أو إلى العشرة ، والمتبادر من الترديد في مثل المقام إرادة التحديدات المختلفة باختلاف الأنواع لا التخيير بين الأقل والأكثر.

وفيه بعد تسليم أظهريّة هذا المعنى من التخيير ـ : أنّ هذا إنّما هو فيما إذا وقع الترديد في روايةٍ واحدة ، وكون كلماتهم بمنزلة كلامٍ واحد إنّما هو باعتبار صلاحيّة كون بعضها قرينةً لبعض ، وعدم احتمال الخطأ والغفلة في حقّهم ، وإلّا فربما يكون لنفس الاتّصال ووحدة الكلام مدخليّة في الظهور.

وقد يكون تعدّد المخاطب مانعاً من تنزيل الروايات على بعض المحامل ، كما فيما نحن فيه ؛ فإنّ من المستبعد جدّاً بل الممتنع عقلاً أن يكون الاستظهار ما دام الشكّ واجباً ، ومع ذلك يُطلق القول في جواب مَنْ سأله عن حكمها على الإطلاق بأنّها تستظهر بيومٍ ثمّ هي مستحاضة ، ضرورة أنّه لا يحسن هذا الجواب إلا على تقدير مشروعيّة عمل المستحاضة بعد اليوم حتى لا تقع في محذور مخالفة الشارع.

وأمّا ظهوره في كون عمل المستحاضة بعد اليوم واجباً عليها مع كونها في الواقع مخيّرةً حيث لا يستلزم الوقوع في مخالفة الشارع فغير ضائر ، نظير الأوامر المتعلّقة بمستحبّات الصلاة ونحوها مع كونها ظاهرةً في الوجوب.

فظهر بما ذكرناه أنّ هذا الجمع في غاية البُعْد وإن كان مراعاته أحوط.

١١٠

وأبعد منه تنزيل إطلاق أخبار اليوم على مَنْ كانت عادتها تسعة أيّام ، وأخبار اليومين على مَنْ كانت عادتها ثمانية ، وأخبار الثلاثة على مَنْ كانت عادتها سبعة ، كما لا يخفى ، بل لا ينبغي الارتياب في عدم إرادته من الأخبار.

وكيف كان (فإن استمرّ) الدم (إلى العاشر) وعملت ما تعمله المستحاضة من صلاتها وصومها بعد أن استظهرت بيومٍ أو يومين (وانقطع) الدم في اليوم العاشر (قضت ما فَعَلَتْه من صومٍ) حيث انكشف بانقطاع الدم كونها حائضاً في مجموع المدّة ، كما تقدّم تحقيقه فيما سبق.

وقد عرفت فيما تقدّم عدم التنافي بينه وبين الأخبار الدالّة على أنّها بعد أن استظهرت بيومٍ أو يومين فهي مستحاضة ؛ لكون هذه الأخبار مسوقةً لبيان تكليفها في مقام العمل ، لا أنّها مستحاضة حقيقةً على الإطلاق ، فراجع.

(وإن تجاوز) دمها العاشر ، تبيّن أنّها كانت مستحاضةً و (كان ما أتت به) بعد الاستظهار من الصلاة والصوم موافقاً لتكليفها الواقعي ، فكان (مجزئاً) وإن لم تعلم به حال الإتيان ؛ إذ لا يعتبر الجزم بالنيّة في صحّة العبادة عند التعذّر جزماً بل مطلقاً على الأقوى.

وما تركته من صلاتها كصومها في مدّة الاستظهار قضته حيث علمت بأنّها لم تكن حائضاً وأنّها مستحاضة ولا وقت لها إلّا أيّامها.

١١١

وأمّا ما ادّعاه بعضٌ تبعاً لصاحب المدارك (١) من ظهور الأخبار الآمرة بالاستظهار في عدم وجوب قضاء ما فاتها في مدّة الاستظهار وأنّها كالحيض ، ففيه : أنّ هذه الأخبار ليست مسوقةً إلّا لبيان تكليفها الفعلي عند مجاوزة الدم وجهلها بكونه حيضاً أو استحاضة ، وأمّا أنّه بعد انكشاف أمرها فهل يجب عليها قضاء ما فاتها من الواجبات المشروطة بالطهور أم لا يجب فليست هذه الأخبار ناظرة إليه قطعاً ، وإنّما يستفاد ذلك من الأدلّة الخارجيّة الدالّة على أنّه يجب عليها قضاء ما فاتها من الصوم مطلقاً ومن الصلاة ما لم تكن حائضاً ، وحيث انكشف أنّها لم تكن حائضاً فيما عدا أيّامها وجب عليها قضاء ما فاتها من الصلاة في تلك الأيّام ؛ إذ لم يخصّص عموم ما دلّ على وجوب القضاء إلّا بالنسبة إلى الحائض وقد انكشف أنّها لم تكن حائضاً.

نعم ، لو استفيد من هذه الأخبار أنّها بعد العادة أيضاً حائض حقيقةً إلى أن ينقضي مدّة الاستظهار ، لتمّ ما ذُكر ، لكن هذه الأخبار بنفسها فضلاً عن غيرها من الأخبار الدالّة على أنّ ذات العادة إذا استحيضت لا وقت لها إلّا أيّامها كادت أن تكون صريحةً في خلافه حيث إنّ مفادها أنّ ترك العبادة في أيّام الاستظهار ليس لعنوان كونها حائضاً ، وإنّما تتركها احتياطاً واستظهاراً ، فإذا انكشف الخلاف ، قضت ما فاتها من الصلاة ، كالصوم.

ودعوى أنّه يفهم من هذه الأخبار أنّ أيّام الاستظهار ملحقة بالحيض حكماً في جميع آثاره التي منها عدم قضاء الصلاة ، ممّا لا ينبغي

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٦.

١١٢

الإصغاء إليها.

وربما يعلّل عدم وجوب القضاء : بأنّها كانت مأمورةً بالترك فلا يستتبعها القضاء.

وفيه مع ما فيه ـ : النقض بما إذا رأت الدم يوماً أو يومين في ابتداء عادتها فتركت ثمّ انقطع ، فإنّها تعيدها جزماً ، كما في رواية يونس ، المعلّلة بعدم كونها حائضاً (١) ، فهذه الرواية بمقتضى عموم تعليلها شاهدة للمطلوب ، والله العالم.

المسألة (الرابعة : إذا طهرت) الحائض ، (جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل) على المشهور ، بل عن الخلاف والانتصار والغنية وظاهر السرائر والتبيان ومجمع البيان وأحكام الراوندي دعوى الإجماع عليه (٢).

وعن ظاهر الصدوق في أوّل كلامه المنع منه (٣) ، لكنّه ذكر بعد ذلك فيما حكي عنه أنّه إن كان الزوج شبقاً وأراد وَطْأها قبل الغسل ، أمرها أن تغسل فرجها ثمّ يجامعها (٤) ، فيحتمل أن يكون مراده من المنع الكراهة.

وكيف كان فيدلّ عليه مضافاً إلى عدم الخلاف فيه ظاهراً إلّا عن أهل الخلاف على ما نسب (٥) إليهم بعد عموم الإباحة أو إطلاقها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٢) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٠٥ ٢٠٦ ، وانظر : الخلاف ١ : ٢٢٨ ، المسألة ١٩٦ ، والانتصار : ٣٤ ، والغنية : ٣٩ ، والسرائر ١ : ١٥١ ، والتبيان ٢ : ٢٢١ ، ومجمع البيان ١ ٢ : ٥٦٣ ، وفقه القرآن ١ : ٥٥.

(٣) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٠٦ ، وانظر : الفقيه ١ : ٥٣.

(٤) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٠٦ ، وانظر : الفقيه ١ : ٥٣.

(٥) نسبه إليهم العلّامة في منتهى المطلب ١ : ١١٧.

١١٣

المستفاد من الكتاب والسنّة ، المقتصر في تقييدها أو تخصيصها بما يفهم من قوله تعالى (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) (١) الظاهر في إرادة مدّة الحيض أخبار مستفيضة :

منها : موثّقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء» (٢).

وموثّقة ابن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحائض ترى الطهر أيقع عليها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا بأس وبعد الغسل أحبّ إليَّ» (٣).

ومرسلة عبد الله بن المغيرة عن العبد الصالح عليه‌السلام : «في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم تمسّ الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل ، وإن فعل فلا بأس به» وقال : «تمسّ الماء أحبّ إليَّ» (٤).

وهذه الروايات كما تراها صريحة في الجواز ، لكن (على كراهية) كما يدلّ عليها المرسلة ، بل وكذا سابقتها.

وعليها ينزّل الأخبار الظاهرة في المنع ، الموافقة لأكثر العامّة على ما قيل (٥).

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٦٦ / ٤٧٦ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٦٧ / ٤٨١ ، الإستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٨ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

(٤) التهذيب ١ : ١٦٧ / ٤٨٠ ، الإستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٧ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

(٥) انظر : جواهر الكلام ٣ : ٢٠٧ ، وكتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٣٨.

١١٤

مثل : موثّقة سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : المرأة تحرم عليها الصلاة ثمّ تطهر فتتوضّأ من غير أن تغتسل أفلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا ، حتى تغتسل» (١).

وموثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا ، حتى تغتسل» قال : وسألته عن امرأة حاضت في السفر ثمّ طهرت فلم تجد ماءً يوماً واثنين أيحلّ لزوجها أن يجامعها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا يصلح حتى تغتسل» (٢).

والتعبير بنفي الصلاح بعد أن سأله عن الحلّيّة بنفسه يشعر بالكراهة ، بل يمكن دعوى ظهوره فيها.

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيض في آخر أيّامها ، قال : «إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل» (٣) فلا تصلح شاهدةً للجمع بين الأخبار بصرف الأخبار المجوّزة على مَنْ أصابه شبق ، والمانعة على مَنْ لم يصبه شبق ؛ لبُعْد تنزيل الأخبار المجوّزة على ذلك ، وأقربيّة حمل المنع المفهوم من الصحيحة على الكراهة خصوصاً مع

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٦٧ / ٤٧٩ ، الإستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٦ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الحيض ، الحديث ٧.

(٢) التهذيب ١ : ١٦٦ ١٦٧ / ٤٧٨ ، الإستبصار ١ : ١٣٦ / ٤٦٥ ، الوسائل ، الباب ٢٧ ، من أبواب الحيض ، الحديث ٦.

(٣) الكافي ٥ : ٥٣٩ / ١ ، التهذيب ١ : ١٦٦ / ٤٧٥ ، و ٧ : ٤٨٦ / ١٩٥٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٥ / ٤٦٣ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

١١٥

ما في تلك الأخبار ممّا يشهد بها ، مضافاً إلى ندرة القائل بالتفصيل حيث لم ينقل ذلك إلّا من ظاهر الصدوق.

هذا ، مع أنّه لا يبعد دعوى أنّه لا يفهم من هذه الصحيحة في حدّ ذاتها إلّا كراهة الفعل ؛ لأنّ تعليق الرخصة بإصابة الشبق الذي هو عبارة عن شدّة الميل إنّما يناسب الكراهة ، كما لا يخفى.

وكيف كان فظاهر الأمر بغسل الفرج الوجوب الشرطي ، فمقتضاه توقّف حلّيّة الوطء على غسل الفرج ، كما عن صريح الغنية وظاهر الخلاف والمبسوط (١) وغيرهما ، بل في كشف اللثام نسبته إلى ظاهر الأكثر (٢).

ويدلّ على الاشتراط أيضاً رواية أبي عبيدة ، الآتية (٣).

وحكي عن ظاهر التبيان والمجمع وأحكام الراوندي توقّفه على أحد الأمرين من غسل الفرج ومن الوضوء (٤) ، ولم يتّضح مستندهم في الأخير.

قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله : لم نعثر على دليلٍ لاعتبار الوضوء عيناً أو تخييراً ، وجوباً أو استحباباً (٥).

__________________

(١) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٠٧ ، وانظر : الغنية : ٣٩ ، والخلاف ١ : ٢٢٨ ، المسألة ١٩٦ ، والمبسوط ١ : ٤٤.

(٢) كشف اللثام ٢ : ١٣٠.

(٣) تأتي في ص ١١٨.

(٤) الحاكي عنها هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ١٣٠ ، وانظر : التبيان ٢ : ٢٢١ ، ومجمع البيان ١ ٢ : ٥٦٣ ، وفقه القرآن ١ : ٥٥.

(٥) كتاب الطهارة : ٢٣٨.

١١٦

وعن صريح السرائر والمنتهى والمعتبر والذكرى والبيان والروض : الندب (١).

ولعلّه لا يخلو عن قوّة ؛ لأنّ حمل الأمر بالأمر بغسل الفرج في صحيحة محمَّد بن مسلم على الاستحباب أهون من تقييد المطلقات الواردة في مقام البيان ، خصوصاً مع تصريح السائل في رواية ابن المغيرة بعدم مسّها للماء ؛ فإنّ المتبادر منه وإن كان إرادة الاغتسال إلّا أنّ غسل الفرج لو كان واجباً لكان التنبيه عليه في جوابه لازماً ، ولم يكن يحسن إطلاق نفي البأس في جوابه والتعبير بكون مسّ الماء أحبّ ، المشعر بعدم وجوب مسّ الماء مطلقاً ولو لغسل الفرج.

ولكنّ الإنصاف أنّ رفع اليد عن ظاهر الصحيحة أيضاً لا يخلو من إشكال ، فالاحتياط لا ينبغي تركه.

واستدلّ أيضاً لجواز الوطء بعد النقاء مطلقاً بمفهوم قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ) (٢) بالتخفيف كما عن السبعة (٣) ، فإنّ ظاهره

__________________

(١) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها : ٣ : ٢٠٨ ، وانظر : السرائر ١ : ١٥١ ، ومنتهى المطلب ١ : ١١٨ ، والمعتبر ١ : ٢٣٦ ، والذكرى ١ : ٢٧٢ ، والبيان : ٢٠ ، وروض الجنان : ٨١.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٣) حكاه عنهم المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٣٣ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٧٩ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٢٤٤. والقُرّاء السبعة هُمْ : حمزة بن حبيب الزيّات ، وعاصم بن أبي النجود ، وعليّ بن حمزة الكسائي ، من الكوفة ، وأبو عمرو بن العلاء ، من البصرة ، وابن عامر ، من الشام ، ونافع بن عبد الرحمن ، من المدينة ، وعبد الله بن كثير ، من مكة. انظر : السبعة في القراءات : ١٨٢ ، وحجّة القراءات : ١٣٤ ١٣٥ ، والحجّة للقراءات السبعة لأبي عليّ الفارسي ٢ : ٣٢١ ، والتذكرة في القراءات ٢ : ٣٣٣.

١١٧

إرادة النقاء من الحيض.

واعترض بقراءة التشديد ، الظاهرة في إرادة الاغتسال ، كما في آية الجنب (١) ، أو غسل الفرج على أبعد الاحتمالين.

وأُجيب : بكثرة مجي‌ء «تفعّل» بمعنى «فعل».

ونوقش : بأنّ حمل الطهارة على إرادة الطهارة عن حدث الحيض أقرب من استعمال «تفعّل» بمعنى «فعل» خصوصاً مع اعتضاده بالفقرة اللاحقة ، وهي قوله تعالى (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) (٢) ولكنّك خبير بأنّ هذه الترجيحات إنّما تتمشّى على تقدير تسليم كون الآية المختلف في قراءتها بمنزلة آيتين متواترتين.

وفيه كلام سيأتي التعرّض له في كتاب الصلاة إن شاء الله.

ثمّ لو سلّمنا ترجيح ظهور قراءة التشديد على الأُخرى ، وجوّزنا الأخذ بالأرجح ، يجب علينا تأويله بنصّ أهل البيت عليهم‌السلام الذين هم أدرى بما فيه ، وقد صرّحوا في ضمن الأخبار المستفيضة المشهورة بين الأصحاب ، المخالفة للعامّة بجوازه.

ثمّ إنّه لو قيل بحرمة الوطء قبل الاغتسال ، كما حكي عن ظاهر الصدوق في صدر كلامه أو قيل بكراهته كما هو المشهور فهل يباح أو تزول الكراهة بالتيمّم أم لا؟ وجهان : من عموم البدليّة ، ورواية أبي عبيدة عن الصادق عليه‌السلام ، في الحائض ترى الطهر في السفر وليس

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٢٢.

١١٨

معها من الماء وقد حضرت الصلاة ، قال عليه‌السلام : «إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثمّ تتيمّم وتصلّي» قلت : فيأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال : «نعم ، إذا غسلت فرجها وتيمّمت فلا بأس» (١) ورواية عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام إذا تيمّمت من الحيض هل تحلّ لزوجها؟ قال : «نعم» (٢) ومن ضعف الروايتين سنداً وعدم الجدوى بعموم البدليّة بعد تسليمه ؛ فإنّ عموم البدليّة إنّما يجدي فيما عدا الجماع الذي يمتنع اجتماعه مع أثر التيمّم ، فلا يعقل أن تكون الطهارة الحكميّة الحاصلة منه مؤثّرةً في إباحة الوطء ، المشروطة بوقوعه حال الطهارة عن حدث الحيض.

نعم ، لو قيل بأنّ المحرَّم أو المكروه إنّما هو وطؤ مَنْ كان محدثاً بحدث الحيض قبل الوطء لا حينه ، أو قيل بأنّ التيمّم الذي هو بدل من غسل الحيض لا ينتقض بسائر الأحداث ، لتمّ ما ذُكر بناءً على عموم البدليّة ، لكن في المقدّمتين تأمّل وإن لا تخلو الأخيرة منهما عن وجه ، كما ستعرفه في مبحث التيمّم إن شاء الله.

وأمّا الروايتان فطرحهما مشكل ، لكن قد يعارضهما ما في الموثّق عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن امرأة حاضت ثمّ طهرت في سفر فلم تجد الماء يومين أو ثلاثة هل لزوجها أن يقع عليها؟ قال : «لا يصلح لزوجها أن يقع عليها حتى تغتسل» (٣) لأنّ النهي عن المواقعة في اليومين أو الثلاثة يلزمه

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٠ / ١٢٥٠ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠٥ / ١٢٦٨ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٣٩٩ / ١٢٤٤ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

١١٩

أن لا يجديها تيمّمها الصادر منها لصلاتها.

اللهمّ إلّا أن يقال بعدم كون الموثّق ناظراً إلى المنع من مواقعتها ما دامت محدثة بحدث الحيض. والروايتان حاكمتان على مثل هذا الإطلاق ، بل مطلق ما دلّ على بدليّة التيمّم من الغسل حاكم عليه لولا المناقشة المتقدّمة.

هذا ، مع إمكان الجمع بين الروايات على القول بكراهة الوطء بالالتزام بخفّتها بغسل الفرج والتيمّم وعدم ارتفاعها بالمرّة إلّا بالغسل ، فليتأمّل.

المسألة (الخامسة : إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضى من الوقت مقدار) أداء (الصلاة) بحسب حالها من القصر والإتمام والسرعة في الأفعال والبطء والصحّة والمرض ونحو ذلك (و) مقدار فعل (الطهارة) كذلك من الوضوء والغسل والتيمّم بحسب ما هي مكلّفة في ذلك الوقت ولم تفعل (وجب عليها القضاء) إذا طهرت بلا خلاف فيه في الجملة.

ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع ـ : موثّقة يونس بن يعقوب في امرأة دخل عليها وقت الصلاة وهي طاهر فأخّرت الصلاة حتى حاضت ، قال عليه‌السلام : «تقضي إذا طهرت» (١).

وخبر عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٢ / ١٢١١ ، الإستبصار ١ : ١٤٤ / ٤٩٣ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

١٢٠