مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

اليد عنها بالمرّة.

وأمّا اضطراب متنها فلا يوجب إلّا إجمالها من حيث تعيين الجانب. وأمّا دلالتها على عدم كون الأوصاف مرجعاً في مثل الفرض فلا ، بل وكذا يفهم منها عدم كون قاعدة الإمكان التي سيأتي التكلّم فيها بعد تسليم عمومها مرجعاً في المقام ، بل المتعيّن فيه بمقتضى القواعد على تقدير تسليم الإجمال إنّما هو الرجوع إلى استصحاب الحالة السابقة الموافقة لأحد الاحتمالين.

وأمّا ما قيل في توهن الرواية بمخالفتها للاعتبار ؛ لجواز كون القرحة في كلٍّ من الجانبين. فممّا لا ينبغي الالتفات إليه ؛ إذ من الجائز أن يكون حصول القرحة التي يسيل منها دم يشتبه بدم الحيض في أحد الجانبين ممّا يندر أو يمتنع عادةً ؛ لما فيه من الموانع التي لا نعلمها ، أو يكون للاستلقاء بالكيفيّة الخاصّة مدخليّة في استقرار دم القرحة في مقرّ خاصّ وخروجه من مجرى معيّن ، وأمّا دم الحيض فلقوّته وتدافعه لا يخرج إلّا من مخرجه الطبيعيّ.

وكيف كان فلا يلتفت إلى مثل هذه الاعتبارات في الأحكام الشرعيّة التعبّديّة.

ثمّ إنّ مقتضى ما نقله عن الشهيد وابن طاوُس رحمهما‌الله إنّما هو وقوع التشويش والاضطراب في نسخة التهذيب ، فهي بنفسها مع قطع النظر عن المرجّحات الخارجيّة لا تصلح لمكافئة الكافي.

ولكنّ الإنصاف أنّ المتأمّل في القرائن الخارجيّة لا يكاد يرتاب في صحّة النُّسخ الموافقة للمشهور ، وكون النُّسخ القديمة الموافقة للكافي من

٢١

تحريفات النُّسّاخ ، ولعلّ منشأها عرضها على الكافي ومقابلتها معه.

منها (١) : فتوى الشيخ في النهاية والمبسوط بمضمونه ؛ فإنّ من المستبعد جدّاً أن تكون فتواه في الكتابين مخالفةً لما رواه في التهذيب ، مع أنّ الظاهر انحصار مدركها فيه.

ومنها : ما نقل عن بعض المحقّقين أنّه قال : اتّفقت نسخ التهذيب على المشهور (٢) ؛ فإنّ اتّفاقها في الأعصار المتأخّرة يؤيّد كون ما رواه الشهيد من النُّسخ القديمة مصحّفةً ، كما يؤيّده عدم تعرّض المحشّين ـ على ما قيل (٣) لبيان كون المورد من مواقع الاشتباه ، مع أنّ عادتهم التعرّض لبيان مثل ذلك.

ومنها : فتوى المشهور قديماً وحديثاً على ما يوافقه ، فإنّ ما في التهذيب على تقدير كونه اشتباهاً من الشيخ أو من غيره إنّما يعقل أن يؤثّر في فتوى مَنْ تأخّر عن الشيخ لا مَنْ تقدّم عليه ، ولذا قيل (٤) : إنّ رواية الشيخ أثبت ؛ لموافقتها لما ذكره المفيد والصدوق في المقنع والفقيه ـ الذي ضمن صحّة ما فيه وكونه مستخرجاً من الكتب المشهورة ولرسالة علي بن بابويه ، التي قيل (٥) في حقّها : إنّها كانت مرجع جميع مَنْ تأخّر عنه عند إعواز النصّ ؛ لكونها من متون الأخبار ، وكذا نهاية الشيخ على ما قيل (٦) ، وعن الفقه الرضوي أيضاً ما يوافقها (٧).

__________________

(١) أي : من القرائن.

(٢) كما في جواهر الكلام ٣ : ١٤٦.

(٣) كما في جواهر الكلام ٣ : ١٤٥.

(٤) انظر : كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ١٨٧.

(٥) انظر : كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ١٨٧.

(٦) انظر : كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ١٨٧.

(٧) انظر : كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ١٨٧ ، والفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٩٣.

٢٢

وكيف كان فلا شبهة في أنّه يستكشف من فتوى الصدوق ونظرائه ثبوت رواية موافقة لما عليه المشهور في الأُصول المعتبرة التي يعتمد عليها مثل الصدوق ؛ لأنّه يمتنع عادةً أن يصدر مثل هذه الفتوى من مثلهم عن حدسٍ واجتهاد من دون أن يصل إليهم رواية معتبرة ، فإن كانت هذه الرواية ما رواه الشيخ في التهذيب كما هو المظنون لو لم نقل بكونه المقطوع به فهو ، وإلّا فنقول : هذه الرواية التي استكشفناها إجمالاً من فتوى مثل هؤلاء الإعلام لا يعارضها ما في الكافي ؛ لشذوذه وإعراض الأصحاب عنه.

فظهر لك أنّه لا حاجة لنا إلى إثبات أرجحيّة ما في التهذيب بخصوصه ممّا في الكافي حتى يتوهّم أنّ الأشياء المذكورة إنّما تفيد الظنّ بعدم وقوع الاشتباه من الشيخ في نقله ، وأنّه أوثق من الكليني في خصوص المقام ، ولا دليل على اعتبار مثل هذا الظنّ حيث إنّ المقام ليس من قبيل تعارض الخبرين حتى يترجّح أحدهما بالشهرة أو بالأوثقيّة أو بغيرها من المرجّحات ؛ إذ الظاهر بل المقطوع به كونهما روايةً واحدة وقد وقع الاختلاف في نقلها ، ولا دليل على اعتبار المرجّحات في مثل الفرض.

هذا ، مع أنّ التوهّم فاسد من أصله ؛ لاستقرار سيرة العلماء بالاعتناء بمثل هذه المرجّحات في تعيين ألفاظ الرواية ، فيمكن الاستدلال عليه أوّلاً : ببناء العقلاء على الاعتناء بمثل هذه الترجيحات لدى الحاجة ، كما في ترجيح أقوال اللغويّين بعضها على بعض.

وثانياً : باستفادته ممّا ورد في الأخبار المتعارضة إمّا بتنقيح المناط ؛

٢٣

للقطع بأنّ الأمر بالأخذ بقول مَنْ كان أوثق وأصدق من الراوين ليس إلّا لكون احتمال صدوره من الإمام أقوى ، أو بدعوى عدم قصور ما ورد في الأخبار المتعارضة عن شمول مثل الفرض ؛ إذ المناط ليس صدور أخبار متعارضة عنهم عليهم‌السلام ، وإلّا فلا معنى للأخذ بقول الأصدق والأوثق ، بل المناط بلوغ روايتين مختلفتين إلينا ، وهذا كما يصدق فيما لو نسبهما الراويان إلى الإمام عليه‌السلام بحيث تتعدّد الرواية اصطلاحاً ، كذلك يصدق في مثل الفرض ؛ لصدق قولنا : روينا عن الكليني بإسناده إلى الإمام عليه‌السلام كذا ، وروينا عن الشيخ كذا ، فقد بلغنا عن الإمام عليه‌السلام في الفرض روايتان مختلفتان وإن اتّحدتا اصطلاحاً ببعض الاعتبارات.

إن قلت : فمقتضى ما ذكرت الحكم بالتخيير على تقدير تكافؤ الاحتمالين لا التساقط ، كما هو المختار في تعارض الخبرين ، وهذا ينافي ما تقدّم من أنّ المتعيّن ـ على تقدير تكافؤ الاحتمالين الرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما.

قلت : الظاهر اختصاص الحكم بالتخيير في الخبرين المتعارضين بما إذا لم يعلم بكذب أحدهما واحتمل صدورهما معاً من الشارع ؛ لأنّ حكمته على ما يستفاد من جملة من الأخبار التسليم والانقياد لأمر الشارع ، وعدم رفع اليد عنه مهما أمكن ، وهذا إنّما يتصوّر فيما إذا أُحرز أمر الشارع بكلِّ منهما إمّا بالسمع أو بالتواتر أو بإخبار الثقات [الذين (١)] لا يعتنى باحتمال كذبهم.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «ض ٦ ، ٨» والطبعة الحجريّة : التي. والصحيح ما أثبتناه.

٢٤

توضيح المقام : أنّ الملحوظ أوّلاً وبالذات في الأخبار الواردة في علاج المتعارضين على ما يشهد به التأمّل فيها إنّما هو ترجيح أحد الخبرين على الآخر من حيث طريقيّته لإثبات الحكم الشرعيّ الواقعيّ ، وبعد أن فرض السائل تساويهما من جميع الجهات من حيث طريقيّتهما لإثبات متعلّقهما أمر الإمام عليه‌السلام بالأخذ بأحدهما مخيّراً تسليماً لأمر الشارع ، ومرجعه في الحقيقة إلى أنّ الطريقين لمّا تكافئا من حيث طريقيّتهما للواقع تساقطا عن الاعتبار من هذه الجهة ، ولكنّهما بعدُ باقيان على طريقيّتهما من حيث كشفهما عن صدور الأمر من الشارع ؛ إذ لا معارضة بينهما من هذه الجهة ؛ لإمكان صدورهما معاً وعدم كون أحدهما أو كليهما لبيان الحكم الواقعي النفس الأمريّ ، فيكون التكليف بعد إحراز صدور الخطابين المتنافيين من الشارع بالعلم أو بطريقٍ معتبر الأخذ بأحدهما مخيّراً من حيث وجوب التسليم والانقياد ، لا من حيث كشفه عن الحكم الواقعي ، فإنّ لامتثال الأوامر الصادرة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصيائه ـ صلوات الله عليهم جهتين من الوجوب ، كما لا يخفى.

والحاصل : أنّ الحكم بالتخيير إنّما هو فيما أمكن صدور الروايتين من الشارع ، وأمّا الرجوع إلى المرجّحات السنديّة فمورده أعمّ من ذلك ، فإنّه يعمّ ما لو علم كذب إحداهما كما فيما نحن فيه ، فليتأمّل.

ثمّ لا يخفى عليك أنّه بناءً على حرمة عبادة الحائض ذاتاً لا يمكن الاحتياط عند اشتباه دم الحيض بدم القرحة أو غيرها ؛ لدوران الأمر بين المحذورين.

فما في الجواهر بعد ترجيح رواية التهذيب من أنّ سبيل

٢٥

الاحتياط غير خفيّ (١) ، على إطلاقه محلّ نظر.

بقي الكلام فيما ذكره في المدارك من تأييد ظاهر عبارة المصنّف وصريح غيره من اعتبار الجانب مطلقاً بأنّ الجانب إن كان له مدخل في حقيقة الحيض ، يجب اطّراده (٢).

وفيه : أنّه يمكن أن يكون منشؤ اعتباره الغلبةَ ، فهي أمارة ظنّيّة قد اعتبرها الشارع في موردٍ خاصّ ، كسائر الأمارات المعتبرة في باب الحيض ، كأوصاف الدم ، وكونه في أيّام العادة ، وخروج القطنة غير مطوّقة ، ونحوها ، فلا يجوز التخطّي عن المورد المنصوص إلّا بعد القطع بعدم مدخليّة خصوصيّته في طريقيّتها ولا في اعتبارها شرعاً.

اللهم إلّا أن يدّعى أنّ احتمال مدخليّة القرحة في خروج الدم من الأيسر ليس احتمالاً عقلائيّاً.

وأمّا احتمال كونه أمارةً شرعيّة اعتبرها الشارع لأجل الغلبة كسائر الأمارات المعتبرة في باب الحيض فهو احتمال قويّ ولكنّ الرواية بظاهرها تدلّ على أنّ ما يخرج من الأيمن ليس بحيض حقيقةً ، وما يخرج من الأيسر لا يكون من القرحة ، ومقتضى حمل الرواية على ظاهرها هو الالتزام بكون كلٍّ من الوصفين معرّفاً حقيقيّا لكلٍّ من الدمين ؛ لأنّ ظاهر الشرطيّة كونها لزوميّةً لا غالبيّةً أو اتّفاقيّةً. وكون سائر الأمارات أوصافاً غالبيّة لا يصلح قرينةً لرفع اليد عن ظاهر هذه الرواية.

ولكنّ الإنصاف أنّه يشكل رفع اليد بمثل هذا الظاهر عن الإطلاقات

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ : ١٤٦.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣١٨.

٢٦

والعمومات المقتضية للحكم بالحيضيّة عند اجتماع شرائطها ، ككونه في أيّام العادة ، ونحوه ؛ لقوّة الظنّ لو لم ندّع القطع بكون الوصفين أمارةً شرعيّة تعبّديّة منشأ اعتبارها الغلبة ، لا من الأوصاف التي لا تتخلّف ، والله العالم.

ولو شكّت في وجود القرحة واحتملت كون الدم منها على تقدير وجودها ، لا يجب عليها الفحص والاختبار ؛ لأصالة السلامة ، وعدم وجوب الفحص.

ولو اختبرت وعلمت بخروج الدم من الأيمن ولم نقل باعتبار الجانب مطلقاً ـ كما هو الأظهر فهل يبنى على أنّه من القرحة؟ وجهان : من اختصاص النصّ بصورة العلم بوجودها ، ومن أنّ خصوصيّة المورد لا توجب قصر الحكم ، كما عرفت في المشتبه بدم العذرة ، لا يخلو أوّلهما عن وجه ؛ لأنّ دعوى القطع بعدم مدخليّة الخصوصيّة في المقام مشكلة جدّاً ؛ لأنّ كون القرحة الموجودة في الجوف على وجه يدرك وجودها وشأنيّتها لأن يسيل منها دم مشتبه بالحيض يورث قوّة الظنّ بكون الدم الخارج من الأيمن منها ، وهذا بخلاف ما لو كانت الشبهة في أصل وجودها ؛ فإنّه يبعد كون الدم المشتبه بالحيض من قرحة غير معلومة التحقّق ، فيشكل استفادة اعتبار الجانب في هذه الصورة من الدليل الدالّ على اعتباره في الفرض الأوّل ، والله العالم.

ثمّ إنّه نقل عن كاشف الغطاء إلحاق الجرح بالقرح معلّلاً بعدم التميز

٢٧

بينهما في الباطن ، وبأنّهما في المعنى واحد (١).

وفيه نظر ظاهر.

(وأقلّ الحيض ثلاثة أيّام) فما نقص منها ليس بحيض ؛ لما سيتّضح لك من أنّ سيلان الدم في ثلاثة أيّام في الجملة من مقوّمات ماهيّة الحيض نصّاً وإجماعاً ، فلا يعقل تحقّقها في ضمن الأقلّ من الثلاثة.

وما في خبر إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المرأة الحبلى التي ترى الدم اليوم و (٢) اليومين ، قال عليه‌السلام : «إن كان الدم عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (٣) مطروح أو مأوّل ، كما سيتّضح لك في محلّه ، وعلى تقدير كونه حجّةً فهو مخصوص بمورده.

(وأكثره عشرة) أيّام ، فلو رأت الدم بعدها ، فليس من الحيض.

وما في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «أكثر ما يكون من الحيض ثمان ، وأدنى ما يكون منه ثلاثة» (٤) لأجل مخالفته للإجماع والأخبار المستفيضة بل المتواترة يجب ردّ علمه إلى أهله.

ولا يبعد أن يكون المراد منه بيان الأكثر منه بمقتضى عادة النساء في الغالب لا التحديد الشرعيّ.

(وكذا) أي : ومثل أكثر الحيض (أقلّ الطهر) في كونه عشرة أيّام ،

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٨٨ ، وانظر : كشف الغطاء : ١٢٩.

(٢) في «ض ٦ ، ٨» والاستبصار : «أو» بدل «و».

(٣) التهذيب ١ : ٣٨٧ / ١١٩٢ ، الإستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٣ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٦.

(٤) التهذيب ١ : ١٥٧ / ٤٥٠ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١٤.

٢٨

فلا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام بلا خلاف بل ولا إشكال في شي‌ء منها إجمالاً ، كما يدلّ عليها المعتبرة المستفيضة التي سيأتي التعرّض لنقل جملة منها إن شاء الله.

ولا حدّ لأكثر الطهر قطعاً ؛ ضرورة دوران الحيضيّة مدار رؤية الدم ، وهي أمر غير قابل لأن يكون له حدّ شرعيّ.

وما حكي عن أبي الصلاح من تحديد أكثره بثلاثة أشهر (١) ، فلعلّه أراد بيان عدم تجاوزه عنها في الأفراد الغالبة لا التحديد الشرعيّ ، وإلّا فهو بظاهره ظاهر الفساد ؛ إذ لا يمكن الالتزام بالحيضيّة ما لم تر دماً.

وكيف كان فلا شبهة في شي‌ء من الأحكام المذكورة (و) إنّما الإشكال في أنّه (هل يشترط التوالي في الثلاثة) أيّام التي أشرنا إلى توقّف الحيضيّة على رؤية الدم فيها ، فلو رأت الدم يوماً أو يومين ثمّ انقطع فرأت في الخامس والسادس مثلاً ، فليس بحيضٍ كما عن المشهور (٢) (أم) لا يشترط بل (يكفي كونها من جملة العشرة؟) كما عن النهاية والاستبصار والمهذّب وظاهر مجمع البرهان وصريح كاشف اللثام والحدائق ناقلاً له عن بعض علماء البحرين أيضاً (٣) ، بل يظهر من الحدائق (٤) أنّه يكفي كونها في مدّة لا يتخلّل بين أبعاضها الفصل بأقلّ

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ١٩٣ ، المسألة ١٣٩ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٢٥٩ (الفرع الرابع) وانظر : الكافي في الفقه : ١٢٨.

(٢) نسبه إليه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ١٥٩ ، وصاحب الجواهر فيها ٣ : ١٤٩.

(٣) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٣ : ١٥٣ ، وانظر : النهاية : ٢٦ ، والاستبصار ١ : ١٤١ ذيل الحديث ٤٨٣ ، والمهذّب ١ : ٣٤ ، ومجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٤٣ ، وكشف اللثام ٢ : ٦٥ ، والحدائق الناضرة ٣ : ١٥٩.

(٤) الحدائق الناضرة ٣ : ١٦٠ ١٦١.

٢٩

الطهر ، فلو رأت يوماً وانقطع ثمّ رأت في اليوم التاسع ثمّ انقطع ثمّ رأت بعد تسعة أيّام ، يكون الدم المرئي في هذه الأيّام الغير المتخلّلة بأقلّ الطهر حيضاً ، بل الظاهر التزامه بإمكان حصول حيضة واحدة في ضمن أحد وتسعين يوماً بأن ترى في كلّ رأس عشرة يوماً ، فيكون مجموع زمان حيضها عشرةً ، وهي أكثر الحيض ، وأمّا الأيّام المتخلّلة التي لم تر فيها دماً فليست عنده من الحيض ، بل يجب عليها في هذه الأيّام الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات المشروطة بالطهور.

ولا يبعد التزام القائلين بعدم اعتبار التوالي بكفاية رؤية الدم في ساعات كثيرة متخلّلة بالنقاء إذا بلغ مجموع تلك الساعات مقدار ثلاثة أيّام من جملة العشرة ، بل قضيّة استدلال صاحب الحدائق على مذهبه : الالتزام بذلك وإن طالت المدّة ما لم يتخلّل الفصل بين أبعاض الدم بعشرة أيّام.

واستدلّ للمشهور : بأُمور :

منها : الأُصول الكثيرة الجارية في المقام ، التي مرجعها إلى أصالة عدم الحيض ، واستصحاب الأحكام الثابتة قبل خروج ما يشكّ في حيضيّته.

وسيأتي التكلّم في تحقيق الأصلين وبيان عدم صلاحيّة شي‌ء من الاصول لمعارضتهما ، ولكنّ الاستدلال بالأصل إنّما يتمّ على تقدير إبطال دليل الخصم.

ومنها : العمومات المثبتة للتكاليف مثل الصلاة والصوم وسائر العبادات المقتصر في تخصيصها على الحائض المعلوم حيضها.

٣٠

وفيه : أنّ الأدلّة مخصّصة بالنسبة إلى مَنْ كانت حائضاً في الواقع ، لا مَنْ علم حيضها ، والشكّ إنّما هو في كون الفرد من مصاديق المخصّص أو العامّ ، وقد تقرّر في محلّه عدم جواز التشبّث بالعمومات في الشبهات المصداقيّة.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ المخصّص مجمل مردّد بين الأقلّ والأكثر ، ففيما عدا القدر المتيقّن يرجع إلى حكم العامّ ، فتأمّل.

ومنها : ما عن الفقه الرضوي «فإن رأت الدم يوماً أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر الدم ثلاثة أيّام متواليات ، وعليها أن تقضي الصلاة التي تركتها في اليوم واليومين» (١).

وضعفه مجبور باشتهار الفتوى بمضمونه شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً على ما ادّعاه بعض (٢).

وفيه : أنّ انجبار ضعف الرواية بفتوى المشهور ما لم يكن استنادهم إليها في الفتوى لا يخلو عن إشكال.

ومنها : أنّ المتبادر من الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ أقلّ الحيض ثلاثة كونها متواليةً.

ولا بدّ في تتميم الاستدلال بهذه الأخبار من نقلها والتكلّم في مفادها.

فمنها : صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «أقلّ

__________________

(١) أورده عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ١٦٥ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٩٢.

(٢) انظر : مستند الشيعة ٢ : ٣٨٩.

٣١

ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثره ما يكون عشرة أيّام» (١).

وصحيحة صفوان بن يحيى ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن أدنى ما يكون من الحيض ، فقال : «أدناه ثلاثة وأبعده عشرة» (٢).

وصحيحة يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «أدنى الحيض ثلاثة وأقضاه عشرة» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة بهذا المضمون.

وهذه الأخبار بأسرها صريحة في أنّ زمان الحيض لا يقصر عن ثلاثة أيّام ولا يتعدّى عن العشرة ، وقد أشرنا في صدر المبحث أنّ الحيض إمّا عبارة عن نفس الدم المعهود مسامحة أو عن سيلانه ، فالروايات بظاهرها مسوقة لتحديد مدّة سيلان الدم المعهود المسمّى بالحيض ، فكأنّه قال : مدّة خروج الدم المعهود لا تقصر عن ثلاثة أيّام ولا تزيد عن العشرة ، وإطلاق الحيض على الصفة الحادثة في الحائض ـ أعني اتّصافها بالحائضيّة مجاز لا تحمل الروايات عليه ، مع أنّه على تقدير إرادة هذا المعنى من الروايات بأن تكون مسوقةً لبيان زمان إمكان الاتّصاف بالحائضيّة لا لبيان مدّة خروج دم الحيض من حيث كونه دم الحيض ، فهي أيضاً تدلّ بالالتزام على أنّ مدّة خروج دم الحيض لا تقصر عن ثلاثة أيّام ؛ لأنّ اتّصاف المرأة بالحائضيّة إنّما هو باعتبار سيلان الدم

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٥ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٧٥ ٧٦ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٥٦ / ٤٤٦ ، الإستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٥٦ / ٤٤٧ ، الإستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٨ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١٠.

٣٢

منها ، وإلّا فقبل رؤية الدم ولو بمقدار دقيقة وكذا بعد انقطاع الدم ليست بحائض قطعاً ، والحكم بكونها حائضاً مع النقاء في بعض الموارد حكميّ لا حقيقيّ.

وكيف كان فلا ريب في أنه يستفاد من مجموع هذه الروايات وغيرها من الروايات التي سيأتي بعضها استفادة قطعيّة أنّه يعتبر في دم الحيض أن يكون مدّة خروجه ثلاثة أيّام ، ولا شبهة في أنّ المتبادر من قوله عليه‌السلام : «أقلّ الحيض ثلاثة أيّام وأكثره عشرة» ليس إلّا إرادة أنّه لا يتحقّق أقلّ الحيض إلّا بأن يمتدّ زمانه خروجه ويستمرّ إلى ثلاثة أيّام وانقطع عليها ، وإن لم ينقطع واستمرّ إلى عشرة أيّام ، فهذا أقصى الحيض ، فلا يكون بعدها الدم حيضاً ، ويفهم منه بالالتزام أنّه لو انقطع فيما بين الحدّين فهو وسط الحيض ، فلو لم يكن لنا في باب الحيض غير الروايات الواردة بهذا المضمون ، لكُنّا نحكم حكماً جزميّاً بأنّه لو رأت الدم ثلاثة أيّام أو أربعة مثلاً ثمّ انقطع يوماً ثمّ رأت بعده يوماً أو يومين ، فإنّ الدم الثاني ليس بحيض ؛ لأنّه في حدّ ذاته فرد مستقلّ للدم ، وزمانه أقلّ من ثلاثة أيّام ، فلا يكون حيضاً بمقتضى هذه الروايات ، وإنّما نحكم بحيضيّته لأجل سائر الأدلّة الحاكمة على هذه الروايات الدالّة على أنّ ما تراه قبل انقضاء عشرة أيّام فهو حيض ومعدود من أجزاء الحيضة الأُولى وليس فرداً مستقلا بانفراده ، فهذه الأدلّة حاكمة على الروايات الدالّة على أنّ دم الحيض لا يقصر عن ثلاثة أيّام ، ومفسّرة لمدلولها ، فلولا هذه الأدلّة لكُنّا نجزم بعدم حيضيّته ، لا لمجرّد دعوى تبادر كون أيّام الحيض متواليةً ، بل لوجوب كون مجموع الدم السائل حيضةً واحدة ، وهذا

٣٣

يتوقّف على استمرار الدم واتّصال بعض أجزائه ببعض عرفاً بحيث لا يتخلّل بينها زمان معتدّ به ، وإلّا فكلّ جزء بنفسه فرد مستقلّ لرؤية الدم ، فله حكمه ، إلّا أن يدلّ دليل تعبّديّ على عدم الاعتناء بالفصل ، وكون المجموع بنظر الشارع فرداً واحداً.

وبهذا ظهر لك فساد الاعتراض على مَنْ يدّعي تبادر اعتبار التوالي والاستمرار في أقلّ الحيض من هذه الأدلّة بأنّه لو دلّت على اعتبار التوالي في أقلّ الحيض ، لدلّت على اعتباره في أكثره مع أنّه غير معتبر فيه إجماعاً.

توضيح الفساد : أنّ مفاد هذه الروايات ليس إلّا أنّ أقلّ الحيض ـ الذي هو عبارة عن رؤية الدم وسيلانه أن يمتدّ زمانه إلى ثلاثة أيّام ، وأكثره أن يمتدّ إلى عشرة أيّام ، فلو انقطع بعض الدم عن بعض باعتبار سيلانه ، يكون كلّ جزءٍ جزءٍ من الأجزاء المنقطعة فرداً مستقلا لرؤية الدم ، فإن كان شي‌ء منها على وجه صدق عليه أنّه طالت مدّة خروجه ثلاثة أيّام ، فهو الحيض دون ما عداه من الأجزاء سواء سبقه الأجزاء أم لحقه ، إلّا أن يدلّ دليل خارجي على وجوب ضمّ بعضها إلى بعض ، وملاحظة المدّة المعيّنة بالنسبة إلى المجموع إمّا مطلقاً أو في الجملة ، وهذا خارج من مدلول هذه الأخبار.

والحكم بكون المرأة حائضاً في مجموع عشرة أيّام إذا رأت الدم فيها في الجملة وإن تخلّل بالنقاء فإنّما هو تعبّد شرعيّ ، فهي حائض حكماً لا حقيقةً ، وليس هذا المصداق الحكميّ مراداً من الأخبار المبيّنة لزمان إمكان خروج دم الحيض من حيث الطول والقصر ، وإنّما نحكم

٣٤

بحيضيّتها لأجل الأدلّة الدالّة على أنّ عود الدم في أثناء العشرة بمنزلة استمراره.

وأضعف من هذا الاعتراض النقضُ بنذر الصوم ثلاثة أيّام ؛ فإنّه لا يفهم منه التوالي.

وفيه ما لا يخفى ؛ لوضوح الفرق بين تعلّق النذر بعدّة أفعال غير مرتبطة في الوجود وبين ما لو حدّد الفعل الواحد الزماني بزمانه ، فإنّ ما نحن فيه نظير ما لو أُريد من الصوم المأمور به السكوت في زمان معتدّ به لا مطلق السكوت ، فسُئل عن أدنى ما به يتحقّق الصوم ، فقيل : أدناه ثلاث دقائق وأقصاه عشرة ، فإنّ في مثل الفرض لا مجال لتوهّم إرادة ما يعمّ ثلاث دقائق غير متوالية.

وكذا نظيره ما لو علم إجمالاً أنّ الإقامة في البلد ليس مطلق الدخول والمكث فيه في الجملة ، فسُئل عن أقلّ ما به تتحقّق الإقامة ، فقيل : أدناه عشرة أيّام ، واستفادة إرادة الاستمرار في مثل هذه الموارد هو الوجه في دلالتها على دخول الليالي المتوسّطة في الحدّ ، وإلّا فاليوم حقيقةً لا يعمّ الليل حتى يدلّ على إرادته ، كما لا يخفى.

وكيف كان فلا شبهة في أنّ مفاد هذه الأخبار هو أنّ الدم الذي يمكن أن يكون حيضاً ما كان استمراره ثلاثة أيّام وما زاد إلى العشرة ، وما لم يكن كذلك بأن كان يوماً أو يومين مثلاً لا يكون حيضاً من دون فرق بين أن سبقه دم الحيض أو لحقه أم لا ، وسواء كان في أيّام العادة أم لا ، فلا يجوز رفع اليد عن هذه القاعدة الكلّيّة إلّا بدليل مخصّص أو حاكم ، وقد ثبت بالنصّ والإجماع أنّه إذا استمرّ الدم ثلاثة أيّام وانقطع ثمّ

٣٥

عاد قبل انقضاء العشرة من حين رؤية الدم ولم يتجاوز عنها ، فهو من الحيضة الاولى ، ولا يلاحظ الدم الثاني بحياله فرداً مستقلا حتى ينافي حيضيّته للقاعدة الكلّيّة ، فهذا هو القدر المسلّم الذي ثبت حكم الشارع فيه بكونه بمنزلة المستمرّ ، فإلحاق ما عدا هذه الصورة المسلّمة بها يتوقّف على مساعدة الدليل.

وبهذا ظهر لك بطلان استدلال القائلين بعدم اشتراط التوالي في الثلاثة بأصالة عدم الاشتراط وأصالة براءة الذمّة عن التكليف بالصلاة والصوم وسائر العبادات ، وقاعدة الإمكان.

مضافاً إلى ضعف الاستدلال بهذه الأُصول من أصله ؛ فإنّ أصالة عدم الاشتراط إن أُريد منها الاستصحاب ، فليس له حالة سابقة معلومة. وإن أُريد منها أصل آخر ، فلا أصل له.

اللهمّ إلّا أن يكون الحيض في العرف اسماً للأعمّ ، ويكون الاشتراط تقييداً شرعيّاً تابعاً لدليله ، فليتأمّل.

وأمّا أصالة البراءة عن التكاليف فهي محكومة بأصالة عدم الحيض ، واستصحاب التكليف.

وتوهّم اختصاص استصحاب التكليف بما لو حاضت بعد تنجّز الأمر بالصلاة ونحوها بأن كان بعد دخول وقتها والتمكّن من امتثالها ، مدفوع : بعدم الفرق بين الواجب المنجّز والمشروط في جريان الاستصحاب ، كما تقرّر في محلّه.

وربما يتوهّم معارضة أصالة عدم الحيض بأصالة عدم الاستحاضة ، وسيتّضح لك في مقام تأسيس الأصل اندفاعه.

٣٦

وأمّا قاعدة الإمكان ففي إمكان الاستدلال بها في مثل المقام تأمّل ، وسيتّضح لك تحقيقها إن شاء الله.

فالمهمّ في المقام هو التعرّض للأخبار الخاصّة التي يستند إليها في مخالفة المشهور.

وعمدتها مرسلة يونس عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «أدنى الطهر عشرة أيّام ، وذلك أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم ويكون حيضها عشرة أيّام ، فلا تزال كلّما كبرت نقصت حتى ترجع إلى ثلاثة أيّام ، فإذا رجعت إلى ثلاثة أيّام ارتفع حيضها ، ولا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها ، تركت الصلاة ، فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام ، فهي حائض ، وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين ، اغتسلت وصلّت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام ، فإن رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت الدم يوماً أو يومين حتى يتمّ لها ثلاثة أيّام ، فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض ، وإن مرّ بها من يوم رأت عشرة أيّام ولم تر الدم ، فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض ، إنّما كان من علّة إمّا من قرحة في جوفها وإمّا من الجوف ، فعليها أن تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها ، لأنّها لم تكن حائضاً ، فيجب أن تقضي ما تركت من الصلاة في اليوم واليومين ، وإن تمّ لها ثلاثة أيّام فهو من الحيض ، وهو أدنى الحيض ، ولم يجب عليها القضاء ، ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام ، وإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيّام ثمّ انقطع الدم ، اغتسلت وصلّت ، فإن رأت بعد ذلك الدم ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام ،

٣٧

فذلك من الحيض تدع الصلاة ، فإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيّام ودام عليها ، عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثاني عشرة أيّام ثمّ هي مستحاضة تعمل ما تعمله المستحاضة» وقال : «كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض ، وكلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض» (١).

وهذه الرواية كما تراها صريحة في عدم اعتبار التوالي وكفاية كون الثلاثة من جملة العشرة ، وهي بذاتها حاكمة على جميع الأخبار الظاهرة في إرادة الاستمرار ؛ لأنّها مبيّنة للمراد من أقلّ الحيض وأكثره.

ولكنّها مع ذلك لا تخلو عن إجمال ؛ لما يتراءى من التنافي بين بعض فقرأتها مع بعض ؛ فإنّه قد استدلّ صاحب الحدائق بهذه الرواية لما ذهب إليه من كفاية كون الثلاثة أو أزيد في مدّة لا يتخلّل بين أبعاض الدم بأقلّ الطهر (٢) ، مع أنّ صدر الرواية كاد أن يكون صريحاً في خلافه ، فلا بدّ أوّلاً من التكلّم فيما يقتضيه الجمع بين فقرأتها حتى يتّضح مفادها ، ويتنقّح القول الذي يمكن المسير إليه على تقدير العمل بهذه الرواية.

فأقول : أمّا صدر الرواية كذيلها فصريح في أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام ، وسوق الرواية يُشعر بأنّ قوله عليه‌السلام : «وذلك أنّ المرأة» إلى آخره ، بمنزلة التعليل لذلك ، لا أنّه كلام مستأنف مسوق لبيان مقدار إمكان امتداد دم الحيض قلّةً وكثرةً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٦ ٧٧ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ، الحديث ٣ من الباب ٤ والحديث ٤ من الباب ١٠ والحديث ٢ من الباب ١٢ من أبواب الحيض.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ١٥٩ ١٦٠.

٣٨

ولا يبعد أن تكون المناسبة المصحّحة للعلّيّة هي معلوميّة عدم تحيّض النساء عادةً في كلّ شهر أزيد من مرّة وإن كان ربما يعجّل الدم بيوم أو يومين ولكنّه ليس التحيّض في شهرٍ مرّتين تامّتين عادةً للنساء ، فإذا كان المتعارف بينهنّ ذلك ، يحسن التعليل ؛ لأنّه إذا كان حيض كثيرة الدم عشرة أيّام ولم يتعدّ عنها ، فكيف يكون الطهر أقلّ من عشرة مع أنّها لا تتحيّض في الشهر إلّا مرّة واحدة!؟

وكيف كان فظاهر هذه الفقرة بل صريحها كغيرها من الأخبار السابقة : أنّ دم الحيض كثيره يمتدّ سيلانه عشرة أيّام ولا يزيد عليها ، وقليله يمتدّ ثلاثة أيّام ولا يقصر عنها ، والمتبادر منها كغيرها من الروايات ليس إلّا إرادة الأيّام المتوالية في أكثر الحيض وأقلّه ، كما هو المتبادر إلى الذهن بالنسبة إلى أدنى الطهر ، ولكنّه يفهم من قوله عليه‌السلام : «وإذا رأت المرأة الدم» إلى آخره : أنّ التوالي والاستمرار المتبادر منها ليس من مقوّمات الموضوع ، وإنّما المناط سيلان الدم ثلاثة أيّام من جملة العشرة ، فإن رأت يوماً أو يومين وانقطع ثمّ عاد قبل انقضاء عشرة أيّام من يوم رأت الدم ما يتمّ به ثلاثة أيّام ، فمجموعه حيضة واحدة.

ويستفاد من هذه الفقرة مضافاً إلى ما عرفت أنّ رؤية الدم في أيّام العادة أمارة الحيض ، فتتحيّض المرأة بمجرّد الرؤية ، فإن استمرّ ثلاثة أيّام ، يستقرّ حيضها ، وإن انقطع بعد أن رأت يوماً أو يومين ، فهي متحيّرة ؛ لتردّد دمها بين أن يكون حيضاً أو دماً آخر ، فيجب عليها حينئذٍ بمقتضى أصالة عدم الحيض أن تصلّي ، وليس في أمر الإمام عليه‌السلام بالاغتسال والصلاة إشعار بكون النقاء المتخلّل في أثناء حيضة واحدة

٣٩

طهراً ؛ لاحتمال كون الاغتسال المأمور به هو غسل الاستحاضة التي هي الأصل في الدم الذي ليس بحيض.

هذا ، مع أنّه لا يجب عليها غسل الحيض ما لم يتحقّق موضوعه ، بل لا يشرع إلا من باب الاحتياط.

وكيف كان فلا إشعار في هذه الفقرة فضلاً عن الدلالة بأنّ أيّام النقاء طهر حتى يتكلّف في الجمع بينها وبين قوله عليه‌السلام : «أدنى الطهر عشرة» بحمل الطهر على الطهر الواقع بين حيضتين مستقلّتين ، كما تخيّله صاحب الحدائق (١).

وكذا ليس في قوله عليه‌السلام : «فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض» دلالة على أنّ أيّام النقاء طهر.

نعم ، فيه إشعار بذلك ولكنّه لا يلتفت إليه خصوصاً بعد التصريح بأنّه لا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام.

وكذا لا يدلّ قوله عليه‌السلام : «وهو أدنى الحيض» على اختصاص مدّة الحيض بزمان رؤية الدم ؛ لأنّ المراد أنّ الدم الذي تمّ لها ثلاثة أيّام هو أدنى دم الحيض وقد صرّح عليه‌السلام في صدر الرواية بأنّ المناط في الأقلّيّة والأكثريّة إنّما هو بقلّة الدم وكثرته ، فلا منافاة بين كون هذا الفرد من مصاديق أقلّ الحيض حقيقةً وكونه بمنزلة الأكثر حكماً ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام بعد ذلك بلا فاصل : «ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام» فإنّ

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٣ : ١٦٠.

٤٠