مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

نظراً إلى أنّ هذه الأدلّة لا تقتضي إلّا الاجتزاء بالغسل عن الوضوء المسبّب عن سببٍ سابق ، لا السبب الذي يتحقّق في أثناء الغسل أو بعده ، ولذا التزمنا في غسل الجنابة بأنّه لو حدث في أثناء الغسل ما يوجب الوضوء ، أتمّ الغسل وتوضّأ ، فغسل الاستحاضة من هذا القبيل.

نعم ، لو اغتسلت بعد البرء ، يكون حينئذٍ كسائر الأغسال ، وأمّا غسلها ما دامت مستحاضة فلا يكون إلّا مثل المثال الذي التزمنا فيه بالوضوء.

وكون حدثها مستمرّاً لا يقتضي كفاية غسلها عن وضوئها ؛ لأنّ قضيّة استمرار الحدث بطلان الوضوء ، لكن ثبت بالدليل العفوُ عنه بالنسبة إلى ما يوجد في أثناء الوضوء والصلاة الواقعة عقيبه بالنسبة إلى تلك الصلاة ، وهذا أمر توقيفيّ لا يكفي في إثباته عموم ما دلّ على أنّ كلّ غسل مجزئ عن الوضوء.

لكنّ التخيّل فاسد ؛ لأنّ مقتضى تلك العمومات كون الغسل أتمّ تأثيراً في إفادة ما يفيده الوضوء من حيث الطهوريّة ، حقيقيّةً كانت أم حكميّة ، ولذا لا ينبغي التأمّل في أنّه لو اغتسل المسلوس غسل الجنابة أو الجمعة على القول بالكفاية ، لأغناه عن وضوئه. وكذا المستحاضة لو اغتسلت غسل الجنابة قبل صلاتها ، فغسل استحاضتها على هذا القول كغسل الجنابة.

نعم ، يبقى الإشكال بالنسبة إلى صلاة العصر والعشاء عند جمعهما مع الظهر والمغرب في الاستحاضة الكثيرة حيث إنّك عرفت أنّه لو عادت الكثيرة قليلةً ، اغتسلت وتوضّأت لكلّ صلاة ، ولها الإتيان بصلاتها الاولى عقيب الغسل ، والاجتزاء به عن وضوئها دون سائر صلواتها ، ومقتضاه

٣٢١

عدم الاجتزاء بالغسل لهما عن الوضوء لصلاة العصر ؛ إذ غاية الأمر ثبوت العفو عن حدثها المستمرّ بالنسبة إلى الغسل دون الوضوء ، مع أنّه لم ينقل الالتزام به من أحد ؛ فإنّ الأقوال المنقولة في المسألة ثلاثة : الوضوء لكلّ صلاة ، والاجتزاء بالغسل عن الوضوء لهما ، والوضوء مع الغسل لهما معاً ، أمّا الوضوء لصلاة العصر أو العشاء دون الظهر والمغرب فلم ينقل من أحد وحيث لم يثبت العفو عن الحدث المستمرّ بالنسبة إلى الوضوء لصلاة العصر وجب عليها ذلك بمقتضى عموم ما دلّ على سببيّة الدم للوضوء قبل ظهوره على القطنة ، فيتمّ القول بالنسبة إلى الظهر بعدم القول بالفصل.

لكن لقائلٍ أن يعكس الدليل بأن يقول : ثبوت الاجتزاء عن الوضوء للظهر بالغسل الواقع للصلاتين دليل على العفو عن الحدث المستمرّ الواقع في أثنائهما ، وعدم تأثيره في إيجاب الوضوء للعصر كالغسل له بعدم القول بالفصل.

هذا ، مع إمكان منع سببيّة الدم السائل الذي لا يرقأ ولا يمكن استمساكه بمقدار أداء الطهارة وفعل الصلاة للوضوء.

هذا كلّه ، مضافاً إلى ظهور الأخبار الكثيرة الواردة في مقام البيان ، الآمرة بالجمع بين الصلاتين من حيث السكوت في نفيه.

نعم ، لو رجّحنا القول بعدم كفاية الغسل عن الوضوء ، لا بدّ لنا من رفع اليد عن هذا الظاهر كما ليس بالبعيد لكن إنكاره رأساً مجازفة.

وكيف كان فالاحتياط بفعل الوضوء عند كلّ صلاة ممّا لا ينبغي تركه لكن مع مراعاة عدم حصول الفصل بفعله بين الصلاتين عرفاً ، والأولى إيجاده في أثناء الإقامة ، كما أنّ الأحوط والأولى إيجاد الوضوء لصلاة الظهر قبل الغسل ، بل قد عرفت في مبحث الحيض أنّ الأحوط والأولى

٣٢٢

تقديم الوضوء في كلّ غسل على الغسل.

لكن لو اعتنينا بالوجه الاعتباري الذي ذكرناه فارقاً بين غسل الاستحاضة وغيرها ، لكان الأحوط تأخير الوضوء في الاستحاضة المتوسّطة ونحوها ممّا لم يبق الدم سائلاً كي يكون موجباً لإيجاد الصلاة عقيب الغسل بلا فصل حتى يكون تأخير الوضوء منافياً للاحتياط من هذه الجهة ، والله العالم.

وينبغي التنبيه على أُمور :

الأوّل : لو وقف الدم السائل بعد الغسل قبل الصلاة بأن حصل لها فترة تسع الطهارة والصلاة في وقتها وعلمت بكونها كذلك ، أعادت الغسل. ولو لم تسعهما ، فلا إعادة. ولو كانت في أثناء الصلاة ، إعادتهما. ولو كانت بعدها ، مضت صلاتها.

وكذا المستحاضة القليلة لو برئت بعد الوضوء قبل الصلاة أو في أثنائها أو حصل لها فترة بأن انقطع الدم من الباطن بمقدار فعل الوضوء والصلاة ، استأنفت لو علمت بأنّ الفترة تسعهما. ولو حصلت بعد الصلاة ، فلا إعادة. ولو علمت من عادتها بحصول البرء أو الفترة بمقدار الطهارة والصلاة ، انتظرت ، وكذا لو ظنّت بذلك على الأحوط.

وقد ظهر تحقيق هذه الفروع في نظائرها من حكم المسلوس وصاحب الجبيرة ونحوها ، فراجع.

ولو احتملت الفترة أو البرء ، لا يجب عليها الانتظار ، بل لها البدار ولو لم نقل بذلك في اولي الأعذار ؛ لإطلاق الأمر بفعل الوضوء أو الغسل والصلاة في أوقاتها في الأخبار الكثيرة الواردة في مقام البيان ، بل في جملة منها الأمر بتعجيل العصر والعشاء وجمعهما مع الظهر والمغرب مع

٣٢٣

أنّ الغالب قيام احتمال البرء أو الفترة. وتنزيل الأخبار على صورة اليأس كما ترى.

نعم ، لا يبعد دعوى انصرافها عن صورة ظنّ البرء والانقطاع ؛ لما هو المغروس في الذهن من كونه تكليفاً اضطراريّاً ، فيكون هذا الأمر الذهني موجباً لصرف الإطلاق عن مثل الفرض ، كصرفه عن صورة العلم وإن كانت صورة العلم في حدّ ذاتها فرضاً نادراً ينصرف عنه الإطلاق.

وكيف كان فلو حصل الانقطاع في الأثناء لم تعلم بسعتها (١) لفعل الطهارة والصلاة ، مضت في صلاتها وإن احتملت كونه للبرء ، وليس لها قطع الصلاة ، لا للنهي عن إبطال العمل حتى يناقش فيه ببعض المناقشات التي منها الشكّ في تحقّق الموضوع ، بل لاستصحاب كونها مستحاضةً واستصحاب طهارتها السابقة ، وعلى تقدير الخدشة فيهما فلا أقلّ من استصحاب كونها مصلّيةً ، ومن آثاره حرمة إيجاد منافيات الصلاة.

وفي نظائر المقام استصحابات أُخر بعضها مزيّف وبعضها مقبول ، كما تحقّق في الاصول.

ثمّ إنّه لو انكشف بعد الصلاة كون الانقطاع للبرء ، أعادت ؛ لاختصاص العفو عن الحدث بالمستحاضة وقد تبدّل موضوعها ، ولو كان للفترة ، لم تعد وإن انكشف سعتها للطهارة والصلاة على الأظهر ؛ لصدق المستحاضة ، وإطلاق الأمر المقتضي للإجزاء.

ودعوى انصرافه عن مثل الفرض غير مسموعة.

__________________

(١) أي : سعة فترة الانقطاع.

٣٢٤

نعم ، إنّما تنصرف الإطلاقات عن صورة العلم بسعة زمان الفترة للطهارة والصلاة إمّا لكونه فرداً نادراً ، أو لما أشرنا إليه من القرينة العقليّة ، لكنّ الاحتياط في مثل الفرض لا ينبغي تركه ، والله العالم.

الأمر الثاني : مقتضى القاعدة في من استمرّ به الحدث من مثل المسلوس والمبطون والمستحاضة بعد ثبوت وجوب الوضوء أو الغسل عليه والعفو عمّا يوجد بعده من السبب في الجملة هو الاقتصار على القدر المتيقّن بإيجاد الصلاة عقيب الوضوء أو الغسل فوراً ، وعدم الفصل بينهما ولو بمقدّمات الصلاة ، بل لو تمكّن في أثناء الصلاة عند تواتر الحدث من إيجاد مسبّبه على وجه لا ينافي الصلاة ، وجب عليه ذلك لولا الحرج والضرر.

هذا إذا كان الحاكم بالعفو العقل حيث لا طريق له إلى أزيد من ذلك ، لكنّ المستند في المقام هو الأخبار ، ومقتضاها أوسعيّة الأمر من ذلك ، كما يؤيّدها ابتناء أحكام الشريعة على التوسعة ؛ لكونها منزّلةً على المتعارف ، والمتبادر منها وجوب إيجاد الوضوء أو الغسل لكلّ صلاة وإيجاد تلك الصلاة عقيبها على النحو المتعارف.

نعم ، يفهم من الأمر بالوضوء لكلّ صلاة والأمر بالجمع بين الصلاتين من دون فصلٍ وغيرهما من الشواهد الداخليّة والخارجيّة استمرارُ الحدث وكون العفو عنه في أثناء الطهارة والصلاة لمكان الضرورة ، فيعلم من ذلك عدم جواز الفصل المعتدّ به عرفاً بين الطهارة والصلاة أو بين الصلاتين ، وليس للأخبار الآمرة بالوضوء والصلاة إطلاق من هذه الجهة حتى يتمسّك بإطلاقها لجواز التأخير مطلقاً ، لكن يفهم من

٣٢٥

عدم الأمر بترك الفصل ببعض المقدّمات مثل المشي من مكان الغسل أو الوضوء إلى موضع الصلاة ، أو إحضار التربة أو الأذان والإقامة أو نحوها العفو عمّا يحدث في خلال هذه المقدّمات ، بل في صحيحة معاوية بن عمّار التصريح بذلك حيث قال عليه‌السلام : «توضّأت ودخلت المسجد وصلّت كلّ صلاة بوضوء» (١) بناءً على إرادة الوضوء لأجل الصلاة ، كما هو المتعارف المعهود ، لا لدخول المسجد من حيث هو ، فيفهم من ذلك حينئذٍ أنّ الرواح إلى المسجد ، ونحوه من المقدّمات القريبة للفعل ممّا لا بأس به ، بل لا يبعد أن يكون من هذا القبيل انتظارها للجماعة ، لكنّ الاحتياط بالنسبة إلى مثل هذه الأُمور ممّا لا ينبغي تركه ، والله العالم.

الأمر الثالث : صرّح غير واحد بأنّه يجب على المستحاضة الاستخبار بإدخال القطنة ، وتعرّف حال الدم من كونها قليلةً أو كثيرةً أو متوسّطةً.

ويمكن أن يوجّه بناءً على إناطة أحكام المستحاضة على مقدار الدم قلّةً وكثرةً ، لا على ظهوره على القطنة فعلاً وعدمه بأنّه من الموضوعات التي لا يمكن معرفتها غالباً إلّا بالاختبار ، فلو عمل المكلّف فيها بالأصل من دون فحصٍ ، لوقع غالباً في محذور مخالفة التكليف.

لكن للتأمّل في وجوب الفحص في مثل المقام بعد تسليم المقدّمات مع كون الشبهة موضوعيّةً مجال.

وما يتوهّم من اختصاص دليل العمل بالأُصول قبل الفحص بغير مثل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٨ ٨٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ ١٠٧ / ٢٧٧ ، و ١٧٠ / ٤٨٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١.

٣٢٦

المقام ؛ فإنّه إن كان مدركه العقلَ ، فالعقل لا يعذر الجاهل المقصّر في مثل المقام ، بل في مطلق الشبهات الموضوعيّة خصوصاً الوجوبيّة منها كالحكميّة مع التمكّن من الاستعلام. وإن كان الإجماعَ ، فلا يعمّ مثل الفرض الذي نصّوا فيه بالوجوب ، بل يظهر من غير واحد وجوب الفحص في الشبهات الوجوبيّة مطلقاً. وإن كان الأخبارَ ، فيمكن دعوى انصرافها عن مثل الفرض ، مدفوع : بعدم الفرق في الشبهات الموضوعيّة بين مواردها في عدم وجوب الفحص ، كما تقرّر في محلّه.

وكفى نقضاً في المقام جواز استصحاب الحدث والخبث والطهارة منهما بلا فحص من دون فرق بين مجاريها بالضرورة.

وقد يوجّه عدم جواز العمل بالأصل في المقام بثبوت العلم الإجمالي بحدوث أمرٍ مردّد بين أن يكون أثره خصوصَ الوضوء أو مع الغسل أو خصوص الغسل على الخلاف ، فيجب إمّا الاحتياط أو تعرّف ذلك الأمر.

وفيه : أنّه مع إمكان معرفة ذلك الأمر باستصحاب القلّة أو الكثرة لا يبقى لذلك العلم الإجمالي أثر ، أعني وجوب الاحتياط.

نعم ، كون أثره مردّداً بين الأقلّ والأكثر لا يجدي في مثل المقام من حيث جريان أصل البراءة بالنسبة إلى الكلفة الزائدة ، بأن يقال : تأثير ذلك الأمر في إيجاب الوضوء معلوم وفي إيجاب الغسل مشكوك ، والأصل براءة الذمّة عنه ؛ لأنّ استصحاب الحدث بل قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى إحراز الطهور مقدّمة للصلاة ، حاكمة على أصل البراءة ، لكن يجدي في سلامة استصحاب طهارتها عن الحدث الأكبر واستصحاب عدم حدوث

٣٢٧

موجب الغسل من معارضة استصحاب طهارتها عن الحدث الأصغر وأصالة عدم حدوث سبب الوضوء ، كما لا يخفى.

وبهذا ظهر لك أنّ منع جريان استصحاب قلّة الدم أو كثرته بناءً على عدم جريان الاستصحاب في مثله من الأُمور التدريجيّة لا يجدي في إيجاب الفحص بناءً على كون المسبّب من قبيل الأقلّ والأكثر ؛ فإنّ المرجع حينئذٍ إلى أصالة الطهارة عن الحدث الأكبر وأصالة عدم حدوث موجبه.

نعم ، يجدي على القول بكون الأثر من قبيل المتباينين ، وتمام الكلام في الاصول.

فظهر لك أنّ القول بوجوب الفحص لا يخلو عن إشكال ، خصوصاً على ما استظهرناه من الأخبار من إناطة الحكم بظهور الدم وعدمه ، فإنّه على هذا التقدير من الموضوعات التي قلّما تشتبه مصاديقها. وعلى تقدير القول بوجوب الفحص لو تركته وأتت بتكليفها على ما هو عليه بأن صادف المأتيّ به للواقع من دون إخلال فيه لقصد القربة ونحوه ، برئت ذمّتها عن ذلك التكليف جزماً ؛ إذ ليس وجوب الفحص وتعرّف حالها على تقدير الالتزام به إلّا مقدّمةً للعلم بتكليفها ، لا شرطاً في ماهيّة المكلّف به ، فلا يؤثّر الإخلال به من حيث هو بطلان المأمور به ، كما هو ظاهر ، والله العالم.

الأمر الرابع : قال في الجواهر : يجب على المستحاضة الاستظهار في منع خروج الدم بحسب الإمكان كما إذا لم تتضرّر بحبسه بحشو الفرج بقطنٍ أو غيره بعد غسله ، فإن انحبس وإلّا فبالتلجّم والاستثفار بأن تشدّ

٣٢٨

وسطها بتكّة مثلاً ، وتأخذ خرقةً مشقوقة الرأسين تجعل أحدهما قدّامها والآخر خلفها وتشدّها بالتكّة ، كما هو صريح جماعة وظاهر آخرين ، بل لم أجد فيه خلافاً (١). انتهى.

أقول : أمّا على ما استفدناه من الأخبار من كون ظهور الدم حدثاً أكبر موجباً للغسل وعدم العفو عنه إلّا فيما تعذّر استمساكه أو تعسّر عادة فوجهه ظاهر ، بل مقتضاه الاستظهار في أثناء الغسل أيضاً ، كما عن بعضٍ (٢) التصريح به.

وأمّا على المشهور من عدم إناطة الحكم بذلك فقد علّلوه بوجوه كثيرة لا يخلو بعضها عن تأمّل ، وعمدتها الأخبار الكثيرة الآمرة بذلك.

وما في بعضها من الأمر باستدخال القطنة والتلجّم (٣) ونحو ذلك جارٍ مجرى العادة ، لا لخصوصيّة فيها بحيث لو حصل الاستيثاق بما يفيد فائدتها ، لم يجزئ عنها ، كما هو الظاهر المتبادر عرفاً من الأمر بمثل هذه الأشياء في مثل هذه الموارد ، كما يؤيّده الأمر بمطلق الاستيثاق في بعض (٤) الروايات.

ثمّ إنّ ما في رواية الحلبي (٥) من الأمر بالاستذفار المفسّر في آخر الرواية بأن تتطيّب وتستجمر بالدخنة ونحو ذلك ، وكذا ما في بعض

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ : ٣٤٨.

(٢) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٥٦.

(٣) انظر : الكافي ٣ : ٨٧ / ١ ، و ٩٠ / ٦ ، والوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٣ ، والباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٤) التهذيب ١ : ١٦٩ / ٤٨٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٨٩ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٢.

٣٢٩

الأخبار الأُخر من الأُمور التي لا تعرّض لذكرها في سائر الأخبار الواردة في مقام البيان مع كثرتها مثل ترك التحنّي ، أي الاختضاب بالحنّاء ، أو التحيّي ، أي الصلاة تحيّةً ، كما أنّهما من محتملات رواية [معاوية بن (١)] عمّار (٢) ، المضطرب متنها محمول على الاستحباب جزماً ، وكذا الأمر بضمّ الفخذين ، كما في بعض الروايات (٣).

ويمكن حمله على ما إذا توقّف التوقّي عليه ، والله العالم.

الأمر الخامس : قد ظهر لك فيما تقدّم أنّ دم الاستحاضة حدث مطلقاً ، فما لم يظهر على القطنة فهو حدث أصغر ، وإن ظهر فحدث أكبر ، فلا يشرع لها الإتيان بشي‌ء من الغايات المشروطة بالطهور مطلقاً ، كالصلاة والطواف ومسّ كتابة القرآن وما يلحق بها إلّا بعد رفع أثره حقيقةً أو حكماً بفعل الوضوء أو الغسل ، وحيث إنّ رفع أثره حقيقة ما دام استمرار الحدث غير ممكن حتى يستدلّ لمشروعيّة إيجاد الوضوء أو الغسل مطلقاً بقصد تحصيل الطهارة بعموم ما يدلّ على رجحان الطهور يشكل حكمها بالنسبة إلى سائر الغايات المشروطة بالطهور فيما عدا موارد النصوص ، كمسّ المصحف ونحوه من جهتين :

الاولى : من حيث إنّه هل يشرع لها الوضوء أو الغسل لهذه الغايات فيرتفع بهما حدثها حكماً كما يرتفع كذلك لو أتت بهما للصلاة الواجبة أم لا؟

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ٨٨ ٨٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ ١٠٧ / ٢٧٧ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٨٨ ٨٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ ١٠٧ / ٢٧٧ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ١.

٣٣٠

الثانية : من حيث استباحة سائر الغايات بالوضوء أو الغسل المأتيّ به للصلاة ، فإنّ تجويز سائر الغايات المشروطة بالطهور ممّا لم يضطرّ إليها بالطهارة الاضطراريّة الحكميّة لا يخلو عن إشكال.

(و) لكنّ الأصحاب رضوان الله عليهم بعد أن بيّنوا أحكام المستحاضة من الوضوءات والأغسال على الوجه الذي عرفته فيما تقدّم نصّوا على أنّها (إذا فعلت ذلك ، كانت بحكم الطاهر) من غير خلاف يعرف فيه ، بل عن جملة دعوى الإجماع عليه.

نعم ، عن الشيخ تخصيصه بما عدا دخول الكعبة (١).

وظاهر إطلاقهم أنّه إذا فعلت المستحاضة هذه الأفعال ، يرتفع أثر استحاضتها مطلقاً لا بالنسبة إلى خصوص الصلاة حتى يكون الكلام بعد ذكر الفروع السابقة بمنزلة المستدرك ، وتنحصر فائدته في بيان كون طهارتها المكتسبة بالأعمال السابقة حكميّةً لا حقيقيّةً ، بل ظاهر إطلاقهم وعدّهم الشيخ مخالفاً في المسألة حيث استثنى دخول الكعبة ، كما صرّح به بعضهم (٢) أنّها بهذه الأعمال تصير كمن لا استحاضة لها مطلقاً.

لكن ينافي هذا الإطلاق إيجابهم تبديل القطنة والخرقة وتجديد الوضوء لكلّ صلاة إلّا أن يقال بدخول ذلك في الأعمال المذكورة ، فيكون مفاد العبارة أنّه يرتفع أثر الاستحاضة بالنسبة إلى سائر الغايات مطلقاً إذا عملت هذه الأفعال في كلّ صلاة ، نافلةً كانت أم فريضة ، فهي بالنسبة إلى غير الصلاة عند مراعاتها لما هو تكليفها بالنسبة إلى الصلاة بمنزلة مَنْ

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٣ : ٣٥١ ، وانظر : النهاية : ٢٧٧ ، والمبسوط ١ : ٣٣١ ـ ٣٣٢.

(٢) كابن حمزة في الوسيلة : ٦١.

٣٣١

ليس له هذا الحدث.

لكن ينافي إرادتهم ذلك مع بُعْده في حدّ ذاته استدلالهم على وجوب إعادة الوضوء عند كلّ صلاة : بأنّ الدم حدث ، فليقتصر في رفع حكمه على المتيقّن ، فإنّ مقتضاه وجوب الإعادة لكلّ أمرٍ مشروط بالطهور ، كالطواف والمسّ ، ولذا حكي عن الموجز وشارحه الجزم بلزوم تعدّد الوضوء للطواف وصلاته (١).

وعن كاشف الغطاء الجزم بوجوب تكرار الوضوء لتكرار المسّ ، وتردّده في كفاية وضوءٍ واحد لمسٍّ واحدٍ مستمرّ (٢).

وينافيه أيضاً ما صرّح به بعضهم (٣) من وجوب تقديم الغسل على الفجر للصوم معلّلاً بمانعيّة حدثها من انعقاد الصوم ، مع أنّ مقتضى ما ذكر كفاية الوضوء أو الغسل الذي أتت به لصلاتها السابقة في رفع أثر الاستحاضة.

وكيف كان فلا وثوق بإرادتهم هذا المعنى على إطلاقه ولا أقلّ من قوّة احتمال عدم إرادة جميعهم ذلك حتى يكون إجماعيّاً ، والقدر المتيقّن إرادتهم إنّما هو بيان صيرورتها بمنزلة الطاهر ما دام لأعمالها أثر ، فيفهم منه أنّه متى استبيح لها فعل الصلاة بهذه الأفعال يستباح لها مسّ المصحف وغيره من الغايات ، لا أنّه يبقى أثر هذه الأعمال بالنسبة إلى سائر الغايات

__________________

(١) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٥٨ ، وانظر : الموجز (ضمن الرسائل العشر) : ٤٨ ، وكشف الالتباس ١ : ٢٤٥.

(٢) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٥٨ ، وانظر : كشف الغطاء : ١٤٠.

(٣) الشهيد في الدروس ١ : ٩٩ ، واحتمله الشهيد الثاني في روض الجنان : ٨٧.

٣٣٢

بعد زواله بالنسبة إلى الصلاة.

والحاصل : أنّه لا يمكن استفادة أزيد من ذلك من الإجماع ولا من غيره من الأدلّة ، فلا بدّ من الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مورد الثبوت.

ثمّ إنّ سوق عبارتهم في الفتاوى ومعاقد إجماعاتهم يشهد بعدم كونها مسوقةً إلّا لبيان حكم المنطوق ، أي كونها في حكم الطاهر إذا فعلت ما وجب عليها من الوضوء والغسل ، لا لبيان انحصار سبب كونها بحكم الطاهر فيما لو أتت بتلك الأفعال على ما فصّل بأن يكون وضوؤها أو غسلها لأجل الصلاة لا غير بحيث يفهم منه عدم تأثيرهما لو أوجدتهما لسائر الغايات ، كيف! وإلّا لما حكموا بالغسل للصوم أو غيره من الغايات كالوطء لو قلنا بحرمته قبل الاغتسال أو الوضوء لما عدا الصلاة من الغايات وإن وجبت ، فالظاهر أنّ كلمة «إذا» في عبائرهم وقتيّة لا شرطيّة.

وما ربما يتوهّم من ظهور الكلام في إرادة الانتفاء عند الانتفاء فليس منشؤه استفادة الاشتراط من التعليق ، بل منشؤه ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه ، وبقاؤها على حالتها السابقة بمقتضى الأصل ، كيف! ولو كان ظاهره الاشتراط المقتضي لانحصار السبب ، لانسبق إلى الذهن في بادئ الرأي بطلان الوضوء أو الغسل المأتيّ بهما لسائر الغايات ، وكان الحكم بجوازه منافياً لذلك ، مع أنّ الذهن لا يلتفت إلى المنافاة أصلاً.

ثمّ لو سلّم ظهورها في التعليق ، فليس مفادها إلّا انحصار سبب كونها بحكم الطاهر بما إذا فعلت تلك الأفعال ، ومتى لم تفعل ينتفي هذا الحكم ، يعني لا تكون بمنزلة الطاهر ، فلا يشرع لها الإتيان بالأشياء التي

٣٣٣

ينافيها حدث الاستحاضة ، وأمّا الأشياء المنافية لحدث الاستحاضة فيجب تشخيصها بدليلٍ خارجيّ ، ولا يجدي في معرفتها هذا المفهوم ، كما هو ظاهر.

لكن ربما يستشعر من بعض عبائرهم في معاقد إجماعاتهم المحكيّة أنّها لو لم تفعل هذه الأفعال ، فهي بحكم الحائض يحرم عليها ما يحرم على الحائض.

مثل ما عن الغنية أنّه قال : ولا يحرم على المستحاضة شي‌ء ممّا يحرم على الحائض ، وحكمها حكم الطاهر إذا فعلت ما ذكرنا بدليل الإجماع المشار إليه (١). انتهى.

وعن المعتبر : أنّ مذهب علمائنا أجمع إنّ الاستحاضة حدث تبطل الطهارة بوجوده ، فمع الإتيان بما ذكر من الوضوء إن كان قليلاً ، والأغسال إن كان كثيراً يخرج من حكم الحدث لا محالة ، وتستبيح كلّ ما تستبيحه الطاهر من الصلاة والطواف ودخول المساجد وحلّ وطئها ، وإن لم تفعل ، كان حدثها باقياً ، ولم يجز أن تستبيح شيئاً ممّا يشترط فيه الطهارة (٢). انتهى.

وعن التذكرة : إذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها من الأغسال والوضوء وتغيير الخرقة ، صارت بحكم الطاهر عند علمائنا أجمع (٣) ، إلى

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٥٣ ، وانظر : الغنية : ٤٠.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٥٣ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٦١ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٤٨.

(٣) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٥٣ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٦١ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٢٩٠ ٢٩١ ، المسألة ٩٥.

٣٣٤

آخر ما في المعتبر.

وعن الوسيلة : إذا فعلت ما تفعله المستحاضة ، لم يحرم عليها شي‌ء ممّا يحرم على الحائض إلّا دخول الكعبة (١).

وعن البيان : ولا يحرم عليها شي‌ء من محرّمات الحيض إذا أتت باللازم عليها (٢). انتهى.

وقد حكي عن بعضٍ الالتزام بأنّ حدث الاستحاضة بعينه حدث الحيض ، والأفعال تصيّرها بحكم الطاهر ؛ نظراً إلى ظهور كلماتهم في نظائر عبائرهم المتقدّمة في ذلك ، وإلى كون الاستحاضة غالباً هي الدم المستمرّ من أيّام الحيض ، مدّعياً أنّ الأخبار تعطي أنّها بحكم الحائض ، كما يعطيه لفظ الاستحاضة ؛ فإنّها استفعال من الحيض.

وفيه ما لا يخفى.

أمّا دعوى ظهور عبائرهم في معاقد إجماعاتهم المحكيّة في ذلك : فهي ممنوعة جدّاً.

نعم ، فيها إشعار بذلك ، وأمّا مفادها فليس إلّا ما نصّ عليه في المعتبر في ذيل كلامه بأنّها إن لم تفعل ، كان حدثها باقياً ، ولم يجز أن تستبيح شيئاً ممّا يشترط فيه الطهارة. ومعلوم أنّ الوطء وكذا دخول المساجد وقراءة العزائم والصوم ليس من تلك الأشياء إن أُريد كونها مشروطة بالطهارة على الإطلاق ، وإن أُريد ما يشترط فيه الطهارة عن حدث الاستحاضة ، فلا بدّ من تعيينه بدليلٍ خارجيّ.

__________________

(١) حكاه عنها الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٦١ ، وانظر : الوسيلة : ٦١.

(٢) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٦١ ، وانظر : البيان : ٢١.

٣٣٥

وكيف كان فليس مقصودهم من هذه العبارات بيان أنّها ما لم تفعل هذه الأفعال هي بحكم الحائض ، فلا أقلّ من الشكّ في ذلك ، فكيف يمكن القطع بكونه إجماعيّاً حتى يكون مستنداً لحكمٍ شرعي!؟ بل كيف يظنّ بأحدٍ أن يلتزم بعموم أحكام الحائض للمستحاضة ، مثل حرمة طلاقها ووطئها ، وبطلان صومها في القليلة ما لم تتوضّأ لصلاتها.

وأمّا دعوى استفادة ذلك من الأخبار : ففيها أنّ جملة من الأخبار مصرّحة بالتفصيل بين الاستحاضة والحيض ، وأنّ الاستحاضة دم آخر ، وله أوصاف غير أوصاف الحيض ، وأحكام غير أحكامه.

وعلى تقدير تسليم كونها ذلك الدم كما يعطيه لفظ الاستحاضة لا يجدي في تسرية أحكام الحائض إليها بعد أن خصّ الشارع موضوعها بما إذا لم يتجاوز دمها العشرة ولم يقصر عن الثلاثة ، وجعل ما عداه قسيماً له ، كما لا يخفى.

نعم ، في بعض الأخبار الآتية ، القاضية بحرمة وطئها ما لم تغتسل إشعار بذلك ، ولكنّه لا يلتفت إليه ، فالشأن في المقام إنّما هو تشخيص الأشياء المحرّمة على المستحاضة ، والقدر المتيقّن منها هي الأشياء المشروطة بالطهور ، مثل : الصلاة والطواف ومسّ المصحف ، وما عداه يحتاج إلى الدليل.

وقد حكي (١) عن المشهور القول بحرمة اللبث في المساجد ودخول المسجدين.

__________________

(١) الحاكي هو صاحب المصابيح كما في جواهر الكلام ٣ : ٣٥٤.

٣٣٦

ولا يبعد إرادتهم الحرمة فيما لو احتاجت إلى الغسل ؛ لبعْد التزامهم بذلك في القليلة ، بل ظاهرهم من الحكم بتوقّفه على الغسل إرادة ما عدا القليلة.

ففي طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله حكى عن موضعٍ من المصابيح توقّف جواز دخولها على الغسل ، وعن موضعٍ آخر أنّه قال : قد تحقّق أنّ مذهب الأصحاب تحريم دخول المساجد وقراءة العزائم على المستحاضة قبل الغسل.

ثمّ نقل بعض الأقوال المنافية لذلك ، منها : جواز دخولها من غير توقّفٍ ، كقراءة العزائم.

ثمّ قال : ولا ريب في شذوذ هذه الأقوال.

وحكى عن حواشي التحرير أنّه قال : وأمّا حدث الاستحاضة الموجب للغسل فظاهر الأصحاب أنّه كالحيض. وعن شارح النجاة الإجماع على تحريم الغايات الخمس على المحدث بالأكبر عدا المسّ.

ثمّ قال : وظاهرهما الإجماع على وجوب غسل الاستحاضة لدخول المساجد وقراءة العزائم ، ويستفاد ذلك من الغنية والمعتبر والتذكرة (١). انتهى.

أقول : الظاهر أنّ نسبة كونها كالحيض إلى ظاهر الأصحاب كاستفادة الإجماع من الغنية والمعتبر والتذكرة منشؤها العبائر المتقدّمة ، كما نبّه عليه شيخنا المرتضى رحمه‌الله ، وقد عرفت منع ظهور العبائر المتقدّمة فيما

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٢٦١ ، وانظر : الغنية : ٤٠ ، والمعتبر ١ : ٢٤٨ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٢٩٠ ٢٩١ ، المسألة ٩٥.

٣٣٧

ادّعي ، وعلى تقدير تسليم الظهور بل صراحتها فيما ادّعي ليس لنا الاعتماد عليه ما لم يحصل الوثوق بصدقه ؛ لما تقرّر في محلّه من عدم حجّيّة نقل الإجماع.

نعم ، ما حكاه عن شارح النجاة من الإجماع على تحريم الغايات الخمس على المحدث بالأكبر عدا المسّ ليس بالبعيد وإن كنّا لم نتحقّقه أيضاً.

وعلى تقدير تحقّقه فمقتضاه أنّه يحرم على المستحاضة بعد أن وجب عليها الغسل ما لم تغتسل جميع ما يحرم على الجنب والحائض من حيث كونها محدثةً بالأكبر ، لا من حيث كونها حائضاً ، فلا يعمّ مثل الوطي وبطلان الطلاق ونحوهما ، فلو قلنا بحرمة وطئها قبل الاغتسال ، فهو لدليلٍ آخر ، كما سيأتي التعرّض له ، لا لقاعدة الاشتراك ، فعلى هذا لو قلنا بما يدّعى استفادته من كلمات العلماء في معاقد إجماعاتهم من إرادة المفهوم ، [و (١)] انحصار صيرورتها بحكم الطاهر بما لو أتت بتلك الأفعال على ما فصّل ، فمقتضاه عدم استباحة الأشياء المحرّمة على الجنب للمستحاضة ، وعدم ارتفاع حدثها الأكبر ما دام مستحاضة وإن تبدّلت حالتها وصارت قليلةً لا حقيقةً ولا حكماً إلّا بالغسل لصلاتها ، والعمل بما هو وظيفتها عند كلّ صلاة.

لكنّك عرفت منع دلالتها على المفهوم ، بل من المستبعد جدّاً إرادتهم توقّف ارتفاع حدثها الأكبر على الوضوء فضلاً عن سائر الأشياء

__________________

(١) ما بين المعقوفين لأجل السياق.

٣٣٨

التي التزموا بوجوبه إمّا تعبّداً أو لمنافاته للصلاة من حيث الخبثيّة خصوصاً لو وقع غسلها بعد تبدّل حالها ووقوف دمها عن السيلان.

وكيف كان فالأظهر أنّه متى وقف دمها عن السيلان ولم يظهر على القطنة وصارت الاستحاضة قليلةً ، يرتفع حدثها الأكبر حقيقةً بالغسل ، سواء قلنا بكفاية كلّ غسل عن الوضوء أم لم نقل ؛ لأنّ الحقّ عدم مدخليّة الوضوء في رفع الحدث الأكبر ، كما يظهر ذلك ممّا أسلفناه وجهاً لوجوب الوضوء مع كلّ غسل ممّا عدا الجنابة في مبحث الحيض ، فلها إيجاد الغسل بقصد الكون على الطهارة مطلقاً ، سواء نوت الطهارة لنفسها أو مقدّمةً لشي‌ء من غاياتها الراجحة ، كما أنّ لها الوضوء بعد انقطاع الدم وحصول البرء للكون على الطهارة كسائر الأحداث.

وأمّا عند استمرار السبب فلا يرتفع حدثها حقيقةً ، بل يحصل لها بالغسل أو الوضوء طهارة حكميّة اضطراريّة سوّغها الضرورة ، وحينئذٍ فإن استفدنا من الأدلّة كون الضرورة حكمةً للحكم لا علّة بحيث تدور الطهارة الحكميّة مدارها ، يشرع لها إيجاد الوضوء أو الغسل لغاياتها المسنونة كالواجبة ، وإلّا فمقتضى الأصل الاقتصار على القدر المتيقّن من إيجادها للغايات الواجبة ، كما أنّ مقتضى القاعدة عدم الإتيان بشي‌ء من غاياتها بعد الغسل أو الوضوء عدا ما اضطرّت إليها من الواجبات ، لا غيرها ، مثل مسّ المصاحف ودخول المساجد.

لكنّك عرفت عدم الخلاف ظاهراً في أنّها إذا أتت بما عليها من الأفعال ، جاز لها الإتيان بجميع الغايات في الجملة ، فيكشف ذلك عن أنّ طهارتها وإن كانت حكميّةً لكنّها بمنزلة الحقيقيّة في الأثر ، وقد تقدّمت الإشارة في صدر المبحث إلى أنّه لا ينبغي الارتياب في جواز إتيانها

٣٣٩

بالنوافل ، لكن يجب عليها عند كلّ صلاة وضوء ، بل الظاهر عدم الخلاف في مشروعيّتها وإن اختلفوا في كفاية وضوء الفرائض أو غسلها لها أو وجوب تجديد الوضوء لكلّ صلاة ، وقد عرفت أنّ الثاني هو الأشبه ، فالظاهر عدم اختصاص مشروعيّة الوضوء بما لو أتت به لغاية واجبة ، بل يظهر منهم كونه من المسلّمات ، كما أنّه يظهر منهم كون الغسل أيضاً كذلك حيث صرّحوا بوجوب الإتيان به لصلاة الليل لمن أراد فعلها وإن اختلفوا في كفايته عن غسل الغداة وعدمها.

وكيف كان فالظاهر أنّ جواز فعل الوضوء أو الغسل لسائر الغايات في الجملة من المسلّمات ، بل يمكن استفادته من النصوص خصوصاً الأخبار الآتية في حكم وطئها.

فالأظهر أنّ لها الإتيان بالوضوء أو الغسل لكلّ غاية ، وأنّه إذا أتت بشي‌ء منهما لشي‌ء من غاياته يستباح به جميع غاياته ما دام أثره باقياً ، والقدر المتيقّن من بقاء أثره إنّما هو ما لم يتحقّق الفراغ من الغاية المنويّة بشرط اتّحادها عرفاً ، واتّصالها بالوضوء أو الغسل ، والاحتياط لا ينبغي تركه بحال ، والله العالم بحقائق أحكامه.

اعلم أنّهم اختلفوا في جواز وطئ المستحاضة قبل الغسل على أقوال : فقيل بالجواز مطلقاً ، كما عن المعتبر والتذكرة والتحرير والدروس والبيان والموجز وشرحه والروض ومجمع الفائدة والمدارك والذخيرة وغيرهم (١).

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٥٩ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٢٩١ ، المسألة ٩٥ ، وتحرير الأحكام ١ : ١٦ ، والدروس ١ : ٩٩ ، والبيان : ٢١ ، والموجز (ضمن الرسائل العشر) : ٤٧ ٤٨ ، وكشف الالتباس ١ : ٢٤٤ ، وروض الجنان : ٨٥ ، ومجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٦٤ ـ ١٦٦ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٣٧ ، وذخيرة المعاد : ٧٦ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٤٤.

٣٤٠