مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

«نعم» (١).

ويدلّ عليه في الجملة : ما رواه فضل بن يونس عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام في حديثٍ ، قال : «إذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة ، فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر ، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر ، فضيّعت صلاة الظهر فوجب عليها قضاؤها» (٢).

وقضيّة مفهوم الشرط وإن كانت عدم وجوب القضاء ما لم يمض من الزوال أربعة أقدام إلّا أنّه لا بدّ من إهمال الشرطيّة من المفهوم بقرينة الإجماع وغيره من الأدلّة.

هذا ، مع إمكان أن يقال : إنّ قوله عليه‌السلام : «فضيّعت» إلى آخره ، بمنزلة التعليل لوجوب القضاء ، ومقتضى عموم العلّة المنصوصة ثبوت الحكم بالنسبة إلى جميع أفراد المطلوب ؛ لصدق التضييع والتفويت في جميع الموارد ، فيكون عموم التعليل قرينةً على عدم إرادة المفهوم من الشرطيّة ، فتأمّل.

ثمّ إنّ المتبادر من السؤال في الرواية الاولى بل وكذا الثانية : إرادة حكم ما إذا أدركت الوقت طاهرةً متمكّنةً من فعل الصلاة على الوجه المتعارف بشرائطها المتعارفة من الطهارة وستر البدن ونحوهما فأخّرتها

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٤ / ١٢٢١ ، الإستبصار ١ : ١٤٤ / ٤٩٤ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٢ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٩ / ١١٩٩ ، الإستبصار ١ : ١٤٢ / ٤٨٥ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

١٢١

حتى حاضت.

والحكم في مثل هذا الفرض ممّا لا خلاف فيه بل لا شبهة تعتريه حيث يدلّ عليه مضافاً إلى ما عرفت عمومات الأدلّة القاضية بقضاء الفرائض مطلقاً ، المخصّصة بالنسبة إلى الفرائض التي تركتها الحائض وقت حيضها بالأدلّة القطعيّة المنصرفة عن مثل الفرض ؛ فإنّه وإن صدق في المقام حقيقةً أنّ هذه الصلاة ممّا تركته الحائض ما دام حيضها لأجل الحيض ؛ إذ لم ينحصر وقتها بأوّل الوقت فكان آخر الوقت أيضاً وقتاً لها فتركتها في وقتها لأجل الحيض إلّا أنّه لا ينسبق إلى الذهن من الأدلّة المخصّصة إلّا حكم ما إذا كان الحيض بنفسه سبباً لترك الصلاة بأن لم تكن متمكّنةً من فعلها من دون حدث الحيض ، وأمّا لو تمكّنت من ذلك فينصرف عنه إطلاقات الأدلّة ، ولا يفهم حكمها منها جزماً ، كما يشهد بذلك مراجعة العرف وأسئلة السائلين ، فالمرجع في مثل الفرض ليس إلّا عموم الأمر بالقضاء.

(و) قد ظهر بما ذُكر أنّه (إن كان) حيضها (قبل ذلك) بأن لم يتأخّر عن وقت الصلاة بمقدار أدائها مع مقدّماتها التي يتعارف إيجادها في الوقت كالطهارة والستر (لم يجب) قضاؤها ، كما عن المشهور (١) ؛ لعموم ما دلّ على أنّ الحائض لا تقضي صلاتها ، الشامل للفرض بلا تأمّل.

ويؤيّده موثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن امرأة صلّت الظهر

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢١٠.

١٢٢

ركعتين ثمّ إنّها طمثت وهي جالسة ، قال : «تقوم من مقامها ولا تقضي تلك الركعتين» (١) فتأمّل.

وعن العلّامة في المنتهى (٢) الاستدلال عليه : بأنّ وجوب الأداء ساقط ؛ لاستحالة التكليف بما لا يطاق ، ووجوب القضاء تابع لوجوب الأداء.

وقد صرّح بالتبعيّة المذكورة غير واحد ، فجعلها دليلاً على وجوب القضاء في الصورة السابقة ، وعدمه في هذه الصورة بزعم دوران صدق الفوت المعلّق عليه وجوب القضاء في جملة من أدلّته مدار وجوبها أداءً ، وهو فرع التمكّن ، فمتى تمكّنت من الصلاة في الوقت بأن مضى منه مقدار الطهارة والصلاة فقد وجبت ، فإن لم تأت بها في وقتها والحال هذه ، فقد فاتتها مصلحة الصلاة الواجبة ، فعليها قضاؤها ، بخلاف ما لو لم تتمكّن من ذلك فلم يفتها واجب كي يجب قضاؤه.

وفيه : أنّ المستفاد من أدلّة القضاء إنّما هو إناطته بعدم إتيان الصلاة في وقتها ، وأنّ هذا هو المراد من الفوت ، ولا يتوقّف على ثبوت أمرٍ منجّز ، وإلّا لما وجب على النائم والغافل ، ولا على عدم كون الفعل محرّماً عليه أداءً ، وإلّا لما وجب على مَنْ أُكره على ترك الصلاة على وجه حرّم عليه فعلها في وقتها ، بل المدار ليس إلّا على ترك الصلاة في الوقت ، بل لا يبعد أن يقال : إنّه يستفاد من الأمر بالقضاء أنّ الأوامر المتعلّقة بالصلاة

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٤ / ١٢٢٠ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٦. وكلمة «تلك» لم ترد في المصدر.

(٢) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٣٤١ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٢٠٩.

١٢٣

من قبيل تعدّد المطلوب ، فكونها في الوقت مطلوب ، لكن بفوات الوقت لا تفوت المطلوبيّة.

ولا ينافي هذا ما هو التحقيق من أنّ القضاء بأمرٍ جديد ، كما لا يخفى.

هذا ، مع أنّه يكفي في صدق الفوت مجرّد شأنيّة الثبوت ولو بملاحظة نوع المكلّفين.

وتوهّم توقّفه على ثبوت مصلحة فعليّة ممكنة الحصول في الوقت الموظّف بالنظر إلى خصوص المكلّف ، كما في النائم والغافل ، مدفوع : بأنّ إطلاق العرف الفوائت على الصلاة ليس إلّا بملاحظة نفسها لا مصلحتها ، بل ربما لا يلتفتون إلى مصلحتها ، بل ربما ينكرون المصلحة كالأشاعرة ، فلا فرق فيما يتفاهم عُرفاً بين قول المجتهد لمقلّده : يجب عليك قضاء ما فاتتك من الصلاة ، أو قضاء ما لم تأت بها في وقتها.

هذا ، مع أنّ في جملة من الأخبار المعلّلة لنفي القضاء على الحائض شهادةً بأنّه من قبيل رفع التكليف بحيث لولاه لوجب عليها قضاء الصلاة أيضاً ، كالصوم.

مع أنّه لو تمّ هذا الدليل بأن كان وجوب القضاء دائراً مدار صدق الفوت وتوقّف حصول عنوانه على ثبوت كون الفعل مأموراً به في الوقت ، لكان المتّجه ما حكي عن العلّامة (١) في النهاية من عدم اعتبار وقتٍ يسع الطهارة ، وكفاية كونه بمقدار مجرّد فعل الصلاة ، بل الأوجه

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢١٠ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ١٢٣ و ٣١٧.

١٢٤

كفاية مضيّ مقدار صلاة اضطراريّة فضلاً عن الاختياريّة ؛ لأنّها مكلّفة بذلك في الواقع وإن لم تطلّع عليه في مقام تكليفها.

ولذا لا ينبغي التأمّل في أنّها لو فرض علمها قبل الوقت بمفاجأة الحيض بعد الوقت بمقدارٍ يسع صلاة اضطراريّة ، يجب عليها المبادرة إلى تحصيل مقدّماتها قبل الوقت ، والاشتغال بنفس الفعل في أوّل الوقت ، كما عرفت تحقيقه في صدر الكتاب في مسألة وجوب الغسل لصوم اليوم ، مع أنّه لا يظنّ بأحدٍ أن يلتزم بوجوب القضاء عليها في مثل الفرض ، كما أنّه لا يظنّ بأحدٍ أن يلتزم بعدم وجوب الأداء عليها في الصورة المفروضة على تقدير سبق العلم وإن استشكل من استشكل في تصوّر وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها.

فإن كان مناط صدق الفوت بزعم المستدلّ فوات مصلحة الواجب بشرط إمكان أن يحصّلها المكلّف ، ففي الفرض محقّق. وإن كان مناطه فوات امتثال الأمر الواقعيّ المتوقّف حصوله على ثبوت الأمر في الواقع وإن لم يعلم به المكلّف ، فهو أيضاً كذلك. وإن كان المناط بزعمه تنجّز الأمر الواقعي لا مجرّد تحقّقه ، فهذا ممّا لا يعتبره أحد في وجوب القضاء ، بل مخالف للضرورة.

فالتحقيق أنّ الحكم بعدم القضاء يدور مدار انصراف الأدلّة الخاصّة المخصّصة للعمومات ، والمتبادر منها ليس إلّا عدم وجوب قضاء صلاة كان الحيض موجباً لامتناع تحقّقها صحيحةً بحسب حالها في العرف ، دون ما إذا تمكّنت عرفاً من فعلها صحيحةً قبل أن تحيض.

وحكي عن المرتضى وأبي علي قدس‌سرهما القول بكفاية ما يسع

١٢٥

أكثر الصلاة (١).

واستدلّ لهما : بخبر أبي الورد عن أبي جعفر عليه‌السلام عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمّ ترى الدم ، قال عليه‌السلام : «تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين ، وإن كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها ، فإذا تطهّرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب» (٢).

وفيه مضافاً إلى ما في الرواية من ضعف السند ، وإعراض الأصحاب عنها ، واشتمالها على ما لا يمكن الالتزام به من قضاء الركعة وحدها أنّ تطبيقها على مدّعاهما لا يخلو عن إشكال ؛ لأنّ تقييد مورد السؤال بما لو اشتغلت المرأة في أوّل الوقت حقيقةً مع إطلاق السؤال تنزيل على الفرد النادر الذي لا يبعد دعوى القطع بعدم إرادته بالخصوص من إطلاق السؤال والجواب. فالأولى ردّ علم مثل هذه الروايات إلى أهله.

هذا ، مع أنّه على تقدير العمل بالرواية يجب الاقتصار على موردها ؛ لأنّ التخطّي عنه قياس لا نقول به.

(وإن طهرت قبل آخر الوقت) بمقدارٍ تمكّنت من الاغتسال وأداء الصلاة جامعةً لشرائطها المعتبرة ، وجب عليها ذلك ؛ لثبوت المقتضي ،

__________________

(١) الحاكي عنهما هو العلّامة في مختلف الشيعة ٢ : ٤٥٢ ، المسألة ٣١٢ ، وانظر : جُمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٣٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٣ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٩٢ / ١٢١٠ ، الإستبصار ١ : ١٤٤ ١٤٥ / ٤٩٥ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

١٢٦

وهو عمومات الأدلّة ، وارتفاع المانع ، أعني الحيض.

ويدلّ عليه أيضاً مضافاً إلى ذلك خبر منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام : «إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر» (١).

وقوله عليه‌السلام في خبر أبي الصباح الكناني : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر» (٢).

وقوله عليه‌السلام في خبر عبد الله بن سنان : «إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر ، وإن تطهّرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء» (٣).

وقول الباقر عليه‌السلام في خبر داوُد الدجاجي (٤) : «إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر ، وإن طهرت في آخر الليل صلّت المغرب والعشاء» (٥) إلى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي بعضها إن شاء الله.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٠ / ١٢٠٢ ، الإستبصار ١ : ١٤٢ / ٤٨٧ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، الحديث ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٣٩٠ / ١٢٠٣ ، الإستبصار ١ : ١٤٣ / ٤٨٩ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، الحديث ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٣٩٠ / ١٢٠٤ ، الإستبصار ١ : ١٤٣ / ٤٩٠ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، الحديث ١٠.

(٤) في التهذيبين : الزجاجي.

(٥) التهذيب ١ : ٣٩٠ ٣٩١ / ١٢٠٥ ، الإستبصار ١ : ١٤٣ ١٤٤ / ٤٩١ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، الحديث ١١.

١٢٧

وإن أخلّت بها ، قضت ، كما يدلّ عليه مضافاً إلى عموم ما دلّ على قضاء الفوائت خصوص ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت الصلاة ففرّطت فيها حتى يدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها ، وإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة ودخل وقت صلاة اخرى فليس عليها قضاء ، وتصلّي الصلاة التي دخل وقتها» (١).

وما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : قلت : المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر ، قال : «تصلّي العصر وحدها ، فإن ضيّعت فعليها صلاتان» (٢).

وما رواه أبو عبيدة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا رأت المرأة الطهر وقد دخل عليها وقت الصلاة ثمّ أخّرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة أُخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها» (٣).

وما رواه عبد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المرأة تقوم في وقت الصلاة فلا تقضي ظهرها حتى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت أتقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال : «إن كانت توانت قَضَتْها ، وإن كانت دائبةً في

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٣ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣٩٢ / ١٢٠٩ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ٣٨٩ ٣٩٠ / ١٢٠٠ ، الإستبصار ١ : ١٤٢ / ٤٨٦ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٣ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٩١ ٣٩٢ / ١٢٠٨ ، الإستبصار ١ : ١٤٥ / ٤٩٦ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

١٢٨

غسلها فلا تقضي» (١) إلى غير ذلك من الأخبار.

فلا إشكال في الحكم إجمالاً ، كما أنّه لا خلاف فيه ، عدا أنّه يظهر من بعض الأخبار أنّ وقت الظهر الذي يفوت بفواته الصلاة إنّما هو بعد أن يمضي من الزوال أربعة أقدام ، كما أنّه ربما يستشعر ذلك على سبيل الإجمال بل يستظهر من أغلب الأخبار المتقدّمة المشعرة أو الظاهرة في مباينة أوقات الصلاة ، وعدم اشتراك بعضها مع بعض.

لكنّك ستعرف في مبحث المواقيت أنّه لا بدّ من توجيه هذه الأخبار ، أو ردّ علمها إلى أهله.

وكذا إن أدركت من آخر الوقت (بمقدار الطهارة) التي لا صلاة إلّا بها دون غيرها من الشرائط الاختياريّة على الأظهر (وأداء) أقلّ ما يجزئ اختياراً من (ركعة) فضلاً عن الأكثر (وجب عليها الأداء ، ومع الإخلال القضاء) لما ستعرف في باب المواقيت إن شاء الله من أنّ مَنْ إدراك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة ، فهو بمنزلة إدراك الكلّ في لزوم الأداء الذي يستلزمه وجوب القضاء على تقدير الإخلال.

والعبرة بسعة الوقت للطهارة المائيّة ؛ فإنّ أخبار الباب كفتاوى الأصحاب على ما صرّح به بعضهم (٢) ناطقة بذلك ، بل في الجواهر : أنّه مجمع عليه هنا بحسب الظاهر (٣).

نعم ، لو اقتضى تكليفها التيمّم لا لضيق الوقت بل لمرضٍ ونحوه ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩١ / ١٢٠٧ ، الوسائل ، الباب ٤٩ من أبواب الحيض ، الحديث ٨.

(٢) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٤٣.

(٣) جواهر الكلام ٣ : ٢١٥.

١٢٩

اعتبر قدرتها عليه ؛ إذ المدار على ما يتبادر من الأخبار ليس إلّا على إدراكها من الوقت بمقدار تتمكّن من الخروج من عهدة تكليفها الذي هو الصلاة مع الغسل لو لا مرض ونحوه ، فلا يكون الضيق مؤثّراً في انقلاب تكليفها ؛ إذ لا تكليف مع الضيق ، لكن لو لم يكن فرضها إلّا التيمّم ولو مع عدم الضيق ، فلا يعتبر إلّا وفاء الوقت بذلك ؛ لما أشرنا من إناطة الحكم بكفاية الوقت للقيام بشأنها بحسب ما يقتضيه تكليفها.

(وأمّا ما يتعلّق به) أي : الحيض (فأشياء) :

(الأوّل : يحرم عليها) حال الحيض (كلّ ما يشترط فيه الطهارة) من الحدث (كالصلاة والطواف) من غير فرقٍ بين التطوّع والفريضة والتحمّل والأصالة وإن لم نقل بكونها شرطاً في التطوّع من حيث هو بل من حيث اللبث في المسجد.

وكذا يحرم بعد الانقطاع قبل الطهارة المائيّة أو ما يقوم مقامها وإن كان بين الحرمتين فرقٌ ؛ فإنّ الثانية ليست إلّا تشريعيّةً ، وأمّا الاولى فالأظهر كونها ذاتيّةً ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار المتقدّمة في مطاوي المباحث السابقة :

منها : كثير من الأخبار الواردة في باب الاستظهار ، الدالّة على وجوب ترك العبادة أو جوازه عند احتمال كونه حيضاً ، وقد سمّاه في بعض (١) تلك الأخبار بالاحتياط ، فلو لم يكن فعلها حراماً ذاتيّاً لما كان الترك احتياطاً أبداً ، بل كان الاحتياط فعلها برجاء مطلوبيّتها في الواقع.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧١ / ٤٨٨ ، الإستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٢ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٧.

١٣٠

وقد أشرنا في محلّه أنّ وجوب التحيّض بعد انقضاء العادة وإن كان موافقاً للأصل لكن أخبار الاستظهار ناطقة بعدم كون الأمر بترك العبادة من هذه الجهة ، بل من جهة كونه احتياطاً ، وكون مراعاة احتمال الحيض أرجح بنظر الشارع من احتمال النقاء وكون الدم استحاضةً ، ولو لا الحرمة الذاتيّة بحيث يدور الأمر بين المحذورين ، لكان الواجب في مقام الاحتياط الاعتناء باحتمال كونه استحاضةً ، كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة خلف بن حمّاد ، المتقدّمة (١) ، الواردة في من اشتبه حيضها بدم العذرة ؛ فإنّ قول الإمام عليه‌السلام بعد أن سأله السائل عن حكمها : «فلتتّق الله تعالى فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر ، وليمسك عنها بعلها ، وإن كان من العذرة فلتتّق الله تعالى ولتتوضّأ ولتصلّ» كالصريح في كون الأمر دائراً بين المحذورين ، وأنّ المورد ممّا لا يمكن فيه الاحتياط ، ولذا أشكل الأمر على السائل وقال : كيف لهم أن يعلموا أيّما هو حتى يفعلوا ذلك ، الحديث.

ويستشمّ من تعبير الإمام عليه‌السلام كونه تعريضاً على فقهاء العامّة مثل أبي حنيفة ونظرائه حيث أمروها بعد أن سألتهم بالاحتياط ، وقالوا : هذا شي‌ء قد أُشكل ، والصلاة فريضة واجبة ، فلتتوضّأ وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض ، فإن كان دم الحيض ، لم تضرّها الصلاة ، وإن كان دم العذرة ، كانت قد أدّت الفريضة. ومن الواضح أنّه لو لم تكن الصلاة محرّمةً عليها ذاتاً ، لكان الاحتياط في محلّه ، ولم يتوجّه عليهم التعريض.

__________________

(١) في ص ١٠.

١٣١

ويؤيّدها ظاهر كلمات الأصحاب وصريح بعضهم ، وعليه بني ردّ ما يذكر في بعض المقامات من الاحتياط لها بفعل العبادة بأنّه معارض بمثله.

وما يقال من أنّ حرمتها ذاتاً غير متصوّرة ؛ لرجوعها إلى التشريع مع النيّة ولا حرمة مع عدمها ، مدفوع : بأنّه لا امتناع في أن يكون إتيانها بقصد الصلاة مثلاً ـ مشتملاً على مفسدة ذاتيّة وقبح من حيث التشريع ، فلو نوت بفعلها الاحتياط ، ينتفي موضوع التشريع ، لكن تبقى مفسدتها الذاتيّة وحرمتها الواقعيّة ، فلا يصحّ أن يكون عملها احتياطاً ، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن إلّا الحرمة التشريعيّة ، كما هو ظاهر.

(و) مثلها (مسّ كتابة القرآن) واسم الله جلّ اسمه ؛ لما تقدّم في باب الوضوء والجنابة ، وقد عرفت فيما تقدّم أنّ إلحاق الأوصاف الخاصّة وكذا أسماء الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام بهما لا يخلو عن وجه.

كما أنّك عرفت أنّ المحرّم إنّما هو مسّ موضع الكتابة ، وأمّا مسّ ما عداه فلا (و) لكنّه (يكره) لها (حمل المصحف ولمس هامشه) وما بين سطوره.

وما عن علم الهدى من حرمة مسّ المصحف ولمس هامشه (١) ، فقد مرّ ضعفه في الجنابة مستوفى ، فراجع ؛ كي يتّضح لك تحقيق المقام مع جملة من الفروع المتعلّقة به.

(ولو تطهّرت) الحائض عن الحدث الأصغر أو عن حدث الحيض ولو في الفترة المحكوم عليها به (لم يرتفع حدثها) قطعاً ، ولا ينافيه

__________________

(١) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ١ : ٢٣٤ ، وكما في جواهر الكلام ٣ : ٢١٧.

١٣٢

مشروعيّة الوضوء أو التيمّم لها أحياناً ، كما هو ظاهر.

ويدلّ عليه مضافاً إلى عدم الخلاف فيه ـ : حسنة محمّد بن مسلم : سأل الصادقَ عليه‌السلام عن الحائض تطهّر يوم الجمعة وتذكر الله ، فقال : «أمّا الطهر فلا ، ولكنّها تتوضّأ وقت الصلاة وتستقبل القبلة وتذكر الله» (١).

وأمّا لو تطهّرت عن الحدث الأكبر غير الحيض كالجنابة والمسّ ، فهل يرتفع الحدث الذي تطهّرت منه أم لا؟ وجهان ، أحوطهما : الثاني ، بل عن بعضٍ دعوى (٢) الإجماع عليه ، لكنّ الأوّل هو الأظهر كما عرفت الكلام فيه مفصّلاً في مبحث تداخل الأغسال في باب الوضوء ، والله العالم.

(الثاني : لا يصحّ منها) حال الحيض (الصوم) إجماعاً وسنّةً من غير فرقٍ بين الواجب منه والمندوب.

وأمّا بعد الانقطاع وقبل الطهارة ففيه خلاف.

فعن المشهور أنّه لا يصحّ (٣) ، وتفصيل المقام موكول إلى محلّه.

(الثالث : لا يجوز لها الجلوس) بل مطلق اللبث (في المسجد) ووضع شي‌ء فيه ، ولكن يجوز أخذها منه ومرورها فيه كالجنب بلا خلافٍ معتدٍّ به في شي‌ء منها ظاهراً ، كما يدلّ عليها جملة من الأخبار المتقدّمة في الجنابة

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٠ ١٠١ / ١ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٢) حكاها صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢١٨ عن المحقّق في المعتبر ١ : ٢٢١.

(٣) نسبه إلى المشهور صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٢٠.

١٣٣

منها : صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين إلى أن قال ويأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئاً» (١) الحديث.

(و) لكنّه صرّح جماعة من الأصحاب كالشيخ والمصنّف والعلّامة والشهيد وغيرهم على ما حكي (٢) عنهم بأنّه (يكره الجواز) أي الاجتياز (فيه) بل عن الشيخ (٣) في الخلاف الإجماع عليها ، وكفى بذلك مستنداً لمثلها.

مضافاً إلى ما في كشف اللثام مرسلاً عن الباقر عليه‌السلام : «إنّا نأمر نساءنا الحُيّض أن يتوضأن عند وقت كلّ صلاة إلى قوله عليه‌السلام ولا يقربن مسجداً ولا يقرأن قرآناً» (٤).

وكيف كان فهذا الحكم مخصوص بما عدا المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمّا المسجدان فيحرم دخولها فيهما مطلقاً ، كما يدلّ عليه ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث الجنب والحائض : «ويدخلان المسجد مجتازين ، ولا يقعدان ، ولا يقربان المسجدين الحرمين» (٥).

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٨٨ (الباب ٢١٠) الحديث ١ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٢) الحاكي عنهم هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٢٠ ٢٢١ ، وانظر : الخلاف ١ : ٥١٧ ، المسألة ٢٥٩ ، وشرائع الإسلام ١ : ٣٠ ، ونهاية الإحكام ١ : ١١٩ ، والبيان : ١٩.

(٣) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٢١ ، وانظر : الخلاف ١ : ٥١٨ ذيل المسألة ٢٥٩.

(٤) كشف اللثام ٢ : ١٠٤.

(٥) التهذيب ١ : ٣٧١ / ١١٣٢ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ١٧.

١٣٤

ولو حاضت فيهما أو دخلتهما عصياناً أو نسياناً وما بحكمه ، لم تقطعهما إلّا بالتيمّم ، كما يدلّ عليه ما رواه في الكافي بسندٍ فيه رفع عن أبي حمزة ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمّم ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمّماً حتى يخرج منه ثمّ يغتسل ، وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك ، ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد ولا يجلسان فيها» (١).

ويتّضح لك بالتأمّل فيما فصّلناه في مبحث الجنابة جملة من الأبحاث المتعلّقة بالمقام ، فراجع.

ولو اضطرّت إلى المكث في سائر المساجد ، لا يجب عليها التيمّم بل لا يشرع ؛ لعدم الدليل عليه ، وإنّما ثبت في خصوص المورد تعبّداً ، فلا يجوز التخطّي عنه ، والله العالم.

(الرابع : لا يجوز لها قراءة شي‌ء) حتى البسملة (من العزائم) الأربع كالجنب ، كما يدلّ عليه المعتبرة المستفيضة المتقدّمة (٢) في أحكام الجنب.

(ويكره لها) قراءة (ما عدا ذلك) من القرآن ، ولا تحرم عليها ، كما يدلّ عليه الأخبار المستفيضة.

وأمّا الكراهة فيدلّ عليها المرسلة المتقدّمة (٣) التي أوردها في كشف

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٣ / ١٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٢) في ج ٣ ص ٢٨٤.

(٣) في ص ١٣٤.

١٣٥

اللثام.

وفيه أيضاً أنّه روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن» (١).

وفي خبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام عن عليّ عليه‌السلام قال : «سبعة لا يقرءون القرآن : الراكع والساجد وفي الكنيف وفي الحمّام والجنب والنفساء والحائض» (٢).

وتشتدّ الكراهة فيما زاد على السبع ، كما يدلّ عليه ما تقدّم (٣) في الجنب.

ولو قيل بصيرورتها أغلظ فيما زاد على السبعين ، فلا يخلو عن وجه ، كما تقدّمت الإشارة إليه في حكم الجنب (٤) ، والله العالم.

ثمّ إنّ المتبادر من الأخبار وكلمات الأصحاب لأجل المناسبة المغروسة في الأذهان إنّما هو كون حدث الحيض كالجنابة مانعاً من دخول المساجد وقراءة العزائم من دون فرقٍ بين حال الدم وبين انقطاعه قبل الغسل.

فما عن بعض (٥) المتأخّرين من الفرق بينهما ، فجوّز لها الأمرين بعد الانقطاع ؛ معلّلاً ذلك بتعليق الحكم فيهما على الحائض وهو غير

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ١٠٤.

(٢) الخصال : ٣٥٧ / ٤٢ ، الوسائل ، الباب ٤٧ من أبواب قراءة القرآن ، الحديث ١.

(٣) في ج ٣ ص ٣٢٦.

(٤) في ج ٣ ص ٣٢٧ ألف.

(٥) الحاكي عنه هو العاملي في مدارك الأحكام ١ : ١٥ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٥٠ ١٥١.

١٣٦

صادق في هذا الحال ، ضعيف ، والله العالم.

(و) لا يحرم السجدة حال الحيض ؛ لعدم اشتراطها بالطهور ، كما سيأتي في محلّه ، بل يجب عليها أن (تسجد لو تلت السجدة) عصياناً أو سهواً وما بحكمه.

(وكذا لو استمعت) قراءتها أي : أصغت (على الأظهر) الأشهر بل المشهور ؛ لإطلاق ما دلّ على وجوبها عند القراءة والاستماع عموماً.

وخصوص صحيحة أبي عبيدة الحذّاء : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الطامث تسمع السجدة ، قال : «إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» (١).

وموثّقة أبي بصير في حديثٍ «والحائض تسجد إذا سمعت السجدة» (٢).

وموثّقة أبي بصير أيضاً قال : قال : «إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنباً وإن كانت المرأة لا تصلّي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد» (٣).

ولا يعارضها ما رواه في محكي السرائر عن كتاب [محمد بن (٤)]

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٦ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٢٩ / ٣٥٣ ، الإستبصار ١ : ١١٥ / ٣٨٥ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٦٨ ، الإستبصار ١ : ٣٢٠ / ١١٩٢ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٨ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

١٣٧

علي بن محبوب عن غياث عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام [عن عليّ عليه‌السلام] (١) قال : «لا تقضي الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة» (٢) وصحيحة البصري (٣) عن الحائض تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة ، قال : «تقرأ ولا تسجد» (٤) لإمكان الجمع بين الروايات بتقييد الأخبار الآمرة على ما إذا أصغت ، والناهية على ما إذا سمعت من دون إصغاءٍ ، كما حكي (٥) القول بالتفصيل عن جماعة من الأعلام.

ويشهد لهذا الجمع موثّقة ابن سنان عن رجل سمع السجدة ، قال : «لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراءته مستمعاً لها أو يصلّي بصلاته» (٦) الحديث.

وأمّا النهي عن السجدة فلا يدلّ على الحرمة ؛ لوروده في مقام دفع توهّم الوجوب.

ثمّ على تقدير تسليم المعارضة بين الأخبار فلا بدّ من طرح الروايتين ؛ لشذوذهما وموافقتهما للعامّة.

وعن بعضٍ تقييد الروايتين بما إذا سمعت سجدة من غير العزائم (٧).

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) السرائر ٣ : ٦١٠ ، الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

(٣) وهو عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٢ / ١١٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ / ١١٩٣ ، وفيه : «لا تقرأ ولا تسجد» الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

(٥) الحاكي هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٧٢ ، وانظر على سبيل المثال : تذكرة الفقهاء ١ : ٢٧٢ ، والمهذّب البارع ١ : ١٦٦.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٨ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٦٩ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب قراءة القرآن ، الحديث ١.

(٧) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٣٤ عن الشهيد الثاني في روض الجنان : ٧٦.

١٣٨

وعن بعضٍ حمل النهي عن السجدة في الصحيحة على النهي عن إيجاد سببها (١).

وهو بعيد بعد أن سأله عن حكم السماع.

والأوّل أيضاً لا يخلو عن بُعد وإن كان يشهد له بعض الروايات المتقدّمة ، ولكنّه لا بأس بهما في مقام التوجيه.

ونقل (٢) عن الشيخ في التهذيب والاستبصار القول بالحرمة واشتراطها بالطهارة.

قال في التهذيب : لا يجوز السجود إلّا لطاهر من النجاسات بلا خلاف (٣).

وسيأتي ضعفه في باب الصلاة إن شاء الله ، وتمام الكلام موكول إلى محلّه.

(الخامس : يحرم على زوجها) أو سيّدها (وطؤها) في القُبُل ، ويحرم عليها تمكينه من ذلك (حتى تطهر) بالأدلّة الثلاثة.

قال في المدارك : أجمع علماء الإسلام على تحريم وطء الحائض قُبُلاً ، بل صرّح جمعٌ من الأصحاب بكفر مستحلّه ما لم يدّع شبهةً محتملة ؛ لإنكاره ما عُلم من الدين ضرورةً.

ولا ريب في فسق الواطئ بذلك ووجوب تعزيره بما يراه الحاكم

__________________

(١) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٣٤ عن العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ١٨٥ ذيل المسألة ١٢٩.

(٢) الناقل عنه هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٢٤ ، وانظر : الاستبصار ١ : ١١٥ ذيل الحديث ٣٨٥.

(٣) التهذيب ١ : ١٢٩ ، والعبارة فيه نصّ عبارة المقنعة : ٥٢.

١٣٩

مع علمه بالحيض وحكمه.

ويحكى عن أبي علي ولد الشيخ رحمه‌الله تقديره بثُمْن حدّ الزاني ، ولم نقف على مأخذه (١). انتهى.

وللتكلّم فيما يستحقّه من التعزير مقام آخر وفّقنا الله للوصول إليه.

ولا فرق في ذلك بين ما إذا ثبت الحيضيّة بالعلم أو بقاعدة الإمكان ونحوها من الطرق المعتبرة.

ويلحق به مدّة الاستظهار إن أوجبناه.

وحيث رجّحنا وجوبه في اليوم الأوّل وكونها مخيّرةً فيما عدا اليوم الأوّل إلى العشرة فلها الخيار في التحيّض ومنع الزوج من الوطء والبناء على الطهارة وتمكينه.

ومتى اختارت التحيّض وامتنعت من التمكين هل يحرم على الزوج وطؤها؟ وجهان : من استصحاب المنع وكون اختيارها التحيّض كاختيار المضطربة عدد أيّامها من كلّ شهر ، ومن أنّ تخييرها ليس طريقاً عقليّاً أو شرعيّاً لإثبات حيضيّتها ؛ لما عرفت فيما سبق من أنّ أمر الشارع بالتخيير ليس إلّا ترخيصاً للاعتناء بكلٍّ من الاحتمالين اللذين دار أمرها بينهما ، كحكم العقل بالتخيير عند تكافؤ الاحتمالين ، فيفهم من كونها مخيّرةً في عملها ومن جواز أن يطأها زوجها بعد اليوم الذي يجب عليها الاستظهار ـ على ما يفهم من أخباره أنّ الشارع أهمل بالنسبة إليهما استصحاب الحيض أو استصحاب حرمة الوطء ونحوه ، فمقتضى الأصل إباحة وطئها

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٠ ، وانظر : روض الجنان : ٧٧ أيضاً ، حيث فيه حكاية قول أبي علي ابن الشيخ الطوسي رحمهما‌الله.

١٤٠