مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

مفاده أنّ الانقطاعات المتخلّلة في أثناء الحيض ليست طهراً ونقاءً واقعيّاً ، بل هي فترات عارضه في الأثناء منشؤها ضعف الدم وقلّته.

وكيف كان فهذه الفقرة كادت تكون صريحةً في أنّه يعتبر في الحيضة الواحدة وقوع أجزائها في ضمن العشرة أيّام التي ابتداؤها من يوم رأت فيه الدم بأن يكون مجموعة في ضمن العشرة ، فهي كالنصّ في بطلان ما زعمه صاحب الحدائق من كفاية عدم حصول الفصل بين أبعاض الدم بأقلّ الطهر.

وحَمْلُ قوله عليه‌السلام : «من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام» على إرادة يوم انقطاعه ، فيكون المراد : «من يوم لم تر فيه الدم» مع ما فيه من المخالفة للظاهر لا يجدي لصاحب الحدائق بعد أن ورد التنصيص على أنّه «إن رأت في تلك العشرة أيّام يوماً أو يومين حتى يتمّ لها ثلاثة أيّام ..» إذ لا يعتبر صاحب الحدائق كون المتمّم مجموعة في تلك العشرة ، كما هو مقتضى ظاهر الرواية ، بل يكتفى بظهور شي‌ء منه في آخر اليوم العاشر من أيّام النقاء ، سواء استمرّ إلى أن أتمّ الثلاثة أم انقطع ثمّ عاد قبل عشرة اخرى ، وهذه الفقرة كما تراها ناطقة ببطلان هذا القول مع مخالفته في حدّ ذاته للإجماع.

ولا يعارضها ما يتراءى من قوله : «فإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيّام ثمّ انقطع الدم اغتسلت وصلّت ، فإن رأت بعد ذلك الدم ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام فذلك من الحيض» فإن المراد منه ـ بقرينة ما تقدّم عليه أنّه إن لم يستكمل عشرة أيّام حيضها من يوم طهرت ، فينطبق حينئذٍ على ما استفيد ممّا تقدّم عليه ، ولا يكون حينئذٍ

٤١

مخالفاً لما انعقد عليه الإجماع.

هذا ، مع أنّ إرادة هذا المعنى في حدّ ذاته أوفق بظاهر قوله عليه‌السلام : «لم يتمّ لها من يوم طهرت» فإنّ المتبادر منه كون الظرف لغواً متعلّقاً بـ «لم يتمّ» لا بعاملٍ مقدر كي يكون حالاً أو صفةً مبيّنة لمبدإ العشرة.

هذا ، ولكنّ الإنصاف أنّه لو لُوحظت هذه الفقرة بنفسها مع قطع النظر عن سابقتها ومخالفتها للإجماع لكان المتبادر منها عرفاً ما زعمه صاحب الحدائق من أنّ المراد إذا لم يتعدّ من يوم طهرها عشرة أيّام (١) ، إلّا أنّه لا بُدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر ؛ لما عرفت ، مضافاً إلى عدم استقامته في حدّ ذاته ؛ فإنّ مفهوم قوله عليه‌السلام : «فإن رأت بعد ذلك الدم ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام فهو من الحيض» أنّه إن تمّ فليس من الحيض ، مع أنّه على هذا التقدير أيضاً حيض مستقبل.

اللهمّ إلّا أن يكون اللام للعهد ، فيكون حينئذٍ إرادة هذا المعنى أنسب ، كما لا يخفى.

هذا كلّه ، مع أنّه نقل شيخنا المرتضى رحمه‌الله عن نسخة مصحّحة مقروءة على الشيخ الحرّ العاملي بدل قوله : «طهرت» : «طمثت» (٢) فعلى هذا التقدير لا إجمال فيها أصلاً.

وممّا يؤيّد أنّ المراد من هذه الفقرة هو المعنى الأوّل بل يعيّنه ـ مضافاً إلى ما عرفت قوله بعد ذلك تفريعاً عليه : «فإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيّام ودام عليها» إلى آخره ؛ فإنّ

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٣ : ١٦٠.

(٢) كتاب الطهارة : ١٩٣.

٤٢

هذه الفقرة وإن كانت في غاية الاضطراب لفظاً ومعنًى إلّا أنّ المتبادر منها كون العشرة المشار إليها هي العشرة المذكورة في الفقرة المتقدّمة عليها ، ومن المعلوم أنّ المراد من هذه العشرة عشرة ابتداؤها أوّل رؤية الدم لا أوّل يوم الانقطاع ، فإنّ المراد منها أنّه إن استمرّ الدم الثاني إلى أن استكمل به عشرة أيّام الحيض ودام عليها ، فما زاد على العشرة استحاضة ، فهذه قرينة على أنّ المراد من الفقرة السابقة أيضاً أنّه إن استكمل عشرة أيّام حيضها من يوم طهرت ، وإلّا لما صحّت الإشارة إليها في هذه الفقرة ، فيكون مفاد الفقرة السابقة مفهوماً ومنطوقاً بقرينة هذه الفقرة فضلاً عمّا يستفاد من الفقرات المتقدّمة عليها ، المعتضدة بالنصّ والإجماع أنّه إن رأت الدم بعد الانقطاع قبل انقضاء عشرة أيّام حيضها ، فهو من الحيض ، وإن رأت بعد انقضائها فليس من الحيض ، فحينئذٍ يكون هذا الحكم الأخير شاهداً على أنّ ما يتراءى من ظاهر الفقرة التي بعدها أعني ضمّ خمسة أيّام من أوّل ما رأت الدم الثاني إلى الخمسة الأُولى التي رأت فيها الدم بإسقاط أيّام النقاء من البين ، وجَعْل ما عدا عشرة أيّام رأت في جميعها الدم استحاضةً ليس مراداً منها ، وإلّا للزم أن يكون بعض ما رأته بعد العشرة التي ابتداؤها أوّل رؤية الدم حيضاً ، وهذا ينافي التحديد في الفقرة السابقة بكونه قبل انقضاء العشرة لا بعدها.

هذا ، مع مخالفته صريحاً للفقرة التي بعدها ، وهي : «كلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض» اللهم إلّا أن يراد من أيّام الحيض ما لا ينافي ذلك وإن كان خلاف الظاهر.

وكيف كان فالمتعيّن حمل هذه الفقرة على ما لا ينافي سائر الفقرات

٤٣

المتقدّمة المعتضدة بفتوى الأصحاب وإجماعهم ، التي جعل الحكم المذكور في هذه الفقرة متفرّعاً عليها ، بأن يحمل قوله عليه‌السلام : «عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثاني» (١) على إرادة أنّها عدّت من أوّل زمان رأت فيه هذين الدمين ، أي من ابتداء رؤية الدم.

وإن أبيت إلّا عن ظهور هذه الفقرة فيما زعمه صاحب الحدائق وعدم صلاحيّة ما ذكر لصرفها عن ذلك ، فنقول : إنّه لا بدّ حينئذٍ من ردّ علمها إلى أهله ؛ إذ لا يمكن إثبات حكم شرعيّ مخالف لصريح الإجماع والأخبار الكثيرة الظاهرة في أنّ الحيض لا يكون أكثر من عشرة أيّام متوالية ، والطهر لا يكون أقلّ منها بمثل هذه الفقرة ، مع ما فيها من التشويش والاضطراب وعدم مناسبتها لسائر الفقرات ، بل سيتّضح لك عدم جواز العمل بهذه الفقرة أصلاً ولو على المعنى الأوّل ؛ لما ستعرف من أنّ ذات العادة كما هو المفروض في هذه الفقرة إذا تجاوز دمها العشرة ، ترجع إلى عادتها ، وتجعل ما عداها استحاضةً ، خلافاً لصريح هذه الفقرة ، فلا بدّ من طرحها ؛ لابتلائها بالمعارضات التي منها ظاهر الفقرة التي بعدها.

ولنعم ما قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله : إنّه لا يبعد أن يكون ما في الرواية من الاضطراب ناشئاً من ضمّ الراوي حين كتابة الرواية بعض ما حفظه بألفاظه إلى ما نقله بالمعنى (٢) ، والله العالم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٦ ٧٧ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٢) كتاب الطهارة : ١٩٣.

٤٤

فاتّضح لك أنّ الرواية لا تصلح مستندةً لصاحب الحدائق ، بل هي دالّة على بطلان مذهبه من جهات.

نعم ، هي صريحة في خلاف المشهور من عدم اعتبار التوالي في الثلاثة ، وقد عرفت حكومتها على غيرها من الأخبار الظاهرة في اعتبار الاستمرار والتوالي.

وقد أُجيب عنها : بضعف السند.

ونُوقش فيه : بوثاقة سندها ، وأمّا إرسالها فلا ضير فيه ؛ لأنّ المُرسل ـ وهو يونس ممّن نقل الإجماع على قبول مراسيله ، وأنّها كالمسانيد ، ولذا قال شيخنا المرتضى قدس‌سره : والأولى في الجواب عنها بأنّها مخالفة للمشهور ، بل شاذّة (١) ، كما عن الروض وجامع المقاصد دعواه (٢) ، بل عن الجامع أنّ الكلّ على خلاف رواية يونس. ولكنّه استظهر منها ما فهمه صاحب الحدائق ، فادّعى الإجماع على خلافه.

قال فيما حكي عنه : إنّه لو رأت ثلاثة أيّام متفرّقة أو ساعات متفرّقة ، يتلفّق منها ثلاثة ، وكانت وحدها حيضاً على رواية يونس ، وعلى خلافها الكلّ (٣). وقد عرفت ما في هذه الاستفادة من النظر.

وكيف كان فالرواية ممّا لا تأمّل في إعراض المشهور عنها ، إلّا أنّ رفع اليد عنها مع وثاقة سندها وعمل الشيخ وغير واحد من القدماء

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١٩١.

(٢) حكاها عنهما الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٩١ ، وانظر : روض الجنان : ٦٢ ، وجامع المقاصد ١ : ٢٨٧.

(٣) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٩٠ ، وانظر : الجامع للشرائع : ٤٣.

٤٥

والمتأخّرين بها في غاية الإشكال ، والاعتماد عليها في رفع اليد عن ظواهر الأدلّة المتكاثرة أشكل ، فالاحتياط بتدارك عباداتها بعد انقضاء العشرة التي رأت في خلالها الدم بمقدار ثلاثة أيّام ممّا لا ينبغي تركه.

وأمّا تكليفها في تلك الأيّام فهو التحيّض عند رؤية الدم والبناء على الطهارة مع النقاء. أمّا في ذات العادة : فواضح ، وفي غيرها أيضاً كذلك على الأظهر ، كما ستعرف ، والله العالم.

واستدلّ أيضاً صاحب الحدائق تبعاً لغيره لعدم اعتبار التوالي في الثلاثة : بإطلاق الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة» (١).

وموثّقة محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وإن رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولى ، وإن رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة أُخرى مستقبلة» (٢).

قال في تقريب الاستدلال : إنّهما ظاهرتان في أنّه إذا رأت المرأة الدم بعد ما رأته أوّلاً سواء كان الأوّل يوماً أو أزيد ، فإن كان بعد توسّط عشرة أيّام خالية من الدم ، كان الدم الثاني حيضةً مستقبلة ، وإن كان قبل ذلك ، كان من الحيضة الأُولى (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٧ / ١ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٥٦ / ٤٤٨ ، الإستبصار ١ : ١٣٠ ١٣١ / ٤٤٩ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١١.

(٣) الحدائق الناضرة ٣ : ١٦١ ١٦٢.

٤٦

وفيه : ما لا يخفى ؛ فإنّ التمسّك بإطلاق كون الدم الثاني من الحيضة الأُولى فرع إحراز كون الأوّل حيضاً ، وهذا ممّا لا كلام فيه ، وإنّما النزاع في أنّه هل يشترط في كون الأوّل حيضاً أن يستمرّ ثلاثة أيّام أم لا؟ فكيف يتمسّك بهذا الإطلاق لنفي ما يشكّ في اعتباره في حيضيّة الأوّل!؟

هذا ، مع إمكان دعوى ظهور الموثّقة في حدّ ذاتها فيما عليه المشهور ؛ لما عرفت فيما سبق من ظهور قوله عليه‌السلام : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام» (١) في إرادة الاستمرار والتوالي ، فالمقصود من الرواية ـ على ما هو الظاهر منها أنّ أقلّ ما يكون الحيض أن يستمرّ الدم ثلاثة أيّام ، فإن انقطع بعدها ثمّ عاد قبل انقضاء العشرة فهو من الحيضة الأُولى ، وإن رأته بعد العشرة ، فهو من حيضة مستقبلة.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ الشرطيّتين في هاتين الروايتين ليستا مسوقتين لبيان أنّ كلّ دم رأته قبل العشرة فهو دم الحيض ويُعدّ من الحيضة الأُولى ، وكلّ دم رأته بعد العشرة فهو من حيضة مستقبلة ، بل هما مسوقتان لبيان أنّها لو رأت دم الحيض قبل انقضاء العشرة ، فهو من الحيض الأوّل ، ولو رأت دم الحيض بعدها ، فهو من حيضة مستقبلة ، وليس إطلاقهما وارداً لبيان جميع ما يعتبر في ماهيّة الحيض حتى يتمسّك به لنفي ما يشكّ في اعتباره في ماهيّة الحيض من اعتبار التوالي ونحوه ، ولا سيّما الشرطيّة الثانية في الموثّقة ، فإنّها بحسب الظاهر تعبير عمّا يفهم

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٥٦ / ٤٤٨ ، الإستبصار ١ : ١٣٠ ١٣١ / ٤٤٩ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١١.

٤٧

من الشرطيّة الأُولى ، والمقصود الأصلي منها ليس إلّا بيان عدم كون الدم المرئي بعد العشرة من الحيضة الأُولى ، والحكم بكونه حيضاً مستقلا جارٍ مجرى الغالب.

وبهذا ظهر لك جواب آخر عن الاستدلال بالروايتين لنفي اشتراط التوالي.

وملخّصه : أنّ إطلاقهما مسوق لبيان حكمٍ آخر لا لبيان شرائط الحيض.

وكذا ظهر لك ضعف استدلال صاحب الحدائق بهما لإثبات كون النقاء المتخلّل بين الحيضة الواحدة طهراً وأنّه يعتبر في الحيضة الواحدة أن لا يتخلّل بين أبعاضها عشرة أيّام خالية من الدم ؛ نظراً إلى ظهور الروايتين في اتّحاد المراد من العشرة التي وقع التفصيل فيها بين رؤية الدم قبلها فيكون من الحيضة الأُولى ، أو بعدها فيكون من حيضة مستقبلة ، ولا شبهة أنّ العشرة التي يحكم بكون الدم المرئي بعدها حيضةً مستقبلة مبدؤها من حين انقطاع الدم لا من حين رؤيته ، ومقتضى التفصيل الواقع في الروايتين : كون الدم المرئي قبل هذه العشرة التي مبدؤها من حين انقطاع الدم من الحيضة الأُولى ، فوجب أن تكون أيّام النقاء طهراً ، وإلّا للزم أن تكون حيضة واحدة أكثر من عشرة أيّام فيما لو رأت يوماً أو يومين أو ثلاثة ثمّ رأت في اليوم العاشر من حين الانقطاع ، وهو خلاف النصّ والإجماع.

وفيه : أنّ المراد من العشرة التي حكم بكون الدم المرئي قبلها من الحيضة الاولى هي العشرة التي مبدؤها من حين رؤية الدم ، كما هو

٤٨

الظاهر المتبادر منهما ، المعتضد بغيرهما من النصّ والإجماع.

وأمّا الحكم بكون الدم المرئي بعدها من الحيضة المستقبلة فقد عرفت أنّه مبنيّ على الإهمال ، ولم يقصد منه إلّا كونه من الحيضة المستقبلة بشرط اجتماعه لشرائط الحيضيّة ، التي منها حصول الفصل بينه وبين الحيض الأوّل بأقلّ الطهر ، كاشتراطه بعدم كونه أقلّ من ثلاثة أيّام.

هذا ، مع أنّه في بعض النسخ التي عثرنا عليها منها : نسخة الحدائق ، الموجودة عندي رويت الموثّقة بتنكير العشرة الثانية هكذا : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وإن رأت الدم قبل العشر فهو من الحيضة الأُولى ، وإن رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة أُخرى» وظاهرها عدم اتّحاد العشرتين.

وكيف كان فلو سلّم ظهورها في الإطلاق ، فلا بدّ إمّا من تقييده بقوله عليه‌السلام : «أدنى الطهر عشرة» (١) أو من حمل العشرة في خصوص الشقّ الثاني من الترديد على إرادة ما كان ابتداؤها من حين انقطاع الدم.

وأمّا الشقّ الأوّل فليس المراد من العشرة فيه إلّا ما كان مبدؤها من يوم رأت الدم ، وإلّا للزم إمّا كون حيضة واحدة أكثر من عشرة أيّام إن قلنا بأنّ النقاء المتخلّل في الأثناء حيض ، أو كون الطهر أقلّ من عشرة لو قلنا بأنّه طهر ، وكلاهما مخالف للنصّ والإجماع.

وما ادّعاه صاحب الحدائق من أنّ المراد من الطهر الذي دلّت النصوص والفتاوى على أنّه لا يكون أقلّ من عشرة أيّام هو النقاء الواقع

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

٤٩

بين حيضتين مستقلّتين ممّا لا ينبغي الالتفات إليه ؛ إذ لا نتعقّل من الطهر إلّا الحالة التي حكم عندها بعدم كون المرأة حائضاً ، وقد نصّ الإمام عليه‌السلام في غير واحد من الأخبار بأنّه لا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام.

منها : رواية يونس ، المتقدّمة (١) ؛ فإنّه عليه‌السلام قال فيها : «أدنى الطهر عشرة أيّام إلى أن قال ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام».

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا يكون القرء أقلّ من عشرة أيّام فما زاد ، وأقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» (٢).

وحَمْلُ مثل هذه الأخبار على إرادة الطهر الواقع بين حيضتين مستقلّتين لا مطلق الطهر مجازفة.

نعم ، يمكن المناقشة في دلالة الصحيحة : بإمكان الالتزام بكون القرء أخصّ من الطهر. وكيف كان ففيما عداها غنى وكفاية.

هذا ، مع أنّ جَعْل الدماء المتعدّدة المتخلّلة بأيّام النقاء ، المحكوم بكونها طهراً مجموعها حيضة واحدة تحكّمٌ ، فلو ثبت ذلك شرعاً ، نلتزم به بلحاظ بعض آثاره لمحض التعبّد ، وإلّا فكلّ دم حينئذٍ حيض مستقلّ ، ولذا ربما يستظهر من قوله عليه‌السلام : «فإن رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأُولى» (٣) أنّ النقاء المتخلّل حيض حيث إنّه يدلّ على بقاء

__________________

(١) في ص ٣٧.

(٢) الكافي ٣ : ٧٦ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٥٧ / ٤٥١ ، الإستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ١ : ١٥٦ / ٤٤٨ ، الإستبصار ١ : ١٣٠ ١٣١ / ٤٤٩ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الحيض ، الحديث ١١.

٥٠

الحيضة الاولى إلى زمان خروج الدم الثاني ، وأنّ النقاء المتخلّل ليس موجباً لانقطاع كلٍّ من الدمين عن الآخر حتى يعدّ كلٌّ منهما حيضة مستقلّة ، بل لا ينبغي التأمّل في دلالة مرسلة يونس على أنّ دم الحيض دم خاصّ يستقرّ في الرحم ، فإن كانت المرأة كثيرة الدم ، يخرج ذلك الدم مستمرّاً إلى عشرة أيّام ، وإن كانت قليلة الدم ، يخرج في مدّة ثلاثة أيّام مستمرّة أو منقطعة في خلال العشرة ، وبعد أن صرّح الشارع بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة يعلم أنّ المرأة من أوّل خروج هذا الدم إلى آخره لا تكون طاهرةً ، بل هي حائض ، ولا يعتبر في اتّصافها بالحائضيّة السيلان الفعليّ ، وبعد اعتضاد هذه الاستفادة بفتوى الأصحاب وإجماعهم لا ينبغي الارتياب في الحكم ، والله العالم.

واستدلّ صاحب الحدائق أيضاً بما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن المرأة إن طلّقها زوجها متى تملك نفسها؟ فقال : «إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي تملك نفسها» قلت : فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قرئها؟ فقال : «إذا كان الدم قبل العشرة أيّام فهو أملك بها ، وهو من الحيضة التي طهرت منها ، وإن كان الدم بعد العشرة فهو من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها» (١).

قال في تقريب الاستدلال : والتدبّر فيها كما مرّ في صحيحة محمد ابن مسلم (٢).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٢٤ / ٤٣٠ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب العدد.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ١٦٣.

٥١

أقول : وقد اتّضح الجواب عنها فيما مرّ.

وملخّصه : أنّ إطلاق مثل هذه الأخبار وارد لبيان حكمٍ آخر ، وعلى تقدير ظهورها في الإطلاق لا بدّ من التصرّف فيها بما لا ينافي غيرها من الأدلّة.

وقد استشهد لإثبات إمكان كون الطهر أقلّ من عشرة أيّام ، وأنّ ما لا يكون أقلّ هو الطهر الواقع بين حيضتين مستقلّتين : بموثّقة يونس بن يعقوب ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال : «تدع الصلاة» قلت : فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال : «تصلّي» قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال : «تدع الصلاة تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع عنها الدم ، وإلّا فهي بمنزلة المستحاضة» (١).

ورواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ترى الدم خمسة أيّام والطهر خمسة وترى الدم أربعة أيّام والطهر ستّة أيّام ، فقال : «إن رأت الدم لم تصلّ ، وإن رأت الطهر صلّت ما بينها وبين ثلاثين يوماً» (٢) الحديث.

ولا يخفى ما في هذا الاستشهاد ؛ فإنّه لو تمّت شهادة الروايتين على مدّعاه لدلّنا على إمكان كونها حائضاً في شهر خمسة عشر يوماً من

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ / ١١٧٩ ، الإستبصار ١ : ١٣١ ١٣٢ / ٤٥٣ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٣٨٠ / ١١٨٠ ، الإستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

٥٢

دون أن يتحقّق الفصل بأقلّ الطهر ، فإن كان مجموعها حيضةً واحدة ، للزم كونها أكثر من عشرة ، وإلّا للزم كون الطهر الواقع بين حيضتين مستقلّتين أقلّ من عشرة.

فالوجه في الروايتين تنزيلهما على بيان تكليف من اختلط عليها حيضها في مقام العمل ، بل هذا هو الظاهر من سياقهما ، كما يشهد به الأمر بترتيب أحكام المستحاضة بعد انقضاء شهر ، فمقتضى ظاهر الروايتين أنّ تكليف هذه المرأة أن تترك الصلاة عند رؤية الدم ، وتصلّي عند انقطاعه احتياطاً حتى ينكشف الواقع أو يمضي شهر فتعمل عند رؤية الدم بعده ما تعمله المستحاضة.

قال المصنّف في محكي المعتبر بعد نقل هذا التوجيه وما يقرب منه عن الشيخ رحمه‌الله : هذا تأويل لا بأس به. ولا يقال : الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام. لأنّا نقول : هذا حقّ ولكن هذا ليس بطهر على اليقين ولا حيضاً ، بل هو دم مشتبه تعمل فيه بالاحتياط (١). انتهى.

فتلخّص لك من جميع ما ذكرنا أنّه كما يمتنع أن تتحقّق حيضة واحدة في أقلّ من ثلاثة أيّام ، كذلك يمتنع أن تتحقّق في أكثر من عشرة أيّام ، وأنّ النقاء المتخلّل في أثناء حيضة واحدة حيض لا طهر ، وإلّا للزم كون الطهر أقلّ من عشرة أيّام ، وهو باطل نصّاً وإجماعاً.

وظهر لك فيما تقدّم أنّ المتبادر من قوله عليه‌السلام : «أقلّ الحيض ثلاثة أيّام» (٢) إرادة استمرار الدم في تلك الثلاثة أيّام بأن ترى الدم من أوّل اليوم

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٩٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٠٧.

(٢) الفقيه ١ : ٥٥ / ٢١٠ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الحيض ، الحديث ٦.

٥٣

الأوّل ويستمرّ إلى آخر اليوم الثالث ، ولو رأت في أثناء اليوم ، يعتبر استمراره إلى هذا الوقت من اليوم الرابع حتى يستكمل به ثلاثة أيّام ، نظير إقامة العشرة القاطعة لحكم السفر ، فالليلتان المتوسّطتان وكذلك الليالي المتوسّطات في الفرض الأخير داخلة في المحدود.

ولكنّك عرفت حكومة رواية يونس على ذلك ، ودلالتها على عدم اعتبار الاستمرار والتوالي ، إلّا أنّ الذي تقتضيه رواية يونس عدم اعتبار الاستمرار والتوالي في الثلاثة ، لا جواز كون الدم السائل مدّته أقلّ من ثلاثة أيّام ، فالقول بكفاية رؤية الدم في ثلاثة أيّام في الجملة ضعيف في الغاية ، ومخالف لظواهر جميع الأدلّة.

فالأقوى اعتبار امتداده زمان سيلانه مقدار ثلاثة أيّام ولياليها المتوسّطة ولو على تقدير العمل برواية يونس.

وهل يكفي بناءً على العمل بها التلفيق من الساعات ، كما [لو] ترى الدم ساعة والنقاء اخرى وهكذا إلى أن يتمّ به مقدار ثلاثة أيّام بلياليها المتوسّطة؟ فيه إشكال.

وأشكل منه تلفيق الأيّام من ساعات الليل ، كما لو لم تر الدم في الأيّام العشرة ورأت في لياليها ؛ لخروج مثل هذه الفروض عمّا هو المفروض في الرواية.

اللهمّ إلّا أن يدّعى استفادة حكمها من الرواية بدعوى ظهورها في إمكان خروج دم الحيض شيئاً فشيئاً في خلال العشرة مطلقاً ، وأنّ المناط كون الدم الخارج من الكثرة بمكان لا يكون مدّة خروجه في خلال العشرة أقلّ من مقدار ثلاثة أيّام من دون أن يكون لكونه في اليوم مدخليّة

٥٤

في حيضيّته.

وفيها ما لا يخفى من الإشكال ، والله العالم.

ثمّ إنّ المراد من الاستمرار إنّما هو الاستمرار على الوجه المتعارف عند النسوة بأن لم ينقطع الدم بالمرّة على وجه يتحقّق البياض الذي كانت النسوة ربما يسألن عن حكمه عند عروضه في أثناء العادة ، كما في بعض الأخبار (١) ، فيستكشف من سؤالهنّ أنّ الانقطاع من الباطن بالمرّة خلاف المتعارف.

وكيف كان فالظاهر كفاية بقائه في الباطن في الجملة ولو في غاية القلّة بحيث لو أدخلت القطنة لخرجت متلطّخةً ولو بالصفرة.

والحاصل : أنّ المدار على استمرار الدم ثلاثة أيّام على الوجه المتعارف المعهود عند أهله ، والله العالم.

(وما تراه المرأة) من الدم بأيّ لون كان (بعد يأسها) وانقطاع رجائها من الحيض (لا يكون حيضاً) بلا خلاف فيه نصّاً وفتوى.

(و) إنّما الخلاف فيما به يتحقّق اليأس ، فقيل : (تيأس المرأة) قرشيّةً كانت أم غيرها (ببلوغ ستّين) سنة ، كما هو ظاهر المتن ، وعن بعض كتب العلّامة (٢) اختياره ، وعن المحقّق الأردبيلي (٣) الميل إليه.

(وقيل : في غير القرشيّة) ببلوغ خمسين سنة ، وفيها ببلوغ ستّين.

__________________

(١) انظر : الكافي ٣ : ٩٠ / ٧ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ١٧١ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٩٦.

(٣) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ١٨٨ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٤٤ ١٤٥.

٥٥

والظاهر أنّ هذا القول مختار معظم الأصحاب ، بل عن جملة من كتبهم نسبته إلى المشهور (١) ، بل عن التبيان ومجمع البيان نسبته إلى الأصحاب (٢).

(و) قد ألحق جملة من أصحاب هذا القول بالقرشيّة (النبطيّة) فقالوا فيهما ببلوغ ستّين سنة ، وفيما عداهما بخمسين ، بل عن بعضٍ (٣) دعوى الشهرة عليه ، بل عن ظاهر بعضٍ نسبته إلى الأصحاب (٤).

وقيل : إنّها تيأس مطلقاً قرشيّةً كانت أم غيرها (ببلوغ خمسين سنة) كما عن النهاية والجُمل والسرائر والمهذّب والمنتهى والمدارك وطلاق الكتاب (٥).

ومستند هذا القول : إطلاق صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «حدّ التي قد يئست من الحيض خمسون سنة» (٦).

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ١٨٨.

(٢) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ١٨٨ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٤٠ ، وانظر : التبيان ١٠ : ٣٠ ، ومجمع البيان ١٠ : ٤٥٨.

(٣) انظر : جواهر الكلام ٣ : ١٦٢ ، وكتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ١٨٨ ، وروض الجنان : ٦٢ ، وجامع المقاصد ١ : ٢٨٥.

(٤) انظر : جواهر الكلام ٣ : ١٦٢ ، وكتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ١٨٨ ، وجامع المقاصد ١ : ٢٨٥.

(٥) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ١٨٨ ، وانظر : النهاية : ٥١٦ ، والسرائر ١ : ١٤٥ ، والمهذّب ٢ : ٢٨٦ ، ومنتهى المطلب ١ : ٩٦ ، ومدارك الأحكام ١ : ٣٢٣ ، وشرائع الإسلام ٣ : ٣٥ ، ولم نجده في الجُمل والعقود.

(٦) الكافي ٣ : ١٠٧ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ / ١٢٣٧ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

٥٦

وصحيحته الأُخرى ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال ـ إلى أن قال والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض» قال : قلت : وما حدّها؟ قال : «إذا كان لها خمسون سنة» (١).

ومرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة» (٢).

ولا يعارضها موثّقة ابن الحجّاج أو حسنته ، قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال : التي يئست من المحيض ومثلها لا تحيض» قلت : ومتى تكون كذلك؟ قال : «إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض» (٣) الحديث ، ومرسلة الكافي قال : وروى «ستّون سنة» أيضاً (٤) ؛ لقصورهما عن المكافئة للأخبار المتقدّمة خصوصاً مع قوّة الظنّ بكون المراد من المرسلة خصوص الموثّقة ، وكون الموثّقة متّحدةً مع الصحيحتين المتقدّمتين ، ووقوع الاشتباه والاختلاف من الرواة ، كما يشهد به ألفاظ الرواية.

وعلى تقدير صدور كلتا الروايتين لا بدّ من تقييد إطلاقهما بمرسلة ابن أبي عمير التي هي عندهم كالصحيحة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٦٩ / ١٨٨١ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الحيض ، الحديث ٨ ، والباب ٣ من أبواب العدد ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٧ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ / ١٢٣٥ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٦٩ / ١٨٨١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب العدد ، الحديث ٥.

(٤) الكافي ٣ : ١٠٧ ذيل الحديث ٢ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

٥٧

«إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلّا أن تكون امرأةً من قريش» (١).

وفي الوسائل نقل عن الشيخ في المبسوط أنّه قال : تيأس المرأة إذا بلغت خمسين سنة إلّا أن تكون امرأةً من قريش ؛ فإنّه روي أنّها ترى دم الحيض إلى ستّين سنة (٢).

وتقييد إطلاق الستّين بهاتين الروايتين وإن كان بعيداً ؛ لندرة القرشيّة بالنسبة إلى غيرها ولكنّه أولى من الطرح في مقام الجمع.

وكيف كان فهذا القول هو الأقوى ؛ لقوّة المرسلة ، وعدم معارضتها لشي‌ء من الأخبار المتقدّمة ، وكونها شاهدةً للجمع بينها ومرجعاً على تقدير العلم باتّحاد روايات ابن الحجّاج وعروض الإجمال لها باختلاف نقلها وعدم المرجّح في البين وإن كان فرض عدم المرجّح مجرّد الفرض كما هو ظاهر.

وأمّا مستند إلحاق النبطيّة بالقرشيّة : فما أرسله المفيد في المقنعة ، قال : وروى «أنّ القرشيّة من النساء والنبطيّة تريان الدم إلى ستّين سنة» (٣).

وضعفه مجبور بالأُصول ودعوى الشهرة عليه.

ولكنّه ناقش شيخ مشايخنا المرتضى رحمه‌الله في انجبار ضعفه : بأنّ الاصول منقطعة بمرسلة ابن أبي عمير ، المتقدّمة. ودعوى الشهرة موهونة

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٧ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ / ١٢٣٦ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الحيض ، الرقم ٥ ، وانظر : المبسوط ١ : ٤٢.

(٣) المقنعة : ٥٣٢ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب الحيض ، الحديث ٩.

٥٨

بإهمال ذكره من كثير ممّن قال بالستّين في الهاشميّة كالشيخ والصدوق والمحقّق في المعتبر فضلاً عمّن قال بالخمسين مطلقاً ، بل المفيد الذي هو الأصل في رواية الخبر لم يظهر منه العمل به.

وإطلاق رواية الستّين مع معارضتها بإطلاق رواية الخمسين لا يعبأ به بعد تخصيصها بمرسلة ابن أبي عمير ، فالمسألة محلّ الإشكال ، والاحتياط مطلوب فيها على كلّ حال (١). انتهى.

أقول : لا بعد أن تكون فتوى جملة من كبراء الأصحاب وعملهم بمثل هذه المرسلة كافيةً في جبرها ؛ لأنّ من المستبعد جدّاً تطرّق الاشتباه والوضع فيها ، فالقول بإلحاق النبطيّة بالقرشيّة ـ كما عن المشهور (٢) لا يخلو عن قوّة ، والله العالم.

بقي الكلام في تعيين موضوعهما مفهوماً ومصداقاً.

أمّا القرشيّة : فهي المرأة المنسوبة إلى قريش ، وهو بحسب الظاهر ـ على ما صرّح به جملة من الأصحاب القبيلة المتولّدة من النضر بن كنانة بن خزيمة أحد أجداد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعبرة إنّما هي بانتسابها إليها بالأب كما عن المشهور (٣) لأنّه هو المتبادر من قوله عليه‌السلام : «إلّا أن تكون امرأةً من قريش» (٤).

وأمّا الاكتفاء بالأُمّ كما استظهره في الحدائق (٥) من جملة من

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١٨٨.

(٢) كما في مفتاح الكرامة ١ : ٣٣٩.

(٣) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ١٨٩.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٥٧ ، الهامش (٣).

(٥) الحدائق الناضرة ٣ : ١٧٥.

٥٩

الأصحاب ، واحتمله آخرون إمّا بدعوى صدق الانتساب عرفاً وشرعاً ، وإمّا بدعوى أنّ للأمّ مدخلاً شرعاً في لحوق حكم الحيض ، ففيه ما لا يخفى ؛ لمخالفة الدعوى الاولى لما هو المتبادر من النصّ ، وكون الثانية اجتهاداً في مقابل النصّ.

وأمّا النبطيّة : فقال شيخنا المرتضى قدس‌سره : لم يذكر أصحابنا لها معنىً كمااعترف به في جامع المقاصد.

نعم ، قد اختلف أهل اللغة في معناها ، فعن العين والمحيط والديوان والمغرب وتهذيب الأزهري : أنّهم قوم ينزلون سواد العراق. وعن المصباح المنير : أنّهم قوم كانوا ينزلون سواد العراق ، ثمّ استعمل في أخلاط الناس. وعن الصحاح والنهاية : قوم ينزلون البطائح بين العراقين : البصرة والكوفة. وعن بعضهم : أنّهم قوم من العجم. وعن آخر : مَنْ كان أحد أبويه عربيّاً والآخر عجميّاً. وعن آخر : أنّهم عرب استعجموا كقوم نعمان بن منذر ، أو عجم استعربوا كأهل بحرين. وعن آخر : أنّهم قوم من العرب دخلوا العجم والروم اختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم ، وذلك لمعرفتهم أنباط الماء ، أي استخراجه ؛ لكثرة فلاحتهم ، إلى غير ذلك.

وعلى أيّ تقدير فقد اعترف جماعة بعدم وجودهم في أمثال ذلك الأيّام ، وظاهر ذلك أنّهم كانوا طائفةً خاصّة متّصفة بما ذكره أهل اللغة من نزولهم سواد العراق ، أو بين البطائح ، أو غير ذلك ، لا أنّ النبطيّة موضوعة لكلّ مَنْ كان كذلك.

لكن في كشف الغطاء بعد قوله : إنّ النبطيّة في أصحّ الأقوال : قوم كانوا في زمان صدور الروايات ينزلون سواد العراق. قال : وإلحاق كلّ

٦٠