مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

من دون أن يكون لأفرادها من حيث خصوصيّاتها الشخصيّة مدخليّة في الحكم ، ومن المعلوم أنّ الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرّر ، وإنّما المتكرّر أفرادها التي لا مدخليّة لخصوصيّاتها في ثبوت الجزاء ، فيكون تحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الثاني من الأفراد المتعاقبة بمنزلة تحقّقها في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى ، فكما أنّه لا أثر لتحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى عند استدامته إلى الزمان الثاني ، كذا لا أثر لتحقّقها في ضمن الفرد الثاني بعد كونه مسبوقاً بتحقّقها في ضمن الفرد الأوّل ، نظير سببيّة الحدث للوضوء حيث يجب الوضوء عند تحقّق مسمّاه ، ولا أثر لاستمراره بعد حصول المسمّى ولا لتجدّده ثانياً ، وليس هذا تقييداً لإطلاق ما دلّ على سببيّة صرف الطبيعة بلحاظ تحقّقها الخارجي للوضوء حتى ينفيه أصالة الإطلاق.

وقد أشرنا إلى أنّه إذا لم يكن للخصوصيّات الشخصيّة مدخليّة في ثبوت الجزاء ، ليس تحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الثاني إلّا كتحقّقها في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى.

وصدق وطئين أو أزيد عند تخلّل الفصل المعتدّ به عرفاً دون ما إذا لم يفصل إنّما يصلح فارقاً إذا كان الحكم معلّقاً على وجودات الطبيعة وتشخّصاتها ، أي أفرادها ، دون ما إذا كان الحكم معلّقاً على الطبيعة بلحاظ تحقّقها الخارجي ، وبينهما فرقٌ بيّن.

فعلى الأوّل لا يتنجّز الأمر بالجزاء إلّا بعد أن يتفرّد الفرد بالفرديّة عرفاً بأن فرغ منه وإن طالت مدّته ، فيكون مجموع أجزائه مؤثّرةً في إيجاب الجزاء.

١٦١

وعلى الثاني يتنجّز التكليف بعد حصول المسمّى ولا مدخليّة لما زاد عنه في التأثير ، لكن لا يصحّ منه الجزاء ما دام الاشتغال بالفعل ، لا لعدم الأمر كما في الأوّل ، بل لبقاء علّة الوجوب وإن لم يكن الأثر مستنداً إليه بالفعل.

مثلاً : لو قلنا بأنّ مباشرة ماء البئر لبدن الجنب سبب لوجوب نزح أربعين ، فلو وقع الجنب في البئر ، يتحقّق الوجوب بمجرّد المباشرة لكنّ النزح لا يجدي ما دام الجنب في البئر ، فبقاؤه وإن لم يكن علّةً فعليّة للنزح لكنّه مانع من تأثير النزح في سقوط التكليف ، كما هو ظاهر.

فحينئذٍ يتمّ النقض على الدليل المذكور ؛ فإنّ اتّصال ماء البئر ببدن الجنب في الآن الثاني ليس إلّا كحدوثه ثانياً في سببيّته للنزح ، فلو كان عدم تأثيره ثانياً في الفرض الثاني في إيجاب جزاء مستقلّ منافياً لظاهر الدليل الدالّ على سببيّة طبيعة الشرط للجزاء ، لكان في الفرض الأوّل من حيث تحقّق الطبيعة في الآن الثاني أيضاً كذلك.

وحلّه : ما عرفت من أنّ الطبيعة من حيث هي تصدق على القليل والكثير والواحد والمتعدّد ، ومقتضى كونها مؤثّرةً من حيث هي استناد الأثر إليها باعتبار أوّل آنات تحقّقها ، وكون ما عداه من وجوداتها أسباباً شأنيّة من دون فرقٍ بين كون سائر الوجودات متّصلةً بوجودها الأوّل بحيث يُعدّ مجموع وجوداتها فرداً واحداً مستمرّاً بنظر العرف أو مفصولةً عنه بحيث يتعدّد بسببها الأفراد.

نعم ، لو كان الجزاء مرتّباً على وجودات الطبيعة أي أفرادها ، لكان مقتضى القاعدة تكرّر الجزاء بتعدّد الفرد من دون فرقٍ بين ما لو وجدت

١٦٢

الأفراد دفعةً أو تدريجاً.

والإنصاف أنّ هذا الكلام قويّ جدّاً ، وإليه يؤول كلام الحلّي ونظرائه ممّن أنكر التكرّر متمسّكاً بتعليق الجزاء على طبيعة الشرط ، وهي أمر لا تتكرّر وإن تكرّرت أشخاصه.

لكن يتوجّه على الحلّي : أنّ مقتضاه الالتزام بما قوّاه في المدارك (١) من التفصيل بين ما لو وقع التكرار في وقت لا تختلف فيه الكفّارة بشرط عدم تخلّل التكفير وبين غيره ؛ ضرورة أنّه على تقدير اختلاف الوقت يختلف الشرط ، فلا يتمشّى هذا الدليل ، كما أنّه عند تخلّل التكفير تجب الكفّارة ثانياً عند حصول سببها الذي هو عبارة عن حصول المسمّى ، نظير أسباب الوضوء.

ولا يبعد أن يكون مراد الحلّي أيضاً إنكار التكرّر في خصوص الفرض لا مطلقاً وإن أطلق قوله ؛ لأنّ تخصيص المدّعى بما يقتضيه دليله أولى من نسبته الغفلة البيّنة إليه ، خصوصاً بالنظر إلى ما تقدّمت حكايته عنه في مبحث التداخل من اختياره التفصيل بين ما لو اتّحدت الأسباب المتعدّدة أو اختلفت ، فالتزم بالتداخل في الأوّل دون الثاني (٢).

(و) قد ظهر ممّا حقّقناه أنّ القول (الأوّل) أي القول بعدم تكرّرها بتكرّر الوطء في وقت لا تختلف فيه الكفّارة كما قوّاه المصنّف رحمه‌الله بشرط عدم تخلّل التكفير لا يخلو من وجه وإن كان للنظر في دعوى ظهور الشرطيّة عرفاً في المقام في تعلّق الحكم على الطبيعة المطلقة

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٦.

(٢) انظر ج ٢ ص ٢٥٨.

١٦٣

بلحاظ تحقّقها الخارجي لا بلحاظ ما يتحقّق منها في الخارج أعني وجوداتها مجال ، وعلى تقدير الشكّ فالمرجع البراءة عن التكليف الزائد المشكوك.

وأمّا مع تخلّل التكفير فالتكرّر (أقوى وإن اختلف ، تكرّرت) مطلقاً على الأظهر ، كما يظهر وجهه ممّا مرّ.

ثمّ إنّ في المقام فروعاً كثيرة لا يهمّنا الاهتمام في تنقيحها بعد البناء على استحباب الكفّارة ، والله العالم بحقائق أحكامه.

(السادس : لا يصحّ طلاقها إذا كانت مدخولاً بها وزوجها حاضر معها) بلا خلاف فيه عندنا ، كما في الجواهر (١) وغيره (٢).

قال في المدارك : هذا مذهب علمائنا أجمع.

قال في المعتبر : وقد أجمع فقهاء الإسلام على تحريمه ، وإنّما اختلفوا في وقوعه ، فعندنا لا يقع ، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ومالك : يقع.

وأخبارنا ناطقة بتحريمه وبطلانه. والحكم مختصّ بالحاضر ، وفي حكمه الغائب الذي يمكنه استعلام حالها ، أو لم تبلغ غيبته الحدَّ المسوّغ للجواز (٣). انتهى.

وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه.

(السابع : إذا طهرت ، وجب عليها الغسل) للغايات الواجبة المشروطة بالطهور ؛ إذ لا تحصل الطهارة التي هي شرط للصلاة إلّا به

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ : ٢٣٨ ، و ٣٢ : ٢٩.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٢٥٩ ، ذخيرة المعاد : ٧٠.

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٢٦.

١٦٤

إجماعاً ونصّاً ، فيجب مقدّمةً لها.

ولا يجب لنفسه ؛ للأصل ، بل عن الروض وغيره دعوى الإجماع عليه (١).

لكن في المدارك قوّى وجوبه لذاته ، قال بعد أن حكى عن بعض المحقّقين أنّه قال : ظاهرٌ أنّ وجوب الغسل عليها مشروط بوجوب الغاية ؛ فإنّه لا خلاف في أنّ غير غسل الجنابة لا يجب لنفسه ، وإطلاق المصنّف رحمه‌الله للوجوب اعتماداً على ظهور المراد ـ : وأقول : إنّ مقتضى عبارة الشهيد رحمه‌الله في الذكرى تحقّق الخلاف في ذلك ، كما بيّنّاه فيما سبق.

ويظهر من العلّامة رحمه‌الله في المنتهى التوقّف في ذلك حيث قال في هذه المسألة بعد أن ذكر أنّ وجوب الغسل عليها مشروط بوجوب الغاية ـ : وإن كان للنظر فيه مجال ؛ إذ الأمر فيه مطلق بالوجوب ، وقوّته ظاهرة (٢). انتهى.

والأظهر خلافه في غسل الجنابة مع وقوع الخلاف فيه فضلاً عن المقام الذي لم يتحقّق وجود قائلٍ به ؛ لأنّ المتبادر من الأمر بالغسل من الأحداث المانعة من الصلاة وغيرها من العبادات المشروطة بالطهور ـ كالأمر بغسل الثوب والبدن الملاقي للنجس ، وإراقة الإناءين المشتبهين ونحوها من الأوامر المتعلّقة بشرائط العبادات أو أجزائها ليس إلّا الوجوب الغيري ؛ لأنّ معهوديّة وجوبها الشرطي قرينة مرشدة إليه.

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٣٨ ، وانظر : روض الجنان : ٧٥ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٢٦.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٧ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٢٦ ، والذكرى ١ : ١٩٦ ، ومنتهى المطلب ١ : ١١٢.

١٦٥

هذا ، مع أنّ وجوب الغسل مقدّمةً للصلاة ونحوها من الواجبات المشروطة بالطهور معلومٌ ، وإرادة تكليف آخر من الأوامر المطلقة غير هذا التكليف المقدّمي غير معلوم ، فالأصل ينفيه ، وحيث إنّ وجوبه الغيريّ معلوم لا مسرح للتشبّث بأصالة الإطلاق ، التي مرجعها إلى قبح إرادة التكليف الغيريّ والسكوت عن ذكر الغير ، وإنّما ينصرف الأمر المطلق إلى الطلب النفسي فيما إذا كان ترك التقييد والتعرّض لكونه غيريّاً منافياً للغرض الباعث على الأمر ، وبعد مساعدة دليلٍ منفصل على وجوبه الغيريّ لا قبح في ترك التقييد ، والاعتماد على القرينة المنفصلة ، كجميع الأوامر المطلقة المتعلّقة بغسل الثوب والبدن وتطهير الإناء ونحوها ممّا لا تحصى.

(وكيفيّته) أي غسل الحيض من حيث الشرائط والأجزاء ، وجواز كونه ترتيباً وارتماساً (مثل غسل الجنابة) بلا خلاف فيه ظاهراً.

كما يدلّ عليه ما رواه عبيد الله (١) بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «غسل الجنابة والحيض واحد» (٢).

وخبر أبي بصير عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحائض أعليها غسل مثل غسل الجنب؟ قال عليه‌السلام : «نعم» (٣).

ورواية محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «غسل الجنابة والحيض واحد» قال : وسألته عن الحائض عليها غسل مثل غسل

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : عبد الله. وما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ١٦٢ / ٤٦٣ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٥ ، و ١٦٢ / ٤٦٤ ، الاستبصار ١ : ٩٨ / ٣١٨ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الجنابة ، الحديث ٧ ، والباب ٢٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٦.

١٦٦

الجنب؟ قال : «نعم» (١).

هذا كلّه ، مضافاً إلى انصراف الأمر بغسل الحيض كغيره من الأغسال الواجبة والمسنونة إلى إرادة الكيفيّة المعهودة التي بيّنها الشارع في غسل الجنابة التي تعمّ بها البلوى ، فلو كان مراده من غسل الحيض وكذا سائر الأغسال كيفيّة اخرى ، لوجب عليه بيانها.

ألا ترى أنّه لو أمر بصلاة ركعتين تطوّعاً ، لا يفهم إلّا إرادة إيجادها على النحو المعهود في الفريضة ، إلّا أن يصرّح فيها بكيفيّة خاصّة.

(لكن) أثره ليس مثل أثر غسل الجنابة ؛ فإنّه لا يستباح به بمجرّده الصلاة ونحوها ، بل (لا بدّ معه من الوضوء) على الأشهر بل المشهور ، بل عن الصدوق في الأمالي الإقرار بأنّ في كلّ غسل وضوءاً من دين الإماميّة (٢).

وحكي عن ابن الجنيد والسيّد وجماعة من متأخّري المتأخّرين ـ كالأردبيلي وأصحاب المدارك والذخيرة والمفاتيح والحدائق كفاية كلّ غسل عن الوضوء (٣).

واستدلّ للمشهور مضافاً إلى العمومات الدالّة على سببيّة البول والغائط والنوم وغيرها من النواقض التي يمتنع تخلّفها عن الحائض عادةً لوجوب الوضوء ـ بمرسلة ابن أبي عمير التي هي كالصحيحة عن

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الجنابة ، الحديث ٦.

(٢) كما في جواهر الكلام ٣ : ٢٤٠ ، وانظر : أمالي الصدوق : ٥١٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٣٢ ، مدارك الأحكام ١ : ٣٥٨ ، ذخيرة المعاد : ٤٩ ، مفاتيح الشرائع ١ : ٤٠ ، الحدائق الناضرة ٣ : ١٢٢ ، وحكى قول ابن الجنيد والسيّد المرتضى المحقّقُ في المعتبر ١ : ١٩٦ ، والعلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ١٧٨ ، المسألة ١٢٤ ، وانظر أيضاً جواهر الكلام ٣ : ٢٤١.

١٦٧

رجل عن الصادق عليه‌السلام قال : «كلّ غسل قبله الوضوء إلّا غسل الجنابة» (١).

ورواه الشيخ بطريق صحيح إليه أيضاً عن حمّاد بن عثمان أو غيره عن الصادق عليه‌السلام قال : «في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة» (٢).

وعن ظاهر المختلف أنّهما روايتان (٣).

واستدلّ لهم أيضاً بخبر عليّ بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام قال : «إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل» (٤) مع تتميمه بعدم القول بالفصل.

ويؤيّده المرويّ عن غوالي اللآلي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «كلّ غسل لا بدّ فيه من الوضوء إلّا الجنابة» (٥).

وما عن الفقه الرضوي : «والوضوء في كلّ غسل ما خلا غسل الجنابة ، لأنّ غسل الجنابة فريضة يجزئه عن الفرض الثاني ، ولا يجزئه سائر الأغسال عن الوضوء ، لأنّ الغسل سنّة والوضوء فريضة ، ولا تجزئ سنّة عن فرض ، وغسل الجنابة والوضوء فريضتان ، فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزئ عن أصغرهما ، فإذا اغتسلت لغير الجنابة فابدأ بالوضوء ثمّ اغتسل ، ولا يجزئك الغسل عن الوضوء ، فإن اغتسلت ونسيت الوضوء فتوضّأ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥ / ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩١ ، الإستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٢٨ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٣ / ٤٠٣ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

(٣) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٤٢ ، وانظر : مختلف الشيعة ١ : ١٧٨ ، المسألة ١٢٤.

(٤) التهذيب ١ : ١٤٢ / ٤٠١ ، الإستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٤ ، الوسائل ، الباب ٣٥ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٥) غوالي اللآلي ٢ : ٢٠٣ / ١١٠ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

١٦٨

وأعد الصلاة» (١).

وفي الحدائق بعد نقل الرضوي قال : وبهذه العبارة بعينها عبّر الصدوق في الفقيه من غير استنادٍ إلى الرواية ، وهو قرينة ظاهرة في الاعتماد على الكتاب المذكور والإفتاء بعبارته ، كما جرى عليه أبوه قبله في رسالته إليه (٢).

أقول : وهذا التعليل بنفسه ممّا يورث قوّة الظنّ بكونه من مضامين الأخبار ؛ إذ من المستبعد وقوع هذا النحو من التعليل والتعبير من غير المعصوم.

والمناقشة في سند المرسلتين وكذا خبر ابن يقطين : بقصور السند بعد كونها مقبولةً عند الأصحاب ممّا لا ينبغي الاعتناء بها.

لكن قد يتأمّل في دلالتها على المدّعى ، لا لما قيل من عدم دلالة المرسلتين ـ اللتين هما العمدة في الاستدلال إلّا على مشروعيّة الوضوء مع سائر الأغسال ، وهي أعمّ من الوجوب ، فإنّ المقرّر في محلّه كون الجملة الخبريّة كالأمر ظاهرها الوجوب ، بل قد يدّعى أظهريّتها من الأمر ؛ لكونها إخباراً عن الواقع ، وظاهرها عدم الانفكاك ، وأقرب مجازاته عدم جواز التفكيك ، بل لأنّ مقتضى هذا الظاهر بعد حمل مطلق الأخبار على مقيّدها إنّما هو وجوب كون كلّ غسل مسبوقاً بالوضوء ، وظاهره الوجوب الشرطي.

وهذا مع مخالفته للمشهور ممّا لا يمكن الالتزام به ؛ إذ لا يمكن

__________________

(١) أورده عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ١٢٠ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٢.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ١٢٠ ، وانظر : الفقيه ١ : ٤٦.

١٦٩

ارتكاب التقييد في جميع الأوامر المطلقة الواردة في مقام البيان ، المتعلّقة بالأغسال الواجبة والمسنونة ، وكذا الأخبار الخاصّة الدالّة على أنّ غسل الميّت أو غسل الحائض مثل غسل الجنب مع خلوّ الأخبار المسوقة لبيان كيفيّة الغسل عن التعرّض له بمثل هذا الظاهر مع مخالفته للمشهور ، ومعارضته بالموثّقة الآتية التي وقع فيها التصريح بأنّه ليس على الرجل ولا على المرأة في شي‌ء من الأغسال لا قبله ولا بعده وضوء ، التي هي نصٌّ في نفي وجوبه الشرطي حيث إنّه هو القدر المتيقّن من مفادها ، فيجب إمّا حمل الأمر بالوضوء قبل الغسل على الاستحباب ، والالتزام بكون الوضوء السابق كالمضمضة والاستنشاق من سنن الغسل ، أو حمله على الوجوب أو الاستحباب النفسي من دون أن يكون للتقديم مدخليّةٌ في صحّة الغسل ولا في صحّة الوضوء. وهذا مع بُعْده في حدّ ذاته ممّا لا يظنّ بأحد أن يلتزم به. أو الالتزام بكون التقديم شرطاً في صحّة الوضوء ورافعيّته للحدث الأصغر. وهذا أوضح بطلاناً من سابقه. أو الالتزام بكون الإخبار مسبوقةً لبيان أنّ ما عدا غسل الجنابة غير مجزئ عن الوضوء ، وإنّما أُمر بإيجاده قبل الغسل ؛ لكونه أفضل فردي الواجب المخيّر. وهذا المعنى وإن كان موافقاً لما عليه المشهور إلّا أنّ حمل الرواية عليه ليس بأولى من حملها على المعنى الأوّل ، بل العكس أولى بالنظر إلى ظاهر الرواية حيث إنّ مقتضاه كون الوضوء السابق شرطاً لصحّة الغسل ، وعند تعذّر هذا المعنى حمله على إرادة كونه شرطاً لكماله أولى من سائر المحامل ، مع أنّه أوفق بما يقتضيه الجمع بينها وبين الأخبار الآتية.

هذا ، ولكن لمانع أن يمنع تقييد بعض الروايات ببعض ، ويدّعي أنّ

١٧٠

المنساق إلى الذهن من قوله عليه‌السلام في المرسلة الثانية : «في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة» (١) وكذا من رواية (٢) الغوالي هو عدم الاجتزاء بالغسل عن الوضوء المعهود للصلاة ، ولا مقتضي لتقييدها بالمرسلة الأُولى ؛ لعدم التنافي ؛ لإمكان ثبوت كلا الحكمين في الواقع بأن لم يكن ما عدا غسل الجنابة مجزئاً عن الوضوء ، وكون الوضوء في حدّ ذاته مستحبّاً قبل الغسل ، أو كونه أفضل من تأخيره ، وعلى هذا يتّجه الاستدلال بالروايتين.

كما أنّه لو جوّزنا الاعتماد على الرضوي ولو بملاحظة انجباره بعبارة الصدوق وفتوى غيره ، لكان بنفسه حجّةً كافية ؛ لدلالته صراحةً على عدم ارتفاع الحدث الأصغر بالغسل ووجوب إعادة الصلاة بدونه.

ولكنّ الإشكال في جواز الاعتماد عليه بل وكذا في الاعتماد على النبويّ المرويّ عن الغوالي ؛ إذ لم يثبت اعتماد المشهور عليه حتى يكون جابراً لضعفه.

وأمّا مرسلة ابن أبي عمير فيغلب على الظنّ اتّحادها مع مرسلته الاولى.

فالإنصاف أنّ الاستدلال بهذه الأخبار لمذهب المشهور في غاية الإشكال ، فالعمدة لإثبات مذهبهم هي العمومات الدالّة على وجوب الوضوء عند عروض أسبابه ، وتتميمه فيما إذا لم يحدث منه شي‌ء من هذه الأسباب بعدم القول بالفصل إن ثبت.

وفيه تأمّل ، كما سيأتي التكلّم فيه في غسل المسّ إن شاء الله.

ثمّ إنّ الاستدلال بالعمومات كاستصحاب الحدث وقاعدة الشغل

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ١٦٨ ، الهامش (٢).

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ١٦٨ ، الهامش (٥).

١٧١

إنّما يتمّ على تقدير الخدشة في أدلّة السيّد وأتباعه ، وهي أخبار مستفيضة :

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : «الغسل يجزئ عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟» (١).

وفي الصحيح عن حكم بن حكيم ، قال : سألت الصادقَ عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «أفض على كفّك اليمنى» إلى أن قال : قلت : إنّ الناس يقولون : يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحك ، فقال : «أيّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ؟» (٢) فإنّ المتبادر من الغسل في مثل المقام ماهيّته دون خصوص غسل الجنابة ، الذي وقع السؤال عنه.

وعن سليمان بن خالد في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام قال : «الوضوء بعد الغسل بدعة» (٣).

وعن عبد الله بن سليمان ، قال : سمعت الصادقَ عليه‌السلام يقول : «الوضوء بعد الغسل بدعة» (٤).

وعن محمّد بن أحمد بن يحيى مرسلاً : «أنّ الوضوء بعد الغسل بدعة» (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩٠ ، الإستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٢٧ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩٢ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب الجنابة ، الحديث ٧ ، والباب ٣٤ من تلك الأبواب ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ١ : ١٤٠ ١٤١ / ٣٩٦ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الجنابة ، الحديث ٩.

(٤) التهذيب ١ : ١٤٠ / ٣٩٥ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الجنابة ، الحديث ٦.

(٥) ورد الخبر بهذا السند والمتن في الحدائق الناضرة ٣ : ١٢١.

١٧٢

وبهذا الإسناد قال : «الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة» (١).

ومكاتبة عبد الرحمن الهمداني إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام : سألته عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة ، فكتب «لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة وغيره» (٢).

وموثّقة الساباطي عن الصادق عليه‌السلام في الرجل إذا اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال : «لا ، ليس عليه قبلُ ولا بعدُ ، فقد أجزأ عنه الغسل ، والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبلُ ولا بعدُ ، قد أجزأها الغسل» (٣).

ومرسلة حمّاد بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يغتسل الجمعة أو غير ذلك أيجزئه عن الوضوء؟ فقال عليه‌السلام : «وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟» (٤).

ويعضدها : إطلاق الأخبار الآمرة بالغسل ، الواردة في باب الاستحاضة والحيض والنفاس مع ورودها في مقام الحاجة ، والأمر بالصلاة عقيب الغسل في جملة منها ، فلو كان الوضوء واجباً ، لوجب

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٤٠ / ٣٩٤ ، الإستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٣٠ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الجنابة ، الحديث ٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٤١ / ٣٩٧ ، الإستبصار ١ : ١٢٦ ١٢٧ / ٤٣١ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢ وفيها : «... ولا غيره».

(٣) التهذيب ١ : ١٤١ / ٣٩٨ ، الإستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٢ ، الوسائل الباب ٣٣ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٤) التهذيب ١ : ١٤١ / ٣٩٩ ، الإستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٣ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الجنابة ، الحديث ٤.

١٧٣

الأمر به في مثل هذه الموارد.

ويعضدها أيضاً : أخبار التداخل ، المشعرة باتّحاد ماهيّة الأغسال ، وما دلّ على مماثلة غسل الحيض لغسل الجنابة واتّحاده معه.

وأُجيب عنها إجمالاً : بأنّ الأخبار كلّما كثرت وصحّت وصرّحت وكانت من الأصحاب بمرأى ومسمع ومع ذلك قد أعرضوا عنها وأفتوا بخلافها ، قوي الظنّ بعدم الاعتماد عليها والركون إليها ، وكيف! مع نسبة الصدوق دين الإماميّة إلى خلافها (١). انتهى.

وملخّص الجواب : أنّ إعراض الأصحاب عنها مع كثرتها وتظافرها يوهنها ويكشف عن خللٍ فيها إمّا من حيث الصدور أو جهة الصدور أو من حيث الدلالة ، فيسقطها عن درجة الاعتبار.

هذا ، مع أنّ بعض هذه الروايات ممّا يدلّ صراحةً على عدم شرعيّة الوضوء قبل الغسل وبعده ، كمرفوعة أحمد (٢) ، الأخيرة ، أو ظهوراً ، كصحيحة (٣) حكم بن حكيم ، المتضمّنة لضحك الإمام عليه‌السلام على قول الناس يتعيّن صرفه لو لم نقل بانصرافه في حدّ ذاته إلى غسل الجنابة بقرينة الأخبار المتقدّمة المصرّحة باختصاص هذا الحكم بغسل الجنابة وعدم كونه بدعةً مع غيره.

هذا ، مع أنّ ما ذُكر في تقريب الاستدلال بالصحيحتين من إرادة الماهيّة من الغسل في قوله عليه‌السلام : «أيّ وضوء أطهر من الغسل؟» في حدّ

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٥.

(٢) كذا ، والظاهر : مرسلة محمّد بن أحمد بن يحيى ، المتقدّمة في ص ١٧٢.

(٣) المتقدّمة في ص ١٧١.

١٧٤

ذاته غير مستقيم ؛ لأنّ مقتضى كون ماهيّة الغسل من حيث هي أطهر من الوضوء كون هذه الماهيّة في حدّ ذاتها ولو لم تكن لشي‌ء من غاياتها أفضل فردي الواجب المخيّر مقدّمةً للصلاة ونحوها ، وهذا ممّا لم يقل به أحد ، فوجب أن يكون المراد إمّا مطلق الأغسال المعهودة الثابتة في الشريعة كما يزعمه المستدلّ ، أو خصوص غسل الجنابة ، ولا أولويّة للأوّل ، بل الثاني مع كونه هو القدر المتيقّن الذي يجب الاقتصار عليه في مثل الفرض هو الأولى ؛ لكون غسل الجنابة أشيع الأفراد وأظهرها مع كونه بالخصوص مورداً للصحيحة الثانية.

وتوهّم أنّ المراد من الغسل ماهيّته لكن لا يكون الغسل غسلاً إلّا إذا كان صحيحاً ؛ لأنّ الألفاظ على ما هو التحقيق أسامٍ للصحيحة ، ولا يكون الغسل صحيحاً إلّا إذا كان مأموراً به لشي‌ء من غاياته ، مدفوع : بأنّ الماهيّة الصحيحة التي وُضعت الألفاظ لها على القول به هي الماهيّة التامّة الأجزاء والشرائط ، المعتبرة في قوام الماهيّة التي تعلّق بها الأمر ، وكونها مأموراً بها من العوارض اللاحقة للمسمّى ، فلا يعقل أن يتحقّق به التسمية ، وبعد فرض أنّ هذه الماهيّة تعلّق بها الطلب في الجملة من حيث هي أشدّ تأثيراً في حصول الطهارة وجب أن يكون إيجادها لتحصيل شرط الصلاة ونحوها أكمل من الوضوء.

وكفى بذلك دليلاً على صحّتها ومشروعيّتها وكونها مأموراً بها بالأمر المقدّمي لأجل الصلاة ونحوها.

لكنّك عرفت أنّه ممّا لا يمكن الالتزام به ، فيكشف ذلك عن بطلان الفرض وعدم إرادة الجنس من قوله عليه‌السلام : «أيّ وضوء أطهر من الغسل؟»

١٧٥

فليتأمّل.

وأمّا موثّقة الساباطي فيحتمل قويّاً إرادة عدم توقّف صحّة الأغسال من حيث هي على أن يتوضّأ قبلها أو بعدها ، فمعنى قوله عليه‌السلام : «قد أجزأها الغسل» أغناها عمّا نؤته من رفع حدث الحيض وحصول الغرض المطلوب من سائر الأغسال ، لا أنّه أغناها عن الوضوء من حيث ارتفاع الحدث الأصغر.

وهذا المعنى وإن كان خلاف الظاهر لكن لا بدّ من حمل الرواية عليه بعد إعراض المشهور عن ظاهرها ، ومخالفتها للأُصول والقواعد الشرعيّة المعتضدة بالروايات المتقدّمة التي وقع في بعضها التصريح بأنّ كلّ غسل لا بدّ فيه من الوضوء إلّا الجنابة.

وإن أبيت عن هذا التوجيه ، فالمتعيّن طرح هذه الرواية ، وردّ علمها إلى أهله ، كغيرها من الروايات المتقدّمة التي يتعذّر ارتكاب التأويل فيها بعد أن أعرض الأصحاب عنها.

هذا ، ولكنّ الإنصاف أنّ طرح هذه الأخبار الكثيرة أو تأويلها مع مالها من المعاضدات ومعروفيّة الفتوى بمضمونها قديماً وحديثاً حتى من مثل السيّد الذي لا يعمل إلّا بالقطعيّات من دون معارضٍ معتدّ به في غاية الإشكال ، وسيأتي بعض التعرّض له في مبحث الاستحاضة إن شاء الله.

لكن مع ذلك رفع اليد عن استصحاب الحدث وقاعدة الشغل فضلاً عن عمومات الكتاب والسنّة ، الموجبة للوضوء عند أسبابه بمثل هذه الروايات التي أعرض عنها المشهور أشكل ، فما عليه المشهور من عدم كفاية سائر الأغسال عن الوضوء لو لم يكن أقوى فلا شبهة في أنّه أحوط.

١٧٦

وأحوط من ذلك كما أنّه هو الأفضل : تقديم الوضوء على الغسل ، لكنّ الأقوى عدم وجوبه كما عرفت تحقيقه فيما سبق ، فللمكلّف الخيار في إيجاده (قبله أو بعده) كما عن المشهور (١) ، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه (٢).

لكن لا يخفى عليك أنّه لو أتى به بعد الغسل ، ينبغي رعاية الاحتياط فيه بأن لا ينوي بوضوئه إلّا الاحتياط ؛ رعايةً للمستفيضة (٣) الدالّة على كون الغسل مجزئاً عن الوضوء ، وأنّ الوضوء بعده بدعة ، فيقصد بفعله الاحتياط حتى لا يكون على تقدير عدم مشروعيّته مشرّعاً ، والله العالم بحقائق. أحكامه.

(و) يجب على الحائض (قضاء الصوم دون الصلاة) كما ورد التنصيص عليه في كثير من الأخبار المشتمل جملة منها على إلزام أبي حنيفة (٤) ، وفي بعضها إفحام أبي يوسف (٥) ، وفي بعضها التعليل بأنّ الصوم في كلّ سنة شهر ، والصلاة في كلّ يوم وليلة ، فأوجب الله عليها قضاء الصوم ولم يوجب قضاء الصلاة لذلك (٦).

__________________

(١) نسبه إلى المشهور صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٤٥.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٤٥ ، وانظر : السرائر ١ : ١١٣.

(٣) منها ما في التهذيب ١ : ١٤٠ / ٣٩٦ ، والوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٩.

(٤) علل الشرائع : ٨٦ ٨٧ و ٨٩ ٩٠ (الباب ٨١) الحديث ٢ و ٥ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب الحيض ، الحديث ١١ و ١٣.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٧٨ / ٦ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب الحيض ، الحديث ١٤.

(٦) علل الشرائع : ٢٩٤ (الباب ٢٢٤) الحديث ٢ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب الحيض ، الحديث ١٢.

١٧٧

وفي رواية فضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام «إنّما صارت الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة لعلل شتّى» (١) الحديث.

وفي خبر حسن بن راشد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الحائض تقضي الصلاة؟ قال : «لا» قلت : تقضي الصوم؟ قال : «نعم» قلت : من أين جاء هذا؟ قال : «أوّل مَنْ قاس إبليس» (٢).

والظاهر عدم اختصاص الحكم بالفرائض اليوميّة ، بل يعمّ نوافلها وغيرها من الفرائض الموقّتة التي تصادف أوقاتها أيّام الحيض.

ودعوى : أنّ المتبادر من النصوص والفتاوى خصوص الفرائض اليوميّة ، غير مسموعة ، والتبادر البدوي لو كان فمنشؤه ندرة الوجود ، وهو ليس بضائر.

وما في بعض الأخبار من التعليل لعدم وجوب قضاء الصلاة : بعموم الابتلاء بها في كلّ يوم وليلة لا يدلّ على أنّ الحكم مخصوص باليوميّة ؛ لأنّ التعليل ؛ إنّما هو بلحاظ الجنس ، فلا يجب الابتلاء بكلّ فرد في كلّ يوم.

هذا ، مع أنّ مثل هذه العلل بيان للحِكَم والمقتضيات ، وليست أسباباً حقيقيّة يدور مدارها الحكم نفياً وإثباتاً حتى يؤخذ بمفهوم العلّة ، ويتقيّد به موضوع الحكم.

وعلى تقدير كون هذه العلّة علّةً حقيقيّة لا تدلّ على انتفاء الحكم عن غير موردها ؛ إذ لا تنحصر العلّة فيها ؛ لأنّ للحكم عللاً شتّى ، كما يدلّ

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١١٧ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب الحيض ، الحديث ٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٤ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

١٧٨

عليه رواية ابن شاذان. وقضيّة عموم بعض العلل المنصوصة في هذه الرواية اطّراد الحكم بالنسبة إلى كلّ صلاة وإن كانت العلل المنصوصة فيها أيضاً مقتضياتٍ وحِكَماً ، كما لا يخفى على المتأمّل.

فالأظهر إنّما هو عموم الحكم ، بل عن جامع المقاصد أنّ عدم وجوب قضاء الصلاة الموقّتة موضع وفاقٍ (١).

وفي عدوله عن اليوميّة إلى الموقّتة إشارة إلى دخول غيرها في معقد الوفاق.

ويؤيّده عدم نقل مَنْ يصرّح بخلافه.

ولو وجب عليها بنذرٍ أو شبهه صومٌ أو صلاة في زمان معيّن فصادف الحيض ، لم يجب عليها قضاؤهما إلّا أن يكون من قصدها ذلك حين النذر ؛ لأنّ النذر يتبع قصدها ، فإن قصدت إيجاده في يوم بالخصوص ، يكون إيجاده في غير ذلك اليوم غير ما أوجبته على نفسها ، فلا يعمّه دليل وجوب الوفاء بالنذر.

وما دلّ على وجوب قضاء الفوائت من الصلاة والصوم لا يشمل ما كان وجوبه بنذرٍ أو حَلْفٍ أو إجارة أو غير ذلك من العناوين الطارئة ، لا لمجرّد انصرافه إلى الواجبات الأصليّة ، أو كون الأمر بالقضاء كاشفاً عن أنّ مجعولات الشارع من قبيل تعدّد المطلوب بمعنى أنّ الوقت ليس من مقوّمات مطلوبيّته ، فلا يتمشّى فيما كان وجوبه بجَعْل المكلّف وإمضاء الشارع على حسب ما ألزمه على نفسه ، بل لأنّ الإلزام الشرعي المتعلّق

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٤١ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٢٨.

١٧٩

بالمنذور ليس إلّا بعنوان كونه وفاءً بالنذر ، وهو بهذا العنوان كعنوان إطاعة الوالد أو الوفاء بالإجارة ونظائرهما من الأُمور الغير القابلة للتدارك بعد فوت متعلّقها.

وكون ذات الصلاة أو الصوم من حيث هي قابلة لأن يكلّف بقضائها غير مُجْدٍ في أن يعمّها عموم ما دلّ على قضاء الفوائت بعد أن لم تكن هي بذاتها واجبةً ، فالواجب الفائت وهو الوفاء بالنذر غير قابل لأن يقضى ، والقابل للقضاء وهو ذات الفعل لم يكن بواجب ، فلا يجب قضاؤه.

اللهم إلّا أن يدلّ دليل تعبّديّ على أنّه متى وجب شي‌ء بنذرٍ أو إجارة أو نحوهما فلم يف المكلّف بذلك عصياناً أو لمانعٍ ، وجب عليه قضاء ذلك الشي‌ء بأن يأتي به في وقتٍ آخر وإن لم يحصل به تدارك ما فاته من الوفاء بالنذر أو الإجارة ، فحينئذٍ يجب الالتزام بمفاده تعبّداً ، كما قد يقال بوجوب قضاء الصوم المنذور المصادف بعض أوقاته يوم العيد ؛ استناداً إلى بعض الروايات. ولتمام الكلام فيه مقام آخر.

وتنظير ما نحن فيه عليه مع أنّه لا نصّ فيه ولا إجماع قياس لا نقول به.

نعم ، لو جعلتْ متعلّق نذرها الصوم أو الصلاة على حسب ما تعلّق بهما الأمر الشرعي ، وجب عليها قضاء ما شرّع له القضاء ، كالنوافل المرتّبة لو لم نقل بشمول ما دلّ على أنّ الحائض لا تقضي صلاتها للنوافل دون غيرها ممّا لم يشرع له القضاء ، كصوم أيّام البيض ونحوه ، كما أنّه لو جعلتْ متعلّق نذرها من قبيل تعدّد المطلوب ، وجب عليها الإتيان بذلك بعد أن طهرتْ ، وتسميته على هذا التقدير قضاءً مسامحة.

١٨٠