مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

دليل على خلافه ، كعدم التحديد لأقلّه ، فوجب أن لا يتقدّمه حيض لم يتحقّق الفصل بينهما بأقلّ الطهر ، وحيث إنّ ما رأته عقيب الولادة يتعيّن كونه نفاساً لزم أن لا يكون ما تقدّمه حيضاً.

وإطلاق موثّقة عمّار ورواية رزيق ، المتقدمتين (١) الدالّتين على أنّ ما رأته في أيّام الطلق ليس بحيض ، سواء أمكن كونه حيضاً أم لا.

وصحيحة ابن المغيرة في امرأة نفست فتركت الصلاة ثلاثين يوماً ثمّ طهرت ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، قال عليه‌السلام : «تدع الصلاة ، لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس» (٢) فإنّ ظاهرها أنّ عدم مضيّ أيّام الطهر مانع من الحكم بحيضيّة الدم المرئي بعد النفاس ، كما يؤيّد هذا الظاهر بل يدلّ عليه النصوص المتواترة الدالّة على أنّ ما بعد أيّام النفاس استحاضة ، فلا يمكن أن يكون حيضاً ، وإلّا لحكم بكونه حيضاً ؛ للقاعدة ، فكذا المرئي قبله ؛ لعدم القول بالفصل بين المتقدّم والمتأخّر ، كما صرّح به في محكيّ الروض (٣).

ويمكن المناقشة في الجميع.

أمّا ما دلّ على أنّ الطهر لا يكون أقلّ من العشرة : فالمراد به الطهر الواقع بين حيضتين ، ولذا لا يعتبر الفصل بالعشرة بين نفاسين لو اتّفقا في التوأمين ، بل الظاهر أنّ المراد به تحديد أقلّ الطهر المعبّر عنه بالقرء الذي

__________________

(١) في ص ٣٥٣.

(٢) الكافي ٣ : ١٠٠ (باب النفساء تطهر ..) الحديث ١ ، التهذيب ١ : ٤٠٢ ٤٠٣ / ١٢٦٠ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب النفاس ، الحديث ١.

(٣) الحاكي عنه هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٦٤ ، وانظر : روض الجنان : ٨٩.

٣٦١

هو زمان اجتماع الدم في الرحم بعد خروجه في المرّة السابقة ، فكونه أقلّ من العشرة ينفي حيضيّة اللاحق ، وأمّا بالنسبة إلى سابقه فلا أثر له.

وقد صرّح بذلك في محكيّ النهاية ، قال فيما حكي عنه ـ : لو ولدت قبل عشرة أيّام يعني من الدم الأوّل فالأقرب أنّه أي الدم الأوّل استحاضة ، مع احتمال كونه حيضاً ، لتقدّم طهرٍ كامل عليه ، ونقصان الطهر أي الطهر المتأخّر عنه ـ إنّما يؤثّر فيما بعده لا فيما قبله ، وهنا لم يؤثّر فيما بعده ؛ لأنّ ما بعد الولد نفاس إجماعاً ، فأولى أن لا يؤثّر فيما قبله ، ونمنع حينئذٍ اشتراط طهرٍ كامل بين الدمين مطلقاً بل بين الحيضتين. ولو رأت الحامل الدم على عادتها وولدت على الاتّصال من غير تخلّل نقاء أصلاً ، فالوجهان (١). انتهى.

هذا ، مع أنّه لو تمّ ذلك ، لدلّ على عدم كون الأقلّ طهراً ، فمن الجائز أن يكون حيضاً ما لم يتجاوز مع أيّام رؤية الدم عشرة أيّام ، كالنقاء المتخلّل بين حيضة واحدة ، كما أنّه لا ينافي ذلك حيضيّة ما رأته متّصلاً بأيّام الولادة من دون تخلّل نقاء بينهما.

وأمّا ما ذكر من أنّ النفاس حيض محتبس : فلعلّ مستنده الأخبارُ الواردة في حيض الحامل ، وغيرها المصرّحة بكون الحيض محبوساً ما دام الحمل لرزق الولد ، بضميمة ما يستشعر من الأخبار الآتية الدالّة على رجوع النفساء إلى عدد أيّامها في الحيض ، وغيره من المؤيّدات ، كتساويهما في الحكم في الجملة نصّاً وإجماعاً ، فإنّه يستفاد من مجموع ذلك أنّ النفاس

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٦٤ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ١٣١.

٣٦٢

حيض محتبس.

ولا يخفى عليك أنّه بعد تسليم هذه الاستفادة كما ليس بالبعيد لا يقتضي ذلك إلّا كون النفاس كالحيض في أحكامه ، وعدم حصول حيض عقيبه إلّا بعد الفصل بالعشرة التي هي أقلّ زمان اجتماع الدم في الرحم بعد خروجه في المرّة السابقة ، وأمّا اشتراط كونه مسبوقاً بطهر فلا ، كما يكشف عن ذلك جواز وقوعه عقيب نفاسٍ آخر ، فكونه محبوساً في الباطن يغنيه عن الحاجة إلى مضيّ زمان الطهر للاجتماع في الباطن ، كما في الحيض.

والحاصل : أنّه لا يستفاد من ذلك كونه مشروطاً بأن يكون مسبوقاً بطهرٍ كامل.

نعم ، يستفاد منه أنّه لا يستعقبه حيض بلا فصل ، وهذا ممّا لا ريب فيه ، بل الظاهر عدم الخلاف في اعتبار تقدّم طهرٍ كامل في الحيض المسبوق بالنفاس ، بل في طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله دعوى الوفاق عليه (١).

وقد يدّعى أنّه يستفاد من كونه حيضاً محتبساً اشتراط عدم مجاوزته للعشرة ، فيفصّل في الدم السابق بين ما إذا لم يتجاوز بضميمة النفاس العشرة وبين ما إذا جاوزها ، فالأوّل حيض ، والثاني استحاضة مطلقاً إن لم يمكن كون بعضه مع النفاس حيضةً واحدة ، كما لو كان النفاس بنفسه أو بضميمة أيّام النقاء المتقدّم عليه عشرةً. وإن أمكن كون بعضه مع

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٢٦٤.

٣٦٣

النفاس حيضةً واحدة ، كما لو رأت الدم عشرة أيّام قبل الولادة وخمسة أيّام بعدها ، فهل يحكم في الخمسة المتّصلة بأيّام النفاس بكونه حيضاً أو استحاضةً؟ ففيه وجهان.

لكنّك خبير بأنّ استفادة هذا الشرط من ذلك بحيث يلاحظ بالنسبة إلى مجموع الدمين في غاية الإشكال ، بل في حيّز المنع ، بل لولا الأدلّة الخاصّة الآتية ، لامتنع استفادة اشتراط الرجوع إلى العادة أو عدم مجاوزة العشرة ممّا دلّ على أنّ النفاس حيض محتبس ؛ إذ من الجائز أن يحتاج في خروجه حين اجتماعه في المحبس إلى زمانٍ أطول ممّا يقتضيه بالطبع في سائر الأوقات ، ولا يفهم من تلك الأدلّة الخاصّة أيضاً إلّا أنّ هذا الدم ـ الذي يسمّى نفاساً لا يكون زمان خروجه أزيد من العشرة ، فمن الجائز أن يكون هذا التحديد تحديداً لزمان خروج هذا الدم المحبوس من حيث هو ، فلا يضمّ إليه زمان خروج ما رأته سابقاً ممّا زاد عن رزق الولد.

والحاصل : أنّه لا يفهم من ذلك هذا النحو من الشرائط التعبّديّة التي لا يجوز التخطّي عن موردها ، ولذا لا يتوهّم أحد اشتراط عدم مجاوزة النفاسين المتلاحقين العشرة ، فمن الجائز أن يكون الحيض المتعقّب بالنفاس كالنفاس المتعقّب بنفاسٍ آخر ، فالتفصيل المذكور ممّا لا وجه له.

وأمّا الاستدلال لأصل المدّعى : بروايتي عمّار ورزيق : ففيه أنّهما لا تدلّان إلا على أنّ ما تراه في أيّام الطلق ليس بحيض ، وهذا لا ينافي إمكانه وعدم اشتراطه في الواقع بالفصل بأقلّ الطهر ، بل خبر رزيق كاد أن يكون صريحاً في إمكانه ، وإنّما حكم بكونه طهراً ترجيحاً للظاهر على ما تقتضيه قاعدة الإمكان من الحكم بكونه حيضاً ، بل قد عرفت في محلّه

٣٦٤

أنّ قاعدة الإمكان لا يمكن التشبّث بها عند إحراز سببٍ يقتضي خروج دمٍ آخر من الجوف ، كقرح أو جرح ، ومن المعلوم أنّ إصابة الطلق بمنزلتهما ؛ فإنّها مظنّة فتق الرحم ، الموجب لسيلان الدم ، كما وقع التعليل به في الرواية (١) ، ففي مورد الروايتين لولا الروايتان أيضاً ، لكان مقتضى القاعدة الرجوع إلى استصحاب الطهارة.

وأضعف من الكلّ الاستدلالُ له : بصحيحة (٢) ابن المغيرة ؛ فإنّ مضمونها غير محلّ الخلاف.

ودعوى عدم القول بالفصل ممنوعة ، بل لا يبعد أن يكون كلّ مَنْ هو مخالف في المقام مفصّلاً بين المسألتين ؛ إذ الظاهر عدم الخلاف في تلك المسألة ، بل قد عرفت دعوى الوفاق عليها ، فالأظهر جواز كون ما رأته قبل النفاس حيضاً من دون اشتراطه بالفصل بأقل الطهر ولا بعدم مجاوزته بضميمة النفاس عشرة أيّام ، كما هب إليه جماعة منهم : صاحب المدارك ، ونسبه فيه بعد اختياره إلى العلّامة في التذكرة والمنتهى (٣).

وعن الذخيرة أيضاً اختياره (٤) ، ونسب أيضاً إلى حواشي الشهيد على القواعد (٥) ، وربما حكي ذلك عن النهاية (٦) ، لكن لا تدلّ عبارتها ـ التي تقدّمت (٧) حكايتها على اختياره ، بل ظاهرها التردّد. نعم ، فيها

__________________

(١) أي : رواية رزيق ، المتقدّمة في ص ٣٥٩.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٣٦١ ، الهامش (٢).

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ٤٤ ٤٥ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٣٣٢ ، ومنتهى المطلب ١ : ٩٧.

(٤) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٦٤ ، وانظر : ذخيرة المعاد : ٧٧.

(٥) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٦٤.

(٦) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٦٤.

(٧) في ص ٣٦٢.

٣٦٥

إشعار بذلك.

وكيف كان فهل يحكم بكونه حيضاً بمجرّد إمكانه ، كما هو قضيّة استدلال صاحب المدارك ، وغيره بقاعدة الإمكان؟ وجهان ، أوجههما : العدم عند احتمال كونه من فتقٍ في الرحم مع وجود أمارته ، وهي الطلق ، كما يدلّ عليه الروايتان المتقدّمتان ، وقد عرفت عدم التنافي بينهما وبين ما تقتضيه قاعدة الإمكان ؛ لاختصاص مجراها بغير مثل الفرض ، فعند احتمال كونه من فتقٍ في الرحم أو ما هو بمنزلته مثل احتمال كونه من قرح أو جرح محقّق يتعذّر تمييزه ـ لا يحكم بكونه حيضاً ولا استحاضةً ، بل يستصحب طهارتها السابقة ، وعند انتفاء هذا الاحتمال يحكم بكونه حيضاً لو كان واجداً لشرائطه ، وإلّا فاستحاضة ، والله العالم.

وليعلم أنّه لا فرق في الحكم بكون الدم نفاساً بين ما تراه بعد الولادة أو معها ، كما عن المشهور (١) ، بل عن الخلاف أنّ ما يخرج مع الولد عندنا يكون نفاساً ، واختلف أصحاب الشافعي (٢). انتهى.

ويدلّ عليه رواية رزيق ، المتقدّمة (٣).

ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ما كان الله ليجعل حيضاً مع حبل ، يعني إذا رأت المرأة الدم وهي حامل لا تترك الصلاة إلّا أن ترى الدم على رأس الولد إذا ضربها الطلق ورأت الدم

__________________

(١) نسبه إلى المشهور صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٧١ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٦٣.

(٢) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٦٣ ، وانظر : الخلاف ١ : ٢٤٦ ، المسألة ٢١٧.

(٣) في ص ٣٥٣.

٣٦٦

تركت الصلاة» (١) فإنّ التفسير إن كان من النبيّ أو الإمام صلوات الله عليهما وآلهما ، فهو دليل ، وإلّا فهو مؤيّد.

وكون صدرها مأوّلاً أو مطروحاً لدى القائل بجواز اجتماع الحيض والحمل لا ينافي العمل بذيلها ، كما هو ظاهر.

ولا يبعد أن يكون هذا هو المتبادر ممّا ورد في بيان حكم النفساء من أنّها تترك الصلاة برؤية الدم ؛ إذ الظاهر تحقّق صدق النفساء عند التلبّس بالولادة ورؤية الدم.

ولا ينافيه مفهوم قوله عليه‌السلام في موثّقة عمّار ، المتقدّمة (٢) : «تصلّي ما لم تلد» فإنّ المراد منه كما يشهد به الروايتان المتقدّمتان ما لم تأخذ في الولادة ، لا ما لم تفرغ منها ، بل لعلّ هذا هو الذي ينصرف إليه إطلاق المنطوق من حيث هو ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وكيف كان فما عن ظاهر مصباح السيّد وجمل الشيخ ، والغنية والكافي والوسيلة والجامع (٣) من اختصاصه بما تراه بعد الولادة حيث فسّروا النفاس بما تراه المرأة عقيب الولادة ضعيف.

ويحتمل قويّاً إرادتهم من عقيب الولادة عقيب الأخذ فيها لا الفراغ منها ، فإنّ التعبير بذلك عمّا يعمّ حين الولادة شائع عرفاً ، بل لعلّ هذا هو

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٨٧ ٣٨٨ / ١١٩٦ ، الإستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب النفاس ، الحديث ٢.

(٢) في ص ٣٥٣.

(٣) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٦٣ ، وانظر : الجمل والعقود (ضمن الرسائل العشر) : ١٦٥ ، والغنية : ٤٠ ، والكافي في الفقه : ١٢٩ ، والوسيلة : ٦١ ، والجامع للشرائع : ٤٤.

٣٦٧

المتبادر منه في مثل المقام لو كان المتعارف خروج دم الولادة منها ، والله العالم.

ثمّ إنّ مقتضى تفسيرهم النفاسَ بدم الولادة كتفسير اللغويّين النفاسَ بولادة المرأة : دورانه مدار صدق الولادة عرفاً ، وقد يتأمّل في صدقها في مثل العلقة والمضغة ، بل مطلق سقط الجنين ما لم يتمّ خلقه.

لكن يظهر منهم التسالم على أنّ دمها نفاس في جميع هذه الصور بعد أن عُلم أنّ ما وضعته مبدأ نشوء آدميّ ، بل في محكيّ التذكرة أنّها لو ولدت مضغة أو علقة بعد أن شهدت القوابل أنّها لحمة ولد ويتخلّق منه الولد ، كان الدم نفاساً بالإجماع ؛ لأنّه دم جاء عقيب حمل (١). انتهى.

وعن شرح الجعفريّة أيضاً دعوى الإجماع على كونه نفاساً بعد العلم بكون ما وضعته مبدأ نشوء إنسان (٢).

وعن المنتهي : لو وضعت شيئاً تبيّن فيه خلق الإنسان فرأت الدم فهو نفاس إجماعاً (٣). انتهى.

فالمراد بالولادة التي وقعت في تفسير النفاس مطلق وضع الحمل ولو بالسقط وإن لم يصدق عليه اسمها عرفاً.

ويدلّ على إرادة ذلك وكونه من المسلّميّات عندهم إنكارُ بعضٍ ـ كما عن المعتبر والمنتهى وغيرهما (٤) تحقّق النفاس بوضع العلقة ،

__________________

(١) الحاكي عنها هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٧١ ٣٧٢ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٣٢٦ ، المسألة ١٠٠.

(٢) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٦٤.

(٣) الحاكي عنه هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٤٠٠ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٢٣.

(٤) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٤٣ ، وكما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢٦٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٥٢ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٢٣.

٣٦٨

معلّلاً : بعدم العلم بكونه مبدأ نشوء آدميّ ، ومقتضاه عدم الإنكار على تقدير حصول العلم ، ولذا نفي الخلاف عنه في محكيّ التذكرة وشرح الجعفريّة على تقدير العلم.

لكن مع ذلك كلّه أنكر المحقّق الأردبيلي في محكيّ شرح الإرشاد كون الخارج مع المضغة وبعدها نفاساً فضلاً عن العلقة وإن علم بكونها مبدأ نشوء آدميّ ؛ نظراً إلى عدم العلم بصدق اسم الولادة والنفاس بذلك (١).

وعن المحقّق الثاني توقّفه في حكم العلقة (٢) ؛ لأجل ما عرفت.

وفيه ما عرفت من دلالة الإجماعات المحكيّة المعتضدة بظهور كلمات الأساطين في كونه من المسلّمات لديهم على أنّ المناط مطلق خروج الدم عقيب وضع الحمل وإن لم يصدق عليه اسم الولادة عرفاً.

ومن هنا أنكر الشهيد في محكيّ الروض على بعض (٣) المحقّقين في توقّفه في العلقة بعد العلم واليقين حيث قال بعد أن نقل عن الذكرى أنّه لو فرض العلم بأنّه مبدأ نشوء إنسان بقول أربع من القوابل ، كان نفاساً : وتوقّف فيه بعض المحقّقين ؛ لانتفاء التسمية ، ولا وجه له بعد فرض العلم. ولأنّا إن اعتبرنا مبدأ النشوء ، فلا فرق بينها وبين بالمضغة (٤). انتهى.

__________________

(١) الحاكي عنه هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٤٠٠ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٦٩.

(٢) الحاكي عنه هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٤٠٠ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٣٤٦.

(٣) هو المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٣٤٦ ، كما مرّ آنفاً.

(٤) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٧٢ ، وانظر : روض الجنان : ٨٨ ـ ٨٩ ، والذكرى ١ : ٢٥٩.

٣٦٩

وكأنّه قدس‌سره أراد التعريض عليه بالنقض بالمضغة ، فكأنّه قال : إن كان المناط كونه مبدأ النشوء ، فلا فرق بين العلقة والمضغة ، وإن كان صدق الاسم ، ففي كليهما خفاء ، مع أنّ الحكم في الثاني مسلّم ، فيكشف عن أنّ المناط هو كونه مبدأ النشوء ، فلا وجه للتفصيل ، اللهم إلّا أن يستند في ذلك إلى الإجماع في الثاني دون الأوّل ، فتأمّل.

وقد حكي (١) عن الشهيد في الذكرى احتمال ثبوت النفاس مع النطفة أيضاً مع العلم بكونها مبدأ نشوء إنسان.

ولا ريب أنّ الاحتمال في محلّه ؛ فإنّ المراد من العلم بكونها مبدأ إنسان إحراز استقرارها في الرحم على وجه أُطلق عليها اسم الحامل ، وعلى النطفة الخارجة اسم السقط ، وإلّا فمن المعلوم أنّ النطفة في حدّ ذاتها مبدأ النشوء ، فلا ريب أنّه في مثل الفرض احتمال تحقّق النفاس قويّ ، كما يعضده ما يقال من أنّ النفاس حيض محتبس ، فإنّ الحمل ولو قبل صيرورته علقةً موجب لحبس الحيض ، والوضع يوجب إطلاقه ، لكنّ الذي يهوّن الخطب في مثل الفرض تعذّر حصول العلم به عادةً ، والله العالم.

(وأكثر النفاس عشرة أيّام) كالحيض (على الأظهر) الأشهر ، بل المشهور شهرة محقّقة ومنقولة ، كما في طهارة (٢) شيخنا المرتضى رحمه‌الله ، وفي الجواهر (٣) حكايتها عن جماعة.

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٧٢ ، وانظر : الذكرى ١ : ٢٥٩.

(٢) كتاب الطهارة : ٢٦٥.

(٣) جواهر الكلام ٣ : ٣٧٣.

٣٧٠

ومرجع هذا القول إلى ما عن كتب العلّامة عدا المختلف والشهيدين والمحقّق الثاني وغيرهم من متأخّري المتأخّرين من أنّ أكثره عشرة للمبتدئة والمضطربة دون ذات العادة ، فتتبع عادتها إن لم ينقطع الدم على العشرة ، وإلّا كان الكلّ نفاساً (١) ؛ إذ الظاهر أنّ كلّ مَنْ حدّد أكثره بالعشرة لم يرد منه إلّا ما صرّح به هؤلاء الجماعة ، كما يشهد بذلك تشبيهه في عبائرهم بالحيض ، والاستدلال عليه بالأخبار الآتية الدالّة على رجوع النفساء إلى عادتها في الحيض ، وبكون النفاس حيضاً محتبساً ، وغير ذلك من المؤيّدات.

فما عن العلّامة والشهيد وبعض متأخّري المتأخّرين من تفسير مراد الأصحاب بقولهم : أكثر النفاس عشرة ، بأنّ العشرة بتمامها نفاس مع استمرار الدم وإن كانت ذات عادة (٢) منظور فيه.

وكيف كان فمرادنا من تحديد أكثر النفاس بالعشرة ليس إلّا ذلك.

وقيل : إنّ أكثره ثمانية عشر ، ونقله في محكيّ المختلف عن المرتضى والمفيد وابن بابويه وابن الجنيد وسلّار (٣).

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٧٣ ، وانظر : إرشاد الأذهان ١ : ٢٢٩ ، وتحرير الأحكام ١ : ١٦ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٣٢٩ ، المسألة ١٠٣ ، وقواعد الأحكام ١ : ١٦ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٢٥ ، ونهاية الإحكام ١ : ١٣٢ ، والبيان : ٢٢ ، والدروس ١ : ١٠٠ ، واللمعة الدمشقيّة : ٢٢ ، والروضة البهيّة ١ : ٣٩٥ ، ومسالك الأفهام ١ : ٧٦ ، وروض الجنان : ٨٩ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٤٧ و ٣٤٨.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٣٧٤ ، وانظر : مختلف الشيعة ١ : ٢١٥ ، المسألة ١٥٧ ، والذكرى ١ : ٢٦٢.

(٣) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٣١٣ ، وانظر : مختلف الشيعة ١ : ٢١٦ ، المسألة ١٥٧ ، والانتصار : ٣٥ ، ورسائل الشريف المرتضى ١ : ٢١٧ ، والمقنعة : ٥٧ ، والفقيه ١ : ٥٥ ، والمقنع : ٥١ ، والمراسم : ٤٤ ، والمعتبر ١ : ٢٥٣ حيث فيه قول ابن الجنيد.

٣٧١

لكن حكي عن المفيد أنّه قال : وقد جاءت أخبار معتمدة في أنّ أقصى مدّة النفاس مدّة الحيض عشرة أيّام ، وعليه أعمل ؛ لوضوحها عندي (١). انتهى.

وقيل بالتفصيل بأنّها إن كانت ذات عادة ، فعادتها ، وإن كانت مبتدئةً ، فثمانية عشر يوماً ، كما عن العلّامة في المختلف.

قال فيه على ما حكي عنه بعد نقل القولين الأوّلين ـ : والذي اخترناه نحن في أكثر كتبنا أنّ المرأة إن كانت مبتدئةً في الحيض ، تنفّست بعشرة أيّام ، فإن تجاوز الدم ، فعلت ما تفعل المستحاضة بعد العشرة ، وإن لم تكن مبتدئةً وكانت ذات عادة مستقرّة ، تنفّست بأيّام الحيض ، وإن كانت عادتها غير مستقرّة ، فكالمبتدئة.

والذي نختاره هنا أنّها ترجع إلى عادتها في الحيض إن كانت ذات عادة. وإن كانت مبتدئةً ، صبرت ثمانية عشر يوماً (٢). انتهى.

والسبب في اختلاف الأقوال هو اختلاف الأخبار واختلاف الأنظار في الجمع بينها ، فالأولى نقل أخبار المسألة بأسرها ، والتكلّم في خلالها بما يقتضيه تحقيقها.

منها : صحيحة زرارة ، المرويّة بعدّة طرق عن أحدهما عليهما‌السلام قال :

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢١٦ ، المسألة ١٥٧ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٣١٣ ، وانظر : المقنعة : ٥٧.

(٢) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٣ : ٣١٣ ، وانظر : مختلف الشيعة ١ : ٢١٦ ، المسألة ١٥٧.

٣٧٢

«النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي كانت تمكث فيها ثمّ تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة» (١).

ورواها في الكافي بسندٍ آخر على ما في الحدائق (٢) إلّا أنّه قال فيها : «تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها التي كانت تمكث فيها» (٣) الحديث.

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : النفساء متى تصلّي؟ قال : «تقعد قدر حيضها ، وتستظهر بيومين ، فإن انقطع الدم وإلّا اغتسلت واستثفرت وصلّت» إلى أن قال : قلت : والحائض؟ قال : «مثل ذلك سواء ، فإن انقطع عنها الدم وإلّا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء ، ثمّ تصلّي ، ولا تدع الصلاة على حال ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الصلاة عماد دينكم» (٤).

وموثّقة يونس عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، قال : «فلتقعد أيّام قرئها التي كانت تجلس ثمّ تستظهر بعشرة أيّام ، فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة ، وإن رأت صفرة فلتتوضّأ ثمّ لتصلّ» (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٣ / ٤٩٥ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ١.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٣١٣.

(٣) الكافي ٣ : ٩٧ ٩٨ / ١.

(٤) التهذيب ١ : ١٧٣ ١٧٤ / ٤٩٥ ، وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وذكر إسناده إلى أبي جعفر عليه‌السلام في ص ١٧٥ ذيل الحديث ٥٠١. الوسائل ، الباب ١ من أبواب الاستحاضة ، الحديث ٥ ، والباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٢.

(٥) التهذيب ١ : ١٧٥ ١٧٦ / ٥٠٢ ، الإستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٣.

٣٧٣

قال الشيخ : يعني تستظهر إلى عشرة أيّام (١).

أقول : ويؤيّد ما ذكره الشيخ في تفسيرها جملة من الشواهد :

منها : مخالفة وجوب استظهار العشرة بعد أيّام العادة للإجماع وسائر أخبار الباب.

وتوجيهه على وجه ينطبق على القول بثمانية عشر بتنزيلها على ما لو كانت عادتها ثمانيةً مع عدم كونها بالخصوص فرداً غالبيّاً بعيد.

ورواية مالك بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ، قال : «نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ثمّ تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها يأمرها فلتغتسل ثمّ يغشاها إن أحبّ» (٢).

وموثّقة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تقعد النفساء أيّامها التي كانت تقعد في الحيض ، وتستظهر بيومين» (٣).

وموثّقة يونس بن يعقوب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «تجلس النفساء أيّام حيضها ، التي كانت تحيض ، ثمّ تستظهر وتغتسل وتصلّي» (٤).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٦ ، ذيل الحديث ٥٠٢ ، الاستبصار ١ : ١٥١ ، ذيل الحديث ٥٢٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٧٦ ١٧٧ / ٥٠٥ ، الإستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٥ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٩٩ / ٦ ، التهذيب ١ : ١٧٥ / ٥٠١ ، الإستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٩٩ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٧٥ / ٥٠٠ ، الإستبصار ١ : ١٥٠ ١٥١ / ٥٢٠ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٨.

٣٧٤

ورواية عبد الرحمن بن أعين ، قال : قلت له : إنّ امرأة عبد الملك ولدت فعدّ لها أيّام حيضها ثمّ أمرها فاغتسلت واحتشت وأمرها أن تلبس ثوبين نظيفين وأمرها بالصلاة ، فقالت له : لا تطيب نفسي أن أدخل المسجد فدعني أقوم خارجاً منه وأسجد فيه ، فقال : قد أمر بذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر وأمر علي عليه‌السلام بهذا قبلكم ، فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر فما فعلت صاحبتكم؟ قلت : ما أدري (١).

وموثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «النفساء إذا ابتليت بأيّام كثيرة مكثت مثل أيّامها التي كانت تجلس قبل ذلك واستظهرت بمثل ثلثي أيّامها ثمّ تغتسل وتحتشي وتصنع كما تصنع المستحاضة ، وإن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيّام أُمّها أو أُختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك ثمّ صنعت كما تصنع المستحاضة تحتشي وتغتسل» (٢).

وحمل بعض (٣) الأصحاب الاستظهار بمثل ثلثي ذلك على ما إذا كانت العادة ستّة أيّام أو أقلّ ؛ لئلّا تزيد أيّام العادة والاستظهار عن العشرة.

ومرفوعة عليّ بن إبراهيم ، قال : سألت امرأة أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقالت : إنّي كنت أقعد في نفاسي عشرين يوماً حتى أفتوني بثمانية عشر يوماً ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ولِمَ أفتوك بثمانية عشر يوماً؟» فقال رجل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٨ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٩.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠٣ / ١٢٦٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٢٠.

(٣) كما في الحدائق الناضرة ٣ : ٣١٥ ، وانظر : الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، ذيل الحديث ٢٠.

٣٧٥

للحديث الذي روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأسماء بنت عميس حيث نفست بحمد بن أبي بكر ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ أسماء سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً ، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعل المستحاضة» (١).

وما رواه المحقّق الشيخ حسن في المنتقى على ما نقله عنه في الوسائل (٢) وغيره (٣) عن كتاب الأغسال لأحمد بن محمد بن عيّاش الجوهري ـ في الموثّق قال : قالت امرأة محمد بن مسلم وكانت ولوداً : اقرأ أبا جعفر عليه‌السلام عنّي السلام ، وقُلْ له : إنّي كنت أقعد في نفاسي أربعين يوماً وإنّ أصحابنا ضيّقوا علي فجعلوها ثمانية عشر يوماً ، فقال عليه‌السلام : «مَنْ أفتاها بثمانية عشر يوماً؟» قلت : الرواية التي رووها في أسماء بنت عميس أنّها نفست بمحمد بن أبي بكر بذي الحليفة ، فقالت : يا رسول الله كيف أصنع؟ فقال لها : «اغتسلي واحتشي وأهلّي بالحجّ» فاغتسلت واحتشت ودخلت مكة ولم تطف ولم تسع حتى تقضي الحجّ فرجعت إلى مكة فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : يا رسول الله أحرمت ولم أطف ولم أسع ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وكم لك اليوم؟» فقالت : ثمانية عشر يوماً ، فقال : «أما الآن فاخرجي فاغتسلي واحتشي وطوفي واسعي» فاغتسلت وطافت وسعت وأحلّت ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّها لو سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل ذلك وأخبرته لأمرها بما أمرها به» قلت : فما حدّ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٨ ٩٩ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٧٨ ١٧٩ / ٥١٢ ، الإستبصار ١ : ١٥٣ ١٥٤ / ٥٣٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٧.

(٢) الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ١١.

(٣) الحدائق الناضرة ٣ : ٣١٦ ٣١٧.

٣٧٦

النفساء؟ قال : «تقعد أيّامها التي كانت تطمث فيهنّ أيّام قرئها ، فإن هي طهرت وإلّا استظهرت بيومين أو ثلاثة أيّام ثمّ اغتسلت واحتشت ، فإن كان انقطع الدم فقد طهرت ، وإن لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكلّ صلاتين وتصلّي» (١).

وهذه الطائفة من الأخبار كما تراها صريحة في أنّ النفساء تقعد بعدد أيّامها في الحيض ، وأنّها بعدها بمنزلة المستحاضة ، لكن في جملة منها الأمر بالاستظهار يوماً أو يومين أو ثلاثة ، فما أشبه هذه الأخبار بالأخبار الواردة في حكم الحائض ، الآمرة برجوعها إلى عادتها ، وقد عرفت ما يقتضيه الجمع بينها في مبحث الحيض ، فراجع.

ويستفاد من هذه الأخبار شدّة المناسبة والارتباط بين النفاس والحيض بحيث لا يتخطّى عدد نفاس المرأة عن حيضها إلّا بالمقدار الذي يمكن أن يتخلّف حيضها اللاحق عن أقرائها السابقة ، أعني اليوم واليومين والثلاثة إلى العشرة ، فإذا جاوزها ، يكشف عن عدم كون ما رأتها بعد العادة نفاساً ، كما لو جاوزها في الحيض.

وهذا هو السرّ في استفادة المشهور من هذه الأخبار أنّ أكثر النفاس عشرة ، وإلّا فليس في شي‌ء منها التصريح بذلك عدا ما في موثّقة يونس على ما فسّره الشيخ (٢).

ولعلّ هذه الأخبار هي التي قصدها المفيد بقوله في عبارته المتقدّمة (٣) : وقد جاءت أخبار معتمدة في أنّ أقصى مدّة النفاس مدّة

__________________

(١) منتقى الجمان ١ : ٢٣٤ ٢٣٥.

(٢) تقدّمت الموثقة وكذا تفسير الشيخ الطوسي في ص ٣٧٣ و ٣٧٤.

(٣) في ص ٣٧٢.

٣٧٧

الحيض عشرة ؛ إذ من المستبعد جدّاً أن تكون أخبار معتمدة مصرّحة بذلك لم يصل إلينا منها شي‌ء في الكتب المعتبرة عدا ما أرسله هو بنفسه إلى الصادق عليه‌السلام فيما حكاه عنه في كشف اللثام ناقلاً عن السرائر.

قال كاشف اللثام : وفي السرائر أنّ المفيد سئل كم قدر ما تقعد النفساء عن الصلاة؟ وكم مبلغ أيّام ذلك؟ فقد رأيت في كتاب أحكام النساء : أحد عشر يوماً ، وفي رسالة المقنعة : ثمانية عشر يوماً ، وفي كتاب الإعلام : أحد وعشرين يوماً ، فعلى أيّها العمل دون صاحبه؟ فأجابه بأن قال : الواجب على النفساء أن تقعد عشرة أيّام ، وإنّما ذكرت في كتبي ما روي من قعودها ثمانية عشر يوماً ، وما روي في النوادر استظهاراً بأحد وعشرين يوماً ، وعملي في ذلك على عشرة أيّام ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : «لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان حيض» (١). انتهى.

فالظاهر أنّ مراده من الأخبار المعتمدة هي الأخبار المتقدّمة التي عرفت دلالتها على المدّعى بالتقريب المتقدّم. وأوضح منها دلالةً عليه : مرسلة ابن سنان ، التي نقلها في الكشف (٢) عن الشيخ.

قال في الكشف بعد نقل صحيحة ابن سنان ، الآتية (٣) : قال الشيخ : وقد روينا عن ابن سنان ما ينافي هذا الخبر ، وأنّ أيّام النفاس مثل أيّام الحيض (٤). انتهى.

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ١٧٥ ، وانظر : السرائر ١ : ٥٢ ٥٣ (مقدّمة المؤلّف) وأحكام النساء (ضمن سلسلة مصنّفات الشيخ المفيد ٩) : ٢٥ ، والمقنعة : ٥٧ ، والإعلام (ضمن سلسلة مصنّفات الشيخ المفيد ٩) : ١٧ ١٨.

(٢) كشف اللثام ٢ : ١٧٧.

(٣) في ص ٣٨٣.

(٤) كشف اللثام ٢ : ١٧٧.

٣٧٨

لكن هذه الرواية مع ما فيها من الإرسال مقطوعة ، فيحتمل أن يكون المرويّ فتوى ابن سنان ، فيكون مقصود الشيخ من نقله توهين روايته الصحيحة بعدم التزام راويها بمفادها.

وهذا الاحتمال وإن كان بعيداً في حدّ ذاته إلّا أنّه ليس في عبارة الشيخ ما ينافيه حتى لا يعتنى به من حيث مخالفته لظاهر الكلام.

اللهمّ إلّا أن يدّعى ظهور لفظ الرواية في عرفهم في كونه من الإمام عليه‌السلام ، كما ليس بالبعيد.

وعلى تقدير الخدشة فيها متناً وسنداً فلا أقلّ من كونها كفهم المشهور مؤيّدةً لما استظهرناه من الأخبار المتقدّمة من دلالتها على كون النفاس كالحيض من حيث العدد ، وأنّ أكثره لا يزيد عن عشرة أيّام ، كما أنّه لو نُوقش في دلالة تلك الأخبار فلا أقلّ من إشعارها بذلك ، فتكون ـ كفتوى المشهور جابرةً لما في مرسلتي المفيد من ضعف السند بالإرسال.

هذا ، مع إمكان أن يقال : إنّه لا قصور في سنديهما خصوصاً الأُولى ؛ فإنّ قول المفيد : «قد جاءت أخبار معتمدة في أنّ أقصى مدّة النفاس مدّة الحيض عشرة أيّام» (١) لا يكون إلّا بعد عثوره على عدّة أخبار زعم إفادتها لذلك ، فيكون تصريح المفيد بكونها معتمدةً شهادةً إجماليّة بوثاقة كلٍّ منها. ولا تقصر الرواية التي اعتمد عليها مثل المفيد عن الروايات التي اعتمد عليها مثل ابن أبي عمير وأشباهه ممّن أجمعت العصابة على قبول مراسيله كما قيل (٢) ، فما ظنّك بما أخبرك المفيد بعثوره

__________________

(١) المقنعة : ٥٧.

(٢) اختيار معرفة الرجال : ٥٥٦ / ١٠٥٠.

٣٧٩

على أخبار معتمدة.

واحتمال كون مراده من الأخبار المعتمدة هي الأخبار المتقدّمة وإن كان قويّاً لكن يلزمه على تقدير منع دلالة تلك الأخبار على المدّعى تخطئة المفيد في فهمه ، وهو مخالف للأُصول المعتبرة ، فلا يعتنى به.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ أصالة عدم الخطأ ونحوها لا تثبت عثوره على روايات اخر غير هذه الروايات ؛ إذ لا اعتماد على الأُصول المثبتة ، واعتماد مثل المفيد إنّما يصلح جابراً لضعف روايةٍ مجهولة الصفة كمرسلته الأخيرة ، لا مجهولة الذات كالاولى ، وقد تقدّم التنبيه على ذلك عند البحث عن كيفيّة تطهير الماء بإلقاء الكرّ دفعةً ، فراجع (١).

وكيف كان فلا يعارض الأخبارَ المتقدّمة الأخبارُ المستفيضة المشتملة على قصّة أسماء : كصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت الباقر عليه‌السلام : عن النفساء كم تقعد؟ قال : «إنّ أسماء بنت عميس نفست ، فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تغتسل لثمانية عشر ، ولا بأس أن تستظهر بيوم أو يومين» (٢).

وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام «أنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أرادت الإحرام بذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهلّ بالحجّ ، فلمّا قدموا ونسكوا المناسك فأتت لها ثمان عشرة ليلة ، فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تطوف

__________________

(١) ج ١ ص ١٠٨.

(٢) التهذيب ١ : ١٧٨ / ٥١١ ، و ١٨٠ / ٥١٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٣ / ٥٣١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ١٥.

٣٨٠