مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

وأنت خبير بأنّ عدّة مواضع من الرواية تأبى عن ذلك ، فالتحقيق دخول الناسية في الرواية ، وحينئذٍ فلا بدّ من إلحاق مَنْ لم تستقرّ لها عادة بإحدى الأصناف المزبورة ، ولا إشكال في عدم لحوقها بالمعتادة ، فبقيت داخلةً في أحد الأخيرين.

لكنّ الظاهر من مساق الرواية عدم اختلاف حكم الأخيرين ، وأنّ ما وقع في الرواية من الحكم برجوع الناسية إلى التميز والمبتدئة إلى الروايات إنّما هو لأنّ الغالب في المبتدئة اتّحاد لون الدم وكثرته لقوّة زائدة ، وفي الناسية خلاف ذلك ، ولذا صرّح فيما بعدُ في الناسية بقوله : «وإن لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها وكان الدم على لونٍ واحد فسنّتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة حين قالت : إنّي أثجّه ثجّاً» فدلّت على أنّ رجوع حمنة إلى الروايات إنّما كان لاتّحاد لون الدم ، الذي استفاده عليه‌السلام من قولها : إنّي أثجّه ثجّاً ، فلو فرض اختلاف الدم في المبتدئة ، فليس لها الرجوع إلى السبع والثلاث والعشرين بمقتضى التعليل المذكور ، فيجب إمّا إلحاقها بالمعتادة ، وهو غير معقول ، وإمّا خروج سنّتها من السنن الثلاث ، وهو باطل بمقتضى الحصر المنصوص عليه في مواضع من الرواية ، فتعيّن إلحاقها بالناسية في الرجوع إلى التميز ، مع أنّ حكمها يمكن أن يستفاد من تعليل رجوع الناسية الفاقدة للتميز إلى الروايات أنّ قصّتها قصّة حمنة ، فدلّ على أنّ كلّ مَنْ كان مثلها لا بدّ أن ترجع إلى الروايات ، وتقدّم في الروايات أنّ إرجاع حمنة إلى الروايات لمخالفتها للقسمين الأوّلين في العادة والتميز ، فدلّ على أنّ التميز كالعادة مقدّم على الروايات مطلقاً ، والمرجع بعده إلى

٢٢١

الروايات مطلقاً أيضاً ، فافهم.

هذا ، مع أنّ دعوى شمول السنّة الثانية لمن لم تستقرّ لها عادة لا تخلو عن شهادة بعض الفقرات له. فثبت من ذلك كلّه أنّ المبتدئة والناسية لا تختلفان في الحكم المذكور في الرواية ، وإنّما ذكر كلّاً منهما لموردٍ على حدة من باب غلبة دخول الناسية في موضع التميز ودخول المبتدئة في موضع الروايات.

ومن هنا ذكر الوحيد في شرح المفاتيح أنّ بالتأمّل في الرواية يظهر ظهوراً تامّاً أنّ حكم المبتدئة والمضطربة واحد (١).

انتهى ما أردنا نقله من كلام شيخنا المرتضى رحمه‌الله.

وهو في غاية المتانة ، إلّا أنّ ما اعترضه على المحقّق الخوانساري لا يخلو من نظر يظهر وجهه بالتدبّر فيما ورد في تفسير الناسية في الرواية وفيما نبّه عليه من حكمها في ذيل الرواية ؛ فإنّ المتدبّر فيها لا يكاد يشكّ في ظهورها في إرادة ما ذكره المحقّق الخوانساري. وأمّا الناسية بمعنى مَنْ بقيت عادتها في الواقع على ما هي عليه ومَحَت صورتها عن ذهنها فالظاهر أنّها غير مرادة بالرواية ، بل هي فرد نادر لم يتعرّض لحكمها وإن كان يفهم حكمها من الرواية بتنقيح المناط ، بل ستعرف الإشكال في رجوع الناسية بهذا المعنى إلى اعتبار لون الدم مطلقاً بحيث تتحيّض في الشهر ثلاث مرّات مثلاً لو رأت ثلاثة أسود مع أنّ عادتها المنسيّة لم تكن في الشهر إلّا مرّة.

وكيف كان فقد ظهر لك أنّ المتعيّن إنّما هو رجوع المبتدئة أوّلاً إلى

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٢٠٤.

٢٢٢

اعتبار الدم بالأوصاف ، فما شابه دم الحيض فهو حيض ، وما شابه دم الاستحاضة استحاضة لكن (بشرط أن يكون ما شابه دم الحيض) ممّا يمكن أن يكون حيضاً وما عداه استحاضة بأن (لا ينقص عن ثلاثة) أيّام (ولا يزيد من عشرة) ولا يكون الفاقد للصفة ، الفاصل بين الواجدين أقلّ من عشرة أيّام ، وإلّا يلزم أن يكون الحيض أقلّ من الثلاثة أو أزيد من العشرة ، أو يكون الطهر أقلّ من العشرة ، والكلّ باطل قطعاً ، كما عرفته في محلّه.

فما توهّمه صاحب الحدائق طاعناً على الأصحاب في اشتراطهم هذه الشرائط حيث قال : إنّ ما اشترطوه من أنّه لا يقصر ما شابه دم الحيض عن أقلّه ولا يتجاوز أكثره ، لا تساعده الروايات الواردة في هذه المسألة ؛ فإنّها مطلقة في التحيّض بما شابه دم الحيض قليلاً كان أو كثيراً ، كما في رواية (١) يونس ، وما اشترطوه من بلوغ الضعيف مع أيّام النقاء أقلّ الطهر لا دليل عليه هنا ، بل ظاهر الأخبار يردّه ، منها : موثّقة أبي بصير عن المرأة ترى الدم خمسة أيّام والطهر خمسة (٢) ، الحديث (٣) ، ضعيف في الغاية ؛ لأنّ أخبار التميز في مقام تميز دم الحيض عن الاستحاضة ، فوجب أن يكون ما يحكم بحيضيّته قابلاً لأن يكون حيضاً ، وإلّا فيعلم مخالفته للواقع فكيف يكلّف به!؟

والمراد بالقليل والكثير في المرسلة القليلُ والكثير ممّا يقبل الحيضيّة

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٢١٥.

(٢) التهذيب ١ : ٣٨٠ / ١١٨٠ ، الإستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٣) الحدائق الناضرة ٣ : ١٩٥.

٢٢٣

شرعاً ، لا ما يعمّ الساعة والشهر مثلاً. ولو فرض دلالتها على ذلك ، للزم تقييدها بالأدلّة القطعيّة الدالّة على تحديد طرفي الحيض.

وأمّا موثّقة أبي بصير : فقد تقدّم (١) توجيهها في مسألة أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام ، ولا مدخليّة لها بخصوص المقام.

ثمّ إنّه على تقدير فقد شي‌ء من الشرائط المذكورة فهل هي كمن استمرّ بها الدم على نسق واحد في الرجوع إلى عادة نسائها أو الروايات أو أنّه يحصل لها التميز بالأوصاف في هذه الصور أيضاً في الجملة بمعنى أنّه لا يجوز إلغاؤها بالمرّة؟ وجهان : من ظهور أدلّة التميز في إرادة غير هذه الفروض ؛ فإنّ ظاهر أخبارها هو التحيّض بالقويّ وجَعْل الضعيف استحاضةً من دون زيادة على أحدهما من الآخر ، فمثل هذه الفروض خارج من موردها. ومن أنّه على تقدير تسليم انصراف الأخبار عن مثل هذه الفروض وظهورها فيما ادّعي يُفهم حكمها منها عرفاً بفهم أوصاف كلٍّ من الدمين ؛ فإنّه لا يكاد يشكّ مَنْ سمع هذه الأخبار أنّ مَنْ رأت خمسة عشر يوماً أسود ثمّ خمسة عشر أصفر مثلاً أنّ حيضها ليس إلّا في الأسود ، وكذا لو رأت يومين أسود ثمّ أصفر في بقيّة الشهر أنّ اليومين من حيضها.

وهذا الوجه أوجههما بشهادة العرف ، كما يؤيّده تخطّي الأصحاب عن موارد النصوص إلى فروعٍ غير منصوصة ليس استفادة حكمها من هذه النصوص أوضح من هذه الفروض.

وربما أُورد على الحكم بكون اليومين من الحيض في الفرع

__________________

(١) في ص

٢٢٤

الأخير : بأنّ مراعاة أدلّة التميز في طرف القويّ بجعل الناقص حيضاً وإكماله من الضعيف ليست بأولى من مراعاتها في طرف الضعيف بجعل مجموعة استحاضةً فيخرج الناقص من الحيضيّة.

وأُجيب عنه : بأنّ مراعاة عموم الحكم على الضعيف بالاستحاضة في أدلّة التميز توجب خروج هذا المورد من أدلّة التميز ؛ إذ المفروض اختلاط الحيض بالاستحاضة ، فكيف يجعل تمييزها بجعل الجميع استحاضةً!؟ فيلزم من الرجوع إلى أدلّة التمييز طرحها والرجوع إلى غيرها من الأخبار وعادة النساء ، بخلاف ما لو حكمنا على الناقص بالحيضيّة وعلى الضعيف بالاستحاضة إلّا ما يحتاج إليه في تكميل الناقص ، فإنّه قد حصل التميز من دون تقييدٍ زائد على ما هو المعلوم في كلٍّ من الضعيف والقويّ من تقييده بصورة القابليّة شرعاً.

ويمكن الجواب عنه أيضاً بأنّ سوق الأخبار يشهد بورودها لتمييز الحيض عمّا ليس بحيض ، الذي هو استحاضة ، وإنّما ذكر أوصاف الاستحاضة استطراداً لبيان أنّه ليس بحيض ، فإذا تبيّن كون بعض ما رأته بصفة الاستحاضة حيضاً باعتبار كونه مكمّلاً لما عُلم حيضيّته بالأوصاف التي اعتبرها الشارع ، لا ينافيه هذه الأدلّة ، فليتأمّل.

وحيث إنّ الأظهر عدم جواز إلغاء الأوصاف بالمرّة في هذه الفروض ، فالكلام يقع في مقامين :

الأوّل : أنّها لو رأت بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أو أكثر من العشرة ، فهل تقتصر في جَعْل الأصفر حيضاً بما يكمّل به أقلّ الحيض ، أي الثلاثة ، وكذا تبنى على كون الأسود استحاضةً في المقدار الذي يمتنع

٢٢٥

كونه حيضاً ، أعني ما زاد على العشرة ، أو أنّها من هذه الجهة فاقدة التميز ، فتكليفها الرجوع إلى عادة أهلها وإلى الروايات على التفصيل الآتي؟ وجهان ، أوجههما : الثاني.

ويظهر من كاشف اللثام اختيار التفصيل بين الزائد والناقص.

قال في الكشف : إنّه هل يفيد أي الناقص والزائد التحيّض ببعض الثاني وبالأوّل مع إكماله بما في الأخبار أو بعادة النساء؟ قطع الشيخ [في المبسوط (١)] بالأوّل ، فقال : إذا رأت أوّلاً دم الاستحاضة خمسة أيّام ثمّ رأت ما هو بصفة [دم (٢)] الحيض باقي الشهر ، يحكم في أوّل يوم ترى ما هو بصفة دم الحيض إلى تمام العشرة أيّام بأنّه حيض وما بعد ذلك استحاضة ، وإن استمرّ على هيئة ، جعلت بين الحيضة الاولى والحيضة الثانية عشرة أيّام طهراً وما بعد ذلك من الحيضة الثانية ، ثمّ على هذا التقدير.

وفي المعتبر والتذكرة والمنتهى والتحرير أنّه لا تميز هنا.

ولا يبعد عندي ما ذكره الشيخ ، ولا التحيّض بالناقص مع إكماله ؛ لعموم أدلّة الرجوع إلى التميز (٣). انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ كلامه في تحرير النزاع غير مهذّب ؛ فإنّ النزاع يقع أوّلاً في أنّه هل يفيد اختلاف الوصف التميزَ في الفرض أم لا؟ وعلى تقدير الإفادة هل يرجع في تكميل الناقص وتنقيص الزائد إلى الروايات أم

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) كشف اللثام ٢ : ٧٤ ، وانظر : المبسوط ١ : ٤٦ ، والمعتبر ١ : ٢٠٦ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٢٩٨ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٠٥ ، وتحرير الأحكام ١ : ١٤.

٢٢٦

يقتصر في رفع اليد عن أوصاف كلٍّ من الدمين على قدر الضرورة ، أم يفصّل بين التنقيص والتكميل ، فيقتصر في رفع اليد عن أوصاف الحيض على قدر الضرورة ، ولا يعتنى بأوصاف الاستحاضة في مقام التكميل ، بل يرجع إلى ما في الأخبار أو عادة النساء؟

وربما يستشعر من كلامه المتقدّم أنّه زعم أنّ هذا التفصيل هو من لوازم القول بالإفادة.

وكيف كان فيرد عليه : أنّ الرجوع إلى عادة النساء أو الأخبار في الزائد كما في فرض الشيخ أوضح وجهاً من الرجوع إليهما في الناقص وإن كان ذلك هو المتّجه في الجميع.

أمّا في الزائد : فلأنّ ما رأته في أوّل الشهر بصفة الاستحاضة في الفرض الذي فرضه الشيخ فقد علم من أخبار التميز أنّه ليس بحيض ، كما هو المفروض ، فينحصر مورد اختلاط حيضها بالاستحاضة بما عدا أيّام الصفرة ، فتكون المرأة بمنزلة مَنْ رأت الدم ابتداءً أزيد من عشرة أيّام على هيئة واحدة ، فكما يفهم من الأخبار ، أنّ تكليفها هو الرجوع إلى عادة النساء أو الأخبار كذلك في الفرض. وكون الدم في الفرض مسبوقاً بدم معلوم الحال لا يوجب اختلاف مؤدّيات الأدلّة بالنسبة إلى سائر الأيّام التي اختلط فيها حيضها بالاستحاضة ، كما هو ظاهر.

وأمّا في الناقص : فلأنّه لم يعرف من أخبار التميز إلّا كون اليومين مثلاً حيضها (١) في الجملة ، وهذا المقدار من المعرفة لا يوجب خروجها

__________________

(١) في «ض ٦ ، ٨» : حيضاً.

٢٢٧

من موضوع الأخبار الآمرة بالرجوع إلى عادة النساء أو الأخبار عند عدم معرفة حيضها بعادة أو أمارة. وعلى تقدير انصراف الأخبار عن مثل الفرض يفهم حكمه منها عرفاً كما يفهم منها حكم جملة من الموارد التي لا ينسبق إلى الذهن إرادتها من تلك الروايات.

ووجهه ما أشرنا إليه من أنّ هذه الأخبار ليست تعبّديّةً محضة ، بل مناطها أُمور مغروسة في الأذهان ، فلذا يفهم عرفاً منها حكم جملة من الموارد التي لا يبعد دعوى انصرافها عنها موضوعاً ، والله العالم.

وقد اعترض على ما استظهرناه من عدم جواز إلغاء الأوصاف بالمرّة وأنّها ترجع إلى عادة النساء في تكميل الناقص أو تنقيص الزائد : بأنّه ربما يكون ما رأته بصفة الحيض في أوّل الشهر وعادة النساء في آخره.

ويتوجّه عليه : النقض بما لو رأت الدم أوّل الشهر واستمرّ بها على صفة واحدة إلى أن تجاوز العشرة ثمّ انقطع ، فإنّ مقتضي إطلاقهم الرجوع إلى عادة نسائها في الفرض ، وما نحن فيه ليس إلّا من هذا القبيل.

وحلّه أنّ الرجوع إليهنّ مشروط بالإمكان ، ففي مثل الفرض لا يمكن الرجوع إليهنّ من حيث الوقت حيث إنّ الرجوع إلى التميز بالأوصاف مقدّم بالرتبة على الرجوع إلى عادة النساء ، فيكون ما رأته بعد مجاوزة العشرة بمنزلة ما لو انقطع الدم عنها بمقتضى ما دلّ على اعتبار الأوصاف ، فحينئذٍ إن أمكن الرجوع إلى عادة النساء من حيث العدد فهو ، وإلّا فهي فاقدة للتميز من هذه الجهة أيضاً ، فتكليفها الرجوع إلى الأخبار التعبّديّة التي هي بمنزلة الأُصول العمليّة.

المقام الثاني : ما لو رأت بصفة الاستحاضة أقلّ من العشرة ولو مع

٢٢٨

النقاء بين أسودين صالحين لأن يكون كلٌّ منهما حيضاً بحيث لو كان الأصفر عشرةً وما زاد ، لحكمنا بحيضيّة كلٍّ من الأسودين بمقتضى إطلاق النصوص والفتاوى الآمرة بالرجوع إلى الأوصاف ، فحينئذٍ يقع الكلام تارة فيما أمكن كون مجموع الأسودين مع الصفرة المتخلّلة حيضةً واحدة بأن لم يتجاوز المجموع عشرة ، وأُخرى فيما لا يمكن ذلك بأن تجاوز العشرة ، أمّا إذا أمكن فهل يحكم بكون المجموع حيضةً واحدة فيتبعهما الأصفر ، أو يحكم بكون الأصفر استحاضةً فيتبعه أحد الأسودين؟ وجهان لا يخلو أوّلهما من وجه ؛ نظراً إلى ما أشرنا إليه من أنّ سوق أخبار التميز ـ ولو بانضمام المؤيّدات الخارجيّة التي نبّهنا عليها عند تأسيس ما هو الأصل في كلّ دم ليس بحيض يشهد بأنّها مسوقة لبيان تشخيص الحيض عمّا ليس بحيض ، فالحكم بكون الضعيف ـ الذي هو الأصفر استحاضةً وطهراً إنّما هو لعدم صلاحيّته للحيض من حيث تخلّف أماراته ، فإذا تحقّقت أمارة الحيض في الطرفين ، فهي العلامة لحيضيّة الوسط.

ولو نُوقش في ذلك وقيل بأنّ ظاهر الأخبار كون الصفرة علامة الاستحاضة ، كما أنّ الحمرة والسواد علامة الحيض ، فالحكم بكون الأصفر استحاضةً إنّما هو لوجود علامتها ، لا لثبوت عدم كونه حيضاً ، لكان المتّجه الحكم بكون الأصفر استحاضةً وكون الأسود اللاحق تابعاً له ، نظراً إلى إطلاق الأخبار الدالّة على اعتبار الأوصاف المقيّدة بالإمكان ، فإنّ الأصفر وُجد في زمانٍ أمكن كونه استحاضةً ، والأسود اللاحق وُجد في زمانٍ امتنع كونه حيضاً إلّا على تقدير كون الأصفر المتخلّل حيضاً ، وحيث

٢٢٩

إنّ الأصفر طهر بمقتضى إطلاق الأدلّة ، فالأسود اللاحق ليس بحيض.

وببيانٍ آخر : اعتبار وصف الدم اللاحق موقوف على عدم اعتبار صفة الدم السابق ، فلو كان عدم اعتبار صفة السابق موقوفاً على اعتبار صفة اللاحق ، لزم الدور.

وبعبارة ثالثة : صيرورة الأسود اللاحق فرداً للعمومات المعتبرة للصفات موقوفة على خروج الأصفر المتقدّم عليه من تحتها ، وخروجه موقوف على كون الأصفر فرداً ، وهو دور.

وأمّا إذا لم يمكن كون المجموع حيضةً واحدة ، فقد يقوى في النظر كون الأسود الأوّل حيضاً ، وما عداه استحاضة مطلقاً ، سواء أمكن كون بعض الأسود الثاني مع الأوّل حيضةً واحدة ، بأن كان قبل مضيّ العشرة من يوم رأت الدم الأوّل أم لا ، وسواء قلنا بأنّ الحكم بكون الأصفر المتخلّل استحاضةً ؛ لوجود علامتها ، أو لعدم صلاحيّته للحيض.

أمّا على تقدير امتناع كون بعضه من الحيضة الاولى : فلأنّ الأمر يدور بين كون الأوّل حيضاً أو الثاني ، وقد عرفت آنفاً أنّ المتعيّن في مثل الفرض هو الحكم بحيضيّة الأوّل دون الثاني الذي تتوقّف حيضيّته على عدم شمول الأدلّة للأوّل الذي لا مانع من كونه مشمولاً لها حين تحقّقه.

وأمّا على تقدير إمكان كون بعضه من الحيضة الأُولى : فإن قلنا بأنّ الحكم بكون الأصفر استحاضةً لوجود أماراتها لا لفقد علامة الحيض ، فقد اتّضح وجه عدم كون الثاني جزءاً من الأوّل وكونه استحاضةً من الحكم بذلك في الفرض السابق الذي أمكن كون المجموع حيضةً واحدة مع أنّ أمره أخفى ممّا نحن فيه.

٢٣٠

وإن قلنا بأنّه لفقد علامة الحيض كما ليس بالبعيد فالأمر أيضاً كذلك وإن كان تصوّره لا يخلو من غموض ؛ نظراً إلى ما ربما يتوهّم من أنّ مقتضى عموم ما دلّ على اعتبار الأوصاف الحكمُ بحيضيّة الأسود مطلقاً إلّا فيما امتنع كونه كذلك ، وهو ليس إلّا ما زاد من العشرة ، وأمّا ما يتمّ به العشرة فلا مانع من أن يكون حيضاً ، فهو حيض بمقتضى العمومات ، فالأصفر المحفوف بالأسودين أيضاً كذلك ؛ لكون سواد الطرفين أمارةً لحيضيّة الوسط.

ويدفعه : أنّ فرض شمول ما دلّ على اعتبار الأوصاف للدم الثاني وجَعلَ بعضه من الحيضة الأُولى يستلزم خروجه من مورد أخبار التميز ؛ لأنّ المرأة حينئذٍ بمنزلة مَنْ رأت دماً مستمرّاً على هيئة واحدة إلى أن تجاوز العشرة ، فتكليفها الرجوع إلى عادة النساء أو الأخبار ، والرجوع إلى عادة النساء أو الأخبار موقوف على عدم اختلاف دمها لوناً والمفروض خلافه ، فلا مانع من شمول ما دلّ على اعتبار الأوصاف الأسودَ الأوّل ، وإنّما المانع من شموله للأسود الثاني حيث يلزم من وجوده عدمه ، فلا يمكن أن يعمّه.

هذا ، ولكن لا يبعد أن يقال : إنّ أخبار التميز لا تشمل مثل الفرض بل وكذا الفرض السابق ، وغاية ما يمكن استفادته منها إنّما هو جَعْل حيضها من الأسود ، وأمّا كون الأسود الأوّل أو الثاني حيضها فلا ، نظير الخبرين المتعارضين اللّذين لا يمكن أن يعمّهما أدلّة حجّيّة الخبر إلّا من حيث الدلالة على نفي الثالث ، فهي فاقدة للتميز من هذه الجهة ، فترجع في تشخيص أحد الأسودين إلى عادة أهلها أو الأخبار إن أمكن ، وإلّا

٢٣١

فالتمييز أو التخيير مطلقاً ، كما سيأتي تنقيحه في نظائر المقام ممّا كان للحيض جهة امتياز واختلاط من حيث الوقت أو العدد ، فليتأمّل.

وليعلم أنّه كثيراً ما يتمسّك في جملة من هذه الفروع كالحكم بكون الأسودين الحافّين بالأصفر حيضاً بقاعدة الإمكان.

وفيه : أنّ القاعدة إنّما يعتنى بها في الموارد التي لو خلّيت المرأة ونفسها لا تعتني بسائر الاحتمالات بأن كان شكّها في كون الدم ليس بحيض بدويّاً غير مسبّب عن سببٍ محقّق ، وأمّا في مثل هذه الفروض ممّا علم وجود كلٍّ من الدمين واختلط أحدهما بالآخر وتحيّرت المرأة في أمرها وتشخيص كلٍّ منهما من الآخر فلا ، كما يظهر وجهه بالتدبّر فيما أسلفناه في تحقيق قاعدة الإمكان.

تنبيه : لا إشكال في حصول التميز بأوصاف الحيض والاستحاضة المنصوصة في النصوص المعتبرة ، كالسواد والحرارة والدفع وأضدادها ، وأمّا غيرها ـ كالغلظة والنتن فربما يستشكل في الاعتماد عليها ، لكن ظاهر كلمات غير واحد منهم حصول التميز بها ، بل كونها مثل المسلّمات حيث قالوا : إنّ القوّة والضعف تحصل بصفات ثلاث :

الاولى : اللون ، فالأسود قويّ الأحمر ، وهو قويّ الأشقر ، وهو قويّ الأصفر والأكدر ، كما عن النهاية (١).

وزاد في المسالك : إنّ الأصفر قويّ الأكدر (٢).

__________________

(١) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢١١ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ١٣٥.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ٦٨.

٢٣٢

الثانية : الرائحة ، فذو الرائحة الكريهة قويّ قليلها ، وهو قوي عديمها.

الثالثة : الثخانة ، فالثخين قويّ الرقيق.

وفي طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله : ويلزمهم ملاحظة مراتب الصفات ، فالأشدّ سواداً أو حرارةً أو ثخانةً قويّ ما دونه ، وذكروا أنّ ذا الوصفين قويّ ذي الواحد إذا لم يكن أقوى منهما.

ولعلّ هذا كلّه لما يستفاد من الأخبار من أنّ العبرة بقوّة الدم وضعفه عند اشتباه الحيض بالاستحاضة ، كما يشعر به بل يدلّ عليه التعبير عن ذلك في المرسلة بالإقبال والإدبار ، وقوله عليه‌السلام : «دم الحيض أسود يعرف» وقوله عليه‌السلام : «دم الحيض ليس به خفاء» فإنّ الظاهر من وكوله إلى الوضوح مع أنّه لا يتّضح عند العرف ، ولا يمتاز عن الاستحاضة إلّا بالقوّة والضعف مطلقاً ، لا خصوص ما نصّ عليه في الروايات أنّ العبرة في التميز بمطلق الأمارات المختصّة بالحيض غالباً ، الكاشفة عند العرف عن الحيض كشفاً ظنّيّاً ، لا أنّ العبرة بمطلق الظنّ حتى يلزمه اعتبار الظنّ ولو من غير الصفات ، وهو باطل إجماعاً (١). انتهى.

وقد نبّهنا على ما استظهره من الروايات في غير موردٍ ممّا تقدّم ، وهو لا يخلو من قوّة خصوصاً بعد اعتضاده بفهم الأصحاب ، فعلى هذا لو انحصر الدم في القويّ والأقوى وتعارضا ، يرجّح الأقوى.

ولكنّ الإنصاف أنّه لا يخلو من إشكال ؛ إذ قلّما لا يتفاوت الدم في

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٢١١.

٢٣٣

الشهر والشهرين من حيث المرتبة ، فعلى أيّ مورد تُحمل الأخبار الآمرة بالتحيّض في كلّ شهر سبعاً أو أقلّ أو أزيد؟

وكيف كان ، فلو اجتمع معهما ضعيف وأمكن كونهما حيضاً والضعيف استحاضةً ، حكم به ؛ لعموم ما دلّ على التحيّض بما هو بصفات الحيض ، وإنّما يرجّح الأقوى على القويّ في الفرض السابق لأجل عدم المناص عن جَعْل أحدهما استحاضةً ، فيكون الأضعف أولى بذلك.

هذا ، مع ما عرفت فيه من الإشكال ، والله العالم.

ولو وجد في أحد الدمين صفة وفي الآخر اخرى مع تساويهما في القوّة ولم يمكن التحيّض بمجموعهما ، فعن ظاهر التذكرة أو محتملها التحيّض بالمقدّم ، وحكاه فيها عن الشافعي (١).

قال شيخنا المرتضى رحمه‌الله : ولم يعلم وجه الترجيح ، ولذا تردّد في النهاية (٢).

أقول : قد عرفت وجهه فيما لو رأت أسودين بينهما أصفر ولم يمكن التحيّض بالمجموع.

لكنّك عرفت أنّ الأوجه إلحاقها بفاقدة التميز لكن بالنسبة إلى واجد الصفة دون فاقدها ، فإنّه علم كونه استحاضةً بمقتضى الأخبار ، فبقي الاختلاط فيما عداه ، والله العالم.

__________________

(١) الحاكي هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٩٧ ، وكما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١١ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٣٠١.

(٢) كتاب الطهارة : ٢١١ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ١٣٥.

٢٣٤

فتلخّص من جميع ما تقدّم أنّه لو رأت المبتدئة بالمعنى الأعمّ ـ وهي مَنْ لم تستقرّ لها عادة الدم الصالح للحيضيّة وانقطع على العشرة ، فالكلّ حيض ، وإذا تجاوز العشرة ولو قليلاً ، جعلت حيضها ما كان بأوصاف الحيض بشرط الإمكان ، وما عداه استحاضة كذلك.

فإن رأت ما هو بصفة الحيض مكرّراً وأمكن كون الجميع حيضاً إمّا بكون كلٍّ من المكرّرات حيضةً مستقلّةً كما لو رأت ثلاثة أسود ثمّ عشرة أصفر ثمّ ثلاثة أسود وهكذا أو بكون الأسودين مجموعهما في خلال العشرة ، فهما مع الأصفر المتخلّل بينهما حيض ، وما بعدهما استحاضة على الأظهر من دون فرق بين أن يكون كلّ واحد منهما بنفسه صالحاً لأن يكون حيضاً أم لا.

وإن تعذّر ذلك بأن تجاوز مجموعهما العشرة كما لو رأت خمسة أسود ثمّ خمسة أصفر ثمّ خمسة أسود وهكذا فالأقوى أنّه لا تميز لها حينئذٍ بمعنى أنّ الأوصاف وإن أرشدتها إلى أنّ الأصفر ليس بحيض لكن حيضها مختلط بالاستحاضة في غير أصفرها على الأظهر ، وسيأتي حكمها من الرجوع إلى عادة النساء أو الأخبار.

واحتمال كونها واجدةً للتميز ، فتجعل أوّل الأسودين حيضاً وثانيهما استحاضةً وثالثها حيضاً إن أمكن وهكذا قد عرفت ضعفه وإن لا يخلو من وجه.

تنبيه : ذكروا أنّ العادة كما تستقرّ بالأخذ والانقطاع ، كذلك تحصل بالتميز ، فلو مرّ بها شهران ورأت فيهما سواء ثمّ اختلف الدم في باقي الأشهر ، رجعت إلى عادتها في الشهرين.

٢٣٥

وفيه إشكال تقدّمت الإشارة إليه في مبحث الحيض ، فراجع.

(فإن) فقدت المبتدئة التميز بأن (كان الدم لوناً واحداً) )) مثلاً (أو لم يحصل فيه شرطا التميز) بل وكذا الشرط الثالث الذي نبّهنا عليه (رجعت إلى عادة نسائها) على المشهور ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

لكنّك عرفت أنّ الأظهر أنّها في صورة فقد شي‌ء من الشرائط المذكورة لا ترفع اليد عن الأوصاف بالمرّة ، فهي ترجع إلى عادة النساء في تكميل الناقص أو تنقيص الزائد.

وكيف كان فيدلّ عليه : مضمرة سماعة ، قال : سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيّام أقرائها ، فقال : «أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كنّ نساؤها مختلفاتٍ فأكثر جلوسها عشرة وأقلّه ثلاثة» (٢).

ولا يضرّها الإضمار بعد كونها معمولاً بها عند الأصحاب.

ويدلّ عليه أيضاً : رواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثمّ تستظهر على ذلك بيوم» (٣).

ونُوقش فيها : بشمولها للمضطربة ولا قائل به كاكتفائها ببعض

__________________

(١) في الشرائع : كان لونه واحداً.

(٢) الكافي ٣ : ٧٩ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ / ١١٨١ ، الإستبصار ١ : ١٣٨ / ٤٧١ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٢ ، الإستبصار ١ : ١٣٨ / ٤٧٢ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

٢٣٦

النسوة والأمر باستظهارها بيوم.

ويمكن التفصّي عنها بمنع الشمول إن أُريد من المضطربة مَنْ كان لها عادة مستقرّة فنسيتها ؛ لانصراف الرواية عنها. وإن أُريد منها ما يعمّ مَنْ لم تستقرّ لها عادة في مقابل المبتدئة بالمعنى الأخصّ ، فبالالتزام بمفادها.

ودعوى الإجماع على خلافه ممنوعة ، بل ظاهر جملة من عبائرهم المحكيّة وصريح آخرين عموم الحكم بالنسبة إلى المبتدئة بالمعنى الأعمّ ، وهي التي لم تستقرّ لها عادة ، بل يظهر من العبارة المحكيّة عن جامع المقاصد كونه من المسلّمات فإنّه بعد أن فسّر المبتدئة بمعنييه قال : إنّ الأوّل أي المبتدئة بالمعنى الأعمّ تجري عليه أحكام الباب ، فإنّ مَنْ لم تستقرّ لها عادة ترجع إلى النساء مع فقد التميز كالتي ابتدأت الدم ، والمضطربة لا ترجع إلى النساء لسبق عادتها (١). انتهى.

ويؤيّده مضمرة سماعة ؛ لإشعارها بأنّ علّة الرجوع إلى النساء عدم كونها عارفةً بأيّام أقرائها.

وأمّا اكتفاؤها ببعض النسوة فإنّما هو لاستكشاف عادة نسائها بالنظر إلى البعض ولو ظنّاً ، ولا ضير في الالتزام بكفاية النظر إلى البعض الموجب للظنّ بعادة سائر النساء ، بل الالتزام بوجوب الفحص عن حال جميع النسوة تفصيلاً ، وتحصيل العلم باتّفاقهنّ في العادة في غاية الإشكال ، بل خلاف ما يتبادر عرفاً من الأمر برجوعها إلى عادة نسائها ، فإنّ من المستبعد جدّاً أن يكون المقصود وجوب الاطّلاع على جميعها

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٨٠ ، وانظر جامع المقاصد ١ : ٢٩٥.

٢٣٧

تفصيلاً.

وأمّا وجوب استظهارها بيومٍ بعد أيّام عادة نسائها فلا مانع من الالتزام به رعايةً لاحتمال اقتضاء طبيعتها لقذف دم الحيض أزيد من طبيعة نسائها بهذا المقدار الذي ربما يتعدّى إليه حيض ذوات العادة. اللهم إلّا أن ينعقد الإجماع على خلافه.

وكيف كان فلا يوجب شي‌ء من هذه المناقشات طرح الرواية.

وبما ذكرنا ظهر لك إمكان الاستدلال للمطلوب : برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «النفساء إن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت جلست مثل أيّام أُمّها أو أُختها أو خالتها ، واستظهرت بثلثي ذلك» (١) فإنّ ظاهرها وإن كان كفاية واحدة من المذكورات ولو مع مخالفتها لغيرها في العادة إلّا أنّه يتعيّن حملها على ما لا ينافي غيرها جمعاً وإن كان ارتكاب التأويل فيها بحملها على ما إذا استكشفت عادة نسائها من عادة أُمّها أو أُختها بعيداً إلّا أنّه لا بأس بالالتزام به في مقام التوجيه في مقابل الطرح ، كما أنّ المتعيّن تقييد إطلاق مرسلة (٢) يونس ، الدالّة على أنّ المبتدئة الفاقدة للتمييز ليس لها سنّة إلّا الرجوع إلى روايات الستّ أو السبع.

ثمّ إنّ المراد بنسائها أقاربها من الطرفين أو من أحدهما ، كما صرّح به في محكيّ المعتبر والمنتهى والمسالك (٣) ، بل قيل : إنّه ممّا لا خلاف

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٠٣ / ١٢٦٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النفاس ، الحديث ٢٠.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ٢١٥.

(٣) الحاكي عنها هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢١٢ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٠٧ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٠٠ ، ومسالك الأفهام ١ : ٦٨.

٢٣٨

فيه (١).

ولا فرق بين الأحياء والأموات ولا بين المتساويات لها في السنّ والبلد والمتخالفات ، كما صرّح به في المسالك (٢).

وعن بعض كتب الشهيد اعتبار اتّحاد البلد (٣).

ولا يبعد أن يكون نظره إلى اختلاف الأمزجة باختلاف البلدان ، فيوجب ذلك الانصرافَ. وفيه نظر.

وكيف كان فلا شبهة في أنّها ترجع إلى النساء (إن اتّفقن) وقتاً وعدداً.

وهل ترجع إليهنّ عند اتّفاقهنّ وقتاً فقط أو عدداً كذلك؟ لا ينبغي الاستشكال في الثاني ، أي عند اتّفاقهنّ عدداً بالنظر إلى ما يتفاهم عرفاً من النصوص والفتاوى ؛ فإنّ المتبادر من قوله عليه‌السلام : «أقراؤها مثل أقراء نسائها» (٤) إرادة المماثلة من حيث العدد خصوصاً بملاحظة قوله عليه‌السلام : «فإن كنّ مختلفاتٍ فأقلّها ثلاثة وأكثرها عشرة» (٥) كيف! ولو أُريد المماثلة من حيث الوقت والعدد ، لوجب تنزيل النصوص والفتاوى على الفرد النادر الذي قلّما يوجد في الخارج.

وأمّا في الأوّل أي المماثلة من حيث الوقت فقط فربما يتأمّل فيه نظراً إلى انصراف النصوص والفتاوى عنه ، واندراجه في موضوع

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٢.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ٦٨.

(٣) الحاكي عنه هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٥٢ ، وكما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٣ ، وانظر : البيان : ١٧ ، والذكرى ١ : ٢٤٧ ، والدروس ١ : ٩٨.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٣٤.

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٣٤.

٢٣٩

قوله عليه‌السلام : «فإن كنّ نساؤها مختلفاتٍ» إلى آخره.

لكن هذا إنّما هو في مضمرة سماعة ، وأمّا موثّقة زرارة ومحمّد بن مسلم فهي بظاهرها تعمّ المفروض ، بل لا يبعد دعوى استفادته من المضمرة أيضاً بأن يقال : إنّ المتبادر من الرواية كون عادة النساء أمارةً اعتبرها الشارع كاشفةً عن أيّام حيضها تعبّداً ، والمقصود من قوله عليه‌السلام : «فإن كنّ نساؤها مختلفات» إلى آخره ، ليس إلّا أنّه إن لم يمكن استكشاف أيّامها من الرجوع إليهنّ مطلقاً ، وهو في غير الفرض حيث إنّه يستكشف في الفرض أيّامها من الرجوع إليهنّ في الجملة وإن لم يتعيّن عدده.

وبهذا الوجه يمكن أن يوجّه القول بالأخذ بالقدر المشترك عند اختلافهنّ بمعنى عدم جَعْل حيضها أقلّ من القدر المشترك الذي اتّفق كلّ نسائها عليه وإن اختلفن فيما زاد عليه.

لكن يرد عليه : أنّه قلّما يبقى على هذا مورد لإطلاق الحكم المذكور في النصوص والفتاوى لمن لا تميز لها ، فالقول بالاعتداد بالقدر المشترك من عادة النساء ضعيف مخالف لظاهر النصوص والفتاوى ، اللهم إلّا أن يحصل لها الوثوق من اتّفاقهنّ على القدر المشترك بأنّ هذا الاتّفاق ليس من باب الاتّفاق ، بل إنّما هو لاقتضاء طبيعة هذه الطائفة قذف هذا المقدار من الدم وما زاد ، فحينئذ لا يبعد دعوى استفادة حكمها من الروايات بتنقيح المناط على إشكال ، مع أنّه كيف يحصل الوثوق بذلك!؟

وهل يعتبر اتّفاق جميع نسائها أم يكفي بعضها أو معظمها وإن اختلف من عداهنّ؟ ظاهر المضمرة خصوصاً بقرينة مقابلتها باختلافهنّ

٢٤٠