مصباح الفقيه - ج ٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

هو الأوّل ، إلّا أنّ الأظهر أنّ مخالفة الفرد النادر غير ضائرة ؛ إذ الظاهر ابتناء مثل هذه الأمارات على الظنّ النوعي الذي لا يمنع من حصوله مخالفة الفرد النادر ، بل لا يبعد دعوى أنّه لا يفهم عرفاً من الرواية إلّا إرادة المعظم ؛ لندرة اتّفاق الكلّ في العادة.

ولكنّها لا تخلو من تأمّل وإن كان ربما يؤيّدها إطلاق الروايتين الأخيرتين ، فتأمّل.

ثمّ إنّه هل يعتبر الإحاطة بعادة الجميع أو المعظم والعلم بموافقتها ، أم يكفي الاطّلاع على البعض المورث للظنّ بموافقة الغير؟ ظاهر الروايتين الأخيرتين ـ بل كاد أن يكون صريح الأخيرة منهما هو الثاني ؛ لما عرفت فيما سبق من أنّه يتعيّن بقرينة النصّ والإجماع حمل الروايتين على ما إذا استكشفت عادة نسائها بمراجعة البعض أو أُمّها أو أُختها ، فتأخذ بعادتهنّ ما لم تعلم مخالفتها لسائر النساء حيث إنّها أمارة نوعيّة لاستكشاف عادة غيرهنّ وقد اعتبرها الشارع بمقتضى الروايتين ، فيستفاد منهما عدم اعتبار إحراز الموافقة بالعلم.

لكنّ الاعتماد على هذا الظاهر في غاية الإشكال ؛ لتعذّر الجمع بينه وبين الأخبار الواردة في حكم المستحاضة التي استمرّ بها الدم على لونٍ واحد ، كمرسلة يونس وغيرها من الأخبار الآتية ؛ لتعذّر تقييدها بما لا ينافي هذا الظاهر ، وهذا بخلاف ما لو اقتصرنا على ما يفهم من مضمرة سماعة وقلنا بأنّ المعتبر إنّما هو اتّفاق جميع النسوة عرفاً وأنّه إنّما يرجع إليهنّ بعد العلم بموافقة الجميع ؛ فإنّه يهوّن تقييد المطلقات بذلك ؛ لندرة موافقة الجميع وبُعْد الاطّلاع عليها ، فيصحّ حينئذٍ إطلاق أمر المبتدئة

٢٤١

بالرجوع إلى روايات الستّ أو السبع ، كما في المرسلة خصوصاً بعد ملاحظة أنّ موافقة الجميع في العادة تورث الظنّ القويّ بمماثلتها لهنّ ، فيزول تحيّرها ، وتخرج من موضوع الحكم بأن تتحيّض في كلّ شهرٍ في علم الله ستّة أيّام أو سبعة.

فالأظهر أنّها لا ترجع إلى النساء إلّا بعد الوثوق باتّفاقهنّ في العادة ولو باستكشاف عادتهنّ من مراجعة البعض ، كما عليه تُحمل الروايتان المتقدّمتان ، والله العالم.

تنبيه : لو انحصر نساؤها الأحياء في واحدة أو اثنتين أو ثلاث ، لا يُعتدّ بعادتها ما لم يُحرز موافقتها لأقاربها الأموات ؛ لانصراف النصّ والفتاوى عن مثل الفرض.

نعم ، لو كثرت الأحياء ؛ فالظاهر كفاية اتّفاقهنّ في العادة ما لم يُعلم بمخالفة الأموات لها ، والله العالم.

(وقيل) بل نُسب (١) إلى المشهور أنّها رجعت إلى عادة نسائها (أو عادة ذوات أسنانها من بلدها) مرتّبةً ثانيتهما على فقد النساء أو اختلافهنّ.

وظاهر بعضهم (٢) : التخيير بينهما. وهو بعيد.

وكيف كان فلا دليل يُعتدّ به على اعتبار عادات ذوات الأسنان.

وغاية ما يمكن الاستناد إليه حصول الظنّ من موافقة الجميع في العادة خصوصاً مع كثرتها بكونها مثلهنّ.

__________________

(١) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٨٣.

(٢) انظر : مفتاح الكرامة ١ : ٣٥٣.

٢٤٢

وفي الاعتماد عليه إشكال. اللهم إلّا أن يدّعى حصول القطع من تتبّع الموارد بضميمة ما في بعض أخبار الباب من الإشعارات ولا سيّما بملاحظة فتوى المشهور أنّ الشارع اعتنى في تشخيص موضوع الحيض بمثل هذه الظنون. والعهدة على مدّعيه وإن لم يكن بعيداً.

وربما يتخيّل جواز الاستدلال له : بمضمرة سماعة ، المتقدّمة (١) ؛ لصدق نسائها عليهنّ ؛ إذ يكفي في الإضافة أدنى ملابسة.

وفيه مضافاً إلى أنّه خلاف المتبادر من الرواية أنّ مقتضى إرادة المجموع من نسائها اعتبار موافقة الجميع من الأقارب وغيرها في العادة ، ولا قائل به ، بل لا يمكن القول به ؛ إذ قلّما يوجد له موضوع خارجيّ.

اللهم إلّا أن يُدّعى أنّ المجموع مراد لكن مرتّباً بمساعدة الفهم العرفي ؛ لما هو المغروس في أذهان العرف من تعذّر إرادة موافقة الكلّ في كلّ مورد ، وكون الأقارب أولى بالمراعاة من ذوات الأسنان ، فيفهم من ذلك اعتبار الرجوع إلى الجميع مرتّباً. وفيه ما لا يخفى.

والاحتياط ممّا لا ينبغي تركه بأن تتحيّض في كلّ شهر في الأيّام التي تحيض فيها ذوات أسنانها مراعية فيها ما يوافقها من الروايات الواردة في حكم المتحيّرة ، والله العالم.

(فإن) تعذّر العلم بعادة نسائها إمّا لفقدهنّ أو تشتّتهنّ ، وكذا العلم بعادة ذوات أسنانها على القول به ، أو لم يتعذّر ولكن (كنّ مختلفات) اختلافاً يمتنع معه الرجوع إليهنّ بأن لم يكن ممّا يتسامح به في العرف

__________________

(١) في ص ٢٣٤.

٢٤٣

(جعلت حيضها في كلّ شهر) إمّا ستّة أو (سبعة أيّام) كما في مرسلة يونس ، الطويلة المتقدّمة (١) في صدر المبحث.

وشبهة امتناع التخيير بين الأقلّ والأكثر قد عرفت اندفاعها في مبحث الحيض عند التكلّم في مدّة الاستظهار.

(أو) تتحيّض (عشرة) أيّام (من شهر وثلاثة) أيّام (من) شهر (آخر) كما قد يدّعى استفادته من مضمرة سماعة ، المتقدّمة (٢) وغيرها من الأخبار الآتية (مخيّرة فيهما) أي في الأخذ بمفاد المرسلة أو المضمرة ؛ جمعاً بين الأخبار أو أخذاً بكلٍّ من الخبرين المتعارضين على القول بالمكافئة وامتناع الجمع ، كما سيأتي توضيحه.

وهذا القول أي كونها مخيّرةً بين الستّة والسبعة وبين الثلاثة والعشرة إجمالاً ـ هو أشهر الأقوال في المسألة ، وفيها أقوال متشتّتة ربما تنتهي إلى عشرين.

فعن بعضٍ (٣) : تجعل حيضها عشرة وطهرها عشرة ، وهكذا ، بناءً منه بحسب الظاهر على ضعف أخبار الباب ، واعتماداً على قاعدة الإمكان.

ولا يخفى ما فيه.

(وقيل : عشرة) أي من كلّ شهر ، كما هو ظاهر المتن.

لكن في الجواهر : لم نعرف قائله (٤). ولعلّ المراد منه القول

__________________

(١) في ص ٢١٠ وما بعدها.

(٢) في ص ٢٣٤.

(٣) حكاه عن السيّد ابن زهرة ، العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٥٥ ، وانظر الغنية : ٣٨.

(٤) جواهر الكلام ٣ : ٢٨٥.

٢٤٤

المتقدّم.

(وقيل : ثلاثة) من كلّ شهر كما عن أبي علي (١) وبعض (٢) متأخّري المتأخّرين ، وعن المصنّف في المعتبر (٣) اختياره.

وعن جملة من الأعلام (٤) أنّها تتحيّض في كلّ شهر سبعة أيّام خاصّة مطلقاً.

وعن بعضٍ تقييدها بأوّل الشهر ، مستندين في تعيّن السبعة إلى قوله عليه‌السلام في المرسلة الطويلة : «وهذه سنّة التي استمرّ بها الدم أوّل ما تراه أقصى دمها سبع وأقصى طهرها ثلاث وعشرون» وقوله عليه‌السلام فيها أيضاً : «وإن لم يكن لها أيّام قبل ذلك واستحاضت أوّل ما رأت فوقتها سبع وطهرها ثلاثة وعشرون» وقوله عليه‌السلام في آخرها : «وإن لم يكن كذلك بل أطبق عليها الدم على لون فسنّتها السبع والثلاث والعشرون» (٥).

ولا يقدح اختصاص موردها بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ أو بها وبالمتحيّرة على احتمال ؛ لأنّ المستفاد منها إناطة الحكم بفقد العادة والتميز ، كما لا يخفى.

مضافاً إلى الإجماع المركّب ، وعدم القول بالفصل بين المبتدئة

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٣ : ٢٨٥.

(٢) كما في جواهر الكلام ٣ : ٢٨٥.

(٣) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٣٥٥ ، وصاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٨٥ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢١٠.

(٤) منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٤٧ و ١٤٨ ، وانظر أيضاً مفتاح الكرامة ١ : ٣٥٥.

(٥) الكافي ٣ : ٨٧ و ٨٨ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٤ و ٣٨٥ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

٢٤٥

بالمعنى الأخصّ والمتحيّرة وبين غيرهما.

ولا يعارضها قوله عليه‌السلام حكايةً لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لحمنة بنت جحش : «تحيّضي في كلّ شهر في علم الله ستّاً أو سبعاً واغتسلي وصومي ثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين» (١) لاحتمال كون الترديد من الراوي. وعلى فرض كونه تخييراً ، فالجمع بينه وبين الفقرات المتقدّمة بعيد جدّاً ، فلا بدّ من الاحتياط ؛ لدوران الأمر بين التخيير والتعيين ، هكذا قيل (٢) في توجيه الاستدلال. ويؤيّده الاستصحاب.

ولكن يضعّفه مضافاً إلى مخالفة كون الترديد من الراوي للأصل أنّه يبعّده بل يحيله عادةً جزم الراوي بمقالة الإمام عند ذكره سائر الفقرات ، وتردّده عند نقل هذه الفقرة ، فالذي يغلب على الظنّ كون الترديد من الشارع لبيان التخيير ، وكون الاقتصار ذكر السبع في سائر الفقرات جرياً على ما يقتضيه قانون المحاورة من الاقتصار بذكر أحد شقّي الترديد عند الحاجة الى التكرير والجري على ما يقتضيه هذا الشقّ اختصاراً واجتزاءً في إفادة حكم الشقّ الآخر بالمقايسة على هذا الشقّ ، كما يشعر بذلك قوله عليه‌السلام : «أقصى دمها سبع».

ولا ينافيه قوله عليه‌السلام : «أقصى طرها ثلاث وعشرون» لكون الثلاث والعشرين أقصاه على تقدير اختيار السبع حيث إنّه ربما يكون على هذا التقدير طهرها أقلّ من ذلك إذا كان الشهر ناقصاً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٦ ٨٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٣ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

(٢) القائل هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢١٣.

٢٤٦

فالقول بكونها مخيّرةً بين الستّ والسبع أظهر وإن كان اختيارها للسبع أحوط.

هذا بالنظر إلى ما يفهم من المرسلة ، وظاهرها بل كاد أن يكون صريحها انحصار تخييرها في خصوص العددين ، كما عن بعضٍ (١) اختياره.

لكن يعارضه : موثّقتا ابن بكير : أُولاهما «في المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة عشرة أيّام ثمّ تصلّي عشرين يوماً ، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام وصلّت سبعة وعشرين يوماً» (٢).

والأُخرى «في الجارية أوّل ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضةً أنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلّي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيّام فعلت ما تفعله المستحاضة ثمّ صلّت فمكثت تصلّي بقيّة شهرها ثمّ تترك الصلاة في المرّة الثانية أقلّ ما تترك امرأة الصلاة ، وتجلس أقلّ ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيّام ، فإن دام عليها الحيض صلّت في وقت الصلاة التي صلّت ، وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر وتركها الصلاة أقلّ ما يكون من الحيض» (٣).

ونحوهما في المعارضة مقطوعة سماعة ، المتقدّمة (٤) في عادة

__________________

(١) انظر : جواهر الكلام ٣ : ٢٨٩ ، وكما في كتاب الطهارة : ٢١٤.

(٢) التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٢ ، الإستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٦٩ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٠ / ١٢٥١ ، الإستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٧٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٥.

(٤) في ص ٢٣٤.

٢٤٧

الأهل.

ويمكن الجواب عن المعارضات : بقصورها عن المكافئة ؛ لما ستعرف من مخالفة ظواهرها لما عليه المشهور ، فهي من الشواذّ التي لا تصلح لمعارضة المرسلة التي كاد أن يكون العمل بها في الجملة إجماعيّاً ، بل لا يبعد أن تكون كذلك بالنسبة إلى سائر فقرأتها.

ويضعّفه : أنّ المعارضات أيضاً مضافاً إلى وثاقة سند الأُوليين منها من الأخبار المقبولة عند جلّ العلماء لولا كلّهم حتى ادّعى في محكيّ (١) الخلاف الإجماع عليها ، غاية الأمر أنّه ربما يناقش كما سيأتي في كيفيّة فهمهم أو جمعهم للأخبار ، وهذا لا يوهن شيئاً منها سنداً حتى تضعف عن المعارضة ، كيف! وقد رجّح بعضهم هذه الأخبار والالتزام (٢) بمفادها معيّناً كما ستعرف.

وقد أشرنا فيما سبق إلى أنّ المشهور عاملون بالجميع جمعاً بين المرسلة والموثّقات بناءً منهم على أنّ ظاهرها التحيّض بثلاثة أيّام من شهر وعشرة من آخر وإن اختلفوا بين مَنْ خصّ مفاد المرسلة بخصوص السبعة بالتقريب المتقدّم ، كما هو ظاهر المتن حيث قال : (والأوّل) يعني القول بجعل حيضها في كلّ شهر سبعة ، أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر (أظهر) وبين مَنْ وزّع التخيير المستفاد من المرسلة على النساء بحسب أمزجتهنّ ، كما عن المنتهى والنهاية (٣) ، وبين مَنْ خيّرهنّ مطلقاً بين

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٩٠ ، وانظر : الخلاف ١ : ١٣٤ ، المسألة ٢٠٠.

(٢) في «ض ٦ ، ٨» : والتزم.

(٣) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٤ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٠١ ، ونهاية الإحكام ١ : ١٣٨.

٢٤٨

عددي المرسلة والموثّقات إمّا معيّناً لتقديم الثلاثة على العشرة دائماً ، كما عن الخلاف مدّعياً عليه الوفاق (١) ، أو مخيّراً في ذلك ، كما عن جملة (٢) منهم ، بل عن الدروس ناسباً له إلى أشهر الروايات (٣) ، أو معيّناً لتقديم العشرة ، كما عن النهاية (٤).

لكن استفادة ما استظهروه من الموثّقات من التحيّض بالثلاثة في شهر والعشرة من آخر في غاية الإشكال ؛ فإنّ مقطوعة سماعة [ظاهرة (٥)] كما صرّح به شيخنا المرتضى رحمه‌الله وحكى الاعتراف به عن محشّي الروضة وشارحها (٦) ـ [في (٧)] التخيير بين الثلاثة والعشرة وما بينهما ، كما عن الصدوق والسيّد (٨) اختياره.

ويؤيّده : رواية الخزاز عن الكاظم عليه‌السلام في المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة وكم تدع الصلاة؟ فقال : «أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة ، وتجمع بين الصلاتين» (٩).

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٤ ، وانظر : الخلاف ١ : ٢٣٤ ، المسألة ٢٠٠.

(٢) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٤ نقلاً عن المختصر النافع : ٩ ، وظاهر كشف الرموز ١ : ٧٧ ، ونهاية الإحكام ١ : ١٣٨ ، والبيان : ١٧.

(٣) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٤ ، وانظر : الدروس ١ : ٩٨.

(٤) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٤ ، وانظر : النهاية : ٢٥.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

(٦) كتاب الطهارة : ٢١٤ ، وانظر : حاشية الروضة : ٥٩ ، والمناهج السويّة في شرح الروضة البهيّة مخطوطة.

(٧) زيادة يقتضيها السياق.

(٨) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٤ ، وانظر الفقيه ١ : ٥١ ذيل الحديث ١٩٨ ، وحكاه عن السيّد المرتضى ، المحقّق في المعتبر ١ : ٢٠٧.

(٩) التهذيب ١ : ١٥٦ ١٥٧ / ٤٤٩ ، الإستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

٢٤٩

وإن أبيت إلّا عن ظهورهما في إرادة التحيّض بخصوص الأقلّ والأكثر أعني الثلاثة والعشرة دون ما بينهما ، فنقول : ظاهرهما حينئذٍ أيضاً ليس إلّا كونها مخيّرةً في التحيّض بالثلاثة والعشرة مطلقاً من كلّ شهر ، كما عن شارح الروضة (١) اختياره مضيفاً إليهما التحيّض بالسبعة ، لا التحيّض بأحدهما في شهر وبالآخر في الآخر ، كما عليه المشهور.

وأمّا موثّقتان ابن بكير فظاهرهما بل كاد أن يكون صريح الثانية منهما : تعيّن العشرة في الشهر الأوّل والثلاثة في باقي الشهور ، كما حكي القول به عن الإسكافي (٢).

ويحتمل قويّاً أن يكون مراده وكذا المراد من الروايتين بالعشرة عشرةُ التحيّض في ابتداء الدم ؛ لكونها وظيفة المبتدئة بقاعدة الإمكان ونحوها ، لا لكونها مستحاضةً ، وإلّا فحكم المستحاضة التحيّض بالثلاثة مطلقاً ، كما عن المصنّف في المعتبر (٣) تقويته.

ويظهر أثر الأمرين في وجوب قضاء ما فاتتها من الصلاة ونحوها بعد استكشاف كونها مستحاضةً ، فتأمّل (٤).

وقد ظهر لك أنّه ليس في شي‌ء من هذه الأخبار إشعار بما عليه

__________________

(١) الحاكي عنه هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢١٤ ، والمناهج السويّة مخطوطة.

(٢) كما في جواهر الكلام ٣ : ٢٩٠ ٢٩١ ، وكتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٤.

(٣) الحاكي عنه هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٠ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢١٠.

(٤) إشارة إلى إمكان أن يقال : إنّها في العشرة الأُولى حائض حقيقةً ، وإنّه إنّما يختلط حيضها بالاستحاضة وتصير مستحاضةً فيما بعدها ، فحكم المستحاضة دائماً التحيّض بالثلاثة لا غير ، فليتأمّل. (منه عفي عنه).

٢٥٠

المشهور فضلاً عن الدلالة.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّه يستفاد من مقطوعة سماعة التي ادّعى في محكيّ المنتهى (١) أنّ الأصحاب تلقّوها بالقبول جواز التحيّض بأقلّ الحيض وأكثره في الجملة ، وليس لها إطلاق يمكن التمسّك به لإطلاق تخييرها بين العددين في كلّ شهرٍ شهر ، والقدر المتيقّن إنّما هو الأخذ بأحد العددين في شهر وبالآخر في الآخر ، فلا يجوز التخطّي عنه ؛ لكونه من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، فلا يحصل القطع بالفراغ إلّا بالعمل بما عليه المشهور.

وهو لا يخلو من نظر.

وكأنّ مَنْ زعم تعيّن التحيّض في الشهر الأوّل بالثلاثة وفي الثاني بالعشرة نظر إلى هذه القاعدة ، وإلّا فليس في الرواية دلالة عليه ، كما أنّ مَنْ زعم تعيّن العكس استفاده من الموثّقتين الآمرتين بأن تتحيّض في الشهر الأوّل عشرة وفيما عداه ثلاثة.

ولا يبعد أن يكون النزاع بينهما لفظيّاً بتعميم الكلام لعشرة التحيّض في ابتداء الدم وعدمه.

وكيف كان فلا يخفى عليك أنّ للتأمّل في جميع مقدّمات هذه الأقوال مجالاً ، لكن لا مجال للتأمّل في جواز العمل بما عليه المشهور ، فالوقوف على ما هُمْ عليه أحوط ؛ فإنّ مقتضى الإنصاف ظهور مضمرة سماعة ورواية خزّاز في كونها مخيّرةً بين التحيّض بأقلّ الحيض وأكثره

__________________

(١) الحاكي عنه هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢١٤ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٠٠.

٢٥١

وما بينهما ، كما ربما يستأنس بذلك من الترديد الواقع في مرسلة يونس ، فتكون الروايتان شاهدتين على أنّ الأمر بتحيّضها ستّاً أو سبعاً وكونه سنّةً مجعولةً في حقّها وكذا الأمر في الموثّقتين بجلوسها في كلّ شهرٍ أقلّ ما يكون من الطمث إنّما هو لكونها أفضل أفراد الواجب المخيّر.

ولا منافاة بين كون ما في الموثّقتين أفضل الأفراد وكون ما في المرسلة أيضاً كذلك باعتبار اختلاف جهات الفضل ؛ إذ لا شبهة في أنّه بملاحظة عدم تعيّن حيضها في الواقع وكون تحيّضها تكليفاً ظاهريّاً بدلاً من الواقع عند المخالفة اقتصارها على ما يرتفع به الحاجة في ترك العبادات ـ كي لا يفوتها مصلحة التكاليف على تقدير ثبوتها في الواقع أولى.

وكذا اختيار الستّ أو السبع بملاحظة كونهما الغالب في عادة النساء من غيرهما من الأعداد.

وإن أبيت إلّا عن عدم إمكان الجمع ، فالترجيح مع مرسلة يونس ؛ لشهرة العمل بمضمونها من دون تصرّف وتأويل ، وسلامتها من شوب الإهمال والإجمال ، وعلى تقدير التكافؤ فالحكم التخيير في الأخذ بكلٍّ من المتعارضات.

وهل التخيير للمفتي عند إفتائه ، أو عليه أن يُخبر المقلّد في الأخذ بمضمونها؟ وجهان ، أو جههما : الثاني ، كما تحقّق في الأُصول.

وقد اتّضح لك أنّ الأقوى ما حكي عن الصدوق والسيّد من التخيير بين الثلاثة والعشرة وما بينهما مطلقاً (١) ، وأنّ اختيارها للسبعة أحوط ،

__________________

(١) تقدّم تخريج قولهما في ص ٢٤٧ ، الهامش (٦).

٢٥٢

وأحوط منه التحيّض بالثلاثة والجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة إلى العاشر.

وحيث اتّضح ذلك لا يهمّنا الإطالة في استقصاء ما في المسألة من الأقوال وبيان ما فيها من الضعف.

ثمّ إنّ الظاهر عدم اختصاص الحكم المذكور بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ ، بل هو عامّ في كلّ مَنْ لم تستقرّ لها عادة ؛ لما عرفت من عموم ما يستفاد من مرسلة يونس بالنسبة إلى الجميع ، واختصاص مورد ما عداها من الأخبار بالأُولى ليس إلّا كتخصيص الحكم بها في المرسلة من حيث أخذها عنواناً للموضوع ، وإلّا فالمناط في الجميع بحسب الظاهر ليس إلّا فقد العادة وانتفاء التميز ، بل يمكن استفادة ذلك من قوله عليه‌السلام في ذيل المرسلة عند بيان حكم مَنْ لم تستقرّ لها عادة من أنّ : «سنّتها السبع والثلاث والعشرون ، لأنّ قصّتها قصّة حمنة» بعد أن مثّل للمبتدئة بالمعنى الأخصّ بحمنة (١) ، وعلم بمقتضى سائر الروايات أنّها كان لها الخيار.

ومع ذلك كلّه لا ينبغي لغير المبتدئة بالمعنى الأخصّ ترك الاحتياط بالتخطّي عمّا يفهم من مرسلة يونس ، التي أوضحنا في محلّه عمومها ، والله العالم.

وهل تتخيّر في العدد بين وضعه فيما تشاء من الشهر كما عن

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ ٨٨ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ٣٨٥ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

٢٥٣

جماعة (١) ، بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب (٢) ، أم يتعيّن عليها وضعه في أوّل الشهر ، كما عن التذكرة وكاشف اللثام وبعضٍ آخر (٣)؟ قولان.

والحقّ أنّه إن أراد القائل بتعيّن كونه في أوّل الشهر أنّه يجب عليها التحيّض من أوّل كلّ دورة بأن تتحيّض في الدورة الثانية مثلاً بعد أن انقضى من يوم رأت الدم المستمرّ شهر ، فلا يخلو من وجه ، بل هذا هو المتّجه.

وإن أراد من أوّل الشهر ما كان أوّله من عند رؤية الهلال ، فلا دليل عليه ، بل ربما يمتنع ذلك ، كما لو كان ابتداء رؤيتها للدم في أواخر الشهر الأوّل بحيث لا يتخلّل بين أقلّ الحيض منه ومن أوّل الشهر الثاني بأقلّ الطهر ، فإنّ الأظهر بل المتيقّن أنّه يجب عليها في أوّل الرؤية أن تتحيّض إلى العاشر ، كما يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع وقاعدة الإمكان النصوص الكثيرة التي منها موثّقتا ابن بكير ، المتقدّمتان (٤).

ثمّ إنّه بعد أن تجاوز دمها العاشر ، فإن صادف المتجاوز عادة أو أمارة مرشدة إلى كون المتجاوز حيضاً ، كشف ذلك عن عدم كون ما تحيّض به حيضاً ، وإلّا فلا مقتضي لرفع اليد عمّا ثبت عليها بمقتضى تكليفها الظاهري حيث لم ينكشف خلافه ، بل الأدلّة قاضية بخلافه ؛ فإنّها

__________________

(١) حكاه صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٨٥ عن المعتبر ١ : ٢٠٩ ، والإصباح : ٣٩ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٠٢ ، وتحرير الأحكام ١ : ١٤.

(٢) الحدائق الناضرة ٣ : ٢٠٧.

(٣) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ـ : ٢١٥ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٣٠٨ ، وكشف اللثام ٢ : ٨٥.

(٤) في ص ٣٤٥.

٢٥٤

إنّما تصير مستحاضةً بعد أن تجاوز دمها العاشر ، وحينئذٍ تندرج في موضوع قوله عليه‌السلام : «تحيّضي في كلّ شهر ستّاً أو سبعاً» (١) إذ لم يكن سؤال حمنة بالنسبة إلى العشرة الأُولى ، وإنّما سألت عن حكمها بعد أن استمرّ بها الدم على لونٍ واحد وصارت مستحاضةً.

وأمّا موثّقتا ابن بكير فهُما صريحتان في أنّها تترك الصلاة من أوّل ما رأت الدم عشرة أيّام ثمّ تصلّي عشرين يوماً كما في الموثّقة الاولى ، وبقيّة شهرها كما في الثانية ، وليس المراد من شهرها إلّا الشهر الذي أوّله من يوم رأت الدم ، فينطبق على الموثّقة الاولى ثمّ تترك الصلاة ثلاثة أيّام بمقتضى هاتين الموثّقتين ، وليس في شي‌ء منهما ولا في غيرهما من الأخبار إشعار فضلاً عن الدلالة بأنّ العشرة الاولى التي جلست فيها عن الصلاة لم تكن حائضاً ، وأنّ لها رفع اليد عمّا بنت عليها ، وجَعْل حيضها فيما عداها من بقيّة الشهر. وعلى تقدير عموم حكم المستحاضة بالنسبة إلى العشرة الاولى فلا معنى له إلّا أنّ لها الخيار في أن تختار العدد من العشرة التي تحيض بها ، لا أنّ لها رفع اليد وجَعْل حيضها فيما عداها ، كيف! وإلّا لجاز لها ترك العبادات من الصلاة والصوم في جميع الشهر بأن تتحيّض أيّاماً ثمّ ترفع اليد عنها ، وتجعل حيضها فيما عداها وهكذا إلى أن ينقضي شهرها ، وهو واضح الضعف مخالف لظواهر جميع النصوص بل صريحها ، وقد سمعت التنصيص في الموثّقتين على أنّها تترك الصلاة في العشرة الاولى ثمّ تصلّي بقيّة شهرها ثمّ تترك الصلاة في ابتداء الشهر

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ ٨٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ٣٨٣ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

٢٥٥

الثاني ، فيعرف من ذلك أنّ ابتداء حيضها من الشهر الأوّل أيضاً لم يكن إلّا من أوّل ما رأت الدم ، فعلى تقدير عموم أحكام المستحاضة له ليس لها إلّا اختيار العدد من أوّل الشهر ، وبهذا يقيّد إطلاق مرسلة يونس ، الآمرة بتحيّضها في كلّ شهر ستّاً أو سبعاً لو لم نقل بانصرافها إلى ذلك ، أي اختيار حيضها من أوّل الدورة ، وطهرها عقيبه.

هذا ، مع إمكان دعوى ورود المرسلة ونحوها لبيان حكمٍ آخر ، فليس لها ظهور في الإطلاق.

فظهر لك ممّا ذكرنا ضعف القول بأنّ لها الخيار في وضع حيضها متى شاءت.

وأضعف منه توهّم أنّ لها رفع اليد بعد تحيّضها خصوصاً بعد انقضاء جميع المدّة التي لم يبق عنده الأمر بالتحيّض ؛ لحصول الامتثال.

وحيث إنّ الأقوى هو القول بالتعيين فلا مجال للنزاع في وجوب موافقة الشهر الثاني للشهر الأوّل في الوقت ، كما عن جماعةٍ التصريح به (١) ، وعدمه كما عن بعضٍ احتماله (٢) ، وعن آخر ترجيحه (٣) ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة تخييرها في العدد في جميع الأدوار لا في خصوص الدورة الاولى.

__________________

(١) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢١٦ عن المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٩٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٦٩.

(٢) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢١٦ عن الشهيد الثاني في روض الجنان : ٦٩ ، والخوانساري في حاشية الروضة : ٦٠.

(٣) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢١٦ عن صاحب الرياض فيها ١ : ٤٠.

٢٥٦

نعم ، لو حكمنا بالتخيير لأجل تكافؤ الأخبار لا للجمع بينها ، فربما يقال بأنّه عند العمل ببعضها يرتفع التخيير ، فيختصّ بالدورة الاولى.

لكن فيه كلام تنقيحه في محلّه ، والله العالم.

(وذات العادة تجعل عادتها حيضاً) إذا استمرّ بها الدم مجاوزاً للعشرة ولم يعارضها تميز ، نصوصاً وإجماعاً كما في الجواهر دعواه تحصيلاً ونقلاً عن المعتبر والمنتهى وغيرهما (١).

(وما سواه استحاضة) حتى أيّام الاستظهار ، كما تقدّم تحقيقه فيما سبق.

(فإن اجتمع لها مع العادة تمييز) وكانا متعارضين بأن اقتضت حيضيّة كلٍّ منهما نفي الآخر (قيل) كما عن المشهور (٢) : (تعمل على العادة ، وقيل : على التميز) كما عن ظاهر الخلاف والمبسوط (٣) (وقيل بالتخيير) كما عن ظاهر الوسيلة (٤) (والأوّل أظهر) بل هو المتعيّن ، كما عرفت فيما تقدّم من أنّ الأوصاف إنّما يعتنى بها عند انتفاء العادة ، كما ورد التنصيص عليه في مرسلة يونس (٥) ، الطويلة.

وما يقال وجهاً للتخيير من الجمع بين ما دلّ على الرجوع إلى

__________________

(١) جواهر الكلام ٣ : ٢٩٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ٢٠٣ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٠٢.

(٢) نسبه إلى المشهور صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٩٥.

(٣) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٩٥ ، وانظر : الخلاف ١ : ٢٤١ ، المسألة ٢١٠ ، والمبسوط ١ : ٤٨ و ٤٩.

(٤) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٣ : ٢٩٥ ، وانظر : الوسيلة : ٦٠.

(٥) الكافي ٣ : ٨٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٤.

٢٥٧

العادة مطلقاً وما دلّ على اعتبار الأوصاف كذلك ، يدفعه : حكومة بعض الأخبار الدالّة على الرجوع إلى العادة على غيرها ، كمرسلة يونس (١) ، ومصحّحة إسحاق بن جرير (٢) ، الواردة في بيان أوصاف الحيض (٣) ، المصرّحتين بتأخّر مرتبة الرجوع إلى الأوصاف عن الرجوع إلى العادة.

بل يستفاد من المرسلة أنّه لو فرض إمكان كون كلٍّ من واجد التميز ومصادف العادة حيضةً مستقلّة ولم يكن بينهما معارضة بأن تخلّل بينهما الفصل بأقلّ الطهر ، لا يلتفت أيضاً إلى واجد الصفة ، بل يحكم بأنّه استحاضة ؛ لما فيها من التصريح بأنّ سنّتها ليست إلّا ترك الصلاة أيّام أقرائها ، ولا تلتفت إلى إقبال الدم وإدباره ومعرفة ألوانه إلّا إذا لم يكن لها أيام معلومة.

وكذا يستفاد منها ومن غيرها أيضاً أنّ وجه تقديم العادة على الأوصاف كونها أقوى الأمارات ؛ فإنّ الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض كلّها ، فإذا عرفت أيّامها ، لا تعتني بأوصاف الدم ، فلا فرق بين ما إذا عرفت أيّامها تفصيلاً وقتاً وعدداً بأن استقرّت عادتها من حيث الوقت والعدد ، أو عرفتها من حيث الوقت فقط أو العدد كذلك ، فإنّها تعرف في الأوّل إذا كانت عادتها في أوّل كلّ شهر مثلاً أنّ الصفرة والكدرة في عدّة أيّام من أوّل الشهر إمّا أقلّ الحيض أو القدر الجامع بين أقرائها حيض

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ ٨٨ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ٣٨٥ / ١١٨٣.

(٢) في التهذيب : إسحاق بن جرير عن حريز.

(٣) الكافي ٣ : ٩١ ٩٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٥١ ١٥٢ / ٤٣١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الحيض ، الحديث ٣.

٢٥٨

كلّها ، أمّا من حيث تعيين العدد فهي محتاجة إلى معرفة ألوان الدم ، فحكمها من هذه الجهة حكم ناسية العدد ، التي حكمها الرجوع إلى التميز في تعيينه ، كما ستعرف.

وكذا إذا استقرّ لها العادة من حيث العدد دون الوقت ، فهي تعرف إجمالاً أنّ حيضها في كلّ شهر بهذا العدد ، فعليها أن تتحيّض بذلك المقدار ، سواء ساعد عليه الأوصاف أم لم يساعد ، ومن حيث تعيين الوقت حكمها حكم المتحيّرة في الرجوع إلى الأوصاف وغيره.

فما عن بعضٍ (١) من الاستشكال في رجوع ذات العادة الوقتيّة إلى وقتها وعدم التفاتها إلى التميز ؛ نظراً إلى ظهور الأخبار في إرادة ما عداها ، ليس بشي‌ء ، بل المتبادر من جملة من أخبارها ليس إلّا إرادة الأمر بترك الصلاة في الوقت المعهود ، ولذا لم تفهم المرأة التي سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في صحيحة إسحاق بن جرير ، المتقدّمة (٢) في بيان أوصاف الحيض من قول الإمام عليه‌السلام : «تجلس أيّام حيضها» إلّا إرادة ذلك ، فقالت له : إنّ أيّام حيضها تختلف عليها وكان يتقدّم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخّر مثل ذلك فما علمها به؟ قال عليه‌السلام : «دم الحيض ليس به خفاء» الحديث ، فأرجعها الإمام عليه‌السلام عند اختلاف وقتها إلى تشخيص حيضها بالأوصاف.

لكن ليس لها الاتّكال على الأوصاف كلّيّةً ورفع اليد عن عادتها من حيث العدد لو كان لها عادة عدداً كما قد يتراءى من هذه الصحيحة ؛ لما ثبت نصّاً وإجماعاً من أنّ العادة تستقرّ برؤية الدم عدّة أيّام سواء من

__________________

(١) لم نتحقّقه.

(٢) في ص ٢٠٩.

٢٥٩

شهرين وما زاد ، وأنّه إذا استمرّ بها الدم ترجع إلى عادتها عند استقرارها ، فإنّما تعتني بالأوصاف من الحيثيّة التي ليس لها عادة ، وعليها ينزّل إطلاق الصحيحة جمعاً.

وقد تقدّم شطر من الكلام ممّا يوضّح المقام عند التكلّم في صيرورة المرأة ذات العادة برؤية الدم مرّتين ، فراجع.

(وهاهنا مسائل) ينبغي التعرّض لها :

(الأُولى : إذا كانت عادتها مستقرّةً عدداً ووقتاً فرأت ذلك العدد متقدّماً على ذلك الوقت أو متأخّراً عنه ، تحيّضت به وألقت الوقت ؛ لأنّ العادة) بالعدد (تتقدّم وتتأخّر) بل وكذلك لو رأت غير ذلك العدد قبل الوقت أو بعده وأمكن أن يكون ما رأته حيضاً ، ألغت الوقت نصّاً وإجماعاً ، كما عرفت نقله من المصنّف وغيره عند التكلّم في قاعدة الإمكان.

ويدلّ عليه بالخصوص في الجملة : مضمرة سماعة ، قال : سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، قال : «فلتدع الصلاة فإنّه ربما تعجّل بها الوقت» (١).

وما عن الشيخ في المبسوط من أنّه قال : متى استقرّ لها عادة ثمّ تقدّمها الحيض بيوم أو يومين أو تأخّر بيوم أو يومين حكمت بأنّه من الحيض ، وإن تقدّم بأكثر من ذلك أو تأخّر بمثل ذلك إلى تمام العشرة أيّام

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٧ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٥٨ ١٥٩ / ٤٥٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الحيض ، الحديث ١.

٢٦٠