قوله : ( ومن ذلك تصديق النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في جميع ما جاء به من الحشر والنشر والمعاد ، والجنّة والنار ، والصراط والميزان والحور والولدان ).
أقول : أمّا أنّ هذه المعدودات نعما فبيّن ، ويزيده وضوحا ما مرّ به من كلامنا عند ذكر الملك.
وأمّا لفظة « التصديق » فيحتمل أن يكون المراد تصديقنا لدعواه الذي هو سبب في حصول السعادة الأبديّة والخلوص عن [ الشقاوة ] السرمديّة ؛ فهو من أجلى النعم.
ويحتمل أن يكون المراد تصديق الله جلّ وعزّ له بإظهار المعاجز ، وهذا أشدّ مطابقة لمعنى الشكر ، فإنّه لمّا كان بمحض فعله استحقّ الشكر عليه ، بخلاف ما وقع منّا ؛ إذ الإنسان لا يستحقّ الشكر على نفسه ، فحينئذ يضعّف الأوّل.
إلاّ أن يقال : الشكر هناك على أسباب التّصديق التي هي من فعله تعالى كالعقل ، ونصب طرق الاستدلال ، والتوفيق إلى غير ذلك.
ويؤيّده قول داود عليهالسلام فيما مرّ : « كيف أشكرك والشكر نعمة منك » (١).
وهنا لطيفة تحسن الإشارة إليها ، هي أنّ البارئ سبحانه لا يصحّ أن يشكر نفسه ولا غيره لعدم النفع والضرر في حقّه.
إن قلت : أليس يوصف به تعالى : ( لَغَفُورٌ شَكُورٌ )؟ (٢).
قلت : سلّمت ، ولكن قد قيل إنّ معناه مجازاة العبد على طاعته من غير أن ينقصه شيئا من حقّه ، فجعل المجازاة على الشكر شكرا في مجاز اللغة توسّعا ، أنظر إلى قوله تعالى : ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) (٣) ونحو ذلك والله ولي التوفيق.
__________________
(١) مرّ في الصفحة ٢٦٠.
(٢) فاطر (٣٥) : ٣٤.
(٣) الشورى (٤٢) : ٤٠.