مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

سواء كانت من ذلك البلد أو غيره [١] ، وإن كانت أدون قيمة من أفراد ما في النصاب ، وكذا الحال في الإبل والبقر. فالمدار في الجميع الفرد الوسط من المسمى [٢] ، لا الأعلى ، ولا الأدنى. وإن كان لو تطوع بالعالي أو الأعلى كان أحسن‌

______________________________________________________

القيمة يمكن الخروج بها عن ظاهر الأدلة ، لو تمَّ. فتأمل جيداً.

[١] كما في الشرائع والقواعد وعن غيرهما ، بل استظهر أنه المشهور لعدم الفرق بين ما في البلد وغيره في الدخول تحت إطلاق الفريضة وعدمه فاذا جاز دفع ما في البلد ، مما هو خارج عن النصاب عملا بالإطلاق ، جاز دفع غيره أيضاً ، وإذا لم يجز الثاني لعدم شمول الفريضة له ، لم يجز الأول فالتفكيك غير ظاهر. إلا بناء على أن الوجه في جواز الدفع من غير الفريضة هو الإجماع ، وهو غير حاصل بالنسبة إلى غير البلد.

لكن المحكي عن الخلاف والمبسوط : اعتبار كون المدفوع من البلد معللا بأن المكية والعربية والنبطية مختلفة. وفيه : أنه قد يحصل الاتفاق في ذلك مع كون المدفوع من خارج البلد. مع أنه لا دليل على الاتفاق في ذلك ، وليس الاتفاق في ذلك إلا كالاتفاق في سائر الخصوصيات الموجبة لاختلاف المالية واختلاف الرغبة ، كما هو ظاهر ، فالتفكيك بين الصفات في غير محله.

ومثله في الاشكال : ما عن جامع المقاصد وفي المسالك : من الجواز في فريضة الإبل مطلقاً. أما في فريضة الغنم فلا يجوز ، إلا مع المساواة في القيمة. إذ هو مبنى على التفكيك بين الإبل والغنم في الإطلاق ، مع أن الدفع بعنوان القيمة ليس محل الكلام هنا ، كما لا يخفى.

[٢] قال في الجواهر : « ثمَّ قد يقوى وجوب الوسط بما يصدق عليه‌

٨١

وزاد خيراً. والخيار للمالك [١] ،

______________________________________________________

اسم الفريضة في المقام وغيره ، فلا يكلف الأعلى ولا يجزيه الأدنى ، لأنه المنساق إلى الذهن من أمثال هذه الخطابات ـ التي ستعرف ـ إرادة تقدير الحصة المشاعة للفقير في النصاب بذكر التبيع والشاة وبنت المخاض وغيرها من الفرائض فيها ، لا أن المراد أعيانها التي قد لا تكون في النصاب ، بل ليست فيه قطعاً في الخمس من الإبل ونحوه .. ».

أقول : لا ريب في أنه لو كان المراد تقدير المالية يجب حملها على الوسط ، كما في سائر الموارد التي يراد منها تقدير شي‌ء لا يقبل التفاوت بالزيادة والنقيصة ، فإن التقدير بالطبيعة الصادقة على الأعلى والأدنى والوسط يوجب التفاوت بالمقدار ، والمفروض أن المقدر لا يقبل ذلك. فلا بد أن يراد منه ، إما الأعلى بعينه ، أو الأوسط كذلك ، أو الأدنى كذلك. وإذ لم يكن ما يصلح للقرينية في الاعتماد عليه في إرادة الأعلى والأدنى ، وكون الوسط متعارفا وغالباً مما يصلح للقرينية ، يحكم بإرادته للوسط اعتماداً على ذلك.

وهذا البرهان ليس من الانصراف في شي‌ء ، لكنه يتوقف على تمامية الأدلة في كونها واردة مورد تقدير المالية المملوكة للفقير في النصاب ولازمه : أن يكون دفع الأعلى من النصاب دفعاً للواجب وزيادة ، فله استرجاع تلك الزيادة ، لا دفعاً لمصداق الفريضة ، وأن يكون الدفع من غير النصاب دفعاً للبدل ، وقد عرفت الإجماع على خلافه.

[١] فليس للساعي معارضته على المشهور ، بل عن ظاهر التذكرة : الإجماع عليه ، كذا في الجواهر. وهو واضح بناء على ما عرفت من الإجماع على جواز الإعطاء من غير النصاب. أما بناء على الإشكال في ذلك » فقد يستفاد من مصحح بريد : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : بعث أمير المؤمنين (ع) مصدقاً من الكوفة إلى باديتها .. ( إلى أن قال ) (ع) :

٨٢

لا الساعي [١] ، أو الفقير ، فليس لهما الاقتراح عليه. بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية [٢] ،

______________________________________________________

فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه ، فإن أكثره له ، فقل : يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك؟ فان أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به ، فاصدع المال صدعين ، ثمَّ خيره أي الصدعين شاء ، فأيهما اختار فلا تعرض له. ثمَّ اصدع الباقي صدعين ، ثمَّ خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ، ولا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله تعالى في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله تعالى منه. وإن استقالك فأقله ، ثمَّ اخلطها واصنع مثل الذي صنعت أولاً حتى تأخذ حق الله تعالى من ماله » (١). ونحوه ما عن نهج البلاغة (٢). وقريب منه خبر محمد بن خالد (٣). لكن دلالتها مختصة بصورة تولي الساعي للقسمة. ومنها يظهر ضعف ما عن الشيخ : من أن للساعي معارضة المالك ، واقتراح القرعة.

[١] قطعاً ، بل إجماعاً ، كما في الجواهر. وكفى بالمصحح المتقدم دليلا عليه. ومنه يظهر عدم ثبوت التخيير للفقير أيضاً.

[٢] أما في الغلات والنقدين فالظاهر الاتفاق عليه ، بل عن جماعة كثيرة : نقل الإجماع ـ صريحاً أو ظاهراً ـ عليه. ويشهد له صحيح محمد بن خالد البرقي : « كتبت إلى أبي جعفر الثاني (ع) هل يجوز أن أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة والشعير ، وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوي ، أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي‌ء ما فيه؟ فأجاب (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٣.

٨٣

______________________________________________________

أيما تيسر يخرج » (١) ، وصحيح علي بن جعفر : « عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة ، أيحل ذلك؟ قال (ع) : لا بأس به » (٢) ، وخبر يونس بن يعقوب المروي عن قرب الاسناد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة ، فاشتري لهم منها ثياباً وطعاماً ، وأرى أن ذلك خير لهم. فقال (ع) : لا بأس » (٣). بناء على أن الظاهر منه الشراء من الزكاة قبل دفعها إليهم لا بعد دفعها وأخذها منهم ، لعدم ذكر الأخذ في الكلام. وذكر الإعطاء لا يصلح قرينة عليه ، لظهور كون المراد من قوله : « فاشتري .. » تفسير الإعطاء وبيان كيفيته ، وأن إعطاءه كان بعد الشراء ، ولذا كان السؤال لاحتمال المنع من التصرف. أما بعد الإعطاء والتسليم إليهم فلا إشكال في الجواز كي يصح السؤال عنه. وبالجملة : ظهور الرواية في كون المقصود السؤال عن الشراء بالزكاة لا ينبغي أن ينكر.

وأما في الأنعام فعن الخلاف جوازه أيضاً ، مستدلا عليه : بإجماع الفرقة وأخبارهم. وعن المحقق : « منع الإجماع ، وعدم دلالة الاخبار على موضع النزاع .. ». وعن المقنعة : « لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الانعام .. ».

ويشهد للأول ما تقدم من خبر قرب الاسناد ، الظاهر اعتباره سنداً إذ ليس فيه من يتأمل فيه سوى محمد بن الوليد ، والظاهر أنه البجلي الثقة ، بملاحظة طبقته ، وروايته عن يونس. ويمكن أيضاً الاستدلال بصحيح البرقي المتقدم. ولا ينافيه كون مورد السؤال الحرث والذهب ، لأن قوله :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٤.

٨٤

من النقدين أو غيرهما [١]. وإن كان الإخراج من العين أفضل [٢].

______________________________________________________

« إلا أن يخرج من كل شي‌ء ما فيه » ظاهر في السؤال عن مطلق الأعيان الزكوية. وإرجاع الشي‌ء إلى ما ذكر في صدر السؤال خلاف مقتضى عمومه. فتأمل. وبما دل على جواز احتساب الدين الذي له على الفقير مما عليه من الزكاة ، الشامل إطلاقه لجميع صور المسألة.

[١] كما نسب إلى الأصحاب ، بل عن الخلاف والغنية : الإجماع عليه. ويشهد له خبر قرب الاسناد المتقدم. وعن المدارك : الاستشكال فيه. بل عن الكافي : « التبديل إنما يجوز بالدراهم والدنانير دون غيرهما .. ». لكنه ضعيف ، لما عرفت. ولا سيما مع اعتضاده بما دل على احتساب الدين منها (١). وخبر سعيد بن عمر عن أبي عبد الله (ع) : « قلت : أيشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق والدقيق والبطيخ والعنب فيقسمه؟ قال (ع) : لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر الله تعالى » متروك الظاهر في زكاة الدراهم ، فضلا عن غيرها (٢).

ثمَّ إن الكلام في دفع القيمة في الأنعام وفي دفعها من غير النقدين إنما هو في جواز تقويم المالك للزكاة على نفسه ودفع قيمتها ، سواء كان المدفوع إليه الفقير ، أم الولي العام ، أعني : الإمام ، أو نائبه ، لا في جواز المعاوضة عليها مع الولي وعدمه ، فان ذلك مما لا إشكال فيه. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في الجواهر : من الفرق بين الدفع إلى الامام أو نائبه ، والدفع إلى الفقير ، بضعف المنع في الأول ، وقوته في الثاني. فلاحظ.

[٢] كأنه للاحتياط والخروج عن شبهة الخلاف. أو لرواية سعيد ابن عمر ، بعد حملها على الاستحباب ، وعلى كون موردها زكاة الدراهم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب مستحقي الزكاة.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٣.

٨٥

( مسألة ٦ ) : المدار في القيمة على وقت الأداء [١] ، سواء كانت العين موجودة أو تالفة [٢] ، لا وقت الوجوب [٣] ثمَّ المدار على قيمة بلد الإخراج إن كانت العين تالفة [٤] ، وإن كانت موجودة فالظاهر أن المدار على قيمة البلد التي هي فيه.

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه ظاهر النصوص المتقدمة ، نعم لو ضمن الزكاة بالتقويم كان المدار على وقت الضمان ـ كما عن التذكرة ـ لأنه يكون حينئذ وقت الانتقال إلى القيمة. لكنه يتوقف على مشروعية الضمان بالتقويم ، إذ النصوص المتقدمة لا تشهد بها ، والأصل عدمها.

[٢] إذا لم يكن التلف مستوجباً للضمان فلا شي‌ء عليه ، وان كان مستوجباً للضمان ، وكانت الفريضة قيمية تكون المسألة من صغريات مسألة الضمان بالتلف ، وأن القيمة المضمون بها قيمة يوم التلف ، أو يوم الأداء أو أعلى القيمة أو قيمة يوم الضمان أو غير ذلك. وإن كانت الفريضة مثلية فالقيمة قيمة يوم الأداء ، لظاهر النصوص المتقدمة.

[٣] لم أقف على حكايته عن أحد. وكأن وجهه : أن دليل الوجوب إذا كان مفاده جعل مالية الشاة في النصاب للفقير لا نفس الشاة ، ولما كانت مالية الشاة مختلفة باختلاف الأزمنة ، فمقتضى الإطلاق المقامي ـ أعني : عدم التعرض في الدليل لتعيين واحد من تلك القيم ـ الحمل على قيمة زمان الوجوب. إذ تعيين غيرها هو المحتاج إلى القرينة.

لكن فيه ـ مع أنه مبني على كون التعلق بالعين كائناً على النحو المذكور ـ : يمكن أن يدعى ظهور دليل الوجوب في كون المالية معنونة بعنوان القيمة للشاة ، فتزيد تلك المالية بزيادة قيمة الشاة ، وتنقص بنقصها إلى أن يخرج عن العهدة.

[٤] الفرق المذكور غير واضح. وكأنه مبني على التعلق بالعين على‌

٨٦

( مسألة ٧ ) : إذ كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى وبالعكس. كما أنه إذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن وبالعكس ، وإن اختلفت في القيمة [١]. وكذا مع الاختلاف يجوز الدفع [٢] من أي الصنفين شاء. كما أن في البقر يجوز أن يدفع الجاموس عن البقر وبالعكس. وكذا في الإبل يجوز دفع البخاتي عن العراب وبالعكس ، تساوت في القيمة أو اختلفت.

______________________________________________________

نحو الجزء المشاع ، فاذا كانت موجودة فقيمتها المقدار المساوي لماليتها ، حتى بلحاظ خصوصية المكان الذي هي فيه ، فلا بد من ملاحظة مكان الوجود. أما إذا كانت تالفة فليس لها وجود إلا في الذمة ، وذلك الوجود الذمي قيمته تختلف باختلاف مكان التقويم ، وهو مكان الإخراج والأداء. لكن لو سلم هذا الابتناء فالمبنى غير ظاهر ، كما عرفت. وسيأتي تحقيقه. وبالجملة : إذا كان يجوز له الإخراج في كل بلد من جنس الفريضة وإن لم تكن جزءاً من النصاب ، جاز التقويم بلحاظ بلد الإخراج مطلقاً.

[١] كما عن المبسوط والتذكرة. وسيأتي وجهه.

[٢] كما عن القواعد والإرشاد وجماعة من متأخري المتأخرين. لإطلاق ما دل على وجوب الفريضة ، سواء كانت في العين أم الذمة ، لصدق الفريضة على ما ذكر. وعن الشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم ـ بل نسب إلى المشهور ـ : وجوب فريضة قيمتها مقسطة ، لأنه الذي تقتضيه قاعدة الشركة. وفيه : أن ذلك لا تقتضيه القاعدة المذكورة ، وإنما الذي يقتضي ذلك أن يكون المملوك للمستحق هو الجزء المشاع في جميع أفراد النصاب ، بمعنى جزء من أربعين جزءاً من أربعين شاة مثلا. لكنه غير ظاهر الدليل‌

٨٧

( مسألة ٨ ) : لا فرق بين الصحيح والمريض ، والسليم والمعيب ، والشاب والهرم في الدخول في النصاب [١] ، والعد منه. لكن إذا كانت كلها صحاحاً لا يجوز دفع المريض [٢]. وكذا لو كانت كلها سليمة لا يجوز دفع المعيب. ولو كانت‌

______________________________________________________

في الغنم ، فضلا عن غيره ، ولذا لا يلتزم بالتقسيط مع الاختلاف في الجودة والرداءة بلا إشكال ، كما في الجواهر ، بل لا ينبغي التأمل فيه ، ضرورة غلبة الاختلاف جداً ، فلو احتيج إلى تقويم كل واحد من أفراد النصاب لزم الهرج والمرج ، المعلوم من سيرة المعصومين (ع) ، ومن مصحح بريد السابق (١) وغيره عدمهما ، كما لا يخفى.

وأما ما في الجواهر : من قوله (ره) : « نعم لو كان هناك خطابان أحدهما يقتضي وجوب تبيع الجاموس لو كان هو النصاب ، والآخر يقتضي تبيع البقر ، اتجه مراعاة الأمرين في الاجتماع على حسب النسبة » ففيه : أنه لو كان هناك خطابان على ما ذكر فالمورد خارج عن الدليلين معاً ، فإثبات الزكاة فيه محتاج إلى دليل. ولو فرض العلم بثبوتها فالمرجع قاعدة الاحتياط ، أو أصالة البراءة على اختلاف كيفية العلم بالواجب.

[١] إجماعاً ظاهراً. لإطلاق الأدلة.

[٢] عدم جواز دفع المريضة والهرمة وذات العوار مجمع عليه بينهم كما في الحدائق. أو مذهب الأصحاب ، كما عن المدارك. أو لا يعرف فيه خلاف ، كما عن المنتهى. ويشهد له صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في زكاة الإبل ، قال (ع) : « ولا تؤخذ هرمة ، ولا ذات عوار. إلا أن يشاء المصدق » (٢). بناء على شمول العوار للمرض ـ لأنه في اللغة‌

__________________

(١) تقدم ذلك في أواخر المسألة : ٥ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٣.

٨٨

كل منها شاباً لا يجوز دفع الهرم ، بل مع الاختلاف أيضاً الأحوط إخراج الصحيح [١] ، من غير ملاحظة التقسيط. نعم لو كانت كلها مراضاً ، أو معيبة ، أو هرمة يجوز الإخراج منها [٢].

الشرط الثاني : السوم [٣] طول الحول ، فلو كانت‌

______________________________________________________

العيب ـ وعلى عدم القول بالفصل بين الإبل وغيرها من الأنعام.

[١] كما عن المدارك ، وقواه في الجواهر. لإطلاق ما دل على المنع من أخذ المريضة ، والهرمة ، وذات العوار. والمشهور : التقسيط. لكن عرفت في المسألة السابقة إشكاله.

[٢] إجماعاً ، كما في الحدائق ، وعن المنتهى والمدارك : نسبته إلى علمائنا. للأصل ، ومن أنه مقتضى كون الزكاة في العين على وجه الشركة ولانصراف دليل المنع عن أخذها عن هذه الصورة. لكن الانصراف ممنوع ولا مجال للأصل ، سواء أريد به أصالة الإطلاق لدليل وجوب الفريضة ، أم أصالة البراءة من اشتراط الصحة وعدم الهرم. إذ دليل المنع ـ لو تمَّ ـ كان مقيداً للأول ، وحاكماً على الثاني. كما لا مجال للعمل على مقتضى الشركة ، لأنه كالاجتهاد في مقابل النص. مع أن كونه مقتضى الشركة أول الكلام ، إلا على بعض الوجوه الذي لم يكن البناء على العمل عليه. فالبناء على المنع من أخذ واحدة منها في جميع صور المسألة في محله. إلا أن يكون إجماع على الجواز.

[٣] إجماعاً حكاه جماعة ، بل حكى عليه إجماع المسلمين ، إلا مالكاً. وتشهد له جملة من النصوص ، كصحيح الفضلاء في زكاة الإبل : « وليس على العوامل شي‌ء. إنما ذلك على السائمة الراعية » (١) ، وفي زكاة البقر :

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

٨٩

معلوفة ولو في بعض الحول لم تجب فيها ، ولو كان شهراً ، بل أسبوعاً [١]. نعم لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام‌

______________________________________________________

« ولا على العوامل شي‌ء ، وإنما الصدقة على السائمة الراعية » (١) ، وصحيح زرارة : « ليس على ما يعلف شي‌ء. إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها ، عامها الذي يقتنيها فيه الرجل. فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء » (٢).

[١] عن أبي علي ، والخلاف ، والمبسوط. عدم قدح العلف إذا كان السوم أغلب. ووجهه غير ظاهر. إلا القياس على السقي في الغلات ولكنه ليس من مذهبنا. مع أنه مع الفارق ، لاختلاف دليل المانعية في المقامين. وعن المحقق والشهيد الثانيين : أن المدار على صدق السائمة عرفاً بل نسب إلى أكثر المتأخرين ، بل إلى المشهور. وهو في محله. إلا أن الاشكال في تعيين ذلك المفهوم العرفي بنحو يمنع عن صدقه العلف اليوم واليومين والأكثر أولا يمنع. وعن المنتهى والدروس : عدم قدح اليوم في السنة. وعن الثاني : الأقرب عدم قدح الشهر في السنة. وعن فوائد الشرائع وغيرها : أنه لا يقدح اليوم في الشهر.

هذا ولأجل أنه يمتنع أن يكون المراد من السائمة طول الحول ـ الذي تضمنه صحيح زرارة ـ مستمرة السوم من أول الحول إلى آخره ، لامتناع ذلك في الحيوان ، فالمراد منها إما أن يكون هي السائمة في وقت الأكل ، أو المعدة لأن تسأم لا لأن تعلف ، أو ما لم تكن معلوفة مطلقاً ، أو ما لم تكن معلوفة عن إعداد ، أو ما لم تكن مستمرة العلف بنحو يعتد به في صدق أنها تعلف. والأول يستلزم عدم وجوب الزكاة فيها إذا لم تسم وقتاً ما في السنة لمانع وإن لم تعلف. والثاني يستلزم وجوب الزكاة على المعلوفة طول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٣.

٩٠

الحول عرفاً علفها يوماً أو يومين. ولا فرق في منع العلف [١] عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار ، أو بالاضطرار ـ لمنع مانع من السوم ، من ثلج ، أو مطر ، أو ظالم غاصب أو نحو ذلك ـ ولا بين أن يكون العلف من مال المالك أو غيره ، بإذنه أو لا بإذنه [٢] ، فإنها تخرج بذلك كله عن السوم وكذا لا فرق بين أن يكون ذلك بإطعامها للعلف المجزوز ،

______________________________________________________

الحول إذا أعدت للسوم. وكذا يستلزم عدم وجوب الزكاة فيها إذا سامت طول الحول مع عدم إعداد المالك إياها لذلك ، بأن كان متردداً في سومها وعلفها ، أو غافلا عنه ، أو نحو ذلك. والثالث يستلزم ـ مع وجود المانع عن السوم ، من مطر ونحوه ـ أن لا تجب فيها الزكاة إذا كان قد علفها ولو مرة ، ويجب فيها إذا كان قد تركها بلا سوم ولا علف. والرابع يستلزم الوجوب إذا كانت تعلف طول الحول بلا إعداد المالك.

فاذاً لا يبعد أن يكون المراد الأخير ، بملاحظة ما في صحيح زرارة. فإن الظاهر من قوله (ع) : « يعلف .. » ذلك ، نظير قولهم : « زيد يصوم النهار ويقوم الليل ». ولذا ترى أن المفهوم من قوله (ع) : « يعلف .. ». غير المفهوم من قوله : « علف ». ولو كان المراد صرف الطبيعة كان المناسب التعبير بالثاني. ويعضد ذلك : غلبة وقوع العلف للسائمة وقت ما في السنة لمانع من السوم ، من مطر ، أو عدو ، أو لعدم تمكن الراعي ، أو نحو ذلك من العوارض الغالبية. فإذاً لا يقدح العلف أياماً متفرقة في السنة. فتأمل جيداً.

[١] لإطلاق الدليل.

[٢] للإطلاق. وما عن التذكرة والموجز وغيرهما : من أنه لو علفها‌

٩١

أو بإرسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك [١]. نعم لا يخرج عن صدق السوم باستئجار المرعى ، أو بشرائه إذا لم يكن مزروعاً [٢]. كما أنها لا يخرج عنه بمصانعة [٣] الظالم على الرعي في الأرض المباحة.

______________________________________________________

الغير بغير إذن المالك تلحق بالسائمة ـ وعن البيان احتماله ، وعن المسالك : أنه لا يخلو من وجه ، إذ لا مئونة على المالك ـ غير ظاهر ، لعدم حجية العلة المستنبطة ، ليصح تقييد الإطلاق بها ، كما هو ظاهر.

[١] حكى في الجواز عن بعض مشايخه : وجوب الزكاة في الفرض لعدم الفرق في صدق السوم بين الرعي في المملوك وغيره. وجعله في الجواهر في محله. لكنه غير ظاهر ، فان صدق السوم في الفرض لا يلازم صدق السائمة ، لجواز انصراف اللفظ المذكور إلى السائمة في غير المملوك على ما هو المتعارف في إطلاقها.

نعم إذا كان النبت مملوكاً تبعاً للأرض ـ كالذي ينبت في البساتين والأرض المملوكة في أيام الربيع ، أو عند نضوب الماء ـ فلا يمنع الرعي فيه عن صدق السوم ، سواء أكانت الأنعام لصاحب الأرض فسامها فيه أم لغيره فبذله المالك له ، أو عاوض عليه مالك الأنعام فاشتراه من مالكه وسامها فيه. والفرق بين الزرع والنبت ـ في صدق السوم في الثاني ، وعدمه في الأول ـ ظاهر عند العرف.

[٢] يمكن أن يقال بصدق السائمة ولو كان مزروعاً ، إذا لم يكن الزرع مقصوداً في المعاملة ، بل كان ملحوظاً تبعاً ، ولو كان هو الداعي على إيقاعها. ولكن الأظهر العدم ، ولذا لا يصدق السوم لو بذله مالكه للانعام مجاناً.

[٣] للإطلاق. نعم لو تمَّ ما ذكره في المسالك : من اعتبار عدم‌

٩٢

الشرط الثالث : أن لا تكون عوامل [١] ولو في بعض الحول [٢] ، بحيث لا يصدق عليها : أنها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول. ولا يضر إعمالها يوماً أو يومين في السنة كما مر في السوم [٣].

الشرط الرابع : مضي الحول عليها [٤] ،

______________________________________________________

المؤنة ، كان السقوط في محله.

[١] بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كذا في الجواهر. وعن جماعة كثيرة : دعوى الإجماع صريحاً وظاهراً عليه. وتدل عليه النصوص المتقدمة في السوم وغيرها. نعم في موثق إسحاق بن عمار : « سألته عن الإبل تكون للجمال ، أو تكون في بعض الأمصار ، أتجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟ فقال (ع) : نعم » (١) وموثقه الآخر : « سألت أبا إبراهيم عن الإبل العوامل ، عليها زكاة؟ فقال (ع) : نعم ، عليها زكاة » (٢). لكنهما لا يصلحان لمعارضة ما سبق ، بعد كون الجمع العرفي بينهما هو الحمل على الندب.

[٢] لإطلاق الأدلة.

[٣] لعدم صدق العوامل بذلك ، لظهور العنوان في الدوام والثبوت نظير ما سبق في المعلوفة. نعم لو كان ذلك عن إعدادها للعمل لم يبعد الصدق.

[٤] إجماعاً بقسميه عليه ، بل عند أهل العلم كافة ، إلا ما حكي عن ابني عباس ومسعود في محكي المنتهى ، بل لا خلاف بين العلماء فيه ، كذا في الجواهر. وتشهد له جملة من النصوص ، كصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) ، قالا : « ليس على العوامل من الإبل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٨.

٩٣

جامعة للشرائط [١]. ويكفي الدخول في الشهر الثاني عشر [٢]

______________________________________________________

والبقر شي‌ء .. ( إلى أن قال ) : وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه ، فاذا حال عليه الحول وجب عليه » (١) ، ومرسل محمد بن سماعة عن رجل عن زرارة عن أبي جعفر (ع) : « لا يزكى من الإبل ، والبقر ، والغنم إلا ما حال عليه الحول ، وما لم يحل عليه الحول فكأنه لم يكن » (٢). ونحوهما غيرهما.

[١] بلا خلاف ولا إشكال. أما اعتبار النصاب في تمام الحول فيقتضيه ظاهر أدلة اعتبار الحول. وأما السوم فقد عرفت صراحة صحيح زرارة في اعتباره طول الحول (٣). وأما اعتباره أن لا تكون عوامل طول الحول فقيل : إن العمدة في اعتباره كذلك الإجماع.

لكن يمكن دعوى ظهور ما دل على أنه لا زكاة في العوامل في أنها ليست موضوعاً لوجوب الزكاة ، لا مجرد عدم تعلق وجوب الزكاة في نصاب فيه عوامل ، لتكون شرطاً في زمان تعلق الوجوب لا غير ، كما تقدم نظيره فيما دل على أنه لا زكاة في مال الصبي. فلاحظ.

[٢] بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ـ كما في الجواهر ـ وبلا خلاف ولا إشكال ـ كما في الحدائق ـ ومذهب علمائنا ـ كما عن المعتبر ـ وعليه إجماع علمائنا ، أو أصحابنا ، كما عن التذكرة والمنتهى والإيضاح والمسالك وغيرها. ويشهد له مصحح زرارة ومحمد بن مسلم ، قال أبو عبد الله (ع) : « أيما رجل كان له مال فحال عليه الحول فإنه يزكيه. قلت له : فان وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال (ع) : ليس عليه شي‌ء إذاً أبداً ..

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٢.

(٣) تقدم ذلك في الشرط الثاني من فصل زكاة الأنعام.

٩٤

______________________________________________________

( إلى أن قال زرارة ) : قلت له : رجل كانت له مائتا درهم ، فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله ، فراراً بها عن الزكاة ، فعل ذلك بها قبل حلها بشهر ، فقال (ع) : إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول ، ووجبت عليه فيها الزكاة » (١). والتوقف في حجيته ـ من جهة أن في السند إبراهيم بن هاشم ، وفيه كلام ، كما في المسالك ـ ضعيف ، بعد انعقاد الإجماع على العمل به والاعتماد عليه. مع أن المحقق عند المتأخرين تصحيح خبره. وبالجملة : لا ينبغي أقل تأمل في حجية المصحح المذكور.

نعم قد يشكل الأمر في كيفية الجمع بينه وبين نصوص الحول ، الظاهرة في اعتبار مضي اثنى عشر شهراً تامة ، وأنه بالتصرف في الحول ، بحمله على الأحد عشر ـ لكونه حقيقة شرعية في ذلك ، أو مجازاً مرسلا بعلاقة الاشراف ، أو استعارة للمشابهة ـ أو بالتصرف في نسبة الحولان إلى الحول بمضي أحد عشر شهراً منه ، وجوه ، أقربها الأخير. بل الأول مقطوع بعدمه ، كما يظهر من ملاحظة موارد استعماله في لسان الشارع الأقدس والمتشرعة. والوجوه الباقية وإن كان كل منها لا يخلو من عناية التجوز ، لكن الأولين منها غير مألوفين ، بخلاف الثالث. إذ كثيراً ما يقال : « مضى على زيد أسبوع في البلد » إذا دخل اليوم السابع ، « ومضى عليه شهر » إذا دخل اليوم الآخر ، كما ذكره شيخنا الأعظم (ره) في رسالته وغيره. والرجوع الى الاستعمالات العرفية شاهد على صحته. ومنه قولهم : « مات فلان لخمس مضين » ونحوه.

هذا كله لو بني على العمل بظاهر المصحح على كل حال ، اعتماداً على الإجماع ، وإلا فالجمع العرفي بينه وبين أدلة اعتبار الشروط في الحول يقتضي حمله على الاستحباب ، لأنه أقرب عرفاً مما ذكر. إلا أنه لا مجال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٢.

٩٥

فلا يعتبر تمامه ، فبالدخول فيه يتحقق الوجوب. بل الأقوى استقراره أيضاً [١] ، فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه.

______________________________________________________

له بعد تسالم الأصحاب عليه.

[١] كما عن الإيضاح والموجز والمدارك وغيرها. بل هو المنسوب إلى ظاهر الفتاوى ، واختاره في الجواهر. أخذاً بظاهر المصحح ، المعتضد بظاهر الفتاوى ، وظاهر معاقد الإجماعات ، بل لعله صريح بعضها. وحملا لغيره ـ مما دل على اعتبار الشروط في الحول ـ على أنها معتبرة إلى أن يحول عليها الحول ، الحاصل ذلك الحولان بدخول الشهر الثاني عشر ، كما يقتضيه المصحح. خلافاً لما عن الشهيدين والكركي والميسي وغيرهم ، من حمله على الوجوب المتزلزل ، والأخذ بظاهر أدلة الشروط.

وفيه : أن صريح المصحح استقرار الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر بالإضافة إلى مورده ، أعني : شرطية الملك. ومقتضى إطلاقه استقرار الوجوب بالإضافة إلى بقية الشروط. بل ظاهره الحكومة على أدلة اعتبارها في تمام الحول ، فيتعين العمل به. والحمل على الوجوب المتزلزل بالإضافة إلى جميع الشروط طرح لصريحة بالإضافة إلى مورده ، وطرح لظاهره بالإضافة إلى غيره ، فلا يجوز ارتكابه بمجرد ظهور نصوص الشرطية في اعتبار استمرارها في تمام الحول ، لأن التصرف فيها بحملها على المصحح أولى من التصرف في إطلاقه ، مع كونه بلسان الحكومة ، فضلا عن طرحه في مورده ، كما لا يخفى.

وفي المسالك لما توقف في حجية المصحح المتقدم اختار عدم استقرار الوجوب بذلك ، أخذاً بظاهر الأدلة ، واقتصاراً في الخروج عنها على ثبوت أصل الوجوب بدخول الثاني عشر ، عملا بالمتيقن بالإجماع.

٩٦

لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأول [١]. فابتداء الحول الثاني إنما هو بعد تمامه.

( مسألة ٩ ) : لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول [٢] ، كما لو نقصت عن النصاب ، أو لم يتمكن من التصرف فيها ، أو عاوضها بغيرها وإن كان زكوياً من جنسها. فلو كان عنده نصاب من‌

______________________________________________________

[١] قد ذكر غير واحد : أن كون الشهر الثاني عشر محسوباً من السنة الأولى أو من السنة الثانية ، مبني على التصرف بالحولان أو الحول. إذ على الثاني يكون كل أحد عشر شهراً حولا ، فلا بد من احتساب الشهر الثاني عشر من السنة الثانية. وعلى الأول يكون الحول باقياً على معناه ، أعني : اثنى عشر شهراً. غاية الأمر : يكون حولان الاثنى عشر بدخول الثاني عشر. وحينئذ فما دل على كون الزكاة في كل سنة مرة ـ المصرح به ، أو المشار إليه في النصوص ـ لا معارض له. وقد تقدم : أن الأظهر الثاني.

[٢] كما هو مقتضى الشرطية ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه. وفي مصحح زرارة ومحمد بن مسلم المتقدم : « قلت : فان وهبه قبل حله بشهر أو بيوم. قال : ليس عليه شي‌ء أبداً. قال زرارة : قلت له : فإن أحدث فيها قبل الحول. قال (ع) : جائز ذلك له. قلت : إنه فر بها من الزكاة. قال (ع) : ما أدخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها .. » (١) ورواية زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : رجل كانت عنده دراهم أشهراً فحولها دنانير ، فحال عليها ـ منذ يوم ملكها دراهم ـ حولا ، أيزكيها قال (ع) : لا » (٢) ، وصحيح عمر بن يزيد : « قلت لأبي عبد الله (ع)

__________________

(١) لاحظ الشرط الثالث من فصل زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٣.

٩٧

الغنم مثلا ، ومضى ستة أشهر ، فعاوضها بمثلها ، ومضى عليه ستة أشهر أخرى لم تجب عليه الزكاة [١]. بل الظاهر بطلان‌

______________________________________________________

رجل فر بماله من الزكاة ، فاشترى بها أرضا أو داراً ، أعليه فيها شي‌ء؟ فقال (ع) : لا. ولو جعله حلياً أو نقراً فلا شي‌ء عليه فيه ، وما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق الله الذي يكون فيه » (١). ونحوها غيرها.

[١] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. لما تقدم من النصوص وغيرها. نعم حكي عن المبسوط : وجوب الزكاة إذا عاوض النصاب الجامع للشرائط بمثله ، كما لو عاوض أربعين شاة سائمة ستة أشهر بأربعين كذلك. وعن فخر المحققين موافقته ، قال في محكي شرحه على الإرشاد : « إذا عاوض النصاب ـ بعد انعقاد الحول عليه ، مستجمعاً للشرائط ـ بغير جنسه ، وهو زكوي أيضاً ـ كما لو عاوض أربعين شاة بثلاثين بقرة ، مع وجود الشرائط في الاثنين ـ انقطع الحول ، وابتدأ الحول الثاني من حين تملكه. وإن عاوضه بجنسه ـ وقد مضى عليه الحول أيضا مستجمعاً للشرائط ـ لم ينقطع الحول ، بل بنى على الحول الأول. وهو قول الشيخ أبي جعفر الطوسي ( قده ) للرواية. وإنما شرطنا في المعاوض عليه انعقاد الحول ، لأنه لو عاوض أربعين سائمة بأربعين معلوفة لم تجب الزكاة إجماعاً. وكذا لو عاوض أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة أربعة أشهر ، لم تجب الزكاة إجماعاً. وكذا لو عاوض نصاباً من الذهب بنصاب منه ، وكان المأخوذ منه طفلا أو مجنوناً لم تنعقد الزكاة إجماعاً ، لأنه لم ينعقد عليه حول إجماعاً. وكذا لو عاوض ببعض النصاب .. ».

والرواية التي جعلها دليلا للشيخ لم يدع الشيخ وجودها ، ولا استند إليها ، وإنما استدل ـ على ما حكي ـ : « بأن من عاوض أربعين سائمة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ١.

٩٨

الحول بالمعاوضة ، وإن كانت بقصد الفرار من الزكاة [١].

______________________________________________________

ستة أشهر بأربعين سائمة كذلك يصدق عليه : أنه ملك أربعين سائمة طول الحول .. ». وضعفه ـ كالرواية المرسلة في شرح الإرشاد ـ ظاهر. فالعمل على المشهور متعين.

[١] كما هو المشهور. لما تقدم من النصوص وغيرها المصرح بسقوط الزكاة على من فر عنها بالتبديل. وعن السيد المرتضى (ره) : وجوبها إذا قصد بما فعله الفرار منها ، مدعياً عليه إجماع الإمامية ، مستدلا ببعض الأخبار الدالة على الوجوب حينئذ ، مدعياً : أنها أقوى من الأولى ، وأولى وأوضح طريقاً. فيلزم حملها على التقية ، لأن عدم الوجوب مذهب جميع المخالفين ، وأنه لا تأويل للأخبار الدالة على الوجوب ، وأن قول ابن الجنيد بعدم الوجوب مسبوق بالإجماع وملحوق به. انتهى محصل كلامه. وعن جماعة كثيرة موافقته. بل عن بعض : استظهار أنه المشهور بين المتقدمين.

وكأنه يشير في الاستدلال على مذهبه إلى موثق معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : الرجل يجعل لأهله الحلي. ( إلى أن قال ) : قلت : له فإنه فر بها من الزكاة ، فقال (ع) : إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة » (١) ، وموثق محمد بن مسلم عنه (ع) : « عن الحلي فيه زكاة؟ قال (ع) : لا. إلا ما فر به من الزكاة » (٢) ، وموثق زرارة : « قلت لأبي عبد الله (ع) ( إلى أن قال ) : إن أباك (ع) قال : من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها. فقال (ع) : صدق أبي ، إن عليه أن يؤدي ما وجب عليه ، وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه منه » (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٥.

٩٩

( مسألة ١٠ ) : إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شي‌ء ، فان كان لا بتفريط من المالك لم يضمن [١] ،

______________________________________________________

هذا وفي دلالة الأخير تأمل ظاهر. ودلالة الأولين وإن كانت تامة لكن الجمع العرفي بينها وبين نصوص النفي يقتضي الحمل على الاستحباب. وأما ما ذكره السيد (ره) من حمل نصوص النفي على التقية فغير ظاهر ، إذ الحمل على التقية ونحوه من المرجحات إنما يصار إليها بعد تعذر الجمع العرفي ، وقد عرفت إمكانه. وعن الشيخ (ره) : حمل الموثقين على صورة الفرار بعد الحول. لكنه غير ظاهر. ولا سيما في موثق معاوية ، لامتناع ما ذكر من التفصيل فيه بعد مضي الحول ، كما هو واضح.

[١] الظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف في الضمان بالتفريط ولو بالتأخير وعدمه مع عدمه. واستدل له بالنصوص ، كصحيح محمد بن مسلم : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (ع) : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ، لأنها قد خرجت من يده. وكذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه ، فان لم يجد فليس عليه ضمان » (١) ، وصحيح زرارة عنه (ع) : « عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت. فقال (ع) : ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان. قلت : فان لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت ، أيضمنها؟ قال (ع) : لا. ولكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها » (٢). وبهما يقيد إطلاق ما دل على عدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٢.

١٠٠