مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

( مسألة ٥ ) : المدار قيمة [١]

______________________________________________________

هذا ولكن تقييد المطلق بالمقيد المذكور غير ظاهر ، لما عرفت من أن الجمع بين أخبار القوت وأخبار التنصيص على الحنطة والشعير ، بحمل الثانية على أنها من باب أظهر الأفراد. ولذا بني على الاجتزاء بالقوت مطلقاً وإن لم يذكر بخصوصه في النصوص ، كالماش والعدس وغيرهما. وحينئذ لا مانع من الأخذ بالمطلقات.

ثمَّ لو بني على عدم الاجتزاء بالملفق أصلا ، فهل يجزي قيمة ـ كما عن المحقق والكيدري ـ أولا؟ وجهان ، مبنيان على وجود الإطلاق الشامل وعدمه ، كما تقدم.

[١] المشهور : أنه لا تقدير شرعي للقيمة. وحكي في الشرائع عن قوم : تقديره بدرهم ، وعن آخرين : بثلثي درهم. ولم يعرف القائل ، ولا مستنده ، كما صرح به غير واحد. نعم عن الاستبصار : أنه ـ بعد أن روى خبر إسحاق بن عمار عن الصادق (ع) : « لا بأس أن يعطي قيمتها درهماً » (١) ـ قال (ره) : « وهذه الرواية شاذة. والأحوط أن يعطي قيمة الوقت ، قلت أم كثرت. وهذه رخصة إذا عمل بها الإنسان لم يكن مأثوماً .. ». وعن المقنعة : « سئل الصادق (ع) عن مقدار القيمة فقال : درهم في الغلاء والرخص. وروي : أن أقل القيمة في الرخص ثلثا درهم » (٢).

والأول ـ مع ضعف سنده ، وهجره ، ورميه بالشذوذ ـ لا مجال للعمل به مع قرب حمله على القيمة في ذلك الزمان ـ كما أشار إليه في محكي المقنعة ـ أو على إرادة الجنس. ومن ذلك يظهر لك سقوط الأخيرين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١٤.

٤٢١

وقت‌ الإخراج [١] ، لا وقت الوجوب. والمعتبر قيمة بلد الإخراج [٢] ، لا وطنه ، ولا بلد آخر. فلو كان له مال في بلد آخر غير بلده وأراد الإخراج منه ، كان المناط قيمة ذلك البلد ، لا قيمة بلده الذي هو فيه.

( مسألة ٦ ) : لا يشترط اتحاد الجنس الذي يخرج عن نفسه مع الذي يخرج عن عياله [٣] ، ولا اتحاد المخرج عنهم بعضهم مع بعض ، فيجوز أن يخرج عن نفسه الحنطة وعن عياله الشعير أو بالاختلاف بينهم ، أو يدفع عن نفسه ـ أو عن بعضهم ـ من أحد الأجناس وعن آخر منهم القيمة ، أو العكس.

( مسألة ٧ ) : الواجب في القدر : الصاع عن كل رأس [٤]

______________________________________________________

ولا سيما مع عدم عمل راويهما بهما. هذا كله مع معارضتها بخبر سليمان بن جعفر المروزي : « سمعته يقول : إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. والصدقة بصاع من تمر ، أو قيمته في تلك البلاد دراهم » (١).

[١] كما هو منصرف النصوص.

[٢] كما هو منصرف النصوص أيضاً. ويقتضيه خبر المروزي المتقدم.

[٣] كما نص عليه غير واحد. ويظهر من محكي عبارة المختلف : أنه من المسلمات ، وهو الذي يقتضيه إطلاق الأدلة.

[٤] إجماعاً ، حكاه جماعة كثيرة ، وفي الجواهر : الإجماع بقسميه عليه. وتشهد له النصوص الكثيرة ، التي أنهاها بعضهم إلى سبعة عشر حديثا ، سبعة منها صحاح : للجمال (٢) والحذاء (٣) والقداح ، (٤) وسعد بن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١١.

٤٢٢

______________________________________________________

سعد الأشعري (١) ، والحلبي ، (٢) ، ومعاوية بن وهب (٣) ومحمد بن عيسى (٤). وعشرة غير صحاح : للهمداني (٥) ، والمروزي (٦) ، والشحام (٧) ، وسلمة (٨) ، وابن المغيرة (٩) ، وجعفر بن معروف (١٠) وياسر (١١) ، وإبراهيم بن أبي يحيى (١٢) ، وابن سنان (١٣) ، ومنصور (١٤). نعم في جملة من الصحاح : الاجتزاء بنصف صاع من حنطة أو شعير أو نصف صاع من بر (١٥). لكنه مطروح ، لما سبق. وحمل على التقية كما يشير إليه جملة مما سبق ، كصحيح الحذاء عن أبي عبد الله (ع) : « أنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١٢١١. إلا أنهما تضمنتا الاجتزاء بنصف الصاع ، ولم نعثر على رواية للحلبي تشتمل على الصاع.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

(٦) تقدم ذلك في المسألة الخامسة من هذا الفصل.

(٧) الوسائل باب : ١٠ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٦.

(٨) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٩.

(٩) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٣.

(١٠) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

(١١) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٥.

(١٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٧.

(١٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١٢.

(١٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١٥ ، إلا أن الرواية مشتملة على نصف الصاع ، ولم نعثر له على رواية تشتمل على الصاع.

(١٥) لعل المراد بذلك : ما رواه في الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١١ و ١٢ من الحلبي. وكذلك الرواية المتقدمة عن منصور وغيرهما مما ذكر في نفس الباب.

٤٢٣

من جميع الأجناس ـ حتى اللبن ـ على الأصح ، وإن ذهب جماعة من العلماء فيه إلى كفاية أربعة أرطال [١].

______________________________________________________

ذكر صدقة الفطرة ، أنها على كل صغير وكبير ـ من حر أو عبد ، ذكر وأنثى ـ صاع من تمر ، أو صاع من زبيب ، أو صاع من شعير ، أو صاع من ذرة. فلما كان زمان معاوية ، وخصب الناس ، عدل الناس عن ذلك إلى نصف صاع من حنطة » (١). وفي خبر سلمة بن حفص عن أبي عبد الله (ع) : « فلما كان زمن عثمان حوله مدين من قمح » (٢). وفي صحيح معاوية بن وهب عنه (ع) : « فلما كان زمن عثمان ، وكثرت الحنطة ، قومه الناس ، فقال : نصف صاع من بر بصاع من شعير » (٣). ونحوها غيرها (٤).

[١] حكي ذلك عن المبسوط ، والمصباح ، ومختصره ، والاقتصاد ، والجمل ، والنهاية ، والتهذيب ، والاستبصار ، والحلي ، وابن حمزة ، والشرائع ، والنافع ، والتذكرة ، والتبصرة ، والقواعد ، والإرشاد وغيرها ، ونسب الى كثير من الأصحاب. لمرفوع إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله (ع) : « سئل عن الرجل في البادية لا يمكنه الفطرة. قال (ع) : يتصدق بأربعة أرطال من لبن » (٥). ونحوه مرسل القاسم بن الحسن (٦). ولا يبعد كونهما واحداً. وبعضهم فسر الرطل بالمدني ، جمعاً بينهما وبين مكاتبة محمد ابن الريان : « كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة وزكاتها ، كم تؤدى؟ فكتب : أربعة أرطال بالمدني » (٧). وفيه : أن الأولين ضعيفان سنداً.

__________________

(١) هذه من جملة الروايات التي أشير إليها في صدر التعليقة على سبيل الاجمال.

(٢) هذه من جملة الروايات التي أشير إليها في صدر التعليقة على سبيل الاجمال.

(٣) هذه من جملة الروايات التي أشير إليها في صدر التعليقة على سبيل الاجمال.

(٤) كخبر ياسر ، وإبراهيم بن أبي يحيى ، اللذين أشير إليهما في صدر التعليقة.

(٥) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الفطرة ملحق حديث : ٣.

(٧) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٥.

٤٢٤

والصاع أربعة أمداد [١] ، وهي تسعة أرطال بالعراقي ، فهو ستمائة وأربعة عشر مثقالا وربع مثقال بالمثقال الصيرفي ، فيكون بحسب حقة النفج ـ التي هي تسعمائة مثقال ، وثلاثة وثلاثون مثقالا وثلث مثقال ـ نصف حقة ، ونصف وقية ، وأحد وثلاثون مثقالا إلا مقدار حمصتين. وبحسب حقة الاسلامبول ـ وهي مائتان وثمانون مثقالا ـ حقتان ، وثلاثة أرباع الوقية ، ومثقال وثلاثة أرباع المثقال. وبحسب المن الشاهي ـ وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالا ـ نصف من ، إلا خمسة وعشرون مثقالا ، وثلاثة أرباع المثقال.

______________________________________________________

ولو سلم الانجبار بالعمل فدلالتهما قاصرة ، لاختصاصهما بمن لا يتمكن من الفطرة من جميع الأجناس ، حتى اللبن ـ بل حتى القيمة ـ فلا يكونان مما نحن فيه. مع معارضتهما لما دل بالخصوص على وجوب الصاع في خصوص الأقط ـ الذي يكون اللبن أولى منه بالتقدير المذكور ـ أو بالعموم الآبي عن التخصيص ، كخبر جعفر بن معروف : « كتبت إلى أبي بكر الرازي في زكاة الفطرة ، وسألناه أن يكتب في ذلك إلى مولانا ـ يعني على بن محمد الهادي (ع) ـ فكتب : إن ذلك قد خرج لعلي ابن مهزيار : أنه يخرج من كل شي‌ء ـ التمر ، والبر ، وغيره ـ صاع. وليس عندنا ـ بعد جوابه علياً ـ في ذلك اختلاف » (١). فتأمل. وأما المكاتبة فليس فيها تعرض لللبن ، فهي معارضة لنصوص الصاع. وحملها على خصوص اللبن ـ مع بعده في نفسه ـ لا قرينة عليه. والخبران المذكوران آنفا قد عرفت إشكالهما ، فلا يمكن الاعتماد عليهما شاهداً للجمع بين النصوص.

[١] كما تقدم في زكاة الغلات وغيرها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

٤٢٥

فصل في وقت وجوبها

وهو دخول ليلة العيد [١] ، جامعاً للشرائط ، ويستمر

______________________________________________________

فصل في وقت وجوبها‌

[١] كما عن الشيخ في الجمل والاقتصاد ، وابني حمزة وإدريس وجماعة كثيرة من المتأخرين ، بل نسب إلى المشهور بينهم. واستدل له بصحيح معاوية بن عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) عن مولود ولد ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ قال (ع) : لا ، قد خرج الشهر. وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ قال (ع) : لا » (١) ، ومصححه عنه (ع) ـ في المولود يولد ليلة الفطر ، واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر ـ قال (ع) : « ليس عليهم فطرة ، وليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر » (٢).

ويشكل : بأن الأول ليس فيه إلا نفي الفطرة عمن لم يجمع الشرائط عند الهلال ، ولا تعرض فيه لإثبات الوجوب ، فضلا عن وقته. وأما الثاني فالاستثناء وان كان متضمناً لثبوت الوجوب على من أدرك ، إلا أنه لا إطلاق فيه يقتضي ثبوت الوجوب في ذلك الزمان أو فيما بعده ، لعدم وروده لبيان هذه الجهة ، فلا ينافي ما دل على حدوث الوجوب عند طلوع الفجر على من أدرك الشهر.

هذا وعن كثير من القدماء ـ كالشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

٤٢٦

______________________________________________________

والسيد وأبي الصلاح وابن البراج وسلار وغيرهم ـ : أن وقت الوجوب طلوع الفجر ، وعن جماعة من المتأخرين اختياره. واستدل لهم بصحيح العيص : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الفطرة ، متى هي؟ فقال : قبل الصلاة يوم الفطر. قلت : فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة. قال (ع) : لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ثمَّ يبقى فنقسمه » (١) وفيه : أن الظاهر منه وقت الإخراج لا الوجوب ، ولا مانع من اختلاف وقتيهما.

وأما الإشكال عليه : بأنه يتوقف على القول بوجوب تقديمها على الصلاة ، إذ لو بني على استحبابه ، تعين حمل قوله (ع) : « يوم الفطر » على الاستحباب ، لوحدة السياق ، فغير ظاهر ، إذ لا مانع من التفكيك بين القيدين ، فيعمل بظاهر أحدهما وترفع اليد عن الآخر ، بقرينة خارجية ولا ينافي كونها خارجية ذكرها في ذيل الخبر ، لأنها مذكورة في جواب السؤال الثاني ، بعد انعقاد ظهور الجواب في الوجوب. نعم لو كان القيد المذكور قيداً لقوله : « قبل الصلاة » تبعه في الحمل على الاستحباب ، لكنه خلاف الظاهر. فالعمدة في الاشكال عليه ما ذكرنا. وأضعف منه الاشكال عليه : بأن المنساق من قبلية الصلاة القبلية العرفية ، المنافية للتوقيت بطلوع الفجر. وجه الضعف : أن الانسباق المذكور لو سلم فهو إذا لم يكن معه القيد الآخر ، أما إذا كان معه فالظاهر منه القبلية مقابل البعدية ، كما لا يخفى.

هذا واستدل له أيضا بخبر إبراهيم بن ميمون [ منصور ] : « قال أبو عبد الله (ع) : الفطرة إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة ، وإن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة » (٢). ولكن ظهوره في الإعطاء مما لا ينبغي التأمل فيه ، ويبتني أيضاً على القول بالوجوب ، كما سبق. ونحوه غيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٢.

٤٢٧

______________________________________________________

والذي يتحصل مما ذكرنا في مفاد النصوص : أنه إن كان النزاع في دلالتها على اعتبار اجتماع الشرائط عند الغروب من ليلة الفطر ـ أو عند طلوع الفجر ـ فلا ينبغي التأمل في ثبوت الأول ، لما تقدم من صحيح معاوية وخبره (١) وإن كان في زمان حدوث الوجوب ، وأنه الغروب أو طلوع الفجر ، فلا يظهر من النصوص المتقدمة ما يدل على أحد الأمرين. وإن كان النزاع في جواز الإخراج ليلا وعدمه ، فالذي يظهر من صحيح العيص (٢) هو الثاني ، من دون معارض ظاهر. وقوله (ع) في صحيح الفضلاء : « يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل. وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان » (٣) ظاهر في الأفضلية من التعجيل فلا ينافي التوقيت بيوم الفطر. لكن الظاهر من كلماتهم الإنفاق على اعتبار اجتماع الشرائط عند غروب ليلة الفطر ، بل عن المدارك : دعوى الإجماع عليه.

وأما كون وقت الوجوب هو الغروب أو طلوع الفجر ، فالمحكي عن الأصبهاني وسيد المدارك عدم الخلاف فيه أيضاً ، واتفاقهم على تحقق الوجوب بالغروب ، فيترتب عليه : أنه لو مات قبل طلوع الفجر وجب إخراج الفطرة من تركته. لكن في الجواهر جعله محلا للنزاع ، كوقت الإخراج.

هذا وإذ لم يتحقق الإجماع فيه ، كما لم يتضح دلالة النص عليه ، يكون المرجع فيه الأصل ، وهو يقتضي تأخر الوجوب إلى طلوع الفجر. كما أن مقتضى الأصل في المسألة الثالثة هو البراءة ، للشك في شرطية اليوم للإعطاء. وليس المقام من قبيل الشك في التعيين والتخيير ، لأن خصوصية الزمان لا تفرد الواجب ولا تحصصه ، وباب الشك في التعيين والتخيير مختص‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما في صدر التعليقة.

(٢) تقدم ذلك في أوائل التعليقة.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

٤٢٨

الى الزوال لمن لم يصل صلاة العيد [١]. والأحوط عدم تأخيرها عن الصلاة إذا صلاها ، فيقدمها عليها وإن صلى في أول وقتها. وإن خرج وقتها ولم يخرجها ، فان كان قد عزلها‌

______________________________________________________

بالخصوصيات الموجبة لتعدد الحصص والأفراد.

[١] اختلف الأصحاب ( قدهم ) في آخر وقت الفطرة ، فالمحكي عن السيد والشيخين والصدوقين والديلمي والحلبي وجماعة من المتأخرين : أنه صلاة العيد ، ونسب إلى الأكثر. وفي التذكرة : « لو أخرها عن صلاة العيد اختياراً أثم ، عند علمائنا أجمع .. ». ومثله قال في المنتهى. واستدل له بخبر إبراهيم بن ميمون [ منصور ] المتقدم (١). ونحوه خبر على بن طاوس ـ في الإقبال ـ عن أبي عبد الله (ع) (٢) وخبر العياشي ، عن سالم بن مكرم الجمال عنه (ع) ، (٣). ومفهوم موثق إسحاق بن عمار عنه (ع) : « إذا عزلتها فلا يضرك متى ما أعطيتها ، قبل الصلاة أو بعد الصلاة » (٤) وخبر المروزي : « إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة » (٥).

وعن الإسكافي : أنه زوال العيد ، وعن المختلف والإرشاد والبيان ـ وفي الدروس ـ : موافقته. واستدل لهم بما في ذيل صحيح العيص المتقدم المتضمن جواز تأخيرها عن الصلاة (٦). وحمله على صورة العزل كما في‌

__________________

(١) لاحظ التعليقة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٩ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٧.

(٦) لاحظ أول هذا الفصل.

٤٢٩

______________________________________________________

الوسائل ـ بقرينة ما في صدره » لئلا يلزم التنافي بينهما ـ ليس بأولى من حمل ما في صدره على الاستحباب ، بل الثاني هو المتعين في نظر العرف ، فإنه أولى من التفكيك بين الصدر والذيل في الموضوع ، بأن يكون موضوع الأول غير المعزولة وموضوع الثاني المعزولة. وبذلك يظهر لك الإشكال في دعوى الإجمال للتنافي المذكور ، فإنها تتم لو لم يكن أحد الاحتمالين أقرب عرفاً كما عرفت. ومصحح ابن سنان : « وإعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل ، وبعد الصلاة صدقة » (١) فان الظاهر من الأفضلية الاستحباب. وحملها على الوجوب ـ بقرينة الذيل ـ خلاف الظاهر. كما أن حملها على القبلية القريبة خلاف ظاهر المقابلة جداً.

وهذان الصحيحان وإن كانا خاليين عن التحديد بالزوال ، لكن يحملان عليه ، بقرينة ما عن الإقبال ، عن كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن أبي الحسن الأحمسي ، عن أبي عبد الله (ع) : « إن الفطرة عن كل حر ومملوك .. ( إلى أن قال ) : قلت : أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال (ع) : إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة ، وإن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة ولا يجزيك. قلت : فأصلي الفجر وأعزلها ، فيمكث يوماً أو بعض يوم ثمَّ أتصدق بها؟ قال (ع) : لا بأس ، هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة » (٢).

هذا وفي المنتهى ـ بعد أن ادعى الإجماع على الإثم لو أخرها عن الصلاة كما سبق ـ قال : « والأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة ، ويحرم التأخير عن يوم العيد .. ». وظاهره جواز التأخير إلى آخر النهار ، وقواه المجلسي (ره) في مرآة العقول. وكأنه لإطلاق الصحاح المتقدمة ، وعدم الاعتناء بخبر الإقبال لضعفه سنداً ، فإن أبا الحسن مهمل ، والأنصاري غير ظاهر التوثيق. ولاضطرابه دلالة ، فإن قوله (ع) : « إذا أخرجتها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١٦.

٤٣٠

دفعها الى المستحق بعنوان الزكاة [١] ، وإن لم يعزلها فالأحوط الأقوى عدم سقوطها [٢] ، بل يؤديها بقصد القربة ، من غير تعرض للأداء والقضاء.

______________________________________________________

قبل الصلاة .. » ينافي ما في صدره. وهذا هو الأقوى لو لم يقم إجماع على خلافه ، كما في المختلف قال فيه : « لو أخرها عن الزوال لغير عذر أثم بالإجماع .. ». ولعل ذلك قرينة على عدم إرادته المخالفة ، بقوله في المنتهى : « ويحرم .. ».

أما نصوص القول الأول فلا تصلح لمعارضة ما تقدم حجة للثاني ، لإمكان الجمع العرفي بينها بالحمل على الاستحباب. مع أنها لا تصلح للتوقيت لمن لم يصل ـ لعذر ، أو لغيره ـ فان استصحاب الوقت لمثله محكم. وكأن المصنف (ره) اعتمد على الاستصحاب المذكور ، وجعل الآخر الزوال ، اعتماداً إما على خبر الإقبال أو على إجماع المختلف ، أو على ما في مرسل التهذيب ، من استحباب إخراج الفطرة عمن ولد أو أسلم قبل الزوال. ولأجل ما ذكرنا ونحوه تردد في التوقيت لمن لم يصل.

[١] بلا إشكال ، إذ لا تخرج المعزولة عن كونها زكاة بالتأخير. ويشهد له موثق إسحاق ـ المتقدم في المسألة السابقة ـ وغيره من نصوص العزل.

[٢] كما عن الشيخ والديلمي والفاضل ـ في جملة من كتبه ـ والحلي وجماعة من المتأخرين. للاستصحاب. خلافاً لما عن الصدوق والمفيد والحلبي والقاضي وابن زهرة والمحقق وجمع من المتأخرين : من القول بالسقوط ، لأن القضاء يحتاج إلى أمر جديد ، وهو مفقود ، والأصل البراءة. وفيه : أن الاستصحاب مقدم على البراءة. ولا ينافيه التوقيت ، إذ لا مانع من جريان استصحاب وجوب الموقت بعد خروج الوقت. ودعوى تعدد الموضوع ممنوعة ، كما حرر في محله. مع أن التوقيت للأداء لا للمال الذي في الذمة‌

٤٣١

( مسألة ١ ) : لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط [١]. كما لا إشكال في عدم جواز تقديمها‌

______________________________________________________

فلا مانع من استصحاب بقائه.

اللهم إلا أن يقال : محض التوقيت وإن لم يمنع من الاستصحاب ، لكن النصوص اشتملت على أنها بعد الصلاة صدقة. والظاهر أنه صدقة مستحبة ، وذلك مانع عن الاستصحاب. لكن ذلك لو تمَّ كان مبنياً على الأخذ بنصوص التوقيت بما قبل الصلاة ، ولا يجري على القول الآخر. وعلى الأول فهل هي أداء ـ كما عن الحلي ـ أو قضاء ، كما عن غيره؟ وجهان ، أقواهما الأول ، كما يظهر من ملاحظة ما ذكرنا.

[١] بل عن الشيخين وأبي الصلاح وابن إدريس الجزم به ، وفي الشرائع : « هو الأظهر .. ». بل عن المدارك وغيرها : نسبته إلى المشهور. لعدم اشتغال الذمة بها حينئذ ، فيكون أداؤها أداء لما لم يجب. ويشير إليه : ما ورد في زكاة المال ، من المنع عن تعجيلها قبل حولان الحول ، كما أنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها ، ولا يصوم أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء. وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت.

لكن عن الصدوقين والشيخ ـ في المبسوط والخلاف والنهاية ـ وجماعة من القدماء وكثير من المتأخرين : الجواز ، وفي الدروس : نسبته إلى المشهور. لصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) ، أنهما قالا : « على الرجل أن يعطي عن كل من يعول ، من حر وعبد ، وصغير وكبير ، يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل. وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره .. » (١). وحمله على القرض بعيد جداً ، إذ لا خصوصية لرمضان في ذلك.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

٤٣٢

على شهر رمضان. نعم إذا أراد ذلك أعطى الفقير قرضاً ، ثمَّ يحسب عند دخول وقتها.

( مسألة ٢ ) : يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس [١] ، أو غيرها بقيمتها [٢] ، وينوي حين العزل [٣] وإن كان الأحوط تجديدها حين الدفع أيضاً. ويجوز عزل أقل من مقدارها [٤] أيضا ، فيلحقه الحكم وتبقى البقية غير معزولة على حكمها. وفي جواز عزلها في الأزيد ، بحيث يكون المعزول مشتركاً بينه وبين الزكاة وجه ، لكن لا يخلو عن إشكال [٥]. وكذا لو عزلها في مال مشترك بينه وبين غيره مشاعاً ، وإن كان ماله بقدرها.

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ظاهر. وتشهد له النصوص ، كصحيح زرارة (١) وموثق إسحاق، وخبر المروزي المتقدمة في المسألة الماضية (٢) ، ومرسل ابن أبي عمير : « إذا عزلتها ـ وأنت تطلب بها الموضع ، أو تنتظر بها رجلا ـ فلا بأس به » (٣).

[٢] لإطلاق النصوص.

[٣] كما صرح به غير واحد. ويقتضيه مفهوم العزل.

[٤] كما نص عليه في محكي المسالك وغيرها. وكأنه : لما يستفاد من النصوص : من ولاية المكلف في التعيين ، التي لا فرق فيها بين الكل والبعض أو أن المراد من عزل الفطرة عزل الجنس الصادق على كل منهما. فتأمل.

[٥] لتحقق الشركة المنافية للعزل. ولأن ذلك يوجب جواز عزلها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٢.

(٢) لاحظ أول الفصل.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٥.

٤٣٣

( مسألة ٣ ) : إذا عزلها وأخر دفعها إلى المستحق ، فان كان لعدم تمكنه من الدفع لم يضمن لو تلف ، وإن كان مع التمكن منه ضمن [١].

______________________________________________________

في جميع ماله ، وهو غير المعروف من العزل ، كذا في المسالك. لكن في الجواهر : « لا ريب في عدم صدق العزل بالعزل في جميع المال ونحوه. أما اعتبار عدم الزيادة فيه أصلا فمحل منع. خصوصاً مع رفع اليد عن الزيادة .. ».

أقول : الظاهر من العزل العزل عن غيرها ، فلا يصدق مع الاشتراك مطلقاً. نعم مع رفع يده عن الزيادة وجعلها للفقير لا يبعد صدقه ، بل لعله الغالب في العزل ، لندرة عزل المساوي تحقيقاً ، بل لعله متعذر. فتأمل.

[١] كما نص عليه غير واحد. ولعله المراد من صحيح زرارة المتقدم (١) ويقتضيه ما تقدم في زكاة المال ، بناء على عدم الخصوصية لها ، كما قد يفهم من صحيح ابن مسلم المتقدم هناك (٢). أو أن يكون المراد من الزكاة فيه ما يشمل زكاة الفطرة. مضافاً في الحكم الأول إلى أصالة البراءة من الضمان لعدم الموجب له من تعد أو تفريط. وفي الثاني إلى قاعدة الضمان بالتفريط بناء على أن التأخير نوع منه.

لكن يمنع صدقه بمجرد ذلك مع جواز التأخير له اتفاقاً ـ نصاً وفتوى ـ على الظاهر. والعمدة : بناؤهم على عدم الفرق بين الفطرة وزكاة المال في هذه الأحكام. ومنه يعلم ما في المسألة الآتية. وإن كان ظاهر موثقة الفضيل ومكاتبة علي بن بلال الآتيتين عدم جواز النقل ، فيشكل الخروج عن ظاهر هما بمجرد ذلك.

__________________

(١) لاحظ المسألة السابقة.

(٢) راجع المسألة : ١٠ من فصل في بقية أحكام الزكاة من زكاة المال.

٤٣٤

( مسألة ٤ ) : الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر ولو مع وجود المستحق في بلده ، وإن كان يضمن حينئذ مع التلف. والأحوط عدم النقل ، إلا مع عدم وجود المستحق.

( مسألة ٥ ) : الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها [١] وإن كان ماله ـ بل ووطنه ـ في بلد آخر. ولو كان له مال في بلد آخر ، وعينها فيه ، ضمن بنقله عن ذلك البلد إلى بلده أو بلد آخر ، مع وجود المستحق فيه.

( مسألة ٦ ) : إذا عزلها في مال معين لا يجوز له تبديلها بعد ذلك [٢].

فصل في مصرف زكاة الفطرة

وهو مصرف زكاة المال [٣] ، لكن يجوز إعطاؤها‌

______________________________________________________

[١] كما يستفاد من موثقة الفضيل ومكاتبة علي بن بلال الآتيتين. بل عرفت أن ظاهرهما الوجوب.

[٢] كما عن الدروس. لتعينها زكاة بالعزل ، ولا دليل على ولايته علي التبديل. وعن بعض الأجلة : الإشكال فيه ، لأصالة عدم التعيين ما لم يقبضه المستحق. وفيه : أنه خلاف ظاهر نصوص العزل.

فصل في مصرف زكاة الفطرة‌

[٣] كما هو المشهور ، بل عن المدارك : أنه مقطوع به في كلامهم وعن شرح اللمعة ـ للأصبهاني ـ : الإجماع عليه. لعموم قوله تعالى :

٤٣٥

للمستضعفين من أهل الخلاف [١] ، عند عدم وجود المؤمنين‌

______________________________________________________

( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ... ) (١). ولا سيما بملاحظة ما في صحيح هشام ابن الحكم : « نزلت آية الزكاة وليس للناس أموال ، وإنما كانت الفطرة » (٢) وربما نسب إلى المفيد اختصاصها بالمساكين ، لكن لا يساعده محكي عبارة المقنعة ، بل هي ظاهرة في المشهور.

وفي المعتبر ـ وعن المنتهى ـ : اختصاص مصرفها فيما عدا العاملين والمؤلفة قلوبهم. وكأنه : لبنائهما على عدم مشروعيتهما في الغيبة ، وإلا فلا وجه له ظاهر. ولا سيما بعد استدلال المعتبر : « بأنها زكاة ، وأن مصرفها مصرف زكاة المال. لعموم الآية .. ». نعم في صحيح الحلبي : إنها للفقراء والمساكين (٣) ، وفي رواية الفضيل : أنها لمن لا يجد (٤) وفي رواية زرارة : « أما من قبل زكاة المال فان عليه الفطرة ، وليس على من قبل الفطرة فطرة » (٥).لكن يتعين حملها على بعض المحامل غير المنافية لما سبق.

[٢] كما نسب الى الشيخ وأتباعه.لموثق الفضيل عن أبي عبد الله (ع) قال : « كان جدي (ع) يعطي فطرته الضعفاء ، ومن لا يجد ، ومن لا يتولى. وقال أبو عبد الله [ أبوه. خ ل ] : هي لأهلها. إلا أن لا تجدهم فان لم تجدهم فلمن لا ينصب. ولا تنقل من أرض إلى أرض. وقال : الإمام أعلم ، يضعها حيث يشاء ، ويصنع فيها ما رأى » (٦). ومكاتبة‌

__________________

(١) البقرة : ٦٠.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب زكاة الفطرة ملحق حديث : ١٠.

(٦) الوسائل باب : ١٥ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٣.

٤٣٦

وإن لم نقل به هناك. والأحوط الاقتصار على فقراء المؤمنين ومساكينهم. ويجوز صرفها على أطفال المؤمنين ، أو تمليكها‌

______________________________________________________

علي بن بلال كتبت اليه : « هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة ورجل آخر من إخوانه في بلدة أخرى يحتاج ، أن يوجه له فطرة أم لا؟ فكتب (ع) : يقسم الفطرة على من حضر ، ولا يوجه ذلك الى بلدة أخرى ، وإن لم يجد موافقاً » (١) ، وصحيح ابن يقطين : « سأل أبا الحسن الأول (ع) عن زكاة الفطرة ، أيصلح أن تعطى الجيران والضؤرة! ممن لا يعرف ولا ينصب؟ فقال (ع) : لا بأس بذلك ، إذا كان محتاجاً » (٢). وأما خبر الجهني : « سألت أبا جعفر (ع) : عن زكاة الفطرة. فقال (ع) : تعطيها المسلمين ، فان لم تجد مسلما فمستضعف. وأعط إذا قرابتك منها إن شئت » (٣) فظاهره جواز إعطائها لمستضعف الكافر إذا لم يوجد المسلم لكنه غير معمول به. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن المشهور ـ وعن الانتصار والغنية : الإجماع عليه ـ من عدم الجواز ، لإطلاق ما دل على أن الزكاة لأهل الولاية. ولما رواه إسماعيل بن سعد عن الرضا (ع) : « سألته عن الزكاة ، هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال : لا ، ولا زكاة الفطرة » (٤). لكن الإجماع موهون بتحقق الخلاف. والإطلاق مقيد. وكذا ما رواه إسماعيل ، فيحمل على غير المستضعف ، أو مع وجود المؤمن. بل ظاهر النصوص المذكورة : جواز إعطائها لغير الناصب من المخالفين وإن لم يكن مستضعفاً ، إذا لم يوجد المؤمن. فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٤٣٧

لهم بدفعها إلى أوليائهم [١].

( مسألة ١ ) : لا يشترط عدالة من يدفع إليه ، فيجوز دفعها إلى فساق المؤمنين [٢]. نعم الأحوط عدم دفعها إلى شارب الخمر ، والمتجاهر بالمعصية. بل الأحوط العدالة أيضاً. ولا يجوز دفعها إلى من يصرفها في المعصية.

( مسألة ٢ ) : يجوز للمالك أن يتولى دفعها مباشرة أو توكيلا [٣]. والأفضل ـ بل الأحوط أيضاً ـ دفعها إلى الفقيه الجامع للشرائط [٤]. خصوصاً مع طلبه لها [٥].

( مسألة ٣ ) : الأحوط أن لا يدفع للفقير أقل من صاع [٦] ، إلا إذا اجتمع جماعة لا تسعهم ذلك.

______________________________________________________

[١] كما تقدم في زكاة المال.

[٢] على ما تقدم في زكاة المال.

[٣] ولا يجب دفعها إلى الامام أو نائبه إجماعاً ، كما في المستند ، وعن المنتهى : لا خلاف فيه بين العلماء كافة : وتشهد به النصوص المتقدمة في المسائل السابقة.

[٤] فقد استظهر من المفيد (ره) وجوبه. وقد يشهد له خبر أبي علي بن راشد : « عن الفطرة لمن هي؟ قال (ع) : للإمام. قال : قلت : فأخبر أصحابي؟ قال (ع) : نعم ، من أردت أن تظهره منهم وقال (ع) : لا بأس بأن تعطي ، وتحمل ثمن ذلك ورقاً » (١).

[٥] تقدم وجهه في زكاة المال.

[٦] فان المشهور بينهم المنع ، بل عن المختلف : نسبته إلى فقهائنا ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٢.

٤٣٨

( مسألة ٤ ) : يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع [١] ، بل إلى حد الغنى.

( مسألة ٥ ) : يستحب تقديم الأرحام [٢] على غيرهم‌

______________________________________________________

وأنه لم يقف على مخالف منهم. لمرسل الحسين بن سعيد عن أبي عبد الله (ع) : « لا تعط أحداً أقل من رأس » (١) ، ومرسل الفقيه « لا بأس بأن تدفع عن نفسك وعمن تعول إلى واحد ، ولا يجوز أن تدفع ما يلزم واحداً إلى نفسين » (٢).

لكن عن الوافي : أنه فهم أن قوله : « ولا يجوز .. » من كلام الصدوق ، لا جزاءً من الخبر. وعن الحدائق : أنه الظاهر. مع أنه لو تمَّ كونه خبراً فمرسل كما قبله. اللهم إلا أن يدعى انجباره بعمل الأصحاب. لكن قد يعارض بصحيح صفوان عن إسحاق بن المبارك : « سألت أبا إبراهيم عن صدقة الفطرة ، يعطيها رجلا واحداً أو اثنين؟ قال (ع) : يفرقها أحب إلي. قلت : أعطي الرجل الواحد ثلاثة أصوع وأربعة أصوع؟ قال (ع) : نعم » (٣). وجهالة إسحاق لا تقدح في حجية الخبر ، بعد كون الراوي عنه صفوان ، الذي هو من أصحاب الإجماع ، وممن لا يروي إلا عن ثقة. مع أن ما ذكره جماعة ـ من استثناء صورة الاجتماع ، معللين له : « بأن فيه تعميما للنفع .. ». وبأن في منع البعض أذية للمؤمن ، فجاز التشريك حينئذ بينهم ـ مما لا يصلح للخروج به عن ظاهر المرسل ، إلا بعد حمله على الاستحباب.

[١] بلا خلاف ولا إشكال. والنصوص به مستفيضة ، وقد تقدم بعضها.

[٢] كما نسب إلى الأصحاب. واستدل له : بما ورد من قوله (ص) :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

٤٣٩

ثمَّ الجيران ، ثمَّ أهل العلم والفضل والمشتغلين. ومع التعارض تلاحظ المرجحات والأهمية.

( مسألة ٦ ) : إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيراً فبان خلافه ، فالحال كما في زكاة المال.

( مسألة ٧ ) : لا يكفي ادعاء الفقر. إلا مع سبقه ، أو الظن بصدق المدعي.

( مسألة ٨ ) : تجب نية القربة هنا كما في زكاة المال. وكذا يجب التعيين ـ ولو إجمالا ـ مع تعدد ما عليه. والظاهر عدم وجوب تعيين من يزكى عنه ، فلو كان عليه أصوع لجماعة يجوز دفعها من غير تعيين : أن هذا لفلان ، وهذا لفلان.

______________________________________________________

« لا صدقة وذو رحم محتاج » (١) ، قوله (ع) : « أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح » (٢) ، وقوله (ع) : « جيران الصدقة أحق بها » (٣) وكأن تقديم الأول على الثاني من جهة أن علاقة القرابة أقوى من علاقة الجوار. ويشهد للأخير : خبر عبد الله بن عجلان : « قلت لأبي جعفر (ع) : إني ربما قسمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به ، فكيف أعطيهم؟ فقال (ع) : أعطهم على الهجرة في الدين ، والفقه ، والعقل » (٤). هذا وفي كونه متأخراً عن الأولين غموض وإشكال.

هذا والكلام في بقية الفصل يفهم مما تقدم في زكاة المال. فراجع. والحمد لله كما هو أهله ، والصلاة والسلام على رسوله الأكرم ، وآله‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الصدقة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الصدقة حديث : ١ وهو منقول بالمعنى.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٢ ، ٥ ، ٧. وهو منقول بالمعنى.

(٤) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

٤٤٠