مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

النصاب ـ متلف ، فان كان مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان على المتلف فقط ، وإن كان مع التأخير المزبور من المالك فكل من المالك والأجنبي ضامن [١]. وللفقيه أو العامل الرجوع على أيهما شاء ، وإن رجع على المالك رجع هو على المتلف [٢] ويجوز له الدفع من ماله ثمَّ الرجوع على المتلف.

( مسألة ٤ ) : لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب [٣]

______________________________________________________

[١] لوجود السبب بالنسبة إلى كل منهما ، فإن الأول ضامن بالتفريط والأجنبي بالإتلاف.

[٢] على ما ذكروه في مسألة تعاقب الأيدي.

[٣] كما هو المشهور شهرة عظيمة. لما دل على اعتبار الحول ، وأنه لا شي‌ء في المال قبله ، كمصحح عمر بن يزيد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يكون عنده المال ، أيزكيه إذا مضى نصف السنة؟ فقال (ع) : لا ، ولكن حتى يحول عليه الحول ويحل عليه. إنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها ، وكذلك الزكاة ، ولا يصوم أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء. وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت » (١) ، ومصحح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : أيزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال (ع) : لا. أيصلي الأولى قبل الزوال؟ » (٢).

وعن ابن أبي عقيل وسلار : الجواز. ويشهد لهم جملة من النصوص ، منها : ما تقدم في المسألة السابقة. ونحوها غيرها. لكنها محمولة عندهم على التقية ، لأن جواز التعجيل مذهب كثير من العامة. أو على كون التقديم بعنوان القرض. وقد يومئ إليه ما في صحيح الأحول : « في رجل عجل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

٣٤١

على الأصح ، فلو قدمها كان المال باقياً على ملكه [١] مع بقاء عينه ، ويضمن تلفه القابض إن علم بالحال. وللمالك احتسابه جديداً مع بقائه ، أو احتساب عوضه مع ضمانه ، وبقاء فقر القابض ، وله العدول عنه إلى غيره.

( مسألة ٥ ) : إذا أراد أن يعطي فقيراً شيئاً ولم يجي‌ء وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضاً ، فاذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة [٢] ، بشرط بقائه على صفة الاستحقاق ، وبقاء الدافع والمال على صفة الوجوب. ولا يجب عليه ذلك ، بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق الأخذ منه‌

______________________________________________________

زكاة ماله ثمَّ أيسر المعطى قبل رأس السنة. قال (ع) : يعيد المعطي الزكاة » (١). اللهم إلا أن يعتبر في جواز التعجيل بقاء المعطى على صفة الاستحقاق إلى زمان الوجوب.

والانصاف أن الحمل الأخير بعيد جداً ، وليس مما يساعد عليه العرف ولا سيما بملاحظة ما اشتمل منها على التقييد بالمدة ، أو باحتاج المعطى. وحينئذ فإن أمكن العمل بها وجب ، فيجمع بينها وبين نصوص المشهور بالحمل على الفرد التنزيلي. وإن لم يمكن العمل بها ـ لأجل إعراض المشهور عنها ـ يتعين طرحها ، ولا يهم كون وجه صدورها التقية أو غيرها ، وإن كان الظاهر حينئذ هو ذلك. ولا ينافيه التقييد بمدة ، لجواز أن يكون مذهباً لبعض العامة.

[١] لكون المفروض عدم صحته زكاة ، ولم يقصد غيرها ، فلا موجب للخروج عن ملكه. هذا وباقي الأحكام تقدم في أول فصل أصناف المستحقين.

[٢] كما تضمنته النصوص. وقد تقدم في فصل أصناف المستحقين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٣٤٢

والدفع إلى غيره. وإن كان الأحوط الاحتساب عليه [١] وعدم الأخذ منه.

( مسألة ٦ ) : لو أعطاه قرضاً فزاد عنده زيادة متصلة أو منفصلة ، فالزيادة له [٢] ، لا للمالك. كما أنه لو نقص كان النقص عليه ، فان خرج عن الاستحقاق ، أو أراد المالك الدفع إلى غيره يسترد عوضه لا عينه ، كما هو مقتضى حكم القرض [٣] بل مع عدم الزيادة أيضاً ليس عليه إلا رد المثل أو القيمة.

( مسألة ٧ ) : لو كان ما أقرض الفقير في أثناء الحول ـ بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله ـ بعضاً من النصاب ، وخرج الباقي عن حده ، سقط الوجوب على الأصح [٤] ، لعدم‌

______________________________________________________

[١] لم أقف على قول بوجوب ذلك أو احتماله. وكأن منشأ الاحتياط : احتمال أنه محمل النصوص المتقدمة في التعجيل ، بأن يكون المراد منها : أنه يقرضه قبل الحول. وتسميته تعجيلا للزكاة باعتبار تعين احتسابه زكاة.

[٢] يعني : للمقترض ، لأنها نماء ملكه. هذا على المشهور من ملك المقترض بالقبض. وأما على ما نسب إلى الشيخ (ره) في المبسوط والمختلف : من عدم حصول الملك به وإنما يملكه بالتصرف ، فالزيادة ـ مع عدم التصرف ـ ملك المقرض ، لأنها نماء ملكه. وكذا الكلام في النقصان.

[٣] من كونه لازماً ، إذ الارتجاع للعين إن كان بعنوان الفسخ فهو خلاف مقتضى لزومه ، وان كان بلا ذلك العنوان فهو خلاف قاعدة السلطنة. وعن الشيخ (ره) : جواز الارتجاع ، لأن القرض لا يزيد على الهبة. ولأنه من العقود الجائزة ، ولغير ذلك ، مما هو مذكور ، ومضعف في محله.

[٤] كما هو المشهور. لما في المتن. وعن الشيخ (ره) : الوجوب‌

٣٤٣

بقائه في ملكه طول الحول. سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة ، فلا محل للاحتساب. نعم لو أعطاه بعض النصاب أمانة ـ بالقصد المذكور ـ لم يسقط الوجوب ، مع بقاء عينه عند الفقير ، فله الاحتساب [١] حينئذ بعد حلول الحول إذا بقي على الاستحقاق.

( مسألة ٨ ) : لو استغنى الفقير ـ الذي أقرضه بالقصد المذكور بعين هذا المال ثمَّ حال الحول ، يجوز الاحتساب عليه ، لبقائه على صفة الفقر [٢] بسبب هذا الدين ، ويجوز الاحتساب‌

______________________________________________________

بناء منه إما على أن القرض يملك بالتصرف لا بالقبض ، فلم ينثلم النصاب على تقدير بقاء العين عند الفقير. وإما لبنائه على ثبوت الزكاة في الدين. والمحكي عنه في الخلاف الاستدلال على ذلك : بأنه ثبت أن ما يعجله على وجه الدين ، وما يكون كذلك فكأنه حاصل عنده وجاز له أن يحتسب به لأن المال ما نقص عن النصاب ، وظاهره أن مبناه الثاني. وكيف كان فهو ضعيف ، لما تقدم في محله من ضعف المبني.

[١] لاجتماع شرائط الوجوب.

[٢] كما تقدم. لكن عن الحلي : المنع من جواز الاحتساب عليه ، لصيرورته غنياً ، فيخرج عن موضوع الاستحقاق. قال في محكي السرائر : « وعندنا أن من عليه دين ، وله من المال الذهب والفضة بقدر الدين ، وكان ذلك المال الذي معه نصاباً ، فلا يعطى من الزكاة. ولا يقال : إنه فقير يستحق الزكاة ، بل يجب عليه إخراج الزكاة مما معه ، لأن الدين ـ عندنا ـ لا يمنع من وجوب الزكاة ، لأن الدين في الذمة ، والزكاة في العين .. » والاشكال فيه ظاهر مما سبق.

٣٤٤

من سهم الغارمين أيضاً. وأما لو استغنى بنماء هذا المال ، أو بارتفاع قيمته إذا كان قيمياً ، وقلنا أن المدار قيمته يوم القرض لا يوم الأداء [١] ، لم يجز الاحتساب عليه.

فصل

الزكاة من العبادات ، فيعتبر فيها نية القربة [٢] ، والتعيين مع تعدد ما عليه ، بأن يكون عليه خمس وزكاة ـ وهو هاشمي ـ فأعطى هاشمياً ، فإنه يجب عليه أن يعين أنه من أيهما. وكذا‌

______________________________________________________

[١] إذا كان يوم الأداء هو زمان الاحتساب ، لأن ارتفاع القيمة ذلك اليوم يوجب زيادة الدين ، فلا يصير به غنياً. أما لو كان يوم الأداء متأخراً عن يوم الاحتساب ، وعلم بأنه تنقص قيمته يوم الأداء عن قيمته يوم الاحتساب ، بحيث يكون التفاوت بين القيمتين بمقدار مئونة سنته ، لا يجوز الاحتساب عليه ، لصيرورته غنياً.

فصل‌

[٢] إجماعاً بقسميه عليه ، كما في الجواهر ، وفي المعتبر : هو مذهب العلماء ، خلا الأوزاعي قال إنها دين ، فلا يعتبر لها النية كسائر الديون. ونحوه ما عن التذكرة والمنتهى. وعن المدارك وغيرها : أنه إجماع. وكفى بهذه الإجماعات دليلا على الحكم. فيعتبر في نيتها ما يعتبر في نية سائر العبادات من القربة ، والإخلاص ، والتعيين ـ بمعنى : قصد الخصوصيات المأخوذة في موضوع الأمر ، مثل كونه صلاة لا صوماً ـ وإن اتحد الواجب. غاية

٣٤٥

لو كان عليه زكاة وكفارة ، فإنه يجب التعيين ، بل وكذا إذا كان عليه زكاة المال والفطرة ، فإنه يجب التعيين على الأحوط [١] بخلاف ما إذا اتحد الحق [٢] الذي عليه ، فإنه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمة وإن جهل نوعه. بل مع التعدد أيضاً يكفيه التعيين الإجمالي ، بأن ينوي ما وجب عليه أولاً أو ما وجب ثانياً مثلاً. ولا يعتبر نية الوجوب والندب. وكذا لا يعتبر أيضاً نية الجنس الذي تخرج منه الزكاة ، أنه من الأنعام أو الغلات أو النقدين ، من غير فرق بين أن يكون محل الوجوب متحداً أو متعدداً ، بل ومن غير فرق بين أن يكون نوع الحق‌

______________________________________________________

الأمر : أنه لما كان يكفي التعيين الإجمالي ، كان قصد ما في الذمة ـ مع الاتحاد ـ محصلا للتعيين ، ولا كذلك مع التعدد ، لا أنه لا يعتبر التعيين مع الاتحاد.

ولكن تقدم احتمال في نية الصلاة : أنه لا يعتبر التعيين مطلقاً في عرض قصد الأمر الخاص ، بل يكفي قصد الأمر الخاص ، غاية الأمر أنه يكون التعيين طريقاً إلى قصده. فراجع.

[١] بل الأقوى. لاختلاف حقيقة الواجب ، فان زكاة الفطرة تغاير زكاة المال ذاتاً ـ لاختصاص الثانية بالغلات وعموم الأولى لغيرها ـ ومورداً وسبباً ، ووقتاً ، وأحكاماً. وكل ذلك كاشف عن اختلاف الخصوصيات المعتبرة في موضوع الأمر.

[٢] تقدم في الصوم وغيره : أنه مع اتحاد موضوع الأمر في الخصوصيات يمتنع التعيين ، إذ لا تعين. والخصوصيات الخارجة عن الموضوع ـ مثل ما وجب أو لا في مقابل ما وجب ثانياً لا أثر لها في حصول التعين.

٣٤٦

متحداً أو متعدداً ، كما لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس من الإبل ، فان الحق في كل منهما شاة. أو كان عنده من أحد النقدين ومن الأنعام ، فلا يجب تعيين شي‌ء من ذلك [١] سواء كان المدفوع من جنس واحد مما عليه أو لا ، فيكفي مجرد قصد كونه زكاة. بل لو كان له ما لان متساويان أو مختلفان ، حاضران أو غائبان أو مختلفان ، فأخرج الزكاة‌

______________________________________________________

[١] إجماعاً كما عن المنتهى ، وعن المدارك : أنه مقطوع به في كلام الأصحاب. لكن يشكل ذلك ـ بناء على تعلق الزكاة بالعين ـ إذ حينئذ يكون حال الزكاة حال الديون المتعلقة برهون متعددة ، كما لو استقرض عشرة وجعل فرسه رهناً عليها ، ثمَّ عشرة وجعل بعيره رهناً عليها ، فاذا دفع إليه عشرة دراهم ، ولم يعين أحد الدينين بعينه ، لم يسقط كل منهما ، ولم يصح قبضه وفاء ، فان عين الأولى تحرر الفرس دون البعير. كما أنه لو عين الثانية تحرر البعير دون الفرس. وفي المقام ـ كذلك ـ إذا نوى ـ في الشاة المدفوعة زكاة ـ أنها زكاة الأربعين شاة تحررت الشياه ، وجاز له فيها التصرف من كل وجه ، وبقيت الإبل على حالها موضوعاً للحق لا يجوز له التصرف فيها. ولو عكس النية انعكس الحكم. وكذا يختلف الحكم في التلف ، فإنه إذا نواها عن الشياه فتلفت بقيت عليه زكاة الإبل ، ولو نواها عن الإبل وقد تلفت الشياه لا شي‌ء عليه ، ومع الاختلاف ـ بهذا المقدار ـ لا بد من النية ، لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح. نعم يتم ما ذكروه فيما لو كان عنده مائة وإحدى وعشرون من الغنم ، فوجب عليه شاتان ، فإنه لما لم يكن ميز بينهما ، فاذا دفع إحداهما بلا تعيين سقطت إحداهما وبقيت الأخرى. ولا مجال للتعيين هنا ، لعدم التعين في مقابل الفرد الآخر.

٣٤٧

عن أحدهما من غير تعيين أجزأه ، وله التعيين بعد ذلك. ولو نوى الزكاة عنهما وزعت ، بل يقوى التوزيع مع نية مطلق الزكاة [١].

( مسألة ١ ) : لا إشكال في أنه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة [٢] ، كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير.

______________________________________________________

وأشكل منه ما ذكروه في الفرض الثاني ، فان الواجب في أحد النقدين أحد النقدين وفي الأنعام الحيوان الخاص ، فلو لم يعين ـ وكان المدفوع من غير الواجب بعنوان القيمة ـ جرى فيه ما سبق. وإن كان من نفس الواجب الأصلي فهو متعين في نفسه ولا مجال للتعيين ، فان كان من الجنس الواجب في النقد تعين زكاة عنه ، وإن كان من الجنس الواجب في الأنعام تعين زكاة عنها. ولو نوى أنه إما زكاة عن النقد ـ مثلا ـ أو قيمة عن الانعام بطل ، لما عرفت من عدم قصد الأمر الخاص.

[١] فيه : أنه إذا لم يكن التوزيع منوياً يكون هو أيضاً ترجيحاً بلا مرجح ، لأنه نحو خاص من التعين. وعلى ما ذكرنا يتعين بقاء المال على ملك المالك ، فله تعيينه بعد ذلك ما لم يتلف بلا ضمان ، فلا مجال لتعيينه لذهاب الموضوع ، وعليه الدفع ثانياً. وكلماتهم في المقام لا تخلو من تشويش وإشكال. فراجع. وكأن التوزيع ـ المذكور في كلام المصنف (ره) وغيره ـ مبني على قصد كون المدفوع زكاة عن المالين ولو بالإجمال ، ويكون الفرق بينه وبين ما قبله بالتفصيل والاجمال.

[٢] لأنه مما يقبل النيابة عندهم ، كما صرحوا به هنا وفي كتاب الوكالة. وقد تقدم ـ في المسألة الأولى من الفصل السابق ـ بعض ما يشهد له من النصوص ، وهي جملة وافرة. ويشير إليه : ما تضمن حكم الوصية‌

٣٤٨

وفي الأول ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك [١]. والأحوط تولي المالك للنية أيضاً حين الدفع إلى الوكيل [٢]. وفي الثاني لا بد من تولي المالك للنية حين الدفع إلى الوكيل. والأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير.

______________________________________________________

بها. والظاهر من صحيح ابن يقطين وروده في التوكيل في أداء الزكاة (١) ، ومن موثق سعيد وروده في التوكيل في الإيصال (٢).

والفرق بين الوكيل في الأداء والوكيل في الإيصال : أن الأول ينوب عن المالك في أداء العبادة ، نظير النائب في الصلاة ، فتتوقف صحة الأداء على قصد النيابة عن المالك ، مع قصد التقرب بالأمر المتوجه اليه. أما الوكيل في الإيصال فليس نائباً عن المالك ، ولا تتوقف صحة الإيصال على قصد النيابة عنه ، ولا قصد التقرب بالأمر المتوجه. إذ الإيصال يتحقق وإن لم يقصد المباشر القربة ، بل وإن لم يكن له شعور ، كالحيوان والمجنون بل والريح وغيرها.

[١] لأنه المؤدي للزكاة.

[٢] بل حين دفع الوكيل إلى الفقير ، لأنه به يكون الإعطاء للزكاة الذي هو موضوع الوجوب العبادي ، وأما الدفع إلى الوكيل في الأداء فليس موضوعاً له. وكذا الكلام في الفرض الثاني ، فإن الدفع إلى الوكيل في الإيصال موضوع للوجوب الغيري ، لأنه مقدمة لدفعه إلى الفقير الذي هو الواجب النفسي. فاللازم على المالك نية الإيصال إلى الفقير بالدفع الى الوكيل ولا يلزم حصول نية المالك حال الوصول الى الفقير ، لصدق التقرب بالمسبب حال وقوعه إذا كان متسببا اليه بفعل السبب ، وتكون النية قبل وقوع الواجب‌

__________________

(١) تقدم ذكر الرواية في المسألة : ٨ من فصل بقية أحكام الزكاة.

(٢) تقدم ذكر الرواية في المسألة : ١ من فصل بقية أحكام الزكاة.

٣٤٩

( مسألة ٢ ) : إذا دفع المالك ـ أو وكيله ـ بلا نية القربة له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير [١] ، وإن تأخرت عن الدفع بزمان. بشرط بقاء العين في يده ، أو تلفها مع ضمانه كغيرها من الديون. وأما مع تلفها بلا ضمان فلا محل للنية [٢].

( مسألة ٣ ) : يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء ، كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال ، ويجوز بعنوان أنه ولي عام على الفقراء. ففي الأول يتولى الحاكم النية وكالة حين الدفع إلى الفقير. والأحوط تولي المالك أيضاً حين الدفع إلى الحاكم. وفي الثاني يكفي نية المالك حين الدفع إليه [٣] ، وإبقاؤها مستمرة إلى حين الوصول إلى الفقير. وفي الثالث أيضاً ينوي المالك حين الدفع إليه ، لأن يده حينئذ يد الفقير المولى عليه.

______________________________________________________

لا حال وقوعه ، نظير من رمى إنسانا بسهم فمات قبل وصول السهم إلى الإنسان ثمَّ وصل السهم فمات فإنه مقتول عمدا. فالاحتياط المذكور في المتن في الثاني استحبابي ، وكلماتهم في المقام لا تخلو من تشويش لا يسع المقام التعرض له. فراجع.

[١] لأن المراد من إيتاء الزكاة وصول المال إلى الفقير أعم من الحدوث والبقاء ، فتصح نية الزكاة حال البقاء كما تصح حال الحدوث.

[٢] لعدم الموضوع بعد فرض التلف وعدم الضمان ، كما نص عليه في الجواهر وغيرها.

[٣] قد عرفت إشكاله ، وأن النية ينبغي أن تكون حين دفع الحاكم‌

٣٥٠

( مسألة ٤ ) : إذا أدى ولي اليتيم أو المجنون زكاة مالهما يكون هو المتولي للنية [١].

( مسألة ٥ ) : إذا أدى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولى هو النية عنه [٢]. وإذا أخذها من الكافر يتولاها أيضاً ، عند أخذه منه [٣] ، أو عند الدفع [٤] إلى الفقير. عن نفسه ، لا من الكافر [٥].

______________________________________________________

إلى الفقير. ويظهر أيضاً من تعليل المصنف (ره) حكم القسم الأخير.

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر. لأنه نائب عنهما في الأداء ، فإذا فرض توقف صحته على النية ناب عنهما في النية كسائر شرائط الصحة.

[٢] لأنه وليه ، فيتولى الأداء الصحيح عنه المتوقف على النية.

[٣] إذا أخذها بعنوان الولاية على الفقراء أيضاً فيكون أخذه إيتاء.

[٤] إذا كان الأخذ بعنوان الولاية عليه فقط ، فيكون أخذه مقدمة للايتاء ، ويتحقق الإيتاء بالدفع إلى الفقراء.

[٥] كما صرح به غير واحد هنا وفي نظيره ، أعني : أخذ الخمس من الذمي إذا اشترى أرضاً من مسلم. معللين له : بأن الكافر لا تقع العبادة منه ولا عنه ويقتضيه ما صرحوا به في غير المقام في اعتبار صلاحية المتقرب للتقرب في صحة العبادة والكافر فاقد لذلك ولذا قال في الجواهر في المقام : « فيتولاها حينئذ الإمام أو الحاكم عنهما ـ لا عنه ـ على حسب ما عرفت. ولا ينافي ذلك كون الخطاب لغير ذلك المتقرب ، لأنه بعد أن قصر ـ لعدم الايمان المانع من صحة عباداته ـ كان المخاطب بإيتاء الزكاة من ماله الإمام أو الحاكم ، فالتقرب حينئذ منهما باعتبار هذا الخطاب ، الذي لا ريب في إجزائه في نحو الزكاة المشابهة للديون من جهات ، ولذا جازت النيابة فيها .. ».

٣٥١

( مسألة ٦ ) : لو كان له مال غائب مثلاً ، فنوى أنه إن كان باقياً فهذا زكاته ، وإن كان تالفاً فهو صدقة مستحبة صح [١]. بخلاف ما لو ردد في نيته ولم يعين هذا المقدار أيضاً ، فنوى أن هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة ، فإنه لا يجزي.

______________________________________________________

لكن قد يشكل : بأن خطاب الإمام أو الحاكم بالنيابة عنه ليس عبادياً كي يتوقف سقوطه على النية ، فلا موجب لها. ومجرد كون الخطاب للمالك بإيتاء الزكاة عبادياً لا يقتضيه ، إذ لا ملازمة بينهما ، بل المعلوم خلاف ذلك ، كما هو ظاهر. اللهم إلا أن يقوم الإجماع على أن إيتاء الزكاة من العبادات من أي مؤت كان ولو كان غير المالك ، فلو وجد الزكاة المعزولة الضائعة يجب عليه إيتاؤها للفقراء بعنوان العبادة. فتأمل جيداً. لكن سيجي‌ء في المسألة الرابعة والثلاثين من الفصل الأخير : عدم اعتبار القربة في إيتاء الزكاة المعزولة إذا كان نوى القربة بعزلها. وقد تقدم في شرائط الوجوب بعض ماله دخل في المقام.

[١] بلا خلاف أجده بين من تعرض له منا ، بل في فوائد الشرائع : لا مانع من صحته بوجه من الوجوه ، بل عن الشيخ : الإجماع عليه ، كذا في الجواهر. وتقتضيه القواعد الأولية ، إذ لا دليل على قدح مثل هذا الترديد في صحة العبادة ، إذ لا ترديد في الأمر المنوي امتثاله ، وإنما الترديد في وصفه ، وأنه وجوبي أو استحبابي. ولذا نقول بجوازه مع الاختيار وإمكان استعلام الحال ، وإن كان المشهور المنع من ذلك ، بل ربما حكي الإجماع عليه ، وأنه لا يجوز الامتثال الإجمالي إذا أمكن الامتثال التفصيلي.

لكن الإجماع غير بالغ حد الحجية. والرجوع إلى طريقة العقلاء في شرائط الامتثال لا يقتضيه بل يقتضي الجواز ، كما حرر في الأصول. وهذا‌

٣٥٢

( مسألة ٧ ) : لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمَّ بان كونه تالفاً ، فان كان ما أعطاه باقياً له أن يسترده ، وإن كان تالفاً استرد عوضه ، إذا كان القابض عالماً بالحال [١] ، وإلا فلا.

ختام

فيه مسائل متفرقة

الأولى : استحباب استخراج زكاة مال التجارة ونحوه للصبي والمجنون تكليف للولي ، وليس من باب النيابة عن الصبي والمجنون [٢] ، فالمناط فيه اجتهاد الولي أو تقليده.

______________________________________________________

بخلاف الفرض الآتي ، فان الترديد في نفس الأمر المنوي ، ومثله لا يكون امتثالا لكل من طرفي الترديد ، لعدم قصده.

[١] إذا لم يكن القابض مغروراً من قبل الدافع ، وإلا أشكل استرجاع عوضه ، لقاعدة الغرور الموجبة لضمان الغار. وقد تقدم الكلام في نظير المسألة في أول فصل المستحقين. فراجع.

ختام

فيه مسائل متفرقة‌

[٢] تقدم الاشكال فيه ، وأنه خلاف ظاهر الأدلة ، فإنها ظاهرة في كون المصلحة عائدة للمالك صغيراً كان أم كبيراً. وتوجيه الخطاب بالإخراج إليه ظاهرا في ثبوته له بعنوان الولاية ، كالخطاب بغيره من التصرفات.

٣٥٣

فلو كان مذهبه ـ اجتهاداً [١] أو تقليداً ـ وجوب إخراجها أو استحبابه ، ليس للصبي ـ بعد بلوغه ـ معارضته [٢] ، وإن قلد من يقول بعدم الجواز. كما أن الحال كذلك في سائر تصرفات الولي في مال الصبي أو نفسه ، من تزويج ونحوه. فلو باع ماله بالعقد الفارسي ، أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي أو نحو ذلك من المسائل الخلافية ، وكان مذهبه الجواز ، ليس للصبي ـ بعد بلوغه ـ إفساده بتقليد من لا يرى الصحة [٣].

______________________________________________________

[١] هذا ليس من فروع كون استحباب الإخراج ليس من باب النيابة ، فإنا لو بنينا على كونه من النيابة كان مقتضى القاعدة الرجوع إلى اجتهاده أو تقليده ، كما هو شأن كل عامل ، سواء أكان لنفسه عاملا أم لغيره ، لأن غاية العمل ـ سواء أكانت مصلحة دنيوية أم أخروية ـ إنما تترتب في نظره على ذلك ، ولا تترتب في نظره على عمله المطابق لتكليف غيره ، مع اعتقاده بخطئه اجتهاداً أو تقليداً ، كما هو ظاهر.

[٢] هذا غير ظاهر. إلا إذا قام الدليل على أن اجتهاد الولي أو تقليده بنفسه مأخوذ موضوعاً لحكم الطفل. ولكنه ممنوع ، فاذا اختلفا في الاجتهاد أو التقليد ـ كما لو كان تقليد الولي الوجوب أو الاستحباب وتقليد الصبي عدم المشروعية ـ تعين على كل منهما العمل على ما يقتضيه تكليفه ، فإن أدى إلى النزاع والخصومة رجعا إلى حاكم ثالث يفصل بينهما باجتهاده ، كما يظهر من مقبولة ابن حنظلة (١). نعم قد يكون نظر الحاكم الذي يترافعان اليه عدم الضمان في مثل ذلك ، لعدم التعدي والتفريط ، فلو كان نظره الضمان تعين عليه حسن الخصومة به.

[٣] بل يتعين عليه ذلك ، عملا بتقليده لمن يرى الفساد. نعم لو كان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب صفات القاضي حديث : ١.

٣٥٤

نعم لو شك الولي ـ بحسب الاجتهاد أو التقليد ـ في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما ، وأراد الاحتياط بالإخراج ففي جوازه إشكال ، لأن الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرف مال الصبي. نعم لا يبعد ذلك إذا كان الاحتياط وجوبياً [١]. وكذا الحال في غير الزكاة ـ كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبي ـ حيث انه محل للخلاف. وكذا في سائر التصرفات في ماله. والمسألة محل إشكال ، مع أنها سيالة.

الثانية : إذا علم بتعلق الزكاة بماله ، وشك في أنه أخرجها أم لا ، وجب عليه الإخراج للاستصحاب. إلا إذا كان الشك بالنسبة إلى السنين الماضية ، فإن الظاهر جريان قاعدة الشك بعد الوقت ، أو بعد تجاوز المحل [٢]. هذا ولو شك في أنه أخرج الزكاة عن مال الصبي في مورد يستحب‌

______________________________________________________

رأي مجتهده كون عمل الولي ـ الجاري على مقتضى اجتهاده أو تقليده ـ صحيحاً بالإضافة إلى عمل الصبي ، جاز له ترتيب آثار الصحة حينئذ ، عملا بتقليده له.

[١] كأنه لأجل كون المورد من قبيل الدوران بين محذورين ، الذي يكون موضوع حكم العقل بالتخيير. إلا أن يقال : إن الاحتياط في مال اليتيم أهم ، فيتعين في نظر العقل الأخذ به. وكذا مع احتمال الأهمية.

[٢] إشكاله ظاهر ، فإن قاعدة الشك بعد الوقت مستندها مصحح زرارة والفضيل عن أبي جعفر (ع) في حديث : « متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنك لم تصلها ، أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها.

٣٥٥

إخراجها ـ كمال التجارة له ـ بعد العلم بتعلقها به ، فالظاهر جواز العمل بالاستصحاب ، لأنه دليل شرعي. والمفروض أن المناط فيه شكه ويقينه ، لأنه المكلف ، لا شك الصبي ويقينه وبعبارة أخرى : ليس نائباً عنه [١].

الثالثة : إذا باع الزرع أو الثمر ، وشك في كون البيع بعد زمان تعلق الوجوب حتى يكون الزكاة عليه ، أو قبله حتى يكون على المشتري ، ليس عليه شي‌ء [٢]. إلا إذا كان زمان التعلق معلوماً وزمان البيع مجهولا ، فإن الأحوط حينئذ الإخراج [٣] ، على إشكال في وجوبه [٤]. وكذا الحال‌

______________________________________________________

وإن شككت ـ بعد ما خرج وقت الفوت ، وقد دخل حائل ـ فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن ، فان استيقنت فعليك أن تصليها في أي حالة كنت » (١). ومورده الصلاة ، فالتعدي إلى غيرها يحتاج إلى عناية غير ظاهرة. مضافاً إلى أن كون الزكاة من قبيل الموقت الذي يفوت بفوات وقته غير ظاهر أيضاً. وأما قاعدة التجاوز فموضوعها الخروج عن محل المشكوك والدخول في غيره مما هو مترتب عليه ، وحصوله في المقام ممنوع.

[١] بل لو كان نائباً عنه كان الحكم كذلك ، فان شكه ويقينه في بقاء الاستحباب في حق الصبي يصححان جريان الاستصحاب فيه ، وإذا ثبت الاستحباب في حقه ـ ولو ظاهراً ـ ناب الولي عنه ، كما لو ثبت بالبينة ، لعدم الفرق بين طرق الإثبات.

[٢] لأصالة البراءة من وجوب شي‌ء عليه.

[٣] لاستصحاب بقاء الملك إلى زمان التعلق ، فيثبت به الوجوب.

[٤] كأنه : لاحتمال معارضة الأصل السابق بأصالة عدم التعلق إلى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٣٥٦

بالنسبة إلى المشتري إذا شك في ذلك ، فإنه لا يجب عليه شي‌ء إلا إذا علم زمان البيع وشك في تقدم التعلق وتأخره ، فان الأحوط حينئذ إخراجه [١] ، على إشكال في وجوبه.

______________________________________________________

زمان البيع. لكنه ضعيف ، لعدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ بلحاظ الزمان الإجمالي ، كما أشير إلى ذلك في الوضوء ، في مسألة من تيقن الطهارة والحدث وشك في المتأخر. أو لأن الاستصحاب المتقدم إن كان المقصود به إثبات حق الزكاة في المبيع لإبطال البيع ، فهو خلاف أصالة الصحة في البيع ، المقدم على غيره من الأصول الموضوعية. وإن كان المقصود به ضمان حق الزكاة في ذمة البائع فهو مثبت ، لتوقف الضمان على سبب وجودي ، وهو غير محرز ، والأصل عدمه.

نعم لو كان السبب في الضمان أن يبيع موضوع الحق الزكوي ، أمكن إثبات الضمان بالأصل المذكور ، لأن السبب المذكور يثبت بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان. هذا إذا أمكن الرجوع الى المشتري في استيفاء الزكاة.

أما إذا تعذر ، فلا تبعد كفاية الأصل المذكور في إثبات الضمان إذا كان يصدق الإتلاف أو الحيلولة. فتأمل.

[١] كأن وجهه : احتمال جريان نظير ما سبق فيه. لكنه غير ظاهر لأن أصالة عدم التعلق إلى زمان البيع لا تثبت موضوع الوجوب ، كما أثبته نظيرها في الفرض السابق ، لأن عدم التعلق إلى زمان البيع لم يجعل موضوعاً للوجوب إلا عرضاً من جهة لازمه وهو التعلق بعد البيع ، لكن حجيته مبنية على القول بالأصل المثبت. بخلاف أصالة عدم البيع الى زمان التعلق ، فإنه يثبت به ـ بلا واسطة ـ موضوع الوجوب ، وهو التعلق فيما هو مملوك كما هو ظاهر. نعم علم المشتري إجمالا بتعلق الزكاة بالعين التي في يده مانع من صحة تصرفه فيه إلى أن يحصل له العلم بالأداء.

٣٥٧

الرابعة : إذا مات المالك بعد تعلق الزكاة وجب الإخراج من تركته [١] ، وإن مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب من الورثة [٢]. وإذا لم يعلم أن الموت كان قبل التعلق أو بعده لم يجب الإخراج من تركته ، ولا على الورثة [٣] إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب. إلا مع العلم بزمان التعلق والشك في زمان الموت ، فان الأحوط حينئذ الإخراج [٤] على الاشكال المتقدم. وأما إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب ـ أو نصيب بعضهم ـ فيجب على من بلغ نصيبه منهم ، للعلم الإجمالي بالتعلق به ، إما بتكليف الميت في حياته ، أو بتكليفه هو بعد موت مورثه. بشرط أن يكون بالغاً عاقلاً ، وإلا فلا يجب عليه ، لعدم العلم الإجمالي بالتعلق حينئذ.

الخامسة : إذا علم أن مورثه كان مكلفاً بإخراج الزكاة وشك في أنه أداها أم لا ، ففي وجوب إخراجه من تركته‌

______________________________________________________

[١] بلا إشكال. لأنها إن كانت في ذمة الميت كانت كسائر الديون المقدمة على الوصايا والمواريث ، وإن كانت في العين فالموت لا يسقطها ، فإنه لا وجه له.

[٢] لكون التعلق في ملكه.

[٣] لأصالة عدم تعلق الزكاة بالمال.

[٤] بل لما سبق ، من استصحاب بقاء المال على ملك الميت إلى زمان التعلق ، فيثبت التعلق في ملك الميت فيجب إخراجها. ولا يصلح لمعارضته أصالة عدم التعلق الى زمان الموت ، لما عرفت من عدم جريان الأصل في المعلوم التاريخ بالإضافة إلى الزمان الإجمالي.

٣٥٨

ـ لاستصحاب بقاء تكليفه ـ أو عدم وجوبه ـ للشك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث ، واستصحاب بقاء تكليف الميت لا ينفع في تكليف الوارث ـ وجهان ، أوجههما الثاني ، لأن تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميت حتى يتعلق الحق بتركته ، وثبوته فرع شك الميت [١] وإجرائه الاستصحاب ،

______________________________________________________

[١] ثبوت التكليف واقعاً للميت إنما يتفرع على اجتماع شرائطه ، ولا يتفرع على شك الميت ولا على يقينه ، بل الذي يتفرع عليهما هو التنجز ، بواسطة الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال ، ولا يرتبطان بالتكليف. وعلى هذا فاذا شك الوارث في ثبوت التكليف في حق الميت وسقوطه ، جاز له الرجوع إلى استصحاب ثبوته ، وإن لم يكن الميت شاكاً أو متيقناً. فلا فرق ـ من هذه الجهة ـ بين المقام وبين ما لو علم بنجاسة يد شخص أو ثوبه ، فيجري الاستصحاب فيهما على نحو واحد.

نعم تكليف الميت ـ الذي يراد إجراء الاستصحاب فيه ـ إن كان المراد به التكليف بأداء الزكاة ـ كما قد يقتضيه ظاهر العبارة ـ فاستصحابه لا يكون مجدياً في تكليف الوارث ، حتى يحرز موضوعه وهو نفس الزكاة. ومع تلف النصاب لا ثبوت له إلا في الذمة ، وإثباته فيها بالأصل المذكور مبني على حجية الأصل المثبت. وإن كان المراد به نفس حق الزكاة فقد عرفت أنها متعلقة بالعين ، فمع تلف النصاب تسقط. وثبوتها في الذمة مشكوك الحدوث ، والاستصحاب يقتضي عدمه. نعم يمكن إثباته بالاستصحاب الموضوعي في بعض المقامات ، كما لو علم أنه أتلفه وشك في إعطاء زكاته فإن الإتلاف المحرز بالوجدان ، وعدم إعطاء زكاته المحرز بالأصل يثبت بهما الضمان. اللهم إلا أن يرجع إلى أصالة الصحة في التصرف ، المانعة من جريان أصالة عدم الإخراج. لكن لا يطرد في جميع الصور ، فلو أخر‌

٣٥٩

لا شك الوارث. وحال الميت غير معلوم أنه متيقن بأحد الطرفين أو شاك. وفرق بين ما نحن فيه وما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقاً ـ وهو نائم ـ وشك في أنه طهرهما أم لا ، حيث أن مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة ـ مع أن حال النائم غير معلوم أنه شاك أو متيقن ـ إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم بل يقال : إن يده كانت نجسة ، والأصل بقاء نجاستها ، فيجب الاجتناب عنها بخلاف المقام ، حيث أن وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميت واشتغال ذمته بالنسبة إليه من حيث هو. نعم لو كان المال الذي تعلق به الزكاة موجوداً أمكن أن يقال : الأصل بقاء الزكاة فيه ، ففرق بين صورة الشك في تعلق الزكاة بذمته وعدمه ، والشك في أن هذا المال الذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته أم لا. هذا كله إذا كان الشك في مورد لو كان حياً وكان شاكاً وجب عليه الإخراج. وأما إذا كان الشك بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها ـ مما يجري فيه قاعدة التجاوز والمضي ، وحمل فعله على الصحة ـ فلا إشكال [١]. وكذا الحال إذا علم اشتغاله‌

______________________________________________________

الإخراج وشك في وجود المستحق ـ مع العلم بوجوده قبل التعلق ـ فتلف النصاب كان استصحاب بقاء المستحق موجباً للضمان ، ولا مجال لأصالة الصحة ، إذ الضمان بالتأخير ليس هو موضوعاً للصحة والفساد. فتأمل جيداً.

[١] هذا يتم بناء على جريان القواعد المذكورة. لكن تقدم الاشكال‌

٣٦٠