مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

( مسألة ١ ) : لو تولد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم [١] في تحقق الزكاة وعدمها ، سواء كانا زكويين أو غير زكويين أو مختلفين ، بل سواء كانا محللين أو محرمين أو مختلفين. مع فرض تحقق الاسم حقيقة [٢] ، لا أن يكون بمجرد الصورة ، ولا يبعد ذلك ، فان الله قادر على كل شي‌ء.

فصل في زكاة الانعام‌

ويشترط في وجوب الزكاة فيها ـ مضافاً إلى ما مر من الشرائط العامة ـ أمور :

الأول : النصاب ، وهو في الإبل إثنا عشر نصاباً [٣] :

______________________________________________________

على هذا التقدير يشكل دخوله في مال التجارة المذكور في نصوصه. فلاحظها.

[١] كما هو المعروف. لما اشتهر : من أن الاحكام تدور مدار الأسماء لأنها حاكية عن المفاهيم المأخوذة موضوعاً للاحكام. وعن المبسوط : « المتولد بين الظبي والغنم إن كانت الأمهات ظباء فلا خلاف في عدم الزكاة ، وإن كانت الأمهات غنما فالأولى الوجوب ، لتناول اسم الغنم له. وإن قلنا لا يجب ـ لعدم الدليل ، والأصل براءة الذمة ـ كان قوياً. والأول أحوط .. » وهو غير ظاهر.

[٢] هذا الفرض نادر جداً ، أو غير حاصل وإن كان ممكناً عقلا.

فصل في زكاة الأنعام‌

[٣] إجماعاً ، كما عن الخلاف والغنية والانتصار ، بل عن غير واحد :

٦١

الأول : الخمس ، وفيها شاة.

الثاني : العشر ، وفيها شاتان.

الثالث : خمسة عشر ، وفيها ثلاث شياه.

الرابع : العشرون ، وفيها أربع شياه.

الخامس : خمس وعشرون ، وفيها خمس شياه.

السادس : ست وعشرون ، وفيها بنت مخاض ، وهي الداخلة في السنة الثانية.

السابع : ست وثلاثون ، وفيها بنت لبون ، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

الثامن : ست وأربعون ، وفيها حقه ، وهي الداخلة في السنة الرابعة.

التاسع : إحدى وستون ، وفيها جذعة ، وهي التي دخلت في السنة الخامسة.

______________________________________________________

دعوى إجماع المسلمين عليه. ويشهد له صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « ليس فيما دون الخمس من الإبل شي‌ء ، فإذا كانت خمساً ففيها شاة إلى عشرة ، فاذا كانت عشراً ففيها شاتان ، فاذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم ، فاذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم ، فاذا بلغت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فاذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فان لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فان زادت على خمس وثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين ، فإن زادت واحدة ففيها حقة ـ وإنما سميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها ـ إلى ستين ، فان زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فان زادت‌

٦٢

______________________________________________________

واحدة ففيها ابنتا لبون الى تسعين ، فان زادت واحدة فحقتان إلى عشرين ومائة ، فان زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون » (١). ونحوه صحيح أبي بصير (٢) ، وكذا صحيح ابن الحجاج. إلا أنه بعد أن جعل في الخمس والسبعين بنتي لبون إلى تسعين قال (ع) : « فاذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة » (٣) ولم يتعرض لما بعد ذلك ، ولا ينافي ما قبله. نعم في رواية الكليني قال بدله : « فاذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة » (٤). وربما ينافي ما قبله. لكن الجمع العرفي بينهما ممكن بحمله على الأول.

هذا وعن ابن أبي عقيل : أنه أسقط النصاب السادس ـ وهو الست والعشرون ـ وأوجب بنت المخاض في الخامس ، وهو الخمس والعشرون.

وقريب منه ما عن ابن الجنيد ، فإنه أوجب بنت المخاض في الخمس والعشرين فان لم تكن فابن لبون فان لم تكن فخمس شياه ، فان زادت على الخمس والعشرين ففيها بنت مخاض وعن الانتصار : أن الإجماع تقدم على ابن الجنيد وتأخر عنه.

وكأنهما اعتمدا في ذلك على صحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) قالا في صدقة الإبل : « في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمساً وعشرين ، فاذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمساً وثلاثين ، فاذا بلغت خمساً وثلاثين ففيها بنت لبون. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمساً وأربعين ، فإذا بلغت خمساً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين ، فاذا بلغت ستين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب زكاة الأنعام ملحق حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٤.

٦٣

العاشر : ست وسبعون [١] ، وفيها بنتا لبون.

الحادي عشر : إحدى وتسعون ، وفيها حقتان.

______________________________________________________

ففيها جذعة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمساً وسبعين ، فاذا بلغت خمساً وسبعين ففيها بنتا لبون. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ تسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرون ومائة ، فاذا بلغت عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل ، فاذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون » (١).

وعن الشيخ (ره) : حمله على التقية ، وعن المرتضى (ره) : حمله على كون بنت المخاض على وجه القيمة للخمس شياه. وحمل أيضاً على تقدير قوله (ع) : « وزادت واحدة » يعني : فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة ففيها بنت مخاض. وهكذا في بقية الفقرات المخالفة لما سبق.

والذي يدفع الاشكال : ما عن الصدوق في معاني الأخبار ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن حماد بن عيسى روايته عن بعض النسخ الصحيحة : « فإذا بلغت خمساً وعشرين فاذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض ( إلى أن قال ) : فاذا بلغت خمساً وثلاثين فان زادت واحدة ففيها بنت لبون. ثمَّ قال : إذا بلغت خمساً وأربعين وزادة واحدة ففيها حقة. ثمَّ قال : فاذا بلغت ستين وزادت واحدة ففيها جذعة. ثمَّ قال : فاذا بلغت خمساً وسبعين وزادت واحدة ففيها بنتا لبون. ثمَّ قال : فاذا بلغت تسعين وزادت واحدة ففيها حقتان .. » (٢) وذكر بقية الحديث.

[١] على المشهور. وتدل عليه النصوص المتقدمة وعن الصدوقين : أنها إذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى ثمانين ، فان زادت واحدة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٧.

٦٤

الثاني عشر : مائة وإحدى وعشرون [١] ، وفيها في كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ، بمعنى : أنه يجوز أن يحسب [٢] أربعين أربعين وفي كل منها بنت لبون أو خمسين خمسين وفي كل منها حقة. ويتخير بينهما مع المطابقة‌

______________________________________________________

ففيها ثني. ولم يعرف له مستند سوى ما عن الفقه الرضوي وحجيته غير ثابتة ، فضلا عن صلاحيته لمعارضة ما عرفت.

[١] على المشهور. وعن الانتصار : عدم تغير الفرض من إحدى وتسعين إلا ببلوغ مائة وثلاثين ، وجعله فيه مما انفردت به الإمامية. لكن عن الناصريات : دعوى الإجماع على خلافه ، ومثله : عن الخلاف والسرائر وغيرهما. وفي الدروس : أنه متروك. ولا دليل له ظاهر ، بل قد عرفت النص على خلافه.

[٢] أقول : المحكي عن فوائد القواعد ومجمع البرهان والمدارك وغيرها : أنه إذا تجاوز عدد الإبل المائة والعشرين تخير المالك بين الحساب بالأربعين ودفع بنت لبون عن كل أربعين ، والحساب بالخمسين ودفع حقة عن كل خمسين ، من دون فرق بين استيفاء العدد بالأربعين فقط ـ كالمائة والستين المساوي لأربع أربعينات ـ وبالخمسين فقط ـ كالمائة والخمسين المنقسم إلى ثلاث خمسينات ـ وبهما معاً ـ كالمائة والأربعين المنقسم إلى أربعين وخمسينين ـ وبكل واحد منهما ، كالمائتين المنقسم إلى خمس أربعينات وأربع خمسينات.

ونسب ذلك إلى كل من أطلق قوله : « إذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة » كما نسب أيضاً إلى ظاهر الأصحاب ـ كما عن فوائد القواعد والرياض وعن المحقق والشهيد الثانيين ـ : وجوب الحساب بما يستوفي به العدد ، فيتعين الحساب بالأربعين في المائة وستين ، وبالخمسين في المائة وخمسين ، وبهما في المائة‌

٦٥

لكل منهما ، أو مع عدم المطابقة لشي‌ء منهما. ومع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها ، بل الأحوط مراعاة الأقل عفواً ففي المائتين يتخير بينهما لتحقق المطابقة لكل منهما ، وفي المائة وخمسين الأحوط اختيار الخمسين ، وفي المائتين وأربعين الأحوط‌

______________________________________________________

وسبعين ، ومع الاستيعاب بهما يتخير ، كما في المائتين. ونسب ذلك الى المبسوط والخلاف والوسيلة السرائر والتذكرة وغيرها. وعلله بعضهم : بأن فيه مراعاة حق الفقراء. وفيه : أنه لا يظهر دليل على اعتبار هذه المراعاة.

واستدل للأول : بأنه ظاهر قولهم (ع) ـ في صحيحي زرارة والفضلاء ـ « ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون » (١) إذ لو تعين الاقتصار على العد بالمستوعب لتعين الاقتصار على ذكر الأربعين فقط ، إذ المائة والإحدى والعشرون ـ على هذا القول ـ يتعين عدها بالأربعين فقط وأظهر من ذلك الاقتصار على الخمسين في صحيحي عبد الرحمن وأبي بصير (٢) فإنه لا وجه له إلا كونه أحد فردي التخيير.

وفيه : أن ذكر الأربعين والخمسين في الصحيحين الأولين لم يكن حكماً لخصوص المائة والإحدى والعشرين ليتوجه الاستدلال المذكور ، وإنما كان حكماً لما زاد على العشرين مطلقاً ، والمائة والإحدى والعشرون أحد أفراده ، فلا ينافيه تعين حسابها بالأربعين. كما لا ينافيه تعين حساب المائة والخمسين بالخمسين التي هي من أفراده. وتوهم : أن المائة والإحدى والعشرين مورداً لحكم العام ، ولا يجوز تخصيص المورد. مندفع : بأن الواحدة فوق العشرين مأخوذة لا بشرط ، فيكون الموضوع كلياً صادقاً على المرتبة المذكورة وغيرها من المراتب ، لا مأخوذة بشرط لا ليتم ما ذكر. وإلا لم‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما في أوائل هذا الفصل.

(٢) لاحظ الروايتين في أوائل الفصل.

٦٦

______________________________________________________

يكن الحكم عاماً لها ولغيرها ، كما هو ظاهر.

وأما الاقتصار على الخمسين في الصحيحين الآخرين فلا مجال للأخذ بظاهره ، إجماعاً نصاً وفتوى. فلا بد من التصرف فيه ، إما بالحمل على التخيير. أو بالحمل على خصوص صورة توقف الاستيعاب على العد بالخمسين ولا يتوهم تعين الأول ـ من جهة : أن الحمل على الثاني يوجب خروج المائة والإحدى والعشرين عنه ، وهو خلاف صريح الصحيح ـ لما عرفت من أن موضوعه كلي الزائد على المائة والإحدى والعشرين ، لا خصوصها. وبالجملة : التشبث في استظهار التخيير من ذكره على أثر المائة والإحدى والعشرين ـ كما في الحدائق وغيرها ـ غير ظاهر.

ومثله في الاشكال : الاستدلال للقول الآخر : بأن العمل على طبق ما لا يستوعب يلزم منه طرح دليل الآخر من غير وجه. مثلا في المائة والإحدى والعشرين لو عمل على حساب الخمسين يلزم منه طرح ما دل على أن في كل أربعين بنت لبون ، فإنه يقتضي أن يكون في العشرين الزائدة على المائة منضمة إلى عشرين من المائة بنت لبون ، فالعمل بالخمسين يقتضي أن لا يكون فيها شي‌ء وتكون عفواً ، بخلاف ما لو عمل بالمستوعب فإنه لا يلزم منه طرح دليل الآخر. ففي المثال المذكور إذا عمل بالأربعين فقسمت المائة والإحدى والعشرون إلى ثلاث أربعينات وأعطي عنها ثلاث بنات لبون لم يبق مورد للخمسين.

ووجه الإشكال في ذلك : أن الطرح إنما يلزم لو كان قد حصل موضوع تام للآخر ، ومع ذلك لا يعمل بدليله ، كما في المائة والأربعين ، فإنه لو بني على العد بالخمسين فقط بقي بعد عد خمسينين أربعون ، فلو لم يدفع عنها بنت لبون لزم طرح قوله (ع) : « في كل أربعين بنت لبون .. » ، لا في مثل المائة وستين ، فإن الزائد على عد ثلاث خمسينات‌

٦٧

______________________________________________________

عشرة ، وليس هو موضوعاً لبنت اللبون ، ليلزم طرح قوله (ع) : « في كل أربعين بنت لبون .. ». ومجرد عدم حصول العفو بالعد بالأربعين غير كاف في لزوم الطرح على تقدير العد بالخمسين.

ومثله في الاشكال : ما قد يقال : من أن حمل الواو على التخيير خلاف الظاهر جداً ، ولو أريد التخيير لقيل : « في كل خمسين حقة ، أو في كل أربعين بنت لبون ». إذ فيه : أن حمل الكلام على التخيير ليس من جهة حمل الواو عليه ، فان الواو لا تعدو معنى الجمع على كل حال ، إذ الأربعون فريضتها بنت اللبون تعييناً ، والخمسون فريضتها الحقة كذلك. وهذا ما لا إشكال فيه. كما لا إشكال أيضاً في أن الأربعين والخمسين ـ المجعولتين موضوعاً لبنت اللبون والحقة ـ ليس مطابقهما الخارجي واحداً ، بل ما يكون مطابق أحدهما في الخارج غير ما يكون مطابق الآخر. وإنما الإشكال في أن المالك مخير في مقام إعطاء الفرض بين إعطاء الحقق التي هي فرض الخمسينات ، وإعطاء بنات اللبون التي هي فرض الأربعينات. أو أنه غير مخير ، بل يتعين عليه إعطاء فريضة ما يستوفي العدد المملوك ولا يبقى له عفو ، والكلام المذكور خال عن التعرض لذلك. فالقائل بالتخيير أو بغيره لا بد له في إثبات دعواه من الرجوع إلى أمر آخر زائد على مضمون الجملة.

وحينئذ نقول : سكوت المعصوم (ع) عن التعرض لهذه الجهة وعدم بيانه كيفية الحساب مع كونه في مقام البيان ، يقتضي إيكال ذلك إلى حال العدد المملوك نفسه ، وأنه أربعينات أو خمسينات ، أو أربعينات وخمسينات. فان كان ينقسم إلى الأربعينات اقتضى بنات اللبون ، وان كان ينقسم على الخمسينات اقتضى الحقق ، وإن كان ينقسم عليهما معاً ـ كالمائة والأربعين ـ اقتضاهما معاً ، وإن كان ينقسم على كل واحد منهما ـ كالمائتين والأربعمائة ـ اقتضى أحدهما على‌

٦٨

اختيار الأربعين ، وفي المائتين وستين يكون الخمسون أقل [١] عفواً ، وفي المائة وأربعين يكون الأربعون أقل عفواً.

( مسألة ١ ) : في النصاب السادس إذا لم يكن عنده‌

______________________________________________________

البدل ، فان ذلك أقرب عرفاً من حمله على إيكال الأمر إلى اختيار المالك.

ويؤيد ذلك : صحيح الفضلاء الوارد في نصاب البقر ، كما يأتي فتأمل.

ومن ذلك يظهر ضعف القول بالتخيير مطلقاً ، كما نسب إلى المشهور. كما يظهر الاشكال فيما في الجواهر ونجاة العباد : من وجوب مراعاة المطابق منهما. بل لو لم يحصل إلا بهما لو حظا معاً. ويتخير مع المطابقة بكل منهما أو بهما ، حتى أن له حساب البعض بأحدهما والباقي بالآخر. وكذا يتخير مع عدم المطابقة بشي‌ء ، ولا تجب حينئذ مراعاة الأقل عفواً. إلى أن قال « نعم قد يقال : بوجوب مراعاة الأقل في خصوص المائتين والستين ، للقطع بأن الزيادة إن لم تزد الواجب لم تنقصه .. ». فإنه إذا فرض أنه لو لم تحصل المطابقة إلا بهما لوحظا معاً ، لم يبق مورد لملاحظة الأقل عفواً ، إذ كلما زاد العدد عشراً أمكن عد الأربعين خمسين. ففي مثل المائتين وستين يمكن عد خمسينين وأربع أربعينات ، فلا يكون عفو أصلا. فلاحظ.

[١] لو عد بخمسينين وأربع أربعينات لا يحصل عفو ، وكذا في المائة والأربعين لو عد بأربعين وخمسينين.

وعلى ما ذكرنا يتعين عليه العد كذلك ، وهو أولى أن يكون أحوط لا ما ذكر في المتن ، والذي يظهر منه : أن له عد المائة والأربعين بالخمسين فيعطي حقتين ، وليس عليه شي‌ء. وفيه : أنه لو قلنا بالتخيير لا مجال للالتزام في الفرض بالاكتفاء بالحقتين ، لأن حسابه بالخمسين يقتضي زيادة أربعين عفواً ، وهو مخالف لقوله (ع) : « في كل أربعين بنت لبون .. ».

٦٩

بنت مخاض يجزي عنها ابن اللبون [١]. بل لا يبعد إجزاؤه عنها اختياراً [٢] أيضاً. وإذا لم يكونا معاً عنده تخير في شراء أيهما شاء [٣]. وأما في البقر فنصابان [٤] :

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر. ويشهد له : صحيحا زرارة وأبي بصير المتقدمان (١).

[٢] كما عن المشهور. وعن التنقيح : نسبته إلى الفتوى ، وقواه في الجواهر. لقيام علو السن مقام الأنوثة. ولانسباق عدم إرادة الشرط حقيقة من عبارة النص ، وإلا اقتضى عدم إجزائها ـ يعني : بنت المخاض ـ عنه إذا لم تكن موجودة حال الوجوب وإن وجدت بعده ، بناء على أن الشرط عدم كونها عنده حال الوجوب ، لا حال الأداء ، مع معلوميته. وفيه : عدم الدليل على الأول. ومنع الانسباق المذكور. وما ذكره من التعليل له عليل ، لأن ظاهر الدليل كون ابن اللبون بدلا ، وإجزاء المبدل منه في فرض وجوده أولى من إجزاء البدل. ومن هنا صرح جماعة : بعدم الاجزاء مع الاختيار ، كما يقتضيه ظاهر كل من علق إجزاءه على عدم وجدان بنت المخاض.

[٣] العمدة فيه : أنه مع شراء ابن اللبون يصدق : أنه واجد له ، وليس واجداً لبنت المخاض.

[٤] بلا خلاف ظاهر. ويدل عليه صحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قالا : « في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وليس في أقل من ذلك شي‌ء ، وفي أربعين بقرة مسنة ، وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى تبلغ الأربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة وليس فيما بين الأربعين إلى الستين شي‌ء ، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما في أوائل الفصل.

٧٠

الأول : ثلاثون ، وفيها تبيع أو تبيعة [١] ، وهو‌

______________________________________________________

إلى السبعين فاذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة إلى الثمانين ، فاذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين ، فاذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات ، فاذا بلغت عشرين ومائة ففي كل أربعين مسنة » (١).

[١] على المشهور ، بل عن ظاهر جماعة : الإجماع عليه. وعن المنتهى : « لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين ، للأحاديث. ولأنها أفضل .. » وعن ابن أبي عقيل والصدوقين والمفيد في كتاب الاشراف : الاقتصار على التبيع. وكأنه للاقتصار عليه في الصحيح المتقدم.

لكن عن المحقق في المعتبر قال : « ومن طريق الأصحاب : ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير والفضيل وبريد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قالا : « في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وليس في أقل من ذلك شي‌ء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ».

ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ، ثمَّ في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة ، وفي ثمانين مسنتان ، وفي تسعين ثلاث تبايع » (٢). بل في الصحيح المتقدم ـ في رواية الكليني والشيخ ـ : في التسعين ثلاث تبايع حوليات (٣). وعن الخلاف : أنه أرسل أخباراً بذلك (٤). ولعل هذا المقدار كاف في البناء على التخيير.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

(٢) المعتبر صفحة : ٢٦٠.

(٣) الكافي ج ٣ صفحة ٥٣٤ طبع إيران الحديث وفي التهذيب ج ٤ صفحة ٣٤ طبع النجف الأشرف : « ثلاث حوليات ».

(٤) ذكر الشيخ (ره) في الخلاف في المسألة : ١٦ في النصاب الأخير ما يدل على ذلك.

لاحظ : صفحة ١١٥. وذكر في المسألة : ١٤ صفحة ١١٤ حديثا عاميا يدل على التخيير. وأما في النصاب الأول فلم يذكر إلا صحيح الفضلاء. فراجع.

٧١

ما دخل في السنة الثانية [١].

الثاني : أربعون ، وفيها مسنة [٢] ، وهي الداخلة في السنة الثالثة [٣]. وفيما زاد يتخير بين عد ثلاثين ثلاثين ويعطي‌

______________________________________________________

[١] كما عن جماعة من العلماء ، بل نسب إلى الأصحاب. وهذا المقدار كاف في إثبات معنى اللفظ ، لما تحقق في محله : من أن أدلة حجية خبر الثقة في الأحكام شاملة لمثله ، وأنه لا فرق بين نسب القضايا الشرعية وموضوعاتها ومحمولاتها في حجية خبر الثقة. واستدل له : بما في الصحيح المتقدم : من توصيف التبيع بالحولي. لكنه مشكل » لاحتمال كون النسبة من جهة كونه في الحول ، لا لتمام الحول. وفي الجواهر : استدل له بصحيح ابن حمران عن أبي عبد الله (ع) : « التبيع ما دخل في الثانية ».لكن لم أقف عليه في كتب الحديث.

[٢] بلا خلاف. ويشهد له : الصحيح المتقدم. ولا يجزي المسن إجماعاً ، كما قيل. وعن المنتهى : الاجتزاء به إذا لم يكن عنده إلا ذكور لأن الزكاة مواساة ، فلا يكلف غير ما عنده. وفيه : أنه خلاف إطلاق النص وما ذكر لا يصلح مقيداً له.

[٣] كما نسب إلى العلماء » وذكره غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات من دون نقل خلاف. وقد عرفت : أن ذلك كاف في البناء عليه. وقد استدل عليه ـ في محكي المبسوط ـ بما روي عن النبي (ص) أنه قال : « المسنة هي الثنية فصاعداً » (١). ودلالته ـ كما ترى ـ مبنية على أن الثنية ما دخلت في الثالثة ، مع أن المنقول عن تصريح الشيخ (ره) في وصف الهدي : بأن الثني من البقر ما دخل في الثانية (٢).

__________________

(١) المبسوط أواخر فصل زكاة البقر.

(٢) المبسوط فصل مناسك منى.

٧٢

تبيعاً أو تبيعة ، وأربعين أربعين ويعطي مسنة [١]. وأما في الغنم فخمسة نصب [٢] :

______________________________________________________

[١] هذا غير ظاهر الوجه ، فإنه خلاف الصحيح المتقدم. مع أنه لا خلاف ظاهر في وجوب العد بنحو يستوعب ، ففي الستين يتعين بالثلاثين وفي السبعين بها وبالأربعين معاً ، وفي الثمانين بالأربعين ، وفي التسعين بالثلاثين وفي المائة بالأربعين والثلاثين. نعم يتخير لو كان الاستيعاب حاصلا بكل منهما ، كالمائة والعشرين ، فيتخير بين العد بثلاث أربعينات ، وبين العد بأربع ثلاثينات ، فيعطي ثلاث مسنات ، أو أربع تباع أو تبيعات. والاقتصار على الثلاث مسنات في الصحيح كأنه لأجل كونها أحد فردي التخيير. فلاحظ.

[٢] على المشهور ، بل عن الخلاف وظاهر الغنية : الإجماع عليه. ويشهد له صحيح الفضلاء : « في كل أربعين شاة شاة ، وليس فيما دون الأربعين شي‌ء. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فاذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فاذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه. ثمَّ ليس فيها شي‌ء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة شاة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فاذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة ، وسقط الأمر الأول » (١).

وعن جماعة ـ منهم الصدوق والحلي والعلامة في جملة من كتبه ـ : أنها إذا بلغت ثلاثمائة وواحدة فعلى كل مائة شاة. ويشهد له صحيح محمد بن قيس عن أبي عبد الله (ع) : « ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

٧٣

الأول : أربعون ، وفيها شاة [١].

الثاني : مائة وإحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

الرابع : ثلاثمائة وواحدة ، وفيها أربع شياه.

الخامس : أربعمائة فما زاد ، ففي كل مائة شاة. وما بين النصابين في الجميع عفو [٢] ، فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق.

( مسألة ٢ ) : البقر والجاموس جنس واحد [٣].

______________________________________________________

فاذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فاذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة » (١). لكن لما كان الجمع بينه وبين الأول ـ بحمل الكثرة فيه على الأربعمائة فما زاد ، ويكون إهمال ذكر النصاب الرابع للاعتماد على بيانه في الصحيح الأول ـ بعيداً وليس جمعاً عرفياً ، كانا من المتعارضين. والعمل على الأول متعين ، لأنه أشهر رواية ، لأنه رواه الفضلاء الأعاظم ، وأبعد عن موافقة العامة.

[١] على المشهور شهرة عظيمة ، بل عن جماعة : حكاية الإجماع عليه صريحاً وظاهراً. ويشهد له الصحيحان المتقدمان. وعن الصدوقين : اعتبار زيادة الواحدة. ولم يعرف له دليل. نعم حكي عن الرضوي (٢). الذي لم تثبت حجيته ، فضلا عن صلاحية المعارضة لما عرفت.

[٢] كما صرح به في النصوص.

[٣] ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قلت له : في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٣.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٥ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٣.

٧٤

كما أنه لا فرق في الإبل بين العراب والبخاتي [١] ، وفي الغنم بين المعز والشاة والضأن [٢]. كذا لا فرق بين الذكر والأنثى في الكل [٣].

( مسألة ٣ ) : في المال المشترك إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب وجبت عليهم [٤]. وإن بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط. وإن كان المجموع نصاباً ، وكان نصيب كل منهم أقل لم يجب على واحد منهم [٥].

______________________________________________________

الجواميس شي‌ء؟ قال (ع) : مثل ما في البقر » (١).

[١] ففي مصحح الفضلاء : « قلت : فما في البخت السائمة شي‌ء؟ قال (ع) : مثل ما في الإبل العربية » (٢). ويقتضيه : إطلاق الإبل ، الصادق على القسمين.

[٢] للإطلاق. والشاة لا تقابل المعز ولا الضأن ، وتقع على كل واحد منهما ذكراً كان أو أنثى.

[٣] للإطلاق.

[٤] بلا خلاف ولا إشكال ، كما يقتضيه إطلاق الأدلة. وكذا ما بعده.

[٥] وفي الجواهر : الإجماع بقسميه عليه. ويشهد له : ما رواه زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قلت له : مائتي درهم بين خمسة أناس أو عشرة حال عليها الحول وهي عندهم ، أيجب عليهم زكاتها؟ قال (ع) : لا ، هي بمنزلة تلك ـ يعني : جوابه في الحرث ـ ليس عليهم شي‌ء حتى يتم لكل إنسان منهم مائتا درهم. قلت : وكذا في الشاة. والإبل والبقر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

٧٥

( مسألة ٤ ) : إذا كان مال المالك الواحد متفرقاً ولو متباعداً ـ يلاحظ المجموع [١] ، فاذا كان بقدر النصاب وجبت ، ولا يلاحظ كل واحد على حدة.

( مسألة ٥ ) : أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم والإبل من الضأن الجذع ، ومن المعز الثني [٢].

______________________________________________________

والذهب والفضة وجميع الأموال؟ قال (ع) : نعم » (١). ولعل ذلك هو المراد مما في صحيح محمد بن قيس عن أبي عبد الله (ع) : « ولا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق » (٢) ، وخبر محمد بن خالد : « مر مصدقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء ، ولا يجمع بين المتفرق ، ولا يفرق بين المجتمع » (٣) ، يعني : في الملك. ويحتمل فيه ما يذكر في آداب المصدق.

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، وفي الجواهر : الإجماع بقسميه عليه. ويقتضيه إطلاق الأدلة.

[٢] كما هو المشهور ، بل عن الخلاف والغنية : الإجماع عليه. وفي الشرائع : حكاية القول بكفاية ما يسمى شاة. وعن جماعة : عدم معرفة القائل به وإن حكي عن جماعة ، كأبي العباس في الموجز ، والصيمري في شرحه ، والبحراني في حدائقه ، ناسباً له إلى جماعة من أفاضل متأخري المتأخرين. ومال إليه الأردبيلي ، والمدارك ، والخراساني ، على ما حكي عنهم. لإطلاق الأدلة.

ومناقشة الجواهر فيه : بعدم ورود الأدلة في مقام البيان من هذه الجهة ، فلا إطلاق لها يعول عليه ، غير ظاهرة. وانصرافه عن السخل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب زكاة الذهب حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٢.

٧٦

______________________________________________________

ونحوه ـ وإن سلم ـ لا يجدي في ذلك ، لشموله لما دون الجذع ولو بيوم قطعاً ، فتقييده به وبالثني محتاج إلى دليل. كما أن تقييده برواية سويد بن غفلة : « أتانا مصدق رسول الله (ص) وقال : نهينا أن نأخذ المراضع ، وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية » (١) ، ومرسل الغوالي عنه (ص) : « أنه أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن والثني من المعز. قال : ووجد ذلك في كتاب على (ع) » (٢) لا يخلو من إشكال ، لقصور دلالة الأول من جهة إجمال الآمر والناهي ، وعدم التعرض لخصوصية الضأن والمعز. لضعفهما سنداً.

اللهم إلا أن يدفع الإشكال في الدلالة : بأن إطلاق المصدق قوله : « أمرنا .. » ، « ونهينا .. » في مقام الإلزام لا بد أن يكون مراده من الآمر والناهي هو النبي (ص) ، إذ لا أثر لأمر غيره في ذلك الزمان. مع أن فيما يحضرني من نسخة التذكرة : « نهانا رسول الله (ص) .. » فلاحظ وعدم التعرض لخصوصية الضأن والمعز يوجب إجمال المقيد ، فيوجب إجمال المطلقات ، فتسقط عن الحجية. مع إمكان رفع هذا الاجمال بما ورد في الهدي ، من صحيح ابن سنان : « يجزي من الضأن الجذع ، ولا يجزي من المعز إلا الثني » (٣) ، وصحيح حماد : « سألت أبا عبد الله (ع) أدنى ما يجزي من أسنان الغنم في الهدي ، فقال (ع) : الجذع من الضأن. قلت : فالمعز؟ قال (ع) : لا يجوز الجذع من المعز. قلت : ولم؟ قال (ع) : لأن الجذع من الضأن يلقح ، والجذع من المعز لا يلقح » (٤). ونحوهما‌

__________________

(١) كما في السنن ج ٤ صفحة ١٠٠. إلا أنه لم ينسب الرواية فيه إلى سويد بن غفلة. نعم رواه عنه في صفحة ١٠١ ، لكنه بدون الذيل. ولم نعثر على الرواية في غير هذا المصدر ، من كنز العمال وغيره.

(٢) راجع أوائل باب الزكاة في القسم الأول من الباب الثاني.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب ذبح الهدي حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب ذبح الهدي حديث : ٤.

٧٧

والأول : ما كمل له سنة واحدة ودخل في الثانية [١].

______________________________________________________

غيرهما. فان الروايات المذكورة آبية عن حمل روايات المقام على الجذع من المعز والثني من الضأن ، فيتعين العكس ، بعد امتناع أن يكون المراد الجذع والثني من صنف واحد ، لأنها واردة في مقام المنع من الأدنى.

وأما ضعف السند فيمكن انجباره باعتماد الأصحاب عليه ، واستدلالهم به ، فارغين عن حجيته ، غير متأملين فيها. ولا سيما من مثل الشيخ (ره) ، والفاضلين ( قدهما ) ونظائرهم. فلاحظ.

[١] كما عن الصدوقين والشيخين في المقنعة والتهذيب والمصباح ، والسيد في الجمل ، وسلار وابني حمزة وزهرة والفاضلين في النافع وحج الشرائع والإرشاد. وهو الموافق لما عن الصحاح والقاموس والمصباح المنير والنهاية وفي القواعد وعن المبسوط والمنتهى والتذكرة والتحرير والدروس والبيان والتنقيح وفوائد الشرائع وإيضاح النافع وتعليقه وتعليق الإرشاد والميسية والمسالك والروضة : ما كمل له سبعة أشهر. وهو ظاهر محكي الوسيلة والسرائر ، وعن ظاهر الغنية في بحث الهدي : الإجماع عليه ، وعن بعض محشي الروضة : أنه لا يعرف فيه قول غيره ، وحكاه في حياة الحيوان قولا ، بعد أن جزم بالأول ، وجعله الصحيح عند أصحابه ، والأشهر عند أهل اللغة وغيرهم. وعن ابن الأعرابي : المعنى الأول إن تولد بين هرمين ، والثاني إن كان بين شابين. وعن بعض : أنه ابن ستة أشهر. وعن آخر : أنه ابن ثمان. وقيل : إن كان بين ثني وثنية فابن سنة ، وإن كان بين هرمين فابن ثمان وإن كان بين ثني وهرمة فابن سبعة. وربما قيل غير ذلك.

ومع هذا يشكل البناء على ما في المتن. ولا سيما بملاحظة مرسل الصدوق الوارد في الهدي : « ويجزي من المعز والبقر الثني ، وهو الذي له سنة‌

٧٨

والثاني : ما كمل له سنتان ودخل في الثالثة [١]. ولا‌

______________________________________________________

ودخل في الثانية. ويجزي من الضأن الجذع لسنة » (١). فإن المقابلة بينه وبين الجذع تقضي بأنه دون ذلك. ولا ينافي ذلك ما في المرسل من قوله (ع) : « ويجزي من الضأن الجذع لسنة » إذ بقرينة المقابلة يراد منه ما كان في سنة فلاحظ. نعم لو كان الأجذاع صفة كان ما ذكر متعيناً ، لأصالة الاشتغال. أما لو كان سناً ـ كما عن آخر ـ اكتفي بالأقل ، للإطلاق وإجمال المقيد ، فيقتصر فيه على القدر المتيقن. وكذا لو شك في كونه صفة أو سناً.

هذا كله بناء على التساقط عند التعارض في مثل المقام. أما بناء على الترجيح مع وجود المرجح ومع عدمه فالتخيير ، فالبناء على وجود المرجح أو عدمه محتاج إلى فحص وتتبع لا يسعه المقام ، وإن كان المظنون : أن الترجيح مع الأول ، لأنه الأشهر.

[١] في الجواهر : أنه المشهور عند اللغويين ، وبه صرح في محكي المبسوط والتذكرة ، ويوافقه ما عن الصحاح والقاموس والمصباح والمغرب والنهاية. وقيل : ما دخل في الثانية ، وهو المنسوب إلى من تقدم ، ممن قال : بأن الجذع ما كمل له سبعة أشهر ، ويوافقه مرسل الفقيه المشار اليه آنفاً. لكن يشكل الاعتماد عليه ، لضعفه ، وعدم الجابر له. فالمرجع ما ذكرنا : من الإطلاق ، أو أصالة الاشتغال ، أو الترجيح ، أو التخيير ، وإن كان المظنون : أن الترجيح مع الأول ، لأنه الأشهر.

ثمَّ إن المصرح به في القواعد ـ وعن صريح غيرها أو ظاهره ـ : عدم الفرق في التقييد بالجذع والثني بين ما يؤخذ في الإبل والغنم ، كما في المتن. ويقتضيه إطلاق النص المستدل به عليه. وعن البيان : تخصيصه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب ذبح الهدي حديث : ١١.

٧٩

يتعين عليه أن يدفع الزكاة من النصاب ، بل له أن يدفع شاة أخرى [١].

______________________________________________________

بالإبل ، ولم يعرف لغيره. ومقتضاه الاكتفاء بمطلق الشاة في الغنم. لكن قربه بعض : بأن اعتبار الحول على النصاب والسوم والاستغناء بالرعي ينافي كون بعضه جذعاً بل ثنياً ، فكيف يجبان فيه؟ لكنه مبني على تفسير الجذع بما له سبعة أشهر ، والثني بما له سنة. ومقتضى ذلك عدم الاجتزاء بهما ، بل لا بد أن يكون سنه أعلى منهما. وفيه : أنه خلاف ما تقدم من الاتفاق على الاجتزاء بهما ، وأنه مبني على كون الفريضة بعض النصاب. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ الكلام فيه.

[١] إجماعاً ، أو اتفاقا ظاهراً ـ كما في رسالة شيخنا الأعظم ـ وإجماعاً حكاه جماعة ، كما في الكفاية والمستند والجواهر ، بل في الأخير : يمكن تحصيله. لكن قال في الثاني : « وقد تنسب المخالفة إلى شاذ. ثمَّ قال : المحالفة إن كانت في الإخراج من غير النصاب مطلقاً ـ ولو بالقيمة ـ نهي ضعيفة ، للصحيحة ، وسائر روايات القيمة. الآتية. وإن كانت في إخراج جنس النصاب من غيره بدون اعتبار القيمة فهي قوية ، إذ لا دليل على كفاية مطلق الجنس ولو من غير النصاب ، فإن الإطلاقات كلها مما يستدل بها على التعلق بالعين ، كقولهم (ع) : « في أربعين شاة شاة » ونحوه ، ولا يثبت منه أزيد من كفاية المطلق مما في العين. وأما المطلق من غيره فلا دليل .. ».

أقول : مجرد التعلق بالعين لا يقتضي وجوب كون المدفوع جزءاً. إذا لو كان التعلق بها من قبيل تعلق حق الرهانة لم يقتض ذلك كما لا يخفى وسيأتي ـ إن شاء الله ـ تحقيق ذلك. مع أن الإجماعات المحكية في المقام على جواز الدفع من غير العين بعنوان نفس الواجب ، لا بعنوان نفس‌

٨٠