مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

١
٢

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة مقدمة في فضل الصلاة اليومية وأنها أفضل الأعمال الدينية : اعلم أن الصلاة أحب الأعمال إلى الله تعالى وهي آخر وصايا الأنبياء (ع) (١). وهي عمود الدين ، إذا قُبلت قُبل ما سواها ، وإن ردّت ردّ ما سواها‌ (٢). وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم فان صحت نظر في عمله ، وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله‌ (٣) ومثلها كمثل النهر الجاري‌ (٤) فكما أن من اغتسل فيه في كل يوم خمس مرات لم يبق في بدنه شي‌ء من الدرن ، كذلك كلما صلى صلاة كفّر ما بينهما من الذنوب وليس ما بين المسلم وبين أن يكفر إلا أن يترك الصلاة‌ (٥) وإذا كان يوم القيامة يدعى بالعبد فأول شي‌ء يسأل عنه الصلاة فإذا جاء بها تامة وإلا زُخَّ في النار‌ (٦) و‌في الصحيح : قال

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٢.

(٢) وردت بهذا المضمون أحاديث كثيرة منها حديث : ١٠ من باب ٨ : من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١٣.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٣ والحديث في المتن منقول بالمعنى.

(٥) الوسائل باب : ١١ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٦ و ٧.

(٦) الوسائل باب : ٧ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٦‌

٣

______________________________________________________

مولانا الصادق عليه‌السلام : « ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ألا ترى إلى العبد الصالح عيسى بن مريم عليه‌السلام قال : ( وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ) (١) ‌و‌روى الشيخ في حديث عنه (ع) قال : « وصلاة فريضة تعدل عند الله ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات » (٢).

وقد استفاضت الروايات في الحث على المحافظة عليها في أوائل الأوقات‌ (٣) ، وأن من استخف بها كان في حكم التارك لها‌ ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ليس مني من استخف بصلاته » (٤). و‌قال : « لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته » (٥). و‌قال : « لا تضيعوا صلاتكم ، فان من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان وكان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين » (٦). و‌ورد : « بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام فصلى فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال (ع) : نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني » (٧). وعن أبي بصير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٣٤.

(٣) راجع الوسائل والمستدرك في أوائل أبواب أعداد الفرائض وأبواب المواقيت.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١ و ٥ و ٧ و ٨.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١٠.

(٦) الوسائل باب : ٧ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٧.

(٧) الوسائل باب : ٨ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٢.

٤

قال : « دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله عليه‌السلام فبكت وبكيت لبكائها ، ثمَّ قالت : يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجباً ، فتح عينيه ثمَّ قال : اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة قالت : فما تركنا أحداً إلا جمعناه ، فنظر إليهم ثمَّ قال : إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة » (١) وبالجملة ما ورد من النصوص في فضلها أكثر من أن يحصى. ولله در صاحب الدرة حيث قال :

تنهى عن المنكر والفحشاء

أقصر فهذا منتهى الثناء

فصل في أعداد الفرائض ونوافلها

فصل في أعداد الفرائض ونوافلها الصلوات الواجبة ست [١] : اليومية ـ ومنها الجمعة ـ

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، والصلاة والسلام على سيد النبيين محمد وآله الطاهرين.

كتاب الصلاة

فصل في أعداد الفرائض ونوافلها‌

[١] وعدها بعضهم سبعاً ، كالشهيد ـ في كتبه الثلاثة ـ وغيره ، وهي :

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١١.

٥

والآيات ، والطواف الواجب ، والملتزم بنذر أو عهد أو يمين‌

______________________________________________________

اليومية ، والجمعة ، والعيدان ، والآيات ، والطواف ، والجنائز ، وما يوجبه الإنسان على نفسه بنذر وشبهه. وبعضهم عدها تسعاً ، قال في المعتبر : « فالواجب تسع : الصلوات الخمس ، وصلاة الجمعة ، والعيدين ، والكسوف ، والأموات ، والزلزلة ، والآيات ، والطواف ، وما يلتزمه الإنسان بنذر وشبهه ». ونحوه ما في القواعد. وفي كشف اللثام : « انها تسع : الفرائض اليومية ـ ومنها الجمعة ـ والسادسة العيدان ، والسابعة صلاة الكسوف والزلزلة والآيات ، والثامنة صلاة الطواف ، والتاسعة المنذور وشبهه ». والاختلاف في ذلك ناشئ من اختلاف أنظارهم في دخول بعض وخروجه ، وإدخال بعضها في بعض وإخراجه ، ولا يهم التعرض لذلك. نعم لم يعترض المصنف (ره) لذكر العيدين ، ولعله لبنائه على دخولها في اليومية كالجمعة. لكن ـ مع أنه غير ظاهر الوجه ـ كان اللازم التنصيص على ذلك ، فإنه أخفى من دخول الجمعة فيها. ويحتمل أن يكون نظره إلى تعداد ما هو واجب في زمان الغيبة ، والعيدان ليس منه ، بخلاف الجمعة على مذهبه ، والأمر سهل.

ثمَّ إن الدليل على وجوب كل واحدة من المذكورات موكول إلى محله في بابه. وأما عدم وجوب ما عداها فهو إجماع ، حكاه جماعة كثيرة ، منهم الشيخ والمحقق والعلامة والشهيد وصاحب المدارك. وفي المعتبر : « هو مذهب أهل العلم. وقال أبو حنيفة : الوتر واجب. وهو عنده ثلاث ركعات بتسليمة واحدة لا يزاد عنها ولا ينقص. وأول وقته بعد المغرب ، والعشاء مقدمة ، وآخره الفجر ». ويشهد له‌ خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) : « الوتر في كتاب علي واجب ، وهو وتر الليل ، والمغرب وتر النهار » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٤.

٦

أو إجارة ، وصلاة الوالدين على الولد الأكبر [١] ، وصلاة الأموات.

أما اليومية : فخمس فرائض [٢] : الظهر أربع ركعات والعصر كذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء أربع ركعات والصبح ركعتان. وتسقط في السفر من الرباعيات ركعتان [٣] كما أن صلاة الجمعة أيضاً ركعتان. وأما النوافل : فكثيرة ، آكدها الرواتب اليومية [٤] ، وهي ـ في غير يوم الجمعة ـ

______________________________________________________

لكنه لا يصلح لمعارضة الإجماع والنصوص التي منها‌ صحيح الحلبي ، قال أبو عبد الله (ع) في الوتر : « إنما كتب الله الخمس وليست الوتر مكتوبة ، إن شئت صليتها ، وتركها قبيح » (١).

[١] يعني : صلاة القضاء عن الوالدين التي تجب على الولد الأكبر ، على ما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في مبحث صلاة القضاء.

[٢] إجماعاً ، بل ضرورة من الدين. والنصوص بذلك متواترة.

[٣] إجماعاً ، بل ضرورة عندنا كما سيأتي. وكذا ما بعده.

[٤] وعن جماعة كثيرة : التصريح به. وفي الجواهر : أنه لا ريب فيه. وفي كلام بعض : أنه من المسلمات بين الأصحاب. ولم أقف على ما يدل عليه صريحاً. نعم قد يستفاد مما ورد من كثرة الحث على فعلها ومزيد الاهتمام بها ، وأنها من علامات المؤمن ، وأنها مكملات للفرائض وما ورد في بعضها ـ كصلاة الليل والوتر وركعتي الفجر ـ أنها واجبة ، بل في الصحيح الآتي : « إن ترك الست والعشرين منها معصية ». لكنّ في ثبوت الأفضلية بهذا المقدار ـ لو لا ظهور الإجماع عليه تأملاً ظاهراً ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١.

٧

أربع وثلاثون ركعة [١] :

______________________________________________________

ولذلك احتمل كون مثل صلاة جعفر « ع » أفضل منها. وأما ما‌ رواه محمد ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) : « عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة. قال (ع) : تمام الخمسين » (١) ‌فالمراد به أفضلية التمام لا كل صلاة منها. ونحوه ما‌ رواه يحيى بن حبيب : « سألت الرضا (ع) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله تعالى من الصلاة ، قال (ع) : ست وأربعون ركعة فرائضه ونوافله. قلت : هذه رواية زرارة. قال : أَوَترى أحداً كان أصدع بالحق منه؟ » (٢).

[١] إجماعاً صريحاً وظاهراً ادعاه جماعة كثيرة ، والأخبار الدالة عليه مستفيضة. نعم في بعضها : أنها ثلاث. وثلاثون ، بإسقاط الوتيرة ، كموثق حنان : « سأل عمرو بن حريث أبا عبد الله (ع) وأنا جالس ، فقال له جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول الله (ص). فقال (ع) : كان النبي (ص) يصلي ثمان ركعات الزوال ، وأربعاً الأولى ، وثمانياً بعدها ، وأربعاً العصر ، وثلاثاً المغرب ، وأربعاً بعد المغرب ، والعشاء الآخرة أربعاً ، وثماني صلاة الليل ، وثلاثاً الوتر ، وركعتي الفجر ، وصلاة الغداة ركعتين. قلت : جعلت فداك وإن كنت أقوى على أكثر من هذا أيعذبني الله تعالى على كثرة الصلاة؟ قال (ع) : لا. ولكن يعذب على ترك السنة » (٣). ويوافقه خبر محمد بن أبي عمير المتقدم‌. وفي بعضها : أنها تسع وعشرون ، بإسقاط أربع من نافلة العصر مع الوتيرة ، كخبر أبي بصير : « سألت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٦.

٨

______________________________________________________

أبا عبد الله (ع) عن التطوع بالليل والنهار. فقال (ع) : الذي يستحب أن لا يقصر عنه ثمان ركعات عند الزوال ، وبعد الظهر ركعتان ، وقبل العصر ركعتان ، وبعد المغرب ركعتان ، وقبل العتمة ركعتان ، وفي السحر ثمان .. » (١) ويطابقه خبر يحيى بن حبيب المتقدم وغيره ، وفي بعضها : أنها سبع وعشرون ، بإسقاط ركعتين من نافلة المغرب مع ذلك ، كصحيح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : إني رجل تاجر أختلف وأتجر فكيف لي بالزوال والمحافظة على صلاة الزوال؟ وكم نصلي؟ قال (ع) : تصلي ثمان ركعات إذا زالت الشمس ، وركعتين بعد الظهر ، وركعتين قبل العصر فهذه اثنتا عشرة ركعة ، وتصلي بعد المغرب ركعتين ، وبعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة ـ منها الوتر ومنها ركعتا الفجر ـ وذلك سبع وعشرون ركعة سوى الفريضة ، وإنما هذا كله تطوع وليس بمفروض ، إن تارك الفريضة كافر ، وإن تارك هذه ليس بكافر ، ولكنها معصية ، لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملاً من الخير أن يدوم عليه » (٢).

هذا ولكنه لا مجال للعمل بهذه النصوص في قبال ما عرفت من الإجماع والنصوص. فلا بد إما من حملها على اختلاف مراتب الفضل ـ كما عن جماعة ـ أو على الجعل الأولي والثانوي ـ كما يشير اليه موثق سليمان الآتي بالنسبة إلى سقوط الوتر ـ ، أو على اختلاف الجهات المزاحمة العرضية ـ كما يشير إليه خبر عبد الله بن زرارة عن أبي عبد الله (ع). قال في حديث طويل : « وعليك بالصلاة الست والأربعين ، وعليك بالحج أن تهل بالإفراد وتنوي الفسخ إذا قدمت مكة ثمَّ قال : والذي أتاك به أبو بصير من صلاة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١.

٩

ثمان ركعات [١] قبل الظهر ، وثمان ركعات قبل العصر ، وأربع ركعات بعد المغرب وركعتان بعد العشاء من جلوس تُعدان بركعة [٢] ، ويجوز فيهما القيام [٣] بل هو الأفضل [٤]

______________________________________________________

الإحدى وخمسين ، والإهلال بالتمتع إلى الحج ، وما أمرناه به من أن يهل بالتمتع ، فلذلك عندنا معان وتصاريف لذلك ، ما يسعنا ويسعكم ولا يخالف شي‌ء منه الحق ولا يضاده » (١) أو على غير ذلك. والله سبحانه أعلم.

[١] بهذا الترتيب استفاضت النصوص لو لم تكن قد تواترت.

[٢] ففي مصحح الفضيل عن أبي عبد الله (ع) : « قال : الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدان بركعة » (٢) ، و‌في حسن البزنطي عن أبي الحسن (ع) : « وركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام » (٣). ونحوهما غيرهما.

[٣] كما عن جماعة التصريح به ، منهم الشهيدان والمحقق الثاني والأردبيلي لموثق سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) : « وركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية ، قائماً أو قاعداً والقيام أفضل ، ولا تعدهما من الخمسين » (٤). و‌في خبر الحرث بن المغيرة : « وركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصليهما وهو قاعد وأنا أصليهما وأنا قائم » (٥).

[٤] كما عن الروض ويقتضيه موثق سليمان ، بل ظاهر خبر الحرث‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١٦.

(٥) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٩.

١٠

وإن كان الجلوس أحوط [١] ، وتسمى بالوتيرة ، وركعتان قبل صلاة الفجر ، وإحدى عشرة ركعة صلاة الليل ، وهي ثمان ركعات ، والشفع ركعتان ، والوتر ركعة واحدة. وأما في يوم الجمعة : فيزاد على الست عشرة أربع ركعات [٢] ،

______________________________________________________

ولا ينافيه ما فيه من مواظبة أبيه (ع) على الجلوس فيهما ، لقرب حمله على العذر ، كما يشير اليه خبر سدير : « قلت لأبي جعفر (ع) : أتصلي النوافل وأنت قاعد؟ فقال (ع) : ما أصليهما إلا وأنا قاعد منذ حملت هذا اللحم وبلغت هذا السن » (١). نعم قد ينافي ذلك ما دل على أنهما تعدان بركعة فإن ذلك إنما يكون مع الجلوس فيهما. اللهم إلا أن يقال : إنهما في حال القيام أيضاً تعدان بركعة مع غض النظر عن فضل القيام ، فان القيام له فضل في نفسه لا يرتبط بالركعتين ، لأنه مستحب نفسي ، وليس كالقيام المشروع في غيرهما من النوافل ، فإنه مستحب غيري. أو يراد أن ذلك. إنما هو في أصل التشريع ، فلا ينافي أفضلية القيام بدلا عن الجلوس ، وإن عدت بالقيام ركعتين ، وتكون النوافل حينئذ خمساً وثلاثين ، فان ذلك العدد بالعرض لا بالأصل ، كما أن جواز الجلوس في عامة النوافل يوجب رجوع النوافل إلى سبع عشرة ركعة بالعرض. فلاحظ.

[١] لما قد يظهر من كلام جماعة ـ حيث اقتصروا على فعلها جالساً ـ من تعين الجلوس فيهما. ومثله ظاهر بعض النصوص.

[٢] على المشهور شهرة عظيمة ويشهد به النصوص ، فقد روى ذلك الفضل بن شاذان (٢) والبزنطي (٣) ويعقوب بن يقطين (٤) ومراد بن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب القيام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ١٠.

١١

فعدد الفرائض سبع عشرة ركعة ، وعدد النوافل ضعفها بعد عدّ الوتيرة بركعة ، وعدد مجموع الفرائض والنوافل إحدى وخمسون. هذا ويسقط في السفر نوافل الظهرين [١] والوتيرة على الأقوى [٢].

______________________________________________________

خارجة (١) وغيرهم. وعن الإسكافي : إنها تزيد ست ركعات. ويشهد له صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (ع) : « سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال (ع) : ست ركعات بكرة ، وست بعد ذلك اثنتي عشرة ركعة ، وست ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة ، وركعتان بعد الزوال فهذه عشرون ركعة ، وركعتان بعد العصر فهذه ثنتان وعشرون ركعة » (٢). وعن الصدوقين : أنه كسائر الأيام ، ويشهد له صحيح الأعرج : « عن صلاة النافلة يوم الجمعة. فقال (ع) : ست عشرة ركعة قبل العصر ثمَّ قال (ع) : وكان علي (ع) يقول : ما زاد فهو خير » (٣). وقريب منه صحيح سليمان بن خالد (٤). لكن الأول مهجور ، فلا مجال للعمل به إلا أن يبنى على قاعدة التسامح. والأخيرين لا ينافيان دليل زيادة ، كما لعله ظاهر.

[١] إجماعاً صريحاً وظاهراً حكاه جماعة كثيرة. وتشهد به النصوص المتجاوزة حد الاستفاضة ، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن الصلاة تطوعاً في السفر. قال (ع) : لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما شيئاً نهاراً » (٥).

[٢] كما هو المشهور ، وعن المنتهى : نسبته إلى ظاهر علمائنا ( رض )

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ١٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ٩.

(٥) الوسائل باب : ٢١ من ابواب اعداد الفرئض ونوافلها حديث : ١.

١٢

______________________________________________________

بل عن السرائر : الإجماع عليه ، لإطلاق مثل صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلا المغرب ثلاث » (١). ونحوه صحيح أبي بصير ، إلا أنه قال : « إلا المغرب فان بعدها أربع ركعات لا تدعهن في سفر ولا حضر » (٢) وفي خبر أبي يحيى الحناط : « سألت أبا عبد الله (ع) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر. فقال : يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة » (٣).

وعن النهاية والمهذب البارع : جواز فعلهما. ونسب إلى ظاهر الفقيه والعلل والعيون ، والروضة : أنه قوي. وعن الذكرى : أنه قوي إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه. وعن مجمع البرهان : أنه جيد لو لا الإجماع لرواية الفضل عن الرضا (ع) : « وإنما صارت العتمة مقصورة وليست تترك ركعتاها لأن الركعتين ليستا من الخمسين وإنما هي زيادة في الخمسين تطوعاً ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع » (٤). وطريق الفقيه إلى الفضل عبد الواحد بن محمد بن عبدوس ، وعلي بن محمد ابن قتيبة ، والأول : من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين أخذ عنهم الحديث كما في المدارك. والثاني : من مشايخ الكشي وعليه اعتمد في رجاله ، كما في النجاشي والخلاصة. وفي الثاني ـ في ترجمة يونس بن عبد الرحمن ـ روى الكشي حديثاً صحيحاً عن علي بن محمد القتيبي .. إلى أن قال : « وفي حديث صحيح عن علي بن محمد القتيبي .. » وقد ذكره في الخلاصة في قسم الموثقين ، فالرواية معتبرة يمكن الخروج بها عما عرفت ، كما تقدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٣.

١٣

( مسألة ١ ) يجب الإتيان بالنوافل ركعتين ركعتين [١]

______________________________________________________

عن الشهيد وغيره. وأما نقل الإجماع فموهون بمخالفة من عرفت. وعن كشف الرموز : أنه ممنوع. وإعراض المشهور عنها لا يقدح بعد احتمال بنائهم على كون المقام من التعارض بين الرواية وغيرها ، وأن الترجيح مع الثاني لصحة السند وكثرة العدد.

فالتأمل يقضي بعدم سقوط الرواية عن الحجية ، لا سيما مع تأيدها أو اعتضادها‌ بصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن الصلاة تطوعاً في السفر. قال (ع) : لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما شيئاً نهاراً » (١) وبقاعدة التسامح. ولا يعارضها ما دل على السقوط ، إذ به لا يخرج المورد عن صدق كونه مما بلغ عليه الثواب. نعم لو كان مفاد أدلة السقوط الحرمة الذاتية اقتضت خروجه عن ذلك ، لاختصاصها بما بلغ المكلف عليه الثواب محضاً. لكن أدلة السقوط لا تفيد ذلك. وبما‌ في رواية رجاء بن أبي الضحاك المروية عن العيون : « ان الرضا (ع) كان يصلي الوتيرة في السفر » (٢). وفي مفتاح الكرامة : « الرواية معتمد عليها ، مقبولة مشتهرة ، مشتملة على أحكام معلومة مفتى بها عند الفقهاء ». وبإمكان دعوى انصراف نصوص السقوط عن الوتيرة ، لعدم كونها من الرواتب بل إنما زيدت ليتم بها عدد النوافل ، كما في بعض النصوص فلاحظ.

[١] كما هو المشهور ، وعن ظاهر الغنية وصريح إرشاد الجعفرية : الإجماع عليه. ويشهد له خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١.

(٢) لم أعثر عليه في مظان وجوده في الوسائل ، نعم يذكره صاحب الجواهر في هذه المسألة ولكنه ذكر انه لم يعثر عليه في نسخته من العيون فلاحظ ص ٤٧ و ٥٠ من ج ٧ ط نجف.

١٤

______________________________________________________

جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل يصلي النافلة أيصلح له أن يصلي أربع ركعات لا يسلم بينهن؟ قال (ع) : لا إلا أن يسلم بين كل ركعتين » (١) ورواية أبي بصير المروية عن مستطرفات السرائر عن كتاب حريز : « قال أبو جعفر (ع) ـ في حديث ـ : وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم » (٢). لكنهما لا يدلان على عدم مشروعية صلاة ركعة ، بل في عمومهما لما عدا الرواتب تأمل. ولذلك قال في محكي مجمع البرهان : « الدليل على عدم الزيادة والنقيصة غير ظاهر ، وما رأيت دليلاً صريحاً صحيحاً على ذلك ، نعم ذلك مذكور في كلام الأصحاب ، والحكم به مشكل ، لعموم مشروعية الصلاة. وصدق التعريف المشهور على الواحدة والأربع .. ». لكن عموم المشروعية ليس وارداً لبيان الكيفية ، فلا مجال للتمسك بإطلاقه وإن صدق التعريف على الواحدة والأكثر. وحينئذ لا بد في إثبات الكيفية من الرجوع إلى دليل آخر ، والأصل عدم المشروعية.

فإن قلت : لا إشكال في أصل مشروعية الركعة ، وإنما الشك في مشروعيتها مفصولة بالتشهد والتسليم وموصولة بركعة أخرى ، فيرجع الشك إلى الشك في جزئية الركعة الثانية ، والشك في مانعية التشهد والتسليم ، والأصل البراءة.

قلت : لا مجال للرجوع إلى البراءة في هذه المقامات ، لا العقلية ، للعلم بعدم العقاب. ولا مثل حديث الرفع الامتناني ، لعدم الامتنان في الرفع المذكور ، بل هو خلاف الامتنان ، نظير رفع الاستحباب الحرجي مع أنهما لا يثبتان مشروعية المقدار المعلوم. ولأجل ذلك أيضاً لا يجري استصحاب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٣.

١٥

إلا الوتر فإنها ركعة [١] ويستحب في جميعها القنوت ، حتى‌

______________________________________________________

العدم ، فلا يمكن التعبد بالمقدار المعلوم مع التشهد والتسليم.

فان قلت : أدلة المشروعية وإن لم تكن واردة في مقام بيان الكيفية ، لكن عدم بيان الكيفية فيها يقتضي الاعتماد على بيان الكيفية في غيرها ، وحيث أن الكيفية في غيرها مختلفة ، لكونها بعضها وتراً ، كصلاة الوتر وصلاة الاحتياط ، وبعضها ثنائية كالصبح ، وبعضها ثلاثية كالمغرب ، وبعضها رباعية كالظهرين والعشاء ، كان الظاهر هو التخيير بين الكيفيات المذكورة.

قلت : هذا الظهور ممنوع ، إذ من الجائز قريباً أن يكون قد اعتمد على خصوص الثنائية ، لأنها الغالب الشائع ، لكون النوافل الرواتب كذلك ، وكذا الفرائض في أصل التشريع ، والصبح ، والجمعة ، والعيدان ، والآيات ، ولا سيما بملاحظة أن محل الكلام النوافل غير الرواتب ، وحملها على خصوص الرواتب أولى من حملها على غيرها ، فالإطلاق المقامي يوجب البناء على كون النوافل غير الرواتب ثنائية كالرواتب. هذا كله مضافاً إلى رواية الفضل عن الرضا (ع) بالسند المتقدم في المسألة السابقة الذي قد عرفت اعتباره قال (ع) « الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى » (١).

[١] يعني : مفصولة عن الشفع بالتسليم. إجماعاً صريحاً وظاهراً ، كما عن الخلاف والمنتهى والتذكرة وغيرها. وتدل عليه النصوص ، كصحيح معاوية بن عمار : « قال لي : اقرأ في الوتر في ثلاثتهن بـ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، وسلم في الركعتين ، توقظ الراقد ، وتأمر بالصلاة » (٢) ، و‌مصحح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) : « الوتر ثلاث ركعات وتفصل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٧.

١٦

الشفع على الأقوى [١] في الركعة الثانية. وكذا يستحب في مفردة الوتر.

______________________________________________________

بينهن » (١) ، ومصحح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « الوتر ثلاث ركعات ثنتان مفصولة وواحدة » (٢). ونحوها غيرها. لكن في خبر كردويه الهمداني : « سألت العبد الصالح عن الوتر. فقال (ع) : صلة » (٣) وفي صحيح يعقوب بن شعيب قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن التسليم في ركعتي الوتر. فقال (ع) : إن شئت سلمت وإن شئت لم تسلم » (٤) ونحوه صحيح معاوية بن عمار‌ (٥). ولأجلها قال في محكي مجمع البرهان : « الجمع بالتخيير حسن كما هو مذهب العامة ». وفي المدارك : « لو قيل بالتخيير بين الفصل والوصل واستحباب الفصل كان وجهاً قوياً ». إلا أنه لا مجال للعمل بهذه النصوص بعد حكاية الإجماع على خلافها ، فيتعين حملها على التقية ، أو غيرها.

[١] كما عن جماعة التصريح به ، بل عن بعض : نفي الخلاف فيه إلا من شيخنا البهائي ـ في حواشي مفتاح الفلاح ـ وبعض من تبعه. لعموم ما دل على مشروعيته في كل صلاة فرضاً ونفلا ، وخصوص خبر رجاء بن أبي الضحاك في حكاية فعل الرضا (ع) في طريقه إلى خراسان قال : « ثمَّ يقوم فيصلي ركعتي الشفع .. إلى أن قال : ويقنت في الثانية قبل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١٨.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١٦.

(٥) الوسائل باب : ١٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١٧.

١٧

( مسألة ٢ ) الأقوى استحباب الغفيلة [١] وهي : ركعتان‌

______________________________________________________

الركوع » (١). لكن شيخنا البهائي قال في محكي حواشيه : « القنوت في الوتر إنما هو في الثالثة ، وأما الأوليان المسماتان بالشفع فلا قنوت فيهما ». واستدل على ذلك بصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « القنوت في المغرب في الركعة الثانية ، وفي الغداة والعشاء مثل ذلك ، وفي الوتر في الركعة الثالثة » (٢). وناقشه جماعة ممن تأخر عنه بحمل الصحيح على محامل كلها خلاف الظاهر ، مثل الحمل على التقية. أو على كون : « في المغرب » خبر المبتدأ وقوله (ع) : « في الركعة الثانية » بدل بعض من كل ، وكذا ما بعده ، فلا يدل على حصر قنوت الصلوات المذكورة في الركعات المزبورة وإنما يدل على حصر مواضع القنوت في الصلوات المذكورة ، الذي لا إشكال في وجوب الخروج عنه ، بالحمل على مزيد الاهتمام بها والأفضلية. أو على كون المراد بالوتر الموصولة للتقية لا المفصولة. أو نحو ذلك. والذي دعاهم إلى هذه المحامل ظهور التسالم على ثبوت القنوت في الشفع. وفي كفاية ذلك في جواز رفع اليد عن ظاهر الصحيح تأمل. نعم لو بني على قاعدة التسامح والاكتفاء بها بفتوى الفقيه أمكن الفتوى بالاستحباب. لكن ثبوت القاعدة محل إشكال أو منع كما سبق. وأما عموم مشروعية القنوت في كل صلاة فلا يكفي في تطبيق قاعدة التسامح لو بني عليها ، إذ بعد التقييد بالصحيح يكون المراد من العام ما عدا الشفع ، فلا يتحقق البلوغ ، نظير التخصيص بالمتصل. فتأمل جيداً.

[١] التي تدل عليها رواية هشام بن سالم المروية في محكي مصباح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٢٤.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب القنوت حديث : ٢.

١٨

بين المغرب والعشاء ـ ولكنها ليست من الرواتب ـ يقرأ فيها في الركعة الأولى بعد الحمد ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) ، وفي الثانية بعد الحمد : ( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ

______________________________________________________

الشيخ‌ (١) ، و‌في محكي فلاح السائل عن الصادق (ع) : « من صلى بين العشاءين ركعتين قرأ في الأولى الحمد وقوله تعالى ( وَذَا النُّونِ .. إلى قوله وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) ، وفي الثانية الحمد وقوله تعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ .. إلى قوله تعالى إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) ، فاذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال : ( اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا ) ثمَّ تقول : ( اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد وآل محمد إلا ( لما ) قضيتها لي ) ويسأل الله جل جلاله حاجته أعطاه الله تعالى ما سأل » (٢).

وظاهر الأكثر ما في المتن من كونها غير نافلة المغرب ، ويشهد له ـ كما في الجواهر ـ « عدم رجحان قراءة الآيتين في نافلة المغرب لخلو النصوص والفتاوى عنها ، بل الموجود فيها قراءة غير ذلك من السور كما لا يخفى على من لاحظها ». وعن بعض : إنكار ذلك ، لقاعدة توقيفية العبادة ، ولحرمة التطوع في وقت الفريضة ، ولما ورد من أنهم (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث : ٢.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ١٥ من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث : ٣ والمنقول في المتن فيه نقصان عما هو في المصدر.

١٩

مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) ويستحب أيضاً بين المغرب والعشاء‌

______________________________________________________

ما كانوا يصلون غير نافلة المغرب‌. والجميع كما ترى ، إذ الأولان لا مجال لهما مع الدليل ، فان طريق الشيخ إلى هشام صحيح كما يظهر من ملاحظة الفهرست. والثالث يمكن أن يكون وارداً لبيان عدد النوافل المتعلقة بالفرائض لا غير ، وإلا فقد ورد أنهم (ع) يصلون في اليوم والليل ألف ركعة‌.

فالعمدة ملاحظة الرواية المذكورة ، وأنها ظاهرة في صلاة أخرى مباينة لها خارجاً ، أو مفهوماً ـ مع إمكان اتحادهما خارجاً ـ أو واردة لتشريع خصوصية في نافلة المغرب لا غير. ولازم الأول جواز فعلهما معاً قدم الغفيلة أو النافلة. ولازم الأخير عدم جواز فعلهما معاً مطلقاً ، إذ مع تقديم الغفيلة يكون قد جاء بالنافلة فلا مجال لفعلها ثانياً لسقوط الأمر بها ، ومع تقديم النافلة لا مجال لفعل الغفيلة ، لسقوط مشروعية الخصوصية بسقوط الأمر بذات النافلة ، والمفروض أن دليل الغفيلة لا يشرع أصل الصلاة ، وإنما يشرع الخصوصية في صلاة مشروعة ، فتسقط الخصوصية بسقوط الأمر بالصلاة. ولازم الوسط جواز احتسابها من نافلة المغرب وعدمه ، إذ المفروض عليه إمكان اتحادهما خارجاً ، فمع قصد الأمرين بفعل الغفيلة يكون امتثالا لأمرها ولأمر نافلة المغرب ، ومع قصد أمرها لا غير يشرع الإتيان بالنافلة بعدها. وأظهر الوجوه أوسطها ، لإطلاق كل من دليلي النافلة والغفيلة ، الموجب لجواز اتحادهما خارجاً ، فيسقط الوجه الأول. ولأن ظاهر دليل الغفيلة تشريع الصلاة المقيدة بالخصوصية لا تشريع الخصوصية فقط في ظرف مشروعية الصلاة ، فيسقط الوجه الأخير.

هذا وقد أرسل الصدوق في الفقيه عن النبي (ص) أنه قال :

٢٠