مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

زكاة غلاته ومال تجارته. والمتولي لإخراج الزكاة هو الولي [١] ومع غيبته يتولاه الحاكم الشرعي [٢]. ولو تعدد الولي جاز لكل منهم ذلك [٣] ، ومن سبق نفذ عمله [٤]. ولو تشاحوا في الإخراج وعدمه قدم من يريد الإخراج [٥]. ولو لم يؤد الولي إلى أن بلغ المولى عليه فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة إليه [٦].

______________________________________________________

بخلاف المقام لعدم شمول اليتيم ، ولا للجنين مناسبة عرفية تقتضي التعدي إليه.

[١] لأن الإخراج المذكور إحدى جهات ولايته. أما غيره فلا يجوز له التصرف ، لعموم حرمة التصرف في مال الغير.

[٢] لأنه ولي من لا ولي له. والغائب بمنزلة المعدوم ، لعجزه عن القيام بشؤون الطفل.

[٣] لأن كلا منهم ولي مستقل.

[٤] عملا بدليل ولايته.

[٥] لإطلاق دليل الاستحباب ، فاذا شمل حال عدم إرادة الإخراج من بعضهم كان لغيره العمل بمقتضاه.

[٦] هذا بناء على ما يظهر ـ مما دل على أن الزكاة في المال ـ من أنها من الحقوق المالية ظاهر. إذ عليه يبقى الحق المذكور إلى أن يؤدى ولو بعد البلوغ. ولا ينافي ذلك عدم وجوب الأداء ، إذ لا مانع عقلا من ملك الفقير جزءاً من المال بنحو يستحب دفعه إليه ولا يجب ، نظير ما قد يقال في جواز الرجوع في الهبة ، وجواز الرجوع في المعاطات قبل التصرف فقد قيل : إن الرجوع لا بعنوان الفسخ ، بل بعنوان تملك مال الغير. وإن كان هو ضعيفاً كما حررناه في محله.

٢١

( مسألة ٢ ) : يستحب للولي الشرعي إخراج زكاة مال التجارة للمجنون [١] ، دون غيره ، من النقدين كان أو من غيرهما [٢].

( مسألة ٣ ) : الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه [٣]

______________________________________________________

وكذا بناء على أنه من قبيل التكليف المحض لليتيم ، بأن يكون مكلفاً استحباباً بالدفع. ولا ينافيه قصوره ، إذ هو إنما ينافي توجه الخطاب إليه به لا مناط الخطاب ، فاذا كان المناط موجوداً في فعله كان مستحباً له بعد البلوغ أيضاً كما قبله. أما إذا كان الخطاب متوجهاً إلى الولي لا غير فلا استحباب له بعد بلوغ اليتيم ، لخروجه عن الولاية عليه حينئذ ، ولا يجوز له التصرف في مال غيره قطعاً ، ولا استحباب للصبي الذي قد بلغ لعدم الملاك المقتضي له.

وأقرب الوجوه الأول ، وبعده الثاني. وحديث : « رفع القلم .. » (١) لا ينفي الثاني ، لأنه مختص بنفي الإلزام. والذي ينفى الثالث : أن التقرب بالأداء ومصلحته إنما ترجع إلى اليتيم ، والولي نائب عنه ـ كما في سائر التصرفات المالية ـ كما أشرنا إلى ذلك آنفاً.

[١] بلا خلاف. للنصوص المتقدمة في اعتبار العقل (٢) وظاهرها وإن كان الوجوب ، لكنها محمولة على الاستحباب ، كما تقدم في الصبي بعينه.

[٢] كما هو مذهب كثير من المحققين. لإطلاق أدلة النفي من دون معارض. وقيل بإلحاق المجنون بالصبي في الوجوب والاستحباب ، لعدم الفرق بينهما في كثير من الأبواب. وهو ـ كما ترى ـ أشبه بالقياس.

[٣] لإطلاق الأدلة ، خلافاً لجماعة ـ منهم العلامة في التذكرة وغيرها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمة العبادات.

(٢) لاحظ الشرط الثاني من شروط وجوب الزكاة.

٢٢

في أثناء الحول ، وكذا السكران. فالاغماء والسكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه ، ولا ينافيان الوجوب [١] إذا عرضا حال التعلق في الغلات.

( مسألة ٤ ) : كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيده فيما ملكه [٢] ، على المختار من كونه مالكاً. وأما على القول بعدم ملكه فيجب عليه مع التمكن العرفي من التصرف فيه.

( مسألة ٥ ) : لو شك حين البلوغ [٣] في مجي‌ء وقت التعلق من صدق الاسم وعدمه ـ أو علم تاريخ البلوغ وشك‌

______________________________________________________

على ما حكي ـ فنفوه عنه ، إلحاقاً له بالمجنون. ووجهه غير ظاهر ، كما عن المدارك والكفاية وغيرهما. إذ مجرد عدم صلاحيته عقلا لتوجه الخطاب اليه ـ لفقد القدرة والشعور ـ غير كاف في تقييد مناطات الأحكام التكليفية ـ كالنائم ـ فضلا عن تقييد الأحكام الوضعية ، فتشمله الأحكام الوضعية كما تشمله مناطات الأحكام التكليفية.

[١] يعني : لا ينافيان ثبوت الزكاة وضعاً ، وثبوت مناط وجوب إيتائها تكليفاً ، لما سبق.

[٢] لخروجه عن ملك السيد ، وقد عرفت اعتباره في الوجوب.

[٣] إذا كان المراد الشك حين البلوغ في تحقق أوان التعلق قبل البلوغ فلا أثر لهذا الشك ، إذ على التقديرين من التحقق وعدمه لا إلزام بالزكاة وإن كان المراد الشك في تحقق أوان التعلق حين البلوغ ، فكذلك بناء على ما تقدم منه : من اعتبار سبق البلوغ. نعم بناء على ما استظهرناه : من الاكتفاء في الوجوب بالاقتران بين زمان التعلق وزمان البلوغ ، يكون للشك أثر. وحينئذ فالمرجع أصالة عدم تحقق ما به يكون التعلق ، المقتضية لعدم الوجوب.

٢٣

في سبق زمان التعلق وتأخره ففي وجوب الإخراج إشكال ، لأن أصالة [١] التأخر لا تثبت البلوغ [٢] حال التعلق ، ولكن الأحوط الإخراج [٣]. وأما إذا شك حين التعلق في البلوغ وعدمه [٤] ، أو علم زمان التعلق وشك في سبق البلوغ وتأخره‌

______________________________________________________

لكن الذي يظهر مما في المتن ـ من الإشكال في الوجوب ، ومن تعليل ذلك ـ أن المراد صورة العلم بتحقق زمان التعلق ، بأن يشك حال البلوغ في تحقق أوان التعلق قبل البلوغ وعدمه ، ثمَّ يبقى الشك المذكور إلى أن يعلم بتحقق أوان التعلق ، مردداً بين ما قبل البلوغ وما بعده ، نظير الصورة اللاحقة ، والفرق ليس إلا في حدوث الشك حال البلوغ وتأخر الشك عنه لكنه لا يناسب الصور الاتية.

[١] قد اشتهر في كلامهم التمسك بأصالة تأخر الحادث عند الشك في حدوثه متقدماً ومتأخراً بالإضافة إلى حادث آخر. ففي المقام يتمسك بأصالة تأخر أوان التعلق عن البلوغ ، فيثبت كونه في حال البلوغ ، فتجب الزكاة. لكن هذا الأصل لا دليل عليه بالخصوص. ودليل الاستصحاب وإن اقتضى وجوب البناء على عدمه إلى زمان العلم به ، لكن هذا المقدار لا يثبت كونه بعد حدوث البلوغ وفي حالة البلوغ ، إلا بناء على الأصل المثبت ، المحقق في محله بطلانه. وإذا لم يثبت ذلك لا وجه للحكم بوجوب الزكاة ، لأن موضوعها ـ وهو تحقق أوان التعلق في حال البلوغ ـ غير ثابت ، فالمرجع في نفي وجوبها : أصالة عدم الوجوب.

[٢] المناسب للعبارة السابقة أن يقال : لا تثبت التعلق حال البلوغ.

[٣] كأن الوجه فيه : الخروج عن شبهة حجية أصالة تأخر الحادث.

[٤] هذا الشك لا أثر له أيضاً ، بناء على عدم وجوب الزكاة مع اقتران البلوغ والتعلق.

٢٤

أو جهل التاريخين فالأصل عدم الوجوب [١]. وأما مع الشك في العقل ، فان كان مسبوقاً بالجنون وكان الشك في حدوث العقل قبل التعلق أو بعده فالحال كما ذكرنا في البلوغ [٢] من التفصيل. وإن كان مسبوقاً بالعقل ، فمع العلم بزمان التعلق والشك في زمان حدوث الجنون فالظاهر الوجوب [٣] ، ومع العلم بزمان حدوث الجنون والشك في سبق التعلق وتأخره فالأصل عدم الوجوب [٤] ،

______________________________________________________

[١] بل الأصل عدم البلوغ ، فإن الأصل الجاري في الموضوع مقدم على الأصل الجاري في الحكم.

هذا ولم يتعرض في المتن هنا للاحتياط كما تعرض في الفرضين السابقين لأن أصالة التأخر هنا لو جرت كان مفادها نفي الوجوب أيضاً ، لأنها هنا تثبت البلوغ متأخراً عن التعلق ، ففي حال التعلق لا بلوغ ، فينتفي الوجوب بانتفاء شرطه ، بخلاف ما سبق ، كما عرفت.

[٢] لأن العقل حينئذ يكون مسبوقاً بالعدم كالبلوغ ، فيجري فيه ما تقدم بعينه.

[٣] لأصالة بقاء العقل إلى حين التعلق ، فيثبت شرط الوجوب ، فيثبت الوجوب بثبوت شرطه.

[٤] بل الأصل عدم تحقق ما به يكون التعلق إلى زمان الجنون ، فإنه أصل موضوعي سببي ، وهو مقدم على أصالة عدم الوجوب الذي هو أصل حكمي مسببي ، كما سبق نظيره. وأما أصالة تأخر ما به التعلق عن الجنون فلو بني على صحتها كانت نافية للوجوب أيضاً ، ولذا لم يتعرض هنا أيضاً للأمر بالاحتياط.

٢٥

وكذا مع الجهل بالتاريخين [١]. كما أن مع الجهل بالحالة السابقة وأنها الجنون أو العقل كذلك [٢].

( مسألة ٦ ) : ثبوت الخيار للبائع ونحوه لا يمنع من تعلق الزكاة [٣] إذا كان في تمام الحول ، ولا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه ، بناء على المختار من عدم منع الخيار من التصرف. فلو اشترى نصاباً من الغنم أو الإبل مثلا وكان للبائع الخيار ، جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه.

______________________________________________________

وأما استصحاب العقل إلى حين أوان التعلق فلا يجري ، لأنه لا شك في ذلك بلحاظ الأزمنة التفصيلية ، وإنما الشك بلحاظ الزمان الإجمالي لا غير ومعه لا مجال للاستصحاب ، كما أشرنا إلى وجهه في مسألة ما لو علم بالحدث والطهارة وشك في المتقدم والمتأخر منهما ، في كتاب الوضوء من هذا الشرح. فراجع.

[١] يعني : يرجع إلى أصالة عدم الوجوب ، إما لعدم جريان الأصول الموضوعية ذاتاً ـ أعني : أصالة عدم الجنون إلى زمان موضوع التعلق ، وأصالة عدم موضوع التعلق إلى زمان الجنون ـ كما هو التحقيق ، كما أشرنا اليه. أو لتعارضها ، فيرجع ـ بعد التساقط ـ إلى الأصل الحكمي.

[٢] لانتفاء الأصول الموضوعية حينئذ ، فيتعين الأصل الحكمي الذي هو أصالة عدم الوجوب.

[٣] المشهور : أن الخيار المجعول في العقد لا ينافي انتقال الملك به ، فلا يتوقف حصول الملك على انقضاء زمان الخيار. وعن الشيخ : توقف الانتقال على انقضاء زمان الخيار. وعلى الأول المشهور ، فهل يجوز تصرف‌

٢٦

( مسألة ٧ ) : إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أزيد يعتبر بلوغ النصاب في حصة كل واحد [١] ، فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركاً.

( مسألة ٨ ) : لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عاماً أو خاصاً [٢]. ولا تجب‌

______________________________________________________

غير ذي الخيار في العين أو لا يجوز؟ قولان ، مبنيان على أن الخيار حق قائم بالعين أو بالعقد ، فعلى الأول لا يجوز التصرف في العين ، لأنها موضوع حق الغير ، فالتصرف فيها تصرف في الحق. وعلى الثاني يجوز لقاعدة السلطنة من غير مزاحم. وحينئذ نقول : لأجل أن المصنف يرى ما هو المشهور ، وأن الخيار حق قائم بالعقد لا غير ، أفتى بأن ابتداء الحول من حين العقد لاجتماع الشرائط حينئذ. ولازم قول الشيخ : أن ابتداء الحول حين انقضاء زمان الخيار. كما أنه أيضاً لازم القول بمنع التصرف زمان الخيار.

هذا وما اختاره المصنف في المسألتين هو الأظهر ، كما تعرضنا له في حاشية المكاسب. نعم لا يبعد أن يكون الخيار المشروط برد الثمن مجعولا ـ بحسب ارتكاز المتعاملين في العين ـ بنحو تعدد المطلوب ، فلا يجوز التصرف في العين حينه ، ولو اتفق عصياناً أو غيره أو تلفت لم يسقط الخيار ، بل يفسخ صاحبه ويرجع بالقيمة. وتحقيق ذلك موكول الى محله.

[١] بلا إشكال. ويأتي الاستدلال له في المسألة الثالثة من فصل زكاة الأنعام.

[٢] بلا خلاف ، كما عن الكفاية والحدائق. وفي الجواهر : نفي الاشكال فيه. نعم قد يظهر من محكي وقف التذكرة ـ حيث جعل وجوب الزكاة ثمرة الخلاف في كون الوقف ملكاً للواقف أو الموقوف عليهم ـ الخلاف. ولكنه غير ظاهر ، لعدم التمكن من التصرف ، فإنه مناف لصحة الوقف ،

٢٧

في نماء الوقف العام [١]. وأما في نماء الوقف الخاص فتجب على كل من بلغت حصته حد النصاب.

( مسألة ٩ ) : إذا تمكن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المحجور بالاستعانة بالغير أو البينة أو نحو ذلك ـ بسهولة فالأحوط إخراج زكاتها [٢]. وكذا لو مكنه الغاصب‌

______________________________________________________

كما هو ظاهر.

[١] بلا خلاف ظاهر ، معللين له : بأنه لا يملك إلا بعد القبض ، بخلاف الوقف الخاص. وهذا يتوقف على أن المائز بين الوقف العام والخاص أن الموقوف عليه في الأول الكلي وإن انحصر في واحد ، الذي لا يتعين في الخارج إلا بالقبض ، وفي الثاني الجزئي وإن كثر ، فيملكه الموقوف عليهم بالنماء ، كما يملك المشتركون نماء الملك المشترك بينهم ، ولو كان المائز غير ذلك لم يتم التعليل. لكن الظاهر الأول.

هذا إذا كان غرض الواقف ملك النماء ، أما لو كان الغرض المصرفية فلا زكاة في النماء ، حتى لو كان المصرف شخصاً خاصاً أو أشخاصاً لعدم الملك. نعم لو صرفه الولي بنحو التمليك كان ابتداء الحول زمان الملك.

[٢] لاختلاف النصوص في ذلك ، فالذي يظهر مما اشتمل عليه جملة منها ـ مثل كونه عنده ، أو في يده ، أو يقع في يده ـ اعتبار اليد الفعلية بلا ممانع أصلا ، ومقتضاه عدم وجوب الزكاة في الموارد المذكورة ، لانتفاء الشرط المذكور. والذي يظهر من خبر زرارة : « فإن كان يدعه متعمداً وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين » (١). ونحوه حسن سدير المشتمل على التعليل بقوله (ع) : « لأنه كان غائباً عنه وإن كان احتبسه » (٢) الاكتفاء بمطلق القدرة على الأخذ ، ولو بواسطة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١‌

٢٨

من التصرف فيه ، مع بقاء يده عليه [١] ، أو تمكن من أخذه سرقة ، بل وكذا لو أمكن تخليصه ببعضه ، مع فرض انحصار طريق التخليص بذلك أبداً. وكذا في المرهون [٢] إن أمكنه فكه بسهولة.

( مسألة ١٠ ) : إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة ولم‌

______________________________________________________

الاستعانة بالغير أو بالبينة أو غيرهما ، ومقتضاه وجوبها لحصول الشرط ، كما حكي عن الخلاف ، والنهاية ، والنافع ، والتحرير.

وعن المدارك والروضة والبيان : إنما تسقط الزكاة عن المغصوب ونحوه إذا لم يمكن تخليصه ولو ببعضه ، بل عن الروضة : اعتبار عدم إمكان الاستعانة ولو بظالم. وعن جماعة : تقييد سقوط الزكاة في المحجور بما إذا لم يكن عنده بينة ، وعن المحقق الثاني : أنه مشكل. وكأنه لقرب دعوى انصرافه إلى صورة عدم الممانع المعتد به ، فلا يشمل الفروض المذكورة ، بل هو الأقرب ، كما يشير اليه ما في خبر زرارة : « فإن كان يدعه متعمداً. » فان الظاهر منه صورة عدم وجود العذر في تركه ، ولا يشمل صورة القدرة مع العذر العرفي في ترك أخذه. ومن ذلك يظهر عدم وجوب الزكاة في الأمثلة المذكورة في غالب الأحوال.

[١] هذا الفرض لا ينبغي عده من صور الاشكال ، لعدم القدرة على العين ولو بواسطة ، والتمكن من بعض التصرفات فيها ـ كالانتفاع ونحوه ـ غير كاف في الوجوب ، كما عرفت.

[٢] الظاهر أن حق الرهانة مانع وإن أمكن رفعه بسهولة ، لأن ذلك لا يمنع من صدق كونه محبوساً عنه لأجل الحق. وذلك بخلاف الموانع الخارجية ، فإنه إذا أمكن رفعها لا يصدق عليها أنها موانع ،

٢٩

يفعل لم يجب إخراج زكاته [١]. بل وإن أراد المديون الوفاء ولم يستوف اختياراً ، مسامحة أو فراراً من الزكاة. والفرق بينه وبين ما ذكر من المغصوب ونحوه : أن الملكية حاصلة في المغصوب ونحوه ، بخلاف الدين فإنه لا يدخل في ملكه إلا بعد قبضه.

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور ، بل شهرة عظيمة ، بل عليه إجماع المتأخرين ، كما في الجواهر. ويشهد له ـ مضافاً إلى ما دل على نفي الزكاة فيما ليس في يده أو ليس عنده ـ ما دل على أنه لا زكاة في الدين ، كصحيح ابن سنان : « لا صدقة على الدين ، ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك » (١) ، ومصحح إسحاق : « قلت لأبي إبراهيم : الدين عليه زكاة قال (ع) : لا ، حتى يقبضه. قلت : فاذا قبضه أيزكيه؟ قال (ع) : لا ، حتى يحول عليه الحول في يده » (٢) ـ ونحوهما غيرهما ـ وخبر علي ابن جعفر (ع) : المروي عن قرب الاسناد وعن كتاب ابن جعفر (ع) : « عن الدين يكون على القوم المياسر إذا شاء قبضه صاحبه ، هل عليه زكاة؟ قال (ع) : لا ، حتى يقبضه ، ويحول عليه الحول » (٣).

وعن المقنعة والمبسوط والخلاف وجمل السيد وغيرها : الوجوب في الدين إذا كان صاحبه يقدر على أخذه ولم يأخذه ، لخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) : « ليس في الدين زكاة ، إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره. فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١٥ ، وملحقة.

٣٠

( مسألة ١١ ) : زكاة القرض على المقترض بعد قبضه [١]

______________________________________________________

يقبضه » (١) ، وخبر عبد العزيز عنه (ع) : « عن الرجل يكون له الدين ، أيزكيه؟ قال (ع) : كل دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته ، وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة » (٢) ، وصحيح الكناني عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل ينسئ أو يعبر فلا يزال ماله ديناً ، كيف يصنع في زكاته؟ قال (ع) : يزكيه ، ولا يزكي ما عليه من الدين ، فإنما الزكاة على صاحب المال » (٣) ، وصحيح إسماعيل بن عبد الخالق : « سألت أبا عبد الله (ع) : أعلى الدين زكاة؟ « قال (ع) : لا. إلا أن تفر به » (٤).

لكن هذه النصوص وإن كانت أخص مما سبق ، إلا أن حملها على الاستحباب أولى من ارتكاب تقييد تلك ، بحملها على الدين الذي لا يكون تأخيره باختيار مالكه ، فان ذلك يوجب انتفاء خصوصية الدين ، وهو خلاف ظاهر تلك النصوص. مع أن رواية ابن جعفر (ع) معارضة لها وهي صريحة في نفي الوجوب ، فتكون قرينة على الحمل على الاستحباب وحينئذ يكون سبيلها سبيل رواية عبد الحميد المتضمنة لثبوت الزكاة على الدين المؤجل إلى ثلاث سنين (٥) إذ الظاهر أنه لا عامل بمضمونها ، بل صحيح الكناني في مورده النسيئة ، وهي ظاهرة في ذلك.

[١] بلا خلاف ، كما عن الخلاف ، والسرائر ، وغيرهما ، بل عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١٣.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٨.

٣١

لا المقرض ، فلو اقترض نصاباً من أحد الأعيان الزكوية وبقي عنده سنة وجب عليه الزكاة. نعم يصح أن يؤدي [١] المقرض عنه تبرعاً ، بل يصح تبرع الأجنبي أيضاً. والأحوط‌

______________________________________________________

التنقيح : نسبته إلى الأصحاب. وتشهد له النصوص المستفيضة ، كمصحح زرارة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل دفع إلى رجل مالا قرضاً ، على من زكاته ، على المقرض أو على المقترض؟ قال (ع) : لا ، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا عن المقترض » (١) وصحيح يعقوب ابن شعيب : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاث أو ما شاء الله ، على من الزكاة ، على المقرض أو على المستقرض؟ فقال (ع) : على المستقرض ، لأن له نفعه وعليه زكاته » (٢) ونحوهما غيرهما.

[١] كما عن غير واحد. ويشير اليه صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل استقرض مالا ، فحال عليه الحول وهو عنده ، قال (ع) : إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه وإن كان لا يؤدي أدى المستقرض » (٣) وربما علل : بأنها دين كسائر الديون التي يجوز التبرع في وفائها.

وفيه : أن إيتائها عبادة ، والنيابة فيها عن الحي ممنوعة. اللهم إلا أن يكون مقتضى القواعد الأولية جواز النيابة عن الحي ، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث القضاء عن الأموات. والإجماع على عدم الجواز غير شامل للمقام بل الإجماع والنصوص متفقان على جواز التوكيل في أدائها الذي هو نوع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

٣٢

الاستئذان من المقترض [١] في التبرع عنه ، وإن كان الأقوى عدم اعتباره. ولو شرط في عقد القرض أن يكون زكاته على المقرض ، فان قصد أن يكون خطاب الزكاة متوجهاً إليه لم يصح [٢] ، وإن كان المقصود أن يؤدي عنه صح [٣].

______________________________________________________

من الاستنابة فيه. ومن ذلك تعرف أنه يصح تبرع الأجنبي بها.

[١] فعن الدروس والبيان : اعتبار الاذن من المقترض. ووجهه غير ظاهر. إلا ما أشرنا إليه : من أنها عبادة تجب على المقترض ، فلا بد من فعله لها ولو بالتسبيب. وفيه ـ مع أنه خلاف إطلاق الرواية ـ : أن مجرد الاذن غير كاف في صحة النسبة وإلا لكفى في سائر موارد النيابة عن الحي ، مع أن المدار فيها قصد النائب النيابة لا غير.

[٢] لكون الشرط مخالفاً للكتاب والسنة ، أعني : إطلاق ما دل على أن الزكاة على المالك في ماله ، والشرط المخالف للكتاب والسنة باطل اتفاقاً نصاً وفتوى.

[٣] كما عن جماعة كثيرة ، منهم الشيخ في قرض النهاية وزكاة المبسوط ، والعلامة في قرض المختلف ، والشهيد الثاني في المسالك. لعموم أدلة نفوذ الشرط. وتوهم : أنه مخالف للكتاب والسنة ، لأن أدلة وجوب الزكاة إنما دلت على ثبوتها على المالك ، في ماله الخاص الزكوي ، فاشتراط ثبوتها على غير المالك ، أو في غير المال الزكوي مخالفة لتلك الأدلة. أو لأنها عبادة ، ولا تجوز النيابة فيها عن الحي. مندفع : بأن الشرط المذكور لا ينافي تلك الأدلة بوجه ، بل مبني على العمل بها ، فان مرجع الشرط إلى أن الزكاة التي ثبتت علي في مالي ولزمني أداؤها أدها عني ، وقد عرفت : اتفاق النص والفتوى على جواز النيابة فيها.

وقد يشهد لما ذكرنا : صحيح ابن سنان قال : « سمعت أبا عبد الله (ع)

٣٣

______________________________________________________

يقول : باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضاً بكذا وكذا ألف دينار ، واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين » (١) وصحيح الحلبي عنه (ع) « باع أبي أرضاً من سليمان بن عبد الملك بمال ، واشترط عليه في بيعه : أن يزكي هذا المال من عنده لست سنين » (٢). اللهم إلا أن يحتمل : أن يكون المراد من الصحيحين زكاة السنين السابقة على البيع ، لكون المال المجعول ثمناً مما فيه زكاة.

ومثله في الاشكال : توهم أن عقد القرض جائز ، فالشرط فيه لا يجب الوفاء به. إذ فيه أولا : أن عقد القرض ليس جائزاً ، بل هو لازم لعمومات اللزوم. وما دل على جواز مطالبة المقرض للمقترض دائما لا ينافي ذلك ، وإنما الذي ينافيه جواز الرجوع بالعين المقترضة ، وهو غير ثابت ، بل هو خلاف عموم اللزوم. ولو سلم جوازه فلا ينافي صحة الشرط فيه ووجوب العمل به ، كما هو محقق في محله ، وقد أشار المصنف إلى وجهه في كتاب المضاربة. نعم لو فسخ العقد الجائز رجع الشرط إلى كونه شرطاً ابتدائياً لا يجب الوفاء به ، بناء على عدم نفوذ الشرط الابتدائي حدوثاً وبقاء. فلا حظ.

نعم قد يشكل ذلك : بأن التفكيك بين العقد والشرط في الجواز واللزوم بعيد. كما يمكن الإشكال في الشرط المذكور بكونه موجباً للربا ، لقولهم (ع) : « جاء الربا من قبل الشروط .. » (٣) ، فهو من قبيل شرط الزيادة. وفيه : أن الشرط في عقد القرض إنما يوجب الربا إذا كان على المقترض لا على المقرض. فراجع.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الصرف حديث : ١.

٣٤

( مسألة ١٢ ) : إذا نذر التصدق بالعين الزكوية ، فإن كان مطلقاً غير موقت ولا معلقاً على شرط لم تجب الزكاة فيها [١] ،

______________________________________________________

[١] كما عن جماعة كثيرة ، لأن التصرف فيه مناف للنذر ، فيكون مخالفة لما دل على وجوب الوفاء به ، وقد عرفت : أن المنع عن التصرف شرعاً كالمنع عنه عقلا في مانعيته عن وجوب الزكاة.

نعم يقع الكلام في وجه المنع من التصرف ، وهل هو ثبوت حق لله سبحانه؟ أو حق للفقراء الذين نذر التصدق عليهم؟ أو لا هذا ولا ذلك ولكن ثبوت التكليف بالعمل على طبق النذر ، والوفاء به يستتبع وجوب حفظ المال ، فالتصرف فيه مناف للحفظ الواجب ، فيكون غير مقدور عليه شرعاً؟ التحقيق هو الأول ، لما تحقق في محله : من أن معنى الخبر والإنشاء واحد ، والاختلاف بينهما بقصد الحكاية في الخبر وقصد الإيجاد في الإنشاء. ولأجل أنه لا ريب في أن قول المخبر : « لزيد عليّ أن أخيط ثوبه » معناه الاخبار عن ملكية زيد على المخبر أن يخيط ثوبه ، وبذلك يكون إقراراً واعترافاً على نفسه ، فليكن معناه إنشاء كذلك ، أعني : إنشاء ملكية أن يخيط ثوبه ، ومقتضى ذلك أن يكون معنى قول الناذر : « لله عليّ أن أتصدق بمالي علي الفقراء » إنشاء الملكية لله سبحانه ، إذ لا نعني بكون الشي‌ء موضوع حق إلا كونه موضوع فعل مملوك لذي الحق.

وأما دعوى ثبوت حق للفقراء في العين فشي‌ء لا مأخذ له واضح. ومجرد وجوب الصدقة عليهم لا يستتبع حقاً لهم ولا يتفرع عليه. وقياس المقام بباب الواجبات المالية ـ مثل وجوب إيتاء الزكاة لأهلها ، ووجوب إيصال الخمس لمستحقه ، ووجوب الكفارة عند أسبابها ـ حيث دل الخطاب بالالتزام على ثبوت ملكية الفقراء أو السادات للأمور المذكورة في غير محله ،

٣٥

______________________________________________________

إذ استفادة ذلك لم يكن من محض الخطاب بالدفع ، وإنما كان من قرائن متصلة أو منفصلة. وكيف تصح دعوى ثبوت حق للفقراء في المال إذا نذر التصدق به عليهم مع أن ذلك أمر لم يجعله الناذر على نفسه ، ودليل الوجوب ليس إلا وجوب الوفاء بالنذر ، وهو لا يقتضي أكثر مما يقتضيه النذر؟ بل ذلك مخالفة للنذر ، لأن المنذور هو التصدق بمعنى التمليك على وجه القربة ، وهو إنما جعل بالنذر لله سبحانه ولم يجعل للفقراء ، فلو استحق الفقراء هذا التمليك بنفس النذر لزم وقوع ما لم ينذر. وبالجملة : فالقول الثاني ضعيف.

وأما القول الثالث فهو مبني على كون الظرف لغواً واللام لام التعدية لا لام الملك ويكون الظرف مستقراً ، ومعنى قول الناذر : « لله علي أن أتصدق » : « التزمت لله تعالى علي » فاللام متعلقة بـ ( التزمت ) المستفاد من الإنشاء ، فليس مفاد النذر إلا الالتزام بفعل المنذور ، ووجوب الوفاء بالنذر يقتضي وجوبه لا غير. لكن المبنى المذكور خلاف ظاهر الكلام جداً كما عرفت.

ثمَّ إنه بناء على ثبوت حق لله سبحانه أو الفقراء ، فالحق المذكور يقتضي المنع من التصرف في موضوعه ، لأن قاعدة السلطنة على الحقوق ـ التي هي كقاعدة السلطنة على الأموال ـ توجب قصور سلطنة غير السلطان عن كل تصرف مناف لذلك الحق ، ومن المعلوم أن التصرف بالعين مناف له فيمتنع. وبناء على عدمه فالتكليف بالوفاء بالنذر لما كان مستتبعاً للتكليف بحفظ المال مقدمة للتصدق ، فكل ما ينافي حفظه يكون ممنوعاً عنه ، لئلا يلزم مخالفة التكليف النفسي بالتصدق ، كما عرفت. نعم يفترق الأخير عن الأولين : بأن التصرف الاعتباري ـ بالبيع أو الهبة أو نحوهما ـ على الأخير يكون صحيحاً وإن كان محرماً ، لعدم اقتضاء تحريمه الفساد ، نظير البيع‌

٣٦

______________________________________________________

وقت النداء. وعلى الأولين يكون فاسداً ، لقصور سلطنة المالك على ماله الذي هو موضوع حق الغير.

ثمَّ إن هذا كله فيما لو نذر التصدق ، بمعنى الفعل. أما لو نذر كونه صدقة المسمى بنذر النتيجة ، فعن المدارك : أنه قطع الأصحاب بأن هذا أولى من الأول ، يعني : في المنع عن وجوب الزكاة. وكأنه لصيرورته صدقة بنفس النذر ، وخروجه عن ملك الناذر بمجرد النذر ، وظاهره المفروغية عن صحته. وكأنه إما لبنائهم على صحة نذر النتيجة كلية ، أو في خصوص نذر الصدقة ، فعن بعض : دعوى الإجماع على الخروج عن الملكية إذا نذر كون الحيوان هدياً ، وعن بعضهم ذلك إذا نذر كونه أضحية.

هذا ولا يخفى أنه بناء على التحقيق من أن مفاد النذر جعل حق الله سبحانه ـ بمعنى : أن المنذور يكون ملكاً له تعالى على الناذر ـ لا مجال للقول بصحة نذر النتيجة. وتوضيح ذلك : أن نتائج الأفعال ، تارة تكون ملحوظة في ذمة معينة ، وأخرى لا تكون كذلك ، بل ملحوظة في نفسها من دون إضافة إلى ذمة ، فإن كانت ملحوظة على النحو الأول صح أن تكون مملوكة لمالك ، كما في إجارة الأجير على كون الثوب مصبوغاً أو مخيطاً أو نحو ذلك من الصفات التي هي من نتائج الأعمال. فاذا نذرها الناذر وجعلها لله سبحانه كان مقتضى النذر اشتغال ذمة الناذر بها لله سبحانه فيجب عليه تحصيلها بأسبابها ، كما في الإجارة على الصفة. وحينئذ لا يكون مفاد النذر حصول النتيجة ، بل لا بد من تحصيلها بإنشاء آخر غير النذر ، فيرجع نذر النتيجة ـ من هذه الجهة ـ إلى نذر الفعل ، وليس ذلك محل الكلام في نذر النتيجة.

وإن كانت ملحوظة على النحو الثاني امتنع أن تكون مضافة إلى مالك كما هو الحال في الأعيان التي لا تكون خارجية ، ولا مضافة إلى ذمة أصلا.

٣٧

______________________________________________________

فلا يصح أن تقول : « بعتك فرساً » إذا لم تكن خارجية ، ولا مضافة إلى ذمة معينة ، سواء أكانت ذمة البائع أم غيره ، كما هو موضح في محله فاذا امتنع ذلك في الأعيان فأولى أن يمتنع في مثل هذه الاعتباريات ، مثل كون العبد حراً ، وكون المال صدقة ، وكون الزوجة مطلقة ، ونحوها ، فلا يصح قصد كونها لله سبحانه ، فيمتنع نذرها على النحو المذكور. مضافاً إلى أن معنى الجملة النذرية تمليك الله سبحانه كون العين صدقة ، فالصيغة معناها جعل التمليك ، وأما جعل المملوك ـ وهو وصف الصدقة ـ فلا تعرض فيها لجعله ، فيحتاج إلى جعل مستقل. والجملة الواحدة لا تصلح لجعل المنسوب وجعل النسبة ، إذ الأول مفاد ( كان التامة ) والثاني مفاد ( كان الناقصة ) ولا يجتمعان في جملة واحدة. وعليه فلو نذر كون المال صدقة ، أو الشاة أضحية ، تعين أن يكون المراد جعلها في ذمته لله سبحانه ، فيجب عليه تحصيلها بجعل مستقل غير النذر.

هذا كله بناء على أن مفاد النذر جعل المنذور لله سبحانه ، وأما بناء على أن اللام متعلق بـ ( التزمت ) والمجعول بالنذر الالتزام بالأمر المنذور فأدلة نفوذ النذر دالة على نفوذ الالتزام المذكور ، فان كان المنذور نتيجة كان مقتضى أدلة نفوذه ثبوت تلك النتيجة ، وإن كان فعلا كان مقتضاها ثبوت الفعل عليه.

فحينئذ نقول : إن كان المنذور من الأمور العقدية المتقومة بطرفين لم يترتب الأثر على النذر ، إلا مع رضا الطرف الآخر ، ويكون النذر بمنزلة الإيجاب ، فإذا انضم إليه القبول صح ولزم ، ولو رد الطرف الآخر بطل. وعموم وجوب الوفاء بالنذر لا يكفي في إثبات صحته ، لأنه لا يصلح لإحراز قابلية المحل ، فلو لم تحرز القابلية من الخارج لم يمكن تطبيقه. وإن كان من الإيقاعات صح. إلا أن يقوم دليل على اعتبار صيغة خاصة‌

٣٨

وإن لم تخرج عن ملكه بذلك ، لعدم التمكن من التصرف فيها ، سواء تعلق بتمام النصاب أو بعضه [١]. نعم لو كان النذر بعد تعلق الزكاة وجب إخراجها أو لا ثمَّ الوفاء بالنذر [٢] وإن كان موقتاً بما قبل الحول ووفى بالنذر فكذلك لا تجب الزكاة إذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب ، وكذا إذا لم يف‌

______________________________________________________

في إنشائه كما في العتق ، حيث لا يصح إنشاؤه إلا بمثل : « أنت حر ». وفي قوله : « أعتقتك » خلاف ، ولا يجوز بغيرهما إجماعاً. وكذا لو قام دليل على اعتبار إنشائه بنفسه بحيث لا يكفي إنشاء الالتزام به في إنشائه ، وفي غير ذلك لا مانع من العمل بأدلة النفوذ لإثبات المنذور وترتبه. اللهم إلا أن يعتبر فيه شرائط خاصة غير الصيغة ، مثل الطلاق الذي يعتبر فيه شهادة العدلين وطهارة المطلقة وغير ذلك ، فيصح في ظرف اجتماع الشرائط لا غير.

[١] بلا خلاف نظفر به ، ولا تردد من أحد ، كما عن شرح الروضة لعدم الفرق في مانعية عدم القدرة على التصرف بين تمام النصاب وبعضه. مضافاً إلى ما قيل : من أنه في صورة تعلقه بالكل يستحيل التكليف بالزكاة إذ لا يجتمع في مال واحد حقان يحيط أحدهما بالآخر.

[٢] أما وجوب الزكاة فلا شبهة فيه ، لإطلاق دليلها بلا معارض. وأما الوفاة بالنذر فكذلك لو كان متعلقه المقدار الزائد على الزكاة لعين ما ذكر. ولو كان متعلقه تمام المال ، فان كان مفاد النذر التصدق بعد الفك صح النذر لرجحان المنذور ، ووجب فكه بأداء الزكاة من مال آخر ، وإن كان مفاده التصدق به على حاله بطل بالإضافة إلى مقدار الزكاة لعدم رجحان المنذور ، بل لعدم القدرة عليه ، لعدم السلطنة على التصرف بتمام النصاب من دون دفع الزكاة. أما بالإضافة إلى المقدار الزائد عليه فصحته وبطلانه مبنيان على كونه بنحو تعدد المطلوب ووحدته ، فعلى‌

٣٩

به وقلنا بوجوب القضاء ـ بل مطلقاً ـ لانقطاع [١] الحول بالعصيان. نعم إذا مضى عليه الحول من حين العصيان وجبت [٢] على القول بعدم وجوب القضاء. وكذا إن كان موقتاً بما بعد الحول ، فان تعلق النذر به مانع [٣] عن التصرف فيه.

______________________________________________________

الأول يصح ، وعلى الثاني يبطل.

وتوهم وجوب العمل بالنذر بالإضافة إلى الباقي ، لأن مالا يدرك كله لا يترك كله. مدفوع بتوقفه على الصحة ـ ولو اقتضاء ـ في الجميع على كل حال ، وهي منتفية لما عرفت من تعلقه بحق الغير المانع من انعقاده.

[١] قال شيخنا الأعظم (ره) في زكاته : « فان كان الوقت قبل تمام الحول فلا إشكال في سقوط الزكاة ـ سواء وفى بالنذر في وقته أم لم يف ، وسواء قلنا بوجوب القضاء مع فوات الوقت أم لا ـ لرجوع الموقت بعد حضور وقته إلى المطلق ، وقد عرفت الحال. وفي شرح الروضة : إنه لا شبهة في وجوب الزكاة هنا لو لم يف بالنذر في وقته ولم نوجب القضاء. وفيه : أن مجرد التكليف بالتصدق يوجب انقطاع الحول من غير توقف على الوفاء. إلا أن الظاهر ابتناء ما ذكره على أن عدم التمكن من التصرف إنما يقدح لو منع من التكليف بإخراج الزكاة ، لا مطلقاً .. ».

أقول : المبنى المذكور قد عرفت فساده ، للإجماع والنصوص على اعتبار القدرة على التصرف في تمام الحول ، لا في خصوص زمان الأداء. ومن ذلك تعرف ما في ظاهر المتن : من أن انقطاع الحول كان بالعصيان ، فان الانقطاع إنما كان بالتكليف بالوفاء بالنذر لا بعصيانه. وكأنه يريد انقطاع الحول إلى زمان العصيان.

[٢] لاجتماع شرائط الوجوب.

[٣] لا فرق في المنع بين القول بثبوت حق لله تعالى والقول بمجرد‌

٤٠