مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

( مسألة ١٩ ) : إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أن دينه في معصية ارتجع منه. إلا إذا كان فقيراً [١] ، فإنه يجوز احتسابه عليه من سهم الفقراء. وكذا إذا تبين أنه غير مديون. وكذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين.

( مسألة ٢٠ ) : لو ادعى أنه مديون ، فإن أقام بينة قبل قوله ، وإلا فالأحوط عدم تصديقه [٢] وإن صدقه الغريم. فضلا عما لو كذبه ، أو لم يصدقه.

( مسألة ٢١ ) : إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمَّ صرفه في غيره ارتجع منه [٣].

( مسألة ٢٢ ) : المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة [٤] لا القصد من حين الاستدانة. فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يعط من هذا السهم ، وفي العكس بالعكس.

( مسألة ٢٣ ) : إذا لم يكن الغارم متمكناً من الأداء حالا وتمكن بعد حين ، كأن يكون له غلة لم يبلغ أوانها ، أو دين مؤجل يحل أجله بعد مدة ، ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال. وإن كان الأقوى عدم الجواز [٥] ،

______________________________________________________

[١] يظهر الكلام فيه مما سبق في المسألة الرابعة عشرة.

[٢] لما سبق في العبد المكاتب.

[٣] لما سبق في المكاتب. وعن الشيخ في المبسوط والجمل : العدم وقد أشرنا إلى وجهه وضعفه في المكاتب.

[٤] كما يقتضيه ظاهر النص والفتوى.

[٥] كأنه : لصدق التمكن وعدم العجز عن الأداء ، كما يشير اليه‌

٢٦١

مع عدم المطالبة من المدائن ، أو إمكان الاستقراض والوفاء من محل آخر ثمَّ قضائه بعد التمكن.

( مسألة ٢٤ ) : لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة [١] ، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء الدين [٢] ويأخذها مقاصة ، وإن لم يقبضها‌

______________________________________________________

ما في خبر محمد بن سليمان المتقدم ، من قول السائل : « وليس له غلة .. » (١). لكن لما كان الدين حالا فقد احتاج إلى وفائه وعجز عنه. ولأجل ذلك لم يبعد القول بالجواز ، كما مال إليه غير واحد. أخذاً بإطلاق الآية ، وبعض النصوص. ولو بني على المنع لم يفرق بين صورتي المطالبة وعدمها كما أشرنا إليه في المسألة السابعة عشرة. كما أنه لا يفرق بين إمكان الاستقراض وعدمه ، إذ الاستقراض ليس منصرف إمكان الأداء ، كما لا يخفى. نعم إذا كانت مدة الانتظار قريبة ، بحيث يسهل عرفاً انتظارها ، لا يجوز الدفع من الزكاة ، لصدق التمكن حينئذ عرفاً بذلك. كما أنها لو كانت بعيدة جداً فلا ينبغي التأمل في جواز الدفع. فلاحظ.

[١] ففي صحيح ابن الحجاج : « سألت أبا الحسن الأول (ع) عن دين لي على قوم ، قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه ، وهم مستوجبون للزكاة ، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال (ع) : نعم » (٢). ونحوه غيره.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، بل عن ظاهر جماعة : الإجماع عليه. ويشهد له موثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير ، يريد أن يعطيه من الزكاة. فقال (ع) : إن كان‌

__________________

(١) لاحظ المسألة : ١٨ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢٦٢

المديون ، ولم يوكل في قبضها. ولا يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه ، أو بجعلها وفاء وأخذها مقاصة.

( مسألة ٢٥ ) : لو كان الدين لغير من عليه الزكاة ،

______________________________________________________

الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين من عرض ـ من دار ، أو متاع من متاع البيت ـ أو يعالج عملا يتقلب فيها بوجهه ، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه ، فلا بأس أن يقاصه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها. فان لم يكن عند الفقير وفاء ، ولا يرجو أن يأخذ منه شيئاً ، فيعطيه من زكاته ، ولا يقاصد بشي‌ء من الزكاة » (١). والظاهر من المقاصة في الخبر أن يحتسب ما عنده من الزكاة للمديون فيكون له ، ثمَّ يأخذه وفاء عما عليه من الدين ، كما عن الشهيدين وغيرهما تفسيرها به.

وعن المدارك : أنه توقف في صحته ، لعدم قبول المديون وعدم قبضه ، وعدم ولاية للدائن عليه.

وفيه : أنه لا مجال لذلك بعد ورود النص المعتبر به ، واتفاق الأصحاب ظاهراً عليه ، وإن كان على خلاف القواعد الأولية. وعبارة المتن لا تخلو من تسامح ، لأن قوله : « أن يحتسب .. » ظاهر في أن يقضي عن المديون بما عنده من الزكاة ، فيجعله وفاء عما في ذمته. كما لو كان مديوناً لغير المالك ، فأراد المالك سفع الزكاة إلى الدائن وفاء عنه. وحينئذ لا مجال للمقاصد بالمعنى المتقدم ، لحصول الوفاء والتملك. وكأن المراد بالمقاصة مجرد الاستيفاء بالزكاة ، إشارة إلى أنه فيه نوع من المقاصة ، باعتبار أن الزكاة للفقراء ـ ومنهم المديون ـ فكان الاستيفاء مقاصة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

٢٦٣

يجوز له وفاؤه عنه [١] بما عنده منها ، ولو بدون اطلاع الغارم.

( مسألة ٢٦ ) : لو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة ، جاز له إعطاؤه لوفاء دينه [٢] ، أو الوفاء عنه وإن لم يجز إعطاؤه لنفقته [٣].

( مسألة ٢٧ ) : إذا كان ديان الغارم مديوناً لمن عليه الزكاة ، جاز له إحالته [٤] على الغارم ثمَّ يحسب عليه ، بل‌

______________________________________________________

[١] كما استفاضت بذلك النصوص ، الوارد بعضها في الحي ، كمرسل القمي (١) ، وخبر محمد بن سليمان (٢) ، وأكثرها في الميت. ولا يجب إعلامه. لإطلاق النص.

[٢] بلا خلاف ظاهر. ويشهد له مصحح إسحاق بن عمار : « عن رجل على أبيه دين ، ولأبيه مئونة ، أيعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال (ع) : نعم ، ومن أحق من أبيه » (٣).

[٣] كما هو المستفاد من نصوص المنع الآتية. بل لو كان له عليه دين جاز الاحتساب والمقاصة ، كما جاز أن يقضي عنه بنفسه من دون دفعه إليه بلا إشكال ظاهر. بل قد يستظهر الاتفاق عليه من جماعة ، إذ يمكن استفادته من المصحح المذكور. فتأمل.

[٤] الضمير الأول للأول ، والثاني للثاني. وهذا الحكم تقتضيه إطلاقات مشروعية الحولة. وحينئذ يجوز احتساب الدين عليه ، كما يستفاد من النصوص المتقدمة في المسألة الرابعة والعشرين.

__________________

(١) لاحظ المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

(٢) تقدم ذلك في المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المستحقين الزكاة حديث : ٢.

٢٦٤

يجوز له أن يحسب [١] ما على الديان وفاء عما في ذمة الغارم. وإن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد الإحالة.

( مسألة ٢٨ ) : لو كان الدين للضمان عن الغير تبرعاً ، لمصلحة مقتضية لذلك [٢] ، مع عدم تمكنه من الأداء ، وإن كان قادراً على قوت سنته ، يجوز الإعطاء من هذا السهم ، وإن كان المضمون عنه غنياً [٣].

( مسألة ٢٩ ) : لو استدان لإصلاح ذات البين ، كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله ، وكاد أن تقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل ، فان لم يتمكن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم. وكذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامة. وأما لو تمكن من الأداء فمشكل [٤]. نعم لا يبعد جواز‌

______________________________________________________

[١] كما في محكي كشف الغطاء ، وتبعه في الجواهر. إلحاقاً للاحتساب بالأداء ، فكما يجوز الأداء للدائن وفاء عما في ذمة الغارم ، يجوز احتساب ما في ذمته كذلك. لما يستفاد من النصوص ، من أن الاحتساب بمنزلة الإعطاء حتى في مثل الفرض. ولأجل عدم وضوح ذلك كان الأحوط أن يكون بعد الحوالة.

[٢] يكفي أن لا يكون الضمان مقدمة للمعصية ، كما سبق : من عدم اعتبار كون الدين في طاعة.

[٣] كما نص على ذلك غير واحد. لإطلاق الأدلة.

[٤] لما سبق : من ظهور الاتفاق على اعتبار الفقر في جواز الإعطاء من سهم الغارمين ، وان كان المحكي عن الشيخ ومن تأخر عنه : جواز الإعطاء مع الفقر والغنى. لإطلاق الآية (١). وللخبر :

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

٢٦٥

الإعطاء من سهم سبيل الله ، وإن كان لا يخلو عن إشكال [١] أيضاً ، إلا إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك.

السابع : سبيل الله ، وهو جميع سبل الخير [٢] ، كبناء‌

______________________________________________________

« لا تحل الصدقة لغني إلا لخمس. غاز في سبيل الله ، أو عامل عليها ، أو غارم .. » (١). لكن الخبر غير موجود في أصولنا ، كما في الجواهر ومخالف للإجماع ، الذي به يقيد إطلاق الأدلة ، كما سبق. اللهم إلا أن يمنع الإجماع هنا بتحقق الخلاف. وحينئذ فلا مجال للإشكال في الجواز ، كما في المتن ، تبعاً لنهاية الأحكام وغيرها.

هذا والذي يظهر بالتأمل في كلام الشيخ وأتباعه : أن بقاءهم على الجواز من باب سهم سبيل الله ، وإن كان المذكور في عباراتهم الغارم. فراجع.

[١] لتوقفه على كون المراد من سبيل الله كل قربة ، ولو مع التمكن من فعلها. وسيأتي المنع من ذلك. إلا إذا كان إقدامه على الفعل مشروطاً ببذل الزكاة له. وكأنه لذا قيده في المتن بقوله : « إلا إذا كان .. ». إلا أن يقال : إن الجواز حينئذ لا يقتضي الجواز هنا ، لأن الدفع يكون قبل الفعل ، فالصرف يكون في سبيل الفعل القربي. وليس هنا كذلك ، إذ الدفع بعد الفعل ، فلا يكون في سبيل الفعل القربي. نعم لو كان الفاعل ممن له الولاية جاز له الاستدانة بحسب ولايته على هذا السهم ، كما نص على ذلك في الجواهر. وحينئذ يكون المال المستدان من سهم سبيل الله مصروفا في سبيل الله ، لا أن وفاءه من السهم المذكور ، كما يظهر بالتأمل.

[٢] كما عن الأكثر ، بل المشهور ، بل عن الخلاف والغنية : الإجماع عليه. ويقتضيه ـ مضافاً إلى إطلاق الآية الكريمة ـ مرسلة القمي : « وَفِي

__________________

(١) كنز العمال ج ٣ صفحة ٢٨٥ حديث : ٤٦٩٩. وقريب منه ما في المستدرك باب : ٢٧ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

٢٦٦

______________________________________________________

سَبِيلِ اللهِ : قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما ينفقون. أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به ، وفي جميع سبل الخير. فعلى الامام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج والجهاد .. » (١).

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الفقيه والمقنعة والنهاية والإشارة والمراسم : من أن المراد به الجهاد لا غير ، إما للانصراف اليه. أو لخبر يونس بن يعقوب ، فيمن أوصى عند موته أن يعطى شي‌ء في سبيل الله ، وكان لا يعرف : هذا الأمر ، فقال أبو عبد الله (ع) : « لو أن رجلا أوصى إلي بوصية أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما. إن الله عز وجل يقول : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَه ... ) ، فانظر إلى من يخرج إلى هذا الوجه ـ يعني : الثغور ـ فابعثوا به إليه » (٢).

وفيه : أنه لا ملازمة بين حمله على خصوص الجهاد في كلام الموصي الذي لا يعرف هذا الأمر وبين حمله في المقام عليه. مضافاً إلى معارضته بما دل على لزوم صرف الوصية في سبيل الله في مطلق الشيعة (٣) أو في مطلق سبل الخير ، وأن أفضلها الحج (٤).

وهل تعتبر الحاجة إلى الزكاة في مصرف هذا السهم؟ كما في المدارك وغيرها ، ويشهد له المرسل المتقدم ـ أو لا تعتبر؟ لضعف المرسل. وعدم العمل به في الجهاد ، للاتفاق المحكي على عدم اعتبار الفقر فيه ، فلا يصلح لتقييد الآية الشريفة. وهل يعتبر الفقر ـ كما عن المسالك وغيرها ـ لقوله (ص) : « لا تحل الصدقة لغني » (٥) ، أو لا يعتبر ـ كما عن كشف الغطاء ، واختاره‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الوصايا حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الوصايا حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب الوصايا حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ١٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

٢٦٧

القناطر والمدارس والخانات والمساجد وتعميرها ، وتخليص المؤمنين من يد الظالمين ونحو ذلك من المصالح ، كإصلاح ذات البين ، ورفع وقوع الشرور والفتن بين المسلمين. وكذا إعانة الحجاج والزائرين ، وإكرام العلماء والمشتغلين ، مع عدم تمكنهم من الحج والزيارة والاشتغال ونحوها من أموالهم. بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كل قربة ، مع عدم تمكن المدفوع اليه من فعلها بغير الزكاة ، بل مع تمكنه أيضاً. لكن مع عدم إقدامه إلا بهذا الوجه.

الثامن : ابن السبيل ، وهو المسافر [١] ، الذي نفذت‌

______________________________________________________

في الجواهر ـ لقرب احتمال أن يكون المراد به أنها لا تحل له على نحو التمليك ، بحيث يكون بنفسه مصرفاً لها ، لا أنها لا تحل له ولو كان المصرف سبيل الله تعالى؟ ولذا لا يظن الإشكال في جواز انتفاع الغني بالقناطر والخانات والعمارات المعدة للزوار والحجاج إذا صنعت من سهم سبيل الله تعالى.

وبالجملة : تارة يكون المصرف نفس الشخص من حيث هو ، وأخرى نفس العمل المحبوب لله تعالى ، مثل الحج ، والزيارة ، والدعاء ، وغير ذلك. فان كان نفس الشخص لم تحل للغني ، وإن كان نفس الجهة حلت له كما حلت للفقير. نعم قد يدعى انصرافه عن صرفها في شؤون الأغنياء. لكنه بدوي ، ناشئ من ملاحظة أهمية غير ذلك منها ، فلا مانع من صدق السبيل عليها. فتأمل جيداً.

[١] في مرسل القمي : « وابن السبيل : أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله ، فينقطع عليهم ( بهم خ ل ) ، ويذهب مالهم فعلى الامام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات » (١). والظاهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٧.

٢٦٨

نفقته ، أو تلفت راحلته [١] ، بحيث لا يقدر معه على الذهاب وإن كان غنياً في وطنه. بشرط عدم تمكنه من الاستدانة ، أو بيع ما يملكه ، أو نحو ذلك [٢]. وبشرط أن لا يكون سفره في معصية [٣].

______________________________________________________

إرادة السفر العرفي ، لا ما يوجب التقصير. فلا يقدح عدم قصد المسافة ، ولا إقامة العشرة ، ولا التردد ثلاثين يوماً ، ولا غير ذلك مما يمنع من وجوب التقصير ولا يمنع من صدق السفر عرفاً. فما قيل ـ أو يقال ـ من عدم جواز الإعطاء حينئذ غير ظاهر. وليس في الأدلة ما يقتضي الحكومة على مثل إطلاقات المقام بنحو يتعين حمله على ما يوجب التقصير لا غير.

[١] بلا خلاف ولا إشكال.

[٢] كما هو المشهور. وربما نسب إلى المعتبر عدم اشتراط ذلك. وتأمل فيه في الجواهر ، لتفسير ابن السبيل بالمنقطع به ، وصدقه مع التمكن من ذلك غير ظاهر.

قلت : يظهر منه ـ في مبحث سبيل الله ـ المفروغية عن جواز إعطاء ابن السبيل ، مع قدرته على الاستدانة في سفره ، كما يقتضيه إطلاق الآية. نعم ظاهر التعبير بالانقطاع في المرسل اعتبار ذلك ، لأن الانقطاع كناية عن عدم التمكن من السير ، وإطلاقه يقتضي عدم التمكن من الاستدانة ، كما يقتضي عدم التمكن من التصرف في ماله الغائب. فإن تمَّ انجباره بالعمل تعين تقييد الآية به ، وإلا كان إطلاقها محكماً. اللهم إلا أن يقيد بما دل على أنه لا تحل الصدقة لغني. لكن الظاهر عدم شموله لابن السبيل ، لكونه غنياً شرعاً على كل حال. فتأمل.

[٣] بلا خلاف ، كما في كلام غير واحد. وهو العمدة فيه. أما المرسل المتقدم فظاهره اعتبار كونه طاعة ، وحكي ذلك عن الإسكافي.

٢٦٩

فيدفع اليه قدر الكفاية اللائقة [١] بحاله ، من الملبوس والمأكول والمركوب ، أو ثمنها ، أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده ، بعد قضاء وطره من سفره ، أو يصل إلى محل يمكنه تحصيلها بالاستدانة والبيع أو نحوهما. ولو فضل مما أعطي شي‌ء ـ ولو بالتضييق على نفسه ـ أعاده على الأقوى. من غير فرق بين النقد والدابة والثياب ونحوها [٢] ، فيدفعه إلى الحاكم [٣]

______________________________________________________

لكن ادعى الإجماع على خلافه.

[١] لا الأزيد منه ، لظهور الآية في كون جهة السبيل مصرفاً للزكاة نظير الغارمين والرقاب وسبيل الله ، لا نظير الفقراء. وعليه يظهر أنه لو فضل شي‌ء منها ـ ولو لأجل التضييق على نفسه ـ لزم إرجاعه إلى المالك ، كما تقدم في نظائره. وعن المبسوط اختياره ، لكن عن الخلاف أنه لا يرتجع لأن الاستحقاق له بسبب السفر. وفيه ما عرفت.

[٢] كما عن المسالك التصريح به. وهو في محله ، لاطراد الجهة في الجميع. وعن العلامة (ره) في النهاية : أنه لا يسترد منه الدابة ، لأنه ملكها بالإعطاء. بل عن بعض : إلحاق الثياب والآلات. ووجهه في الجواهر : « بأن المزكي يملك المستحق عين ما دفعه إليه ، والمنافع تابعة. والواجب رد الزائد على الحاجة من العين ، ولا زيادة في الأشياء المذكورة إلا في المنافع ولا أثر لها مع ملكية تمام العين .. » وفيه : أنه إذا بني على كون السهم المذكور يصرف في جهات السبيل لا وجه للقول بملكية المستحق لها ، إذ المستحق في الحقيقة نفس الجهة ، لا ذو الجهة.

[٣] وعن الروضة : أنه يعيدها الى المالك أو وكيله ، فان تعذر فالى الحاكم. وكأنه لاستصحاب بقاء ولاية المالك على تعيين المستحق. ومجرد تعينه‌

٢٧٠

ويعلمه بأنه من الزكاة. وأما لو كان في وطنه ، وأراد إنشاء السفر المحتاج اليه ولا قدرة له عليه ، فليس من ابن السبيل [١] نعم لو تلبس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاؤه من هذا السهم. وإن لم يتجدد نفاذ نفقته ، بل كان أصل ماله قاصراً ، فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل [٢]. نعم لو كان فقيراً يعطى من سهم الفقراء.

( مسألة ٣٠ ) : إذا علم استحقاق شخص للزكاة ، ولكن لم يعلم من أي الأصناف ، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف [٣]. بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة.

______________________________________________________

زكاة بالدفع لا يخرجه عن موضوع الولاية ، كما في العزل. نعم لو كان المستحق قد ملكه بالدفع خرج عن موضوع الولاية ، لقاعدة السلطنة. لكنه خلاف المفروض. فتأمل جيدا.

[١] لكون الظاهر منه المتلبس بالسفر. فما عن ابن الجنيد والشهيد ـ الدروس واللمعة ـ من صدقه عليه حينئذ غير ظاهر. ولا سيما بملاحظة مرسل مجمع البيان.

[٢] كما نفى البأس عنه في الجواهر. للإطلاق. والتعبير في المرسل بذهاب المال لا ينافيه ، فان الظاهر منه الحاجة في الرجوع الى محله ، وعدم التمكن منه بماله بنحو يشمل ذلك.

[٣] لعدم الدليل على اعتبار ذلك ، والأصل البراءة ، بناء على التحقيق من جريان البراءة فيما يشك في اعتباره في الامتثال. وكذا الحال في الفرض الثاني. نعم ـ بناء على اعتبار البسط ـ يلزم التعيين ولو إجمالا ، إذ لولاه‌

٢٧١

( مسألة ٣١ ) : إذا نذر أن يعطي زكاته فقيراً معيناً لجهة راجحة ، أو مطلقاً ـ [١] ينعقد نذره. فان سها فأعطى فقيراً آخر أجزأ [٢] ، ولا يجوز استرداده وإن كانت العين باقية. بل لو كان ملتفتاً إلى نذره وأعطى غيره متعمداً أجزأ أيضاً [٣]

______________________________________________________

لا يصح ، لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح.

[١] لأجل اعتبار الرجحان في متعلق النذر لا يصح نذر الجهة غير الراجحة. نعم إذا كان المقصود نذر الحصة الخاصة ، فلا بأس بالبناء على الصحة ، لرجحان نفس الحصة.

[٢] لتحقق الامتثال ، الموجب لارتفاع موضوع النذر. وحينئذ لا وجه للاسترداد ، بعد ما ملكه الفقير وكان كسائر أمواله.

[٣] قد تقدم في نظير هذا الفرع في القراءة ، فيما لو نذر قراءة سورة معينة فقرأ غيرها ، وفي الجماعة ، فيما لو نذر أن يصلي جماعة فصلى فرادى : الإشكال ، في الاجزاء ، بأن الظاهر من النذر في أمثال المقام أنه راجع إلى نذر أن لا يفرغ ذمته إلا بهذا المصداق ، فتفريغ الذمة بغير المصداق المذكور مخالفة للنذر ، فيبطل لكونه محرماً ، فلا يصح عبادة. كما لو نذر أن لا يصلي في الحمام فصلى فيه. وحينئذ يجوز له الاسترداد مع بقاء العين. وأما مع التلف فجواز الرجوع بالمثل أو القيمة مبني على الضمان وعدم الغرور. وقد تقدم في المسائل السابقة.

بل لو كان مفاد النذر ثبوت حق له تعالى أشكل الأجزاء ـ حتى لو سها ـ لأن الحق يوجب قصور سلطنته على الإعطاء ، وإن لم يكن إثم فيه فتأمل. نعم لو كان مرجع النذر إلى نذر المصداق الخاص ، على تقدير بقاء اشتغال الذمة ـ بنحو يكون اشتغال الذمة من قبيل شرط الوجوب ـ فلا مانع من إفراغ الذمة بغيره من الأفراد. فراجع ما سبق في الجماعة وغيرها.

٢٧٢

وإن كان آثماً في مخالفة النذر [١] ، وتجب عليه الكفارة. ولا يجوز استرداده أيضاً ، لأنه قد ملك بالقبض.

( مسألة ٣٢ ) : إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيراً ثمَّ تبين له عدم وجوبها عليه ، جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية. وأما إذا شك في وجوبها عليه وعدمه فأعطى احتياطاً ثمَّ تبين له عدمه ، فالظاهر عدم جواز الاسترجاع وإن كانت العين باقية [٢].

______________________________________________________

[١] إن كان مرجع النذر المفروض إلى ما ذكرنا أولاً انطبقت المخالفة على نفس إعطاء غير المنذور إعطاؤه ، وحينئذ لا يصح عبادة. وإن كان مرجعه إلى ما ذكرنا أخيراً فلا مخالفة ولا إثم ، لعدم اقتضاء الواجب المشروط بقاء شرطه. فالجمع بين المخالفة والإثم وبين صحة الإعطاء غير ظاهر.

[٢] هذا إذا قصد الصدقة على تقدير عدم وجوب الزكاة عليه. وأما لو قصد أنها هبة ، جاز الرجوع مع كون العين باقية بعينها ، لجواز الرجوع في الهبة حينئذ.

٢٧٣

فصل في أوصاف المستحقين

وهي أمور :

الأول : الإيمان ، فلا يعطى للكافر ـ بجميع أقسامه ـ [١] ، ولا لمن يعتقد خلاف الحق من فرق المسلمين [٢] ـ حتى

______________________________________________________

فصل في أوصاف المستحقين

[١] في غير التأليف وسبيل الله. بلا خلاف معتد به بين المسلمين ، فضلا عن المؤمنين ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه متواتر ، بل يمكن دعوى كونه من ضروريات المذهب أو الدين ، كذا في الجواهر. ويستفاد من النصوص الواردة في المنع من إعطاء المخالف من الزكاة.

[٢] بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكى منه متواتر كالنصوص ، خصوصاً في المخالفين ، كذا في الجواهر. ومن النصوص : صحيح بريد عن أبي عبد الله (ع) في حديث : « كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ، ثمَّ منّ الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه ، إلا الزكاة فإنه يعيدها ، لأنه وضعها في غير مواضعها ، لأنها لأهل الولاية » (١) ، وصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) : « إنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء ـ الحرورية ، والمرجئة ، والعثمانية ، والقدرية ـ ثمَّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال (ع) : ليس عليه إعادة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢٧٤

المستضعفين منهم ـ إلا من سهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [١] ، وسهم سَبِيلِ اللهِ في الجملة [٢]. ومع عدم وجود المؤمن والمؤلفة وسبيل الله يحفظ إلى حال التمكن [٣].

______________________________________________________

شي‌ء من ذلك ، غير الزكاة ولا بد أن يؤديها ، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها. وإنما موضعها أهل الولاية » (١) ، وصحيح إسماعيل بن سعد عن الرضا (ع) قال : « سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال (ع) : لا ، ولا زكاة الفطرة » (٢). وفي مكاتبة علي بن بلال : « لا تعط الصدقة والزكاة إلا لأصحابك .. » (٣). وفي خبر ابن أبي يعفور : « هي لأصحابك .. » (٤) إلى غير ذلك من النصوص. وإطلاقها شامل للمستضعف وغيره.

[١] على ما تقدم في المراد منهم.

[٢] كما إذا كان الصرف على المخالف بملاحظة مصلحة المؤمن ، لأنه في الحقيقة صرف على المؤمن لا على المخالف ، فيدخل تحت النصوص المتقدمة وغيرها. أما لو لم يكن كذلك فلا يجوز الصرف من السهم المذكور ، لإطلاق النصوص المانعة ، التي لا فرق ـ في لزوم العمل بها ـ بين سهم سبيل الله وغيره. فتأمل جيداً.

[٣] بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه. لإطلاق أدلة المنع ، وظهور جملة منها وصراحة آخر في ذلك ، كذا في الجواهر. وكأنه (ره) يشير إلى خبر إبراهيم الأوسي عن الرضا (ع) : « سمعت أبي (ع) يقول : كنت عند أبي (ع) يوماً ، فأتاه رجل ، فقال : إني رجل من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٦.

٢٧٥

( مسألة ١ ) : تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين [١]

______________________________________________________

أهل الري ، ولي زكاة ، فإلى من أدفعها؟ فقال (ع) : إلينا. فقال : أليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال : بلى ، إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا. فقال : إني لا أعرف لها أحداً. فقال : انتظر بها سنة. قال : فان لم أصب لها أحداً؟ قال (ع) : انتظر بها سنتين ـ حتى بلغ أربع سنين ـ ثمَّ قال له : إن لم تصب لها أحداً فصرها صراراً ، واطرحها في البحر ، فان الله تعالى حرم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا » (١).

نعم في خبر يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح (ع) : « قال : قلت له : الرجل من يكون في أرض منقطعة ، كيف يصنع بزكاة ماله؟ فقال (ع) : يضعها في إخوانه وأهل ولايته. قلت : فان لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال : يبعث بها إليهم. قلت : فان لم يجد من يحملها إليهم؟ قال (ع) : يدفعها إلى من لا ينصب. قلت : فغيرهم؟ قال (ع) : ما لغيرهم إلا الحجر » (٢). لكن في الجواهر : « أنه مطروح. أو محمول على مستضعف الشيعة أو نحو ذلك .. ». وكأنه للإجماعات المتقدمة والنصوص ، التي لا يمكن رفع اليد عنها بمثله.

[١] إجماعاً ، كما عن جماعة. لجملة من النصوص ، كمصحح أبي بصير : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يموت ويترك العيال ، أيعطون من الزكاة؟ قال (ع) : نعم ، حتى ينشؤا ويبلغوا ويسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم. فقلت : إنهم لا يعرفون. قال (ع) : يحفظ فيهم ميتهم ، ويحبب إليهم دين أبيهم ، فلا يلبثوا أن يهتموا بدين أبيهم. وإذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٧.

٢٧٦

ومجانينهم [١]. من غير فرق بين الذكر والأنثى والخنثى ، ولا بين المميز وغيره [٢]. إما بالتمليك بالدفع إلى وليهم [٣] وإما بالصرف عليهم مباشرة [٤] ، أو بتوسط أمين إن لم يكن لهم ولي شرعي [٥] ، من الأب والجد والقيم.

______________________________________________________

بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم » (١) ، وخبر عبد الرحمن : « قلت لأبي الحسن (ع) : رجل مسلم مملوك ، ومولاه رجل مسلم وله مال لم يزكه ، وللمملوك ولد حر صغير ، أيجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ قال (ع) : لا بأس » (٢). ونحوهما غيرهما.

[١] بلا خلاف ظاهر. نعم في المستند : إن ثبت الإجماع عليه ، وإلا فمحل نظر ، لعدم كون المجنون عارفاً. وهو في محله ، لظهور النصوص المتقدمة في اختصاصها بالعارف. اللهم إلا أن يدعى انصرافها إلى من كان موضوعاً للتكليف ـ أعني : البالغ العاقل ـ وفي غيرهما يرجع إلى الإطلاق. لكن مقتضى ذلك جواز إعطاء مجانين غيرهم أيضاً.

[٢] كما صرح بذلك في الجواهر. لإطلاق الأدلة.

[٣] بلا إشكال فيه ، لأنه المتقين من النص والإجماع.

[٤] كما عن التذكرة والمدارك وغيرهما. لعدم الدليل على لزوم التمليك ـ لا في سهم الفقراء ، ولا في غيره ـ لإطلاق الأدلة الأولية ، كما أشرنا إلى ذلك في مسألة : جواز احتساب الدين على الحي والميت من الزكاة. وما في الجواهر ، من ظهور الأدلة ـ خصوصاً السنة ـ في ترتب الملك على القبض بالنسبة إلى هذا السهم ، غير ظاهر.

[٥] حكى في الجواهر عن الكركي في فوائد الشرائع والكفاية وشرح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢٧٧

( مسألة ٢ ) : يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكاً [١] وإن كان يحجر عليه بعد ذلك. كما أنه يجوز الصرف [٢] عليه من سهم سبيل الله ، بل من سهم الفقراء أيضاً ، على الأظهر من كونه كسائر السهام أعم من التمليك والصرف.

______________________________________________________

المفاتيح للبهبهاني (ره) : جواز الدفع لغير الولي ممن يقوم بأمره ، مع عدم الولي. ثمَّ قال : « بل ربما ظهر من بعض المعاصرين الميل إلى الجواز ذلك مع التمكن من الولي. وهو أغرب من سابقة ، ضرورة منافاتهما معاً للمعلوم من قواعد المذهب بلا مقتض. عدا بعض الاعتبارات التي لا تصلح لأن تكون مدركاً لحكم شرعي ، والإطلاق الذي لم يسق لإرادة تناول ذلك .. ».

أقول : إذا كان ظاهر الأدلة الأولية كون الفقراء مصرفاً للزكاة ، لا أنها ملك لهم ، فمقتضى الإطلاق جواز الصرف على الطفل ـ ولو بإشباعه إذا كان جائعا ـ بلا حاجة إلى وليه. وعدم جواز التصرف في الطفل بغير إذن وليه غير ثابت في نحو ذلك ، بل يختص بما للولي ولاية عليه من التصرفات الاعتبارية فيه وفي ماله ، ولا يشمل مطلق الإحسان إليه والبر به لعموم ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١).

والمتحصل : أنه إن بني على اختصاص سهم الفقراء بالصرف على وجه التمليك لم يجز إعطاؤه للطفل بلا توسط الولي ، لعدم قدرته على التملك بدونه ، وكذا إن بني على عموم ولاية الولي لكل تصرف فيه ولو كان براً به وإحساناً اليه. ولو لم نقل بالأمرين جاز صرفه فيه ولو مع التمكن من مراجعة الولي. وهذا هو الأقرب.

[١] لأنه مسلط على مثله ، وليس محجوراً عليه.

[٢] يظهر وجهه مما سبق.

__________________

(١) التوبة : ٩١.

٢٧٨

( مسألة ٣ ) : الصبي المتولد بين المؤمن وغيره يلحق بالمؤمن [١] ، خصوصاً إذا كان هو الأب. نعم لو كان الجد مؤمناً والأب غير مؤمن ، ففيه إشكال. والأحوط عدم الإعطاء.

( مسألة ٤ ) : لا يعطى ابن الزنا [٢] من المؤمنين ـ فضلا عن غيرهم ـ من هذا السهم.

( مسألة ٥ ) : لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمَّ استبصر أعادها [٣] ، بخلاف الصلاة والصوم [٤] إذا جاء‌

______________________________________________________

[١] كما عن البيان والمسالك. وكذا المتولد بين المسلم والكافر ، إلحاقاً له بأشرف الأبوين. قال في الجواهر : « ولو لكون الشرف بالنسبة إلى الإسلام والكفر أتم من الرقية بالنسبة إلى الحرية .. ». والاشكال فيما ذكره ظاهر. نعم إذا كان الأب مؤمناً يدخل في إطلاق النصوص المتقدمة في الطفل. أما لو كانت الأم مؤمنة أو الجد فدخوله محل إشكال ، لكون موردها الأب.

[٢] لانتفاء بنوته للمؤمن. لكن لم يتضح إطلاق يتضمن ذلك كي يعول عليه في المقام وإن كان مشهوراً.

[٣] بلا خلاف يعرف ، كما في الجواهر وغيرها ، بل قيل : إنه إجماع. ويشهد له صحيحا بريد والفضلاء ، المتقدمان في اعتبار الايمان وغيرهما (١).

[٤] لما في النصوص المتقدمة ، من التصريح بعدم لزوم قضائهما. وما عن العلامة من الاستشكال في ذلك ، من حيث أن الطهارة لم تقع على الوجه الصحيح ، والإفطار منهم قد يقع منهم في غير وقته غريب. إذ كأنه‌

__________________

(١) لاحظ الأمر الأول من هذا الفصل.

٢٧٩

بهما على وفق مذهبه [١]. بل وكذا الحج ، وإن كان قد ترك منه ركناً عندنا [٢] على الأصح. نعم لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن ثمَّ استبصر أجزأ [٣]. وإن كان الأحوط الإعادة أيضاً.

( مسألة ٦ ) : النية في دفع الزكاة للطفل والمجنون عند الدفع إلى الولي [٤] إذا كان على وجه التمليك ، وعند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف.

( مسألة ٧ ) : استشكل بعض العلماء [٥] في جواز‌

______________________________________________________

اجتهاد في مقابلة النص ، كما في الجواهر.

[١] لأنه منصرف النصوص. وقد تقدم الكلام في ذلك في مبحث قضاء الصلوات.

[٢] لإطلاق النصوص المتقدمة وغيرها. وما عن العلامة : من أنه نص علمائنا على أنه في الحج إذا لم يخل بشي‌ء من أركانه لا يجب عليه الإعادة ـ وعن الدروس التصريح بذلك ـ غير ظاهر. ولذا قال في الجواهر : « لم نجد ما يصلح للفرق بينه وبين غيره من العبادات التي عرفت اعتبار عدم الإخلال بها على مذهبه لا مذهبنا. بل ظاهر الأدلة أو صريحها عدم الفرق .. » وما ذكره (ره) متين جداً.

[٣] كما عن غير واحد. تمسكاً بظاهر التعليل. قال في الجواهر : « وفيه بحث ، لمعارضته بإطلاق المعلل. فتأمل جيداً .. ». وكأنه أشار بأمره بالتأمل إلى أن إطلاق التعليل مقدم على إطلاق المعلل ، لحكومته عليه كما هو ظاهر.

[٤] لأنه يكون الإيتاء المعتبر فيه التقرب. وكذا في الصرف.

[٥] قال في الحدائق : « نعم يبقى الإشكال في جملة من عوام الشيعة‌

٢٨٠