مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

( مسألة ٣٢ ) : الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك كما في سائر أقسام الخمس ، فيجوز له الإخراج والتعيين من غير توقف على إذن الحاكم [١]. كما يجوز دفعه من مال آخر وإن كان الحق في العين.

( مسألة ٣٣ ) : لو تبين المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه [٢] ،

______________________________________________________

والاختلاف بينهما في القيمة لا يوجب التردد بين الأقل والأكثر ، لأن الذمة مشغولة بالمثل ، فمع تردده يكون الاشتغال مردداً بين المتباينين. ولأجل ذلك يتوجه الاحتياط. إلا أن يبنى على قاعدة العدل والانصاف المقتضية للتوزيع فيوزع هنا أيضاً ، فيعطى في المثال نصف منّ حنطة ونصف منّ شعيراً.

بل البناء عليها هنا أولى من صورة تردد المالك ـ التي هي مورد نصوص القاعدة ـ إذ لا ضياع فيها على صاحب الحق كما كان فيها الضياع عليه مع تردده بين المحصور ، إذ هنا يعطى مناً تاماً ، غاية الأمر أنه من جنسين ، وهناك يعطى بعضه ويحرم من بعضه. ولا سيما مع اعتضادها بما ورد في ميراث الخنثى. لكن عرفت الاشكال فيه ، فضلا عن المقام. كما عرفت الإشكال في وجوب الاحتياط ، لأنه ضرر منفي ، فلا يبعد الرجوع إلى القرعة ، حسبما عرفت.

[١] كما في غيره من الموارد على ما يأتي إن شاء الله تعالى ، لعدم الفرق بين أدلته فيها. وكذا الحال في جواز الدفع من مال آخر.

[٢] كما عن البيان والروضة. لليد والإتلاف. والاذن في إخراج الخمس لا تدل على رفع الضمان ، وإنما تقتضي رفع الإثم بالتصرف. ويؤيده : ما ورد في ضمان المتصدق باللقطة إذا لم يرض صاحبها بالأجر (١). وفيه :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب اللقطة حديث : ٢‌

٥٠١

كما هو كذلك في التصدق عن المالك في مجهول المالك [١] ، فعليه غرامته له ، حتى في النصف الذي دفعه إلى الحاكم بعنوان أنه للإمام (ع).

( مسألة ٣٤ ) : لو علم ـ بعد إخراج الخمس ـ أن الحرام أزيد من الخمس أو أقل ، لا يسترد الزائد على مقدار الحرام [٢] في الصورة الثانية. وهل يجب عليه التصدق‌

______________________________________________________

أن ما دل على وجوب الخمس لو لم يقتض نفي الضمان كان اللازم الحكم بالضمان قبل ظهور الصاحب ولم يتوقف على ظهوره ، وهو ـ كما ترى ـ خلاف ظاهر تلك النصوص المتضمنة : أن الله سبحانه قد رضي من ذلك المال بالخمس وسائر المال لك حلال ، فإنه كالصريح في الاكتفاء به في الخروج عن عهدة الحرام وحلية الباقي.

ودعوى : أن ذلك مشروط بعدم ظهور صاحبه خلاف إطلاقها. وليس ذلك من قبيل الحكم الظاهري ليرتفع بانكشاف الحال ، لأن الحكم الظاهري لا بد أن يكون محتمل المطابقة للواقع ، وهنا يعلم بمخالفته للواقع على كل حال ، بل هو من قبيل الواقعي الثانوي ، ومقتضى إطلاق دليله الاجزاء نعم لو انكشف الحال قبل دفع الخمس تعين الدفع إلى المالك. ولذلك اختار في المدارك والذخيرة وغيرهما ـ على ما حكي ـ عدم الضمان في فرض المسألة.

[١] هذا مسلم في اللقطة ، لاستفاضة النصوص به فيها (١). وأما في غيرها من موارد التصدق بمجهول المالك فغير ظاهر ، لخلو النصوص عنه. بل النصوص الآمرة بالتصدق به ظاهرة في خلافه.

[٢] فإنه خلاف أدلة وجوب الخمس واستحقاق أهله له. وليس‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢ وغيره من أبواب اللقطة.

٥٠٢

بما زاد على الخمس في الصورة الأولى أو لا؟ وجهان ، أحوطهما الأول ، وأقواهما الثاني [١].

( مسألة ٣٥ ) : لو كان الحرام المجهول مالكه معيناً ، فخلطه بالحلال ليحلله بالتخميس خوفاً من احتمال زيادته على الخمس ، فهل يجزيه إخراج الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك؟ وجهان والأقوى الثاني ، لأنه كمعلوم المالك [٢] ، حيث أن مالكه الفقراء قبل التخليط.

______________________________________________________

ذلك مشروطاً ببقاء الجهل بالزيادة ، فإنه خلاف إطلاقها. وقد عرفت أنه حكم واقعي ثانوي نشأ من الجهل بالحال ، يقوم مقام الواقع في الوفاء بمصلحته والاجزاء عنه ـ كما هو ظاهر الأدلة ـ فلا مصحح للاسترداد.

[١] كما قواه شيخنا الأعظم (ره). لما سبق في الصورة الثانية. وفي الجواهر : عن البيان احتمال استدراك الصدقة في الجميع بالاسترجاع فان لم يمكن أجزأ وتصدق بالزائد. وعن الكشف : احتمال الاجتزاء بالسابق ثمَّ قال في الجواهر : « وهما معاً كما ترى ، أولهما مبني على حرمة الصدقة على بني هاشم. كما أن ثانيهما مستلزم لحلية معلوم الحرمة .. ». وفيه : أنه لا مانع من ذلك بعد دلالة النصوص عليه.

[٢] كما ذكره شيخنا الأعظم (ره) في رسالته ، معللا له بما ذكر ، راداً به على الجواهر وشيخه في كشفه ، حيث جزم ثانيهما بالأول ومال إليه أولهما. ثمَّ احتمل قوياً تكليف مثله بإخراج ما يقطع معه بالبراءة ، إلزاماً له بأشق الأحوال. ولظهور الأدلة في غيره. لكن لا يبعد دعوى إطلاق النصوص بنحو يشمل الفرض ، لأن الغالب في الاختلاط كونه بعد التميز. والتميز كما يكون مع العلم بالمالك يكون مع الجهل ، فتخصيص النصوص بغير‌

٥٠٣

( مسألة ٣٦ ) : لو كان الحلال الذي في المختلط مما تعلق به الخمس ، وجب عليه ـ بعد التخميس للتحليل ـ خمس آخر [١] للمال الحلال الذي فيه.

( مسألة ٣٧ ) : لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العام ، فهو كمعلوم المالك على الأقوى [٢] ، فلا يجزيه إخراج الخمس حينئذ.

______________________________________________________

الفرض غير ظاهر. ولأجله يقوى ما عن الكشف : والمراد من مجهول المالك ـ الذي هو موضوع النصوص ـ ما جهل مالكه الأصلي ، فيشمل الفرض. مع أن مجرد الجهل بالمالك الأصلي لا يوجب كونه ملكاً للفقراء ووجوب التصدق عليهم به أعم من ذلك. ولو تمَّ لم يكن وجه لاحتمال ضمانه بالتصدق به عليهم ـ كما تقدم منه (ره) ـ لأنه دفع للمال إلى مالكه. فلاحظ.

[١] كما نص عليه شيخنا الأعظم (ره) ، وقبله في الجواهر ، حاكياً التصريح به عن بعض. أخذاً بإطلاق الدليلين ، حيث لا وجه لرفع اليد عن أحدهما. ولأجله يضعف جداً ما عن الحواشي التجارية ، من سقوط الخمس الأصلي. وكأنه لقوله (ع) في بعض النصوص : « وسائر المال لك حلال » (١). وفيه : أن التحليل فيه بلحاظ الحرام المختلط ، لا بلحاظ كل حق ، كما هو ظاهر.

[٢] كما نص عليه في الجواهر ، وكذا شيخنا الأعظم (ره) نافياً للإشكال فيه. كما ينبغي أن يكون كذلك ، عملا بقاعدة الضمان للمالك. لكن قال في كشف الغطاء : « ولو كان الاختلاط من أخماس أو زكاة ،

__________________

(١) لاحظ أول الأمر الخامس مما يجب فيه الخمس‌

٥٠٤

( مسألة ٣٨ ) : إذا تصرف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط [١] ، وإن صار الحرام في ذمته ، فلا يجري عليه حكم رد المظالم على الأقوى [٢].

______________________________________________________

فيحتمل أن يكون كمعلوم الصاحب ، وأن يكون كالسابق ، وهو أقوى. ولو كان مع الأوقاف فهو كمعلوم الصاحب في وجه قوي .. ». وهو ـ كما ترى ـ غير ظاهر.

[١] كما في الجواهر وفي رسالة شيخنا الأعظم (ره) ، مرسلين له إرسال المسلمات. لكن قال في كشف الغطاء : « وإن كان قد تصرف فيه شيئاً فشيئاً دخل في حكم مجهول المالك ، يعالج بالصلح ، ثمَّ الصدقة .. » ويظهر من العبارة : اختصاص جريان حكم مجهول المالك بصورة التصرف تدريجاً.

وكيف كان فوجهه غير ظاهر ، إلا دعوى أن التحليل بالخمس ليس من باب الحكم الأولي بل من باب الحكم الثانوي ، نظير الأبدال الاضطرارية وهو يختص بحال بقاء العين الخارجية بحالها ، ولا يشمل ما إذا صارت ذمية. وفيه : أنه خلاف الظاهر من مصحح عمران ، وإن كان هو محتمل في غيره. فلاحظ.

[٢] المحكي عن الأردبيلي في لقطة مجمع البرهان : أن المشهور برد المظالم ، الحرام المختلط مع العلم بقدره والجهل بصاحبه. وكذا حكي عن المجلسيين ، بزيادة المختلط المجهول القدر والصاحب ، الذي قد تقدم انحصار تحليله بإخراج خمسه. وزاد شيخنا الأعظم (ره) في رسالته : « ما استقر في الذمة من مال الغير .. » والذي وجدته في غير موضع من لقطة مجمع البرهان : أن المسمى برد المظالم هو المال المتعين الخارجي الذي لا يعرف صاحبه. وكأن المراد في المتن منه : ما كان يجب التصدق به من مال الحرام سواء أكان في الذمة أم في الخارج.

٥٠٥

وحينئذ فإن عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمته بمقدار خمسه. وإن لم يعرفه ، ففي وجوب دفع ما يتيقن معه بالبراءة أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل وجهان ، الأحوط الأول ، والأقوى الثاني [١].

( مسألة ٣٩ ) : إذا تصرف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه ، كما إذا باعه مثلا. فيجوز لولي الخمس الرجوع عليه ، كما يجوز له الرجوع على من انتقل اليه [٢]. ويجوز للحاكم أن يمضي معاملته ، فيأخذ مقدار الخمس من العوض إذا باعه بالمساوي قيمة أو بالزيادة. وأما إذا باعه بأقل من قيمته فإمضاؤه خلاف المصلحة. نعم لو اقتضت المصلحة ذلك فلا بأس.

السادس : الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم [٣].

______________________________________________________

[١] لأصالة البراءة من اشتغال الذمة بالزائد على المتيقن.

[٢] كما هو حكم تعاقب الأيدي. نعم ذلك حيث لا يجوز له التصرف فيه ، وإلا انتقل الخمس إما إلى الذمة أو إلى الثمن ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

[٣] كما عن ابني حمزة وزهرة وأكثر المتأخرين. بل نسب إلى المشهور بينهم. وفي المعتبر : نسبته إلى الشيخين ومن تابعهما ، بل في التذكرة وعن المنتهى : نسبته إلى علمائنا. ويدل عليه صحيح أبي عبيدة : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس » (١) وفي مرسل المقنعة عن الصادق (ع) : « الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٢.

٥٠٦

سواء كانت أرض مزرع ، أو مسكن ، أو دكان ، أو خان ، أو غيرها [١] ،

______________________________________________________

وعن ابن أبي عقيل وابن الجنيد والمفيد وسلار والحلبي : عدم ذكرهم له. وظاهرهم العدم. وعن فوائد القواعد : الميل اليه ، استضعافاً للرواية لأنها ـ كما في المختلف ، وعن الروضة ـ من الموثق. أو لمعارضتها لما دل على حصر الخمس في خمسة التي ليس منها المقام ، لاحتمال ورود الخبر تقية من مالك ، من تضعيف العشر على الذمي إذا اشترى أرضاً عشرية ، كما احتمله في المدارك وعن المنتقى.

والجميع واضح الضعف ، إذ الرواية ـ مع أنها في أعلى مراتب الصحة كما في المدارك وغيرها ـ لا يسقطها عن الحجية كونها موثقة ، لكون التحقيق حجية الموثق. والمعارضة تقتضي الجمع بالتخصيص. واحتمال التقية لا يقدح في الحجية. ولا سيما مع إطلاق الرواية الشامل للعشرية وغيرها ، وظهورها في وجوب الخمس بمجرد الشراء لا خمس الزرع. بل المرسلة كالصريحة في ذلك.

[١] كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى. وعن الفاضلين والمحقق الثاني وغيرهم : تخصيص الحكم بأرض الزراعة ، بل في المعتبر : أن مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المسكن. ونحوه في محكي المنتهى. وفي المدارك : أنه جيد ، لأنه المتبادر. ولكنه غير ظاهر ، بل هو خلاف الإطلاق ، كما عرفت. نعم في الجواهر وغيرها : احتمال الاختصاص بغير مثل الدار والمسكن ، لتعارف التعبير عنها بذلك ، لا بالأرض الموجب ذلك لتبادر الأرض الخالية من الخبر ، فلا يعم مثل الخان والدكان والدار. ثمَّ تأمل في ذلك ، وجعل التعميم أولى.

والانصاف أن التأمل في ذلك في محله ، إذ الأرض كما تستعمل ـ تارة ـ بالمعنى المقابل للسماء ، تستعمل بالمعنى المقابل للدار والبستان ونحوهما. والثاني‌

٥٠٧

فيجب فيها الخمس. ومصرفه مصرف غيره من الأقسام على الأصح [١]. وفي وجوبه في المنتقلة إليه من المسلم بغير الشراء من المعاوضات إشكال [٢] ، فالأحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في عقد المعاوضة [٣]. وإن كان القول بوجوبه في مطلق‌

______________________________________________________

شائع عرفاً ، فالحمل على الأول غير ظاهر. ولعل مراد من خصها بأرض الزرع ذلك. نعم قد يقال : إنه لو باعه أرض الدار أو أرض البستان ـ مع قطع النظر عما فيهما من التعمير والشجر ـ لم يبعد العموم ، عملا بالإطلاق فيختص الاشكال بما لو كان المبيع الدار والبستان على نحو تكون ملحوظة تبعاً لكن مرجع هذا القول إلى دعوى عدم الإطلاق في الأرض ، من جهة كونها مبيعة تبعاً ـ بالمعنى الموجود في أرض الدار ـ ولازمه عدم الخمس في الأرض البسيطة إذا كانت مبيعة كذلك. وهو غير ظاهر ، فإن الإطلاق ينفيه ، فالعمدة في الاشكال ما ذكرناه. فلاحظ.

[١] كما هو ظاهر الأصحاب. بل في ظاهر رسالة شيخنا الأعظم (ره) : نفي الاشكال فيه ، لأنه المتبادر كما عرفت. فما عن بعض من التأمل في مصرفه ، لاحتمال كون المراد من الخمس الخراج الخمسي ، فيكون مصرفه مصرف بيت المال ، قد عرفت ما فيه.

[٢] للتعبير في النص وفي كلماتهم بالشراء ، الظاهر فيه بخصوصه. ومن احتمال التعدي عنه إلى مطلق المعاوضة ـ كما في كشف الغطاء ـ أو مطلق الانتقال ولو مجاناً ـ كما عن البيان ، وفي اللمعة والروضة ـ بإلغاء خصوصية الشراء عرفاً. لكن الأول متعين ، إذ لا قرينة على هذا الإلغاء مع احتمال الخصوصية.

[٣] يعنى : الأحوط الاقتصار في أخذ الخمس على صورة الاشتراط إذ الظاهر أنه لا إشكال في جواز البيع بدون اشتراط ذلك.

٥٠٨

المعاوضات لا يخلو عن قوة. وإنما يتعلق الخمس برقبة الأرض دون البناء والأشجار والنخيل إذا كانت فيه [١]. ويتخير الذمي بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها [٢] ، ومع عدم دفع قيمتها يتخير ولي الخمس بين أخذه وبين إجارته [٣].

______________________________________________________

[١] كما صرح بذلك غير واحد ، لخروج البناء ونحوه مما يكون في الأرض عن مفهومها ، فلا وجه لعموم الخمس لها.

[٢] لما يأتي إن شاء الله تعالى ، من جواز دفع القيمة.

[٣] إذ لا ملزم له بأخذ العين ، فإذا أبقاها كان مقتضى الشركة في العين الشركة في النماء ، فله إجارتها. وليس له إلزام المالك بدفع قيمة العين ، لأنه خلاف قاعدة السلطنة على نفسه وماله. وبما في المتن صرح في الجواهر ، فقال : « يتخير من إليه أمر الخمس بين أخذ رقبة الأرض وبين ارتفاعها .. ». ومثل ذلك عبارات المدارك والمسالك والروضة وغيرها نعم عن الحدائق : « الأقرب أن التخيير إذا لم تكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء ، وإلا تعين الأخذ من الارتفاع .. ».

وفيه : أنه لا مانع من التخيير المذكور ، غاية الأمر أنه لو أخذ خمس العين لم يكن له قلع ما فيها من غرس أو بناء ، كما صرح به في الجواهر. وكأنه لدليل نفي الضرر ، وليس في إبقائه ضرر على المالك ، وإنما هو خلاف سلطنته على ماله. لكن دليل نفي الضرر مقدم على دليل السلطنة لحكومته عليه كغيره من أدلة الأحكام الأولية. ولا سيما بملاحظة مورد رواية سمرة (١) ، فإن تكليفه بالاستئذان خلاف سلطنته على نفسه.

فان قلت : يمكن دفع الضرر بالقلع بضمان القيمة ، فيتخير مالك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب إحياء الموات حديث : ١.

٥٠٩

وليس له قلع الغرس والبناء بل عليه إبقاؤهما بالأجرة. وإن أراد الذمي دفع القيمة ، وكانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء ، تقوم مشغولة بها مع الأجرة فيؤخذ منه خمسها. ولا‌

______________________________________________________

الأرض بين الإبقاء والقلع مع الضمان. قلت : الضمان تدارك للضرر ، والمنفي مطلق الضرر لا خصوص الضرر غير المتدارك. فلاحظ. نعم لو كان إبقاء الغرس يوجب ضرراً على المالك ـ بنقص أرضه وفسادها ـ تعارض تطبيق القاعدة في الفردين ، فيرجع إلى قاعدة السلطنة.

فإن قلت : استيفاء الأرض ضرر على المالك ، فيعارض ضرر قلع الغرس. قلت : المنافع كلها مبنية على الاستيفاء ، فاما أن يستوفيها المالك وإما أن يستوفيها صاحب الغرس ، وإلا كانت معدومة ، وليس أحد الاستيفاءين ضرراً. فلا يقاس استيفاء المنفعة بإتلاف العين أو سقوطها عن المالية ، كما في قلع الشجر أو البناء ، كما يظهر بالتأمل. وحيث يدور الأمر بين استيفاء صاحب الغرس للمنفعة واستيفاء المالك وضياع المنفعة بلا استيفاء ، يتعين الأول ، وذلك يوجب منع المالك عن التصرف وقصر سلطنته ، فيرجع الأمر إلى التعارض بين قاعدة الضرر وقاعدة السلطنة لا غير ، وقد عرفت لزوم تقديم الأولى. ويؤيدها : قوله (ع) : « ليس لعرق ظالم حق » (١). ولا سيما بناء على مفهوم الوصف ، فإنه حينئذ يدل على أن عرق غير الظالم له حق البقاء وعدم الضياع.

هذا وإذا بنينا على أن الخمس من قبيل الحق في العين ، فلا مجال لأخذ ارتفاع الأرض ـ على تقدير رضا الولي ببقاء الخمس ـ إذ الارتفاع مقابل الأرض لا الحق القائم فيها ، فأخذ الارتفاع من المشتري يتوقف على مصالحة بينه وبين ولي الخمس على ذلك ، وبدون المصالحة لا مجال لأخذ الأجرة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الغصب حديث : ١‌

٥١٠

نصاب في هذا القسم من الخمس [١]. ولا يعتبر فيه نية القربة [٢] حين الأخذ حتى من الحاكم ، بل ولا حين الدفع إلى السادة.

( مسألة ٤٠ ) : لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة وبيعت تبعاً للآثار ثبت فيها الحكم [٣] ، لأنها للمسلمين ، فاذا اشتراها الذمي وجب عليه الخمس ، وإن قلنا بعدم دخول الأرض في المبيع ، وأن المبيع هو الآثار ، ويثبت في الأرض‌

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ظاهر. وفي المستند : الإجماع عليه. لإطلاق النص.

[٢] لأن ما يعتبر فيه نية القربة فعل المالك ، أعني : أداء الكافر.

وليس الحاكم نائباً عنه فيه ، لأن الكافر لا يصلح للتقرب عنه ، ففعل الحاكم أو غيره هو الأخذ لا الأداء الذي هو الواجب على الكافر. وقد تقدم في الزكاة ماله نفع في المقام. فراجع.

[٣] حاصل الكلام : أن الأرض المفتوحة عنوة ـ التي هي ملك للمسلمين ـ إذا بيعت على الذمي ، فإن ملكها الذمي بالبيع المذكور ـ كما لو كان البائع الإمام أو نائبه لبعض المصالح العامة ، أو كان غيره من أفراد المسلمين إذا كان له فيها أثر من بناء أو شجر ، بناء على أن ملك الآثار يستتبع ملك رقبتها ـ فلا ينبغي التأمل في وجوب الخمس على الذمي ، لإطلاق النص. وإن لم يملكها الذمي ـ كما لو باعها المتصرف فيها تبعاً للآثار ، وقلنا بعدم دخولها في ملك المشتري وإنما الذي يدخل في ملكه الآثار ، والأرض يثبت له فيها حق الاختصاص ـ أشكل البناء على وجوب الخمس ، لعدم صدق الشراء حقيقة للأرض. وكفاية صدق الشراء ولو بنحو من العناية والمسامحة غير ظاهرة.

٥١١

حق الاختصاص للمشتري [١]. وأما إذا قلنا بدخولها فيه فواضح. كما أنه كذلك إذا باعها منه أهل الخمس بعد أخذ خمسها ، فإنهم ما لكون لرقبتها ، ويجوز لهم بيعها.

( مسألة ٤١ ) : لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة بين أن تبقى على ملكية الذمي بعد شرائه أو انتقلت منه بعد الشراء إلى مسلم آخر [٢] ، كما لو باعها منه بعد الشراء ، أو مات وانتقلت إلى وارثه المسلم ، أو ردها إلى البائع بإقالة أو غيرها [٣] ، فلا يسقط الخمس بذلك. بل الظاهر ثبوته أيضاً لو كان للبائع خيار ففسخ بخياره [٤].

( مسألة ٤٢ ) : إذا اشترى الذمي الأرض من المسلم‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت الإشكال في وجوب الخمس على هذا القول.

[٢] بلا إشكال ظاهر. ويقتضيه إطلاق النص. نعم قد ينافي ذلك ما يأتي في المسألة الأخيرة من كتاب الخمس. إلا أن يحمل ما هنا على جواز أخذ الخمس من الذمي وإن جاز للمسلم ـ الذي انتقلت إليه الأرض ـ التصرف فيها. أو يكون المراد من المسلم هنا غير الإمامي ، لاختصاص المسألة الآتية بالشيعي.

[٣] عن البيان والمسالك : احتمال السقوط بالإقالة. وهو غير ظاهر إلا بناء على كون الإقالة فسخاً من أول الأمر لا من حينها. أو على دعوى ظهور النص في الشراء المستقر. ومنه يظهر وجه احتمال السقوط في عامة الفسخ ولو لم يكن بالإقالة لكن المبنيين معاً ضعيفان.

[٤] كأن وجه التوقف فيه ـ مضافاً إلى ما سبق ـ : احتمال انصراف الشراء إلى اللازم.

٥١٢

وشرط عليه عدم الخمس لم يصح. وكذا لو اشترط كون الخمس على البائع. نعم لو شرط على البائع المسلم أن يعطي مقداره عنه فالظاهر جوازه.

( مسألة ٤٣ ) : إذا اشتراها من مسلم ، ثمَّ باعها منه أو من مسلم آخر ، ثمَّ اشتراها ثانياً ، وجب عليه خمسان [١] ، خمس الأصل للشراء أولا ، وخمس أربعة أخماس للشراء ثانياً.

( مسألة ٤٤ ) : إذا اشترى الأرض من المسلم ثمَّ أسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس [٢]. نعم لو كانت المعاملة مما يتوقف الملك فيه على القبض ، فأسلم بعد العقد وقبل القبض سقط عنه ، لعدم تمامية ملكه في حال الكفر [٣].

______________________________________________________

[١] كما في كشف الغطاء والجواهر وغيرهما. لأصالة عدم التداخل. نعم. قد يشكل ما في المتن ـ تبعاً للجواهر ـ من أن الخمس الثاني خمس الأربعة أخماس : بأنه مبني على كون تعلق الخمس على نحو الإشاعة ، إذ لو كان على نحو تعلق ـ الحق نظير حق الجناية ـ فالخمس الثاني يكون في مجموع الأرض كالأول. نعم الحق الأول يستوجب كون الخمس الثاني في موضوع الحق ، وربما يكون الحق المذكور مانعاً من ثبوت الخمس مطلقاً. فافهم.

[٢] كما في الجواهر وغيرها. لإطلاق الدليل. اللهم إلا أن يقال : لا فرق في اقتضاء حديث : « الجب » السقوط بين الخمس والزكاة (١). بل بين الخمس هنا والخمس في سائر المقامات ، فإنه يسقط بالإسلام. وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الزكاة. فراجع.

[٣] هذا يتم بناء على كون القبض شرطاً ناقلا. أما بناء على الكشف‌

__________________

(١) تقدم ذلك في أوائل فصل قضاء الصلاة من الجزء السابع من هذا الشرح.

٥١٣

( مسألة ٤٥ ) : لو تملك ذمي من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل القبض ، ففي ثبوت الخمس وجهان ، أقواهما الثبوت [١].

( مسألة ٤٦ ) : الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذمي أن يبيعها بعد الشراء من مسلم [٢].

( مسألة ٤٧ ) : إذا اشترى المسلم من الذمي أرضاً ثمَّ فسخ بإقالة أو بخيار ، ففي ثبوت الخمس وجه. لكن الأوجه خلافه ، حيث أن الفسخ ليس معاوضة [٣].

( مسألة ٤٨ ) : من بحكم المسلم بحكم المسلم [٤].

______________________________________________________

أمكن القول بثبوت الخمس لو تحقق القبض منه بعد الإسلام ، لتحقق الشراء قبل الإسلام.

[١] كما في كشف الغطاء ، وجزم به شيخنا الأعظم (ره) ، وقواه في الجواهر. لأن تملك الذمي كان في حال إسلام طرفه ، فيصدق تملك الذمي من مسلم. نعم حدوث التمليك الإنشائي كان حين كفر البائع لكنه ليس موضوعاً للأثر في النص ، بل موضوعه الملك التام ، وهو لم يتحقق إلا بعد إسلام الناقل. لكنه لا يتم ذلك بناء على القول بالكشف. كما أن فرض المسألة يتوقف على كون موضوع الخمس مطلق الانتقال ، وإلا فشراء الأرض مما لا يعتبر فيه القبض.

[٢] إذ لا وجه له ظاهر إلا دعوى انصراف النص عن ذلك. ولكنها ممتنعة. نعم يتوقف ذلك على صحة الشرط ، وفيه إشكال مشهور.

[٣] بل حل وإعدام للمعاوضة ، فيرجع كل مال إلى ملك صاحبه الأول بالسبب السابق ، كما هو واضح.

[٤] قال في الجواهر : « ويلحق بالذمي والمسلم في ذلك كله ما هو‌

٥١٤

( مسألة ٤٩ ) : إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمي عليه وجب عليه خمس ذلك الخمس الذي اشتراه [١] وهكذا.

السابع : ما يفضل عن مئونة سنته [٢] ،

______________________________________________________

في حكم أحدهما ، من صبيانهم ومجانينهم وغيرهم ، كما في غيره من الأحكام .. » ‌وكأنه لإطلاق دليل التنزيل ، من الإجماع وغيره.

[١] كما في كشف الغطاء ، والجواهر ، ورسالة شيخنا الأعظم (ره) لإطلاق الأدلة. وهو واضح ، بناء على الإشاعة أو الكلي في المعين. ويشكل بناء على أنه حق بنحو المالية.

[٢] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. وفي الجواهر : نفي وجدان الخلاف المعتد به ، بل عن الانتصار والغنية والخلاف والتبيان ومجمع البيان والتذكرة والمنتهى وغيرها : الإجماع عليه ، وعن السرائر : أنه كذلك عندنا بلا خلاف ، ولم ينسب الخلاف فيه إلا إلى ابني الجنيد وأبي عقيل ، اللذين لا يقدح خلافهما في الإجماع ، لكثرة خلافهما في المسلمات.

مع أن محكي كلام الأول في المعتبر هكذا : « فأما ما استفيد من ميراث ، أو كديون ، أو صلة أخ ، أو ربح تجارة ، أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه ، لاختلاف الرواية في ذلك. ولأن لفظ فرضه محتمل هذا المعنى فلو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها .. » وهو غير ظاهر في الخلاف. ومحكي كلام الثاني هكذا : « وقد قيل : الخمس في الأموال كلها ، حتى الخياط والنجار وغلة الدار والبستان والصانع في كسب يده ، لأن ذلك إفادة من الله تعالى وغنيمة .. » ، وهو أيضاً غير ظاهر في الخلاف. قال في محكي البيان : « وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع ، وأنه لا خمس فيه. والأكثر على وجوبه ، وهو المعتمد ، لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما ، واشتهار الروايات‌

٥١٥

______________________________________________________

فيه .. ». وقد عرفت حكاية الإجماع أيضاً في الأزمنة اللاحقة من الأساطين.

ويشهد له جملة من النصوص ، منها : صحيح ابن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري : « كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (ع) : أخبرني عن الخمس ، أعلى جميع ما يستفيده الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب ، وعلى الضياع ، وكيف ذلك؟ فكتب (ع) بخطه : الخمس بعد المؤنة » (١) ، وصحيحه الآخر عن علي بن محمد بن شجاع النيسابوري : « أنه سأل أبا الحسن الثالث (ع) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى ، فأخذ منه العشر عشرة أكرار ، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كراً ، وبقي في يده ستون كراً ، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقع (ع) : لي منه الخمس مما يفضل من مئونته » (٢) ، وصحيحه الثالث : « قال لي أبو علي بن راشد : قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك ، فأعلمت مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأي شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال (ع) : يجب عليهم الخمس. فقلت : في أي شي‌ء؟ فقال : في أمتعتهم وضياعهم وصنائعهم. قلت : والتاجر عليه ، والصانع بيده؟ فقال (ع) : إذا أمكنهم بعد مئونته » (٣) ، وصحيحه الرابع : « كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني. ( إلى أن قال ) : فاختلف من قبلنا في ذلك ، فقالوا : يجب على الضياع الخمس بعد المؤنة ، مئونة الضيعة وخراجها ، لا مئونة الرجل وعياله. فكتب ـ وقرأه علي بن مهزيار ـ : عليه الخمس ، بعد مئونته ومئونة عياله ، وبعد خراج السلطان » (٤) ، وموثق سماعة : « سألت أبا الحسن (ع) عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٤.

٥١٦

______________________________________________________

الخمس ، فقال (ع) : في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير » (١) ، ومصحح الريان بن الصلت : « كتبت إلى أبي محمد ما الذي يجب علي ـ يا مولاي ـ في غلة رحى أرض في قطيعة لي ، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب (ع) : يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى » (٢) ونحوها غيرها مما يمر عليك بعضه في الفروع الآتية.

وكما تدل على ثبوت الخمس تدل بظاهرها ـ أو صريحها ـ على عدم تحليله ، ووجوب دفعه وحرمة حبسه. نعم تأمل فيه بعض متأخري المتأخرين بل عن الذخيرة : الجزم بسقوطه ، وحكي عن الشيخ عبد الله بن صالح البحراني. لقصور سند بعض النصوص الدالة عليه ، أو اشتماله ـ صريحاً أو ظاهراً ـ على ما لا يقول به الأصحاب ، أو لمعارضته بنصوص تحليل حقهم لشيعتهم. لكن الأول غير مطرد في الجميع. ولو سلم فغير قادح بعد الانجبار بالعمل. والثاني لا يقدح في الحجية. والثالث لا يهم ، لإمكان الجمع بالتقييد ، إذ نصوص التحليل ما بين مطلق يمكن تقييده ، كصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) : « قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : هلك الناس في بطونهم وفروجهم ، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا. ألا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل » (٣). ونحوه غيره. وبين ما يختص بحال الضيق والإعواز ، كصحيح ابن مهزيار : « قرأت في كتاب لأبي جعفر (ع) من رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس. فكتب (ع) بخطه : من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حل » (٤) أو تحليل المناكح ، كخبر ضريس الكناسي. « قال أبو عبد الله : أتدري من أين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٢.

٥١٧

______________________________________________________

دخل على الناس الزنا؟ فقلت : لا أدري. فقال (ع) : من قبل خمسنا أهل البيت. إلا لشيعتنا الأطيبين ، فإنه محلل لهم ولميلادهم » (١). ونحوه خبر أبي خديجة : « قال رجل : حلل لي الفروج. ففزع أبو عبد الله (ع) فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق ، إنما يسألك خادماً يشتريها أو امرأة يتزوجها ، أو ميراثاً يصيبه ، أو تجارة أو شيئاً أعطيه. فقال (ع) هذا لشيعتنا حلال ، الشاهد منهم والغائب ، والميت منهم والحي .. » (٢) أو التحليل لما يشتري ممن لا يعتقد وجوب الخمس لما فيه من المشقة العظيمة كخبر يونس بن يعقوب : « كنت عند أبي عبد الله (ع) ، فدخل عليه رجل من القماطين. فقال : جعلت فداك ، تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت ، وإنا عن ذلك مقصرون. فقال أبو عبد الله (ع) : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم » (٣) فان قوله (ع) : « ما أنصفناكم .. » ظاهر في ذلك. أو خصوص الغنيمة والفي‌ء ، كخبر أبي حمزة : « إن الله تعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفي‌ء فقال تبارك وتعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ ... ) فنحن أصحاب الخمس والفي‌ء ، وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ، ولا خمس يخمس ، فيضرب على شي‌ء منه إلا كان حراماً على من يصيبه ، فرجاً كان ، أو مالا ، أو انفالا » (٤) وخبر الحرث الآخر : « يا نجية إن لنا الخمس في كتاب الله ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال .. ( إلى أن قال ) (ع) : اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا » (٥)

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ١٩.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ١٤.

٥١٨

______________________________________________________

أو تحليل الأرض وأنهارها ، كخبري يونس بن ظبيان (١) أو المعلى بن خنيس ومسمع (٢). أو تحليل الأرض الموات ، كصحيح عمر بن يزيد (٣) أو غير ذلك مما لا يرتبط بما نحن فيه.

وبالجملة : بعد ورود النصوص المتقدمة الدالة على عدم العفو عن الخمس ، يتعين حمل النصوص المتضمنة لتحليله على أحد الوجوه المذكورة التي ورد فيها التحليل في النصوص ، جمعاً عرفياً بينها. ولا سيما بعد إعراض الأصحاب عن ظاهرها ، وحكاية الاتفاق على خلافها ، ومنافاتها للغرض من تشريع الخمس لبني هاشم وتحريم الصدقة عليهم. وفي رواية الطبري في جواب الرضا (ع) لمن سأله الاذن في الخمس : « إن الخمس عوننا على ديننا ، وعلى عيالنا ، وعلى موالينا ، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته .. ( إلى أن قال ) (ع) : وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب » (٤).

نعم قد يشكل الحمل في خبر حكيم مؤذن بني عبس عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... ) قال (ع) : هي والله الإفادة يوماً بيوم. إلا أن أبي (ع) جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا » (٥). ولعل المراد به العفو عن لزوم الدفع للخمس يوماً فيوماً ، أو غير ذلك ، كي لا ينافي ما نحن فيه ، مما يتعين العمل به وطرح معارضه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ١٧.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ١٣.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٨.

٥١٩

ومئونة عياله [١] ، من أرباح التجارات ، ومن سائر التكسبات ـ من الصناعات ، والزراعات ، والإجارات ـ حتى الخياطة والكتابة ، والنجارة ، والصيد ، وحيازة المباحات ، وأجرة العبادات الاستيجارية من الحج والصوم والصلاة ، والزيارات وتعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال التي لها أجرة.

______________________________________________________

ثمَّ إن الظاهر أنه لا إشكال في استثناء مئونة السنة. وقد حكي الإجماع عليه عن صريح السرائر ، وظاهر الانتصار والخلاف والمعتبر والتذكرة والمنتهى ومجمع الفائدة والمدارك والذخيرة والمستند وغيرها. وقد تقدم في صحاح ابن مهزيار وغيرها ما يدل عليه. نعم ليس فيها ولا في غيرها تعرض صريح لكون المراد منها مئونة السنة ، كما اعترف به في الحدائق وغيرها. نعم يقتضيه الإطلاق المقامي ، إذ إرادة غيرها مما لا قرينة عليه ، بخلاف مئونة السنة ، فيقال : « زيد يملك مئونته أو لا يملك » أو « يقدر على مئونته أو لا يقدر » والمراد منه ذلك. وكأن السر فيه : اختلاف أوقات السنة بوجود المؤنة وعدمها ووجود الربح وعدمه ، فرب وقت فيه ربح ولا مئونة ورب وقت على العكس. ولما كان ذلك ناشئاً من اختلاف الأحوال الحادثة في السنة ، من الحر والبرد ، والمطر والصحو وغير ذلك ، كان المعيار عندهم في مثل قولهم : « ربح فلان مقدار مئونته ، أو لم يربح مقدار مئونته » ذلك.

وبالجملة : ما ذكر يصلح قرينة على إرادة مئونة السنة ، وليس ما يصلح قرينة لإرادة غيرها ، فيتعين البناء عليها عند الإطلاق. بل قد يشير اليه الجمع بين نصوص استثناء المؤنة وصحيح ابن مهزيار : « فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام .. » (١). فلاحظ.

[١] كما عرفت التصريح به في النص.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٥.

٥٢٠