مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

كان بسكة الإسلام [١] أو الكفر ، بكتابة أو غيرها ، بقيت سكتها أو صارا ممسوحين بالعارض [٢]. وأما إذا كانا ممسوحين‌

______________________________________________________

فيبقي نحواً من سنة ، أنزكيه؟ قال (ع) : كل ما لم يحل عليه الحول فليس فيه عليك زكاة ، وكل ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شي‌ء. قلت : وما الركاز؟ قال (ع) : الصامت المنقوش. ثمَّ قال (ع) : إذا أردت ذلك فاسبكه ، فإنه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة زكاة » (١). قال في القاموس : « الصامت من المال : الذهب والفضة زكاة ». وعن غير واحد : « أن المراد من المنقوش المسكوك ». ويقتضيه مرسل جميل : « ليس في التبر زكاة. إنما هي على الدنانير والدراهم » (٢). ونحوه خبر الآخر (٣).

والضعف بإرسال الأول ، واشتمال الثاني على جعفر بن محمد بن حكيم لا يهم ، بعد اعتماد الأصحاب. فتأمل. ويعضدها : النصوص المتضمنة نفي الزكاة في التبر ، ونقار الفضة ، والسبائك ، والحلي (٤). فإنها مانعة من حمل المنقوش على مطلق المنقوش ـ بالمعنى اللغوي ـ لكثرة وجود النقش في السبائك والحلي ، فيتعين الحمل على المنقوش المعهود ، أعني : خصوص المسكوك.

[١] كل ذلك لإطلاق الأدلة ، مع عدم ظهور الخلاف.

[٢] هذا يتم لو لم يقدح المسح في صدق الدينار والدرهم. وكأن المراد من المنقوش ـ في صحيح ابن يقطين ـ مطلق المسكوك. وكأنه للإشكال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٥.

(٤) لاحظ الوسائل باب : ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضة ويأتي ذكر الكثير منها في المسألة : ١ من هذا الفصل.

١٢١

بالأصالة فلا تجب فيهما [١]. إلا إذا تعومل بهما فتجب على‌

______________________________________________________

في ذلك منع في الروضة ـ على ما حكي ـ من ثبوت الزكاة في الممسوح.لكن الظاهر تمامية المقدمتين معاً.

[١] كما صرح به جماعة كثيرة ، منهم الشرائع والإرشاد ، وصريح المدارك وظاهر الذخيرة : الإجماع عليه. وعن غير واحد : التصريح بعموم النفي لصورة جريان المعاملة به. ووجهه : التقييد بالمنقوش في الصحيح. لكن قد عرفت : أن المراد منه المسكوك وإن لم يكن منقوشاً.

نعم إذا لم يتعامل بها لم تجب الزكاة ، لعدم كونها دراهم أو دنانير ويشير إلى ذلك خبر علي بن يقطين الوارد فيما سبك فراراً من الزكاة ، قال (ع) : « ألا ترى أن المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة » (١) فإن الظاهر من المنفعة الغرض المقصود ، من اقتناء الدراهم والدنانير. ومقتضى الأخير عدم وجوب الزكاة إذا هجرت ولم يتعامل بها. لكن المصرح به في كلام جماعة الوجوب ، بل في الجواهر : « لم أر فيه خلافاً ، للاستصحاب ، والإطلاق ، وغيرهما ». لكن الاستصحاب الحكمي تعليقي تشكل حجيته. والإطلاق لا يبعد انصرافه إلى صورة التعامل ، لو سلم صدقه مع هجر التعامل به ، فلم يبق إلا ظاهر الإجماع ، والاعتماد عليه لا يخلو من إشكال.

ثمَّ إن الظاهر أن الوجه في الفرق بين الممسوح بالعارض والممسوح بالأصل ـ حيث جزم في الأول بوجوب الزكاة فيه ، وجزم في الثاني بالعدم الا مع التعامل به ـ : هو الاستصحاب. لكنه تعليقي يشكل العمل به. ولو أريد استصحاب كونه درهماً أو ديناراً كان من استصحاب المفهوم المردد غير الجاري على التحقيق أيضاً.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٢.

١٢٢

الأحوط. كما أن الأحوط ذلك أيضاً إذا ضربت للمعاملة ولم يتعامل بهما ، أو تعومل بهما لكنه لم يصل رواجهما إلى حد يكون دراهم أو دنانير. ولو اتخذ الدراهم أو الدينار للزينة ، فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب فيه الزكاة [١] ، وإلا وجبت.

الثالث : مضي الحول [٢] بالدخول في الشهر الثاني‌

______________________________________________________

هذا ومما ذكرنا يظهر الإشكال في التمسك بالاستصحاب على الوجوب فيما لو اتخذت الدراهم للزينة. نعم لا بأس في التمسك بالإطلاق.

ودعوى معارضته بإطلاق ما دل على نفيها في الحلي. مدفوعة : بأن الظاهر من الحلي الإشارة إلى الذوات الخاصة ، ولم يلحظ فيه الوصف عنواناً لينطبق على مثل الدراهم المتخذة للتحلي بها. لا أقل من وجوب الحمل على ذلك ، جمعاً بين الدليلين. ولو سلم التعارض تعين الرجوع إلى عموم وجوب الزكاة في الذهب والفضة ، المقتضي لوجوبها فيهما.

[١] يشكل الفرق بين الفرض وصورة هجر المعاملة. ومجرد كون عدم المعاملة هنا مستنداً إلى التغيير ، بخلاف صورة الهجر ، فإنه مستند إلى أمر آخر لا يجدي فارقاً. إلا مع فرض كون التغيير موجباً لانتفاء الصدق ، أو انصراف الأدلة. ويكون المدار ذلك ، لا مجرد عدم رواج المعاملة.

والانصاف : أن البناء على دوران الحكم في جميع الفروض على جريان المعاملة والاتخاذ ثمناً غير بعيد ، اعتماداً على التعليل المتقدم ، ويكون الوجوب في المهجورة للإجماع من باب التخصيص. فتأمل.

[٢] بلا إشكال ، ونقل الإجماع عليه جماعة كثيرة ، بل عن بعض عده ضرورياً. ويشهد له صحيح ابن يقطين ـ المتقدم في الشرط الثاني ـ ومصحح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : رجل كان عنده مائتا درهم غير درهم ـ احد عشر شهراً ، ثمَّ أصاب درهماً بعد ذلك في الشهر الثاني‌

١٢٣

عشر [١] ، جامعاً للشرائط التي منها النصاب. فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب. وكذا لو تبدل بغيره ، من جنسه أو غيره. وكذا لو غير بالسبك ، سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أولا على الأقوى [٢]. وإن كان الأحوط الإخراج على الأول. ولو سبك الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة [٣] ووجب الإخراج بملاحظة الدراهم والدنانير [٤] ، إذا فرض‌

______________________________________________________

عشر ، وكملت عنده مائتا درهم ، أعليه زكاتها؟ قال (ع) : لا ، حتى يحول عليه الحول وهي مائتا درهم. فان كانت مائة وخمسين درهماً ، فأصاب خمسين ـ بعد أن مضى شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول. قلت له (ع) : فان كانت عنده مائتا درهم غير درهم ، فمضى عليها أيام قبل أن ينقضي الشهر ، ثمَّ أصاب درهماً ، فأتى على الدراهم مع الدرهم حول ، أعليه زكاة؟ قال (ع) : نعم. وإن لم يمض عليها جميعاً الحول فلا شي‌ء عليه فيها » (‌١) ، ومرسل الفقيه عن أبي جعفر (ع) : « في التسعة أصناف إذا حولتها في السنة ، فليس عليك فيها شي‌ء » (٢).

(١) كما تقدم في الأنعام.

(٢) كما تقدم الكلام فيه في الأنعام أيضاً.

(٣) إجماعاً. ويقتضيه عموم الوجوب. وتوهم معارضته بما دل على أنه لا زكاة في السبائك مندفع : بظهور الثاني في عدم الوجوب فيها ، لا في سقوطها عن المال بصيرورته سبائك ، كما هو ظاهر.

(٤) لأنها الفريضة الواجبة ، فيضمن النقيصة الواردة عليها بالسبك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٢.

١٢٤

نقص القيمة بالسبك.

( مسألة ١ ) : لا تجب الزكاة في الحلي [١] ، ولا في أواني الذهب والفضة [٢] ، وإن بلغت ما بلغت. بل عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم والدينار إذا اتخذا للزينة وخرجا عن رواج المعاملة بهما. نعم في جملة من الأخبار : أن زكاتها إعارتها [٣].

______________________________________________________

كما أن له الزيادة الحاصلة به لو فرضت ، لأنه ماله.

[١] إجماعاً حكاه جماعة كثيرة. ويشهد له صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « عن الحلي فيه زكاة؟ قال : لا » (١). وفي صحيح يعقوب : « إذاً لا يبقى منه شي‌ء » (٢). وفي صحيح رفاعة : « ولو بلغ مائة ألف » (٣). ونحوها غيرها مما هو كثير.

[٢] كما يقتضيه ما دل على حصر الزكاة في الدراهم والدنانير. وعن بعض أصحابنا : وجوب الزكاة في المحرم منها ، كالأواني ، والحلي من الذهب للرجل ، ونحوهما. ودليله غير ظاهر. إلا دعوى : استفادة أن سقوط الزكاة في الحلي للإرفاق غير الشامل للمحرم. لكنه ـ كما ترى ـ خلاف إطلاق ما تقدم.

[٣] لم أقف إلا على مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « زكاة الحلي عاريته » (٤) ، وما في الفقه الرضوي : « ليس على الحلي زكاة ، ولكن تعيره مؤمناً إذا استعار منك ، فهو زكاته » (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ١.

(٥) مستدرك الوسائل باب : ٨ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٢.

١٢٥

( مسألة ٢ ) : لا فرق في الذهب والفضة بين الجيد منها والردي [١] ، بل تجب إذا كان بعض النصاب جيداً وبعضه ردياً. ويجوز الإخراج من الردي [٢] وإن كان تمام النصاب من الجيد. لكن الأحوط خلافه ، بل يخرج الجيد من الجيد ، ويبعض بالنسبة مع التبعض ، وإن أخرج الجيد عن الجميع فهو أحسن. نعم لا يجوز دفع الجيد عن الردي بالتقويم [٣] ، بأن يدفع نصف دينار جيد يسوى ديناراً‌

______________________________________________________

[١] لإطلاق الأدلة. وكذا الوجه فيما بعده.

[٢] كما عن المبسوط ، واختاره في الجواهر. عملا بإطلاق ما دل على وجوب خمسة دراهم في المائتين. لكن في الشرائع : إن تطوع بالأرغب ، وإلا كان له الإخراج من كل جنس بقسطه ، ونسب إلى المشهور. وكأنه مبني على وجوب الكسر المشاع ، ولازمه أن إعطاء الأرغب إعطاء لأكثر من الحق الواجب ، وأنه يجوز إعطاء نصف درهم من الجيد إذا كان يساوي قيمة خمسة ، وأنه إذا كان النصاب بعضه جيداً وبعضه أجود يجب التقسيط أيضاً ، كما عن المحقق والشهيد الثانيين. بل عن الشهيد الأول أيضاً. وسيأتي في محله بطلان هذه اللوازم ، وضعف مبناها.

[٣] كما نسب إلى المشهور. إذ لا إطلاق فيما دل على جواز دفع القيمة بنحو يشمل ذلك. ومجرد جواز دفع الأدون لا يلازم جواز دفع القيمة على النحو المذكور ، فما في الحدائق ـ من أن الظاهر أنه لا إشكال في الاجزاء على مذهب الشيخ من جواز إخراج الأدون ، لأنه متى كان الواجب عليه ديناراً ، واختار دفع الأدون ، وأراد دفع قيمته ، ودفع نصف دينار خالص بقيمة ذلك الدينار الأدون ، فالمدفوع قيمته حينئذ ـ غير ظاهر ،

١٢٦

ردياً عن دينار ، إلا إذا صالح [١] الفقير بقيمة في ذمته ، ثمَّ احتسب تلك القيمة عما عليه من الزكاة ، فإنه لا مانع منه. كما لا مانع من دفع الدينار [٢] الردي عن نصف دينار جيد إذا كان فرضه ذلك [٣].

( مسألة ٣ ) : تتعلق الزكاة بالدراهم والدنانير المغشوشة [٤]

______________________________________________________

فإنه إنما يتم لو تمَّ إطلاق أدلة دفع القيمة بنحو يشمل ذلك. لكنه غير ثابت.

[١] يعني : صالح الفقير عن نصف الدينار ـ الذي يدفعه إليه ـ بثوب في ذمة الفقير ، ثمَّ يحتسب الثوب ـ الذي يسوى ديناراً رديئاً ـ زكاة بعنوان القيمة. والظاهر أنه لا إشكال في صحة ذلك ، وقد نص عليه في الجواهر. والفرق بينه وبين ما قبله ظاهر.

[٢] المانع السابق مطرد في الفرض ، كما اعترف به في الجواهر. فالجواز لا بد أن يكون من جهة كونه الفريضة وزيادة. لكنه يتم لو لم يقدح القصد المذكور ، لكنه غير ظاهر. وإن قال في الجواهر : أنه لا يقدح في الاجزاء وإن لم يتم له ما قصده.

[٣] يعني : نصف دينار. وأما نصف الدينار الجيد فقد تقدم منه : أنه لا يكون فرضاً.

[٤] بلا خلاف ظاهر ، بل عن غير واحد : نسبته إلى الأصحاب وقد يستشكل فيه تارة : من جهة عدم صدق الدراهم والدنانير على المغشوش حقيقة ، وأخرى : من جهة ما دل على أنه لا زكاة على غير الفضة والذهب والمغشوش لا يصدق عليه أحدهما. لكن الأول ممنوع. ولا سيما بملاحظة غلبة الغش. إلا أن يقال : إنما لا يقدح الغش في الصدق إذا كان مستهلكاً في جوهر الذهب والفضة ، لا مطلقاً. والثاني إنما يقتضي عدم احتساب الغش جزءاً من النصاب ، لا سقوط الزكاة عن الفضة والذهب الموجودين‌

١٢٧

______________________________________________________

في المغشوش مطلقاً. إلا أن يقال : إن وجود عين الفضة لا يقتضي صدق الفضة ، لأنها اسم لوجود العين على نحو يقال له فضة ، فلا يشمل الأجزاء المنبثة الممتزجة مع غيرها.

وكيف كان يدل على ما ذكر خبر زيد الصائغ : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى ، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة وثلث مساً وثلث رصاص ، وكانت تجوز عندهم ، وكنت أعملها وأنفقها. فقال أبو عبد الله (ع) : لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم. فقلت : أرأيت إن حال عليها الحول وهي عندي ، وفيها ما يجب علي فيه الزكاة ، أزكيها؟ قال (ع) : نعم إنما هو مالك. قلت : فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها ، فبقيت عندي حتى حال عليها الحول ، أزكيها؟ قال (ع) : إن كنت تعرف أن فيها من الفضة الخالصة مما يجب عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة الخالصة من فضة ، ودع ما سوى ذلك من الخبيث. قلت : وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة ، إلا أني أعلم أن فيها ما تجب فيه الزكاة. قال (ع) : فاسبكها حتى تخلص الفضة ويحترق الخبيث ، ثمَّ تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة » (١). وضعفه منجبر بالعمل كما في الجواهر.

اللهم إلا أن يحتمل : أن بناء الأصحاب على الوجوب ليس اعتماداً على الخبر ، بل بناء منهم على أنه مقتضى القاعدة الأولية ، لصدق الدرهم والدينار على المغشوش. فإذا أشكل ذلك عندنا أشكل الحكم من أصله » والمرجع الأصل ، وهو يقتضي العدم. لكن الاحتمال المذكور موهون ، لذكر الرواية في كتبهم ، واستنادهم إليها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ١.

١٢٨

إذا بلغ خالصهما [١] النصاب. ولو شك في بلوغه ، ولا طريق للعلم بذلك ـ ولو للضرر ـ لم تجب [٢]. وفي وجوب التصفية ونحوها للاختبار إشكال [٣] ، أحوطه ذلك. وإن كان عدمه لا يخلو عن قوة [٤].

______________________________________________________

[١] كما صرح به في الخبر المتقدم. ويقتضيه عموم ما دل على نفي الزكاة في غير التسعة (١).

[٢] لأصالة عدم تعلقها بالمال. نعم لو دل دليل على وجوب الاختبار كان مرجعه إلى وجوب الاحتياط ، لا وجوب الاختبار تعبداً. وحينئذ لا يسقط بمجرد عدم إمكان الاختبار ، أو لزوم الضرر منه ، وإنما يجدي ذلك في سقوط الوجوب لو كان نفسياً أو غيرياً. وليس كذلك نظير وجوب الفحص في الشبهات الحكمية.

[٣] ينشأ : مما ذكرنا من الأصول في صورة عدم إمكان الاختبار. ومن أن البناء عليه يوجب المحالفة الكثيرة ، بحيث يعلم من مذاق الشارع كراهة حصولها ، بنحو يستكشف منه إيجاب الاحتياط.

[٤] كما نسب إلى المعروف ، بل عن المسالك : لا قائل بالوجوب ، وفي الجواهر : قوى الوجوب ، إن لم يكن إجماع على خلافه. لأن البناء على العدم يوجب إسقاط كثير من الواجبات. وهو كما ترى ، إذ ليس ما يلزم من المخالفة هنا أكثر مما يلزم من المخالفة في جريان أصل الطهارة ونحوه من الأصول الموضوعية التي لا يشترط في جريانها الفحص إجماعاً.

نعم مقتضى خبر زيد الصائغ وجوب الاختبار (٢). لكن مورده صورة العلم بوجود النصاب مع الشك في مقداره ، فإثبات الحكم في غيره‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث : ١ ، ٤ وغيرهما.

(٢) تقدم ذلك في أوائل هذه المسألة.

١٢٩

( مسألة ٤ ) : إذا كان عنده نصاب من الجيد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش [١] ، إلا إذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص ، وإن كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه. إلا إذا دفعه بعنوان القيمة ، إذا كان للخليط قيمة [٢].

( مسألة ٥ ) : وكذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش [٣] ، إلا مع العلم على النحو المذكور.

( مسألة ٦ ) : لو كان عنده دراهم أو دنانير بحد النصاب ، وشك في أنه خالص أو مغشوش ، فالأقوى عدم وجوب الزكاة [٤]. وإن كان أحوط.

( مسألة ٧ ) : لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب ، أو الدنانير المغشوشة بالفضة لم يجب عليه شي‌ء ،

______________________________________________________

موقوف على إلغاء خصوصية مورده ، وهو غير ظاهر. بل ظاهر قوله (ع) في صدره : « إن كنت تعرف .. » العدم.

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر. لاستصحاب بقاء الزكاة إلى أن يعلم بالدفع.

[٢] لما سبق : من أنه لا يجوز إخراج القيمة من جنس الفريضة ، فيكون المدفوع في الفرض بعض الفريضة ، وقيمة البعض الآخر. وعلى هذا لا بد أن تكون قيمة الخليط قيمة الجيد. إلا أن يقال : المغشوش جنس آخر غير جنس الفريضة ، فالمدار على قيمته ، لا قيمة الخليط. فتأمل.

[٣] لما سبق في المسألة الرابعة.

[٤] لما سبق في المسألة الثالثة. وكذا قوله (ره) في المسألة الآتية : « لم يجب عليه شي‌ء إلا إذا علم ».

١٣٠

إلا إذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حد النصاب ، فيجب في البالغ منهما أو فيهما. فان علم الحال فهو ، وإلا وجبت التصفية [١]. ولو علم أكثرية أحدهما مردداً ، ولم يمكن العلم وجب إخراج الأكثر [٢] من كل منهما. فاذا كان عنده ألف ، وتردد بين أن يكون مقدار الفضة فيها أربعمائة والذهب ستمائة وبين العكس أخرج عن ستمائة ذهباً وستمائة فضة. ويجوز أن يدفع بعنوان القيمة [٣] ستمائة عن الذهب ، وأربعمائة عن الفضة ، بقصد ما في الواقع.

( مسألة ٨ ) : لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة ، وعلم أن الغش ثلثها مثلا ـ على التساوي في أفرادها ـ يجوز له أن يخرج خمسة دراهم من الخالص ، وأن يخرج سبعة ونصف من المغشوش. وأما إذا كان الغش بعد العلم بكونه ثلثاً في المجموع ـ لا على التساوي فيها ـ فلا بد من تحصيل العلم بالبراءة إما بإخراج الخالص ، وإما بوجه آخر [٤].

______________________________________________________

[١] لخبر زيد الصائغ ، الذي قد عرفت انجباره بالعمل. وبه يخرج عن الأصل المقتضي لعدم وجوب أكثر من المقدار المتيقن.

[٢] عملا بالعلم الإجمالي.

[٣] القيمة أحد طرفي الترديد. إذ يحتمل أن يكون الستمائة المدفوعة عن الذهب كلها فريضة ، فيتعين الدفع مردداً بين الفريضة إن كان الأكثر من جنس الزائد ، والقيمة إن كان من الجنس الآخر.

[٤] أما دفع السبعة ونصف فلا تجزي ، لجواز أن تكون أكثر غشاً. من غيرها ، فلا تساوي خمسة دراهم خالصة.

١٣١

( مسألة ٩ ) : إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة وغاب وبقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب لم تجب عليه. إلا إذا كان متمكناً من التصرف فيه طول الحول [١] ، مع كونه غائباً.

______________________________________________________

[١] قد تقدم منه في الشروط العامة : الاكتفاء في صدق التمكن من التصرف بكون المال في يد وكيله. لكن ورد في المسألة أخبار تدل بظاهرها على سقوط الزكاة عن المال الغائب مالكه عنه ، كمصحح إسحاق عن أبي الحسن الماضي (ع) : قلت له : رجل خلف عند أهله نفقة ألفين لسنتين عليها زكاة؟ قال (ع) : إن كان شاهدا فعليه زكاة ، وإن كان غائبا فليس عليه زكاة (١) ، ومرسل ابن أبي عمير : « في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة ، فحال عليها الحول. قال (ع) : إن كان مقيماً زكاه وإن كان غائباً لم يزك » (٢). ونحوهما خبر أبي بصير (٣) والمشهور شهرة عظيمة العمل بها ، والفتوى بمضمونها. بل عن المسالك : « ربما كان ذلك إجماعاً ، لكون المخالف ـ وهو ابن إدريس ـ معلوم النسب .. ». ولا بأس به ، إذ لا قصور في سند بعضها. ولا سيما بعد انجباره بالعمل ، فلا مانع من تخصيص العمومات به.

وفي الجواهر : « قد يجول في الذهن : أن مبنى هذه النصوص على خروج هذا الفرد عن تلك العمومات لا تخصيصها ، باعتبار تعريضه للتلف بالإنفاق والاعراض عنه لهذه الجهة الخاصة ، فكأنه أخرجه عن ملكه ، فلا يصدق أنه حال عليه الحول عنده. خصوصاً مع عدم علمه ـ بسبب غيبته عنه ـ كيف صنع به عياله. ويمكن أن يكون بدلوه بمال آخر ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٣.

١٣٢

( مسألة ١٠ ) : إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة ، وكان كلها أو بعضها أقل من النصاب ، فلا يجبر الناقص منها [١] بالجنس الآخر. مثلا : إذا كان عنده تسعة عشر ديناراً ، ومائة وتسعون درهماً ، لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم ، ولا العكس.

فصل في زكاة الغلات الأربع

وهي ـ كما عرفت ـ : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب. وفي إلحاق السلت ـ الذي هو كالشعير في طبعه وبرودته ، وكالحنطة في ملاسته وعدم القشر له ـ إشكال [٢]

______________________________________________________

أو اشتروا ما يحتاجونه سنين مثلا ، وغير ذلك من الاحتمالات التي تحصل له بالغيبة دون الحضور .. ». وفيه : أن لازم ذلك اطراد الحكم في الحاضر ـ إذا كان على النحو المذكور ـ في الغائب ، ولا يظن الالتزام به مع أن حمل النصوص على ما ذكر مما لا قرينة عليه. فلاحظ.

[١] بلا خلاف ولا إشكال. وعن جماعة : دعوى الإجماع عليه. والنصوص به صريحة ، كصحيح زرارة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل عنده مائة درهم ، وتسعة وتسعون درهما ، وتسعة عشر ديناراً ، أيزكيها؟ قال (ع) : لا ، ليس عليه زكاة في الدراهم ، ولا في الدنانير حتى يتم » (١). ونحوه غيره.

فصل في زكاة الغلات الأربع‌

[٢] بل خلاف ، فعن المبسوط والخلاف والمنتهى وجامع المقاصد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ١.

١٣٣

فلا يترك الاحتياط فيه. كالإشكال في العلس ـ الذي هو كالحنطة. بل قيل : إنه نوع منها ، في كل قشر حبتان ، وهو طعام أهل صنعاء ـ فلا يترك الاحتياط فيه أيضاً. ولا تجب الزكاة في غيرها [١] ، وإن كان يستحب إخراجها من كل ما تنبت الأرض ، مما يكال أو يوزن من الحبوب ، كالماش والذرة ، والأرز ، والدخن ، ونحوها. إلا الخضر والبقول. وحكم ما يستحب فيه حكم ما يجب فيه [٢] ، في قدر النصاب ،

______________________________________________________

والمسالك والروضة وغيرها. وجوب الزكاة فيه ، وفي العلس إلحاقاً لها بالشعير والحنطة. وفي الشرائع ، وعن التذكرة والموجز وغيرها : العدم ، بل نسب إلى المشهور.

ووجه الأول : دعوى جماعة من أهل اللغة : أن السلت ضرب من الشعير ، وأن العلس ضرب من الحنطة. وفيه : أن كلام أهل اللغة لا يراد منه بيان الفردية للمفهوم العرفي ، بل الفردية للمفهوم الحقيقي. مثل قولنا : « البخار ماء » ، و« الغبار تراب » ، و« الدخان رماد » ونحو ذلك ، مما يراد منه بيان وحدة الحقيقة لا غير. ولو سلم الأول فهو مخالف للمفهوم منهما عرفاً ، كما يشير الى ذلك مصحح محمد بن مسلم : « سألته عن الحبوب ما يزكى منها. قال (ع) : البر ، والشعير ، والذرة ، والدخن ، والأرز ، والسلت ، والعدس .. » (١). ونحوه غيره. والحال في العلس هو الحال في السلت.

[١] كما تقدم في أوائل المبحث.

[٢] للإطلاق المقامي لأدلة الاستحباب ، فان عدم تعرضها لبيان الخصوصيات المذكورة ظاهر في إيكال بيانها إلى بيان ما تجب فيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث : ٤.

١٣٤

وكمية ما يخرج منه ، وغير ذلك. ويعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران :

الأول : بلوغ النصاب [١] ، وهو بالمن الشاهي [٢]

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ولا إشكال. وقد نقل الإجماع عليه جماعة كثيرة ، كالنصوص الدالة عليه. منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « ما أنبتت الأرض من الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ما بلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعاً ، فذلك ثلاثمائة صاع ، ففيه العشر. وما كان يسقى بالرشا والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر. وما سقت السماء والسيح ، أو كان بعلاً ففيه العشر تاماً. وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء ، وليس فيما أنبتت الأرض شي‌ء ، إلا في هذه الأربعة أشياء » (١). ونحوه غيره.

نعم في المرسل عن ابن سنان : « عن الزكاة في كم تجب في الحنطة والشعير؟ فقال (ع) : وسق » (٢) ، وفي موثق الحلبي : « في كم تجب الزكاة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر؟ قال (ع) : في ستين صاعاً » (٣) وفي خبر أبي بصير : « لا يكون في الحب ، ولا في النخل ، ولا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين ، والوسق ستون صاعاً » (٤). لكن الجميع محمول ـ إجماعاً ـ على الاستحباب ، أو غيره جمعاً. ومثلها ما تضمن ثبوت الزكاة في القليل والكثير.

[٢] قد حكي عن جماعة دعوى الإجماع ـ صريحاً وظاهراً ـ على أن الصاع أربعة أمداد ، وأن المد رطلان وربع بالرطل العراقي ، ورطل ونصف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب زكاة الغلات حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب زكاة الغلات حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب زكاة الغلات حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب زكاة الغلات حديث : ٣.

١٣٥

ـ وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالا صيرفياً ـ مائة وأربعة وأربعون مناً ، إلا خمسة وأربعين مثقالا. وبالمن التبريزي ـ الذي‌

______________________________________________________

بالرطل المدني ، فيكون الصاع تسعة أرطال بالعراقي ، وستة بالمدني. ويشهد له مكاتبة جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني إلى أبي الحسن (ع) : « جعلت فداك ، إن أصحابنا اختلفوا في الصاع ، بعضهم يقول : الفطرة بصاع المدني ، وبعضهم يقول : بصاع العراقي. قال فكتب إلي : الصاع ستة أرطال بالمدني ، وتسعة أرطال بالعراقي. قال : وأخبرني أنه يكون بالوزن ألفاً ومائة وسبعين وزنة [ درهما. عيون الأخبار ] » (١) ، وخبر إبراهيم بن محمد : « إن أبا الحسن صاحب العسكر (ع) كتب إليه في حديث : الفطرة عليك وعلى الناس .. ( إلى أن قال ) : تدفعه وزناً : ستة أرطال برطل المدينة. والرطل مائة وخمسة وتسعون درهماً ، تكون الفطرة ألفاً ومائة وسبعين درهماً » (٢).

والمستفاد منهما : أن رطل العراقي مائة وثلاثون درهماً ، يكون التسعة أرطال : ألفاً ومائة وسبعين درهماً ، وأن الرطل المدني مائة وخمسة وتسعون درهماً ، يكون الستة منها أيضاً : ألفاً ومائة وسبعين درهماً. ولما كان العشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية ، يكون الصاع ثمانمائة وتسعة عشر مثقالا شرعياً. ولما كان المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، يكون الصاع ستمائة وأربعة عشر مثقالا صيرفياً. وربع مثقال صيرفي ، فتكون الثلاثمائة صاع : مائة ألف مثقال ، وأربعة. وثمانين ألف مثقال ، ومائتين وخمسة وسبعين مثقالا. وقد حسبناه مقسماً على المن الشاهي ، والمن التبريزي ، وحقة النجف ، وحقة الاسلامبول ، فكان الحساب كما ذكر في المتن.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٤.

١٣٦

هو ألف مثقال ـ مائة وأربعة وثمانون مناً ، وربع من ، وخمسة وعشرون مثقالا. وبحقة النجف في زماننا ( سنة ١٣٢٦ ) ـ وهي تسعمائة وثلاثة وثلاثون مثقالا صيرفياً ، وثلث مثقال ـ ثمان وزنات [١] ، وخمس حقق ونصف ، إلا ثمانية وخمسين مثقالا ، وثلث مثقال. وبعيار الاسلامبول ـ وهو مائتان وثمانون مثقالا ـ سبع وعشرون وزنة ، وعشر حقق ، وخمسة وثلاثون مثقالا. ولا تجب في الناقص [٢] عن النصاب ولو يسيراً [٣] كما أنها تجب في الزائد عليه [٤] ، يسيراً كان أو كثيرا.

الثاني : التملك بالزراعة [٥] فيما يزرع ، أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلق الزكاة. وكذا في الثمرة كون الشجر ملكاً له إلى وقت التعلق ، أو انتقالها إلى ملكه ـ منفردة ، أو مع الشجر ـ قبل وقته.

______________________________________________________

[١] الوزنة : أربعة وعشرون حقة.

[٢] كما صرح به في النصوص.

[٣] للإطلاق.

[٤] بلا إشكال ولا خلاف ، كما يقتضيه إطلاق النصوص.

[٥] قال في الشرائع : « ولا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا ملكت بالزراعة ، لا بغيرها من الأسباب ، كالابتياع ، والاتهاب .. ». وقد نقل غير واحد الإجماع على اعتبار الشرط المذكور في الجملة ، بل عن غير واحد : دعوى إجماع علماء الإسلام عليه في الجملة. فإذاً هو مما لا إشكال فيه.

نعم الاشكال على الشرائع في تعبيره عن الشرط بما ذكر من العبارة‌

١٣٧

( مسألة ١ ) : في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف فالمشهور على أنه في الحنطة [١] والشعير عند انعقاد حبتهما ، وفي ثمر النخل حين اصفراره أو احمراره ، وفي ثمرة الكرم عند انعقادها حصرماً. وذهب جماعة إلى أن المدار صدق أسماء المذكورات ، من الحنطة ، والشعير ، والتمر ، وصدق اسم العنب في الزبيب. وهذا القول لا يخلو عن قوة. وإن كان القول الأول‌

______________________________________________________

لإيهامها خلاف المقصود. إذ مقتضاها عدم وجوب الزكاة فيما يملك بالابتياع والهبة مطلقاً ، وهو غير مراد قطعاً ، لأنه مخالف لإجماع المسلمين ، كما صرح به في المدارك. ولأجل هذا الاشكال جعل في المتن الشرط أحد الأمرين ، من التملك بالزراعة ، وانتقال الزرع الى ملكه قبل وقت تعلق الزكاة. لكن قال في محكي المدارك : « وكان الأوضح جعل الشرط كونها مملوكة وقت بلوغها الحد الذي يتعلق به الزكاة ، كما اقتضاه صريح كلام الفريقين .. ». وما ذكره في محله. وان تصدى غير واحد للإيراد عليه وتوجيه عبارة الشرائع. بل الأولى إلغاء هذا الشرط بالمرة ، لأنه إن أريد اشتراطه في أصل التعلق يغني عنه ما تقدم من اعتبار الملك. وإن أريد بيان اعتبار كون الملك حال التعلق ، فلا خصوصية للملك من بين الشرائط العامة ، إذ يعتبر في جميعها أن تكون حال التعلق ، كما لا يخفى. فلاحظ.

[١] قال في المختلف : « المشهور أن الزكاة تجب في الغلات إذا كانت ثمرة عند اصفرارها واحمرارها. وان كانت غلة فعند اشتداد حبها. ولا يجب الإخراج إلا عند الحصاد والجذاذ إجماعاً. وقال بعض علمائنا : إنما تجب الزكاة عندما يسمى تمراً وزبيباً وحنطة وشعيراً ، وهو بلوغها حد اليبس ». وحكيت نسبة القول المذكور الى المشهور عن الإيضاح ، وجامع‌

١٣٨

______________________________________________________

المقاصد ، وتعليق النافع ، وفوائد الشرائع ، والروضة ، والمسالك ، وإيضاح النافع ، والمصابيح ، والحدائق ، والرياض. بل عن بعض نسبته إلى الأصحاب ، وعن التنقيح : لا نعلم قائلا بغيره قبل المحقق (ره) ، وفي الشرائع والنافع ـ وعن أبي علي وفخر الإسلام ، ونسب إلى ظاهر المقنع ، والهداية ، وكتاب الأشراف ، والمقنعة ، والغنية ، والإشارة وغيرها ، وفي المنتهى نسب إلى والده ـ : اختيار ما في المتن ، وفي الذخيرة : إنه لا يخلو من ترجيح.

واستدل للأول تارة : بالإجماع المحكي عن المنتهى ، حيث قال : « لا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا نمت في ملكه ، فلو ابتاع ، أو استوهب ، أو ورث بعد بدو الصلاح لم تجب الزكاة بإجماع العلماء .. ». وفيه ـ مع أن الظاهر أن دعواه الإجماع إنما هي على اعتبار الشرط الثاني في الجملة ـ : لا مجال للاعتماد عليه ، مع وضوح الخلاف.

وأخرى : بصحيح سليمان بن خالد : ليس في النخل صدقة حتى تبلغ خمسة أوساق. والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيباً » (١) ونحوه خبر الحلبي (٢). وفيه : أن صدره لا إطلاق فيه من هذه الجهة وذيله جعل الموضوع فيه العنب ، لا الحصرم ، كما هو المدعى.

وثالثة : بصحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (ع) : « سألته عن الزكاة في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال (ع) : إذا ما صرم ، وإذا ما خرص » (٣) وفيه ـ مع أن ظاهره السؤال عن وقت وجوب الإخراج ، لا وقت التعلق ـ : أنه ليس فيه دلالة على أن وقت الصرم حين بدو الصلاح. بل ظاهر عطفه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب زكاة الغلات حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب زكاة الغلات حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الغلات حديث : ١.

١٣٩

______________________________________________________

بالواو على الصرم في مقام بيان التوقيت كون الوقت واحداً. فيكون المراد : أنه إن صرم في وقته فوقت الوجوب هو ذلك الوقت ، وإن لم يصرم في وقته ، يخرص على صاحبه حينئذ وتجب عليه زكاته ، فيكون وقت الخرص هو الوقت المناسب للصرم.

ورابعة : بصحيح سعد الآخر : « .. وهل على العنب زكاة؟ أو إنما يجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال (ع) : نعم إذا خرصه أخرج زكاته » (١) وفيه ـ مع احتمال أن يكون قوله (ع) : « نعم .. » إعلاماً بما بعد ( أو ) ، يعني : لا يجب عليه إلا إذا صيره زبيباً ـ : أنه لا يدل إلا على وجوب الزكاة في العنب ، دون الحصرم ، كما هو المشهور. بل لعله ظاهر في مفروغية السائل عن عدم وجوب الزكاة عليه قبل صيرورته عنباً.

وخامسة : بخبر أبي بصير : « لا يكون في الحب ، ولا في النخل ، ولا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين. والوسق ستون صاعاً » (٢) وفيه : أنه لا إطلاق فيه من جهة الوقت ، لتعرضه لحيثية بلوغ النصاب لا غير.

وسادسة : بصدق الحنطة والشعير عند اشتداد الحب ، وصدق التمر عند الاحمرار أو الاصفرار ، لنص أهل اللغة على أن البسر نوع من التمر وفيه : أنه لو تمَّ الصدق في الحنطة والشعير فقد اتفق القولان فيهما. وما عن أهل اللغة : من أن البسر نوع من التمر مخالف لنص جماعة بخلافه ، بل عن المصباح : إجماع أهل اللغة على أن التمر اسم لليابس من ثمر النخل ، كالزبيب من ثمر الكرم. ولو سلم فهو مخالف للعرف ، المقدم على اللغة عندهم.

وسابعة : ببعث النبي (ص) الخارص على الناس. وفيه : أنه لم يثبت كون الخرص كان قبل صدق الاسم. ولو سلم لم يعلم أنه كان مبنياً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب زكاة الغلات حديث : ١.

(٢) تقدم ذلك في الشرط الأول من شروط زكاة الغلات.

١٤٠