مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح [١].

( مسألة ٧٩ ) : يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة ، ولا يجب التأخير إلى آخرها ، فإن التأخير من باب الإرفاق ، كما مر. وحينئذ فلو أخرجه ـ بعد تقدير المؤنة بما يظنه ـ فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدد مؤن لم يكن يظنها كشف ذلك عن عدم صحته خمساً ، فله الرجوع به على المستحق ، مع بقاء عينه لا مع تلفها في يده [٢] إلا إذا كان عالماً بالحال ، فان الظاهر ضمانه حينئذ.

( مسألة ٨٠ ) : إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس‌

______________________________________________________

على اشتراك المستحقين في الخسارة دون الربح. وبأن الظاهر من النصوص : أن الموضوع مجموع الربح الحاصل في السنة ، كما عرفت في مسألة جبر الخسران ، ومجموع الربح السنوي إنما يلحظ بالإضافة الى رأس المال. وما في الجواهر إنما يتم لو لوحظ كل ربح لنفسه موضوعاً للحكم ، حيث أن الخمسمائة الثانية إذا لوحظت كذلك كانت ربحاً للربح لا ربحاً لأصل المال ، فيلحق نماء خمس الربح الأول به. لكنه ليس كذلك ، بل الملحوظ مجموع الأرباح في قبال رأس المال. هذا وقد عرفت سابقاً : أن الكلام في هذه الجهة مبني على ملك المستحق جزءاً من العين ، أما إذا كان ملكه الحق المتعلق بالعين فلا وجه لأن يلحقه ربح.

[١] لعدم المعوض.

[٢] تقدم الكلام فيه في الزكاة ، فراجع. وفي المسالك : « لو عجل الإخراج فزادت المؤنة لم يرجع بها على المستحق ، مع عدم علمه بالحال ، وتلف العين. وفي جواز رجوعه عليه مع بقاء العين ، أو علمه بالحال‌

٥٦١

جارية لا يجوز له وطؤها [١]. كما أنه لو اشترى به ثوباً لا تجوز الصلاة فيه. ولو اشترى به ماء للغسل أو الوضوء لم يصح ، وهكذا .. نعم لو بقي منه بمقدار الخمس في يده ، وكان‌

______________________________________________________

نظر. وقد تقدم مثله في الزكاة ، إلا أن عدم الرجوع هنا مطلقا متوجه .. » وفي الجواهر قوى عدم رجوع المالك على المستحق مع علمه وبقاء العين ، فضلا عن صورتي انتفاء أحدهما ، لاحتمال كون المعتبر ـ عند إرادة التعجيل ـ تخمين المؤنة وظنها. ومراده : أن التخمين والظن أخذ على نحو الموضوعية لا الطريقية.

وأوضحه شيخنا الأعظم رحمه‌الله في رسالته بقوله : « يمكن أن يقال : إن مقتضى قولهم : يجوز التأخير احتياطاً للمكلف ، هو تعلقه واقعاً بالمستفاد في أول استفادته ، بعد إخراج مئونته منه ، بحسب ملاحظة حاله في ذلك الوقت. فالملاحظة للمؤنة مأخوذة موضوعاً لوجوب الخمس واقعاً لا طريقاً ، كي يلزم انتفاء الخمس على تقدير الخطأ في التخمين ، لأن حمله على ذلك ـ ليكون الاحتياط في مقابل تفسير الاسترداد ـ خلاف الظاهر من الاحتياط للمالك. إذ الظاهر منه ما يقابل الخسارة ، والخسارة إنما تكون مع عدم جواز الرجوع على تقدير الخطأ .. ». هذا والاشكال فيما ذكر ظاهر ، لعدم الدليل على هذه الموضوعية ، ومقتضى أدلة استثناء المؤنة اختصاص الخمس واقعاً بالزائد عليها لا غير.

[١] لعدم صحة الشراء ، لعدم الولاية له على تبديل الخمس أو موضوعه بغيره ، كما سبق. هذا إذا كان الشراء بعين المال الخارجي ، أما إذا كان الشراء بثمن في الذمة ووفى من المال الذي فيه الخمس كان الإشكال في الوفاء دون الشراء.

٥٦٢

قاصداً لإخراجه منه جاز وصح ، كما مر نظيره [١].

( مسألة ٨١ ) : قد مر أن مصارف الحج الواجب إذا استطاع في عام الربح ، وتمكن من المسير ـ من مئونة تلك السنة ، وكذا مصارف الحج المندوب ، والزيارات.

والظاهر أن المدار على وقت إنشاء السفر ، فان كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مئونته ذهاباً وإياباً [٢]. وإن تمَّ الحول في أثناء السفر فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر في الإياب ، أو مع المقصد وبعض الذهاب.

( مسألة ٨٢ ) : لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له كفاه إخراج خمسهما أولا ، ولا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب [٣] ، بعد إخراج مئونة سنته‌

______________________________________________________

[١] بناء على ما سبق منه ، من أن التعلق من قبيل تعلق الكلي في المعين. إذ التصرف فيما زاد على مقدار الخمس ليس تصرفاً في الكلي المستحق للغير ، فلا مانع منه ، وإن لم يكن قاصداً لإخراج الخمس ، فالتقييد بقصد الإخراج غير معتبر في صحة التصرف.

[٢] هذا بالنسبة إلى المصارف التي من شأنها بقاؤها ، كما لو اشترى دابة للسفر المذكور. أما ما ليس كذلك ففيه إشكال ظاهر ، لأنها بانتهاء الحول يصدق عليها الفائدة ، فيتعين تخميسها ، وعدها من مئونة الحول غير ظاهر.

[٣] كما مال اليه شيخنا الأعظم رحمه‌الله. والعمدة فيه : ظهور نصوص ثبوت الخمس في العناوين الخاصة في عدم خمس آخر فيها ، فيتعين إما تقييد الفوائد التي يجب فيها الخمس بغيرها ، أو حمل الخمس فيها على‌

٥٦٣

( مسألة ٨٣ ) : المرأة التي تكتسب في بيت زوجها ، ويتحمل زوجها مئونتها يجب عليها خمس ما حصل لها ، من غير اعتبار إخراج المؤنة ، إذ هي على زوجها. إلا أن لا يتحمل [١].

______________________________________________________

أنه خمس الفوائد. وان كان يمتاز عن خمس غيرها ببعض الأحكام ـ من النصاب ، أو عدم استثناء مئونة السنة ، أو غير ذلك ـ كما يشير اليه ما تضمن من النصوص نفي الخمس إلا في الفوائد (١) ، وما ورد في تفسير الغنيمة ـ في الآية الشريفة ـ بالفائدة الشاملة للجميع (٢).

ويؤيد ذلك أو يعضده ما تضمن : أنه لا ثنيا في صدقة (٣) بناء على عمومه للخمس. وما عن تحف العقول ، من قول الرضا (ع) : « إن الخمس في جميع المال مرة واحدة » (٤). ومنه يظهر ضعف القول بوجوب خمس آخر فيها ، عملا بالدليلين ، وحملا لنصوص اتحاد الخمس في العناوين الخاصة على كونه بلحاظ كونه معدناً أو غوصاً أو نحو ذلك ، الذي عرفت أنه صعب جداً. ولا سيما في مثل صحيح الحلبي المتقدم ، فيمن يصيب غنيمة تحت لوائهم : « يؤدي خمسنا ويطيب له » (٥) ، والصحيح المتقدم عن حفص : « خذ مال النصاب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس » (٦) وبالجملة : المستفاد من مجموع النصوص : أن ليس في المال إلا خمس واحد. فتأمل.

[١] لما عرفت في المسألة الخامسة والستين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٨.

(٣) تقدم التعرض الى هذا الحديث في صفحة : ١٠٧ من هذا الجزء.

(٤) تحف العقول صفحة : ٤١٨ الطبعة الثانية.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٨.

(٦) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٦.

٥٦٤

( مسألة ٨٤ ) : الظاهر عدم اشتراط التكليف والحرية في الكنز ، والغوص ، والمعدن ، والحلال المختلط بالحرام ، والأرض التي يشتريها الذمي من المسلم. فيتعلق بها الخمس [١]

______________________________________________________

[١] كما صرح به جماعة ، وعن ظاهر المنتهى والغنائم : الاتفاق في المعدن ، وعن المناهل : ظهوره في الكنز والغوص. وفي رسالة شيخنا الأعظم (ره) ظهور عدم الخلاف في الثلاثة ، بل وفي الغنيمة ، بل هو ـ في الجميع ـ مقتضى إطلاق الفتاوى ، ومعاقد الإجماعات ـ كإطلاق أدلتها ـ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في بعضها. نعم مقتضى اقتصار الشرائع على الكنز في العموم لغير البالغ ـ كاقتصار القواعد عليه وعلى المعدن والغوص ـ عدمه في غيرها. لكنه مخالف لإطلاق الأدلة في غيرها ، مع عدم ظهور الفرق بينها.

نعم قد يستشكل فيه بالنسبة إلى أرض الذمي ، لاشتمال الرواية على قوله (ع) : « فان عليه الخمس » (١) ، بدعوى ظهوره في التكليف. وفيه : أنه لا ينبغي التأمل في أن موضوع الاستعلاء إن كان فعلا اقتضى التكليف ، مثل : « عليك أن تقوم » ، وان كان عيناً اقتضى الوضع ، مثل : « عليك درهم » وهنا من الثاني. نعم لازم ذلك البناء على ثبوت الخمس في الذمة لا في العين ، ولا نقول به ، فيتعين حمل الكلام على معنى : « عليه فيها الخمس » ، كما صرح بذلك في مرسل المقنعة (٢) ، وورد نظيره في الكنز. ففي خبر الحرث : « أدّ خمس ما أخذت ، فإن الخمس عليك » (٣) ، وفي الهدية : « هل عليه فيها الخمس ..؟ وفي الفاكهة تباع : هل عليه الخمس ..؟ » (٤) ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١٠.

٥٦٥

ويجب على الولي والسيد إخراجه. وفي تعلقه بأرباح مكاسب الطفل اشكال [١] ، والأحوط إخراجه بعد بلوغه.

______________________________________________________

وفيما يفضل في يد الأجير للحج : « ليس عليه الخمس » (١) ، وفيما سرح به صاحب الخمس : « لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس » (٢) ، وفي غلة الرحى وثمن السمك وغيره : « يجب عليك فيه الخمس » (٣) ، وغير ذلك مما يكون المراد من الاستعلاء فيه التكليف المترتب على الوضع. وبالجملة : المناقشة المذكورة ضعيفة.

[١] لإطلاق النصوص ، والفتاوى ، ومعاقد الإجماعات. بل قيل : إن تصريحهم باشتراط الكمال في الزكاة وإهمالهم ذلك هنا كالصريح في عدم اشتراطه هنا. وفي رسالة شيخنا الأعظم (ره) : « أنه يفهم من استدلال العلماء لوجوب الخمس في الكنز والمعدن والغوص بأنها اكتساباً فتدخل تحت الآية ، ثمَّ تعميم الوجوب فيها للصبي والمجنون ، ثمَّ دعواهم الإجماع على وجوب الخمس في مطلق الاكتسابات : عدم الفرق بين البالغ وغيره. فتفطن .. ». ولإطلاق ما ورد : من أنه ليس على مال اليتيم في الدين ، والمال الصامت شي‌ء (٤) ، وليس في مال المملوك شي‌ء (٥) فإنه شامل للخمس. لكن في الأخير : أن إطلاقه بنحو يشمل غير الزكاة ممنوع ، فان قوله (ع) في ذيل الأول : « فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة » ، وفي ذيل الثاني : « ولو كان له ألف ألف ، ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئاً » ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب ما تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

٥٦٦

فصل في قسمة الخمس ومستحقه‌

( مسألة ١ ) : يقسم الخمس ستة أسهم على الأصح [١] ،

______________________________________________________

مانع من ذلك الإطلاق. ولا سيما مع تأيده بالنصوص الكثيرة المصرح فيها بأن المنفي هو الزكاة (١) ، مع وحدة لسان الجميع. فالعمل بالإطلاق الأول متعين ، لعدم ثبوت المعارض. مع أنه لو بني على العمل بالأخير كان المتعين نفي الخمس في جميع موارده ، لا في خصوص الأرباح ، مع عدم بنائهم على ذلك كما عرفت. فاللازم إذاً وجوب الخمس في مال الطفل والمجنون والعبد بناء على ملكه ولا يظهر وجه للاقتصار في المتن على ذكر الطفل دون المجنون والعبد مع بناء المصنف على ملكه. والله سبحانه أعلم.

فصل في قسمة الخمس ومستحقه‌

[١] كما نسب إلى المشهور ، أو معظم الأصحاب ، أو مذهب الأصحاب أو جميعهم ، أو أنه إجماع ، أو من دين الإمامية ، على اختلاف عبارات النسبة. ويشهد له ظاهر الكتاب (٢) ، وصريح جملة من النصوص ، بل قيل إنها متواترة ، منها : صحيح ابن مسكان عن زكريا بن مالك الجعفي عن أبي عبد الله (ع) : « عن قول الله عز وجل ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... ) ، فقال (ع) : أما خمس الله ـ عز وجل ـ فللرسول ، يضعه‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٢) الأنفال : ٤١.

٥٦٧

______________________________________________________

في سبيل الله ، وأما خمس الرسول (ص) فلأقاربه ، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه وحدها ، واليتامى يتامى أهل بيته ، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم. وأما المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ، ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل » (١) ، ومرسل ابن بكير في تفسير الآية ، قال (ع) : « خمس الله للإمام ، وخمس الرسول للإمام ، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول ، الامام ، واليتامى يتامى الرسول ، والمساكين منهم ، وأبناء السبيل منهم ، فلا يخرج منهم الى غيرهم » (٢). ونحوهما غيرهما. وقيل ـ كما في الشرائع ـ ، ولم يعرف قائله ـ كما في المسالك وغيرها. وربما نسب إلى ابن الجنيد ، لكن عن المختلف : حكاية القول المشهور عنه ـ : أنه يقسم خمسة أسهم ، بحذف سهم الله ، وعن ظاهر المدارك الميل اليه ، لصحيح ربعي عن أبي عبد الله (ع) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتاه المغنم .. ( إلى أن قال ) : ثمَّ قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عز وجل لنفسه ، ثمَّ يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى ، والمساكين ، وأبناء السبيل ، يعطي كل واحد منهم حقاً. وكذلك الإمام يأخذ كما يأخذ الرسول » (٣). وظاهره سقوط سهم الرسول لا سهم الله تعالى ، كما هو المدعى.

وكيف كان لا مجال للعمل به في قبال ما عرفت ، فيتعين طرحه أو حمله على التقية لموافقته لمذهب أكثر العامة ـ كما في المدارك ـ أو على أن ذلك منه (ص) توفير على المستحقين ، كما عن الاستبصار. ولا ينافيه قوله (ع) : « وكذلك الإمام يأخذ .. » بحمل المراد منه على أنه مثل في أخذ صفو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس حديث : ٣.

٥٦٨

سهم لله سبحانه ، وسهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسهم للإمام (ع) [١]. وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان أرواحنا له الفداء ، وعجل الله تعالى فرجه [٢] ، وثلاثة‌

______________________________________________________

المال والخمس ، لا مثله في القسمة المذكورة ، وإن كان هو خلاف الظاهر.

[١] لأنه المراد من ذي القربى في الكتاب والسنة ، كما صرحت بذلك النصوص ، التي منها مرسل ابن بكير المتقدم. وعن بعض علمائنا ـ وعن المختلف انه ابن الجنيد ـ : أن المراد به أقارب النبي (ص) من بني هاشم ، كما هو ظاهر صحيح ربعي وابن مسكان المتقدمين. لكن لا مجال للعمل بهما بعد حكاية الإجماع عن جماعة ـ صريحاً وظاهراً ـ على خلافهما. أو إمكان حملهما على ما عرفت ، مما هو صريح في أنه الامام. ولا ينافيه الجمع ، لإمكان إرادة مجموع الأئمة.

[٢] كما صرح به في كلام جماعة ، ويقتضيه ما سبق. وفي صحيح البزنطي عن الرضا (ع) في تفسير الآية الشريفة : « فقيل له : فما كان لله فلمن هو؟ فقال : لرسول الله (ص) ، وما كان لرسول الله (ص) فهو للإمام » (١) ، وفي مرسل حماد : « فسهم الله ، وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأولي الأمر من بعد رسول الله (ص) وراثة وله ثلاثة أسهم ، سهمان وراثة ، وسهم مقسوم له من الله. وله نصف الخمس كلا ، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته ، فسهم ليتاماهم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم » (٢). ونحوهما غيرهما.

ثمَّ إنه لا فرق بين الموارد في وجوب قسمة الخمس على النحو المذكور وفي المدارك : « الأصحاب قاطعون بتساوي الأنواع في المصرف .. » ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس حديث : ٨.

٥٦٩

للأيتام ، والمساكين ، وأبناء السبيل. ويشترط في الثلاثة الأخيرة الايمان [١] وفي الأيتام الفقر [٢] ، وفي أبناء السبيل الحاجة‌

______________________________________________________

وعن جماعة : دعوى الإجماع ـ صريحا وظاهراً ـ عليه. ويقتضيه : ظاهر مرسل حماد ، ومرفوع أحمد بن محمد (١) بل إطلاق الآية ـ بناء على عمومها لجميع الأنواع ـ كما تقتضيه جملة من النصوص. مضافاً إلى الإطلاق المقامي لنصوص تشريع الخمس في موارده ، فان عدم التعرض فيها لمصرفه ظاهر في إيكال معرفته إلى ظاهر الآية ونحوها من النصوص المتعرضة لذلك. فلاحظ.

[١] كما عن جماعة التصريح به ، وفي الجواهر « لا أجد فيه خلافاً محققاً ، كما اعترف به بعضهم .. » ، وعن الغنية والمختلف : الإجماع عليه واستدل له : بقاعدة الاشتغال. وأن الخمس كرامة ومودة لا يستحقهما غير المؤمن المحاد لله ورسوله ، وأنها عوض الزكاة المعتبر فيها الايمان إجماعاً ، كما عن غير واحد. وما في خبر إبراهيم الأوسي ، الوارد في الزكاة : « إن الله حرم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا » (٢). فتأمل.

[٢] كما هو المشهور. لمرسل حماد : قال (ع) : « يقسم بينهم على الكتاب والسنة ما يستغنون في سنتهم ، فان فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي ، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به. وإنما صار عليه أن يمونهم ، لأن له ما فضل عنهم » (٣) ، ومرفوع أحمد بن محمد : « فهو يعطيهم على قدر كفايتهم ، فان فضل شي‌ء فهو له وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده. كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان » (٤). ودلالتهما على المقام بالأولوية. بل في الأول جملة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب قسمة الخمس حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب قسمة الخمس حديث : ٢.

٥٧٠

في بلد التسليم ، وإن كان غنياً في بلده [١]. ولا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية [٢]. ولا يعتبر في المستحقين العدالة [٣] ، وإن كان الأولى ملاحظة المرجحات. والاولى أن لا يعطى لمرتكبي الكبائر. خصوصاً مع التجاهر. بل يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم ، ولا سيما إذا كان في المنع الردع عنه [٤]. ومستضعف كل فرقة ملحق بها.

______________________________________________________

من الفقرات صالحة للدلالة على ما نحن فيه.

ولأجل ذلك يضعف ما عن السرائر ـ وحكي عن المبسوط أيضاً ـ من عدم اعتباره ، لضعف السند ، وعدم الاقتران بما يوجب القطع بالصدور بناء على مذهبه : من عدم حجية ما لم يقطع بصدوره. وفيه : أنه يكفي في الحجية الوثوق بالصدور ، ولو بتوسط اعتماد الأصحاب ، كما هو كذلك هنا. ومنهما يظهر أيضاً : أن المقابلة في الآية بين اليتامى والمساكين ليس لعدم اعتبار الفقر فيهم ، بل للاختلاف في البلوغ وعدمه مع فقد الأب.

[١] يظهر وجهه مما سبق في الأيتام. كما يظهر منه ضعف ما عن السرائر ـ وظاهر غيره ـ من عدم الاشتراط.

[٢] للإطلاق ، وإن كان مقتضى ما ذكر في كلماتهم ـ تبعاً لما في النصوص من البدلية ـ : هو اعتبار الطاعة في السفر.

[٣] كما هو المعروف. بل قيل : لم يعرف القول باعتبارها هنا من أحد ، وإن كان مقتضى البدلية ـ المستفادة من النصوص والفتاوي ـ اعتبارها هنا ، على تقدير القول باعتبارها في مستحق الزكاة. لكن عرفت عدم اعتبارها هناك ، فهنا أولى.

[٤] على ما مر في الزكاة. فراجع.

٥٧١

( مسألة ٢ ) : لا يجب البسط على الأصناف [١] ،

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور مطلقاً ، أو بين المتأخرين. للسيرة المستمرة على عدم البسط. ولما يستفاد من النصوص : من أن وجه تشريعه رفع حاجة جميع الطوائف ، ولو بأن يعطي خمس مال لشخص وخمس آخر لآخر. ولصحيح البزنطي عن الرضا (ع) : « أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل ما يصنع به؟ قال (ع) : ذلك إلى الامام. أرأيت رسول (ص) كيف يصنع؟ أليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الامام » (١). لكن دلالة الصحيح لا تخلو عن مناقشة ، إذ ظاهره السؤال عن لزوم مساواة السهام وعدمه ، لا جواز الحرمان وعدمه. مع أن مورده صورة اختلاف أفراد ذوي السهام ـ كثرة وقلة. لا مطلقاً. مع أن إيكال الأمر إلى الامام لا يرتبط بما نحن فيه ، لأن الإمام له ما يزيد على كفايتهم وعليه ما ينقص عنها ، فيمكن له حينئذ أن لا يساوي بين السهام مع اختلاف ذويها ، فلا يصلح الصحيح لإثبات ذلك لغيره. وأما ما قبله فلا يصلح لمعارضة نصوص التسهيم والتقسيم. إلا أن يكون حاكماً عليها ، بحيث يكون المراد من التسهيم لهم لزوم رفع حاجتهم ، فمع وفاء نصف الخمس بحاجة الجميع يجب إعطاؤهم بمقدار حاجتهم ، وإلا تخير المكلف في الدفع إلى من شاء من المحتاجين من أي الطوائف الثلاث كان.

ولعل هذا المقدار ـ بضميمة دعوى السيرة المتقدمة ، وما يلزم من وجوب البسط من تعطيل سهم ابن السبيل لندرة وجوده ، وما يدعى من ظاهر الإجماع ، بعد حمل ما عن ظاهر المبسوط والحلبي من وجوب البسط على خلافه. كاف في البناء على عدمه. ومن ذلك يظهر ضعف ما في الذخيرة : من قوة ما هو ظاهر المبسوط. والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب قسمة الخمس حديث : ٢.

٥٧٢

بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم. وكذا لا يجب استيعاب أفراد كل صنف [١] ، بل يجوز الاقتصار على واحد. ولو أراد البسط لا يجب التساوي بين الأصناف أو الافراد.

( مسألة ٣ ) : مستحق الخمس من انتسب إلى هاشم بالأبوة ، فان انتسب إليه بالأم لم يحل له الخمس ، وتحل له الزكاة [٢]

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور ، وعن بعض : نفي الخلاف فيه ، وعن المنتهى الإجماع عليه. وتقتضيه السيرة. ولتعذر الاستيعاب ـ أو تعسره ـ غالباً. وعن ظاهر البيان وغيره : وجوب استيعاب الحاضر. ودليله غير ظاهر. نعم لا يبعد وجوب الاستيعاب إذا أمكن ، مع وفاء الخمس بحوائج الجميع كما عرفت أنه المستفاد من نصوص التشريع ، وما تضمن عدم جواز دفع أكثر من الحاجة.

[٢] كما هو المشهور ، بل نسب إلى عامة أصحابنا عدا المرتضى (ره) ويشهد له مرسل حماد. الذي رواه المشايخ الثلاثة ، المعول عليه عند كافة الأصحاب عداه ـ ، قال (ع) فيه : « ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له وليس له من الخمس شي‌ء ، لأن الله تعالى يقول : ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ... ) (١).

ولما يستفاد من نصوص الباب : من أن المستحق : الهاشمي ، أو بنو هاشم ، الظاهر في خصوص المنتسب إلى هاشم (ع) بالأب ، كالتميمي أو بني تميم ، والأموي أو بني أمية ، والعباسي أو بني العباس.

وفي الحدائق ـ بعد نسبة الخلاف إلى السيد المرتضى (ره) ـ قال : « ومنشأ هذا الخلاف : أن أولاد البنت أولاد حقيقة أو مجازاً ، فالمرتضى ومن تبعه على الأول ، والمشهور على الثاني .. ثمَّ نقل عن جماعة موافقة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس حديث : ٨.

٥٧٣

______________________________________________________

السيد في ذلك ، ثمَّ قال. وأنت خبير بأن جملة من هؤلاء المذكورين وإن لم يصرحوا في مسألة الخمس بما نقلناه عن السيد المرتضى ، إلا أنهم في مسائل الميراث والوقف لما صرحوا بأن ولد البنت ولد حقيقة اقتضى ذلك إجراء حكم الولد الحقيقي في جميع الأحكام ، التي من جملتها : جواز أخذ الخمس وتحريم أخذ الزكاة ، ومسائل الميراث والوقوف ونحوها ، لأن مبنى ذلك كله على كون المنتسب بالأم ابناً حقيقة ، فكل من حكم بكونه ابناً حقيقة يلزمه أن يجرى عليه هذه الأحكام. بل الخلاف المنقول هنا عن السيد إنما بنوا فيه على ما ذكره في مسائل الميراث والوقوف ونحوها ، من حكمه : بأن ابن البنت ابن حقيقة ، كما سيأتيك ذكره .. ». ثمَّ نقل جملة من العبارات المتعرضة لبيان الخلاف المذكور في جملة من أبواب الفقه كالمواريث والوقف. ثمَّ قال : « والظاهر عندي هو مذهب السيد .. ». ثمَّ احتج بالآيات القرآنية ، والنصوص المتعرضة لاحتجاج الأئمة (ع) وبعض أصحابهم على ذلك.

وفيه : أن الآيات لا تصلح للدلالة على شي‌ء ، إذ ليس فيها إلا الاستعمال الذي هو أعم من الحقيقة. وأما النصوص فهي وإن كانت ظاهرة ظهوراً لا ينكر في كون ولد البنت ولداً أو ابناً حقيقة ، إذ الحمل على المجاز ينافي مقام المفاخرة ، كالحمل على مجرد الإلزام والإقناع ، إلا أنها لا تجدي في المقام إلا إذا كان الموضوع ولد هاشم. وقد عرفت. أن المستفاد من النصوص الكثيرة ـ المذكور جملة منها في أبواب حرمة الصدقة على بني هاشم : أن الموضوع. الهاشمي. وهو المراد من الآل ، والذرية ، والقرابة ، والعترة ، في النصوص لانصرافها اليه. أو لأنه مقتضى الجمع العرفي ، وهو حمل المطلق على المقيد. فلفظ بني هاشم لم يلحظ فيه معنى الإضافة ليكون تابعاً لصدق الابن على ابن البنت ، بل لوحظ فيه المعنى الاسمي ، كبني تميم وبني أسد‌

٥٧٤

______________________________________________________

ونحوهما ، مما يختص بالمنسوب بتوسط الذكور لا غير. ولو سلم فالمرسل المتقدم حجة (١). واشتماله على التعليل ، بقوله تعالى : ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ... ) (٢) لا ينافي ذلك ، إذ كم من خبر حجة مشتمل على ما ليس بحجة.

بل الظاهر بعد التأمل : أن الحكم بعدم جواز أخذ المنتسب بالأم إلى هاشم (ع) الخمس أوضح من أن يحتج عليه بالمرسل أو غيره من الأدلة ولا يظن من السيد المرتضى ـ ومن نظرائه من علماء الإمامية ـ أن يرضى بنسبة القول بجواز أخذ الخمس للزبيريين وأمثالهم من العشائر والقبائل الذين إحدى جداتهم من بني هاشم ، وبحرمة الصدقة عليهم ، وبصحة كون الامام الصادق (ع) ومن بعده من الأئمة (ع) وأولادهم تيميين ، لكون جدتهم أم فروة ، فنسبة الخلاف إليه غير ظاهرة. وكون المبنى في الخلاف ما ذكره أول الكلام. بل ممنوع جداً ، إذ لا ملازمة بين دعوى كون الولد حقيقة في ولد البنت ، وبين صحة نسبة ولد البنت إلى الجد الأمي ، ضرورة وضوح المباينة بين مفهوم الهاشمي والأموي ، والتيمي والعدوي ، ونحوها من عناوين النسب ، ولا يظن أنها محل الخلاف المذكور. مع أن صدق الولد على ولد البنت محل الخلاف.

فالإنصاف أن نسبة الوفاق للسيد اعتماداً على الوضوح المذكور أولى من نسبة الخلاف اليه اعتماداً على قوله : « بأن ولد البنت ولد ». ومن ذلك يظهر لك الإشكال في نسبة الخلاف إلى غيره ممن قال بمقالته. هذا ولأن ذرية هاشم (ع) منحصرة بمن ولده عبد المطلب ، ذكر غير واحد : أن مستحق الخمس من ولده عبد المطلب.

__________________

(١) المراد هو مرسل حماد المتقدم في صدر التعليقة.

(٢) الأحزاب : ٥.

٥٧٥

ولا فرق بين أن يكون علويا ، أو عقيلياً ، أو عباسياً [١]. وينبغي تقديم الأتم علقة بالنبي (ص) على غيره أو توفيره ، كالفاطميين [٢].

( مسألة ٤ ) : لا يصدق من ادعى النسب [٣] إلا‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ، بل في الجواهر : « الإجماع محصل ومنقول عليه .. » للنصوص الكثيرة المستفاد منها : أن المستحق مطلق الهاشمي ، من دون فرق بين أفراده. مضافاً الى صحيح ابن سنان : « لا تحل الصدقة لولد العباس ، ولا لنظرائهم من بني هاشم » (١) ، بضميمة ما تضمن ، من النص والإجماع على أن الخمس يستحقه من تحرم عليه الصدقة. وأما ما في بعض النصوص ـ من كون المستحق ذرية النبي (ص) أو أهل بيته (٢) ، أو آل محمد (ص) (٣) أو فاطمة عليها‌السلام وذريتها ، أو نحو ذلك. فمحمول إما على بعض الخمس ، أو على التغليب ، لأنهم عليهم‌السلام السبب في التشريع ، أو نحو ذلك.

[٢] قال في الدروس : « وينبغي توفير الطالبيين على غيرهم ، وولد فاطمة عليها‌السلام على الباقين .. » وعن كشف الغطاء : ليس بالبعيد تقديم الرضوي ، ثمَّ الموسوي ، ثمَّ الحسيني والحسني ، وتقديم كل من كانت علاقته بالأئمة أكثر .. ».

[٣] لأصالة عدم الحجية. وعن كشف الغطاء : « أنه يصدق إن لم يكن متهماً ، كمدعي الفقر .. ». ووجهه غير ظاهر ، وقد عرفت الإشكال في ذلك في دعوى الفقر ، فضلا عن المقام. نعم لا يبعد البناء على الحجية مع الاطمئنان ، لعين ما تقدم في الفقر. فلاحظ. أما إذا كان الشياع مفيداً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

(٢) لاحظ مرسل حماد المروي في الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس حديث : ٨.

(٣) لاحظ مرفوع أحمد بن محمد المروي في الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس حديث : ٩.

٥٧٦

بالبينة ، أو الشياع المفيد للعلم. ويكفي الشياع والاشتهار في بلده. نعم يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال [١] ـ بعد معرفة عدالته [٢] ـ بالتوكيل على الإيصال إلى مستحقه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضاً. ولكن الأولى ـ بل الأحوط ـ عدم الاحتياط المذكور.

( مسألة ٥ ) : في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال ، خصوصاً في الزوجة ، فالأحوط عدم دفع خمسه إليهم [٣] ، بمعنى : الإنفاق عليهم ، محتسباً مما عليه من الخمس. أما دفعه إليهم لغير النفقة الواجبة مما يحتاجون اليه مما لا يكون واجباً عليه ـ كنفقة من يعولون ونحو ذلك ـ فلا بأس به. كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم ـ ولو للإنفاق ـ

______________________________________________________

للعلم فالعلم هو الحجة. وحينئذ لا فرق بين بلده وغيره ، ولا بين الأسباب الموجبة للعلم.

[١] كما نص على ذلك في الجواهر ، معللا ذلك : بأن المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكل ، ما لم يعلم الخلاف. ثمَّ قال : « لكن الإنصاف أنه لا يخلو من تأمل أيضاً .. ». ولكن التأمل ضعيف.

[٢] قد سبق في الزكاة من النصوص ما يظهر منه الاكتفاء بالوثاقة.

[٣] كما جزم به شيخنا الأعظم (ره). لظاهر التعليل في نصوص عدم جواز دفع الزكاة إليهم. ولما في النصوص والفتاوى : من بدلية الخمس عن الزكاة ، الظاهر في الاشتراك في الأحكام إلا في المستحق ، فإنه في الأول الهاشمي وفي الثاني غيره. وعليه فالمقامان من قبيل واحد. وحكم بقية المسألة يعلم مما سبق.

٥٧٧

مع فقره ، حتى الزوجة إذا لم يقدر على إنفاقها.

( مسألة ٦ ) : لا يجوز دفع الزائد عن مئونة السنة لمستحق واحد ولو دفعة ـ على الأحوط [١].

( مسألة ٧ ) : النصف من الخمس ـ الذي للإمام (ع) ـ أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه ، وهو المجتهد الجامع لشرائط [٢]

______________________________________________________

[١] كما في الدروس. وعن المسالك ، وجعله في الجواهر الأقوى في النظر. بل قال : « لا أجد فيه خلافاً .. » وان جعل الجواز وجهاً في المسالك. للمرسلين المتقدمين في اعتبار الفقر في اليتيم ، المنجبرين بفتوى المشهور. لكن استشكل في دلالتهما غير واحد ـ منهم شيخنا الأعظم (ره) : بظهورهما في صورة اجتماع الخمس جميعه عند الامام ، وتوليه القسمة بينهم. ولعل ذلك حينئذ لئلا يحصل العوز على بعض المستحقين ، فيكون حيفاً عليهم ويحتاجون إلى أخذ الصدقة ، وذلك خلاف مقتضى مقامه الأقدس ومحله الأرفع ، ولا يجري في حق المالك. ولذا تدلان أيضاً على وجوب إعطاء الكفاية من الخمس مع الإمكان ، وإعطاء التتمة من مال الامام مع عدم الإمكان. والأول لم يقل به أحد بالنسبة إلى المالك في زمان الغيبة وعدم بسط اليد. والثاني محل الخلاف بين الأعلام. فالعمدة في المنع : عدم ثبوت إطلاق يقتضي جواز الإعطاء مطلقاً. ودليل التشريع وارد في مقام الاستحقاق لا غير. والأصل يقتضي الاحتياط.

ومنه يظهر ضعف ما عن المناهل ، من أن الأقوى جواز الإعطاء فوق الكفاية. اللهم إلا أن يبنى على إلحاق الخمس بالزكاة. لكن قد عرفت التأمل فيها أيضاً. ثمَّ إن هذا الحكم ـ على تقدير تماميته. لا فرق فيه بين أن يكون الدفع من المالك وأن يكون من الحاكم ، لاطراد وجهه فيهما. فلاحظ.

[٢] قد اختلف الأصحاب ( رض ) في نصف الخمس الراجع إلى‌

٥٧٨

______________________________________________________

الامام (ع). فمن ذاهب إلى إباحته للشيعة مطلقاً ـ كما عن سلار الديلمي في المراسم ، والمدارك والذخيرة والمفاتيح والوافي والحدائق. وعن كشف الرموز : نسبته إلى قوم من المتقدمين ، وفي الحدائق : نسبته إلى جملة من معاصريه ـ أو إذا لم يكن محتاج من الأصناف الثلاثة وإلا وجب صرفه فيهم ، كما اختاره في الوسائل. اعتماداً على نصوص تضمنت تحليل الخمس التي هي ـ مع قصور دلالة جملة منها ، وإعراض الأصحاب عنها ـ معارضة بما يوجب طرحها ، أو حملها على بعض المحامل التي لا تأباها ، كما تقدم التعرض لذلك في أوائل كتاب الخمس. مضافاً إلى أن الإباحة المدعاة مالكية لا شرعية. وحينئذ تكون الشبهة موضوعية ، والرجوع إلى أخبار الآحاد فيها غير ظاهر.

ومن ذاهب إلى وجوب عزله ، وإيداعه ، والوصية به عند الموت ، كما عن المقنعة والحلبي والقاضي والحلي ، ونسب إلى السيد في المسائل الحائرية وفي المنتهى ـ بعد نسبته إلى جمهور أصحابنا ـ قال : « إنه حسن .. ». وكأنه عمل بالقواعد المعول عليها في المال المعلوم مالكه ، مع عدم إمكان إيصاله اليه. وفيه ـ مع أن ذلك مظنة الخطر والضرر في أكثر الأوقات ، فيكون تفريطاً في مال الغير ـ : أنه يتم لو لم يعلم برضا الامام (ع) بصرفه في بعض المصارف.

ومن ذاهب إلى وجوب دفنه ، كما عن بعض الأصحاب حكاه عنه في المقنعة والنهاية والمنتهى ، اعتماداً على أنه أحفظ. ولما روي : من أن الأرض تخرج كنوزها للحجة (ع) عند ظهوره (١). وفيه ما عرفت. مضافاً إلى أن الاعتماد في التصرف المذكور على الرواية المذكورة كما ترى.

ومن ذاهب إلى وجوب صرفه في المحتاجين من الذرية الطاهرة ( زادهم‌

__________________

(١) الاحتجاج الجزء : ٢ صفحة : ١٠ الطبعة الحديثة.

٥٧٩

______________________________________________________

الله تعالى شرفاً ) كما عن المفيد في الغرية ، والشرائع وحاشيته ، والمهذب لابن فهد. وفي المنتهى : أنه جيد ، وحكي عن المشهور بين المتأخرين. للمرسلتين المتقدمتين (١) ، الدالتين على أنه ـ مع عدم كفاية الخمس في حوائجهم ـ على الامام أن يتمها من ماله. وفيه ما عرفت ، من اختصاص ذلك بصورة بسط اليد ووصول الخمس اليه (ع) بأجمعه ، وعدم ظهورهما في وجوب الإتمام من سهمه (ع) من الخمس ، بل من الجائز أن يكون من مال آخر. وقد تضمن مرسل حماد مثل ذلك في قسمة الزكاة مع الإعواز وأن عليه الإتمام (٢). اللهم إلا أن يُخص القول بذلك بصورة عدم وجود مال آخر. لكن عليه يتعين القول بجواز صرفه في سائر فقراء الشيعة ـ كما هو أحد الأقوال ـ كما يأتي.

ومن ذاهب إلى التخيير بين إيداعه ودفنه ، كما عن الشيخ في النهاية. ومن ذاهب إلى التخيير بين دفنه والإيصاء به ، وصلة الأصناف مع إعوازهم كما في الدروس. ومن ذاهب إلى التخيير بين حفظه والإيصاء به ، وبين قسمته في المحاويج من الذرية ، كما في المختلف وعن غيره. ويظهر وجهها وضعفها مما سبق. وعن ابن حمزة : وجوب صرفه في فقراء شيعته وإن لم يكونوا من السادة ، قال في محكي كلامه : « الصحيح عندي أن يقسم نصيبه على مواليه العارفين بحقه ، من أهل الفقر والصلاح والسداد .. ». وكأن وجهه ـ مضافاً إلى المرسلتين المتقدمتين (٣) ـ : ما أشرنا إليه آنفاً ، مما ورد من أنه يعول من لا حيلة له ـ كما في صحيح حماد ـ وأنه إذا قسم الزكاة كان عليه الإتمام إذا أعوزت (٤). وفيه : أن ذلك مختص بصورة بسط‌

__________________

(١) المراد بهما : مرسل حماد ومرفوع أحمد بن محمد المتقدمين في المسألة : ١ من هذا الفصل‌

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

(٣) وهما اللتان أشير إليهما قريباً في هذه التعليقة.

(٤) المراد به : ما تقدم قريباً في هذه التعليقة.

٥٨٠