مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

من المال الذي لا خمس فيه. ولو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك ـ مما لو لم يكن عنده كان من المؤنة ـ لا يجوز احتساب قيمتها من المؤنة وأخذ مقدارها [١] ، بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلا.

( مسألة ٦٥ ) : المناط في المؤنة ما يصرف فعلا لا مقدارها فلو قتر على نفسه لم يحسب له [٢]. كما أنه لو تبرع بها متبرع‌

______________________________________________________

أن ذلك يؤول إلى عدم الخمس في أموال كثيرة ، مثل : أرباح تجارات السلاطين وزراعتهم ، وأكابر التجار والزراع. وهو مناف لحكمة شرع الخمس. وفيه : أن الاحتياط غير واجب. والتبادر الذي ذكره ممنوع. وضعف السند ـ لو تمَّ ـ منجبر بالعمل ، فلا حاجة في الحكم إلى الإجماع ونفي الضرر ، كي يمنع إطلاقهما. واللازم الذي ذكره لا محذور فيه. كما يظهر أيضاً ضعف احتمال التوزيع ـ كما في الدروس والمسالك ـ عملا بالحقين ولمطابقته للعدل. هذا كله لو كان المال الآخر ، مما من شأنه أن تؤخذ منه المؤنة. أما إذا لم يكن كذلك ـ كمال يتجر به ، أو ضيعة يستغلها ـ فالمؤنة من الربح دونه إجماعاً ، كما في المستند.

[١] كما قواه في الجواهر ، واستظهره شيخنا الأعظم (ره). لظهور المؤنة المستثناة فيما يحتاج اليه ، ومع وجود الأمور المذكورة يكون مستغنياً غير محتاج. مضافاً إلى أن ظاهر دليل استثناء مقدار الربح ـ الراجع للمؤنة ـ خصوص ما يصرف ويبذل لتحصيلها ، لا استثناء مقدارها مطلقاً. ويفترق هذا الوجه عن الأول : أن الأول يمنع من شراء دار أخرى للسكنى ـ مثلا ـ إذا كان مستغنياً بداره الموجودة. والثاني لا يمنع من ذلك ، وإن كانا يشتركان في المنع ، من احتساب قيمة ما يجده من المؤن.

[٢] كما في كشف الغطاء ، وقواه في الجواهر تبعاً لكاشف الغطاء ،

٥٤١

لا يستثنى له مقدارها على الأحوط. بل لا يخلو عن قوة [١].

( مسألة ٦٦ ) : إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤنته ، أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح ، يجوز له وضع مقداره من الربح [٢].

( مسألة ٦٧ ) : لو زاد ما اشتراه وادخره للمؤنة ، من مثل الحنطة والشعير والفحم ونحوها ، مما يصرف عينه فيها ، يجب إخراج خمسه عند تمام الحول [٣]. وأما ما كان مبناه على بقاء عينه والانتفاع به ـ مثل الفرش ، والأواني ، والألبسة والعبد ، والفرس ، والكتب ، ونحوها ـ

______________________________________________________

ومال اليه شيخنا الأعظم (ره). لما عرفت : من أن المنصرف من أدلة المؤنة ما يصرف بالفعل لا ما كان بالقوة. ولأجل ذلك يضعف ما في الروضة والمسالك ، وعن المدارك والكفاية. بل في الجواهر : « لا أعرف فيه خلافاً .. » وعن المناهل : « الظاهر عدم الخلاف فيه من أنه إذا قتر حسب له .. ». ولذا قال الجمال في حاشية الروضة : « لا يبعد أن يكون المراد باستثناء قدر الاقتصاد : استثناء ما بذله في مئونته ما لم يتجاوز قدر الاقتصاد ، لا أنه يستثنى له قدر الاقتصاد حتما .. ».

[١] كما استظهره شيخنا الأعظم (ره). لما سبق في التقتير.

[٢] بناء على ما تقدم منه : من أن السنة ـ التي تلحظ فيها المؤنة والربح ـ مبدؤها أول الشروع في التجارة ، فالمؤنة حينئذ تستثنى من الربح اللاحق. أما بناء على أن مبدأها ظهور الربح أو حصوله فلا وجه لوضع ذلك المقدار ، لأنه من مئونة السنة السابقة.

[٣] بلا خلاف ظاهر. لعدم كونه من المؤنة.

٥٤٢

فالأقوى عدم الخمس فيها [١]. نعم لو فرض الاستغناء‌

______________________________________________________

[١] كما استظهره في المستند ، حاكياً التصريح به عن بعض فضلاء معاصريه. لاستصحاب عدمه. وفي الجواهر الميل إلى وجوب تخميسها ، لإطلاق أدلة الخمس ، المقتصر في تقييدها على المتيقن ، وهو مئونة السنة. وفيه : أنها كانت من مئونة السنة ، وبعد خروجها عن أدلة وجوب الخمس لا دليل على دخولها فيها.

فان قلت : لا ريب في أنها من الربح ، فعدم شمول العموم لها في أثناء الحول ـ لكونها مئونة ـ لا يلزم منه عدم شموله لها بعده ، لأن خروجها عن كأنها مئونة السنة حينئذ مانع من التمسك بالخاص ، فيتعين الرجوع إلى العام. قلت : دليل استثناء المؤنة ظاهر في استثنائها مطلقاً ، لا ما دام كونها مئونة فلاحظ قولهم (ع) : « الخمس بعد المؤنة » (١) فإنه ظاهر في تخصيص عموم دليل الخمس الأفرادي ، لا مقيد لإطلاقه الأحوالي. فاذا كان الشي‌ء مئونة كان مستثنى من الدليل ، ومقتضى إطلاقه نفي الخمس فيه ولو خرج عن كونه مئونة السنة.

ولازم ذلك : أن لو احتاج إلى شراء بعض الأعيان في بعض الشهور واستغنى عنها في بقية السنة لم يجب الخمس فيها. ولا فرق بين كون زمان الاحتياج إليه قصيراً وطويلا. نعم إذا كان قصر الزمان مانعاً من صدق المؤنة عليه ، لعدم جريان العادة بشرائه للانتفاع به في ذلك الزمان القصير وكانت العادة جارية باستعارته ، لم يكن مستثنى من الخمس ، لعدم كونه من المؤنة.

وربما يجاب عن الاشكال المذكور ـ كما في المستند ـ : « بأن النصوص إنما تضمنت استثناء المؤنة ، وتخصيصها بمؤنة السنة إنما كان بالتبادر والإجماع‌

__________________

(١) تقدم ذلك في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

٥٤٣

______________________________________________________

وكلاهما مفقود في مفروض المسألة .. ». وفيه : أنه لا فرق في الإجماع والتبادر بين مفروض المسألة وغيره.

ويمكن أن يجاب أيضاً : بأن دليل الخمس مختص في كل عام بفائدة ذلك العام ، كما هو ظاهر قوله (ع) : « فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام .. » (١). والأعيان المذكورة في مفروض المسألة ـ بعد انقضاء السنة ـ وإن خرجت عن كونها مئونة السنة ، لكنها ليست من فوائد العام اللاحق كي يجب الخمس فيها ، وإنما هي من فوائد العام السابق ، والمفروض عدم لزوم الخمس فيها في العام السابق. لكنه يقتضي وجوب الخمس في الأعيان المذكورة إذا استغنى عنها قبل آخر السنة فيجب تخميس ثياب الشتاء إذا كان انتهاء السنة في الصيف ، وتخميس ثياب الصيف إذا كان انتهاء السنة في الشتاء. وكذا الحال في الأواني والأفرشة والاغطية والآلات إذا كانت لا يحتاج إليها قبل آخر السنة بمدة. اللهم إلا أن يكون إعدادها معدوداً من المؤنة عرفاً ، بأن كانت العادة جارية بإبقائها إلى السنين اللاحقة ، وحينئذ لا فرق بين هذا الوجه والوجه الأول ، إلا فيما لم تجر العادة بإبقائه لعدم الاحتياج إليه عادة فيما بعد ، فإنه ـ على هذا الوجه ـ يجب إخراج خمسه ، بخلاف الوجه الأول لما عرفت من أنه إذا صدق عليه أنه مئونة ـ ولو في بعض السنة ـ خرج عن دليل وجوب الخمس.

إلا أن يقال : إذا خرج عن كونه مئونة قبل آخر السنة بمدة ، فهو لا ريب في صدق الفائدة عليه حينئذ ، وليس هو مئونة ، فيجب الخمس فيه. فلا فرق بين الوجهين المذكورين في اقتضائهما وجوب الخمس في الفرض المذكور. بل لعل أحدهما راجع إلى الأول. فلاحظ.

__________________

(١) هذه الفقرة هي من صحيح ابن مهزيار المتقدم في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

٥٤٤

عنها فالأحوط إخراج الخمس منها [١]. وكذا في حلي النسوان إذا جاز وقت لبسهن لها.

( مسألة ٦٨ ) : إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح سقط اعتبار المؤنة في باقيه [٢] ، فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة.

( مسألة ٦٩ ) : إذا لم يحصل له ربح في تلك السنة وحصل في السنة اللاحقة ، لا يخرج مئونتها من ربح السنة اللاحقة [٣].

( مسألة ٧٠ ) : مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة فاذا استطاع في أثناء حول حصول الربح وتمكن من المسير ـ بأن صادف سير الرفقة في ذلك العام ـ احتسب مخارجه من ربحه [٤]. وأما إذا لم يتمكن حتى انقضى العام وجب‌

______________________________________________________

[١] قال في المستند : « لو زالت الحاجة عن هذه الأعيان في سنة يمكن القول بوجوب الخمس فيها. فتأمل .. ».

أقول : الحكم بوجوب الخمس فيها لا يناسب ما ذكره في الجواب عن الاشكال المتقدم كما سبق ، ولا يناسب ما ذكرناه أيضاً. فإنه إذا زالت الحاجة عنها ـ فيما بعد من السنين ـ لم تخرج عن كونها من مئونة سنة الربح التي نفي الخمس فيها ، ولا هي من أرباح سنة زوال الحاجة ليجب الخمس فيها. ولأجله يظهر ضعف الاحتياط المذكور.

[٢] كما في المستند. لانتفاء موضوعه ، فالمرجع عموم وجوب الخمس.

[٣] لاختصاص المؤنة المستثناة بمؤنة السنة ـ لا غير ـ كما عرفت.

[٤] كما صرح به جماعة ، بل في رسالة شيخنا الأعظم (ره) نفي الاشكال فيه. لأنها من المؤنة عرفاً.

٥٤٥

عليه خمس ذلك الربح [١] ، فان بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب ، وإلا فلا. ولو تمكن وعصى حتى انقضى الحول فكذلك على الأحوط [٢]. ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة ، وأما المقدار المتمم لها في تلك السنة فلا يجب خمسه إذا تمكن من المسير [٣] ، وإذا لم يتمكن ـ فكما سبق ـ يجب إخراج خمسه.

( مسألة ٧١ ) : أداء الدين من المؤنة إذا كان في عام حصول الربح [٤] ،

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ظاهر. لأن عدم التمكن من الحج مانع عن وجوبه فلا وجه لاستثناء مئونته.

[٢] يعني : يجب عليه الخمس ، لعدم الصرف والبذل ، اللذين قد عرفت اعتبارهما في الاستثناء من الربح. نعم بناء على أنه لو قتر حسب له لم يجب خمس مئونة الحج ، لأن ترك الحج يكون من ذلك القبيل. ومن ذلك يظهر الإشكال في التوقف في الوجوب هنا مع الجزم بأنه لو قتر لم يحسب له.

[٣] بل عرفت اشتراطه بالمسير. ومجرد التمكن مع الترك عصياناً غير كاف في عدم وجوب الخمس.

[٤] الدين في عام حصول الربح ، تارة : يكون المئونة في ذلك العام. وقد عرفت أنه لا إشكال في كونه من المؤنة ، فيجوز وفاؤه من الربح قبل تخميسه. وأخرى : يكون لغير مئونته فيه. وعن ظاهر جماعة ـ منهم شيخنا في الجواهر ـ حيث قيدوا الدين المقارن بالحاجة إليه : عدم جواز‌

٥٤٦

أو كان سابقاً [١] ولكن لم يتمكن من أدائه إلى عام حصول‌

______________________________________________________

وفائه قبل إخراج الخمس ، لعدم كونه من المؤنة. واستشكل فيه شيخنا الأعظم (ره) ، لأن إبراء الذمة من الدين محسوب من المؤنة عرفاً وإن كانت الاستدانة لا للحاجة.

وهو في محله ، بل لا ينبغي التأمل فيه ، فان صرف المال في وفاء الدين ليس تضييعاً له ، ولا صرفاً له فيما لا ينبغي ، فكيف لا يكون من المؤنة؟ نعم مع وجود ما استدان له ـ كما لو اشترى ضيعة من دون حاجته إليها ، ولم تزل باقية. وكذا لو اشترى دابة كذلك « ـ فان الظاهر وجوب الخمس في ذلك ، لصدق الفائدة. سواء أكانت قيمته في رأس السنة أكثر من الثمن ، أم أقل ، أم مساوية.

[١] إذا كان الدين سابقاً على عام الربح ، فان كان لمؤنة عام الربح فالظاهر أنه كالمقارن ، كما في رسالة شيخنا الأعظم (ره). وإن كان لغيرها فان كان مع حاجته إليه في عام الربح ـ كما لو اشترى داراً قبل عام الربح بثمن في الذمة ـ فكذلك ، لصدق المؤنة عرفاً على وفائه. أما لو كان لغير ذلك ، فقد يتوهم أنه معدود عرفاً من مئونة العام السابق لا عام الربح ، فلا وجه لاستثنائه. من دون فرق بين وجود مقابلة وعدمه ، وقدرته على الوفاء من مال آخر وعدمها ، وقدرته على الوفاء قبل عام الربح وعدمها.

وفيه : أن كون وفائه من مئونة السنة السابقة لا ينافي كونه من مئونة السنة الحاضرة إذا بقي الدين إلى زمانها ، كما لو خربت داره في السنة السابقة ، ولم يعمرها إلى أن دخلت السنة اللاحقة ، فإن تعميرها في السنة السابقة معدود من مئونتها ، فاذا لم يعمرها كان تعميرها في السنة اللاحقة أيضاً معدوداً من مئونتها ، فاذا عمرها من ربح السنة اللاحقة كان تعميرها مستثنى من الخمس. وقد عرفت أن صرف المال في وفاء الدين صرف له‌

٥٤٧

الربح. وإذا لم يؤد دينه حتى انقضى العام فالأحوط إخراج‌

______________________________________________________

في محله وفي حاجته ، فلا وجه لعدم عده من المؤنة. ولذا قال في الجواهر : « لا تعتبر الحاجة في الدين السابق ، لصيرورة وفائه ـ بعد شغل الذمة به ـ من الحاجة ، وإن لم يكن أصله كذلك .. ». لكن عليه لا يظهر وجه لتقييد دين عام الربح بالحاجة ـ كما تقدم منه ومن غيره ـ مع أنه أولى بعدم التقييد بها. ولذلك كان ما تقدم من شيخنا الأعظم (ره) ، من أن وفاء الدين الحاصل عام الربح من المؤنة وإن لم يكن مع الحاجة. بل حتى مع وجود مقابله ، كاشتراء ضيعة لا لحاجة ، الذي قد عرفت أنه في محله.

وكذا يشكل ما في رسالة شيخنا الأعظم : « من أن وفاء الدين السابق من المؤنة. سواء كان لمؤنة عام الاكتساب أم لا ، إذا لم يتمكن من وفائه إلا في عام الاكتساب ، أو تمكن ولم يؤده ، مع عدم بقاء مقابله إلى عام الاكتساب ، أو مع بقائه واحتياجه اليه فيه. أما لو تمكن من وفائه قبل عام الاكتساب ، مع بقاء مقابله إليه وعدم احتياجه ، ففي كونه من المؤنة إشكال .. ». فإن التمكن من وفائه قبل عام الاكتساب وبقاء مقابله لا يخرج وفاءه عن كونه مئونة ، بعد ما كان صرف المال فيه في محله ، لكونه من أهم الحوائج العقلائية ، التي لا يكون صرف المال فيها سرفاً. نعم إذا وفاه وكان له مقابل كضيعة اشتراها بثمن في الذمة فوفاه من ربح سنته وجب إخراج خمس المقابل كالضيعة في المثال المذكور فيجب إخراج خمسها لأنه بعد وفاء ثمنها تكون ربحا عرفا ، وربما يكون خمسها أكثر من خمس ثمنها أو أقل لارتفاع قيمتها أو نقصها ، وقبل وفاء ثمنها لا تكون ربحا عرفا وإذا زاد في بعض الثمن كان ما يقابلها من بعض الثمن ربحا فيجب إخراج خمسه.

٥٤٨

الخمس أولا ، وأداء الدين مما بقي [١]. وكذا الكلام في النذر والكفارات.

______________________________________________________

[١] الذي ينبغي هو التفصيل بين ما صرف في مئونة السنة وغيره ، أما ما صرف فيها فمقداره مستثنى من الخمس ، فله وفاؤه من أصل الربح ولو بعد السنة ، لظهور أدلة استثناء المؤنة في شمولها للمؤنة الواقعة منه في العام ، فيجب الخمس في الزائد عليها ولا يجب فيها. ودعوى : أن المؤنة المستثناة مختصة بما صرف من الربح ضعيفة جداً ، وإلا لزم عدم استثناء المؤنة في أوائل السنة قبل حصول الربح. وهو ـ كما ترى ـ بعيد عن ظاهر الأدلة ، وإن كان هو ظاهر شيخنا الأعظم رحمه‌الله. بل صرح بأنه لو اختار المؤنة من المال الآخر غير المخمس فليس له الإندار من الربح.

لكنه مشكل. وإطلاق استثناء المؤنة يشمله. والمقايسة بصورة تبرع المتبرع بالمؤنة غير ظاهر ، إذ مع التبرع يصدق أنه غني عن المؤنة ، وليس كذلك في المقام. ولا سيما وأن المتعارف الصرف من غير نفس الربح ، إما من غير مال التجارة ، أو من مال التجارة الذي جزؤه الربح. فان قلت : إذا وفي الدين المذكور بعد تمام السنة ، كان الوفاء من مئونة السنة اللاحقة لا من مئونة السابقة. قلت : لا ضير في ذلك ، فيستثنى مقدار الوفاء من ربح اللاحقة ، مضافاً الى استثناء مقدار مالية الأعيان المصروفة من ربح السابقة. فتأمل.

هذا فيما صرف في مئونة السنة. وأما ما لم يصرف في ذلك ، فان تحقق الوفاء منه في أثناء السنة كان مستثنى من الخمس ، لأنه من جملة المؤن وإن لم يتحقق الوفاء في أثناء السنة يكون الحكم كما لو قتر في المؤنة ، فان قلنا بأنه يحسب له جاز له وضعه من الربح ولو بعد السنة ، وإن لم نقل بذلك ـ كما تقدم في المتن ـ لم يجز له ذلك.

٥٤٩

( مسألة ٧٢ ) : متى حصل الربح ، وكان زائداً على مئونة السنة تعلق به الخمس [١] ،

______________________________________________________

هذا كله في الدين المقابل بالمال ، كالقرض والشراء نسيئة. أما لو لم يكن كذلك ـ كالنذور ، والكفارات ، والشروط ، وأروش الجنايات ، وقيم المتلفات ونحوها ـ فالظاهر أيضاً أن وفاءه ـ بما هو وفاء ـ من المؤنة. وحينئذ فإن حدث قبل عام الربح فوفاؤه من مئونة ذلك العام ، فإذا بقي إلى عام الربح صار وفاؤه أيضاً من مئونته ، فيجوز وفاؤه من الربح قبل إخراج الخمس ، فإن بقي حتى خرج عام الربح كان الحال كما لو قتر. وإذ عرفت أنه لا يحسب له حينئذ ، فلا يجوز استثناؤه من الربح ، ويكون وفاؤه حينئذ من مئونة السنة اللاحقة.

[١] كما هو المشهور. ويقتضيه إطلاق الأدلة. وفي محكي السرائر : أن التعلق بعد السنة. بل ظاهره : نسبة ذلك إلى أصحابنا ، مستفيداً له من قولهم : « لا يجب الخمس إلا بعد مئونة السنة .. » ، مستدلا عليه بما تضمن ذلك من النص والفتوى. وبأن المؤنة لا يعلم كميتها إلا بعد مضي سنة.

واعترض عليه غير واحد بأن الظاهر مما تضمن أن الخمس بعد المؤنة ليس البعدية الزمانية ، وإلا كان اللازم ـ بعد مضي السنة ـ تخميس جميع المال حتى المساوي لما صرف في المؤنة ، بل المراد تحديد موضوع الخمس بذلك ، يعني : يجب الخمس في غير المؤنة. فاذا كان الربح عشرة والمؤنة خمسة ، فالخمس في الخمسة الزائدة على المؤنة لا في جميع الربح. ومجرد عدم العلم بكمية المؤنة لا يكفي في لزوم تأخر الوجوب عن زمان المؤنة ، بل يجوز ثبوته واقعاً في المقدار الزائد عليها وإن لم يعلم ، كما هو كذلك في سائر الأحكام الواقعية مع الشبهة الموضوعية. مع أنه لا يطرد في صورة العلم بالكمية.

٥٥٠

وإن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة [١] ، فليس تمام الحول شرطاً في وجوبه ، وإنما هو إرفاق بالمالك لاحتمال تجدد مئونة أخرى زائداً على ما ظنه. فلو أسرف ، أو أتلف‌

______________________________________________________

اللهم إلا أن يدفع هذا : بأنه إذا ثبت التأخر في صورة الجهل يثبت في صورة العلم لعدم الفصل. ويدفع ـ أيضاً ـ لزوم المحذور الأول : بأن المراد أن الخمس في الباقي بعد المؤنة ، فالعمدة حينئذ : دعوى ظهور النصوص في البعدية بذلك المعنى ، نظير ما ورد في الإرث : من أنه بعد الوصية أو الدين ، فما هو المشهور بين الأصحاب أقوى.

[١] كما صرح به جماعة ، بل لا أجد فيه خلافاً ، بل الظاهر الإجماع عليه ، كذا في الجواهر. ونحوه ـ في دعوى ظهور الإجماع ـ شيخنا الأعظم في الرسالة. وفي المستند : استدل بالإجماع ، واحتياط المؤنة. ويظهر من جماعة أخرى أنه كذلك ، لارسالهم له إرسال المسلمات. فان كان إجماع فهو المعتمد ، وإلا فإطلاق ما دل على عدم حل مال المسلم بغير إذنه يقتضي العدم. واحتمال وجود المؤنة منفي بالأصل. مع أنه قد يعلم بعدمها.

لكن القدر المتيقن من الإجماع غير هذه الصورة ، وإن حكي عن المناهل ظهور عدم الخلاف في جواز التأخير حتى في هذه الصورة ، لكن قد ينافيه تعليلهم بالاحتياط. اللهم إلا أن يكون المراد به الاحتياط النوعي. فتأمل جيداً. ثمَّ إن ظاهر قول المصنف (ره) ـ وإن جاز له التأخير في الأداء الى آخر السنة ـ وجوب الأداء فوراً في آخر السنة ، فلا يجوز له تأخير الأداء حينئذ ويقتضيه ما دل على أن حبس الحقوق من الكبائر (١) نعم إذا كان الربح دينا في ذمة الناس ولم يمكن استيفاؤه شرعا لأنه مؤجل ، أو كان حالا وكان استيفاؤه متعذرا أو حرجيا جاز التأخير إلى زمان الأداء والاستيفاء فتجب المبادرة حينئذ.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ٣٣ ، ٣٦‌

٥٥١

ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس. وكذا لو وهبه ، أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه [١].

( مسألة ٧٣ ) : لو تلف بعض أمواله ـ مما ليس من مال التجارة ـ أو سرق ، أو نحو ذلك لم يجبر بالربح وإن كان في عامه [٢] ، إذ ليس محسوباً من المؤنة [٣].

______________________________________________________

[١] كما في الدروس ، واستجوده في الذخيرة. لكنه يتم لو لم يكن معدوداً في المؤنة عرفاً.

[٢] كما في الدروس ، والمسالك ، والروضة ، وغيرها.

[٣] ادعى شيخنا الأعظم (ره) في رسالته القطع بعدم الجبر. وعلله بما في المتن ، منضماً إلى أن التلف لا يمنع من صدق الاستفادة على الربح ومنه يظهر دوران الجبر مدار أحد الأمرين المذكورين ، فاذا تحقق أحدهما فلا بد من الجبر ، وإذا انتفيا معاً انتفى الجبر ، لعموم ما دل على وجوب الخمس.

ثمَّ إن الأول ـ أعني : الاحتساب من المؤنة ـ منتف غالباً. نعم لو اتفق احتياجه إلى ذلك المقدار التالف فاشتراه كان من المؤنة حينئذ ، ولا يجب الخمس فيه. لكن الظاهر خروجه عن محل الكلام. وأما الثاني ـ وهو المنع من صدق الاستفادة عرفاً مع تلفه ـ فلا يخلو من وجه. والتفصيل بين الصور التي ذكرها المصنف (ره) وغيره بلا فاصل ظاهر ، والعرف لا يساعد عليه. نعم ـ بناء على اختصاص الخمس بفوائد الاكتساب ـ يحسن التفصيل بين الخسران الواقع في الاكتساب فيجبر بالربح الواقع فيه ، والواقع في غير الاكتساب فلا يجبر به الربح الواقع فيه ، لعدم ارتباط أحدهما بالآخر أما بناء على عموم الخمس لمطلق الفائدة فالجميع ملحوظ بلحاظ واحد ، وتكون موضوعاً واحداً ، فالجبر يكون في محله.

٥٥٢

( مسألة ٧٤ ) : لو كان له رأس مال وفرقه في أنواع من التجارة فتلف رأس المال أو بعضه من نوع منها ، فالأحوط عدم جبره بربح تجارة أخرى ، بل وكذا الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح أخرى. لكن الجبر لا يخلو عن قوة [١]. خصوصاً في الخسارة. نعم لو كان له تجارة وزراعة مثلا ، فخسر في تجارته أو تلف رأس ماله فيها ، فعدم الجبر لا يخلو عن قوة [٢].

______________________________________________________

ولعل بناء المشهور على عدم جبر الخسارة في غير التجارة بربح التجارة كان لبنائهم على عدم ثبوت الخمس في غير التجارة ، وعليه فلا يحسن للمصنف (ره) وغيره ـ ممن قال بثبوت الخمس في مطلق الفائدة ـ التفصيل المذكور في المتن ، بل كان اللازم لهم القول بالجبر مطلقاً. وبالجملة : التفصيل بالجبر والقول بعمومه ينبغي أن يكونا مبنيين على ما ذكرنا. فلاحظ ، وتأمل.

[١] كما يقتضيه إطلاق ما في الروضة ، من قوله (ره) : « وفي جبر خسران التجارة بربحها في الحول وجه ، قطع به المصنف (ره) في الدروس .. » وفي رسالة شيخنا الأعظم (ره) : « ولو كانا في مالين ، ففي الجبران إشكال أقربه ذلك .. ». لعدم صدق الاستفادة في مثله. وكذا لو كان له مال ففرقه في أنواع من الزراعة ، فإنه إذا ربح في شخص خاص من الزراعة لا يصدق عرفاً أنه استفاد ، إذا كان قد خسر في شخص آخر منها. وكذا الحال في سائر أنواع الاكتساب. لكن قوى في الجواهر عدم الجبر ، وهو ضعيف.

[٢] لصدق الاستفادة عرفاً. وإن كان لا يخلو من نظر ، كما عرفت‌

٥٥٣

خصوصاً في صورة التلف [١] ، وكذا العكس. وأما التجارة الواحدة فلو تلف بعض رأس المال فيها وربح الباقي فالأقوى الجبر [٢]. وكذا في الخسران والربح في عام واحد في وقتين [٣] سواء تقدم الربح أو الخسران ، فإنه يجبر الخسران بالربح.

( مسألة ٧٥ ) : الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين [٤] ،

______________________________________________________

ولا سيما وكون الشك في الجبر عرفاً راجعاً إلى الشك في صدق الاستفادة ، الموجب للرجوع إلى أصالة البراءة.

[١] كأنه : لأن المعاملات غير مبنية على التلف غالباً ، بل مبنية على الخسران. ولذا يكون الجبر فيه أظهر.

[٢] لم ينقل الخلاف في جبر الخسران بالربح إذا كان في تجارة واحدة نعم في الجواهر ـ في التجارة الواحدة في وقت واحد إذا فرض التلف بسرقة ونحوها لا بتغير السعر ونحوه مما يحصل به الخسران ـ قوى عدم الجبر. لكن الأقوى ما في المتن ، لما عرفت من عدم صدق الاستفادة. لا أقل من الشك في ثبوت ذلك.

[٣] لما عرفت : من أن المفهوم من النصوص أن موضوع الوجوب ربح السنة ، ومع الخسران في وقتين لا يصدق الربح. وفي الجواهر اختار عدم جبر الخسارة بالربح في التجارة في وقتين ، لأنها في الحقيقة كالتجارتين. ولا سيما لو كان الربح في الوقت الثاني. وقد عرفت ضعف ذلك في التجارتين ، فضلا عن المقام. وأما جهة تأخر الربح عن الخسارة فهو مبني على مذهبه ، من كون مبدأ السنة ظهور الربح. لكن عليه يختص بالخسارة المتقدمة على أصل الربح. فلاحظ.

[٤] بلا خلاف ظاهر ، بل المظنون عدم الخلاف فيه ، كما في رسالة‌

٥٥٤

ويتخير المالك بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر نقداً أو جنساً [١].

______________________________________________________

شيخنا الأعظم (ره). ويقتضيه ظاهر أدلتها ، من الآية والنصوص المتضمنة وجوب خمسة ، أو الخمس عليه ، أو منه ، أو فيه ، أو نحو ذلك من التعبيرات الظاهرة في تعلقه بنفس الموضوعات الخاصة.

[١] كما استظهره شيخنا الأعظم (ره) ، حاكياً التصريح به عن بعض مستظهراً من حاشية المدقق الخوانساري نسبته إلى مذهب الأصحاب. ولعله كذلك ، ويكون عدم التعرض له في كلام الأكثر ـ مع كثرة الابتلاء به ـ اعتماداً على ما ذكروه في الزكاة ، لبنائهم على إلحاق الخمس بها في كثير من الأحكام.

وقد تقدم ـ في المسألة الثانية عشرة من مسائل المعدن ـ التصريح من التذكرة والمنتهى بجواز بيع المعدن وتعلق الخمس بالثمن ، مستشهداً له ـ في الأخير ـ بخبر : « من وجد ركازاً فباعه » المتقدم هناك (١). ويشهد له أيضاً : مصححة الريان بن الصلت ، المتضمنة لوجوب الخمس في ثمن السمك والقصب والبردي الذي يبيعه من أجمة قطيعته (٢) ، وخبر أبي بصير ، المروي عن السرائر : « في الرجل يكون في داره البستان ، فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهماً ، هل عليه الخمس؟ فكتب أما ما أكل فلا ، وأما البيع فنعم ، هو كسائر الضياع » (٣). لكن مفادها جواز إيقاع المعاملة على المال الذي فيه الخمس فينتقل الى الثمن ، ولا تدل على جواز دفع القيمة. إلا أن يكون نوعاً من المعاوضة ، ولا يخلو من تأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١٠.

٥٥٥

ولا يجوز له التصرف في العين قبل أداء الخمس ، وإن ضمنه في ذمته [١].

______________________________________________________

نعم قد يشكل الاعتماد عليها ، من جهة عدم ظهورها في جواز ذلك بعد تمام الحول. ولا إطلاق لها يقتضيه ، لعدم ورودها لبيان هذه الجهة فغاية مدلولها جواز إيقاع المعاملة عليه. والظاهر أنه لا إشكال فيه في أثناء الحول ، كما يقتضيه ما عرفت من ظهور الإجماع على جواز التأخير ، بضميمة ظهور الإجماع أيضاً على عدم وجوب عزل مقدار الخمس ، ومحل الاشكال ما بعد الحول. اللهم إلا أن يتعدى اليه باستصحاب الولاية الثابتة في أثناء الحول ، بناء على تقدمه على عموم المنع من التصرف في مال الغير. أو يدعى : أن نصوص التشريع لا تدل إلا على ثبوت حق في العين ، فيجوز دفعه ولو من غير العين. وسيأتي في المسألة اللاحقة.

[١] لعدم الدليل على انتقاله إلى ذمة المالك بمجرد ضمانه ، فما في الجواهر ـ في حكم المعدن ـ من أنه له ضمانه غير ظاهر. ولذا قال في مسألة جواز تأخير ما يجب في الأرباح : « نعم لو ضمنه وجعله في ذمته جاز له ذلك. لكن ليس في الأدلة هنا تعرض لبيان أن له ضمانه مطلقاً ، أو بشرط الملاءة أو الاطمئنان من نفسه بالأداء ، أو غير ذلك. بل لا تعرض فيها لأصل الضمان .. ». وان كان موضوع كلامه هنا الضمان في أثناء الحول. وكيف كان فولاية المالك على الضمان غير ظاهرة.

وقد يستدل عليه : بأنه مقتضى الجمع بين النصوص المتقدمة وبين ما دل من النصوص على عدم جواز التصرف في الخمس ، مثل رواية أبي بصير عن أبي جعفر (ع) ـ في حديث ـ قال : « لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا » (١) ورواية إسحاق بن عمار قال :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٥.

٥٥٦

ولو أتلفه بعد استقراره ضمنه [١]. ولو اتجر به قبل إخراج الخمس كانت المعاملة فضولية بالنسبة إلى مقدار الخمس ، فإن أمضاه الحاكم الشرعي أخذ العوض [٢] ، وإلا رجع بالعين‌

______________________________________________________

« سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : لا يعذر الله تعالى عبداً اشترى من الخمس شيئاً ، أن يقول : يا رب اشتريته بمالي ، حتى يأذن له أهل الخمس » (١) ونحوهما غيرهما.

وفيه ـ مضافاً إلى ما عرفت من الإشكال في النصوص المتقدمة ـ : أن ظاهرها صورة عدم الضمان ، لجهل السائل فيها بوجوب الخمس. نعم لا يبعد خروج صورة نية عدم إعطاء الخمس عنها ، فتحمل عليها النصوص الثانية. ولعل الأقرب في الجمع : حمل النصوص الأول على صورة الأداء وحمل الثانية على صورة عدمه ، فالأداء يكون نظير الإجازة في عقد الفضولي أو أداء الدين بالنسبة إلى تصرف الراهن في العين المرهونة ، فإن تحقق صح التصرف ولو مع نية عدمه ، وان لم يتحقق لم يصح ولو مع نيته. والوجه في أقربيته : عدم ورود تلك النصوص لبيان صحة التصرف ، وإنما استفيد منها ذلك في الجملة ، فلا تصلح لمعارضة ما دل على عدم الصحة بدون الأداء والصحة معه ، كما هو مفاد النصوص الأخيرة. ولعل ذلك مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن النصوص ، بناء على أنه حق متعلق بالعين نظير حق الرهانة أو الجعالة. أما لو كان المستحق نفس العين فتشكل صحة التصرف بعد الأداء ، إذ الحال تكون كما لو باع شيئاً ثمَّ ملكه. فلاحظ.

[١] لقاعدة الإتلاف.

[٢] يتم هذا بناء على أن المستحق نفس العين. أما لو كان حقاً في العين فالإمضاء لا يوجب ملك العوض ، ولا ثبوت حق فيه إلا بمصالحة خاصة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال حديث : ١٠‌

٥٥٧

بمقدار الخمس إن كانت موجودة ، وبقيمته إن كانت تالفة. ويتخير في أخذ القيمة بين الرجوع على المالك [١] ، أو على الطرف المقابل الذي أخذها وأتلفها [٢]. هذا إذا كانت المعاملة بعين الربح ، وأما إذا كانت في الذمة ودفعها عوضاً ، فهي صحيحة ولكن لم تبرأ ذمته بمقدار الخمس [٣]. ويرجع الحاكم به إن كانت العين موجودة ، وبقيمته إن كانت تالفة. مخيراً حينئذ بين الرجوع على المالك أو الآخذ أيضاً [٤].

( مسألة ٧٦ ) : يجوز له أن يتصرف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقياً في يده ، مع قصد إخراجه من البقية ، إذ شركة أرباب الخمس مع المالك إنما هي على وجه الكلي في المعين [٥] ، كما أن الأمر في الزكاة أيضاً كذلك. وقد مر في بابها.

______________________________________________________

لأن العين ملك المالك ، فعوضها له.

[١] لأنه مضمون عليه باليد. أو بالدفع إلى المشتري ، لأنه تفريط.

[٢] بل لو تلف بآفة سماوية جاز الرجوع عليه ، لكون ضمانه باليد.

[٣] لعدم ولايته على إفراغ ذمته به.

[٤] لما سبق.

[٥] قد عرفت الإشارة إلى أن أدلة الخمس قد اختلفت عباراتها في مقام بيان كيفية تشريعه ، ففي بعضها : أضيف الخمس إلى نفس الموضوع مثل آية الغنيمة (١) ، وبعض النصوص. والظاهر منه : أن المستحق كسر مشاع في العين. وفي بعضها : جعل الموضوع ظرفاً للخمس ، مثل.

__________________

(١) الأنفال : ٤١‌

٥٥٨

( مسألة ٧٧ ) : إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في‌

______________________________________________________

مصحح عمار بن مروان : « فيما يخرج من المعادن والبحر ، والغنيمة ، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز : الخمس » (١). ونحوه غيره. وفي ظهوره في الكسر المشاع إشكال ، لأن الخمس وإن كان معناه الكسر المشاع ، لكن جعله مظروفاً للعين يناسب جداً ـ بقرينة ظهور تباين الظرف والمظروف ـ أن يكون المراد به مقداراً من المال يساوي الخمس ، قائماً في العين نحو قيام الحق بموضوعه. وفي بعضها : إبدال حرف الظرفية بحرف الاستعلاء ، مثل مرسل ابن أبي عمير عن غير واحد : « الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز ، والمعادن .. » (٢). وظهوره في كون الخمس حقا مفروضاً على العين واضح. وفي بعضها : ابداله بحرف الابتداء ، مثل مرسل حماد : « الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم ، ومن الغوص .. » (٣) وهذا المضمون صالح لكل من المعنيين ، وإن كان هو في الكسر المشاع أظهر. وحينئذ فالتعارض بين النحو الأول والثالث. ولا ينبغي التأمل في كون ظهور الأول أقوى ، فيصرف غيره اليه. وإن كان العكس ـ بحمل الخمس في الأول على المقدار ـ لا يخلو من وجه.

ويؤيده : ما تقدم في الزكاة ، ورواية أبي بصير المتقدمة في حل المال المشترى من الخمس بعد أداء الخمس ـ بناء على بطلان بيع من باع شيئاً ثمَّ ملكه ـ كما هو التحقيق (٤) وعلى هذا فيدور الأمر بين الكسر المشاع والحق القائم بالعين. وأما الكلي في المعين فحمل الأدلة عليه غير ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٤.

(٤) لاحظ المسألة : ٧٥.

٥٥٩

أثنائها فلا مانع من التصرف فيه بالاتجار [١] ، وإن حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الربح الأول منه لأرباب الخمس. بخلاف ما إذا اتجر به بعد تمام الحول ، فإنه إن حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه ، مضافاً إلى أصل الخمس. فيخرجهما أولا ، ثمَّ يخرج خمس بقيته إن زادت على مئونة السنة.

( مسألة ٧٨ ) : ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمته ثمَّ التصرف فيه ، كما أشرنا إليه. نعم يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم. وحينئذ فيجوز له التصرف فيه ، ولا حصة له من الربح إذا اتجر به. ولو فرض تجدد مؤن له في أثناء الحول على‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت في مسألة جواز تأخير الخمس : دعوى ظهور الإجماع على عدم وجوب العزل ، ولازمه جواز التصرف فيه بالاتجار. إنما الإشكال في أنه لو ربح ، فهل يختص بحصة الخمس من الربح مستحق الخمس ، أو يكون الربح كله للمالك؟ والأول مال إليه في الجواهر ، وفي نجاة العباد جعله أحوط ، إن لم يكن أقوى ، لتبعية النماء للأصل ، ولا ينافيه جواز التأخير قال (ره) : « فلو ربح أولا ـ مثلا ـ ستمائة ، وكانت مئونته منها مائة ، وقد أخذها فاتجر بالباقي ـ مثلا ـ من غير فصل معتد به فربح خمسمائة ، كان تمام الخمس مائتين وثمانين ، مائة من الربح الأول ، ويتبعها نماؤها من الربح الثاني ـ وهو مائة ـ أيضاً فيكون الباقي من الربح الثاني أربعمائة ، وخمسها ثمانون فيكون المجموع مائتين وثمانين .. ». والذي اختاره شيخنا الأعظم (ره) الثاني ، وتبعه عليه غير واحد ، منهم المصنف.

واستدل له : بأنه الموافق للفتوى والعمل ، لاستقرارهما ـ ظاهراً ـ

٥٦٠