مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

غير ذلك مما هو كثير ، فان هذه النصوص ظاهرة جداً في كون الزكاة شيئاً موضوعاً على المال ، خارجاً عنه كسائر الضرائب المجعولة في هذه الأزمنة على الأملاك ، إذ ليس المقصود جعل جزء من الملك ملكاً للسلطان وحينئذ يتعين حمل تلك النصوص على ما عرفت ، جمعاً بينها. ولا سيما بملاحظة بعض النصوص التي اشتملت على التعبيرين معا ، مثل صحيح زرارة : « إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجعها ، عامها الذي يقتنيه فيه الرجل ، فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء » (١) ونحوه غيره. ولو سلم فلا مجال له في نصب الإبل والبقر ، فان قولهم (ع) : « في كل خمس من الإبل شاة » يمتنع حمله على الظرفية ، للمخالفة في الجنس. والحمل على إرادة مقدار من النصاب يساوي الشاة بحسب القيمة يوجب كون الشاة ليست فريضة في الخمس من الإبل ، ولا بنت المخاض فريضة في الست والعشرين ، فدفعها دفع للبدل ـ وكذا الحال في بقية نصب الإبل والبقر ـ وهو ـ كما ترى ـ مخالف لما يستفاد من النصوص ضرورة ولا سيما ما ورد في إبدال الفرائض عند تعذرها ، فإنها صريحة في أن الأسنان المذكورة نفس الفريضة ، ينتقل إلى بدلها لو لم تكن موجودة عنده ، ولا يكلف شراءها. فراجع.

وإن كان المستند فيه : أمر أمير المؤمنين (ع) مصدقه بصدع المال صدعين (٢). فقد عرفت : أنه لا يمكن الاستدلال به على الإشاعة ـ التي من لوازمها شرعاً القسمة ـ فضلا عن الاستدلال به على كونها من قبيل الكلي في المعين. ولا سيما مع ظهور ذيله في كون القسمة لتعيين ما به يكون الوفاء لحق الله تعالى واستيفاؤه ، لا لتعيين نفس الزكاة. وأما قوله (ع) : « فإذا أتيت ماله فلا تدخله بغير إذنه ، فان أكثره له » فلا يدل على أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

١٨١

______________________________________________________

بعضه لغيره ، إلا بمفهوم اللقب الذي ليس بحجة. ولعل وجه الاقتصار على ذكر الأكثر ، مع أن كله له ـ بناء على عدم وجودها في العين ـ : أن بعضه موضوع لحق الاستيفاء ، فلذلك تقصر سلطنته عنه ، بخلاف الأكثر فإنه موضوع لسلطنته المطلقة.

وإن كان الأخبار المستفيضة ، المتضمنة : أن الله تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم (١). فمن المحتمل فيها أن يكون المراد ما يعم جعل الحق وجعل العين ، فلا يدل على الثاني ، وكذا موثق أبى المعزى (٢) لا أقل من وجوب صرفه إلى ذلك ، لأجل ما سبق.

وإن كان صحيح عبد الرحمن (٣) ، فلا يدل إلا على عدم نفوذ تصرف المالك في تمام النصاب ، وهو كما يكون من جهة كون تعلق الزكاة فيه بنحو الإشاعة أو الكلي في المعين ، يكون من جهة كون تعلقها فيه بنحو تعلق حق الرهانة والجناية. مع أن الاستدلال به على ثبوت واحد منها يتوقف على القول بحجية الظهور في مطلق اللوازم والملزومات ، وقد عرفت إشكاله. فتأمل.

وإن كان خبر أبي حمزة (٤) ، فالظاهر عدم بناء الأصحاب على العمل به ، كما قيل. ولو سلم فقد عرفت المناقشة في صحة الاستدلال به على كيفية التعلق. مع أن الجمع بينه وبين ما عرفت ـ مما دل على عدم كون الزكاة في العين ـ يقتضي حمله على كونه حكماً تعبدياً جارياً على خلاف القواعد الأولية المقررة.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب المستحقين الزكاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب المستحقين الزكاة حديث : ٣.

١٨٢

______________________________________________________

وإن كان النصوص المشتملة على التعبير بالعزل والإخراج ، فهي لا تصلح مستنداً لذلك ، لصدقهما ولو كان التعلق بنحو تعلق الحق ، كما لا يخفى.

هذا والمتحصل من جميع ما ذكرنا : أن نصوص التشريع ـ التي عليها المعول في كيفية تعلق الزكاة بالنصاب ـ عامها وخاصها ، أكثرها ما بين غير ظاهر في كيفية خاصة للتعلق ، وما بين ظاهر في عدم كون الزكاة جزءاً من العين ـ وهو ما تضمن أن الزكاة على المال ، أو فيه ـ بناء على ظهور الظرفية في المباينة بين الظرف ومظروفه ، كما عرفت. وهذا النوع أكثر نصوص الباب ، وما بين ما يمتنع حمله على ذلك ، وما هو نادر منها مما هو ظاهر في كون التعلق على نحو الإشاعة أو الكلي في المعين ، يتعين صرفه عن ذلك إلى غيره ، مما لا ينافي ما سبق.

ثمَّ إن مقتضى الطائفة الثانية ـ المتضمنة أن الزكاة على المال ، أو فيه ـ أن المال موضوع حق الزكاة ، وأنه مثقل بها ومتعهد بها ، كما هو أيضاً مفاد بعض النصوص المتقدمة في تعلقها بالعين. ومقتضى ذلك عدم جواز تصرف المالك بالمال على نحو ينافي الحق. ولا إشكال في كون التصرف المتلف للعين منافياً للحق. أما التصرف المخرج لها عن الملك فمنافاته للحق غير ظاهرة ، لأن ذلك يتوقف على كونه قائماً بالعين بما أنها مضافة إلى المالك وملك له ، وهو كما يحتمل ، يحتمل أيضاً أن يكون قائماً بالعين مطلقاً.

ولا طريق إلى تعيين الأول ، بل مقتضى إطلاق النص هو الثاني ، لأن جعل موضوع الحق خصوص ما هو مملوك للمالك تقييد زائد يحتاج الى دليل.

نعم في صحيح عبد الرحمن البصري ـ في من لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعها ـ قوله (ع) : « تؤخذ منه زكاتها ، ويتبع بها البائع » (١). وهو كما يحتمل أن يكون من جهة فساد البيع في مقدار الزكاة لمنافاته للحق‌

__________________

(١) المراد به هو الصحيح المتقدم قريباً في هذه التعليقة.

١٨٣

______________________________________________________

يحتمل أن يكون حكماً تعبدياً جارياً على خلاف القواعد الأولية ، وقد عرفت أن أصالة العموم لا تصلح لتشخيص الموضوع. اللهم إلا أن يستفاد الأول بقرينة مناسبة الحكم والموضوع. وعليه فقد يستشكل في التصرف في المقدار الزائد على مقدار الزكاة ، بدعوى : أن ظاهر قولهم (ع) : « عليه الزكاة » أن الحق الزكوي مستوعب لجميع المال ، ولا يختص بالمقدار المساوي له. لكنها محل نظر. والقياس على موارد الاستعمال العرفي شاهد عليه. بل بقرينة مناسبة الحكم والموضوع ـ المعول عليها في فهم كون المتعلق على نحو يمنع من التصرف ـ يكون الصحيح ظاهراً في أن الحق قائم بمقداره من المال لا أزيد ، فيجوز التصرف في بعض النصاب وان لم ينو المالك الأداء من غيره. بل الصحيح المذكور ظاهر في بيع تمام النصاب ، فلا يدل على المنع عن التصرف في بعضه. فلاحظ.

ثمَّ إن كثيراً من النصوص قد تضمن أن الزكاة على المالك ، ومقتضى قياسه بالاستعمالات العرفية أن تكون الزكاة في ذمة المالك وإن كان لها تعلق بالعين ، فيكون تعلقها بالعين نظير حق الرهانة. اللهم إلا أن يكون المراد من الزكاة فيه المعنى المصدري ـ أعني : تزكية المال ـ لا نفس المقدار المفروض على النصاب ، فيكون مفاد النصوص حينئذ التكليف بالأداء لا غير كما هو الظاهر مما قرن فيه الزكاة بالصلاة ، فيكون تعلقها بالعين نظير تعلق حق الجناية ليس له تعلق بذمة المالك.

نعم بعضها ظاهر في أن المجعول في الذمة نفس العين ، كصحيح زرارة ـ الوارد في إبدال الأسنان الواجبة ـ قال (ع) فيه : « وكل من وجبت عليه جذعة ، ولم تكن عنده .. » (١) وحملها على إرادة من وجب عليه أداء جذعة خلاف الظاهر. اللهم إلا أن يكون لفظ الوجوب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

١٨٤

وحينئذ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صح ، إذا كان مقدار الزكاة باقياً عنده [١] ، بخلاف ما إذا باع الكل ،

______________________________________________________

قرينة عليه ، لظهوره في التكليف. أو لأنه مقتضى الجمع بين مثل الصحيح والنصوص المتضمنة أن الزكاة على المال (١). ولا سيما بملاحظة ما تضمن من النصوص والفتاوى عدم ضمان الزكاة بتلف النصاب (٢) ، إذ لو كانت في الذمة لا موجب لبراءة الذمة عنها بمجرد تلف النصاب. كما أن تلف الرهن لا يوجب براءة ذمة الراهن من الدين. والمسألة محتاجة إلى تأمل ، وإن كان الأقرب إلى الذهن عاجلا هو الأول.

هذا وقد كنت أمني نفسي ـ من حين شروعي في كتاب الزكاة ـ أن أكتب هذه المسألة على أحسن طرز وأوضح منهج ، غير أنه حالت الحوائل القاسرة بيني وبين ذلك فلم أهتد لأجلها سبيلا. وذلك مما أصاب إخواننا المؤمنين الصالحين الايرانيين والعراقيين من أنواع البلايا والمحن. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ... وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

[١] قد عرفت : أن صحة البيع فيما زاد على مقدار الزكاة تترتب أيضا على القول بكون التعلق بنحو تعلق حق الرهانة أو الجناية ، لعدم ظهور الدليل في كون الحق مستوعباً للمال. نعم إذا كان مستوعباً للمال ـ كما يظهر من كلمات شيخنا الأعظم ـ امتنع التصرف في الجزء المعين من النصاب كالقول بالإشاعة. كما أنهما يفترقان عنه ، بأنه على الإشاعة يجوز التصرف بالمشاع غير المعين ، كما لو باع نصف النصاب مشاعاً ، ولا يجوز ذلك على القول الآخر ، لأن المال بجميع أجزائه وكسورة موضوع للحق.

__________________

(١) تقدمت الإشارة إليها في أوائل هذه التعليقة.

(٢) تقدم ذكر النصوص في المسألة : ١٠ من فصل زكاة الأنعام.

١٨٥

فإنه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضولياً محتاجاً إلى إجازة الحاكم [١] على ما مر.

______________________________________________________

[١] فإن أجاز صح ، وكانت حصة الزكاة من الثمن زكاة. هذا بناء على مذهب المصنف ، وكذا بناء على الإشاعة. أما بناء على ثبوته في الذمة وتعلقه بالعين بنحو تعلق حق الرهانة ، فالإجازة تجدي في صحة التصرف وسقوط الحق ، أما في ذمة المالك من الزكاة فباق على حاله قبل البيع. وأما بناء على عدم ثبوته في الذمة ، وكون تعلقه بنحو تعلق حق الجناية ، فإن كان قائما بالعين بما أنها مضافة الى المالك ـ كما هو أحد القولين في حق الجناية ـ احتيج إلى إجازة الحاكم ، لأن البيع يكون تصرفاً في موضوع الحق ، ولازم الإجازة حينئذ سقوط الحق ، لانتفاء موضوعه. ولكن صدور هذه الإجازة غير مشروع من الحاكم ، لأنها تضييع لحق الفقير ، فلا تجوز له ، ولو مع اشتراط مقدار من المال على المالك ، أو على المشتري ، أو ثبوت حق الزكاة في الثمن ، لأن نفوذ مثل هذا الشرط ـ مع كونه في الإيقاع ـ محل تأمل. وإن كان ظاهر الأصحاب التسالم على صحته فيما لو أذن المرتهن للراهن في البيع ، واشتراط عليه أن يكون الثمن رهناً. نعم لو كان مرجع الشرط إلى تقييد الاذن بالبيع ، بدفع مقدار من المال ، كان في محله. وإن كان قائماً بذات العين مطلقاً صح البيع بلا إجازة ، لعدم كونه تصرفاً في موضوع الحق ، لبقاء موضوعه ولو في ملك غير المالك ، كما هو المشهور في حق الجناية ، فيتبع المستحق العين أينما انتقلت. وإن كان قائما بهما ، بأن يكون للمستحق حقان ، حق قائم بذات العين ، وآخر قائم بها بما أنها مضافة الى المالك ، فالبيع يكون تصرفاً في موضوع الحق كالوجه الأول ، فلا يجوز إلا بالإجازة. لكن الإجازة لا توجب سقوط الحق بالمرة ، وإنما توجب سقوط الحق القائم بها بما أنها مضافة لا غير ،

١٨٦

ولا يكفي عزمه على الأداء [١] من غيره في استقرار البيع على الأحوط [٢].

( مسألة ٣٢ ) : يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل والكرم [٣]

______________________________________________________

ويبقى الحق القائم بذات العين ، فلو أجاز الحاكم كان للمستحق اتباع العين في ملك أي مالك كانت. وعليه فصدور الإجازة من الحاكم لا يحتاج إلى شرط دفع مال أو نحوه مما يمنع من ضياع الحق المالي على مستحقه ، بل تجوز الإجازة لأي غرض صحيح ، ولو كان من جهة سهولة استيفاء الحق من المشتري وصعوبته من المالك. هذا وقد عرفت أن إطلاق قولهم (ع) : « في كل خمس من الإبل شاة » ونحوه من أدلة الفرائض يقتضي البناء على الثاني. لكن قوله (ع) في صحيح البصري المتقدم ـ فيمن لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعها ـ : « تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع » (١) يقتضي الأول. إذ المنسبق إلى الذهن في وجه اتباع البائع في مقدار الزكاة عدم صحة البيع فيه. اللهم إلا أن يلتزم بالأخير ، جمعاً بين النصوص. فتأمل جيداً :

[١] كما يقتضيه إطلاق صحيح البصري المتقدم. نعم صرح فيه : بأنه لو دفع البائع الزكاة استقر البيع.

[٢] كأن وجه التوقف : احتمال أن يكون ما دل على جواز دفع القيمة دالا على أن للمالك ولاية البيع. وفيه : أنه لا دلالة لذلك على ما ذكر. بل يمكن منع دلالته على ولاية التبديل بشي‌ء في ذمته ، فضلا عما نحن فيه.

[٣] بلا خلاف أجده بيننا ، بل في الخلاف والمعتبر وغيرهما : الإجماع عليه ، كذا في الجواهر. ويشهد له جملة من النصوص ، كخبر أبي بصير‌

__________________

(١) لاحظ أوائل الكلام في المسألة.

١٨٧

ـ بل والزرع ـ [١] على المالك.

______________________________________________________

عن أبي عبد الله (ع) : « في قول الله عز وجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ .. ) (١) قال (ع) : كان رسول الله (ص) : إذا أمر بالنخل أن يزكى يجي‌ء قوم بألوان من التمر ـ وهو من أردأ التمر ، يؤدونه من زكاتهم ـ تمراً يقال له الجعرور والمعى فأرة ، قليلة اللحا ، عظيمة النوى وكان بعضهم يجي‌ء بها عن التمر الجيد. فقال رسول الله : لا تخرصوا هاتين التمرتين ، ولا تجيئوا منها بشي‌ء. وفي ذلك نزل ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ .. ) والإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين » (٢) ‌ونحوه ما رواه ابن إدريس عن شهاب (٣) ، وما رواه العياشي في تفسيره عن أبي بصير (٤) ورفاعة (٥) وإسحاق ابن عمار (٦). وفي صحيح سعد بن سعد ـ ( في حديث ) ـ قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن العنب هل عليه زكاة ، أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيباً؟ قال : نعم ، إذا خرصه أخرج زكاته » (٧).

[١] كما عن جامع المقاصد وغيره. وعن التلخيص : أنه المشهور ، بل عن الخلاف : الإجماع عليه. وعن المعتبر والمنتهى والتحرير وغيرها :

__________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب زكاة الغلات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب زكاة الغلات حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٩ من أبواب زكاة الغلات ملحق حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ١٩ من أبواب زكاة الغلات حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ١٩ من أبواب زكاة الغلات حديث : ٥.

(٧) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الغلات حديث : ٢. وذكر الحديث بتمامه في باب : ١ من أبواب زكاة الغلات حديث : ١.

١٨٨

وفائدته جواز التصرف للمالك [٢] ، بشرط قبوله [٢]

______________________________________________________

المنع فيه ، اقتصاراً فيما خالف القواعد على مورد النص. ولأن الزرع قد يخفى لاستتاره فلا يمكن خرصه ، بخلاف ثمر النخل والكرم. ولأن الحاجة في النخل والكرم تامة لاحتياج أهلها إلى تناولها ، بخلاف الفريك فإن الحاجة إليه قليلة. وفيه : أن ظاهر صحيح سعد بن سعد عن الرضا (ع) ـ في حديث ـ قال : « سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال (ع) : إذا صرم ، وإذا خرص » (١). العموم للزرع. مع أن كون الخرص على خلاف القواعد غير ظاهر ـ بناء على أنه نوع من المعاملة ـ لعموم الوفاء بالعقود والشروط. وخفاء الزرع في بعض الأحوال لا يمنع من صحة الخرص في الجملة. ومثله : عدم الاحتياج إلى تناوله ، كما هو ظاهر.

[١] كما نص على ذلك كله في الجواهر ، ويظهر منه عدم الخلاف فيه. وهو في محله ، بناء على كون الخرص معاملة خاصة مفادها اشتغال ذمة المالك بحصة الفقراء ، أو ثبوتها في العين بنحو ثبوت الكلي في المعين. إذ على الأول لا ينبغي التأمل في جواز التصرف في تمام العين لقاعدة السلطنة وكذا على الثاني بالنسبة الى ما عدا مقدار الزكاة ، كما في بيع صاع من صبرة. أما لو كان الخرص تقديراً للزكاة لا غيره ، فجواز التصرف وعدمه مبنيان على الخلاف في كيفية تعلق الزكاة بالعين ، الذي تقدم التعرض له. اللهم إلا أن يكون مبنى الخرص على الاذن في التصرف بعده.

[٢] لتتم المعاملة إيجاباً وقبولا. قال في الجواهر : « بخلاف ما إذا لم يقبل ، فإنه لا يجوز التصرف فيه على ما نص عليه جماعة. لكن قد يقوى جوازه مع الضبط .. ».

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الغلات حديث : ١.

١٨٩

كيف شاء. ووقته بعد بدو الصلاح وتعلق الوجوب [١]. بل الأقوى جوازه من المالك بنفسه [٢] إذا كان من أهل‌

______________________________________________________

أقول : انتفاء القبول إنما يوجب انتفاء المعاملة ، وعليه فجواز التصرف وعدمه مبنيان على الخلاف في كيفية تعلق الزكاة بالعين ، ويكون الحال كما لو لم يكن خرص.

[١] لظهور النص والفتوى في كون المراد من الخرص خرص الزكاة الواجبة الثابتة ، لا خرص ما تجب وتثبت. وقد تقدم في صحيح سعد : « إذا خرصه أخرج زكاته ». وعليه فلا بد من أن يكون بعد تعلق الوجوب ولأجل ذلك استشكل على المحقق (ره) حيث جعل زمان الخرص بدو الصلاح ، مع أنه ممن يختار تعلق الوجوب بالتسمية ، مستدلا عليه : بأن النبي (ص) كان يبعث عبد الله بن رواحة خارصاً للنخل حين يطيب (١). وفيه : أنه لو ثبت وجبت حمل الطيب على حال التسمية جمعاً. وإلا تعين القول بتعلق الوجوب حين بدو الصلاح.

[٢] كما في الجواهر ، حاكياً عن الفاضلين والشهيد والمقداد والصيمري النص عليه وعلى جواز إخراجه عدلا يخرصه له. قال في الجواهر : « ولعله لمعلومية عدم خصوصية خرص الساعي ، وإطلاققوله (ع) في صحيح سعد : إذا خرصه أخرج زكاته ، وقوله (ع) : إذا صرم وإذا خرص ». وفيه : أن العلم بعدم الخصوصية للساعي غير حاصل ، كيف وهو ولي ، وغيره لا ولاية له؟ والإطلاق في الخبرين ممنوع ، لورودهما لبيان وقت الإخراج لا غير. وثبوت ولاية العدل في المقام غير ظاهر ، إذ لا تعطيل فيه ولا ضياع.

__________________

(١) لاحظ المعتبر الفرع الأول من فروع مسألة الخرص صفحة ٢٦٩ ، وسنن البيهقي باب الخرص ج ٤ صفحة ١٢٣.

١٩٠

الخبرة ، أو بغيره من عدل أو عدلين. وإن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم أو وكيله مع التمكن. ولا يشترط فيه الصيغة فإنه معاملة خاصة [١] ، وإن كان لو جي‌ء بصيغة الصلح كان أولى. ثمَّ إن زاد ما في يد المالك كان له ، وإن نقص كان عليه [٢]. ويجوز ـ لكل من المالك والخارص ـ الفسخ مع الغبن [٣] الفاحش. ولو توافق المالك والخارص‌

______________________________________________________

[١] هذا كما ذكره في الجواهر بنحو يظهر منه المفروغية عنه. ودليله غير ظاهر ، إذ الظاهر من مادة الخرص تقدير الزكاة وتعيين مقدارها لا غير. اللهم إلا أن يقال : لا ظهور في النصوص في كون الخرص ـ بمعنى تخمين المقدار ـ حجة ، فلعل التخمين مقدمة للمعاملة. ولا سيما بملاحظة التعبير في روايتي رفاعة وإسحاقـ المرويتين في تفسير العياشي ـ بالخرص عليهم (١) فتأمل. وعليه فالخروج عن أصالة عدم الحجية بمجرد النصوص المذكورة غير ظاهر ، ويكفي في صحة المعاملة عمومات الصحة والنفوذ ، كما عرفت.

[٢] إذا كان الخرص معاملة فلا ينبغي التأمل في أن مقتضاها كون الزيادة للمالك والنقيصة عليه. أما لو كان مجرد تقدير فلا وجه لشي‌ء من ذلك. نعم هو حجة في ظرف الجهل وعدم العلم بالزيادة أو النقيصة. نعم لو كان تقديره بالنقيصة راجعاً الى عفوه عن الزائد ـ لمساهلته معه لمصلحة ، أو لاستحباب التخفيف ، كما قيل ـ كان الزائد للمالك. وإن كان خطأ منه في التقدير وجب على المالك دفعه إلى الساعي أو الفقراء.

[٣] لأن خيار الغبن يطرد في كلية المعاملات ولا يختص بالبيع ، كما حرر في محله. وهذا أيضاً مبني على أن الخرص معاملة. أما على الاحتمال‌

__________________

(١) لاحظ أوائل الكلام هذه المسألة.

١٩١

على القسمة رطباً جاز [١]. ويجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء [٢] ، من المالك أو من غيره.

( مسألة ٣٣ ) : إذا اتجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها ، يكون الربح للفقراء بالنسبة [٣] ، وإن خسر يكون خسرانها عليه.

( مسألة ٣٤ ) يجوز للمالك عزل الزكاة [٤] وإفرازها ،

______________________________________________________

الآخر فالمدار على الواقع عند انكشافه.

[١] لأن الحق بينهما. لكنه مبني على تعلق الوجوب حينئذ.

[٢] لعموم ولايته.

[٣] إطلاقه لا يوافق ما تقدم منه : من أن البيع في الفرض يكون فضولياً بالنسبة إلى مقدار الزكاة ، فان أجازه الحاكم طالبه بالثمن ، وإلا أخذ الزكاة من المبيع. مع أنه غير ظاهر في نفسه. اللهم إلا أن يكون ذلك لخبر علي ابن أبي حمزة الآتي في المسألة الآتية. وقد تقدم في مسألة تعلق الزكاة بالعين. لكنه لا ينطبق على القاعدة ، إلا بناء على كون الزكاة جزءاً من العين ، وكون الاعتبار بها لا بالذمة ـ كما هو الغالب المتعارف ـ وتحقق الإجازة بعد ذلك من الولي. والاعتماد عليه في رفع اليد عن القواعد ـ مع ضعفه في نفسه ، وبناء الأصحاب على عدم العمل به كما قيل ـ في غير محله.

[٤] كما هو المشهور. ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح أبي بصير عن أبي جعفر (ع) : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ، ثمَّ سماها لقوم فضاعت ، أو أرسل بها إليهم فضاعت ، فلا شي‌ء عليه » (١) ، وموثق يونس بن يعقوب قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : زكاتي تحل علي في شهر ، أيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني يكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٣.

١٩٢

______________________________________________________

عندي عدة ، فقال (ع) : إذا حال الحول فأخرجها من مالك ، ولا تخالطها بشي‌ء ، ثمَّ أعطها كيف شئت. قال : قلت فإن أنا كتبتها وأثبتها يستقيم لي؟ قال (ع) : نعم ، لا يضرك » ، (١) ومصحح عبيد عن أبي عبد الله (ع) : « إذا أخرجها من ماله فذهبت ، ولم يسمها لأحد فقد برئ منها » (٢) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : « في الرجل يخرج زكاته ، فيقسم بعضها ويبقي بعضاً يلتمس لها المواضع ، فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر. قال (ع) : لا بأس » (٣) ، وخبر علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن الزكاة تجب علي في مواضع لا يمكنني أن أؤديها. قال (ع) : اعزلها ، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح. وإن نويت في حال ما عزلتها ـ من غير أن تشغلها في تجارة ـ فليس عليك شي‌ء. فان لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ، ولا وضيعة عليها » (٤) إلى غير ذلك. ودلالتها على جواز العزل مما لا ينبغي التأمل فيه. ومنه يظهر ضعف ما عن بعض : من المنع عنه ، وآخر : من الاشكال فيه بمخالفة القواعد ، فان القواعد لا مجال لها مع الدليل الخاص.

هذا والمحكي عن محتمل عبارة الشيخين وغيرها وجوب العزل. وكأنه للأمر بعزلها في خبر ابن أبي حمزة ، وبإخراجها في موثق يونس. ويضعف : بأن ظاهر قوله في ذيل الموثق : « فإن أنا كتبتها .. » السؤال عن جواز إبقائها في المال ، فقوله (ع) : « لا يضرك » يدل على عدم وجوب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٣.

١٩٣

من العين ، أو من مال آخر [١] ، مع عدم المستحق. بل مع وجوده أيضاً [٢] على الأقوى. وفائدته صيرورة المعزول ملكاً للمستحقين قهراً [٣] ، حتى لا يشاركهم المالك عند التلف ويكون أمانة في يده. وحينئذ لا يضمنه إلا مع التفريط [٤] ، أو التأخير مع وجود المستحق [٥]. وهل يجوز للمالك إبدالها‌

______________________________________________________

العزل ، وبه يرفع اليد عن ظاهر الأمر. مع قرب دعوى ظهور الأمر في الإرشاد إلى ما يترتب على العزل ، من عدم الضمان بالتلف ، لا في وجوب العزل تعبداً. ويومئ إليه قوله (ع) في خبر ابن أبي حمزة : « فان لم تعزلها فاتجرت .. » فإنه يناسب الجواز جداً.

[١] بناء على كونها في العين من قبيل الكلي في المعين ، أو الجزء المشاع يشكل شمول النصوص لهذه الصورة. اللهم إلا أن يستفاد منها ، بضميمة ما دل على جواز دفع القيمة ، فيكون مفاد النصوص جواز عزل ما يدفع زكاة ، عيناً كان أو قيمة.

[٢] كما قواه في الجواهر ، حاكياً عن المنتهى والتذكرة الجزم به. وعن الدروس : أنه الأقرب. ويقتضيه صريح الموثق، وظاهر صحيح ابن سنان (١) ومنهما يظهر ضعف ما هو ظاهر الشرائع : من تخصيصه بصورة عدم المستحق.

[٣] كما هو ظاهر النص والفتوى. وقد يظهر من الدروس التوقف فيه ، وهو في غير محله.

[٤] كما في خبر علي ابن أبي حمزة المتقدم (٢).

[٥] كما هو المعروف. وعن المنتهى والمدارك : الإجماع عليه. لمصحح محمد بن مسلم : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل بعث بزكاة ماله لتقسم‌

__________________

(١) تقدم ذكر ذلك كله في أول المسألة.

(٢) تقدم ذكر ذلك كله في أول المسألة.

١٩٤

بعد عزلها إشكال. وإن كان الأظهر عدم الجواز [١]. ثمَّ بعد العزل يكون نماؤها للمستحقين [٢] ، متصلا كان أو منفصلا.

______________________________________________________

فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (ع) : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها الى أهلها فليس عليه ضمان ، لأنها قد خرجت من يده » (١) وصحيح زرارة : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل بعث إليه أخ زكاته ليقسمها فضاعت. فقال (ع) : ليس على الرسول ، ولا على المؤدي ضمان. قلت : فان لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت ، أيضمنها؟ قال (ع) : لا ، ولكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها » (٢). وبهما يخرج عن إطلاق صحيح أبي بصير المتقدم (٣) ونحوه.

[١] لعدم الدليل على ولايته على التبديل بعد العزل ، والأصل يقتضي العدم. اللهم إلا أن يستفاد من النصوص الواردة في دفع القيمة (٤). ولكنه محل نظر ، كما يظهر ذلك بمراجعتها. فراجع.

[٢] لما عرفت أنها بالعزل تكون لهم ، والنماء تابع لأصله.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٣) راجع أول المسألة.

(٤) راجع المسألة : ٥ من فصل زكاة الأنعام.

١٩٥

فصل فيما يستحب فيه الزكاة

وهو ـ على ما أشير إليه سابقاً ـ أمور : الأول : مال التجارة ، وهو المال الذي تملكه الشخص وأعده للتجارة والاكتساب به سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة ، أو بمثل الهبة ، أو الصلح المجاني ، أو الإرث على الأقوى [١]. واعتبر بعضهم : كون الانتقال إليه بعنوان

______________________________________________________

فصل فيما يستحب فيه الزكاة‌

[١] كما مال إليه في الجواهر. قال (ره) : « إن لم ينعقد إجماع على اعتبار الملك بعقد معاوضة ، لأمكن المناقشة فيه : بصدق مال التجارة على المنتقل بعقد هبة ، بل بإرث مع نية التجارة به ، إذا كان هو كذلك عند المنتقل منه. ورأس المال الموجود في النصوص لا يعتبر فيه كونه من مالك العين ، إذ المراد به ثمن المتاع في نفسه ، وإن كان من الواهب والمورث. وظهور بعض النصوص في ذلك ـ مع أنه مبني على الغالب ـ ليس هو على جهة الشرطية ، كي ينافي ما دل على العموم. ففي خبر محمد بن مسلم ، أنه قال : « كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة ، إذ حال عليه الحول. قال يونس : تفسيره : أن كل ما عمل به للتجارة ـ من حيوان وغيره ـ فعليه فيه زكاة » (١). وفي خبر خالد بن الحجاج : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الزكاة ، فقال (ع) : ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ، ليس

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث : ٨.

١٩٦

______________________________________________________

يمنعك من بيعها إلا لتزداد فضلا على فضلك ، فزكه. وما كان من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك شي‌ء آخر » (١) ، وخبر شعيب عن أبي عبد الله (ع) : « كل شي‌ء جر عليك المال فزكه ، وكل شي‌ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به » (٢).

ولا يخفى ما فيه ، لمنع صدق مال التجارة بمجرد كون المال منوياً به التجارة ، بل لا بد في صدقه من تحقق التجارة بالفعل ، كما يظهر من ملاحظة النظائر ، مثل مال الإجارة ، ومال المضاربة ، ونحوهما. فإنه لا يصدق إلا إذا تحققت الإجارة والمضاربة فعلا ، ومجرد النية غير كاف في الصدق. وكون الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة مسلم ، لكنه لا ينافي ظهور الإضافة فيما ذكرنا. وملاحظة التجارة عند المنتقل منه غريب لا مجال لتوهمه من النصوص. ولا سيما إذا كان الانتقال بوسائط كثيرة.

وأشكل من ذلك : احتمال أن يكون رأس المال المذكور في النصوص مراداً منه ثمن المتاع ولو كان من الواهب والمورث ، إذ ـ مع أنه خلاف الظاهر ـ يلزم التعارض في التطبيق إذا كان رأس ماله عند المنتقل اليه غير رأس ماله عند المنتقل منه. أو لاختلاف رأس المال عند المنتقل منه ، لتعدده ، أو لتعدد المعاوضات الطارية. وإرادة آخر أفراد رأس المال لا قرينة عليها. وأشكل من ذلك : ما يظهر منه من كون الأخبار التي ذكرها ـ أعني : صحيح ابن مسلم وما بعده ـ عامة لغير المعاوضة ، مع أن الظاهر من العمل في الصحيح المعاوضة. وكذا قوله (ع) في خبر خالد : « لتزداد فضلا على فضلك » ظاهر في زيادة السعر على رأس ماله الذي عاوض عليه وكذا الجر في خبر شعيب. وإلا فمطلق الجر غير مراد قطعاً.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ١.

١٩٧

المعاوضة. وسواء كان قصد الاكتساب به من حين الانتقال إليه أو بعده ، وإن اعتبر بعضهم الأول [١]. فالأقوى أنه‌

______________________________________________________

وبالجملة : ظهور النصوص المذكورة في خصوص المال المعاوض عليه مما لا ينبغي أن يكون محلا للتأمل وللتردد. ولذا كان اشتراط المعاوضة مسلما بينهم ، لم ينقل فيه خلاف من أحد ، لا صريحاً ولا ظاهراً.

نعم عن المحقق (ره) في المعتبر : أنه تردد فيه أولا ، ثمَّ جعل اعتبار المعاوضة أشبه. وكذا حكي عن الأردبيلي إنكاره. لكنه لم يثبت ـ كما قيل ـ لأنه إنما ذكر أنه يظهر من بعض الأخبار عدم اعتبار الشراء ، مقتصراً على ذلك ، بلا رد ولا قبول. ومن العجيب ما في المتن من نسبته الى بعضهم.

[١] عن المدارك : نسبته إلى علمائنا وأكثر العامة ، وعن المعتبر : أنه موضوع وفاق. كما يقتضيه النصوص الدالة على ثبوت الزكاة في المال الذي اتجر به ، أو عمل به ، أو مال التجارة ، أو نحو ذلك فان صدق العناوين المذكورة ـ كما يتوقف على تحقق المعاوضة على المال ـ يتوقف على كونها بقصد الاسترباح والاستنماء ، فان من اشترى شيئاً للاقتناء لا يقال إنه تاجر ، ولا يقال إنه اتجر. فلا يصدق على المال الذي اشتراه للقنية ـ إذا نوى بعد ذلك بيعه بأكثر من ثمنه ـ أنه مال التجارة.

وإن شئت قلت : يراد من مال التجارة المال الأعم من شخصه وبدله الذي اشتراه ، فاذا كان عنده مائة درهم فنوى الاتجار بها ، فاذا اشترى بها شيئاً بقصد الاسترباح ، لم يصدق مال التجارة على نفس المائة درهم لعدم تحقق التجارة بها ، وصدق على الشي‌ء الذي اشتراه بها أنه مال التجارة باعتبار أنه بدل المال الذي وقعت عليه التجارة. فإذا كانت المعاوضة على المائة درهم بقصد القنية ـ لا الاسترباح ـ امتنع أن يصدق على ما اشتراه للقنية أنه مال التجارة وقوع التجارة عليه ، ولا على ما هو بدله.

١٩٨

مطلق المال الذي أعد للتجارة ، فمن حين قصد الاعداد يدخل في هذا العنوان ، ولو كان قصده حين التملك ـ بالمعاوضة ، أو بغيرها ـ الاقتناء والأخذ للقنية. ولا فرق فيه بين أن يكون‌

______________________________________________________

ومجرد نية بيعه بقصد الربح زائداً على ثمنه غير كاف في الصدق ـ كما عرفت ـ فيما لو ملكه لا بقصد المعاوضة.

نعم قد يوهم بعض النصوص الشمول للفرض ، لعدم اشتماله على التجارة ، ولا على ما يؤدي مؤداها ، كموثق سماعة : « عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعاً ، فيمكث عنده السنة والسنتين وأكثر من ذلك. قال (ع) : ليس عليه زكاة حتى يبيعه. إلا أن يكون قد أعطي به رأس ماله ، فيمنعه عن ذلك التماس الفضل ، فاذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة .. » (١) ونحوه غيره. لكن الظاهر من رأس المال المال الذي عاوض عليه بقصد الاسترباح ، لا مطلق ثمن الشي‌ء.

ومن ذلك يظهر ضعف الاستدلال على العموم بمصحح محمد : « عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه ، وقد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال (ع) : إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه فيه زكاة ، وإن حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال » (٢) ، وخبر أبي الربيع : « في رجل اشترى متاعاً فكسد عليه متاعه ، وقد كان زكى ماله قبل أن يشتري به ، هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال (ع) : إن أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة » (٣). مضافاً إلى أن الظاهر من قوله : « كسد عليه متاعه » ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث : ٤.

١٩٩

مما يتعلق به الزكاة المالية ـ وجوباً أو استحباباً ـ وبين غيره ، كالتجارة [١] بالخضروات مثلا ، ولا بين أن يكون من الأعيان أو المنافع [٢] ، كما لو استأجر داراً بنية التجارة. ويشترط فيه أمور :

الأول : بلوغه حد نصاب أحد النقدين [٣] ، فلا زكاة‌

______________________________________________________

خصوص صورة شرائه بقصد بيعه والاسترباح به. ومن ذلك يظهر ما في الجواهر تبعاً للمعتبر : من أن الأقوى عدم اعتبار قصد الاسترباح بالمعاوضة مستدلا عليه : بإطلاق الأدلة ، وبصدق التجارة عليه عرفاً بذلك ، وبأنه كما تقدم نية القنية في التجارة اتفاقاً تقدح نية التجارة في القنية. لما عرفت من منع الإطلاق ، ومنع صدق مال التجارة. ولأن قدح نية التجارة في القنية لا يجدي في إثبات المدعى ، إلا إذا كان موضوع الزكاة ما لم يتخذ للقنية ، وليس كذلك ، كما هو ظاهر.

[١] كما صرح به في محكي المسالك. ويقتضيه إطلاق النصوص.

[٢] كما صرح به في محكي المسالك. واستشكل فيه في الجواهر ، لضرورة ظهورها في الأمتعة ونحوها ، حاكياً عن بعض مشايخه النص عليه مستظهراً له من المقنعة وغيرها.

وفيه : أن عموم قوله (ع) في خبر ابن مسلم : « كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة ، إذا حال عليه الحول » (١) شامل له. وذكر المتاع ونحوه ـ مما لا يشمل المنافع ـ في أكثر نصوص الباب ، لا يقتضي تخصيصه ، ولا تقييده.

[٣] بلا خلاف أجده فيه ، بل عن ظاهر التذكرة وغيرها : الإجماع عليه ، بل عن صريح نهاية الاحكام ذلك ، بل في المعتبر ومحكي المنتهى‌

__________________

(١) تقدم ذكر الرواية في أول الفصل فلاحظ.

٢٠٠