مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

الطاهرين أولياء النعم. وقد اتفق الفراغ من تسويده عصر الثلاثاء ، سادس عشر جمادى الثانية ، من السنة السادسة والخمسين بعد الألف والثلاثمائة هجرية على مهاجرها وآله أفضل السلام وأكمل التحية. بقلم الأحقر ( محسن ) ، خلف العلامة المرحوم السيد ( مهدي ) الطباطبائي الحكيم ، في النجف الأشرف الأقدس على ساكنه آلاف التحية والسلام.

٤٤١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الخمس

وهو من الفرائض ، وقد جعلها الله تعالى لمحمد (ص) وذريته عوضاً عن الزكاة ، إكراماً لهم. ومن منع منه درهماً ـ أو أقل ـ كان مندرجاً في الظالمين لهم ، والغاصبين لحقهم. بل من كان مستحلا لذلك كان من الكافرين ، ففي الخبر عن أبي بصير ، قال : « قلت لأبي جعفر (ع) : ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال (ع) : من أكل من مال اليتيم درهماً ، ونحن اليتيم » (١). وعن الصادق (ع) : « إن الله لا إله إلا هو ، حيث حرم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس ، فالصدقة علينا حرام ، والخمس لنا فريضة ، والكرامة لنا حلال » (٢). وعن أبي جعفر (ع) : « لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا » (٣). وعن أبي عبد الله (ع) : « لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول : يا رب اشتريته بمالي ، حتى يأذن له أهل الخمس » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال حديث : ١٠.

٤٤٢

فصل فيما يجب فيه الخمس

وهو سبعة أشياء :

الأول : الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب [١] قهراً بالمقاتلة [٢] معهم. بشرط أن يكون بإذن الإمام (ع) ، من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه [٣] ، والمنقول‌

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وله الحمد والصلاة والسلام على رسوله وآله الطاهرين

فصل فيما يجب فيه الخمس‌

[١] بإجماع المسلمين ، كما عن المدارك والذخيرة والمستند وغيرها. ويقتضيه الكتاب (١) والسنة ، بل قيل : إن الثانية متواترة. وسيمر ـ إن شاء الله ـ عليك بعضها.

[٢] لا إشكال في وجوب الخمس في ذلك. ولو أخذ بغير ذلك ـ من غيلة ، أو سرقة ، أو نحوهما ـ فسيأتي الكلام فيه.

[٣] لا أعرف فيه خلافاً ، كما في الجواهر ، بل إجماع من المسلمين كما عن المدارك. ويقتضيه إطلاق النصوص ، كخبر أبي بصير عن أبي جعفر (ع) : « كل شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن‌

__________________

(١) وهو قوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ). الأنفال : ٤١.

٤٤٣

وغيره ، كالأراضي والأشجار ونحوها [١]. بعد إخراج المؤن [٢] التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها ـ بحفظ ،

______________________________________________________

محمداً رسول الله (ص) فان لنا خمسه. ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا » (١). ونحوه : ما تضمن أن الخمس في الغنيمة.

[١] كما هو المشهور ، بل عن المدارك : إجماع المسلمين عليه. لكن في الحدائق ـ بعد نسبة التعميم إلى ظاهر كلام الأصحاب ـ قال : « لم أعرف لهذا التعميم دليلا سوى ظاهر الآية ، فإن الظاهر من الروايات اختصاص ذلك بالأموال المنقولة. ثمَّ ذكر صحيح ربعي ، المتضمن لقسمة الغنيمة أخماسا (٢). ثمَّ قال : ونحوها غيرها من الأحاديث الدالة على قسمة الخمس أخماساً أو أسداساً ، مما يختص بالمنقول .. ».

وفيه : أنه يكفي ـ في عموم الحكم ـ الآية الشريفة ونحوها ، مما دل على ثبوت الخمس في مطلق الغنية ، كخبر أبي بصير المتقدم ونحوه. وغاية الإشكال على النصوص المذكورة : أنها قاصرة عن إفادة التعميم ، لا أنها صالحة لتقييد ما تقتضيه الآية والرواية ، فأصالة العموم فيه محكمة. نعم قد يعارض ذلك العموم : إطلاق ما دل على أن أرض الخراج في‌ء للمسلمين ، وهي أخص من العموم المذكور ، وإطلاق الخاص مقدم. وحملها على أنها في مقام نفي قسمتها بين المقاتلة ، فيكون موضوعها ما زاد على الخمس ، لا قرينة عليه. ولا سيما وأن ظاهر النصوص الإشارة إلى الأرض الخارجية الخراجية ، فالموضوع نفس الأرض ، والحمل على المقدار الزائد على الخمس تجوز لا قرينة عليه.

[٢] كما صرح به جماعة ، وقواه في الشرائع والجواهر. لموافقته للعدل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٥.

(٢) يأتي التعرض للرواية قريباً. فانتظر.

٤٤٤

وحمل ، ورعي ، ونحوها. منها ، وبعد إخراج ما جعله الامام (ع) من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح [١] ، وبعد استثناء صفايا الغنيمة [٢] ـ كالجارية الورقة ، والمركب الفاره ،

______________________________________________________

لأن المفروض كون المؤن على جميع الغنيمة ، فلا وجه لاختصاصها ببعضها فالقول به ـ كما عن الخلاف والشهيدين وغيرهم ـ لإطلاق الآية ضعيف. والإطلاق لا نظر فيه إلى هذه الجهة كي يعول عليه. وهذا هو العمدة. أما ما دل على أن الخمس بعد المؤن ، فظاهره المؤن السابقة على موضوع الخمس ، التي لا إشكال ظاهر في عدم استثنائها هنا ، ولا يشمل المؤن التي بعد التحصيل ، التي هي محل الكلام. نعم قد يشكل الأول : بأنه مبني على تعلق الخمس بالعين على نحو الإشاعة أو الكلي في المعين ، إذ لو كان على نحو الحق في العين ، فالمؤن على العين لا على الحق. لكن عرفت في مئونة الزكاة الإشكال في ذلك ، وأن العين لما كانت موضوعاً للحق ، كانت مئونتها مئونته وحفظها حفظه. فتأمل جيداً.

[١] كما في الشرائع وعن الروضة ، وقواه في الجواهر وغيرها. لأنه بجعل الامام صار مستحقاً للمجعول له ، فلا يدخل في الغنيمة التي هي موضوع قسمة الخمس. وإن أمكن دخوله فيها بمعنى الفائدة المكتسبة ، فيجري عليها حكمها ، نعم قد يكون جعل الامام له على نحو يقتضي دخوله في موضوع القسمة ، لكن الظاهر خروجه عن محل الكلام.

[٢] كما عن غير واحد النص عليه. وفي المنتهى : « ذهب إليه علماؤنا أجمع ، ما لم يضر بالعسكر .. ». ويشهد له جملة من النصوص كصحيح ربعي عن الصادق (ع) : « كان رسول الله (ص) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه ، وكان ذلك له ، ثمَّ يقسم ما بقي خمسة أقسام » (١) وفي مرسل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس حديث : ٣.

٤٤٥

والسيف القاطع ، والدرع ـ فإنها للإمام (ع). وكذا قطائع الملوك [١] فإنها أيضاً له عليه‌السلام وإما إذا كان الغزو بغير إذن الامام (ع) ، فان كان في زمان الحضور وإمكان الاستئذان منه فالغنيمة للإمام (ع) [٢] ، وإن كان في زمن الغيبة ،

______________________________________________________

حماد عن العبد الصالح (ع) : « وللإمام صفو المال ، أن يأخذ من هذه الأموال صفوها : الجارية الفارهة ، والدابة الفارهة ، والثوب ، والمتاع مما يحب أو يشتهي ، فذلك له قبل القسمة ، وقبل إخراج الخمس » (١). وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن صفو المال؟ قال (ع) : الإمام يأخذ الجارية الورقة ، والمركب الفاره والسيف القاطع ، والدرع ، قبل أن تقسم الغنيمة ، فهذا صفو المال » (٢).

[١] قد استفاض في النصوص : أنها من الأنفال ، وأنها للإمام. وفي خبر داود بن فرقد : « قال أبو عبد الله (ع) : قطائع الملوك للإمام وليس للناس فيها شي‌ء » (٣). وفي موثق سماعة : « أو شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام » (٤). والظاهر دخول ذلك في صفايا الغنيمة فيدل على عدم وجوب الخمس فيه ما سبق من النصوص.

[٢] المشهور شهرة عظيمة : أن ما يغنمه الغانمون بغير إذن الامام فهو للإمام ، وعن الحلي : الإجماع عليه. وفي المنتهى : « كل من غزا بغير إذن الامام إذا غنم كانت غنيمته للإمام. عندنا .. ». وفي المسالك : « نسبته إلى المشهور بين الأصحاب ، وأن به رواية مرسلة ، منجبرة بعمل الأصحاب .. » ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الأنفال حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الأنفال حديث : ١٥.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الأنفال حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب الأنفال حديث : ٨.

٤٤٦

______________________________________________________

وفي الروضة : « إن به رواية مرسلة ، إلا أنه لا قائل بخلافها ظاهراً ». ويشير بذلك : إلى مرسلة العباس الوراق ، عن رجل سماه ، عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا غزا قوم بغير أمر الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ، فإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس » (١) ، ومفهوم مصحح معاوية بن وهب : « قلت : لأبي عبد الله (ع) : السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم ، كيف تقسم؟ قال (ع) : إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام ، أخرج منها الخمس لله تعالى وللرسول ، وقسم بينهم أربعة أخماس. وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين ، كان كلما غنموا للإمام يجعله حيث أحب » (٢). لكن في دلالتها إشكال ظاهر ، لظهورها في التفصيل بين القتال وعدمه ، لا بين الاذن وعدمها ، لأن المفروض في السؤال أن السرية كانت بأمر الإمام ، فالتفصيل لا بد أن يكون في مورد السؤال. وقوله (ع) : « مع أمير أمره الإمام » غير ظاهر في المفهوم. فتأمل.

وعن بعض : قوة المساواة بين المأذون فيه منه وغيره في لزوم الخمس لمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم ويكون معهم ، فيصيب غنيمة. قال (ع) : يؤدي خمسنا ويطيب له » (٣). لكن الرواية غير ظاهرة في كون الغزو ـ ولو من الرجل ـ كان بغير إذن منه (ع) ، فلا تصلح حجة في قبال المرسل الأول ، المنجبر بالعمل ، وحكاية الإجماع.

وفي الحدائق : التفصيل بين ما إذا كان الحرب للدعاء إلى الإسلام فالغنيمة للإمام ولا خمس ، وإن كان للقهر والغلبة وجب الخمس. لظهور‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الأنفال حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الأنفال حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٨.

٤٤٧

فالأحوط إخراج خمسها من حيث الغنيمة. خصوصاً إذا كان للدعاء إلى الإسلام ، فما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة من الكفار بالمقاتلة معهم ـ من المنقول وغيره ـ يجب فيه الخمس على الأحوط ، وإن كان قصدهم زيادة الملك لا الدعاء إلى الإسلام. ومن الغنائم التي يجب فيها الخمس : الفداء الذي يؤخذ من أهل الحرب [١] ، بل الجزية المبذولة لتلك السرية بخلاف سائر أفراد الجزية.

______________________________________________________

المرسل في خصوص ما كان الغزو للدعاء إلى الإسلام ، وفي غيره يرجع إلى إلى عموم الآية. وفيه منع الظهور المذكور. ودعوى انصراف الغزو إليه ممنوعة. ولذا قوى في الجواهر عموم الحكم.

وفي الجواهر والمستند وغيرهما : حمل مصحح الحلبي على أن ذلك منه (ع) تحليل بعد الخمس ، وإن كانت الغنيمة له. لكن ظاهره أن ذلك التحليل حكم شرعي لا مالكي. وأما ما في المتن من التفصيل ، فكأنه مبني على حمل المرسل على صورة إمكان الاستئذان ، فيرجع في غيرها إلى عموم الآية. وكأنه ـ لعدم وضوح الحمل المذكور ـ توقف عن الحكم هنا بوجوب الخمس وهو في محله ، وإن كان قد قواه في المسألة الآنية. لكنه خلاف الإطلاق. فالأولى الأخذ بإطلاق الرواية في موردها ـ وهو الغزو ـ ويرجع في غيره إلى عموم الآية ، فالغنائم مع الدفاع فيها الخمس.

[١] كما في الدروس والمسالك ، واختاره في الجواهر ، حاكياً له عن الروضة وكشف أستاذه. وهو في محله لو كان بعد الغلبة كفداء الأسير ، لأنه حينئذ بدل المغتنم ، فيصدق عليه الغنيمة. أما لو كان بدون غلبة ، فكونه من الغنيمة ـ بالمعنى الأخص ـ محل تأمل وإشكال. وكذا الحال في‌

٤٤٨

منها أيضاً : ما صولحوا عليه ، وكذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم ، ولو في زمن الغيبة ، فيجب إخراج الخمس من جميع ذلك ، قليلا كان أو كثيراً. من غير ملاحظة خروج مئونة السنة ، على ما يأتي في أرباح المكاسب وسائر الفوائد.

( مسألة ١ ) : إذا غار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم ، فالأحوط ـ بل الأقوى ـ إخراج خمسها [١] من حيث كونها غنيمة ـ ولو في زمن الغيبة ـ فلا يلاحظ فيها مئونة السنة. وكذا إذا أخذوا بالسرقة والغيلة [٢]. نعم لو أخذوا‌

______________________________________________________

الجزية المبذولة على رؤوسهم إذا لم تكن غلبة ، فإنها حينئذ لا فرق بينها وبين الجزية المتعارفة ، فإنها ربما تكون بعد القتال ، مع أنه لا يصدق عليها الغنيمة. ومجرد كونها مبذولة لتلك السرية لا يوجب صدق الغنيمة إلا بالمعنى الأعم. لكن ذلك غير كاف في إجراء أحكام هذا القسم من الغنيمة. وكذا الحال فيما صولحوا عليه ، فإنه كالفداء ، إن كان بعد الغلبة فهو من الغنيمة بالمعنى الأخص ، وإن كان بدونها فليس منها. بل يجري عليه حكم الغنيمة بالمعنى الأعم ، كما يأتي وجهه في المأخوذ بالسرقة والغيلة.

ومن ذلك يعلم أن ما في الجواهر ـ من عدم إجراء حكم الغنيمة على الجزية ، وإجراء حكمها على ما صولحوا عليه ـ غير ظاهر ، وإن نسب الحكم في الثاني إلى الدروس والروضة وكشف الغطاء ، فإنه محل إشكال.

[١] للنصوص المتقدمة. وقد تقدم : أن مقتضى الجمع بين النصوص اختصاص ذلك بصورة الاذن من الامام ، وإلا فهي له وإن كان في زمن الغيبة‌

[٢] كما في الروضة وعن جماعة ، واختاره في الجواهر. لإطلاق‌

٤٤٩

منهم بالربا أو بالدعوى الباطلة ، فالأقوى إلحاقه بالفوائد‌

______________________________________________________

الآية ، والنصوص. وفيه : أن شمول إطلاق الغنيمة ـ في الآية والنصوص ـ لما نحن فيه مبني على كون المراد منها مطلق الفائدة. لكن لو بني على الأخذ بإطلاق الآية ، فلا يدل على أن الخمس في المقام من قبيل خمس غنائم دار الحرب الثابت من دون استثناء المؤنة ، أو غنائم الكسب الذي يثبت بعد مئونة السنة. والمستفاد من رواية أبي بصير المتقدمة (١) وجملة من النصوص ـ الواردة في قسمة المغنم إلى خمسة أسهم (٢) ـ : أن موضوع الأول الاغتنام بالمقاتلة والغلبة. لا أقل من كونه القدر المتيقن ، فيرجع في غيره إلى إطلاق ما دل على أن خمس الفائدة بعد مئونة السنة ، المقتصر في الخروج عنه على خصوص الغنيمة بعد القتال والغلبة. بل لو لا إطلاق مرسل الوراق (٣) ونحوه ، لكان اللازم الاقتصار على ما إذا كان القتال على الإسلام ، كما في خبر أبي بصير المتقدم (٤). لكن العمل بالإطلاق متعين ، لعدم صلاحية الخبر لتقييده ، فيكون حكم المقام حكم أرباح المكاسب يجب الخمس فيه بعد مئونة السنة. ولذا قال في الدروس : « ما سرق أو أخذ غيلة فلآخذه .. ».

وبالجملة : إن كان المقصود إثبات الخمس في المقام بعنوان الفائدة ، فدليله مقيد بما دل على اعتبار المؤنة ، وإن كان بعنوان آخر فهو محتاج إلى دليل. والدليل على ثبوت الخمس بعنوان الغنيمة بعد القتال والغلبة غير شامل للمقام. ثمَّ إنه لو بني على عدم اعتبار المقاتلة في صدق الغنيمة فلا يظهر وجه للتفصيل بين السرقة والغيلة وبين الربا والدعوى الباطلة ،

__________________

(١) لاحظ أول الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(٣) تقدم ذلك قريبا في أوائل الفصل.

(٤) لاحظ أول الفصل.

٤٥٠

المكتسبة ، فيعتبر فيه الزيادة عن مئونة السنة. وإن كان الأحوط إخراج خمسه مطلقاً.

( مسألة ٢ ) : يجوز أخذ مال النصاب أينما وجد [١] ، لكن الأحوط إخراج خمسه مطلقاً [٢]. وكذا الأحوط إخراج الخمس مما حواه العسكر من مال البغاة إذا كانوا من النصاب‌

______________________________________________________

لكون الجميع فائدة ومغنما. ولذا جعلها في الجواهر بحكم واحد. ثمَّ إنه قد يستدل على وجوب الخمس في المقام : بما ورد في مال الناصب ـ كما سيأتي في المسألة الآتية ـ بناء على الأولوية. لكنها ممنوعة.

[١] كما هو المشهور ، بل في محكي الحدائق : نسبته إلى الطائفة المحقة سلفاً وخلفاً. ويشهد له صحيح ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله (ع) ، قال : « خذ مال الناصب حيثما وجدته ، وادفع إلينا الخمس » (١). ونحوه خبر المعلى (٢). وفي خبر إسحاق بن عمار : « قال أبو عبد الله (ع) : مال الناصب ـ وكل شي‌ء يملكه ـ حلال ، إلا امرأته ، فإن نكاح أهل الشرك جائز. وذلك : إن رسول الله (ص) قال : لا تسبوا أهل الشرك ، فان لكل قوم نكاح. ولو لا أنا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم ـ ورجل منكم خير من ألف رجل منهم ـ لأمرناكم بالقتل لهم وإن ذلك إلى الامام » (٣).

[٢] كما يقتضيه الخبران الأولان. ودعوى : أنهما مقيدان بما دل على أن الخمس بعد المؤنة. فيها : أن ذلك يختص بالخمس بعنوان الفائدة ، ولا يشمل المقام. وحمل المقام على ذلك خلاف الظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس ملحق حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب جهاد العدو حديث : ٢.

٤٥١

ودخلوا في عنوانهم ، وإلا فيشكل حلية مالهم [١].

( مسألة ٣ ) : يشترط في المغتنم : أن لا يكون غصباً من مسلم ، أو ذمي ، أو معاهد ، أو نحوهم ممن هو محترم المال ، وإلا فيجب رده إلى مالكه [٢]. نعم لو كان مغصوباً من غيرهم من أهل الحرب ، لا بأس بأخذه وإعطاء خمسه [٣]

______________________________________________________

[١] وإن جعلها في الشرائع الأظهر ، وعن : المختلف نسبته إلى الأكثر وعن الخلاف : دعوى إجماع الفرقة وأخبارهم عليه. إلا أن الدليل عليها غير ظاهر ، إذ الإجماع ممنوع جداً ، فقد حكي المنع عن المرتضى وابن إدريس والعلامة ـ في جملة من كتبه ـ والمحقق والشهيد الثانيين. والأخبار غير محققة. وإرسال الشيخ لها معارض بمراسيل غيره ، بل مراسيله المحكية عن المبسوط. وسيرة علي (ع) في ذلك مختلف فيها ، وإن ادعاها في الشرائع. ولذا قال في الدروس : « وما حواه العسكر إذا رجعوا إلى طاعة الإمام حرام. وإن أصروا فالأكثر على أن قسمته كقسمة الغنيمة .. » وأنكره المرتضى وابن إدريس ، وهو الأقرب عملا بسيرة علي (ع) في أهل البصرة ، فإنه أمر برد أموالهم ، فأخذت حتى القدور. نعم إذا ثبت قسمة أموالهم في أول الأمر ، دل ذلك على الحل. والرد أعم من الحرمة ، لإمكان كونه على نحو المن.

[٢] لدليل احترام ماله. ويقتضيه بعض النصوص. وإلى ذلك ذهب المشهور. وقيل : هي للمقاتلة ، ويغرم الإمام لأربابها القيمة من بيت المال وتمام الكلام في ذلك في محله من كتاب الجهاد.

[٣] لعدم احترام المال حينئذ ، فيرجع في جواز أخذه ووجوب الخمس فيه إلى إطلاق الأدلة ، كمصحح معاوية ، ومرسل الوراقالمتقدمين (١)

__________________

(١) لاحظ أوائل الفصل.

٤٥٢

وإن لم يكن الحرب فعلا مع المغصوب منهم. وكذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب ، بعنوان الأمانة ، من وديعة ، أو إجارة ، أو عارية ، أو نحوها.

( مسألة ٤ ) : لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين ديناراً ، فيجب إخراج خمسه ـ قليلا كان أو كثيرا ـ [١] على الأصح.

( مسألة ٥ ) : السلب من الغنيمة ، فيجب إخراج خمسه على السالب [٢].

______________________________________________________

وكذا الحال فيما بعده. اللهم إلا أن يتأمل في ثبوت الإطلاق الشامل لذلك كما تقدم. فالعمدة : ظهور التسالم عليه.

[١] كما عن صريح جماعة ، وظاهر آخرين. وفي الجواهر : « لا أعرف فيه خلافاً ، سوى ما يحكى عن ظاهر غرية المفيد ، من اشتراط بلوغ مقدار عشرين ديناراً. وهو ضعيف ، لا نعرف له موافقاً ، ولا دليلا. بل هو على خلافه محقق ، كما عرفت .. » يريد به إطلاق الأدلة. والعمدة : إطلاق النصوص المتقدمة.

[٢] كما احتمله في الجواهر. لأنه غنيمة ، كغيره من الأموال. وعن ظاهر التذكرة : العدم ، حاكياً له عن بعض علمائنا ، لأنه (ع) قضى بالسلب للقاتل ، ولم يخمس السلب. وفيه : أن كونه للسالب لا ينافي عموم وجوب الخمس فيه. كما أن كون الغنيمة للمقاتلة لا ينافي وجوب الخمس فيها. ولم يثبت عدم تخميس السلب بنحو يكون حجة على العدم. نعم لما كان المعروف بيننا عدم كون السلب للمقاتل إلا إذا جعل له ، فالمتبع ظاهر الجعل ، فان كان ظاهراً في كونه له بلا خمس لم يكن فيه الخمس ، وإلا فعموم‌

٤٥٣

الثاني : المعادن [١] من الذهب ، والفضة ، والرصاص والصفر ، والحديد ، والياقوت ، والزبرجد ، والفيروزج ، والعقيق ، والزيبق ، والكبريت ، والنفط ، والقير ، والسبخ ،

______________________________________________________

دليل الخمس محكم.

[١] إجماعاً محصلا ومنقولا ، صريحاً في الخلاف والسرائر والمنتهى والتذكرة والمدارك وغيرها ، وظاهراً في كنز العرفان. وعن مجمع البحرين والبيان ـ بل في ظاهر الغنية ـ : نفي الخلاف فيه بين المسلمين عن معدن الذهب والفضة ، كذا في الجواهر. ويشهد له النصوص ، كصحيح ابن مسلم : « عن معادن الذهب ، والفضة ، والصفر ، والحديد ، والرصاص فقال (ع) : عليها الخمس جميعاً » (١) ومصحح الحلبي : « عن الكنز كم فيه؟ قال : الخمس. وعن المعادن كم فيها؟ قال : الخمس. وعن الرصاص ، والصفر ، والحديد ، وما كان من [ في ] المعادن ، كم فيها؟ قال : يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة » (٢) وصحيح ابن مسلم الآخر : « عن الملاحة ، فقال (ع) : ما الملاحة؟ فقلت : أرض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير ملحاً ، فقال (ع) : هذا المعدن فيه الخمس. فقلت : والكبريت والنفط يخرج من الأرض ، فقال (ع) : هذا وأشباهه فيه الخمس » (٣). ونحوها غيرها.

ولا ينافيها ما تضمن من النصوص : أنه لا خمس إلا في الغنائم خاصة كصحيح ابن سنان (٤) ، إما لأن المراد من الغنيمة فيه ما يشمل المقام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

٤٥٤

والزاج ، والزرنيخ ، والكحل ، والملح. بل والجص ، والنورة وطين الغسل ، وحجر الرحى ، والمغرة ـ وهي الطين الأحمر ـ على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم الخمس فيها من حيث المعدنية ، بل هي داخلة في أرباح المكاسب ، فيعتبر فيها الزيادة عن مئونة السنة. والمدار على صدق كونه معدناً عرفاً. وإذا شك في الصدق لم يلحقه حكمها ، فلا يجب خمسه من هذه الحيثية ، بل يدخل في أرباح المكاسب ، ويجب خمسه إذا زادت عن مئونة السنة ، من غير اعتبار بلوغ النصاب فيه. ولا فرق‌

______________________________________________________

أو لأنه مقيد بهذه النصوص. ولو تمت المنافاة فالعمل بهذه النصوص متعين لما عرفت من الإجماع.

والذي اشتملت عليه النصوص : الذهب ، والفضة ، والصفر ، والحديد والرصاص ، والكبريت ، والنفط ، والملح. وكلمات اللغويين والفقهاء في تفسير المعدن مختلفة ، فعن المغرب : أنه معدن الذهب والفضة .. ». وفي القاموس : « والمعدن ـ كمجلس ـ : منبت الجواهر ، من ذهب ونحوه .. ». ونحوه عن النهاية الأثيرية. « والجوهر : كل حجر يستخرج منه شي‌ء ينتفع به .. » ، كذا في القاموس. وفي المنتهى : المعادن ، كلما خرج من الأرض ، مما يخلق فيها من غيرها ، مما له قيمة. ثمَّ قسمه إلى منطبع بانفراده ، ومنطبع مع غيره ، وغير منطبع ، ومائع. ونحوه في التذكرة. ثمَّ نسب ذلك إلى علمائنا أجمع. وفي المسالك : عدم اعتبار كونه من غير الأرض ، قال : « وهو هنا كل ما استخرج من الأرض مما كان منها ، بحيث يشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها. ومنها : الملح ، والجص ، وطين الغسل ، وحجارة الرحى ، والمغرة .. ».

٤٥٥

ـ في وجوب إخراج خمس المعدن ـ بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة [١] ، وبين أن يكون تحت الأرض أو على ظهرها [٢] ، ولا بين أن يكون المخرج مسلماً أو كافراً ذمياً‌

______________________________________________________

ومع هذا الاختلاف يشكل تعيين المراد ، وإن كان ما عن المغرب خلاف المقطوع به من النصوص وغيرها. كما أن ما في القاموس خلاف ما تضمن ذكر النفط ، بل والملح. وإن كان المحكي عن الفقيه رواية الصحيح المشتمل على ذكر الملح هكذا : « هذا مثل المعدن فيه الخمس ». (١) وظاهره خروجه عن موضوع المعدن. وأما ما في المسالك فهو الموافق للعرف العام ظاهراً ، فالعمل به متعين ، لو لا إجماع التذكرة من اعتبار كونه من غيرها. إلا أن يكون الإجماع راجعاً إلى وجوب الخمس ، لا إلى تفسير المعدن بما ذكر ، ولعله الظاهر. وإن كان عد المغرة منه لا يناسب ما ذكره لأن الظاهر أنها من الأرض.

ومن هذا يتبين لك الوجه في الاحتياط المذكور في المتن. كالوجه فيما ذكره : من أن الأقوى عدم الخمس ، فإنه إذا أجمل اللفظ يرجع في مورد الشك إلى الأصل ـ وهو عدم تملك الخمس لأهله ـ بناء على أنه حق في العين ، وعموم ما دل على الملك بالحيازة. نعم يدخل حينئذ في أرباح المكاسب ، فيجري عليه حكمها.

[١] لإطلاق الأدلة.

[٢] للإطلاق أيضاً. وعن كشف الغطاء : « أنه لو وجد شيئاً من المعدن مطروحاً في الصحراء فأخذه فلا خمس .. ». ولعله. كما في الجواهر ـ لظهور الأدلة في اعتبار الإخراج. لكنه ممنوع. ولا سيما بملاحظة الصحيح المتضمن للملاحة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ملحق حديث : ٤.

٤٥٦

ـ بل ولو حربياً [١] ـ ولا بين أن يكون بالغاً أو صبياً [٢] ، وعاقلا أو مجنوناً ، فيجب على وليهما إخراج الخمس. ويجوز للحاكم الشرعي إجبار الكافر على دفع الخمس مما أخرجه [٣] ، وإن كان لو أسلم سقط عنه ، مع عدم بقاء عينه. ويشترط في وجوب الخمس في المعدن : بلوغ ما أخرجه عشرين دينارا [٤]

______________________________________________________

[١] لإطلاق الأدلة فراجع.

[٢] كما في الجواهر ، حاكياً التصريح به عن البيان. لإطلاق الأدلة.

[٣] تقدم وجهه في الزكاة.

[٤] كما عن المبسوط والنهاية والوسيلة وجماعة من المتأخرين ، بل نسب إلى عامتهم. أو إليهم قاطبة. لصحيح البزنطي : « سألت أبا الحسن (ع) عما أخرج المعدن [ يخرج من المعدن ] من قليل أو كثير ، هل فيه شي‌ء؟ قال (ع) : ليس فيه شي‌ء ، حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة ، عشرين ديناراً » (١). فيقيد به إطلاق النصوص. ولأجله يضعف القول بعدم اعتبار النصاب ، كما عن كثير من القدماء ، وفي الشرائع والدروس : نسبته إلى الأكثر ، بل عن ظاهر الخلاف وصريح السرائر : الإجماع عليه ، اعتماداً على إطلاق دليل الوجوب. إذ فيه : أن الإطلاق المذكور مقيد بالصحيح. كما يضعف أيضاً : القول بكون النصاب ديناراً واحداً ـ كما عن الحلبي ـ لصحيح البزنطي ، عن محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن (ع) : « سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضة ، هل فيها زكاة؟ فقال (ع) : إذا بلغت قيمته ديناراً ففيه الخمس » (٢). فان ضعف الواسطة في سنده‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٥.

٤٥٧

بعد استثناء مئونة [١] الإخراج والتصفية ونحوهما ، فلا يجب‌

______________________________________________________

مانع عن جواز الاعتماد عليه ، فضلا عن صلاحيته لمعارضة الصحيح السابق.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق السؤال عن المعدن عموم السؤال للفضة والذهب وغيرهما. وحينئذ فالمراد مما يكون في مثله الزكاة المالية ، يعني : يبلغ مالية فيها الزكاة. ولأجل أن ثبوت الزكاة في المالية وعدمها يختلف باختلاف النصاب الملحوظ ، وأنه نصاب الذهب أو الفضة ، أو أقلهما ، أو أكثرهما ولا قرينة على تعيين أحدهما ، يكون الكلام المذكور مجملا. لكن قوله (ع) بعده : « عشرين ديناراً » رافع لهذا الاجمال ، فيتعين التقويم بها لا غير فلا يكفي في معدن الفضة بلوغ مائتي درهم إذا لم تكن قيمتها عشرين دينارا. وإذا بلغت قيمتها ذلك وجب فيها الخمس ، وإن لم تبلغ قيمتها مائتي درهم.

[١] أما استثناء المؤنة المذكورة فقد ادعى غير واحد عدم ظهور الخلاف فيه ، وعن المدارك : أنه مقطوع به في كلام الأصحاب ، وعن الخلاف وفي ظاهر المنتهى : الإجماع عليه. وتقتضيه النصوص المتضمنة : أن الخمس بعد المؤنة. إلا أن يستشكل في ظهورها فيما نحن فيه. ولا سيما بملاحظة ما في النصوص ، من استثناء مئونته ومئونة عياله ، أو مئونته. ودخول مئونة الإخراج في مئونته محل نظر ، فتخص هذه النصوص بخمس الفائدة ولا تشمل ما نحن فيه. فالعمدة إذاً في الاستثناء المذكور : الإجماع.

وأما أن اعتبار النصاب بعد المؤنة المذكورة فهو المشهور ، بل ظاهر التذكرة والمنتهى : نفي الخلاف فيه لأن الظاهر من قوله (ع) في الصحيح المتقدم : « حتى يبلغ ما يكون .. » وجوب الخمس في تمام المقدار المذكور ، فإذا بني على استثناء المؤن بعد النصاب لزم ثبوت الخمس في بعضه. وعن المدارك : اعتبار النصاب قبل المؤنة ، وتبعه عليه بعض من‌

٤٥٨

إذا كان المخرج أقل منه. وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ ديناراً ، بل مطلقاً. ولا يعتبر في الإخراج أن يكون دفعة ، فلو أخرج دفعات ، وكان المجموع نصاباً ، وجب إخراج خمس المجموع [١]. وإن أخرج أقل من النصاب فأعرض ، ثمَّ عاد وبلغ المجموع نصاباً ، فكذلك على الأحوط [٢]. وإذا‌

______________________________________________________

تأخر. لإطلاق البلوغ المجعول غاية لعدم وجوب شي‌ء فيه ، فان مقتضاه أن لو بلغ ـ ولو قبل المؤنة ـ يكون فيه شي‌ء.

وبالجملة : مفهوم الصحيح المذكور إذا بلغ عشرين ديناراً ففيه شي‌ء. فعلى القول الأول يلزم تقييد موضوع البلوغ بما بعد المؤنة. وعلى الثاني يلزم تقييد موضوع الخمس في جزاء الشرطية بما بعد المؤنة. لكن الثاني معلوم بالإجماع ، فيبقى الأول مشكوكاً ، والأصل عدمه ، فأصالة الإطلاق فيه بلا معارض. لا أقل من المساواة بين الاحتمالين الموجبة لإجمال الدليل ، فيرجع إلى إطلاق ما دل على وجوب الخمس في المعدن ، ويقتصر في تقييده على المتيقن ، وهو صورة عدم بلوغ النصاب. وبالجملة : تقييد بلوغ النصاب بما بعد المؤنة لا دليل عليه ، والأصل ينفيه.

[١] كما في الجواهر ، حاكياً له عن ظاهر جماعة وصريح آخرين. لإطلاق الأدلة. وتوهم ظهور ما دل على اعتبار النصاب في اعتباره في كل دفعة بحيث لا يكفي بلوغ المجموع ، خلاف إطلاقه. بل ربما ادعي : اختصاصه بالثاني. وإن كان ضعيفاً أيضاً.

[٢] كما عن جمع ، منهم الشهيدان. قال أولهما في الدروس : « ولا فرق بين أن يكون الإخراج دفعة أو دفعات .. ». وقال ثانيهما في المسالك : « لو أعرض عنه ثمَّ تجدد له العزم ، ضم بعضه إلى بعض. خلافاً للفاضل .. » ‌

٤٥٩

اشترك جماعة في الإخراج ، ولم يبلغ حصة كل واحد منهم النصاب ولكن بلغ المجموع نصاباً ، فالظاهر وجوب خمسه [١]. وكذا لا يعتبر اتحاد جنس المخرج ، فلو اشتمل المعدن على جنسين أو أزيد ، وبلغ قيمة المجموع نصاباً ، وجب إخراجه [٢]. نعم لو كان هناك معادن متعددة اعتبر في الخارج من كل منهما‌

______________________________________________________

وحكي عن الأردبيلي والمدارك ، واختاره في الذخيرة. وكأنه لإطلاق الأدلة. ورد : بأن الإطلاق مقيد بما دل على اعتبار النصاب ، وظاهره اعتباره في كل دفعة أو ما بحكمها ـ وهو الدفعات ـ مع عدم الاعراض ، فمع الاعراض لا تضم الدفعات بعضها إلى بعض ، لأنه خلاف الظاهر. وكأنه لذلك قال في المنتهى : « ويعتبر النصاب فيما أخرج دفعة ، أو دفعات لا يترك العمل بينها ترك إهمال ، فلو أخرج دون النصاب وترك العمل مهملا له ، ثمَّ أخرج دون النصاب وكملا نصاباً ، لم يجب عليه شي‌ء .. ». ونحوه ما في التذكرة ، وعن التحرير وحاشية الشرائع وشرح المفاتيح والروض. وفيه : أن مجرد الاعراض ـ في الجملة ـ غير كاف في عدم الضم ، بل لا بد من الإهمال مدة طويلة ، بحيث يصدق تعدد الإخراج عرفاً. فتأمل جيداً.

[١] كما مال إليه في الجواهر وشيخنا الأعظم (ره) ، وحكي عن الحدائق والمستند. لإطلاق الصحيح. لكن المنسوب إلى الأكثر : اعتبار بلوغ حصة كل واحد منهم النصاب. واختاره صريحاً في المسالك. وفي الجواهر : « لا أعرف من صرح بخلافه .. » وكأنه حملا له على الزكاة. أو دعوى ظهور صحيح البزنطي في ذلك. والأول غير ظاهر. والثاني غير بعيد ، لكن خلافه أقرب.

[٢] كما صرح به جماعة ، منهم العلامة في محكي المنتهى ، والشهيد في الدروس ، وجزم به في الجواهر وغيرها نافياً للإشكال فيه.

٤٦٠