مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين ، الذين لا يعرفون الله إلا بهذا‌

______________________________________________________

الضعفة العقول ، ممن لا يعرفون الله سبحانه إلا بهذه الترجمة ، حتى لو سئل عنه : من هو؟ فربما قال : محمد ، أو علي ، ولا يعرف الأئمة (ع) كملا. أولا يعرف شيئاً من المعارف الخمس أصلا ، فضلا عن التصديق بها والظاهر أن مثل هؤلاء لا يحكم بايمانهم ، وإن حكم بإسلامهم. وإجراء أحكام الإسلام في الدنيا ، وأما في الآخرة فهم من المرجئين لأمر الله تعالى إِمّا يُعَذِّبُهُمْ ، وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ. وفي إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال ، لاشتراط ذلك بالايمان ، وهو غير ثابت .. ( إلى أن قال ) : وبالجملة : الأقرب عندي عدم جواز إعطائهم .. ».

قال في المستند ـ بعد نقل ذلك ـ : « وهو كذلك ، إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر ، ومن كان من أهل الولاية. ومن لم يعرف الأئمة ، أو واحداً منهم ، أو النبي (ص) لا يصدق عليه أنه يعرف صاحب هذا الأمر ، ولا يعلم أنه من أهل الولاية وأنه العارف. بل وكذلك لو عرف الكل بأسمائهم فقط ـ يعني : مجرد اللفظ ـ ولم يعرف أنه من هو ، وابن من ، إذ لا يصدق عليه أنه يعرفه ، ولا يتميز عن غيره. والحاصل : أنه يشترط معرفته بحيث يعينه في شخصه ، ويميزه عن غيره. وكذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم. ولو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا ، فهل يشترط في الإعطاء الفحص عنه؟ الظاهر نعم ، إذا احتمل في حقه عدم المعرفة ، ولا يكفي الإقرار الإجمالي : بأني مسلم مؤمن إثنا عشري. ولو علمنا أنه يعرف النبي (ص) والأئمة بأسمائهم الشريفة ، وأنسابهم المنيفة ، وترتيبهم وأقر بما يجب الإقرار به في حقهم ، فهل يجب الفحص عن حاله أنه هل هو مجرد إقرار ، أو مذعن بما يعترف ومعتقد له؟ لا يجب ، لأنه خلاف سيرة العلماء .. ».

٢٨١

اللفظ ، أو النبي ، أو الأئمة كلا أو بعضاً ، أو شيئاً من المعارف الخمس. واستقرب عدم الاجزاء. بل ذكر بعض آخر : أنه لا يكفي معرفة الأئمة بأسمائهم ، بل لا بد في كل واحد أن يعرف أنه من هو ، وابن من. فيشترط تعيينه وتمييزه عن غيره ، وأن يعرف الترتيب في خلافتهم. ولو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا ، يعتبر الفحص عن حاله ، ولا يكفي الإقرار الإجمالي : بأني مسلم مؤمن إثنا عشري. وما ذكروه مشكل جداً ، بل الأقوى كفاية الإقرار الإجمالي [١] وإن لم يعرف أسماءهم أيضاً ، فضلا عن أسماء آبائهم ، والترتيب في خلافتهم. لكن هذا مع العلم بصدقه في دعواه أنه من المؤمنين الاثني عشريين. وأما إذا كان بمجرد الدعوى ، ولم يعلم صدقه وكذبه ، فيجب الفحص عنه [٢].

( مسألة ٨ ) : لو اعتقد كونه مؤمناً فأعطاه الزكاة ثمَّ تبين خلافه فالأقوى عدم الإجزاء [٣].

______________________________________________________

[١] لكفاية ذلك في كون المقر من أهل الولاية ، ومن الشيعة ، ومن أصحابنا ، ونحو ذلك من العناوين المذكورة في النصوص موضوعاً لها.

[٢] خلافاً لما في المستند ، من قبول الدعوى ، استناداً إلى سيرة العلماء ولعدم إمكان العلم بحاله ، إذ غاية ما يمكن الفحص عنه طلب الدليل منه ، فيمكن أن لا يكون مذعناً به. وهو متين جداً. والعمدة : استقرار السيرة ـ من العلماء وغيرهم ـ على قبول إقراره ، كما هو ظاهر.

[٣] يعرف الكلام فيه مما تقدم في نظيره ، فيما لو أعطاه باعتقاد الفقر فبان كونه غنياً. فراجع.

٢٨٢

الثاني : أن لا يكون ممن يكون الدفع [١] إليه إعانة على الإثم وإغراء بالقبيح ، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي خصوصاً إذا كان تركه ردعاً له عنها والأقوى عدم اشتراط العدالة ولا عدم ارتكاب الكبائر ، ولا عدم كونه شارب الخمر.

______________________________________________________

[١] المحكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف وغيرهما ، والحلبي والقاضي وابني حمزة وزهرة والحلي : اعتبار العدالة في مستحق الزكاة. ونسب إلى ظاهر المفيد. وعن الغنية : الإجماع عليه ، وعن التنقيح : نسبته إلى المشايخ الثلاثة وأتباعهم واستدل له : بالإجماع تارة ، وبقاعدة الاشتغال أخرى. وبأن الفاسق ليس بمؤمن ، لمقابلته بالمؤمن مفهوماً وحكماً. وبما تضمن النهي عن الركون إلى الظالمين ومعاونتهم وموادتهم. والجميع كما ترى.

وقيل باعتبار مجانبة الكبائر ، كالخمر والزنا ، ونسب إلى السيد في الانتصار والجمل ، والى الشيخ في الاقتصاد. واستدل له أيضاً بالوجوه المذكورة. وبما في خبر أبي خديجة ، من قوله (ع) : « فليقسمها في قوم ليس بهم بأس ، أعفاء عن المسألة ، لا يسألون أحداً شيئاً » (١). وبما في خبر محمد بن سنان عن الرضا (ع) في علة الزكاة ، قال (ع) : « مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف على أهل المسكنة ، والحث لهم على المواساة وتقوية الفقراء ، والمعونة لهم على أمر الدين .. » (٢). والجميع أيضاً كما ترى.

أما مضمرة داود الصرمي : « سألته عن شارب الخمر ، يعطى من الزكاة شيئاً؟ قال (ع) : لا » (٣). فالاستدلال بها يتوقف أولا : على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢٨٣

______________________________________________________

عدم الفصل. وثانياً : على كون المراد من موضوع المنع عدم ملكة الاجتناب وكلاهما غير ظاهر. مضافاً إلى ضعف السند ، وعدم ثبوت الانجبار ، كما يظهر من ملاحظة أدلة القولين. وكأنه لأجل ذلك كان مذهب ابني بابويه والفاضلين وجمهور المتأخرين ـ على ما حكي عنهم ـ عدم اعتبار شي‌ء من ذلك ، عملا بإطلاق الأدلة. وفي مرسل العلل : « قلت للرجل ـ يعني أبا الحسن (ع) : ما حد المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال (ع) : يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ، ثمَّ قال : أو عشرة آلاف. ويعطى الفاجر بقدر ، لأن المؤمن ينفقها في طاعة الله ، والفاجر في معصية الله (١). وفي حسنة الحلبي ـ المروية عن رجال الكشي ـ : « سمعت أبا عبد الله (ع) ـ وسأله إنسان ـ فقال : إني كنت أنيل البهيمية من زكاة مالي حتى سمعتك تقول فيهم ، فأعطيهم أم أكف؟ قال : بل أعطهم ، فإن الله حرم أهل هذا الأمر على النار » (٢). وفي المطلقات القوية الإطلاق كفاية.

وأما ما ذكره المصنف فتقتضيه الأدلة الأولية ، من الكتاب والسنة المتضمنة للنهي عن الإعانة على الإثم والعدوان والإغراء بالقبيح ، غير المختصة بمقام دون مقام. لكن يبقى الإشكال في صدق الإعانة بمجرد فعل المقدمة من دون قصد ترتب المعصية عليها. وكذا الإشكال في صدق الإغراء بالقبيح بمجرد ذلك ، بلا تحريض على المعصية ، ولا بعث إليها ، كما يقتضيه مفهوم الإغراء. فإذا منع من صدقهما بدون ذلك ، أشكل المنع من إعطائها لمن يصرفها في المعاصي مع عدم قصد المعصية ولا بعث إليها وحمل عليها. نعم إذا كان تركه ردعاً عن المعصية وجب ، فيحرم الإعطاء ، لما يستفاد مما دل على وجوب النهي عن المنكر من لزوم الحيلولة بين المنكر وفاعله‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١٦.

٢٨٤

فيجوز دفعها إلى الفساق ، ومرتكبي الكبائر ، وشاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الايمان. وإن كان الأحوط اشتراطها. بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر. نعم يشترط العدالة في العاملين على الأحوط [١]. ولا يشترط في المؤلفة قلوبهم [٢] ، بل ولا في سهم سبيل الله [٣] ، بل ولا في الرقاب. وإن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء.

______________________________________________________

من دون فرق بين الحدوث والبقاء.

والفرق بين هذا وما قبله : أن ترك الإعطاء فيما قبله إنما يمنع من دخله في ترتب المعصية ، لا عدم وقوع المعصية أصلا ، لإمكان ترتبها بتوسط مقمدة أخرى غيره ، من اتهاب أو قرض أو نحوهما. بخلاف ترك الإعطاء هنا ، فإنه موجب لعدم تحقق المعصية أصلا ، لعدم وجود مقدمة أخرى سواه.

[١] لما عن الإرشاد والدروس والمهذب البارع والروضة والمفاتيح وغيرها ، من الإجماع على اعتبارها فيهم. قال في الجواهر : « وهو الحجة بعد اعتضاده بالتتبع ، وبما في العمالة من تضمن الاستئمان. وقد سمعت ما في الصحيح : من أنه لا يوكل بها إلا ناصحاً شفيقاً أميناً ، ولا أمانة لغير العدل .. ». لكن عرفت الإشكال في الاعتماد على الصحيح ، فان الاستئمان أعم من العدالة. مع أن الإجماع على اعتبار العدالة في العامل حين العمل لا يقتضي اعتبارها فيه حين الإعطاء من الزكاة ، لاختلاف الزمانين. فلو كان حين العمل عادلا ، وبعد قيامه بالعمل فسق ، فالإجماع ـ المتقدم في لسان الجماعة ـ لا يقتضي منعه من الزكاة.

[٢] على ما عرفت من المراد منهم ، الذي لا يناسبه اعتبارها.

[٣] للإطلاق فيه وفي غيره من الأصناف ، من دون ظهور مقيد.

٢٨٥

( مسألة ٩ ) : الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل ، والأفضل فالأفضل ، والأحوج فالاحوج [١]. ومع تعارض الجهات يلاحظ الأهم فالأهم ، المختلف ذلك بحسب المقامات.

الثالث : أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي ، كالأبوين وإن علوا ، والأولاد وإن سفلوا من الذكور أو من الإناث ، والزوجة الدائمة التي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعية ، والمملوك ، سواء كان آبقاً أو مطيعاً. فلا يجوز إعطاء زكاته إياهم للإنفاق [٢] ، بل‌

______________________________________________________

نعم مقتضى بعض الوجوه ـ المتقدمة في اعتبارها في الفقراء ـ اعتبارها في الجميع. فلاحظ.

[١] لما يفهم من النصوص من رجحان ملاحظة الترجيح في إعطائها كخبر عبد الله بن عجلان السكوني : « قلت لأبي جعفر (ع) : إني ربما قسمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به ، فكيف أعطيهم؟ فقال (ع) : أعطهم على الهجرة في الدين ، والفقه ، والعقل » (١) ، وصحيح ابن الحجاج : « سألت أبا الحسن (ع) عن الزكاة ، يفضل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره؟ فقال (ع) : نعم ، يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل » (٢). مضافاً إلى أن الترجيح بمثل ذلك مقتضى القواعد الأولية.

[٢] إجماعاً ، كما عن غير واحد ، مع قدرة المنفق وبذله. وتشهد به النصوص ، كصحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) ، قال (ع) : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب ، والأم ، والولد ، والمملوك ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢٨٦

ولا للتوسعة على الأحوط. وإن كان لا يبعد جوازه [١] ،

______________________________________________________

والمرأة. وذلك انهم عياله ولازمون له » (١) ونحوه المرفوع إليه (ع) معللا : بأنه يجبر على النفقة عليهم (٢) وفي مصحح إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى (ع) : « قلت : فمن الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ قال (ع) : أبوك وأمك. قلت : أبي وأمي؟ قال (ع) : الوالدان والولد » (٣). ونحوهما غيرهما.

نعم يعارضها مكاتبة عمران بن إسماعيل القمي : « كتبت الى أبي الحسن الثالث (ع) : إن لي ولداً ، رجلا ونساء ، أفيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب (ع) : إن ذلك جائز لك » (٤) ، والمرسل عن محمد بن جزك : « سألت الصادق (ع) : أدفع عشر مالي إلى ولد ابنتي؟ قال (ع) : نعم ، لا بأس » (٥). وكأنه لأجلهما اختار في كشف الغطاء كون المنع ـ في غير المملوك والزوجة ـ على الندب. لكنه لا يخلو من إشكال ، لإعراض الأصحاب عنهما ، وحكاية الإجماع مستفيضاً على خلافهما.

[١] كما عن المحقق والشهيد الثانيين ، وربما نسب إلى غيرهما. لإطلاق الأدلة. ولموثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) : « عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها ، وقد وجب عليه فيها الزكاة ، ويكون فضله ـ الذي يكسب بماله ـ كفاف عياله لطعامهم وكسوتهم ، ولا يسعه لأدمهم ، وإنما هو ما يقوته في الطعام والكسوة. قال (ع) : فلينظر إلى زكاة ماله ذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

٢٨٧

______________________________________________________

فليخرج منها شيئاً ـ قل أو كثر ـ فيعطيه بعض من تحل له الزكاة ، وليعد ما بقي من الزكاة على عياله ، فليشتر بذلك إدامهم وما يصلحهم من طعامهم .. » (١) ، ومصحح إسحاق بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل له ثمانمائة ، ولابن له مائتا درهم ، وله عشر من العيال ، وهو يقوتهم فيها قوتاً شديداً ، وليس له حرفة بيده. إنما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثمَّ يأكل من فضلها ، أترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتسع عليهم بها النفقة؟ قال (ع) : نعم » (٢). وقريب منهما خبر أبي خديجة (٣).

لكن الإطلاق مقيد بما دل على المنع من إعطاء واجبي النفقة ، مما عرفت. والأخبار المذكورة ظاهرة في زكاة مال التجارة ، والتعدي منها إلى الزكاة الواجبة غير ظاهر. ولا سيما مع قرب احتمال أن يكون ذلك من باب ترجيح التوسعة على العيال على أداء زكاة مال التجارة. مضافاً إلى أن موردها صورة عدم القدرة على الإنفاق اللازم ، وأن دفع الزكاة لتتميمه لا للتوسعة. ودعوى : أن أدلة المنع من إعطاء واجب النفقة ـ بقرينة التعليل ـ مختصة بالدفع للقوت اللازم ، فلا تشمل الدفع للتوسعة. مندفعة : بأن الظاهر من التعليل ـ بقرينة ما في صدر الصحيح ، من عدم جواز إعطائهم شيئاً ـ أن لزومهم له مانع من كونهم موضوعاً للزكاة ، ومخرج لهم عن الفقر إلى الغني ولو تعبداً. وكأنه لذلك يشكل أخذ الزكاة من غير المنفق.

هذا والانصاف يقتضي المنع من ظهوره في ذلك ، إذ من الجائز أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٦.

٢٨٨

إذا لم يكن عنده ما يوسع به عليهم [١]. نعم يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه [٢] ، كالزوجة للوالد ، أو الولد والمملوك لهما مثلا.

( مسألة ١٠ ) : الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء ، ولأجل الفقر. وأما من غيره من السهام ، كسهم العاملين إذا كان منهم ، أو الغارمين ، أو المؤلفة قلوبهم أو سبيل الله ، أو ابن السبيل ، أو الرقاب إذا كان من أحد‌

______________________________________________________

يكون الوجه في منع لزومهم له من جواز الإعطاء عدم التداخل ، الذي يوافقه الارتكاز العقلائي ، ولأجله بني على أصالة عدم التداخل. والحمل على الأول ـ مع أنه يتوقف على صدق الغنى بمجرد لزوم النفقة ، وهو ممنوع كما سبق ـ أنه يتوقف على مقدمة أخرى مطوية ، وهي عدم جواز إعطاء الغني ، وذلك خلاف الأصل في التعليل. نعم لو بني على إجمال التعليل واحتماله لكل من المعنيين يسقط الحديث المشتمل عليه عن صلاحية التمسك به في المقام ، فيرجع حينئذ إلى عموم مثل مصحح إسحاق بن عمار الخالي عنه. ومقتضى ذلك البناء على عدم جواز إعطاء المنفق لواجب النفقة مطلقاً ولو كان للتوسعة.

[١] هذا القيد غير ظاهر اعتباره على تقدير جواز الدفع إليهم اعتماداً على التعليل. نعم لو كان المستند النصوص فاعتباره في محله ، لأن موردها صورة العجز.

[٢] كما عن المسالك والمدارك ، واختاره في الجواهر وغيرها. لإطلاق الأدلة. واختصاص أدلة المنع بغير ذلك ، إذ التعليل ـ على أي المعنيين السابقين حمل ـ لم يقتض المنع عن إعطاء الزكاة لذلك ، كما هو ظاهر. ويمكن أن يستفاد من صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن (ع) الآتي (١).

__________________

(١) لاحظ المسألة : ١١ من هذا الفصل.

٢٨٩

المذكورات فلا مانع منه [١].

( مسألة ١١ ) : يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه ، إذا لم يكن قادراً [٢] على إنفاقه ، أو كان قادراً ولكن لم يكن باذلاً. وأما إذا كان باذلاً فيشكل الدفع إليه [٣] وإن كان فقيراً ، كأبناء الأغنياء‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف معتد به ، كما لا إشكال فيه ، كذا في الجواهر. وعن الذخيرة : أنه مقطوع به بين الأصحاب ، وعن الحدائق : نفي الاشكال فيه ، وعن غيرها : نفي الخلاف فيه. ويقتضيه : عموم الأدلة. وقصور أدلة المنع عن شمول ذلك ، كالتعليل فيها على أي معنييه حمل. إذ المفروض أن الإعطاء ليس للنفقة. مضافاً إلى ما دل على جواز قضاء دين الأب من سهم الغارمين ، واشتراء الأب من سهم الرقاب وأنه خير رقبة ، كما في خبر الوابشي (١).

[٢] كما عن صريح جماعة. بل عن المدارك : أنه كذلك قولا واحداً. ويقتضيه : إطلاق الأدلة بلا مقيد. ويستفاد من صحيح ابن الحجاج الآتي. وكذا الحال مع قدرة المنفق وعدم بذله لها.

[٣] بل عن التذكرة ومجمع البرهان وشرح المفاتيح : المنع ، لحصول الكفاية ، الموجب لصدق الغنى. ولإطلاق بعض نصوص المنع من إعطاء واجب النفقة ـ المتقدم بعضها ـ الشامل لغير المنفق ، مثل ما في صحيح ابن الحجاج : « خمسة لا يعطون من الزكاة .. » (٢) ، وما في رواية الشحام : « لا يعطى الجد والجدة .. » (٣). بل يمكن الاستدلال له بالتعليل ، بناء على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) تقدم ذلك في الثالث من أوصاف المستحقين من هذا الفصل.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

٢٩٠

______________________________________________________

أن ظهوره في اللزوم يوجب خروجه عن موضوع الفقر. لكن فيه : ما عرفت من ظهوره في غير ذلك. وأما إطلاق بعض النصوص فدعواه غريبة ، إذ الظاهر من قول القائل : « لا يعطى الجد » ، أو « لا يعطى الأب » أنه لا يعطى جد المعطى وأبوه ، فالحكم مختص بالمنفق ولا يشمل غيره. وأما صدق الغنى بحصول الكفاية فيمكن منعه ، ولذا لمن يكن إشكال ظاهر في جواز إعطاء عيال الموسر الباذل إذا لم يكن واجب النفقة عليه ، والفرق بينهما باللزوم وعدمه غير فارق.

ولما ذكرنا اختار الجواز جماعة ، منهم العلامة في جملة من كتبه ، والشهيد في الدروس والبيان ، والمحقق الثاني في فوائد الشرائع ، والسيد في المدارك على ما حكي ، بل عن الحدائق : نسبته إلى الأكثر. واستدل لهم بصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الأول (ع) قال : « سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مئونته ، أيأخذ من الزكاة فيوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ فقال (ع) : لا بأس » (١). وفيه نظر ، لظهوره في صورة عدم قيامهم بكل ما يحتاج اليه ، كدين عليه أو نفقة لازمة له ونحوهما ، فلا يكون مما نحن فيه. واستدل له أيضاً : بأن الفقر أخذ موضوعاً لوجوب الإنفاق ولوجوب الزكاة ، فكما لا ينتفي ببذل الزكاة بحيث يخرج عن موضوع الإنفاق ، كذلك لا ينتفي ببذل النفقة بحيث يخرج عن موضوع الزكاة.

وقد يجاب : بأن موضوع الإنفاق عدم القدرة على مئونة نفسه ، وهو غير حاصل ببذل الزكاة. وموضوع الزكاة الحاجة والفقر ، وهو يرتفع بتملكه على غيره المؤنة ولو بالتكليف ببذلها. ويمكن أن يخدش : بأن الأولى الحكم بعكس ما ذكر ، لأن موضوع الزكاة الفقير وهو حاصل. ومجرد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢٩١

______________________________________________________

لزوم الإنفاق عليه غير كاف في صدق الغني عليه ، إذا الغني من يملك فعلا أو قوة ـ ولو لأجل كونه ذا حرفة أو صنعة ـ مئونته ، وهو غير حاصل في المقام. ومجرد لزوم الإنفاق شرعاً غير كاف في تحقق الملك ، أما وجوب الإنفاق فموضوعه عدم القدرة على النفقة ـ كما قرر المجيب ـ وهو غير حاصل مع بذل الزكاة له. ولذلك احتمل في شرح النافع : عدم وجوب الإنفاق على من بذلت الزكاة له ، وإن استقربه في الجواهر. لكنه غير ظاهر ، إذ ليس في أدلة وجوب الإنفاق إطلاق يرجع إليه عند الشك ، كما يظهر بالسبر لنصوصه ، فإنها واردة في غير مورد تشريعه ، بل في مورد آخر. فمع الشك في موضوع الإنفاق يقتصر على المتيقن ، ولا يقين بوجوبه مع بذل الزكاة وعدم المانع من التعيش بها.

ومن هنا يظهر لك الفرق بين عدم القدرة على النفقة في موضوع الزكاة وبينه في موضوع الإنفاق ، إذ القدرة في الأول يراد منها القدرة بالنظر إلى نفسه وشؤونه ـ من ملك ، أو قوة ، أو صنعة ، أو نحوها ـ لا غير ، وفي الثاني يراد بها القدرة ولو لأجل البذل ـ فمن كان عاجزاً عن التعيش بكل الوجوه لعدم المال والقوة ، وقد بذلت له المؤنة ـ زكاة ، أو خمساً ، لم يكتف ببذل الزكاة في الخروج عن موضوعه. وإلا تعين العمل على ما ذكرنا.

هذا وعلى ما ذكر في المتن يشكل ما استقر عليه العمل في هذه الأعصار من إعطاء الحقوق ـ من الكفارات وغيرها ـ للعيال ، صغيرهم وكبيرهم ، مع أن أكثر الصغار قد بذلت لهم النفقة اللازمة لهم ، بل وأكثر منها. اللهم إلا أن يبنى على عدم اللزوم مع فرض فقر المنفق ، لاعتبار الغنى فيه. وإن كان الذي نص عليه في الشرائع ـ ويظهر منهم الاتفاق عليه ـ هو‌

٢٩٢

إذا لم يكن عندهم شي‌ء. بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل [١]. بل لا يبعد عدم جوازه‌

______________________________________________________

الاكتفاء بالقدرة ولو بالاتهاب والسؤال. لكنه خلاف مقتضى أصالة البراءة وقد عرفت : أنه لا إطلاق في أدلة الوجوب يرجع إليه عند الشك. وقوله تعالى : ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... ) (١). لا إطلاق له من الحيثية التي نحن فيها ، وإنما هو في مقام بيان وجوب دفع الأجرة في فرض وقوع الإجارة بينها وبين الوالد ، التي هي في فرض وجوب النفقة عليه. هذا ولكن الالتزام بذلك بعيد جداً ، بل لا يظن الالتزام من أحد : بأن الولد العاجز عن المؤنة من كل وجه لا تجب نفقته على أبيه إذا كان أبوه فقيراً شرعاً ، وأن نسبته إلى أبيه كنسبته إلى غيره من الأجانب. وكذا الحال في غيره من واجب النفقة.

والأولى أن يقال : إن نفقة القريب وإن لم تكن كنفقة الزوجة في كونها مملوكة على المنفق ، إلا أنها ليست تكليفاً محضاً ، بل ناشئة عن حق الإنفاق ، ولذا يطالب عند الامتناع ، ويرفع أمره إلى الحاكم ، ويستدين الحاكم على ذمة المنفق مع تعذر إلزامه بالنفقة. ومثل هذا الحق كاف في إلحاقه بالزوجة في صدق الغنى مع البذل. نعم العمدة في الاشكال : عدم ظهور الدليل على وجوب الإنفاق في ظرف بذل الزكاة لواجب النفقة. ومانعية وجوب الإنفاق من جواز إعطاء الزكاة من المنفق لا يقتضي ذلك بالإضافة إلى غيره ، لاحتمال وجود الفارق ، فلا مجال للتعدي عن مورد النصوص. والكلام في ذلك موكول إلى محله.

[١] فان من جوز الدفع إلى القريب مع بذل قريبه المنفق ويساره لم يجوزه في الزوجة ، بل في الجواهر : « لكن الإجماع على عدم جواز تناولها‌

__________________

(١) الطلاق : ٦.

٢٩٣

مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعاً منه [١]. بل الأحوط عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم [٢] مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضاً.

______________________________________________________

ـ مع يسار الزوج وبذله ـ يمكن تحصيله ، وإن احتمل بعض الناس الجواز أيضاً .. ». وكأنه وجه ما ذكره بعض الناس : أنها إنما تملك النفقة على الزوج يوماً فيوماً ، لا أنها تملك مئونة السنة. وفيه : أنه يمكن إلحاقها بذي الصنعة ، الذي يظهر من دليل منعه من الزكاة أن المراد من الفقير الفقير بالفعل والقوة ، وأن ذا الصنعة غني بالقوة باعتبار ما هو فيه من الاستعداد ، فتكون الزوجة من أفراده ، وليس ذلك من القياس. وقد عرفت أن الإنفاق على القريب أيضاً كذلك ، باعتبار ثبوت حق الإنفاق له على المنفق ، فالفرق ينبغي أن يكون من جهة عدم ثبوت وجوب الإنفاق مع بذل الزكاة في القريب ، وثبوته في الزوجة. فتأمل جيداً.

[١] إذ الامتناع مع إمكان الإجبار لا يوجب انتفاء الغنى بالقوة ، كامتناع المديون مع إمكان الدائن إجباره على أداء دينه. نعم مع صعوبة الإجبار ، وعدم إقدام أمثالها عليه يجوز دفع الزكاة إليها ، كصورة التعذر على ما سبق في نظيره في بعض مسائل الفصل السابق.

[٢] الاشكال فيه يبتني على الإشكال في جواز الدفع للنفقة ، فإنه إن جاز جاز ، وإن لم يجز ـ لعدم صدق الفقير ـ لم يجز ، إذ الغني لا يجوز الدفع إليه ولو للتوسعة. والتفكيك بين النفقة والتوسعة ـ في صدق الفقر والغني ـ غير ظاهر. نعم حكي عن ظاهر جماعة : جواز الأخذ للتوسعة وإن لم يجز للإنفاق ، لصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الأول (ع) المتقدم (١). لكن عرفت أنه ليس مما نحن فيه ، بل هو في صورة عدم‌

__________________

(١) تقدم ذلك في أول المسألة.

٢٩٤

( مسألة ١٢ ) : يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها [١] ، سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره ، وسواء كان للإنفاق أو للتوسعة. وكذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة ، مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه. نعم لو وجبت نفقة المتمتع بها على الزوج ـ من جهة الشرط أو نحوه ـ لا يجوز الدفع إليها [٢] ، مع يسار الزوج [٣].

______________________________________________________

قيام المنفق بتمام ما يحتاج اليه ، وإن كان قائما بالنفقة اللازمة عليه.

ومما ذكرنا يظهر أنه لا فرق ـ في المنع والجواز ـ بين بذل المنفق مقدار التوسعة وعدمه ، لأن المعيار في الفقر والغني خصوص النفقة اللازمة دون التوسعة ، كما لعله ظاهر. فالإشكال ـ إن تمَّ ـ مطرد في الصورتين جميعاً. والله سبحانه أعلم.

[١] لعدم وجوب نفقتها. وحكي القول بالمنع عن بعض ، لإطلاق بعض النصوص. وفيه : أن التعليل بلزوم النفقة حاكم على ذلك الإطلاق ، فيقيد به. ومنه يظهر الحال في الدائمة المشروط سقوط نفقتها.

[٢] للزوم نفقتها ، فتدخل في عموم التعليل. واحتمال انصراف اللزوم في التعليل إلى خصوص اللزوم الأصلي ممنوع. ولا سيما وكون اللزوم في الموارد المذكورة يمكن أن يكون من العارض.

[٣] مجرد اليسار غير كاف في المنع ، مع امتناعه عن البذل ، وتعذر إجباره عليه ، فلا بد حينئذ من بذله ويساره ، فلو انتفى أحدهما جاز إعطاء الغير إياها. أما إعطاء الزوج فيكفي في المنع عنه اليسار فقط ، لثبوت اللزوم حينئذ المانع من جواز الإعطاء ، فلو أعسر جاز إعطاؤه إياها ، لارتفاع اللزوم الفعلي عنه ، بناء على أنه الظاهر من اللزوم في النص والفتوى‌

٢٩٥

( مسألة ١٣ ) : يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز ، لتمكنها من تحصيلها بتركه [١].

( مسألة ١٤ ) : يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج [٢] وإن أنفقها عليها. وكذا غيرها ممن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب الخارجية [٣].

( مسألة ١٥ ) : إذا عال بأحد تبرعاً جاز له دفع زكاته له ، فضلا عن غيره [٤] ، للإنفاق أو التوسعة. من غير فرق‌

______________________________________________________

وإن كان هو خلاف ظاهر المصنف (ره) في المسألة التاسعة عشرة.

[١] قال في المعتبر : « لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء والمسكنة ـ مطيعة كانت أم عاصية ـ إجماعاً ، لتمكنها من النفقة .. ». لكن التعليل المذكور إنما يجدي في المنع لو كان المانع من إعطاء المطيعة عدم صدق الفقير ، كما هو كذلك بالنسبة إلى إعطاء الأجنبي. أما لو كان اللزوم نفسه ـ كما هو كذلك بالنسبة إلى إعطاء الزوج ـ جاز إعطاؤه إياها بالنشوز وإن أمكن لها رفعه. إلا أن يكون إمكان الرفع موجباً لصدق الغنى ، كما في الأجنبي.

[٢] لإطلاق الأدلة. وما عن ابن بابويه من المنع غير ظاهر. ومثله : ما عن الإسكافي من جواز الدفع ، لكن لا يجوز له إنفاقه عليها وعلى ولدها.

[٣] للإطلاق أيضاً.

[٤] إجماعاً ، كما عن المدارك. لإطلاق الأدلة. وأما رواية أبي خديجة : « لا يعطي الزكاة أحداً ممن يعول » (١) فمحمولة على واجب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٦.

٢٩٦

بين القريب الذي لا يجب نفقته عليه ـ كالأخ ، وأولاده ، والعم ، والخال وأولادهم ـ وبين الأجنبي [١] ، ومن غير فرق بين كونه وارثاً له ـ لعدم الولد مثلا ـ وعدمه [٢].

( مسألة ١٦ ) : يستحب إعطاء الزكاة للأقارب [٣] ، مع حاجتهم وفقرهم ، وعدم كونهم ممن تجب نفقتهم عليه. ففي الخبر [٤] : أي الصدقة أفضل؟ قال (ع) : على ذي

______________________________________________________

النفقة. أو على الاستحباب.

[١] إجماعاً ، نصاً وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كذا في الجواهر.

[٢] بلا خلاف ظاهر. وعن بعض العاملة : المنع منه في الأول ، بناء منه على أن الوارث نفقته على الموروث. وهو معلوم البطلان ، كذا في الجواهر.

[٣] ففي موثق إسحاق عن أبي الحسن موسى (ع) : « قلت له : لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضل بعضهم على بعض ، فيأتيني إبان زكاتي أفأعطيهم منها؟ قال (ع) : مستحقون لها؟ قلت : نعم. قال (ع) : هم أفضل من غيرهم ، أعطهم » (١).

[٤] روى السكوني عن أبي عبد الله (ع) ، قال : « سئل رسول الله (ص) : أي الصدقة أفضل؟ قال (ص) : على ذي الرحم الكاشح » (٢) قال في مجمع البحرين : « الكاشح ، هو الذي يضمر لك العداوة ، ويطوي عليها كشحه ، أي : باطنه. من قولهم : « كشحح له بالعداوة » إذا أضمرها له. وإن شئت قلت : هو العدو الذي أعرض عنك وولاك كشحه .. ». لكن دلالتها على ما نحن فيه غير ظاهرة ، لأنها أخص.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الصدقة حديث : ١.

٢٩٧

الرحم الكاشح ». وفي آخر : « لا صدقة وذو رحم محتاج » [١].

( مسألة ١٧ ) : يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج [٢]. وكذا العكس.

( مسألة ١٨ ) : يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء [٣]. كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلمية من سهم سبيل الله [٤].

( مسألة ١٩ ) : لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادراً على إنفاقه أو عاجزاً [٥]

______________________________________________________

[١] هذا مرسل الفقيه (١).

[٢] لإطلاق الأدلة. وعدم شمول أدلة المنع لذلك ، لعدم لزوم نفقة التزويج على المنفق. وحينئذ فإن كان التزويج محتاجاً إليه ، فلا ينبغي التأمل في جواز كون الدفع من سهم الفقراء ، حتى لو كان مفاد التعليل في نصوص المنع الإخراج عن عنوان الفقراء ، لاختصاصه بغير الفرض ، وهو الظاهر من صحيح ابن الحجاج المتقدم. وإن لم يكن محتاجاً إليه ، فالدفع اليه من سهم الفقراء موقوف على جواز الدفع للتوسعة ، الذي تقدم الكلام فيه. نعم لا ينبغي التأمل في جواز الدفع من سهم سبيل الله ، لكون التزويج منه.

[٣] لكونه منهم ، لأجل حاجته ، كما سبق.

[٤] لأنها منه. بل ومن سهم الفقراء ، بناء على جواز الدفع إليه للتوسعة ، فإن شراء الكتب منها ، كما لا يخفى.

[٥] لإطلاق الأخبار ، ومعاقد الإجماعات المانعة من دفع الزكاة إلى واجب النفقة. ويشكل : بأن انتفاء القدرة رافع للتكليف ، فلا يصدق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الصدقة حديث : ٤.

٢٩٨

كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام [١] ، فلا يجوز الإنفاق عليهم من سهم سبيل الله أيضاً وإن كان يجوز لغير الإنفاق. وكذا لا فرق ـ على الظاهر الأحوط ـ بين إتمام ما يجب عليه وبين إعطاء تمامه ، وإن حكي عن جماعة [٢] : أنه لو عجز عن إنفاق تمام ما يجب عليه ،

______________________________________________________

أنهم لازمون له ، ولا أنه يجبر على نفقتهم ، المعلل به الحكم بالمنع. بل لو قيل : بأن القدرة شرط شرعي لوجوب نفقة الأقارب ـ كما يقتضيه ظاهر الكلمات ـ فالجواز أوضح ، لانتفاء الملاك بانتفائها. وكأنه لذلك احتمل غير واحد في روايتي عمران القمي ومحمد بن جزك المتقدمتين (١) حملهما على صورة عجز المنفق. فاذاً القول بجواز أخذ الزكاة من المنفق ـ كغيره ـ للنفقة أوفق بالعمومات.

[١] لإطلاق ما دل على المنع. نعم يختص ذلك بالنفقة اللازمة ، ولا يجري في غيرها ، كما سبق في المسألة العاشرة.

[٢] قال في المستند : « صرح به جماعة ، بل من غير خلاف يوجد كما قيل .. ». ثمَّ استدل له برواية أبي بصير : « عن رجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم ، وهو رجل خفاف ، وله عيال كثير ، إله أن يأخذ من الزكاة؟ .. ( إلى أن قال ) : قلت : فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال (ع) : بلى. قلت : كيف يصنع؟ قال : يوسع بها على عياله في طعامهم وكسوتهم ، ويبقي منها شيئاً يناوله غيرهم » (٢) ، وبموثق سماعة ، ومصحح إسحاقالمتقدمين في مسألة إعطاء المنفق زكاته لواجب النفقة للتوسعة ، التي قد عرفت اختصاصها ـ كرواية أبي بصير ـ بزكاة مال التجارة. لا أقل من عدم.

__________________

(١) لاحظ الروايتين في الثالث من أوصاف المستحقين.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

٢٩٩

جاز له إعطاء البقية ، كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم لإطلاق بعض الاخبار الواردة في التوسعة [١] ، بدعوى شمولها للتتمة ، لأنها أيضاً نوع من التوسعة [٢]. لكنه مشكل ، فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء.

______________________________________________________

ظهورها في الواجبة ـ لا عموماً ، ولا خصوصاً ـ إذا الجميع من قبيل المقرون بما يصلح للقرينية ، فالتمسك بها على المقام غير ظاهر.

[١] قد عرفت الإشكال في استظهار ورودها في التوسعة ، فإن مصحح إسحاق ذكر فيه القوت الشديد ، وهو دون النفقة اللازمة. وموثق سماعة ذكر فيه : أن فضل ماله لا يسع لأدمهم ، والإدام جزء من النفقة اللازمة نعم رواية أبي بصير ظاهرة في التوسعة ، لاشتمال صدرها على زيادة الربح عن القوت.

[٢] هذا الجواب ذكره في المستند. وهو كما ترى. وبالجملة : الاستدلال على الحكم المذكور بهذه الروايات غير ظاهر. ولا سيما بملاحظة كون مورد الأخيرين العجز عن إتمام القوت اللازم من الربح مطلقاً ، كما هو محل الكلام.

نعم يمكن الاستدلال عليه ـ مضافاً إلى إطلاق الأدلة ، كما في صورة العجز عن أصل النفقة ـ بصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الأول (ع) المتقدم ، قال : « سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مئونته أيأخذ من الزكاة فيوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج اليه؟ فقال (ع) : لا بأس » (١). بناء على ظهوره في عدم قيام المنفق بالنفقة اللازمة ، بقرينة الذيل. وعلى إطلاقه الشامل لأخذ الزكاة من المنفق وغيره. لكن الأخير وإن كان في محله. إلا أن الأول غير ظاهر ، بل الظاهر منه‌

__________________

(١) لاحظ المسألة : ١١ من هذا الفصل.

٣٠٠