مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

ضيعة [١] تقوم قيمتها بمؤنته ، ولكن لا يكفيه الحاصل منهما لا يجب عليه بيعها وصرف العوض في المؤنة ، بل يبقيها ويأخذ من الزكاة بقية المؤنة.

( مسألة ٢ ) : يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته [٢] دفعة ، فلا يلزم الاقتصار على مقدار مئونة‌

______________________________________________________

[١] كما هو المعروف. وتدل عليه موثقة سماعة ، كما تقدم (١).

[٢] كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً ، بل عن المنتهى : « يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه وما يزيد على غناه ، وهو قول علمائنا أجمع .. ». وقد يظهر ذلك من العبارات المتعرضة لنقل الخلاف في ذلك فيمن يقصر كسبه أو حرفته عن مئونة السنة ، مع عدم نقل خلاف في غيره.

وكيف كان فيشهد له ـ مضافاً إلى إطلاق أدلة الوجوب ـ جملة من النصوص المتضمنة لجواز إعطاء الفقير إلى أن يصير غنياً ، كموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟ فقال : قال أبو جعفر (ع) : إذا أعطيت فأغنه » (٢). ونحوه خبر سعيد بن غزوان (٣) وخبر إسحاق بن عمار (٤) وغيرهما. وفي خبر بشير بن بشار : « قلت للرجل ـ يعني أبا الحسن (ع) ـ : ما حد المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال (ع) : يعطى المؤمن ثلاثة آلاف. ثمَّ قال (ع) : وعشرة آلاف ويعطى الفاجر بقدر ، لأن المؤمن ينفقها في طاعة الله تعالى ، والفاجر في‌

__________________

(١) لاحظ أوائل الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

٢٢١

______________________________________________________

معصية الله تعالى » (١). وفي صحيح أبي بصير : « فليعطه ما يأكل ، ويشرب ، ويكتسي ، ويتزوج ، ويتصدق ، ويحج » (٢).

لكن الأخير غير ظاهر في سهم الفقراء. وخبر بشير ضعيف بالإرسال وما قبله غير ظاهر في الغني العرفي ، بل ظاهر في الغني الشرعي ، فغاية مفاده الدلالة على جواز إعطاء مقدار كفاية السنة ، ولا تعرض فيه للزائد على ذلك ، لا بالصراحة ، ولا بالإطلاق. مضافاً إلى ما قد يظهر مما تقدم من صحيح معاوية بن وهب (٣) ، وخبر الغنوي (٤) ، وموثق سماعة (٥) من لزوم الاقتصار على مقدار الكفاية. وإن كان مورد الجميع من كان له رأس مال يقصر ربحه عن مئونة السنة ، إلا أنه يمكن التعدي إلى غيره ، بإلغاء خصوصية مورده عرفاً.

اللهم إلا أن يقال : الأمر بإعفاء نفسه ـ في موثق سماعة ـ أو نفسه وبعض عياله ـ في الصحيح والخبر ـ محمول على الاستحباب إجماعاً ، إذ لا كلام في جواز تناوله لنفسه من الزكاة. ويشير اليه التعبير بالعفة في الموثق. وان شئت قلت : ما تضمنته الأخبار المذكورة أجنبي عن الدعوى ، ولأجل عدم القول بوجوبه تعين حملها على الاستحباب. وعليه فالعمدة في الاشكال : عدم صلاحية النصوص السابقة لإثبات الجواز. اللهم إلا أن يدعى انجبار المرسل بدعوى الإجماع المحكي عن المنتهى. أو يعتمد على الإجماع نفسه ، ولا سيما مع اعتضاده بظهور دعواه من غيره أيضاً ، وبإطلاق الأدلة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٣) تقدم ذكره في أوائل الفصل.

(٤) المراد به : هو خبر هارون بن حمزة المتقدم في أوائل هذا الفصل.

(٥) المراد به : هو موثق سماعة الثاني المتقدم في أول الفصل.

٢٢٢

سنة واحدة. وكذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه بمؤنة سنته أو صاحب الضيعة التي لا تفي حاصلها ، أو التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمؤنة سنته. ولا يلزم الاقتصار على إعطاء التتمة بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين ، بل يجوز جعله غنياً عرفياً. وإن كان الأحوط الاقتصار [١]. نعم لو أعطاه دفعات لا يجوز ـ بعد أن حصل [٢] عنده مئونة السنة ـ أن يعطى شيئاً ولو قليلا ما دام كذلك.

( مسألة ٣ ) : دار السكنى ، والخادم ، وفرس الركوب المحتاج [٣] إليها بحسب حاله ولو لعزة وشرفه ـ لا يمنع من إعطاء الزكاة [٤] وأخذها. بل ولو كانت متعددة ، مع الحاجة إليها. وكذا الثياب والألبسة ، الصيفية والشتوية ، السفرية والحضرية ، ولو كانت للتجمل ، وأثاث البيت ، من الفروش‌

______________________________________________________

الأولية ، بناء على عدم صلاحية النصوص الأول لتقييدها ، لعدم كونها واردة في مقام التحديد ، لتدل على عدم جواز دفع الزائد على المؤنة.

[١] قد عرفت وجهه.

[٢] لصيرورته بذلك غنياً.

[٣] عن التذكرة : أنه لا يعلم خلافاً فيها ، وفي ثياب التجمل. ويستفاد حكمها ـ وحكم ما يأتي ـ من النصوص الآتية.

[٤] بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، كذا في الجواهر. ويشهد له موثق سماعة المتقدم في عدم جواز أخذ الغني من الزكاة ومصحح ابن أذينة عن غير واحد عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) : « أنهما سئلا عن الرجل يكون له دار وخادم أو عبد ، أيقبل الزكاة؟

٢٢٣

والظروف وسائر ما يحتاج اليه ، فلا يجب بيعها في المؤنة ، بل لو كان فاقداً لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها [١]. وكذا يجوز أخذها لشراء الدار ، والخادم ، وفرس الركوب والكتب العلمية ونحوها ، مع الحاجة إليها. نعم لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته ـ بحسب حاله ـ وجب صرفه في المؤنة. بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته ، وأمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته ، وجب بيعه [٢]. بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقل‌

______________________________________________________

قال (ع) : نعم ، إن الدار والخادم ليسا بمال » (١) ، وخبر عبد العزيز : قال « دخلت أنا وأبو بصير على أبي عبد الله (ع) فقال له أبو بصير : إن لنا صديقا .. ( إلى أن قال ) : وله دار تسوى أربعة آلاف درهم وله جارية ، وله غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل ، وله عيال ، أله أن يأخذ من الزكاة؟ قال (ع) ، نعم. قال : وله هذه العروض؟ فقال : يا أبا محمد فتأمرني أن آمره أن يبيع داره ، وهي عزه ومسقط رأسه ، أو يبيع خادمه الذي يقيه الحر والبرد ، ويصون وجهه ووجه عياله. أو آمره أن يبيع غلامه وجمله ، وهو معيشته وقوته؟! بل يأخذ الزكاة فهي له حلال ، ولا يبيع داره ، ولا غلامه ، ولا جمله » (٢). ونحوها غيرها.

[١] لأنها من النفقة.

[٢] كما استظهره في محكي المدارك وغيره. وهو كذلك ، إذ لا تشمله أدلة الاستثناء.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

٢٢٤

منها قيمة ، فالأحوط بيعها [١] وشراء الأدون. وكذا في العبد ، والجارية ، والفرس.

( مسألة ٤ ) : إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه ، كما لو كان قادراً على الاحتطاب والاحتشاش غير اللائقين بحاله ، يجوز له أخذ الزكاة [٢]. وكذا إذا كان عسراً ومشقة ـ من جهة كبر ، أو مرض ، أو ضعف ـ فلا يجب عليه التكسب حينئذ.

( مسألة ٥ ) : إذا كان صاحب حرفة وصنعة ، ولكن لا يمكنه الاشتغال بها ، من جهة فقد الآلات ، أو عدم الطالب جاز له أخذ الزكاة [٣].

( مسألة ٦ ) : إذا لم يكن له حرفة ولكن يمكنه تعلمها من غير مشقة ، ففي وجوب التعلم [٤] ، وحرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال. والأحوط التعلم ، وترك الأخذ بعده. نعم‌

______________________________________________________

[١] بل هو الظاهر ، فإنه نظير الفرض السابق. ومن هنا يشكل الفرق بينهما ، كما حكي.

[٢] بلا خلاف ظاهر. ويستفاد من نصوص استثناء العبد والخادم المتقدمة ، ولا سيما خبر عبد العزيز (١).

[٣] بلا خلاف ظاهر ، لصدق الفقير عليه.

[٤] لا ينبغي التأمل في عدم وجوب التعلم تكليفاً ، إذ لا دليل عليه. نعم يختص الإشكال في جواز أخذ الزكاة مع قدرته عليه وعدمه. ويتعين حينئذ التفصيل بين كونه قادراً فعلا عرفاً على التعيش ، بلا حاجة الى الزكاة ـ

__________________

(١) تقدم ذكره في المسألة : ٣ من هذا الفصل.

٢٢٥

ما دام مشتغلا بالتعلم لا مانع من أخذها [١].

( مسألة ٧ ) : من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلا في يوم أو أسبوع مثلاً ، ولكن يحصل له في ذلك اليوم أو الأسبوع مقدار مئونة السنة ، فتركه وبقي طول السنة لا يقدر على الاكتساب ، لا يبعد جواز أخذه [٢] وإن قلنا أنه عاص بالترك [٣] في ذلك اليوم أو الأسبوع ، لصدق الفقير عليه حينئذ.

( مسألة ٨ ) : لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له أخذ الزكاة ، إذا كان مما يجب تعلمه عيناً أو كفاية [٤]. وكذا إذا كان مما يستحب تعلمه ،

______________________________________________________

لسهولة التعلم ، وعدم احتياجه إلى وقت طويل ـ وبين غيره ، ففي الأول لا يجوز له أخذها ، لما تقدم في حكم القادر على الاكتساب. وفي الثاني يجوز لصدق الفقير عليه.

[١] هذا إذا لم يكن قادراً فعلا على التعيش بدون الزكاة. أما لو كان قادراً على ذلك ـ ولو بالاستدانة ، لسهولة الوفاء بعد التعلم والاكتساب بالحرفة ـ فجواز الأخذ غير ظاهر ، لصدق كونه قادراً على أن يكف نفسه عنها. لكن الإنصاف : أن الظاهر من القدرة المذكورة. إلا يشمل مثل استدانة مع طول المدة.

[٢] لصدق كونه لا يقدر أن يكف نفسه عنها.

[٣] لا وجه ظاهر لهذا العصيان ، إذ لا ريب في أنه يجوز للغني أن يجعل نفسه فقيراً ، كما يجوز للفقير أن يجعل نفسه غنياً ، كما أشرنا إليه آنفاً.

[٤] المحكي عن جماعة ـ منهم العلامة والشهيدان في بعض كتبهم ـ : إطلاق القول بالجواز ، وعن بعض : إطلاق المنع ، وعن جماعة : التفصيل‌

٢٢٦

______________________________________________________

بين وجوب الاشتغال بالعلم فيجوز ، وعدمه فلا يجوز. وهذا هو الأظهر ، لأن الوجوب يوجب صدق كونه غير قادر على أن يكف نفسه عنها ، إذ المراد من القدرة ما يعم القدرة الشرعية ، فانتفاؤها كاف في صدق عدم القدرة. ولذا يجوز أخذ الزكاة لمن كان لا يقدر على المال الحلال وان كان يقدر على المال الحرام ، فاذا انتفى الوجوب ، صدق أنه قادر على أن يكف نفسه عن الزكاة. ومجرد الاستحباب ـ فضلا عن الإباحة ـ غير كاف في سلب القدرة ، كما هو ظاهر.

ودعوى : أن الأمر بطلب العلم ـ ولو على نحو الاستحباب ـ يستلزم الأمر بترك التكسب ، فيكون بذلك عاجزاً ، غير ظاهرة. إذ ـ مع أن الاستلزام ممنوع جداً ، كما حقق في مسألة الضد ـ : أن الأمر المذكور لا يصلح لتقييد ما دل على عدم جواز أخذ القادر على كف نفسه عن الزكاة ولا الورود عليها ، بخلاف الأمر الوجوبي فإنه وارد على ذلك ، لأنه يوجب سلب القدرة المأخوذة موضوعاً للمنع.

ومثله في الاشكال : ما حكي دليلا على المنع مطلقاً : من أن وجوب طلب العلم لا يصلح لمزاحمة وجوب التكسب لحفظ النفس عن الهلاك ، لأن ذلك الوجوب أهم. وفيه ـ مع أن ذلك يقتضي نفي وجوب طلب العلم ، وهو خلف ، لكون المفروض وجوب طلب العلم ، ولزوم العمل عليه عقلا ـ : أن التزاحم بين الوجوبين إنما هو في المقدار الذي يتوقف عليه الحفظ من الهلاك ، لا فيما يزيد عليه ، فاذا فرض حصول ذلك المقدار وجب العمل عقلا على وجوب طلب العلم ، لعدم المزاحم ، لحصول موضوعه فاذا وجب طلب العلم انتفت القدرة على كف النفس عن الزكاة وجاز أخذها. وحصول المقدار الضروري لا يمنع من جواز أخذها ، كما سبق. مضافاً إلى أن وجوب الحفظ من الهلاك إنما يقتضي وجوب التكسب لو انحصر‌

٢٢٧

كالتفقه في الدين اجتهاداً أو تقليداً. وإن كان مما لا يجب ولا يستحب ، كالفلسفة ، والنجوم ، والرياضيات ، والعروض ، والعلوم الأدبية لمن لا يريد التفقه [١] في الدين ، فلا يجوز أخذه.

( مسألة ٩ ) لو شك في أن ما بيده كاف لمؤنة سنته أم لا ، فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز الأخذ ، ومع‌

______________________________________________________

الحفظ به ، وليس كذلك ، فإنه إذا كان وجوب طلب العلم موجباً لانتفاء القدرة جاز أخذ الزكاة ، فتحفظ بها بلا حاجة إلى الكسب. نعم لو لم يمكن له أخذ الزكاة لمانع خارجي تعين عليه الكسب ، ولم يجز له الاشتغال بطلب العلم. لكنه خارج عن محل الكلام. ومن ذلك يظهر : أن الوجوب الكفائي لا يجدي في جواز أخذها إذا وجد من يقوم به ، لأنه حينئذ لا يكون موجباً لانتفاء القدرة ، وإنما يكون كذلك إذا لم يوجد من يقوم به ، فيكون كالعيني. فلاحظ.

هذا كله في جواز إعطائه من سهم الفقراء. أما إعطاؤه من سهم سبيل الله فيجوز ، إذا كان العلم راجحاً شرعاً ، بناء على ما سيأتي ـ إن شاء الله ـ من أن موضوعه كل قربة. وكأن ما في المتن ، من جواز إعطائه إذا كان العلم مستحباً ، مبني على ذلك.

[١] يعني : لا يقصد من العلوم المذكورة المقدمية للعلم الراجح ، وإلا كانت راجحة ، فيجوز إعطاؤه إذا كان مشغولا بها لذلك. ثمَّ إنه لا بد من كون المقصود من التفقه في الدين القربة مع الإخلاص ، ليكون عبادة وخيراً ، وإلا فلا يكون من سبيل الله تعالى. نعم إذا كان مما يترتب عليه مصلحة محبوبة له تعالى كان من سبيل الله ، وان لم يقصد المتعلم القربة. وسيأتي في أواخر مسائل الختام ما له نفع في المقام.

٢٢٨

سبق العدم وحدوث ما يشك في كفايته يجوز ، عملا بالأصل في الصورتين [١].

( مسألة ١٠ ) : المدعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به ، وإن جهل الأمران ، فمع سبق فقره يعطى من غير يمين ، ومع سبق الغني ، أو الجهل بالحالة السابقة فالأحوط عدم الإعطاء [٢] ، إلا مع الظن بالصدق. خصوصاً في الصورة الأولى.

______________________________________________________

[١] الشك في الصورة الثانية ، تارة : يكون للشك في بقاء ماله وتلفه. وأخرى : للشك في كفاية ما ملكه جديداً بضميمة ما كان عنده ، كما لو كان عنده مائة درهم لا تكفيه ، فملك أخرى ، وشك في كفاية المائتين. وثالثة : للشك في كفاية ما عنده لبعض عياله ، كما لو كان يعول بعشرة لا تكفيهم مائة درهم ، فخرج عن عيلولته منهم خمسة ، فشك في كفاية المائة لهم. وكذا الحال في الصورة الأولى ، فإنه أيضاً يمكن تصوير اختلاف جهات الشك. وقد يشكل جريان الأصل في بعض الصور ، لكنه ضعيف ، كما لا يخفى بالتأمل.

[٢] المشهور : جواز إعطاء الفقير بمجرد دعوى الفقر ، من دون حاجة إلى يمين أو بينة. واستدل له : بأصالة عدم المال. أو أصالة الصحة في دعوى المسلم. أو أصالة العدالة فيه. أو لأن في مطالبته بالبينة أو اليمين إذلالاً له. أو لأن دعواه الفقر من الدعوى بلا معارض المقبولة. أو لتعذر إقامة البينة عليه ، فيشمله ما تضمن قبول الدعوى إذا كانت كذلك ، مثل ما ورد في المرأة المدعية أنها بلا زوج : « أرأيت لو كلفتها البينة تجد بين لابتيها من يشهد أن ليس لها زوج؟! » (١). أو لأن تكليف الفقير‌

__________________

(١) لم نجد ـ بهذا المضمون ـ رواية في الوسائل والمستدرك. نعم في الوسائل باب : ١٠ من أبواب المتعة حديث : ٥ ما يقرب من ذلك. وكذا في المستدرك باب : ٩ من الأبواب المذكورة حديث : ٢.

٢٢٩

( مسألة ١١ ) : لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة ، سواء كان حياً أو ميتاً [١].

______________________________________________________

بالبينة حرج عليه. أو لما يستفاد مما ورد فيمن نذر للكعبة أو أهدى إليها : « من أنه يباع ويؤخذ ثمنه ، وينادى على الحجر : ألا هل من منقطع نفذت نفقته ، أو قطع عليه ، فليأت فلان ابن فلان. فيعطى الأول فالأول حتى ينفذ الثمن » (١). أو لخبر عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : جاء رجل إلى الحسن (ع) والحسين (ع) ـ وهما جالسان على الصفا ـ فسألهما ، فقالا : إن الصدقة لا تحل إلا في دين موجع ، أو غرم مفضع ، أو فقر مدقع ، ففيك شي‌ء من هذا؟ قال : نعم ، فأعطياه .. » (٢) أو لمصحح عامر بن جذاعة : « رجل أتى أبا عبد الله (ع) فقال : يا أبا عبد الله قرض إلى ميسرة. فقال أبو عبد الله (ع) : إلى غلة تدرك؟ قال : لا. قال : إلى تجارة تؤدب؟ قال : لا والله. قال : عقدة تباع؟ قال : لا والله. فقال أبو عبد الله (ع) : فأنت ممن جعل الله له في أموالنا حقاً ، فدعا بكيس فيه دراهم .. » (٣).

وهذه الوجوه لا تخلو من نظر ، أو منع. فالعمدة السيرة القطعية على العمل بقوله. والتشكيك فيها في غير محله ، إذ لو كان بناء المسلمين على المطالبة بالبينة أو اليمين لكان في غاية الوضوح ، لكثرة الابتلاء في كل زمان ومكان ، فضلا عن أن يكون بحيث يخفى على العلماء الباحثين ، بنحو يكون القبول بمجرد الدعوى مظنة الإجماع عندهم. نعم القدر المتيقن حصول الوثوق نوعاً من الخبر ، فالعمل بمجرد الدعوى مع عدمه لا يخلو من إشكال.

[١] بلا خلاف ظاهر. ويشهد للأول صحيح ابن الحجاج : « سألت‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٢ من أبواب مقدمات الطواف.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث : ١.

٢٣٠

لكن يشترط في الميت أن لا يكون له تركة تفي بدينه [١] ،

______________________________________________________

أبا الحسن الأول (ع) عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم ، لا يقدرون على قضائه ، وهم مستوجبون للزكاة ، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال (ع) : نعم » (١) ، وخبر عقبة بن خالد قال له عثمان ابن بهرام : « إني رجل موسر ، ويجئني الرجل ويسألني الشي‌ء ، وليس هو إبان زكاتي ، فقال له أبو عبد الله (ع) : القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة ، وما ذا عليك إذا كنت مؤسراً كما تقول ـ أعطيته ، فإذا كان إبان زكاتك احتسبت بها من الزكاة » (٢). ونحوهما غيرهما.

ويشهد للثاني صحيح ابن أبي عمير ، عن هيثم الصيرفي وغيره ، عن أبي عبد الله (ع) : « القرض الواحد بثمانية عشر. وإن مات احتسب بها من الزكاة » (٣). ونحوه في ذلك خبرا يونس بن عمار (٤) وإبراهيم السندي (٥) ، وغيرهما.

[١] كما عن المبسوط والوسيلة والتذكرة والتحرير والدروس والبيان والمدارك التصريح به.لحسن زرارة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل حلت عليه الزكاة ، ومات أبوه وعليه دين ، أيؤدي زكاته في دين أبيه ، وللابن مال كثير؟ فقال (ع) : إن كان أورثه مالا ، ثمَّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه ، قضاه عنه من جميع الميراث ، ولم يقضه من زكاته. وإن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب المستحقين الزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

٢٣١

وإلا لا يجوز. نعم لو كان له تركة ، لكن لا يمكن الاستيفاء منها ـ لامتناع الورثة أو غيرهم ـ فالظاهر الجواز [١].

( مسألة ١٢ ) : لا يجب إعلام الفقير أن المدفوع إليه زكاة‌

______________________________________________________

فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه » (١).

وعن المختلف وظاهر المنتهى ونهاية الشيخ والحلي والمحقق في الشرائع والشهيد : أنهم جوزوا الوفاء مطلقاً ، عملا بالإطلاق ، الذي لا مجال له بعد ورود المقيد. نعم مورد النص وجملة من كلام الجماعة صورة القضاء عن الميت بالزكاة ، لا احتساب الدين عليه منها. لكن الظاهر أن المسألتين من باب واحد ، لإمكان التعدي عن مورد النص إلى المقام.

[١] كما عن المسالك والروضة ، ولم يستبعده في الجواهر. اقتصاراً في تقييد المطلق على محل اليقين. وفيه : أن التقييد لم يكن بدليل لبي ليقتصر فيه على محل اليقين ، بل إنما كان بدليل لفظي ، فيجب الأخذ بإطلاقه ، وهو شامل للفرض. إلا أن يكون المراد دعوى الانصراف إلى صورة إقدام الورثة على الوفاء ، لأن الميت حينئذ لا يكون محتاجاً إلى الزكاة في وفاء دينه. وهذا هو المدار في عدم جواز الاحتساب عليه ، حسب المفهوم من النص. ومثله : ما لو تلف المال بنحو لا يستوجب الضمان. فتأمل جيداً.

[٢] كما عن جمع كثير التصريح به ، بل عن غير واحد : الإجماع عليه. ويشهد له ـ مضافاً إلى إطلاق الأدلة ـ مصحح أبي بصير : « قلت لأبي جعفر (ع) : الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة ، فأعطيه من الزكاة ولا أسمي له أنها من الزكاة ، فقال (ع) : أعطه ولا تسم ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢٣٢

______________________________________________________

ولا تذل المؤمن » (١).

نعم يعارضه مصحح ابن مسلم : « قلت لأبي جعفر (ع) الرجل يكون محتاجاً ، يبعث إليه بالصدقة فلا يأخذها على وجه الصدقة ، يأخذه من ذلك ذمام واستحياء وانقباض ، أفنعطيها إياه على غير ذلك الوجه ، وهي منا صدقة؟ فقال (ع) : لا ، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها ، فان لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إياه. وما ينبغي له أن يستحيي مما فرض الله عز وجل ، إنما هي فريضة الله ، فلا يستحي منها » (٢). لكن إعراض الأصحاب عنه مانع عن صلاحيته للمعارضة. مع أن الأول نص في الجواز ، فلا يقوى الثاني على صرفه وإن كان ظاهراً في المنع ، كما لا يخفى. مضافاً إلى أن قوله : ( لا ) جواب عن إعطائها على وجه غير الزكاة ، بحيث يكون العنوان المغاير للزكاة مقصوداً له ، والمنع عن ذلك لا يلازم وجوب الاعلام. وأما قوله (ع) : « فان لم يقبلها على وجه الزكاة .. » فيمكن أن يكون المراد منه اعتبار قصد القابض للزكاة ولو إجمالا ، بحيث لا يكفي عدم قصدها أصلا ، أو قصد عنوان آخر مباين ، لا وجوب قصده للزكاة تفصيلا ، ليكون معارضاً للخبر الأول. وأما قوله (ع) : « وما ينبغي له .. » فعلى ظاهره لا يمكن الالتزام به ، فإن مذلة الفقر مما يحسن الحياء منها قطعاً. وقد مدح الله سبحانه المتعففين بقوله تعالى : ( يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ... ) (٣) فلا بد أن يحمل على إرادة التنفر النفسي من الزكاة ، كما يشير إليه ما في صدره ، من التعبير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) لاحظ صدر الرواية في الوسائل باب : ٥٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢ ، وذيلها في باب : ٥٧ من الأبواب المذكورة حديث : ١.

(٣) البقرة : ٢٧٣.

٢٣٣

______________________________________________________

بالانقباض منها ، الذي هو خلاف طيب النفس بها. وعلى هذا فالجمع بين الخبرين يقتضي عدم وجوب إعلام الفقير بأن المدفوع اليه زكاة. لكن لا بد من قصده إجمالا لها ، ولا يكفي عدم القصد ، ولا قصد العدم. لكن الذي يستفاد مما دل على جواز الاحتساب على الميت وعلى الحي ، ومما دل على كون اللام ليست للملك في قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ... ) (١) ، وأن الأنواع الثمانية مصرف للزكاة ، جواز دس الزكاة في مال الفقير ووضعها في كيسه ، ولو مع عدم العلم بذلك ، ولا قصده للتملك ، إذا كان بحيث يصرفها في حوائجه. ولا سيما بملاحظة شيوع استعمال الصدقة في الأوقاف العامة والخاصة ، التي لا تمليك فيها في مرتكزات المتشرعة. وما دل على جواز التكفير بالإشباع ، من غير قصد التمليك والتملك وغير ذلك ، مما يفهم منه أن الصدقة عبارة عن جعل الشي‌ء ليصرف بنفسه ـ أو بمنافعه ـ في جهات الخير والبر والإحسان. فالبناء على عدم جواز الدس بعد ذلك كله ـ لأجل الصحيح المذكور ـ لا يخلو من إشكال.

نعم يمكن دعوى تخصيص الصحيح بصورة التصدق بنفس التمليك ، فإنه لا يتحقق إلا بقصد التملك. أما لو أريد التصدق على الفقير ـ بإشباعه أو كسوته ، أو سقيه الدواء ، أو نحو ذلك من العناوين الخيرية غير الموقوفة على القصد ـ فلا موجب لاعتبار القصد من الفقير ، فضلا عن اعتبار إعلامه بذلك. ولأجل ذلك كله نقول بجواز احتساب ما في الذمة من رد المظالم ، لأن ذلك الإبراء تصدق خاص ، يكفي في صحته إطلاق ما دل على وجوب التصدق بمجهول المالك. ولو لا ما ربما يستفاد من نصوص الكفارة ، من وجوب أحد الأمرين ، من الإشباع والتمليك ، لأمكن الاكتفاء في التكفير بالاحتساب أيضاً ، إذا كان له دين على ستين مسكيناً طعاماً. وكذا الحال‌

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

٢٣٤

بل لو كان ممن يترفع ويدخله الحياء منها وهو مستحق ، يستحب دفعها إليه على وجه الصلة ظاهراً والزكاة واقعاً. بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذباً بعدم كونها زكاة جاز [١] ، إذا لم يقصد القابض عنواناً آخر غير الزكاة بل قصد مجرد التملك [٢].

( مسألة ١٣ ) : لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنياً ، فان كانت العين باقية ارتجعها [٣].

______________________________________________________

في جميع موارد التصدق.

وبالجملة : المفهوم من معنى الصدقة أنها تتحقق بصرف المال في كل وجه خيري ، سواء أكان بالاحتساب أم بغيره. غاية الأمر : أن بعض وجوه الخير معان عقدية تتوقف على القبول ، كالتمليك ، فلا يتحقق التصدق بالمال بنحو التمليك إلا مع قبول المتملك ، لا أن أصل المفهوم من معنى الصدقة يتوقف على القبول. وتفسير الصدقة بالعطية على وجه القربة في كلام الفقهاء وبعض اللغويين ، مبني على ملاحظة بعض مصاديقها. وكذا الحال في الخمس بالنسبة إلى سهم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل ـ بناء على أنهم مصرف ـ كما هو الظاهر. ولعله يأتي ما يتضح به الحال إن شاء الله تعالى. فلاحظ.

[١] لم يتضح الوجه المسوغ للكذب الذي هو أحد الكبائر. اللهم إلا أن تكون هناك مصلحة واجبة.

[٢] قد عرفت : أنه يجب حينئذ قصد التملك مطلقاً ولو كان المدفوع زكاة.

[٣] إن كان المدفوع قد تعين زكاة قبل الدفع ـ بعزل ونحوه ـ فالارتجاع واجب مقدمة لوجوب أداء الزكاة ، وإن لم يكن قد تعين زكاة‌

٢٣٥

وكذا مع تلفها [١] إذا كان القابض عالماً بكونها زكاة ، وإن كان جاهلا بحرمتها للغني [٢]. بخلاف ما إذا كان جاهلا بكونها زكاة ، فإنه لا ضمان عليه [٣]. ولو تعذر الارتجاع ، أو تلفت بلا ضمان أو معه ، ولم يتمكن الدافع من أخذ العوض ، كان ضامناً ، فعليه الزكاة مرة أخرى [٤]. نعم لو كان الدافع‌

______________________________________________________

فلا موجب للارتجاع. إلا إذا توقف عليه أداء الزكاة ، لانحصار ماله فيه ، أو نحو ذلك. نعم لا ينبغي التأمل في جواز الارتجاع على كل حال حينئذ لأنه ماله وباق تحت سلطنته. وعن المعتبر : القطع بعدم جواز ارتجاعها ، لأن الظاهر كونها صدقة مندوبة لا رجوع فيها. وعن المنتهى : العدم أيضاً ، معللا : بأنه محتمل الأمرين ، أي : الصدقة الواجبة والمندوبة. لكن ظاهر التعليلين كون محل كلامهما صورة الجهل بالحال ، منهما ، أو من الحاكم مع تنازعهما ، وهو غير ما نحن فيه الذي هو حكم الواقعة في نفسها ، كما لا يخفى.

[١] لضمانها بعموم : « على اليد .. » ، فيجري فيه حكم الأخذ مع بقاء العين.

[٢] إذ الجهل بحرمتها للغني لا يمنع من عموم دليل الضمان للمقام ، وإنما يمنع عن الإثم بالقبض إذا كان عن قصور. ومثله : لو كان جاهلا بكونه غنياً للشبهة الحكمية ، أو الموضوعية.

[٣] مقتضى عموم : « على اليد .. » هو الضمان. غاية الأمر : أنه إذا كان معذوراً من قبل الدافع ، جاز له الرجوع عليه لقاعدة الغرور. وكذا لو كان مغروراً من شخص ثالث ، جاز له الرجوع عليه أيضاً. ولو لم يكن الآخذ مغروراً من أحد استقر عليه ضمانها.

[٤] كما هو المنسوب إلى المفيد وأبي الصلاح وغيرهما. لأصالة الاشتغال وعموم ما دل على أنها كالدين. ولقاعدة الشركة في العين. ولأن الموضوع‌

٢٣٦

______________________________________________________

في غير موضعه بمنزلة العدم. ولما دل على لزوم إعادة المخالف زكاته ، معللا : بأنه لم يضعها في موضعها. ولمرسل الحسين بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل يعطي زكاة ماله رجلا وهو يرى أنه معسر ، فوجده موسراً. قال (ع) : لا يجزئ عنه » (١).

ويمكن أن يستشكل في الأول : بأن المراد بالاشتغال إن كان اشتغال الذمة بالأداء فهو فرع بقاء موضوعه ، وهو الزكاة ، وإن كان اشتغالها بالعين فهو مبني على كونها في الذمة لا في العين. وأما عموم ما دل على أنها كالدين فممنوع. والظاهر من النص تنزيلها منزلة الدين في الإخراج من أصل المال ، إذا كانت مضمونة في ذمة المالك ، لا مطلقاً. فلاحظه. وأما قاعدة الشركة فإنما تقتضي المنع من التصرف في المشترك بدون إذن الشريك ، والمفروض أن ذلك جائز للمالك ، غاية الأمر : أن التصرف بالدفع لم يكن في محله خطأ منه وقصوراً ، واقتضاء ذلك للضمان كلية أول الكلام. ومثله : كون الموضوع في غير محله بمنزلة العدم مطلقاً. وأما النص فمعارض بمصحح عبيد عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : رجل عارف أدى زكاته إلى غير أهلها زماناً هل عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال (ع) نعم. قال : قلت : فان لم يعرف لها أهلا فلم يؤدها ، أو لم يعلم أنها عليه فعلم بعد ذلك؟ فقال : يؤديها إلى أهلها لما مضى. قال : قلت له : فان لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل ، وقد كان طلب واجتهد ثمَّ علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال : ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى » (٢). وقريب منه مصحح زرارة (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

٢٣٧

______________________________________________________

لكن الانصاف : ظهور الصحيحين ـ بقرينة وصف الرجل الدافع بالعارف ـ في إرادة الدفع إلى غير العارف ، فلا يكونان مما نحن فيه ، كما ذكر في المدارك. فلا بأس بالعمل بالمرسل. ولا يقدح إرساله ، فإن مرسلة ابن أبي عمير الذي قيل : « إنه لا يروي ، ولا يرسل إلا عن ثقة ». ولا سيما مع اعتضاده بالتعليل الوارد في زكاة المخالف. مع أنه بناء على كون الزكاة في الذمة أو في العين فسقوطها بالأداء لغير المستحق لا دليل عليه ، والأصل ينفيه. نعم لو كانت الزكاة معزولة ، فضمانها بالدفع المذكور ـ الذي لا تفريط فيه ، لكونه جرياً على القواعد الشرعية الظاهرية ـ غير ظاهر. والدفع إلى غير المستحق ليس عزلا ، إذ نية كونه زكاة منوطة بقبض المستحق ، ولذا يجوز له العدول قبل القبض. ومثله : دعوى الضمان بالإتلاف ، إذ لا إتلاف بالدفع المذكور ، ولذا نقول بضمان المدفوع إليه بالقبض ، بعموم : « على اليد .. ». نعم إذا تعذر أخذها من المدفوع إليه ، كان ضمانها على الدافع للحيلولة.

والمتحصل : أنه لو كانت الزكاة متعينة فلو دفعها إلى غير المستحق اعتماداً على حجة ، فالأصل البراءة من ضمانها. والتعليل الوارد في زكاة المخالف محمول على غير هذه الصورة ، لئلا يكون تعليلا تعبدياً ، وهو خلاف ظاهره. ولو دفعها اليه بلا حجة كان تفريطاً موجباً للضمان. ولو كانت الزكاة غير معينة ، بل كانت في ذمته أو في النصاب ، وأراد تخليص ذمته أو نصابه منها فدفعها إلى غير المستحق ، فالأصل يقتضي عدم حصول التخليص بذلك ، وظاهر المرسل الضمان في جميع الصور ، فالاعتماد عليه في ذلك في محله. وأما صحيح عبيد وزرارة فلا ينبغي الاستدلال بهما على المقام لما سبق من كونهما في غير ما نحن فيه.

ومن ذلك كله يظهر لك ضعف القول بعدم الضمان مطلقاً ، كما عن‌

٢٣٨

هو المجتهد أو المأذون منه ، لا ضمان عليه [١] ، ولا على المالك الدافع إليه.

( مسألة ١٤ ) : لو دفع الزكاة إلى غني ، جاهلا بحرمتها عليه أو متعمداً ، استرجعها مع البقاء [٢] ، أو عوضها مع التلف [٣] وعلم القابض. ومع عدم الإمكان يكون عليه مرة أخرى [٤]. ولا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة وغيرها وكذا في المسألة السابقة. وكذا الحال لو بان أن المدفوع اليه‌

______________________________________________________

المبسوط وغيره. كما يظهر أيضاً ضعف القول بالتفصيل : بين ما إذا اجتهد فلا ضمان ، وما لم يجتهد فيضمن ، كما عن المعتبر والمنتهى. اللهم إلا أن يستدل على هذا بفحوى الصحيحين المذكورين ، كما ذكره في المدارك. لكن الفحوى غير ثابتة ، كما يظهر مما يأتي : من دعوى الإجماع إذا تبين الخطأ فيما عدا شرط الفقر. فلاحظ. والله سبحانه أعلم.

[١] بلا خلاف كما عن المنتهى. وعن غير واحد : الاستدلال عليه : بأن امتثال الأمر الظاهري يقتضي الاجزاء. وفيه : أن المحقق في محله خلاف ذلك. فالعمدة ما ذكرنا في الزكاة المعزولة ، من أنه لا موجب للضمان ، لأن الجري على مقتضى القواعد الشرعية يمنع من صدق التفريط المستتبع للضمان. ومن هنا يختص الحكم بصورة العمل على مقتضى الحجة ، فلو عمل لا عليها كان مفرطاً ضامناً.

[٢] لعدم ملكه لها بالقبض.

[٣] لضمانها باليد. نعم لو كان مغروراً من قبل الدافع رجع على الدافع بالقيمة ، واستقر الضمان عليه ، وإلا فعليه ضمانها وإن كان جاهلا.

[٤] يظهر الكلام هنا مما سبق في المسألة السابقة ، من أنه إذا كانت‌

٢٣٩

كافر أو فاسق إن قلنا باشتراط العدالة ، أو ممن تجب نفقته عليه ، أو هاشمي إذا كان الدافع من غير قبيلة.

( مسألة ١٥ ) : إذا دفع الزكاة باعتقاد أنه عادل فبان فقيراً فاسقاً ، أو باعتقاد أنه عالم فبان جاهلا ، أو زيد فبان عمراً ، أو نحو ذلك ، صح وأجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد ، بل كان من باب الاشتباه في التطبيق [١]. ولا يجوز استرجاعه‌

______________________________________________________

معزولة فضمانها يتوقف على تحقق التعدي أو التفريط ، وإن كانت غير معزولة فبراءة الذمة منها أو خلو المال عنها موقوف على سبب غير ثابت ، فالأصل يقتضي الضمان. وكذا الكلام في تخلف بقية الصفات. لكن المشهور فيه عدم الضمان ، بل في المختلف : أنه إجماع.

واستدل له تارة : بالصحيحين المتقدمين (١). وقد عرفت إشكاله وأخرى : بقاعدة الاجزاء. وقد تحرر في محله : عدم الدليل على إجزاء الامتثال الظاهري عن الواقع. وثالثة : بأن الموضوع الظاهري موضوع للحكم الواقعي ، فالزكاة حق لمن ثبت كونه مؤمناً ، أو عادلا ، أو غير واجب النفقة ، أو نحو ذلك ، وإن لم يكن كذلك في الواقع. وفيه : أن المستفاد من أدلة الشرائط خلاف ذلك ، وأن موضوع الحكم هو الجامع للصفات المذكورة واقعاً. غاية الأمر : أنه إذا ثبت الجامع لها ظاهراً ثبت الإجزاء الظاهري ، فإذا انكشف الخلاف وجب ترتيب الأثر على الواقع ، كما لا يخفى بالتأمل. فعموم الحكم بالاجزاء لجميع صور تخلف الشرائط ـ غير الايمان ـ غير ظاهر. نعم لا بأس بالقول بالاجزاء في خصوص تخلف شرط الايمان للصحيحين. اللهم إلا أن يكون المستند في عموم الحكم الإجماع.

[١] بأن تكون الجهات المذكورة ملحوظة خارجة عن موضوع القصد‌

__________________

(١) لاحظ المسألة السابقة.

٢٤٠