مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

من أجرة الفلاح ، والحارث ، والساقي ، وأجرة الأرض إن كانت مستأجرة ، وأجرة مثلها إن كانت مغصوبة ، وأجرة الحفظ ، والحصاد ، والجذاذ ، وتجفيف الثمرة ، وإصلاح موضع التشميس ، وحفر النهر [١] وغير ذلك ، كتفاوت نقص الآلات والعوامل ، حتى ثياب المالك ونحوها. ولو كان سبب النقص مشتركاً بينها وبين غيرها وزع عليهما بالنسبة.

( مسألة ١٧ ) : قيمة البذر إذا كان من ماله المزكى ، أو المال الذي لا زكاة فيه [٢] من المؤن.

______________________________________________________

القول باستثناء اللاحقة دون السابقة ، أما عكسه فليس بمحتمل.

[١] لا يخلو إطلاقه من نظر ، فان حفر النهر الكبير الذي تعد به الأرض من الحية ـ أعني : القابلة للزراعة بالقابلية القريبة من الفعلية ، في قبال الميتة ، غير القابلة للزراعة ـ معدود من مؤن الأرض وإحيائها ، لا من مؤن الزرع. نعم حفر النهر الصغير في الأرض المحياة ـ كما يسمى في زماننا بالمحمولة أو بالمطان ـ معدود عرفاً من مؤن الزرع.

[٢] أما إذا كان من المال الذي فيه الزكاة فلا فرق بين استثنائه وعدمه ، لوجوب الزكاة فيه على كلتا الحالين. نعم تفترق الحالتان من جهتين أخريين : ( إحداهما ) : ما إذا كان متمماً للنصاب ، فان استثناءه موجب لنقص النصاب وانتفاء الزكاة بالمرة ، إلا ما وجب فيه أولا. ( ثانيتهما ) : ما إذا اختلف مقدار الزكاة الواجبة فيه والزكاة الواجبة في الزرع بأن كان الزرع مما سقي بالدلاء وبذره مما سقي سيحاً ، أو بالعكس. وفي هاتين الحالتين لا بد من العمل على الاستثناء ، لأنه من المؤن على كل حال ، والبناء على عدم الاستثناء في غير الفرضين من جهة عدم الثمرة المترتبة عليه ، فاذا فرض ترتبها على‌

١٦١

والمناط قيمته يوم تلفه [١] ، وهو وقت الزرع.

______________________________________________________

الاستثناء وجب البناء عليه ، كما لا يخفى.

[١] قال في المسالك في مقام تعداد المؤن : « وعين البذر إن كان من ماله المزكى فالمؤنة عينه. ولو اشتراه تخير بين استثناء ثمنه وعينه .. » وعن البيان : « لو اشترى بذراً فالأقرب أن المخرج أكثر الأمرين من الثمن والقدر. ويحتمل إخراج القدر خاصة ، لأنه مثلي .. ». وتنظر فيه في الجواهر : « بأن الذي يعد أنه من مؤن الزرع ، وصار هو سبباً لإتلافه عين البذر لا ثمنه. ولو منع ذلك وجعل نفس الثمن لم يؤخذ القدر. وبالجملة : التخيير المزبور لا يخلو من نظر ، أو منع .. ».

أقول : لعل وجهه : أنه كما يصدق على البذر أنه محتاج اليه الزرع يصدق على المال الذي يشترى به البذر أنه محتاج اليه الزرع ، لتوقف الزرع على كل منهما. غاية الأمر : أن أحدهما مقدمة للآخر ، والبذر مقدمة قريبة ، وثمنه مقدمة بعيدة. فكل منهما مئونة لا في عرض واحد ، بل أحدهما في طول الآخر ، فاستثناؤهما معاً غير ممكن ، واستثناء أحدهما بعينه ترجيح بلا مرجح. ولأجل أنه لا يمكن البناء على عدم استثنائهما معاً ، كان اللازم استثناء أحدهما لا بعينه ، ومفاده التخيير.

وهكذا الحال في جميع المقدمات الطولية. فلو كان عين البذر لا يشترى إلا بالأرز ، والأرز لا يشترى إلا بالسمسم ، والسمسم لا يشترى إلا بالدراهم فاشترى السمسم بالدراهم ، والأرز بالسمسم ، والبذر بالأرز ، تخير بين استثناء الدراهم والسمسم والأرز والبذر. وهكذا الحال في أجرة العامل.

اللهم إلا أن يقال : ليس المراد من المؤنة ما يحتاج اليه الزرع ليصدق على كل من المقدمات الطولية ، بل خصوص الخسارة المالية ، وثمن البذر ليس منها ، لوجود بدله ، بخلاف نفس البذر التالف بنثره في الأرض.

١٦٢

( مسألة ١٨ ) : أجرة العامل من المؤن ، ولا يحسب للمالك أجرة [١] إذا كان هو العامل ، وكذا إذا عمل ولده أو زوجته بلا أجرة ، وكذا إذا تبرع به أجنبي. وكذا لا يحسب أجرة الأرض التي يكون مالكاً لها ، ولا أجرة العوامل إذا كانت مملوكة له.

( مسألة ١٩ ) : لو اشترى الزرع فثمنه من المؤنة ، وكذا لو ضمن النخل والشجر. بخلاف ما إذا اشترى [٢] نفس الأرض والنخل والشجر. كما أنه لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها.

______________________________________________________

لكن عليه لو اشترى البذر بأكثر من قيمته ـ لأجل الاضطرار ، أو أنه صارت قيمته وقت النثار الذي هو زمان الخسارة أقل من قيمته حال الشراء ـ وجب أن نلتزم باستثناء التفاوت بين القيمتين ، مضافاً الى استثناء عين البذر ولو زادت قيمته حال النثار على الثمن استثنى أيضاً نفس القيمة الزائدة ، فيتعين البناء على استثناء أكثر الأمرين من قيمة البذر وقت التلف وثمنه.

نعم قد يشكل ذلك : بأنه لما كان الشراء للزرع ، فاذا زادت قيمته وقت النثار تحسب الزيادة عرفاً للزرع لا للزارع ، فالخسارة لا تكون إلا الثمن ، فيتعين استثناؤه لا غير. وإذا لم يشتره يتعين استثناؤه بعينه لا غير. وإن نقصت قيمته ، فإنه لا يعد خسارة ، وإنما يكون فوات نفع.

[١] لما عرفت من أن المراد منها الخسارة المالية ، وعمل العامل ليس منها ، وكذا عمل المتبرع ، من ولده أو زوجته أو أجنبي ، وكذا أجرة الأرض والعوامل ، فان ذلك من قبيل فوات منفعة لا خسارة مالية.

[٢] فان ذلك ليس معدوداً من مؤن الزرع ، بل من مؤن ملك الأرض.

١٦٣

( مسألة ٢٠ ) لو كان مع الزكوي غيره فالمؤنة موزعة عليهما إذا كانا مقصودين. وإذا كان المقصود بالذات غير الزكوي ، ثمَّ عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل ، لم يحسب من المؤن. وإذا كان بالعكس حسب منها.

( مسألة ٢١ ) : الخراج الذي يأخذه السلطان أيضاً يوزع على الزكوي وغيره.

( مسألة ٢٢ ) : إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة الأولى. وإن كان الأحوط التوزيع [١] على السنين.

( مسألة ٢٣ ) : إذا شك في كون شي‌ء من المؤن أو لا لم يحسب منها [٢].

______________________________________________________

وكذا ثمن العوامل فان ما يعد مئونة عملها ، لأنفسها ، ولا ثمنها. فالمال المبذول بإزاء العمل من المؤنة ، والمال المبذول بإزاء العين ليس منها.

هذا ولا يظهر الفرق بين المقام ومئونة السنة التي تستثنى في الخمس ، فإذا بني على استثناء نفس العين التي يحتاج إليها هناك ، كان اللازم البناء عليه هنا. إلا أن يفرق : بإجمال الدليل هنا ، وظهوره هناك. فلاحظ.

[١] في كونه الأحوط إشكال ظاهر ، فإنه إذا كان مئونة للسنة الأولى فقط تجب الزكاة في الثانية ، وإن لم يبلغ الحاصل النصاب على تقدير الاستثناء.

[٢] لإطلاق الأدلة الذي يجب الرجوع اليه مع إجمال المقيد ، ويقتصر في تقييده على القدر المتيقن. لكن ذلك ليس من وظيفة العامي ، بل من وظيفة المجتهد الذي يرجع إليه في الاحكام والموضوعات المستنبطة. وحمل العبارة على الشبهة الموضوعية بعيد جداً.

١٦٤

( مسألة ٢٤ ) : حكم النخيل والزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد ، فيضم الثمار بعضها إلى بعض وإن تفاوتت في الإدراك ، بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر [١]. وعلى هذا فاذا بلغ ما أدرك منها نصاباً أخذ منه ، ثمَّ يؤخذ من الباقي قل أو كثر [٢]. وإن كان الذي أدرك أولا أقل من النصاب ، ينتظر به حتى يدرك الآخر ويتعلق به الوجوب ، فيكمل منه النصاب ويؤخذ من المجموع. وكذا إذا كان نخل يطلع في عام مرتين يضم الثاني إلى الأول [٣] ، لأنهما ثمرة سنة واحدة. لكن لا يخلو عن إشكال ، لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين ، كما قيل.

______________________________________________________

[١] بلا خلاف أجده فيه ، كما في الجواهر ، وعن المنتهى : « لا نعرف في هذا خلافاً .. » ، وعن التذكرة : « هو مما أجمع عليه المسلمون .. » ويقتضيه إطلاق الأدلة ، كما في الجواهر وغيرها. ولا يخلو من تأمل ، كما سيأتي.

[٢] كما ذكره غير واحد ، منهم المحقق في الشرائع.

[٣] كما في الشرائع. ونسب إلى الأشهر تارة ، والى المشهور أخرى. خلافاً لما عن المبسوط والوسيلة : من عدم الضم. واستدل للأول : بإطلاق الأدلة. واستشكله غير واحد : بعدم ثبوت هذا الإطلاق. قال في الجواهر : « لكن الانصاف عدم خلو المسألة عن الإشكال ، ضرورة عدم تعليق الحكم ـ في شي‌ء من النصوص ـ على اتحاد المال بمجرد كونه في عام واحد وأهل. العرف لا يشكون في صدق التعدد عليهما. خصوصاً إذا فصل بين الثمرتين زمان معتد به. وما حال ذلك إلا كحال الثمرة التي أخرجت‌

١٦٥

( مسألة ٢٥ ) : إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة ، لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على أنه فرضه [١] ، وإن كان بمقدار لو جف كان بقدر ما عليه من التمر. وذلك لعدم‌

______________________________________________________

معجزة في تلك السنة .. ». ودعوى : أنه ليس المراد من الوحدة في الزمان اليوم ولا الشهر ولا العمر ، فيتعين أن يكون المراد منها الوحدة في العام ، عهدتها على مدعيها.

[١] كما عن جماعة ، منهم الشيخ والعلامة في أكثر كتبه ، والشهيدان وغيرهم ، بل قيل : إنه المعروف. لعدم كونه من أفراد الفريضة. وإطلاق التمر على الرطب مبني على المسامحة ، فلا يعول عليه. ولو سلم كان اللازم الاجتزاء به وإن لم يبلغ مقدار الفريضة لو جف ، ولم يقل به أحد. فإن المحكي عن المنتهى الجواز بالشرط المذكور.

ومحصل الكلام : أنه إن بني على أن زمان التعلق هو زمان التسمية تمراً أو زبيباً ، فلا ينبغي التأمل في عدم إجزاء الرطب والعنب على أنه الفريضة ، لانتفاء الاسم. وان بني على المشهور ـ من أن زمان التعلق زمان بدو الصلاح ـ ففي حال كونه رطباً أو عنباً يكون موضوعاً للزكاة.

وحينئذ نقول : إن قولهم (ع) : « ففيه العشر ، أو نصف العشر .. » إما أن يراد منه الكسر المشاع ، أو الكلي في المعين ، أو الحق في المعين. فعلى الأول لا يجوز دفع كل من الرطب والتمر عن الآخر ، ولا دفع كل من العنب والزبيب عن الآخر ، ولا دفع أحدهما عن الزكاة الواجبة في مجموعهما. كما لا يجوز دفع نوع بعينه إذا كان الزكوي مختلطاً من أنواع شتى ، ولا ذي وصف بعينه إذا كان النصاب مختلطاً من ذوات أوصاف شتى ، لأن ذلك كله ليس من مصاديق الكسر المشاع ، بل يجب الدفع من كل واحد من الأنواع ، أو ذوات الأوصاف على النسبة.

١٦٦

كونه من أفراد المأمور به. نعم يجوز دفعه على وجه القيمة. وكذا إذا كان عنده زبيب لا يجزي عنه دفع العنب ، إلا على وجه القيمة ، وكذا العكس فيهما. نعم لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه الرطب فريضة. وكذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة. وهل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر والزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة أو لا؟ لا يبعد الجواز. لكن الأحوط دفعه من باب القيمة أيضاً ، لأن الوجوب تعلق بما عنده. وكذا الحال في الحنطة والشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة أخرى أو شعير آخر.

( مسألة ٢٦ ) : إذا أدى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة ، لا يكون من الربا ، بل هو من باب الوفاء [١].

______________________________________________________

وعلى الثاني يجوز الدفع من أي نوع من العين ، ومن أي موصوف منها ، ولا يجب التوزيع ، لأن كل ما يفرض مساوياً للعشر فهو مصداق لذلك الكلي. ولكن لا يجوز الدفع من غير العين ، لأنه غير مصداق الكلي في المعين.

وعلى الثالث يجوز الدفع من غير العين ، ولو لم يكن مساوياً للعين في النوع أو الوصف ، لأنه مصداق للواجب في الذمة. واللازم حينئذ تحقيق ما هو ظاهر الأدلة من المعاني المذكورة. ومقتضى بناء المصنف (ره) على الثاني جواز دفع الرطب إذا كان بعض النصاب ، وكذا دفع التمر عن الرطب ومثله : دفع العنب عن الزبيب وعكسه. بل يجوز دفع البسر عن التمر. ودفع الحصرم عن الزبيب ، والبسر عن التمر. فتأمل جيداً. وسيجي‌ء ـ إن شاء الله تعالى ـ تحقيق ما هو الظاهر. فانتظر.

[١] كما نص عليه في الجواهر وغيرها. والربا إنما يكون في المعاملات‌

١٦٧

( مسألة ٢٧ ) : لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب ، وجبت الزكاة [١] مع بلوغ النصاب. أما لو مات قبله وانتقل إلى الوارث ، فان بلغ نصيب كل منهم النصاب وجب على كل زكاة نصيبه ، وإن بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه ، وإن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم.

( مسألة ٢٨ ) : لو مات الزارع أو مالك النخل والشجر وكان عليه دين ، فاما أن يكون الدين مستغرقاً أو لا. ثمَّ إما أن يكون الموت بعد تعلق الوجوب ، أو قبله بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضاً. فإن كان الموت بعد تعلق الوجوب وجب إخراجها ، سواء كان الدين مستغرقاً أم لا ، فلا يجب التحاص مع الغرماء [٢] لأن الزكاة متعلقة بالعين. نعم لو‌

______________________________________________________

التي ليس الوفاء منها. هذا وقد تقدم في النقدين : الإشكال في جواز دفع القيمة من الجنس.

[١] يعني : على الميت ، فينتقل إلى الورثة من التركة ما يزيد على مقدار الزكاة.

[٢] كما هو المشهور شهرة عظيمة. خلافاً للشيخ (ره) في المبسوط ، فذهب إلى وجوب التحاص. وهو في محله لو لم تكن الزكاة متعلقة بالعين أصلا ، إذ هي حينئذ كسائر الديون ، فلا مرجح لها عليها. أما بناء على تعلقها بالعين ، فان كان بنحو الشركة ـ أو الكلي في المعين ـ فعدم التحاص ظاهر ، لأن مقدار الزكاة غير مملوك للميت ، فلا وجه لصرفه في وفاء دينه. وان كان بنحو تعلق حق الرهانة ، فينبغي أن يكون كذلك أيضاً ،

١٦٨

تلفت في حياته بالتفريط وصار في الذمة ، وجب التحاص بين أرباب الزكاة وبين الغرماء [١] كسائر الديون. وإن كان الموت قبل التعلق وبعد الظهور ، فان كان الورثة قد أدوا الدين قبل تعلق الوجوب من مال آخر ، فبعد التعلق يلاحظ بلوغ حصتهم النصاب [٢] وعدمه ، وإن لم يؤدوا إلى وقت التعلق ، ففي الوجوب وعدمه إشكال [٣]. والأحوط الإخراج مع الغرامة‌

______________________________________________________

لأن صرف ما يساوي الزكاة في الدين تفويت للحق ، وهو غير جائز ، لقاعدة السلطنة على الحقوق ، كقاعدة السلطة على الأموال.

فإن قلت : في صرفه للزكاة تفويت لحق الديان المتعلق بالتركة. قلت : حق الزكاة مانع عن تعلق حق الديان ، لما عرفت من أن حق الزكاة موجب لقصور سلطنة الميت عن التصرف في موضوعه ، فيمتنع تعلق حق الديان ، لأن مرجع الحق المذكور الى تضييق سلطنة الوارث في غير الوفاء ، فاذا كانت سلطنته قاصرة ـ لقصور سلطنة الموروث ـ لا مجال لتعلق الحق المذكور. نعم لو كان الحق من قبيل حق الجناية بنحو لا يمنع من تصرف الميت ، كان حق استيفاء الدين في محله. لكنه لا يسقط الزكاة ، فيبقي حق استيفائها حتى من الدائن الذي قد استوفي حقه من التركة باقياً بحاله ، فتؤخذ الزكاة من الدائن. وكذا الحال في أمثال المورد من أنواع الحقوق.

[١] إذ لا حق هنا يصلح للترجيح.

[٢] لأن التعلق بملكهم ، فلا بد فيه من وجود شرطه ، وهو بلوغ حصة كل منهم قدر النصاب ، فمن لم تبلغ حصته ذلك القدر لم يجب في ماله شي‌ء.

[٣] ينشأ : من الإشكال في تعلق حق الديان بالتركة ، على نحو يمنع‌

١٦٩

للديان أو استرضاؤهم. وأما إن كان قبل الظهور وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة ، بناء على انتقال [١] التركة إلى الوارث وعدم تعلق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه وأنه للوارث من غير تعلق حق الغرماء به [٢].

______________________________________________________

من تصرف الوارث فيه ، فينتفي شرط تعلق الزكاة وعدمه. وقد أشرنا في بعض مباحث مكان المصلي إلى أن ظاهر جملة من النصوص : أن ما يقابل الدين من التركة باق على ملك الميت لا ينتقل الى الوارث ، فلا يجوز له التصرف فيه ، فلا يكون فيه الزكاة. نعم لو ضمن الورثة الدين ، ورضي الدائن بذلك صح الضمان ـ كما تضمنه الصحيح ـ وبرئت ذمة الميت من الدين وكانت التركة للورثة ، كما لو لم يكن دين أصلا.

[١] قد عرفت الإشكال في الانتقال.

[٢] إذا بنينا على بقاء ما يساوي الدين على ملك الميت فالنماء الحادث بعد الموت يتبعه ، فيوزع عليه الدين وعلى الأصل بالنسبة. فإذا كان الدين عشرين ، والأصل ثلاثين ، يكون ثلث الأصل باقياً على ملك الميت ، فاذا نما نماء قيمته عشرة ، كان مجموع الأصل والنماء أربعين ، فيكون نصف الأصل ونصف النماء على ملك الميت ، فنصف النماء الثاني يوزع على الورثة ، فإذا بلغت حصة أحدهم النصاب وجبت فيه الزكاة. وإذا قلنا بانتقال التركة إلى الوارث ، ويتعلق بها حق الديان كحق الرهانة ، فالنماء وإن كان تابعاً للأصل في الملك ، لكنه غير تابع له في تعلق الحق. وحينئذ يكون جميعه ملكاً للوارث ، فتتعلق الزكاة بحصة كل منهم من المجموع إذا بلغت النصاب.

نعم يشكل هذا القول في مثل الزرع ، مما يكون النماء فيه موجباً لسقوط الأصل عن المالية ، لأن النماء إذا لم يتعلق به حق الدين لم يبق‌

١٧٠

( مسألة ٢٩ ) : إذا اشترى نخلا أو كرماً أو زرعاً ـ مع الأرض أو بدونها ـ قبل تعلق الزكاة ، فالزكاة عليه بعد التعلق [١] ، مع اجتماع الشرائط. وكذا إذا انتقل إليه بغير الشراء. وإذا كان ذلك بعد وقت التعلق فالزكاة على البائع فإن علم بأدائه أو شك في ذلك ليس عليه شي‌ء [٢] ، وإن علم‌

______________________________________________________

من الأصل ما يمكن وفاء الدين به. والالتزام بتبعية النماء فيه للأصل ـ في تعلق الحق به ـ لا وجه له ظاهر. والالتزام بسقوط حق الديان فيه أشكل. وهذا مما يستوجب القول ببقاء ما يقابل الدين من التركة على ملك الميت ، من دون انتقال الى الوارث.

[١] لأنها تتعلق الزكاة بملكه ، لا بملك البائع.

[٢] قد يشكل ذلك بمخالفته لأصالة عدم أداء الزكاة ، وان كان الانتقال إليه بمعاوضة ونحوها ، لأن إثبات خلو المال عن الزكاة ـ بقاعدة الصحة الجارية في المعاملة أو نحوها ـ يختص بالشك الحادث بعد المعاملة ، بل قد قيل : إنه يختص بخصوص صورة احتمال التفاته حين المعاملة ، وعلمه بوجوب الأداء ، فلا تجري أصالة الصحة إلا في تلك الصورة لا غير ، فضلا عما إذا كان الانتقال بالموت ونحوه من الأسباب التي لا تتصف بالصحة والفساد. اللهم إلا أن يتمسك باليد ، فتجعل أمارة على الملكية الطلقة.

نعم ظاهر المشهور عدم حجية اليد إذا كانت مسبوقة بكونها أمانة أو عادية ، لاستصحاب كونها كذلك. وفيه : أن عنوان اليد الأمانية أو العادية لم يؤخذ عدمه قيداً في موضوع حجية اليد ، كي يكون الاستصحاب جارياً في قيد الموضوع الشرعي ، فيكون حجة. كيف واليد حجة مطلقاً ولو احتمل كونها يد أمانة أو عادية؟ غاية الأمر إنه إذا علم بكون اليد أمانة أو عادية فقد علم بعدم الملكية ، فلا مجال لجعل الحجية على الملكية‌

١٧١

بعدم أدائه فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي ، فان أجازه الحاكم الشرعي طالبه بالثمن [١] بالنسبة إلى مقدار الزكاة ، وإن دفعه إلى البائع رجع ـ بعد الدفع إلى الحاكم ـ عليه ، وإن‌

______________________________________________________

لأن الأحكام الظاهرية يمتنع جعلها في ظرف العلم بالواقع ، لا أن موضوع الحجية اليد التي ليست يد أمانة أو عادية ، فإن ذلك غير معقول ، لأنه إذا كانت اليد ليست أمانة ولا عادية فهي مالكة واقعاً. وحينئذ لا مجال لجعل الحكم الظاهري المحتمل المصادفة للواقع والمخالفة. مع أنه يلزم عدم جواز التمسك باليد على الملكية ، لأن الشك في الملكية ملازم للشك في الأمانة والعدوان ، ومع الشك في عنوان العام لا يجوز الرجوع الى العام ، كما هو ظاهر. اللهم إلا أن يرجع إلى استصحاب عنوان العام ، أعني : استصحاب عدم كونها أمانة أو عادية. لكنه يختص ذلك بما إذا كانت مسبوقة بالعلم بعدم كونها كذلك ، وإلا فلا أصل ينفي كونها كذلك إلا استصحاب العدم الأزلي الذي هو محل الاشكال بين الاعلام.

نعم يمكن أن يقال : إن حجية اليد عند العقلاء مختصة بما إذا لم تكن مسبوقة بالأمانة والعدوان ، ولا تشمل المسبوقة بذلك ، والدليل الدال على الحجية منزل على ذلك. وعليه يشكل جعلها حجة على الملكية في الموارد التي تعارف فيها القبض بالسوم قبل الشراء ثمَّ تشتري بعد ذلك ، والأعيان التي تكون بأيدي الدلالين التي يعلم بكون حدوث يدهم بالولاية والوكالة ويجهل الحال بعد ذلك ، وغير ذلك.

[١] يعني : طالب المشتري بالثمن. وهذا يتوقف على أن يكون تعلق الزكاة من تعلق الجزء المشاع أو الكلي في المعين. أما إذا كان بنحو آخر ـ كما سيأتي ـ فله المطالبة بالزكاة ، لا بالثمن.

١٧٢

لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع [١]. وإن أدى البائع الزكاة بعد البيع ، ففي استقرار ملك المشتري ، وعدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم إشكال [٢].

( مسألة ٣٠ ) : إذا تعدد أنواع التمر مثلا ، وكان‌

______________________________________________________

[١] فان المالك وإن كان له دفع الزكاة من غير العين ، لكن المشتري ليس له ذلك ، إذ لا ولاية له. فالولاية تكون للحاكم ، فله أن يأخذ من المبيع ، ولا يرضى بالأخذ من غيره.

[٢] لا يظهر وجه للتوقف على إجازة الحاكم ، لأنه بعد دفع الزكاة من غير النصاب سقط التكليف بها ، فلا مقتضي للرجوع الى الحاكم ، كما لو لم تجب. ولعل العبارة : ( من البائع ) بدل : ( من الحاكم ). ويشير بهذا الإشكال إلى ما في الجواهر حيث قال : « ولو أدى المالك الزكاة من غيره بعد البيع لم يجد في الصحة ، ضرورة عدم الملك حال البيع. اللهم إلا أن يجعل الشرط الملك ولو متأخراً عنه ، وفيه بحث ، أو منع .. » والمحقق في محله من مبحث الفضولي : أن من باع مال غيره ثمَّ اشتراه ، توقف نفوذ البيع على إجازته.

نعم مقتضى ظاهر صحيح عبد الرحمن البصري عدم اعتباره إجازة المالك قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعهما على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال (ع) : نعم ، تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع. أو يؤدي زكاتها البائع » (١). لكن لا ينبغي التأمل في وجوب العمل على الصحيح ، لأنه أخص. وبه يخرج عن القواعد العامة بل لو قيل : بأن تعلقها من قبيل تعلق حق الجناية أو الرهانة ، يكون الصحيح موافقاً للقواعد.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

١٧٣

بعضها جيداً أو أجود ، وبعضها الآخر ردي‌ء أو أردأ ، فالأحوط الأخذ من كل نوع [١] بحصته. ولكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيد [٢] ، وإن كان مشتملا على الأجود. ولا يجوز دفع الردي [٣] عن الجيد والأجود على الأحوط.

______________________________________________________

[١] ليطابق القول بأن الزكاة جزء مشاع في العين. قال في محكي التذكرة : « ولو تعددت الأنواع أخذ من كل نوع بحصته ، لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيد ، وعن الفقراء بأخذ الردي. وهو قول عامة أهل العلم. وقال مالك والشافعي : إذا تعددت الأنواع أخذ من الوسط .. ».

[٢] لما سيأتي : من أن الزكاة كلي في العين ، أو حق في العين ، وهو صادق على الجيد.

[٣] كما جزم به في الحدائق والجواهر وغيرهما : لقوله تعالى : ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ... ) (١) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « في قول الله عز وجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ... ) ، قال (ع) : كان رسول الله (ص) إذا أمر بالنخل أن يزكى ، تجي‌ء أقوام بألوان من التمر ـ وهو من أردأ التمر ـ يؤدونه من زكاتهم ، تمراً يقال له الجعرور والمعى فأرة ، قليلة اللحا ، عظيمة النوى وكان بعضهم يجي‌ء بها عن التمر الجيد. فقال رسول الله (ص) : لا تخرصوا هاتين التمرتين ، ولا تجيئوا منها بشي‌ء. وفي ذلك نزل : ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ .. ). والإغماض : أن يأخذ هاتين التمرتين » (٢). ونحوه غيره.

__________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب زكاة الغلات حديث : ١.

١٧٤

( مسألة ٣١ ) : الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين [١] ،

______________________________________________________

هذا ولأجل اختصاص الحديث بأردأ التمر ـ الذي نهى رسول الله (ص) عن خرصه ، وعن عده جزءاً من النصاب ـ توقف المصنف (ره) في المنع عن دفع مطلق الردى ، حتى ما كان معدوداً جزءاً من النصاب. وأما الآية نفسها فلا يخلو المراد بها عن إجمال.

[١] كما هو المشهور ، بل عن المصابيح : أنه كاد أن يكون إجماعاً وعن التذكرة : نسبته إلى علمائنا ، وعن المنتهى : أنه مذهب علمائنا أجمع وقيل متعلقة بالذمة لا غير. وعن بعض : أن القائل بذلك مجهول ، وعن آخر : أنه شاذ.

واستدل للأول بقولهم (ع) : « فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بالدوالي نصف العشر » (١) ، وبمصحح بريد بن معاوية قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : بعث أمير المؤمنين (ع) مصدقه الى بادية الكوفة .. ( إلى أن قال (ع) له ) : فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه ، فإن أكثره له .. ( إلى أن قال ) (ع) : فاصدع المال صدعين .. » (٢) والاخبار المستفيضة : المتضمنة : أن الله تعالى جعل للفقراء في مال الأغنياء ما يكفيهم (٣) ، بل في موثقة أبي المعزى : « إن الله تبارك وتعالى أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال ، فليس لهم أن يصرفوا الى غير شركائهم » (٤) وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري المتقدم في المسألة السابقة ، وخبر أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن الزكاة تجب علي في مواضع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٤.

١٧٥

لكن لا على وجه الإشاعة [١] ، بل على وجه الكلي في المعين.

______________________________________________________

لا يمكنني أن أؤديها. قال (ع) : اعزلها ، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح ، وإن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي‌ء. فان لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ، ولا وضيعة عليها » (١) والنصوص الكثيرة المشتملة على التعبير بالإخراج والعزل.

[١] كما اختاره في الجواهر ، ونسب إلى جماعة ، بل عن الإيضاح : نسبته إلى الأصحاب. وفي مفتاح الكرامة : « مقتضى الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في العين ، وكلام القائلين بذلك ـ ما عدا المصنف في التذكرة ـ في غاية الظهور في الشركة. بل لا يحتمل غيرها .. ». لكن لا يبعد أن يكون مرادهما من الشركة ما يعم الكلي في المعين ، لا خصوص نحو الإشاعة.

وكيف كان فالذي يشير إلى القول المذكور أكثر الأدلة المتقدمة ، مثل ما تضمن : أن فيما سقت السماء العشر. إذ العشر ظاهر في الكسر المشاع ، وموثق أبي المعزى المتقدم ، فإن إطلاق الشركة فيه يقتضي الإشاعة وما تضمن أمر أمير المؤمنين (ع) مصدقه بقسمة المال نصفين إلى أن يبقى ما فيه وفاء لحق الله تعالى ، فإن القسمة من لوازم الإشاعة. إذ لو كان من قبيل الكلي في المعين لوجب على المصدق أن يأمر المالك بدفع ما يكون مصداقاً لكلي الفريضة ، وليس له المشاحة معه على الخصوصيات ، إذ جميعها ملك المالك ، والفقير له الكلي لا غير.

نعم خبر أبي حمزة لا يدل عليه ، إذ الربح يكون للكلي ، كما يكون للأفراد الخارجية. وكذا صحيح عبد الرحمن ، لأن بطلان البيع فيما يساوي الزكاة كما يترتب على الإشاعة يترتب على كونها على نحو الكلي في المعين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٣.

١٧٦

______________________________________________________

كما أن الإخراج والعزل أعم من ذلك أيضاً.

هذا ويمكن الإشكال في جميع ما ذكر. أما في الأول فلأن التعبير بالعشر ونصفه لم يرد مثله في زكاة الانعام ، ولا في زكاة النقدين ، وإنما ورد فيهما شاة ، وبنت لبون ، وبنت مخاض ، وحقة ، وتبيع ، ومسنة ، وخمسة دراهم ، ونصف مثقال ، ونحو ذلك. والجميع ظاهر في غير الجزء المشاع. والتصرف فيها بالحمل على الجزء المشاع ليس بأولى من التصرف في العشر ونصفه بالحمل على المقدار. بل الثاني هو المتعين ، لأنه أقرب وأسهل ، كما هو ظاهر.

وأما الجمود على ظاهر كل من الدليلين في مورده ، والتفكيك بين زكاة الغلات فهي بنحو الإشاعة ، وزكاة غيرها فهي بنحو الكلي في المعين فهو وان اقتضته صناعة الاستدلال ، إلا أنه خلاف المرتكز في أذهان المتشرعة وخلاف المستفاد من النصوص المتضمنة : أن رسول الله (ص) وضع الزكاة في تسعة أشياء ، أو على تسعة أشياء ، أو من تسعة ، كصحيح ابن سنان : « قال أبو عبد الله (ع) : لما نزلت آية الزكاة : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها .. ) في شهر رمضان ، أمر رسول (ص) مناديه فنادى في الناس : إن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ، ففرض الله عليكم من الذهب ، والفضة ، والإبل ، والبقر والغنم ، ومن الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب. ونادى فيهم في شهر رمضان ، وعفى لهم عما سوى ذلك » (١) الظاهر في كون الوضع على نحو واحد. ولا سيما وإن الملجئ إلى التعبير بذلك : أنه لا نصاب في الغلات إلا واحد ، ولا عفو فيها ، فاذا بلغت النصاب وجب العشر مهما زاد مطلقاً. وأما موثق أبي المعزى فليس وارداً لبيان هذه الجهة ، كي يتمسك بإطلاقه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث : ١.

١٧٧

______________________________________________________

على كون الشركة بنحو الإشاعة. وأما ما تضمن الأمر بالقرعة فالاستدلال به على الإشاعة ليس إلا من جهة أن من أحكام المشاع التمييز بالقرعة. لكن هذا المقدار لا يصحح استكشاف الإشاعة من دليل التمييز بالقرعة ، لعدم كونه من اللوازم العقلية ، ولا من اللوازم العرفية.

وبالجملة : بعد ثبوت الحكم المذكور بدليله ، لا طريق الى استكشاف كون الزكاة من قبيل الجزء المشاع ، ليترتب عليه سائر أحكامه. مضافاً إلى أن قول أمير المؤمنين (ع) في ذيل الحديث : « حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله .. » ظاهر في أن الحق أمر خارج عن المال متعلق به ، لا أنه جزء منه على نحو الإشاعة.

وكأنه لذلك بنى المصنف (ره) في المتن ـ تبعاً لجماعة ـ على أن تعلق الزكاة بالنصاب من قبيل تعلق الكلي في المعين ، كما إذا باعه صاعاً من صبرة. وإن كان أيضاً لا يخلو من إشكال. إذ المستند في ذلك إن كان ظهور ( في ) في الظرفية لنفس الزكاة ، فيكون معنى قولهم (ع) : « في كل أربعين شاة شاة » أن الزكاة شاة كائنة في النصاب ، أعني الأربعين. ففيه : أن الظاهر من ملاحظة النصوص كون الظرف لغواً ، وكون كلمة ( في ) متعلقة بفعل مقدر مثل : يجب ، أو فرض ، أو نحو ذلك ، فيكون مدخولها ظرفاً لذلك الفعل ، لا مستقراً متعلقاً بكائن ـ كما قد يتوهم في بادئ النظر ـ ليكون مدخول ( في ) ظرفاً للواجب والمفروض. ولذلك صرح بالفعل في جملة من النصوص ، ففي صحيح زرارة : « وجعل رسول الله (ص) الصدقة في كل شي‌ء أنبتت الأرض. إلا ما كان .. » (١) وفي صحيح الفضلاء : « فرض الله عز وجل الزكاة مع الصلاة في الأموال ، وسنها رسول الله في تسعة أشياء .. » (٢) وقال (ع) فيه : « وكل ما لم يحل عليه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث : ٤.

١٧٨

______________________________________________________

الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه. فاذا حال عليه الحول وجب عليه » (١) وفي موثق إسحاق : « السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال (ع) : إذا أجذع » (٢) وفي خبر الحسين بن يسار : « في كم وضع رسول الله (ص) الزكاة؟ فقال (ع) : في كل مائتي درهم خمسة دراهم من الفضة .. » (٣) وفي خبر المفضل : « في كم تجب الزكاة من المال؟ .. ( الى أن قال ) : ففي كل ألف خمسة وعشرون درهماً » (٤). وفي خبر الخثعمي : « إن رسول الله (ص) جعل في كل أربعين أوقية أوقية » (٥). وفي خبر زرارة : « ليس في النيف شي‌ء حتى يبلغ ما يجب فيه واحد » (٦). وفي خبر محمد ابن الطيار : « إن الزكاة إنما تجب جميعها في تسعة أشياء ، خصها رسول الله (ص) بفريضتها فيها ، وهي : الذهب .. » (٧) إلى غير ذلك.

فهذه النصوص تشهد بأن المراد من قولهم (ع) : « في الأربعين شاة شاة » هو المراد من قولهم (ع) : في القتل خطأ الدية » فـ ( في ) على السببية خلاف الظاهر ، لندرة ذلك ، ومثل له بقوله (ص) : « إن امرأة دخلت النار في هرة .. ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٢.

(٧) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث : ١٢ والحديث منقول بالمعنى.

١٧٩

______________________________________________________

ثمَّ إن مما يعين أن ليس المراد الظرفية لنفس الزكاة ، ما في كثير من النصوص من التعبير بمثل قوله : « عليه فيه الزكاة .. » ، كما تقدم في صحيح الفضلاء (١) ، وكما في موثق سماعة في الدين : « ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه ، فاذا قبضه فعليه الزكاة » (٢). ونحوهما غيرهما ، مما هو كثير. إذ لو كان المراد أن الزكاة تكون في نفس المال لا معنى ظاهر لقوله : ( عليه ) ، يعني : على المالك. فالمراد منه هو المراد من قوله : « عليه الدية في القتل خطأ » و« عليه الكفارة في الإفطار عمداً » ونحو ذلك. ومقتضى الجمود عليه أن تكون الزكاة في ذمة المالك ، كما حكي عن بعض. ولو سلم ذلك فالظرفية غير ظاهرة في ظرفية الكل للجزء ، بل يجوز أن تكون من ظرفية موضوع الحق للحق. بل الظرفية عند القائل بأن التعلق من قبيل تعلق الكلي بالمعين مبنية على نحو من العناية ، لوجوب مباينة الظرف لمظروفه.

ولو سلم فمعارض ذلك بما ورد في كثير من النصوص المعبر فيها بحرف الاستعلاء بدل حرف الظرفية ، كرواية أبي بصير والحسن بن شهاب : « وضع رسول الله (ص) الزكاة على تسعة أشياء .. » (٣). وفي رواية الفضل « والزكاة على تسعة أشياء .. » (٤). وفي صحيح الفضلاء : « إنما الصدقات على السائمة الراعية » (٥). وفي صحيح رفاعة : « إذا اجتمع مائتا درهم ، فحال عليها الحول فان عليها الزكاة .. » (٦). إلى‌

__________________

(١) تقدم ذلك في هذه التعليقة قريباً.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٧ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٥.

(٦) الوسائل باب : ٢ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٢.

١٨٠