مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

بدين أو كفارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك.

السادسة : إذا علم اشتغال ذمته إما بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما [١]. إلا إذا كان هاشمياً ، فإنه يجوز أن يعطي للهاشمي بقصد ما في الذمة. وان اختلف مقدارهما قلة وكثرة أخذ بالأقل [٢] ، والأحوط الأكثر.

السابعة : إذا علم إجمالا أن حنطته بلغت النصاب أو شعيرة‌

______________________________________________________

في جريان القاعدتين الأولتين. وأما الأخيرة فإنما تتم لو كان قد صدر منه فعل يتصف بالصحة والفساد ، يتوقف على الأداء ، كالبيع ونحوه ، إذ لا دليل على جريانها في غير ذلك. مع أن إثبات أصالة الصحة للشرط ـ بلحاظ أثر أجنبي عن موضوع الصحة ـ محل إشكال.

[١] للعلم الإجمالي. نعم لو أعطى المقدار المردد بينهما إلى الحاكم الشرعي بما أنه ولي الحقين كفي في الاحتياط اللازم ، للعلم بأداء ما عليه وإيصاله إلى أهله.

[٢] هذا راجع لفرض كون المالك هاشمياً. وكأن وجهه : أن الأقل معلوم والأكثر مشكوك ، والأصل فيه البراءة. لكن يشكل : بأن مستحق الأقل ـ وهي الزكاة ـ الجامع بين الأصناف ، ومستحق الأكثر خصوص الهاشميين ، فهو يعلم إجمالا بوجوب درهمين مثلا للهاشميين ، أو درهم لمستحق الزكاة ، ومع اختلاف المستحق يتعدد ما في الذمة ، ولا يكون من قبيل الأقل والأكثر. ومجرد انطباق مستحق الزكاة على الهاشمي لا يوجب العلم التفصيلي بالأقل ، كي ينحل العلم الإجمالي. فتأمل. وكيف كان فهذا لو تمَّ فإنما هو مع اتحاد الواجب ذاتاً ، أما مع الاختلاف ـ كما لو اختلف الجنس ـ أو كان الحق في العين مع وجودها وتعددها ـ كما لو علم أنه إما يجب خمس هذا المال أو زكاة ذلك المال ـ تعين الاحتياط ، كما في المسألة الآتية.

٣٦١

شعيرة ، ولم يتمكن من التعيين ، فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما. إلا إذا أخرج بالقيمة ، فإنه يكفيه إخراج قيمة أقلهما قيمة ، على إشكال. لأن الواجب أو لا هو العين ، ومردد بينهما [١] إذا كانا موجودين. بل في صورة التلف أيضاً ، لأنهما مثليان [٢]. وإذا علم أن عليه إما زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة ، يكفيه إخراج شاة. وإذا علم أن عليه إما زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة ، وجب الاحتياط [٣]. إلا مع التلف ، فإنه يكفيه قيمة شاة [٤]. وكذا الكلام في نظائر المذكورات.

الثامنة : إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها ، هل يجوز إعطاؤها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا؟ إشكال [٥].

______________________________________________________

[١] يعني : فيكون العلم الإجمالي بين متباينين ، فيجب الاحتياط ، إما بدفع العينين ، أو بدفع أكثرهما قيمة.

[٢] فيكون العلم الإجمالي بين متباينين في الذمة ، كما في صورة وجودهما.

[٣] لتباين المعلوم بالإجمال بتباين موضوعه.

[٤] بناء على المشهور ، من ثبوت قيمة القيمي في الذمة بمجرد تلفه مضموناً. أما إذا قلنا بثبوت نفسه فيها ، ودفع القيمة دفع له تنزيلا ـ لكونها بدلا عنها ـ فالحال فيه كما سبق. وكذا إذا قلنا بأن الزكاة ليست جزءاً من النصاب ، ولم تتلف بتلفه ، وإنما انعدم موضوعها ، فتنتقل إلى الذمة.

[٥] للاستصحاب. ولعدم وجوب النفقة بعد الموت ، فيكون الحال كما لو طلق زوجته بعد تعلق الوجوب ، فإنه يجوز دفع زكاته لها بعد أن‌

٣٦٢

التاسعة : إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة ، وشرط على المشتري زكاته لا يبعد الجواز. إلا إذا قصد كون الزكاة عليه [١] ، لا أن يكون نائباً عنه ، فإنه مشكل.

______________________________________________________

لم يجز. وإطلاق جواز الدفع لغير واجب النفقة محكم على الاستصحاب. مضافاً إلى أن تعليل المنع من إعطاء واجب النفقة : بأنهم لازمون له (١) يقتضي انتفاء المنع بانتفاء اللزوم.

[١] بيع النصاب ، تارة يكون مع كون الزكاة في ذمة المالك ، كما لو صالح الحاكم الشرعي على ذلك ، وأخرى مع كونها في المعين ، فعلى الأول ، تارة يكون المشروط أن يدفع المشتري الزكاة التي في ذمة البائع ، وأخرى يكون المشروط أن تنتقل الزكاة عنه إلى ذمة المشتري. والأول صحيح بمقتضى عموم نفوذ الشروط ، والثاني من صغريات شرط النتيجة ، وتقدم الإشكال في صحته. ولو قلنا بصحته توقف في المقام على رضا الولي لأن نقل الحق من ذمة إلى ذمة تصرف فيه على خلاف سلطنة وليه. نعم يصح نقل الزكاة إلى ذمة غيره بعقد الضمان مع رضا الولي العام. ولكنه غير ما نحن فيه. وعلى الثالث يكون البيع بمقدار الزكاة فضولياً ، ويصح في الباقي على ما عرفت ، فشرط الإخراج لا مانع منه ، وإن لم يكن بعنوان النيابة عن المالك البائع.

اللهم إلا أن يكون الإخراج بما هو مضاف إلى المالك واجباً ، فلا يصح من غيره إلا بعنوان النيابة عنه ، لأن الخطاب بالأداء والإخراج متوجه إلى المالك ، وثبوت الملاك في فعل غيره غير معلوم. غاية الأمر : إنه لا يعتبر الإخراج من المالك مباشرة ، بل يجوز فعله من الغير بعنوان النيابة عنه.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١. وقد سبق التعرض له في الشرط الثالث من أوصاف المستحقين للزكاة.

٣٦٣

العاشرة : إذا طلب من غيره أن يؤدي زكاته تبرعاً من ماله جاز وأجزأ عنه [١] ، ولا يجوز للمتبرع الرجوع عليه.

وأما إن طلب ولم يذكر التبرع فأداها عنه من ماله ، فالظاهر جواز رجوعه [٢] عليه بعوضه ، لقاعدة احترام المال. إلا إذا علم كونه متبرعاً.

الحادية عشرة : إذا وكل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير ، هل تبرأ ذمته بمجرد ذلك ، أو يجب‌

______________________________________________________

ولا دليل على صحة الإخراج من غير المالك ـ لا بعنوان النيابة عنه ـ فاشتراطه يكون مخالفاً للكتاب ، لأن الإخراج عبادة ، فلا بد من الأمر به ، وهو غير ثابت في حق غير المالك. فتأمل جيداً.

[١] لما حررناه في مبحث القضاء عن الغير : من أن عدم جواز النيابة عن الحي في الواجبات إنما كان للإجماع ، وإلا فالأصل يقتضي الجواز فيها لكونها مما يقبل النيابة في نظر العرف والعقلاء. ويشهد له في المقام : ما تضمن جواز التوكيل في أدائها ، وما دل على نيابة الحاكم عن الممتنع. وقد تقدم في زكاة القرض ماله نفع في المقام. فراجع.

[٢] إما لأن ظاهر الأمر بالعمل ـ إذا كان مما له قيمة معتد بها ـ أن ذلك على وجه الضمان ، فيكون الأمر بمنزلة الإيجاب والفعل بمنزلة القبول ، ويكون ذلك معاملة خاصة ـ نظير الجعالة ـ يشملها دليل النفوذ. وإما لاقتضاء الأمر بالفعل كون الفعل لأجله مستوفى للأمر فيضمنه ، لعموم على اليد ، بناء على شموله للأعيان والمنافع. مع أن الذي يظهر من كلماتهم المفروغية عن الضمان بمثل ذلك. نعم في الشرائع في كتاب الجعالة : « لو استدعى الرد ولم يبذل أجرة لم يكن للراد شي‌ء ، لأنه متبرع بالعمل .. ». ونحوه ما عن غيرها أيضاً.

٣٦٤

العلم بأنه أداها ، أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء؟ لا يبعد جواز الاكتفاء ـ إذا كان الوكيل عدلا ـ بمجرد الدفع إليه [١].

الثانية عشرة : إذا شك في اشتغال ذمته بالزكاة ، فأعطى شيئاً للفقير ونوى أنه إن كان عليه الزكاة كان زكاة ، وإلا فإن كان عليه مظالم كان منها ، والا فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له ، وإلا فمظالم له. وإن لم يكن على أبيه شي‌ء فلجده إن كان عليه ـ وهكذا ـ فالظاهر الصحة [٢].

الثالثة عشرة : لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أولا فأولا [٣] ، فلو كان عليه زكاة السنة‌

______________________________________________________

وذلك ـ بظاهره ـ مناف لما ذكر. ولعله محمول على صورة ظهور المجانية.

[١] هذا غير ظاهر. نعم مقتضى صحيح ابن يقطين : « سألت أبا الحسن (ع) عمن يلي صدقة العشر على من لا بأس به ، فقال : إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها ، وإن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها » (١) ، وخبر شهاب : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني إذا وجبت زكاتي أخرجتها ، فأدفعها الى من أثق به يقسمها. قال (ع) : نعم ، لا بأس بذلك. أما إنه أحد المعطين » (٢) اعتبار الوثوق بالوصول الى الفقير ، ولا يكفي مجرد الدفع إلى الوكيل العادل ، كما لا يعتبر العدالة فيه.

[٢] لما عرفت من عدم قدح مثل هذا الترديد مع كون المنوي أمراً معيناً واقعاً ، والترديد إنما هو في وصفه.

[٣] إذ لا دليل عليه ، والإطلاق ينفيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

٣٦٥

السابقة وزكاة الحاضرة ، جاز تقديم الحاضرة بالنية. ولو أعطى من غير نية التعيين فالظاهر التوزيع [١].

الرابعة عشرة : في المزارعة الفاسدة الزكاة ـ مع بلوغ النصاب ـ على صاحب البذر [٢] ، وفي الصحيحة منها عليهما [٣] إذا بلغ نصيب كل منهما. وإن بلغ نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط ، وإن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا يجب على واحد منهما ، وإن بلغ المجموع النصاب.

الخامسة عشرة : يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة [٤]

______________________________________________________

[١] مع اختلاف المأمور به في الخصوصيات الموجبة لاختلاف الأحكام ـ كما إذا كان أحدهما في الذمة والآخر في العين ، أو كان أحدهما في نصاب الإبل والآخر في نصاب الغنم ـ لا بد من التعيين ولو على نحو التوزيع ، فلو لم يقصد شي‌ء من ذلك أصلا لم يسقط شي‌ء من الزكاة ، لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح. ومع عدم الاختلاف ـ كما إذا كان كل منهما في الذمة ـ يسقط من الزكاة بمقدار ما أعطي ويبقي الباقي ، من دون تعيين ، لامتناع التعيين من دون معين. كما لو نذر صوم يومين فصام أحدهما ، فإنه يسقط عنه يوم ويبقى عليه يوم آخر ، بلا تعيين في الساقط ولا الثابت.

[٢] لأن الزرع كله لمالك البذر ، من دون أن يستحق العامل منه شيئاً.

[٣] لأن الزرع ملك لهما.

[٤] الظاهر أنه لا إشكال في ذلك ـ في الجملة ـ إذ لا إشكال في أن ولي الزكاة يستأجر لحفظها وجمعها ونقلها ورعيها ، ويشتري لعلفها وسقيها ونحو ذلك من مصالحها ، فتكون أجرة الراعي والحارس ، وأجرة المكان الذي تجمع فيه ، وقيمة العلف ـ ونحو ذلك من الأموال التي تصرف لمصالحها ـ

٣٦٦

ويصرفه في بعض مصارفها ، كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلا بصرف مال ، ولم يكن عنده ما يصرفه فيه ، أو كان فقير مضطر لا يمكنه إعانته ورفع اضطراره إلا بذلك ، أو ابن السبيل كذلك ، أو تعمير قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك وكان لا يمكن تأخيره ، فحينئذ يستدين على الزكاة ويصرف وبعد حصولها يؤدي الدين منها. وإذا أعطى فقيراً من هذا الوجه ، وصار عند حصول الزكاة غنياً لا يسترجع منه ، إذ المفروض أنه أعطاه بعنوان الزكاة. وليس هذا من باب إقراض‌

______________________________________________________

مستحقة عليها ، لا على الوالي ، ولا على غيره. نعم قد يشكل الفرض : بأن الاقتراض فيه ليس لمصلحة الزكاة بل لمصلحة الفقير ، وليس له الولاية عليه. مع أن فرض الولاية عليه يقتضي جواز الاقتراض على ذمته ، لا على ذمة الزكاة. وعلى هذا فما في المتن ـ تبعاً للجواهر في مسألة جواز تعجيل الزكاة ـ من جواز الاقتراض على الزكاة على النحو المذكور ـ بل لعل ظاهر الجواهر المفروضية عنه ـ غير ظاهر. اللهم إلا أن يكون ذلك من جهة ولايته على الصرف ، فيكون الاقتراض مقدمة له.

لكن عليه لا يتوقف جواز الاقتراض على كون الفقير مضطراً ، بحيث لا يمكن رفع ضرورته إلا بالزكاة ـ وكذا في المسجد والقنطرة وابن السبيل ـ إذ لو كان له ولاية على الصرف تقتضي جواز الاقتراض ، كفى كونه فقيراً أو ابن السبيل أو سبيل الله أو نحوها ـ مما هو مصداق للمستحق ـ من دون حاجة إلى القيود المذكورة في المتن. على أن ولاية الصرف إنما ثبتت في ظرف وجود الزكاة. فتأمل. نعم إذا كان الفقير مما لوجوده فائدة معتد بها راجعة إلى الزكاة ـ لقيامه بما لا يقوم به غيره ، من جباتها وسعاتها‌

٣٦٧

الفقير والاحتساب عليه بعد ذلك ، إذ في تلك الصورة تشتغل ذمة الفقير. بخلاف المقام ، فان الدين على الزكاة. ولا يضر عدم كون الزكاة ذات ذمة تشتغل ، لأن هذه الأمور اعتبارية والعقلاء يصححون هذا الاعتبار. ونظيره : استدانة متولي الوقف لتعميره ثمَّ الأداء بعد ذلك من نمائه. مع أنه في الحقيقة راجع الى اشتغال ذمة أرباب الزكاة [١] ـ من الفقراء والغارمين وأبناء السبيل ـ من حيث هم من مصارفها ، لا من حيث‌

______________________________________________________

وحراسها وغير ذلك ـ أمكنت دعوى جواز الاقتراض على الزكاة لحفظه أو حفظ شأنه. لكن ذلك لو تمَّ فليس لكونه من مصارفها ، مثل كونه فقيراً أو غارما أو نحو ذلك ، بل بما أنه ممن يكون لوجوده مصلحة عائدة إلى الزكاة وان لم يكن من أصنافها الثمانية. وهذا هو الذي يصح تنظيره باستدانة متولي الوقف لتعميره ، لا ما ذكره في المتن. ولا سيما بملاحظة ما ذكره : من أنه يصير غنياً بحيث لا يجوز إعطاؤه من الزكاة بعد ذلك. والأنسب تنظيره باستدانة متولي الوقف لدفع حاجة الموقوف عليه حين الاستدانة ، مع خروجه عن الموقوف عليهم وقت حصول النماء. لكن جواز الاستدانة في النصوص على الوقف بعنوان الولاية عليه غير ظاهر.

[١] فيه : أن بعض أرباب الزكاة ـ مثل سبيل الله تعالى ـ مما لا ذمة له كالزكاة ، فيرجع الاشكال. مضافاً إلى أن إشغال ذمة أرباب الزكاة ـ بما أنهم من مصارفها ـ لا ولاية للحاكم الشرعي عليه ، كاشغال ذمتهم بما أنهم هم ، لعدم الدليل على هذه الولاية. وقولهم : « الحاكم الشرعي ولي الفقراء » مثلا ، يراد منه : أنه ولي الزكاة الراجعة إليهم ، فولايته على الفقراء بلحاظ خصوص الزكاة الراجعة إليهم.

٣٦٨

هم هم. وذلك مثل ملكيتهم للزكاة ، فإنها ملك لنوع المستحقين فالدين أيضاً على نوعهم من حيث أنهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم. ويجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة وعلى المستحقين ، بقصد الأداء من مالهم. ولكن في الحقيقة هذا أيضاً يرجع إلى الوجه الأول [١]. وهل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها ، أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم؟ وجهان [٢]. ويجري جميع ما ذكرنا في الخمس والمظالم ونحوهما.

السادسة عشرة : لا يجوز للفقير ولا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثمَّ الرد عليه [٣] ، المسمى بالفارسية‌

______________________________________________________

[١] لأن التصرف بعنوان الولاية راجع إلى التصرف في المولى عليه.

[٢] أقواهما العدم ، إذ لا مأخذ لهذه الولاية. نعم يحتمل ذلك في نصوص تعجيل الزكاة قبل وقتها. لكن الحمل عليه لا قرينة عليه ، وليس من الجمع العرفي. ولا سيما مع عدم مناسبة ذلك للتحديد بالشهر والشهرين ولا لاعتبار بقاء المعطي على صفة الاستحقاق ، كما ذكر في النصوص.

[٣] الظاهر أنه لا إشكال في الأخذ إذا كان الدفع غير مقيد بالرد ـ بل كان مطلقاً ، أو بداعي الرد ـ لأنه جار على القواعد الأولية. وأما إذا كان بشرط الرد ، فلأجل أن الظاهر لغوية الشرط المذكور ، لعدم ولاية المالك عليه ، وإنما له الولاية على الدفع مجاناً يجوز الأخذ أيضاً ، إلا أن يقال : لغوية الشرط لا توجب إطلاق الاذن ، ومع عدم الاذن من المالك لا يجوز الأخذ. اللهم إلا أن يقال : لم يثبت لمثل هذا المالك الولاية كي يتوقف الأخذ على إذنه. فتأمل.

٣٦٩

( بدست گردان ) ، أو المصالحة معه [١] بشي‌ء يسير ، أو قبول شي‌ء منه بأزيد من قيمته [٢] أو نحو ذلك ، فان كل هذه حيل [٣] في تفويت حق الفقراء. وكذا بالنسبة إلى الخمس والمظالم ونحوهما. نعم لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير ، وصار فقيراً لا يمكنه أداؤها وأراد أن يتوب إلى الله تعالى ، لا بأس بتفريغ ذمته بأحد الوجوه المذكورة [٤]. ومع ذلك ـ إذا كان مرجو التمكن بعد ذلك ـ

______________________________________________________

هذا حال الأخذ. وأما حال الرد فان كان الراد الحاكم فليس له الولاية عليه ، وإن كان الفقير ، فان كان رده عن طيب نفسه ـ كسائر موارد هداياه وعطاياه ـ فلا بأس به ، وإن كان لا عن طيب نفسه لم يحل للمالك أخذه. وعليه تبرأ ذمته من الزكاة وتشتغل ثانياً بمال الراد له ، فاذا دفعه ثانياً بعنوان الزكاة لم يصح ، لأنه ليس ماله.

[١] طرف المصالحة إن كان الحاكم فليس له ولاية على مثلها ، لعدم كونها مصلحة للمولى عليه. وإن كان الفقير فهو ليس من أهل الولاية عليها.

[٢] إن كان ذلك بعنوان المصالحة عما في ذمته الكثير بالقليل فالحكم كما سبق ، وان كان بعنوان إيتاء ما في الذمة لم يصح ، لمخالفته للواقع.

[٣] الصور الباطلة لا تصلح حيلة ، وإنما الصالح الصورة الصحيحة من صور الرد ، وهي : ما لو كان الرد من الفقير بطيب نفسه. ومثلها : أن يصالحه عن شي‌ء قليل من المال بشي‌ء كثير في ذمته مصالحة جدية ، ثمَّ يحتسب ذلك المقدار عليه من الحق ، وعدم جواز ذلك مما يعلم من غرض الشارع من جعل الزكاة. إلا أنه لا يطرد في جميع الأحوال ، فقد يعلم برضا الشارع في بعض الموارد ، وقد يشك ، فيرجع إلى الأصل المقتضي للجواز.

[٤] الصحيحة ، التي منها ما أشرنا اليه. أما الباطلة فقد عرفت أنها‌

٣٧٠

الأولى أن يشترط عليه أداؤها بتمامها عنده.

السابعة عشرة : اشتراط التمكن من التصرف فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام والنقدين ـ معلوم [١]. وأما فيما لا يعتبر فيه ـ كالغلات ـ ففيه خلاف وإشكال [٢].

الثامنة عشرة : إذا كان له مال مدفون في مكان ، ونسي‌

______________________________________________________

لا تصلح حيلة لتفريغ الذمة.

[١] لاتفاق النص والفتوى عليه.

[٢] ينشآن : من إطلاق معاقد الإجماع على أن التمكن من التصرف شرط في الوجوب ، الشامل للجميع. ومن اختصاص أكثر النصوص ـ أو جميعها ـ بما يعتبر فيه الحول. وعن الميسية والمسالك : التصريح بالعموم وعن المدارك : « أن ذلك مشكل جداً ، لعدم وضوح مأخذه ، إذ غاية ما يستفاد من الروايات المتقدمة : أن المغصوب ـ إذا كان مما يعتبر فيه الحول ، وعاد الى ملكه ـ يكون كالمملوك ابتداء ، فيجري في الحول من حين عوده. ولا دلالة لها على ما لا يعتبر فيه الحول بوجه .. » واستشكل فيه في مفتاح الكرامة : بأن معاقد الإجماعات متناولة له ، وفيها بلاغ. وفي الجواهر : « يدفعه : ما سمعت من إطلاق معاقد الإجماعات وغيرها ، الذي لا ينافيه الاقتصار على ذي الحول في بعض النصوص ، كما هو واضح .. ». وكأنه يشير بقوله : « وغيرها » إلى صحيح ابن سنان : « لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك .. » (١) ، فإنه شامل لغير ذي الحول ، فيعمه الحكم. ومن ذلك يظهر ضعف ما قواه المصنف (ره) في آخر مسائل هذا الختام ـ وفي أواخر كتاب المساقاة ـ من عدم اشتراط متمكن من التصرف فيما لا يعتبر فيه الحول.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٦.

٣٧١

موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه ، لا يجب فيه الزكاة إلا بعد العثور ، ومضي الحول من حينه [١]. وأما إذا كان في في صندوقه مثلاً لكنه غافل عنه بالمرة ، فلا يتمكن من التصرف فيه من جهة غفلته ، وإلا فلو التفت إليه أمكنه التصرف فيه فيجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول [٢]. ويجب التكرار إذا حال عليه أحوال ، فليس هذا من عدم التمكن ، الذي هو قادح في وجوب الزكاة.

التاسعة عشرة : إذا نذر أن لا يتصرف في ماله الحاضر شهراً أو شهرين ، أو أكرهه مكره على عدم التصرف ، أو كان مشروطاً عليه في ضمن عقد لازم ، ففي منعه من وجوب الزكاة ، وكونه من عدم التمكن من التصرف الذي هو موضوع الحكم إشكال [٣] ، لأن القدر المتيقن ما إذا لم يكن المال حاضراً‌

______________________________________________________

[١] كما تقدم في خامس شرائط الوجوب.

[٢] فان عدم التمكن فيه ناشئ من القصور في غير ناحية المال ، ومثله غير قادح في التمكن من التصرف ، بمعنى : عدم القصور من ناحية المال ، لكونه في يد الغاصب أو في مكان لا يعرف أو نحو ذلك. ولذا لا يظن الالتزام بأن الإغماء في أثناء الحول يقطع الحول ، بل من الضروري : أن النوم في أثنائه لا يقطعه ، فذلك شاهد : بأن المراد ـ من القدرة المأخوذة شرطاً ـ هي القدرة من ناحية المال. وإن شئت قلت : ليس لدليل اعتبار التمكن إطلاق يشمل مثل ذلك ، فيبقى داخلا في عموم الوجوب.

[٣] قد تقدم : أن عدم القدرة الشرعية كعدم القدرة العقلية مانع عن الوجوب. ولا فرق بين تمام الحول وبعضه فيما هو ظاهر الأدلة.

٣٧٢

عنده ، أو كان حاضراً وكان بحكم الغائب عرفاً [١].

العشرون : يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل الله كتاباً أو قرآناً أو دعاء ويوقفه ، ويجعل التولية بيده أو يد أولاده. ولو أوقفه على أولاده وغيرهم ـ ممن يجب نفقته عليه ـ فلا بأس به أيضاً [٢]. نعم لو اشترى خاناً أو بستاناً ووقفه على من تجب نفقته عليه لصرف نمائه في نفقتهم ، فيه إشكال [٣].

الحادية والعشرون : إذا كان ممتنعاً من أداء الزكاة ، لا يجوز للفقير المقاصة من ماله [٤] إلا بإذن الحاكم الشرعي في كل مورد.

الثانية والعشرون : لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج [٥] أو نحوهما من القرب ، ويجوز من سهم سبيل الله.

______________________________________________________

[١] والنذر وما بعده يجعله بحكم الغائب عرفاً ، لأنه مانع من التصرف في النصاب.

[٢] لأنه ليس ذلك صرفاً للزكاة في نفقة واجب النفقة ، فيقتضيه إطلاق ما دل على الصرف في سبيل الله تعالى ، كما فيما قبله.

[٣] قد تقدم : أنه لا يجوز إعطاء واجب النفقة من الزكاة ، ولو من سهم سبيل الله تعالى ، ومقتضاه في المقام المنع. ولا يجدي كون المقام من إعطاء منافع الوقف ـ الذي هو الزكاة لا نفس الزكاة ـ لأنه إذا حرمت الزكاة حرمت منافعها ونماؤها.

[٤] لأنه لا ولاية له عليها ، وملكه لها إنما يكون بالقبض.

[٥] مقتضى ما تقدم ، من عدم اختصاص سهم الفقراء بالتمليك بل‌

٣٧٣

الثالثة والعشرون : يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل الله في كل قربة ، حتى إعطاؤها للظالم لتخليص المؤمنين من شره ، إذا لم يمكن دفع شره إلا بهذا.

الرابعة والعشرون : لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخلة أو كرمه أو نصف حب زرعه لشخص بعنوان نذر النتيجة ـ وبلغ ذلك النصاب ، وجبت الزكاة على ذلك الشخص أيضاً [١] لأنه مالك له حين تعلق الوجوب. وأما لو كان بعنوان نذر الفعل فلا تجب على ذلك الشخص [٢]. وفي وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال [٣].

الخامسة والعشرون : يجوز للفقير أن يوكل شخصاً يقبض له الزكاة [٤] ، من أي شخص ، وفي أي مكان كان ويجوز‌

______________________________________________________

يجوز صرفه عليهم أيضاً ، لا مانع من تعيين السهم للصرف في مصالحه المذكورة وغيرها ، من القرب كانت أو غيرها. اللهم إلا أن يستشكل في ثبوت ولاية المالك على مثل هذا الشرط أو القيد. وسيأتي من المصنف ـ في بعض مسائل الاستطاعة البدلية ـ الفتوى بالجواز.

[١] هذا بناء على صحة نذر النتيجة. لكن عرفت الاشكال فيه في مبحث اشتراط القدرة على التصرف. فراجع.

[٢] لعدم ملكه بمجرد النذر ، بل يتوقف على التمليك من المالك وهو غير حاصل.

[٣] لكن تقدم : أن النذر مانع من التصرف في موضوعه ، فترتفع القدرة عليه ، الموجب لعدم تعلق الزكاة.

[٤] لأن القبض مما يقبل النيابة عندهم ، كما يساعده ارتكاز‌

٣٧٤

للمالك إقباضه إياه مع علمه بالحال ، وتبرأ ذمته ، وإن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير. ولا مانع من أن يجعل الفقير للوكيل جعلاً على ذلك [١].

السادسة والعشرون : لا تجري الفضولية في دفع الزكاة [٢] فلو أعطى فضولي زكاة شخص من ماله من غير إذنه ، فأجاز بعد ذلك لم يصح. نعم لو كان المال باقياً في يد الفقير ، أو تالفاً مع ضمانه ـ بأن يكون عالماً بالحال ـ يجوز له الاحتساب إذا كان باقياً على فقره.

السابعة والعشرون : إذا وكل المالك شخصاً في إخراج زكاته من ماله ، أو أعطاه له وقال : ادفعه إلى الفقراء ، يجوز‌

______________________________________________________

العرف والعقلاء.

[١] لعموم صحة الجعالة.

[٢] للأصل. وعدم الدليل على الصحة بل بناؤهم على عدم جريانها في الإيقاعات كلية ، لعدم مساعدة الأدلة عليه ، ولا مرتكزات العقلاء. وفيه : أن الأصل لا مجال له ، بناء على كون صحة الفضولي مقتضى عموم الصحة. وقاعدة عدم صحة الفضولي في الإيقاع غير ثابتة إلا في بعض المواضع كما أشرنا إلى ذلك في أول مبحث الفضولي من تعليقتنا على مكاسب شيخنا الأعظم (ره). مع أن المقام من العقد لا الإيقاع ، لأنه تمليك للفقير ، ولذا احتاج إلى قبوله. نعم لو كانت الفضولية في الصرف تمَّ الاشكال. ومن هنا احتمل في الجواهر جريان الفضولي هنا. نعم مع التفات الدافع إلى حرمة التصرف في المال يمتنع التقرب منه بالإعطاء الخارجي ، فلا يصح لذلك ، فلو غفل لم يكن مانع عن الصحة.

٣٧٥

له الأخذ منه لنفسه إن كان فقيراً ، مع علمه بأن غرضه الإيصال إلى الفقراء [١]. وأما إذا احتمل كون غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز.

الثامنة والعشرون : لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو تدريجاً ، وبقيت عنده سنة ، وجب عليه إخراج زكاتها [٢]. وهكذا في سائر الأنعام والنقدين.

التاسعة والعشرون : لو كان مال زكوي مشتركاً بين اثنين مثلاً ، وكان نصيب كل منهما بقدر النصاب ، فأعطى أحدهما زكاة حصته من مال آخر ، أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثمَّ اقتسماه ، فان احتمل المزكي أن شريكه يؤدي زكاته فلا إشكال ، وإن علم أنه لا يؤدي ففيه إشكال ، من حيث‌

______________________________________________________

[١] المدار على الوكالة المطلقة الشاملة للدفع إلى نفسه ، فاذا فهمت ـ من أي قرينة كانت ـ جاز الأخذ ، وإلا فلا. وأما عموم الغرض فلا يجدي ، لجواز تخلف الداعي ، لاعتقاد المالك عدم حصوله بالإضافة إلى الوكيل. وعلى ما ذكرنا ينزل صحيح ابن يسار : « في الرجل يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه ، أيأخذ منها شيئاً؟ قال : نعم » (١). ونحوه مصحح ابن عثمان ، لكن فيه « يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره » (٢). وكذا في مصحح ابن الحجاج ، وزاد فيه : « ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه » (٣).

[٢] لعموم الأدلة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

٣٧٦

تعلق الزكاة بالعين [١] ، فيكون مقدار منها في حصته.

الثلاثون : قد مر : أن الكافر [٢] مكلف بالزكاة ولا تصح منه ، وإن كان لو أسلم سقطت عنه. وعلى هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له ، أو أخذها من ماله قهراً عليه ويكون هو المتولي للنية. وإن لم يؤخذ منه حتى مات كافراً جاز الأخذ من تركته ، وإن كان وارثه مسلماً وجب عليه. كما أنه لو اشترى مسلم تمام النصاب منه كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولياً ، وحكمه حكم ما إذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة. وقد مر سابقاً.

الحادية والثلاثون : إذا بقي من المال ـ الذي تعلق به‌

______________________________________________________

[١] إذا كان التعلق بنحو الإشاعة فإنما يتوجه الاشكال لو لم يكن للمالك ولاية القسمة مع شريكه ، ومع الشك في ذلك لم تصح. أما لو كانت من قبيل الحق في العين فموضوعها مال المالك ، وحينئذ يمكن إثبات ولايته على قسمة ماله بقاعدة السلطنة ، لعدم منافاة القسمة للحق ، إذ هو على حاله في موضوعه ، غاية الأمر : أنه كان موضوعاً مشاعا فصار معيناً ، كما في سائر موارد الحقوق المتعلقة بالجزء المشاع ، حيث لا ينافيها افراز موضوعها وتعيينه بعد الإشاعة. وكذا الحال لو كان التعلق من تعلق الكلي في المعين ، فان الخصوصيات الخارجية لما كانت ملكاً للمالك كانت تحت سلطنته ، فله القسمة مع شريكه.

[٢] مر ذلك في المسألة السادسة عشرة والسابعة عشرة في أوائل كتاب الزكاة ، وفي المسألة الحادية عشرة في فصل زكاة الأنعام. ومر الكلام في ذلك. فراجع.

٣٧٧

الزكاة والخمس ـ مقدار لا يفي بهما ، ولم يكن عنده غيره ، فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة [١]. بخلاف ما إذا كانا في ذمته ، ولم يكن عنده ما يفي بهما ، فإنه مخير بين التوزيع وتقديم أحدهما [٢]. وإذا كان عليه خمس أو زكاة ، ومع ذلك عليه من دين الناس والكفارة والنذر والمظالم ، وضاق ماله عن أداء الجميع ، فان كانت العين ـ التي فيها الخمس أو الزكاة ـ موجودة وجب تقديمهما على البقية [٣] ، وإن لم تكن موجودة فهو مخير بين تقديم أيها شاء [٤] ، ولا يجب التوزيع ، وإن كان أولى. نعم إذا مات وكان عليه هذه‌

______________________________________________________

[١] كأنه : لأنه عمل بالحقين معاً ، ولا وجه لرفضهما ، ولا لترجيح أحدهما على الآخر ولذلك بعينه تكون القسمة على النسبة. وفيه : أن كل جزء من المال موضوع لكل من الحقين ، فحيث لا يمكن إعمالهما معاً يكون إعمال أحدهما بعينه ترجيحاً بلا مرجح ، ولازمه التخيير في إعمال كل منهما. فلا موجب للتوزيع ، فضلا عن أن يكون على النسبة. مثلا : إذا كان الخمس عشرة دراهم والزكاة كذلك والمال عشرة ، فإعطاء خمسة لأحدهما وخمسة للآخر إهمال لكل من الحقين في مقدار خمسة ، وليس هو أولى من إهمال أحدهما في عشرة وإعمال الآخر في عشرة. كما أنه ليس أولى من بقية صور التوزيع. اللهم إلا أن يستفاد أيضاً مما ورد من النصوص في نظائره.

[٢] إذ لا حق في البين ليجي‌ء ما تقدم ، بل ليس إلا التكليف بالأداء فيتعين الرجوع فيه إلى قواعد التزاحم.

[٣] عملا بالحقين غير المزاحمين.

[٤] لما سبق.

٣٧٨

الأمور وضاقت التركة وجب التوزيع بالنسبة ، كما في غرماء المفلس [١]. وإذا كان عليه حج واجب أيضاً كان في عرضها.

الثانية والثلاثون : الظاهر أنه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفه [٢] ، وكذا في الفطرة. ومن منع من ذلك ـ كالمجلسي رحمه‌الله في زاد المعاد في باب زكاة الفطرة ـ لعل نظره إلى‌

______________________________________________________

[١] لتعلق حق الديان بالتركة تعلقها بمال المفلس وقد تضمنت النصوص وجوب التوزيع في البابين. فراجع كتاب الحجر من الوسائل ، لأن الحقوق الأخر في الذمة لا في العين ، ووجوب الأداء لا يصلح لمزاحمة الحقوق الثابتة ولذا لا يصلح لتشريع جواز الوفاء بمال الغير. كما أن الظاهر من بعض النصوص الصحيحة تقديم الحج على الدين عند المزاحمة بينهما. فراجع صحيح معاوية (١) ، وإن كان المشهور ما في المتن.

ولو مات عن عين تعلق بها الخمس والزكاة ، وكان عليه دين غيرهما وجب صرفها في الخمس والزكاة دون غيرهما من الديون ، لتقدم حقهما رتبة على حق الدين المتعلق بالتركة بعد الموت ، لأن موضوعه التركة على ما هي عليه ، فاذا كانت موضوعاً لحق حال الحياة كان على حاله ، فاذا كان إعماله مزيلا لموضوع الحق الحادث بالموت لم يكن ذلك الحق مزاحماً له ، كما هو ظاهر.

[٢] كما يقتضيه صريح صحيح محمد بن مسلم ـ الوارد في تفسير الفقير والمسكين ـ قال (ع) : « والمسكين ـ الذي هو أجهد منه ـ الذي يسأل .. » (٢). وقريب منه غيره. نعم في خبر ابن أبي يعفور : « فنعطي السؤال منها شيئاً؟ قال (ع) : لا والله إلا التراب. إلا أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب كتاب الوصايا.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

٣٧٩

حرمة السؤال ، واشتراط العدالة في الفقير ، وإلا فلا دليل عليه بالخصوص. بل قال المحقق القمي ـ قدس‌سره ـ : « لم أر من استثناه ـ فيما رأيته من كلمات العلماء ـ سوى المجلسي في زاد المعاد. قال : ولعله سهو منه. وكأنه كان يريد الاحتياط منها وذكره بعنوان الفتوى .. ».

الثالثة والثلاثون : الظاهر ـ بناء على اعتبار العدالة في الفقير ـ عدم جواز أخذه أيضاً ، لكن ذكر المحقق القمي ـ رحمه‌الله ـ أنه مختص بالإعطاء ، بمعنى : أنه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى غير العادل. وأما الآخذ فليس مكلفاً بعدم الأخذ [١].

الرابعة والثلاثون : لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة ، وظاهر كلمات العلماء : أنها شرط في الاجزاء ، فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة ولم يجز. ولو لا الإجماع أمكن الخدشة فيه. ومحل الاشكال غير ما إذا كان قاصداً للقربة في العزل وبعد ذلك نوى الرياء ـ مثلا : حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير ـ فان الظاهر إجزاؤه وإن قلنا باعتبار القربة‌

______________________________________________________

ترحمه ، فان رحمته فأعطه كسرة » (١). لكن يحتمل أن يكون المراد سؤال المخالفين. فلاحظه في باب اشتراط الايمان في المستحق من الوسائل (٢) ويحتمل حمله على من اتخذ السؤال حرفة ، فإنه نوع من الحرف. ولعله مراد المجلسي (ره) أيضاً.

[١] الفرق بينه وبين سائر الشرائط غير ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة.

٣٨٠