مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة [١] وإن لم تحصل بالاكتساب ،

______________________________________________________

[١] اختلفت عبارات الأصحاب في تحديد موضوع الخمس في هذا القسم ، فعن بعضها : الاقتصار على أرباح التجارات ، وعن الآخر : الاقتصار على المكاسب ، وعن ثالث : الاقتصار على حاصل أنواع التكسبات ، من التجارة والصناعة والزراعة ، وعن رابع : الاقتصار على أرباح التجارات والغلات والثمار. وقريب منها غيرها. ومع هذا الاختلاف فهي مشتركة في اعتبار التكسب ، الذي هو القصد إلى حصول المال.

ويخالفها في ذلك ظاهر جملة أخرى ، ففي بعضها ـ كالسرائر ـ : « سائر الاستفادات والأرباح والمكاسب والزراعات .. » ، وفي النهاية : « جميع ما يغنمه الإنسان ، من أرباح التجارات ، والزراعات ، وغير ذلك .. » وعن الخلاف : « جميع المستفاد ، من أرباح التجارات والغلات والثمار .. » وفي الغنية : « كل مستفاد من تجارة أو زراعة وصناعة وغير ذلك من وجوه الاستفادة أي وجه كان .. » ونحوها غيرها.

والظاهر أن السين في المقام للصيرورة لا للطلب (١) ، ومقتضى ذلك وجوب الخمس في كل فائدة وإن لم تكن بقصد. والظاهر من حكاية الإجماع في كلمات الطائفتين ـ ولا سيما بملاحظة اشتمال الكتاب الواحد على العبارتين ـ أن المراد واحد ، إما بحمل الأول على المثال ، لأنه الغالب ، كالاقتصار في بعضها على المكاسب وفي آخر على أرباح التجارة. أو بحمل الثاني على إرادة الفائدة المالية المطلوبة المقصودة. ويشهد للثاني : بناؤهم ـ كما قيل ـ على عدم وجوب الخمس في الميراث والهدية والصدقة. كما يشهد للأول : ما عن المدارك من جعل ذلك من قبيل الاستثناء ، فان الاستثناء فرع العموم.

__________________

(١) المراد هي صيغة باب الاستفعال ، كالاستفادة.

٥٢١

كالهبة ، والهدية ، والجائزة ، والمال الموصى به ونحوها [١].

______________________________________________________

كما يشهد له أيضاً : استدلالهم بالآية الشريفة (١) ، مصرحين بأن المراد من الغنيمة فيها مطلق الفائدة ، وبالنصوص المتضمنة للتعبير بما يستفيده الرجل ، أو : « الإفادة يوماً بيوم » أو : « ما أفاد الناس » أو : « ما يفيد إليك في تجارة ، أو حرث بعد الغرام ، أو جائزة » أو نحو ذلك ، مما هو ظاهر أو صريح في التعميم لغير الكسب والتجارة من أنواع الفائدة.

وكيف كان فمقتضى النصوص عموم الحكم لكل فائدة وإن لم تكن عن قصد واختيار ، فضلا عما كانت كذلك. وحينئذ يضعف القول باعتبار صدق التكسب ـ كما نسب إلى المشهور ـ فضلا عن القول باعتبار اتخاذه مهنة ، كما عن الجمال في حاشيته عن اللمعتين. كيف ولازمه عدم الخمس في الثمار ، ونماء الحيوان ، كاللبن والصوف والسخال وغير ذلك؟ وسيجي‌ء التصريح بوجوب الخمس فيه.

[١] كما يشهد له ـ مضافاً إلى العمومات ـ خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يهدي اليه مولاه والمنقطع اليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر ، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب (ع) : الخمس في ذلك » (٢) وخبر يزيد في تفسير الفائدة : « الفائدة ما يفيد إليك في تجارة من ربحها ، وحرث بعد الغرام ، أو جائزة » (٣). وفي صحيح ابن مهزيار : فالغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء ، والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن » (٤). ويشير اليه خبر علي بن الحسين بن عبد ربه : « سرح‌

__________________

(١) وهي قوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ .. ) الأنفال : ٤١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٧.

(٤) تقدمت الإشارة إلى محله قريباً. فلاحظ.

٥٢٢

بل لا يخلو عن قوة [١]. نعم لا خمس في الميراث [٢] ، إلا‌

______________________________________________________

الرضا (ع) بصلة إلى أبي ، فكتب إليه أبي ، هل علي فيما سرحت إلى خمس فكتب (ع) اليه : لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس » (١). إذ لو لم يكن خمس في التسريح كان الأولى التعليل به لا بكونه تسريحاً من صاحب الخمس. وكأن تقييد الجائزة في المكاتبة بما كان لها خطر من جهة أن ما ليست كذلك تكون من المؤن غالباً ، كما قيل.

[١] وعن الحلبي الجزم به ، وفي اللمعة والروضة : أنه حسن. وقواه شيخنا الأعظم (ره) في رسالته. وتوقف فيه في المعتبر والدروس والبيان ، وكذا في الجواهر : « لظاهر النصوص. ولأن ظاهر الأصحاب عدمه .. » وفي السرائر : « ذكر بعض الأصحاب : أن الميراث والهدية والهبة فيه الخمس ، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي الذي صنفه ، ولم يذكره أحد من أصحابنا إلا المشار اليه. ولو كان صحيحاً لنقل أمثاله متواتراً ، والأصل براءة الذمة .. » وظاهره الاتفاق على عدمه.

ولكنه كما ترى ، فان عدم تعرضهم لثبوت الخمس فيه أعم من بنائهم على العدم. وتعبيرهم بالتكسب ونحوه قد عرفت إشكاله. على أن قبول الهدية نوع من التكسب ، كما في الروضة وغيرها. ولذا نسب في المعتبر إنكار ذلك إلى بعض المتأخرين. ولعله أراد ابن إدريس ، ولم ينسبه إلى الأصحاب كما صنع ابن إدريس. وكذا في الدروس نسب المنع إلى ابن إدريس خاصة ، فإذاً ما ذكره في المتن في محله ، أخذاً بظاهر النصوص عموماً وخصوصاً‌

[٢] المحكي عن أبي الصلاح : إلحاق الميراث مطلقاً بالهبة ، وكذا من وافقه على ذلك ومن خالفه. والمذكور في صحيح ابن مهزيار : التفصيل بين الذي لا يحتسب وغيره. ولأجله فصل في المتن بين المحتسب فجزم بعدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٢.

٥٢٣

في الذي ملكه من حيث لا يحتسب ، فلا يترك الاحتياط فيه ، كما إذا كان له رحم بعيد [١] في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات ، وكان هو الوارث له. وكذا لا يترك في حاصل الوقف الخاص [٢] ، بل وكذا في النذور. والأحوط استحباباً ثبوته في عوض الخلع ، والمهر [٣] ،

______________________________________________________

الخمس فيه اعتماداً على مفهوم الوصف ، وغيره فتوقف فيه ، إذ لا شبهة في عدم صدق التكسب فيه ، وبذلك افترق عن الهبة.

[١] الظاهر أنه يكفي ـ في كونه غير محتسب ـ عدم العلم بوجود الرحم وإن كان قريباً ، ما لم يكن أباً أو ابناً ، كما قيده به في النص. ويحتمل أن يكون قوله (ع) : « من غير أب ولا ابن » تفسيراً لغير المحتسب ، لأن الأب والابن يرث أحدهما الآخر على كل حال. وفيه : أن ذلك لا يختص بهما بل يجري في الأم والبنت.

[٢] الملك في الوقف ، تارة : يكون بمجرد جعل الوقف ، كما لو وقفه على أن يكون نماؤه لأولاده ، فيكون فائدة بلا قبول كالميراث. وأخرى يكون محتاجاً إلى القبول ، كما لو وقفه على أن يعطى نماؤه لأولاده فيكون بالقبول ملكاً ، وحينئذ يكون بحكم الهبة. وكذا الحال في النذر ، فقد يكون من قبيل نذر النتيجة فيكون كالميراث ، وقد يكون من قبيل نذر الفعل فيكون كالهبة. لكن تقدم الإشكال في صحة نذر النتيجة.

[٣] لم يتضح الفرق بين هذين وغيرهما من الفوائد. وما في الحدائق في الثاني ، من أنه عوض البضع ـ لو سلم ـ لا يجدي ، إذ يكون حاله حال الأجرة التي هي عوض العمل. ولذا عدهما في نجاة العباد في سلك الهبة والهدية وغيرهما من أفراد الفائدة.

٥٢٤

ومطلق الميراث حتى المحتسب منه [١] ونحو ذلك.

( مسألة ٥٠ ) : إذا علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب إخراجه [٢] ، سواء كانت العين ـ التي تعلق بها الخمس ـ موجودة فيها أو كان الموجود عوضها [٣]. بل لو علم باشتغال ذمته بالخمس وجب إخراجه من تركته مثل سائر الديون.

( مسألة ٥١ ) : لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة [٤] أو الصدقة المندوبة [٥] وإن زاد عن مئونة السنة. نعم لو نمت في ملكه ففي نمائها يجب ، كسائر النماءات.

( مسألة ٥٢ ) : إذا اشترى شيئاً ثمَّ علم أن البائع لم يؤد‌

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه إطلاق المحكي عن أبي الصلاح ومن تبعه.

[٢] إذ لا مقتضي لسقوطه بالموت ، وكفى بالاستصحاب دليلا على بقائه.

[٣] إذا كانت المعاملة على خمس العين باطلة يكون الخمس في الذمة فيكون كالفرض الذي بعده ، ويكون العوض مشتركاً بين من انتقل عنه ومن انتقل اليه.

[٤] كما في كشف الغطاء. نظراً إلى أنه ملك للسادة أو الفقراء ، فكأنه يدفع إليهم ما يطلبونه ، فيشكل صدق الفائدة ، كذا في رسالة شيخنا الأعظم رحمه‌الله. ولكنه غير ظاهر ، إذ لو سلم ما ذكر فملك شخص الفقير إنما كان بالقبض ، فالحكم فيه هو الحكم في الهبة بعينه ، لاشتراكهما في صدق الفائدة الاختيارية.

[٥] الصدقة المندوبة كالهدية والهبة ، غاية الأمر يعتبر فيها القربة دونهما. وهذا المقدار من الفرق لا يوجب الفرق في صدق الفائدة. والشبهة المتقدمة في الخمس والزكاة غير آتية فيها.

٥٢٥

خمسه كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضولياً [١] ، فإن أمضاه الحاكم رجع عليه بالثمن ، ويرجع هو على البائع إذا أداه ، وإن لم يمض فله أن يأخذ مقدار الخمس من المبيع.

وكذا إذا انتقل إليه بغير البيع من المعاوضات. وإن انتقل اليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك أهله.

( مسألة ٥٣ ) : إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس أو تعلق بها لكنه أداه ـ فنمت وزادت زيادة متصلة أو منفصلة ، وجب الخمس في ذلك النماء [٢]. وأما لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة عينية لم يجب خمس تلك الزيادة [٣] ، لعدم صدق التكسب ، ولا صدق حصول‌

______________________________________________________

[١] هذا إذا لم يكن له ولاية التبديل. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ الكلام في ذلك.

[٢] كما عن جمع التصريح به ، منهم العلامة في التحرير ، والشهيد الثاني في المسالك. قال ثانيهما : « لو زاد ما لا خمس فيه زيادة متصلة أو منفصلة وجب الخمس في الزائد .. ». لكن إطلاق وجوب الخمس فيه مبني على وجوبه في مطلق الفائدة ، ولو بني على اختصاصه بالتكسب كان الواجب تقييده به هنا. كما يشكل أيضاً وجوبه في النماء المتصل ـ كالسمن ونحوه ـ لعدم وضوح صدق الفائدة عليه. نعم مثل الصوف والثمرة حاله حال المنفصل.

[٣] كما عن التحرير والمنتهى. واستجوده في الحدائق ، ولم يستبعده في الغنائم ، وجزم به في الجواهر ، واستظهره شيخنا الأعظم ، معللا له بما في المتن. وفي المسالك قال ـ بعد عبارته السابقة ـ : « وفي الزيادة‌

٥٢٦

الفائدة. نعم لو باعها لم يبعد وجوب خمس تلك الزيادة من الثمن. هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة ورأس مالها [١]. كما إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الانتفاع‌

______________________________________________________

لارتفاع السوق نظر .. ». لكن في الروضة جزم بالوجوب. وفيه : أن الظاهر من الفائدة والغنيمة الزيادة في المال ، وذلك لا يتحقق بزيادة القيمة إذ لا زيادة في المال معها ، وإنما تكون الزيادة في المالية ، التي هي من قبيل الأمر الاعتباري المنتزع من وجود الراغب والباذل. ومنه يظهر أنه لا فرق بين البيع وعدمه ، إذ البيع إنما يقتضي تبديل المال بمال آخر ، لا زيادة مال على ماله. ولذا أطلق في التحرير نفي الخمس في الارتفاع ، خلافاً لما يظهر من محكي المنتهى ، حيث قال : « أما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه ، ولم يبعه ، لم يجب فيه .. ». فان ظاهر التقييد بعدم البيع وجوب الخمس لو باعه.

هذا إذا ملكها بغير معاوضة فباعها ، كما لو ورثها فباعها ، أو وهبت له فباعها ، أو اشتراها للاقتناء فباعها بغير جنس الثمن ، كما لو اشترى فرساً بدينار فباعها ببقرة أو بدراهم مع زيادة قيمتها في جميع ذلك ، فإنه لا خمس عليه في جميع ذلك ، لعدم الزيادة المالية. أما إذا ملكها بالمعاوضة للاقتناء فزادت قيمتها فباعها بأكثر من الثمن ، وجب الخمس في الزيادة حينئذ ، لصدق الفائدة. فإطلاق وجوب الخمس في الزيادة إذا باع العين ـ كما في المتن ـ غير ظاهر. إلا أن يكون منصرف كلامه صورة البيع بزيادة على الثمن.

[١] يعني : المال الذي قصد الاسترباح به ، في قبال ما لم يقصد الاسترباح به. سواء قصد الاسترباح بنمائه ـ كما لو اشترى داراً للاسترباح بأجرتها ، أو بقرة ليبيع لبنها فزادت قيمتهما ـ أو لم يقصد الربح بنمائه أصلا ، كما لو اشترى داراً ليسكنها ، أو بقرة ليشرب لبنها.

٥٢٧

بنمائها أو نتاجها أو أجرتها أو نحو ذلك من منافعها ، وأما إذا كان المقصود الاتجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها [١] بعد تمام السنة ، إذا أمكن بيعها وأخذ قيمتها.

______________________________________________________

[١] كما في رسالة شيخنا الأعظم (ره) ، وبه جزم في الجواهر ، حاكياً له عن الروضة وغيرها. لصدق الربح والفائدة. وفي الحدائق : « وهل يكفي ظهور الربح في أمتعة التجارة ، أم يحتاج الى البيع والإنضاض؟ وجهان. ولعل الثاني أقرب .. » وفي الغنائم : « فيه وجهان ، استقرب في الكفاية الثاني .. ».

أقول : ما في الجواهر وغيرها من صدق الربح والفائدة بمجرد الزيادة المالية ، غير ظاهر ، كما عرفت في المسألة السابقة. بل الظاهر عدم الصدق حقيقة ، ولا فرق بين المسألتين من هذه الجهة. نعم تفترقان بإمكان صدق الفائدة بالقوة هنا وعدمه هناك ، إذ على تقدير الإنضاض هنا تحصل الفائدة والزيادة ، وليس كذلك هناك ، بل ليس إلا تبديل مال بآخر وعروض بثمن ، فالبناء على وجوب الخمس هنا يتوقف على فهم الفائدة ـ ولو بالقوة ـ من الأدلة. لكنه غير واضح. ولذا استشكل في الجواهر فيما هو المشهور في باب المضاربة ، من ملك العامل الحصة بمجرد ظهور الربح. وقد نقل كلامه المصنف (ره) هناك ، وأورد عليه بما هو غير واضح. فلاحظ. وسيأتي منه في المسألة الآتية تعليل عدم ضمان خمس الزيادة بنحو ينافي ما ذكره هنا.

والانصاف أنه لا يبعد صدق الفائدة عرفاً ، بلحاظ أن العين لما كانت عوضاً عن مال بعينه ، فكلما ارتفعت القيمة على ذلك المال صدق الربح والفائدة عرفاً بلحاظ إمكان التبديل اليه بزيادة. والظاهر أن هذا المعنى من الفائدة هو المأخوذ موضوعاً في نصوص الخمس. كما أنه هو الموضوع في‌

٥٢٨

( مسألة ٥٤ ) : إذا اشترى عيناً للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية ، ولم يبعها غفلة أو طلباً للزيادة ، ثمَّ رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقل قبل تمام السنة ، لم يضمن خمس تلك الزيادة ، لعدم تحققها في الخارج [١]. نعم لو لم يبعها عمداً ـ بعد تمام السنة واستقرار وجوب الخمس ـ ضمنه [٢].

( مسألة ٥٥ ) : إذا عمر بستاناً ، وغرس فيه أشجاراً ونخيلا للانتفاع بثمرها وتمرها ، لم يجب الخمس في نمو تلك الأشجار والنخيل [٣]. وأما إن كان من قصده الاكتساب‌

______________________________________________________

باب المضاربة وفي الأحكام العرفية القانونية وغيرها. نعم لا يبعد اختصاص ذلك بما إذا كان شراء العين للاتجار بها والتكسب ، فلا يعم صورة شرائها للاقتناء ونحوه ، فيتوقف صدق الربح فيه على البيع.

[١] إذا كان عدم التحقق في الخارج مانعاً من تملك المستحق لخمسها فلا فرق بين هذا الفرض وما تقدم في المسألة السابقة وما في ذيل هذه المسألة. وان لم يكن مانعاً عن ذلك فلا يصلح تعليلا لعدم الضمان. والأولى تعليله : بأن عدم البيع ـ غفلة أو طلباً للزيادة ـ ليس تفريطاً موجباً للضمان والأصل البراءة منه. نعم لو كان عدم البيع لا لعذر كان اللازم الضمان كما في الصورة الآتية. وكان المناسب التعرض لهذا الفرض هنا.

[٢] قد عرفت أن هذا مبني على تعلق الخمس بمجرد ظهور الربح ، الحاصل بزيادة القيمة والمالية. وكان المناسب التعرض لصورة ترك البيع غفلة أو طلباً للزيادة ، مما يكون عذراً في ترك البيع ومانعاً من صدق التفريط واللازم البناء على عدم الضمان.

[٣] كأنه : لعدم قصد التكسب والاسترباح به. لكنه يتم بناء على.

٥٢٩

بأصل البستان فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمته ، وفي نمو أشجاره ونخيله [١].

( مسألة ٥٦ ) : إذا كان له أنواع من الاكتساب والاستفادة كأن يكون له رأس مال يتجر به ، وخان يؤجره وأرض يزرعها ، وعمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو التجارة أو نحو ذلك ـ يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع ، فيجب عليه خمس ما حصل منها ، بعد خروج مئونته [٢].

______________________________________________________

اعتباره في وجوب الخمس. وقد تقدم منه خلاف ذلك ، فلا يظهر وجه الجزم بالعدم هنا. مضافاً إلى منافاته لما تقدم في صدر المسألة الثالثة والخمسين من وجوب الخمس في الزيادة المتصلة والمنفصلة. اللهم إلا أن يكون المراد مما هنا صورة ما لو كان المقصود الانتفاع بعين النماء ، لاحتياجه اليه وكونه من المؤن. لكنه خلاف ظاهر المقابلة مع الشق الثاني. فالفرض على ظاهره حكمه حكم الفرض السابق في المسألة المذكورة ، فيجب الخمس في النماء المذكور لصدق الفائدة والغنيمة. نعم إذا كان النماء متصلا لم يجب الخمس فيه ، كما سبق بيانه.

[١] لكون كل منهما ربحاً لمال التجارة بناء على ما سبق في زيادة قيمة مال التجارة ، من وجوب الخمس فيه. أما بناء على الاشكال فيه يختص الخمس بالنمو ، يعني : المنفصل دون المتصل‌

[٢] قال في الدروس والحدائق : « ولا يعتبر الحول في كل تكسب ، بل يبدأ الحول من حين الشروع في التكسب بأنواعه ، فإذا تمَّ خمس ما فضل .. » ومال إليه في محكي المدارك والكفاية ، بل حكي أيضاً عن حاشية الشرائع‌

٥٣٠

______________________________________________________

للكركي. فإذا شرع في الكسب بأحد الأنواع أول المحرم ، لاحظ مجموع الأرباح الحاصلة له من ذلك النوع ومن غيره من الأنواع إلى آخر ذي الحجة ربحاً واحداً ، كما يلاحظ جميع المؤن التي عليه في تمام السنة المذكورة مئونة واحدة ، ويستثني مجموع المؤنة من مجموع الربح ، والباقي يجب الخمس فيه.

هذا وفي الروضة : « ولو حصل الربح في الحول تدريجاً اعتبر لكل خارج حول بانفراده. نعم توزع المؤنة في المدة المشتركة بينه وبين ما سبق عليهما ، ويختص بالباقي ، وهكذا .. ». وفي المسالك : « وإنما يعتبر الحول بسبب الربح ، فأوله ظهور الربح ، فيعتبر منه مئونة السنة المستقبلة ولو تجدد ربح آخر في أثناء الحول كانت مئونة بقية الحول الأول معتبرة منهما. وله تأخير إخراج خمس الربح الثاني إلى آخر حوله ، ويختص بمؤنة بقية حوله بعد انقضاء حول الأول ، وهكذا .. ». ونحوه ما في غيرها. فلو ربح في الأول من المحرم عشرة دراهم ، وفي الأول من رجب عشرة دراهم ، وفي الأول من ذي الحجة عشرة دراهم ، استثنى من الأول مئونة السنة التي تنتهي بأول المحرم الثاني. ومن الثاني مئونة السنة التي تنتهي بأول رجب الثاني. ومن الثالث مئونة سنته التي تنتهي بأول ذي الحجة الثاني. فمئونة ما بين محرم ورجب يختص استثناؤها بالربح الأول ، ولا يجوز استثناؤها من الربحين الأخيرين ، لعدم كونها في سنتهما. كما أن مئونة ما بين رجب وذي الحجة لا يجوز استثناؤها من الربح الأخير ، لعدم كونها في سنته ، بل تستثنى من الأولين ـ على التوزيع أو التخيير ـ على اختلاف الوجهين. ومئونة ذي الحجة تستثنى من الأرباح الثلاثة ، لأنها مئونة سنيها ، على التوزيع أو التخيير.

وقد يدعى تعين الثاني ، تارة : من جهة أن الأرباح المتدرجة في الزمان متعددة حقيقة ، فملاحظتها أمراً واحداً محتاج إلى عناية. وأخرى : من‌

٥٣١

______________________________________________________

جهة أنه لا بد من تقييد الأرباح بالسنة على الوجه الأول ، مع أنه لا قرينة عليه. بخلاف الوجه الثاني. وثالثة : من جهة ما تقدم في الغوص والمعدن والكنز ، من البناء على ملاحظة كل فرد مستقلا موضوعاً للحكم مع التعدد عرفاً. ولا يظهر الفرق بينهما وبين المقام.

اللهم إلا أن يدفع ذلك كله : أن البناء على الثاني يستوجب ملاحظة مقدار المؤن ـ الواقعة فيما بين الأرباح ـ وضبطها على نحو يعلم كيفية التوزيع وذلك حرج شديد في أكثر أنواع الاكتساب. لا سيما في مثل الصانع الذي يربح في كل يوم أو في كل ساعة شيئاً. ولو وجب مثل ذلك لزم الهرج والمرج ، ولكثر السؤال واستيضاح الحال على نحو لا يبقى على مثل هذا الإهمال والاشكال ، فدل عدم ذلك على عدمه. ولذا قال في الجواهر : « قد يدعى القطع به ـ يعني بالأول ـ في نحو الصنائع المبني ربحها على التجدد يوماً فيوماً أو ساعة بعد أخرى .. ».

مضافاً إلى أن ظهور المؤنة في مئونة السنة مساوق لظهور الربح في ربح السنة ، بقرينة الارتكاز العرفي. فكأنه قيل : « يجب الخمس في ربح السنة بعد وضع مئونتها ». ويشير إلى ذلك ما في صحيح ابن مهزيار : « فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام .. » (١) ، فتكون الأرباح الواقعة في كل سنة ملحوظة بما أنها ربح السنة ، ويجب فيها الخمس بعد استثناء مئونة تلك السنة. وبذلك افترق المقام عما تقدم في الغوص والمعدن والكنز ، من ملاحظة كل فرد في قبال غيره ، لعدم مجي‌ء ما ذكرنا فيه. وبما ذكرنا يظهر أنه لا فرق بين اتحاد جنس التجارة وتعدده ، لاشتراك ما ذكرنا في الجميع على نحو واحد. والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٥.

٥٣٢

( مسألة ٥٧ ) : يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره [١] ، فلو اشترى شيئاً فيه ربح وكان للبائع الخيار لا يجب خمسة إلا بعد لزوم البيع ومضي زمن خيار البائع.

( مسألة ٥٨ ) : لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً ، فاستقاله البائع فأقاله ، لم يسقط الخمس [٢]. إلا إذا كان من شأنه أن يقيله [٣] ، كما في غالب موارد البيع بشرط الخيار إذا رد مثل الثمن.

( مسألة ٥٩ ) : الأحوط إخراج خمس رأس المال [٤]

______________________________________________________

[١] لأنه منصرف النصوص. لكن يكفي الاستقرار الواقعي بنحو الشرط المتأخر ، فحينئذ يجب خمسه إذا كان البيع يلزم بعد ذلك. فلو ربح في آخر السنة ، وكان لزوم البيع في أثناء السنة اللاحقة ، فإذا لم يفسخ من له الفسخ في السنة الثانية انكشف تحقق الربح في السنة السابقة ، وكان من أرباحها لا من أرباح السنة اللاحقة.

[٢] لإطلاق أدلته ، وأصالة عدم سقوطه.

[٣] إذ حينئذ تكون الإقالة من قبيل المؤن المستثناة. وحينئذ فإن كانت في سنة الربح لم يجب الخمس ، وإن كانت في السنة اللاحقة وجب لعدم استثنائها. ويحتمل أن تكون مانعة من صدق الربح ، فلا فرق بين الصورتين. لكنه غير ظاهر.

[٤] قال في الغنائم : « لا إشكال في أن رأس المال ، وما لا يعد للصرف ويدخر للقنية ـ كالفرش ، والظروف ، ونفس الضيعة التي هي مستغل لها ، وأمثال ذلك ـ لا يحسب من المؤنة .. ». وقال فيها بعد ذلك. « والظاهر أن تتميم رأس المال لمن احتاج اليه في المعاش من المؤنة ،

٥٣٣

______________________________________________________

كاشتراء الضيعة لأجل المستغل .. ». والمراد بالأولى صورة عدم الحاجة ، وبالثانية صورة الحاجة فلا تنافي بين العبارتين.

والمراد من الحاجة أن يكون المالك بنحو يحتاج ـ بحسب شأنه ـ أن يكون له رأس مال يتجر به ، بحيث يكون اتجاره عامل مضاربة ـ مثلا ـ نقصاً عليه وخلاف ما ينبغي له. فهذا المقدار ـ الذي يحتاجه في تجارته ـ حاله حال الفرش والأواني المحتاج إليها معدود من مئونته ، فإذا لم يجب الخمس فيها آخر السنة لم يجب الخمس فيه ، لإطلاق ما دل على استثناء المؤنة. وكأن وجه توقف المصنف (ره) فيه : احتمال انصراف المؤنة عنه أو عدم شمولها له ، فإنه يحتاج إليه في حصول المؤنة لا نفس المؤنة.

لكن الأوجه خلافه ، فان المؤنة أعم من ذلك ، فإن البقرة إنما يحتاج إليها لللبن ـ وكذلك الشجرة للثمرة ـ مع أنها معدودة عرفاً مئونة. مع أن المفروض أن الاحتياج الى رأس المال ليس لتحصيل المؤنة ، بل لكونه في نفسه محتاجاً اليه ولو مع حصول مئونته من غيره ، بأن كان له من يكفله ويعول به ، فيكون حاله حال الحلي للمرأة. نعم هذا الفرض نادر ، لكن الندرة لا تنافي صحة استثنائه على تقدير تحقق الفرض. نعم لو كان الاحتياج إليه لأجل تحصيل المؤنة ، فصدق المؤنة عليه خفي. ويشكل لذلك استثناؤه من الخمس.

هذا ولكن قد يشكل ما ذكر من الاستثناء : بأن رأس المال إنما يكون محتاجاً إليه في السنة اللاحقة. أما في سنة الربح فهو حاصل لديه غير محتاج إلى رأس مال آخر. ولأجل أنه يختص استثناء المؤنة بما كان من مئونة سنة الربح فلا وجه لاستثنائه. وفيه : أنه إذا كان محتاجاً إليه في هذه السنة كانت حاله حال الظروف والفرش ونحوهما مما يحتاج إلى عينه ، فيكون من المؤنة ولا يتعلق به الخمس. وحصوله فعلا لا أثر له في خروجه‌

٥٣٤

إذا كان من أرباح مكاسبه ، فاذا لم يكن له مال من أول الأمر فاكتسب ـ أو استفاد مقداراً ـ وأراد أن يجعله رأس المال للتجارة ويتجر به ، يجب إخراج خمسه على الأحوط ثمَّ الاتجار به.

( مسألة ٦٠ ) : مبدأ السنة ـ التي يكون الخمس بعد خروج مئونتها حال الشروع في الاكتساب [١] فيمن شغله التكسب. وأما من لم يكن مكتسباً وحصل له فائدة اتفاقاً فمن حين حصول الفائدة.

______________________________________________________

عن مورد الاستثناء.

هذا وفي رسالة شيخنا الأعظم (ره) ـ بعد أن عد من المؤنة تبعاً للغنائم تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش ، كاشتراء الضيعة لأجل المستغل ـ قال (ره) : « والظاهر أنه لا يشترط التمكن من تحصيل الربح منه بالفعل ، فيجوز صرف شي‌ء من الربح في غرس الأشجار لينتفع بثمرتها ولو بعد سنين. وكذلك اقتناء إناث أولاد الانعام .. ». وما ذكره غير ظاهر ، لأنه ليس من مئونة السنة ، فلا تشمله الأدلة. وعلى هذا يتعين تقويمه في آخر السنة وإخراج خمسه. أو تخميس ثمنه ، بناء على ما عرفت : من أن ما يشترى للاقتناء ـ مما لم يكن من المؤنة ـ لا تلحظ قيمته ، وإنما يلحظ ثمنه فقط.

[١] كما في صريح عبارتي الدروس والحدائق ، المتقدمتين في المسألة السادسة والخمسين. واختاره شيخنا الأعظم ، لأنه المتعارف في عام الربح ، الذي تلحظ المؤنة بالنسبة إليه. فالزارع عام زراعته ـ التي تؤخذ مئونته من الزرع ـ أول الشروع في الزرع. وكذا عام التجارة والصناعة ، الذي‌

٥٣٥

______________________________________________________

يأخذ التاجر والصانع مئونته منه ، فإنه أول زمان الشروع في التجارة والصناعة. نعم ما لا يحصل بالاكتساب ـ من الفوائد والغنائم ـ مبدأ عامه زمان حصوله ، لأن نسبته إلى الأزمنة السابقة على السواء ، فلا وجه لعد بعضها من عامه. ولأجله يضعف ما في الروضة والمسالك وعن المدارك ، من كون مبدأ السنة ظهور الربح الذي هو زمان تعلق الخمس ، ومال إليه في الجواهر ، لأنه المنساق من النصوص والفتاوى. بل هو الذي يقتضيه الإطلاق المقامي ، فان عدم بيان مبدأ السنة ـ مع كون المتكلم في مقام البيان ـ يقتضي ذلك ، لأن تعين زمان ظهور الربح يصلح أن يكون قرينة على تعين المبدأ ، وليس ما يصلح لتعيينه سواه ، فيتعين أن يكون الاعتماد عليه.

وجه الضعف : أن التعارف أولى بالصلاحية للاعتماد عليه في التعيين اللهم إلا أن يقال : إنما يتم ذلك لو اختص الوجوب بالفوائد المكتسبة. أما لو بني على عموم الحكم لمطلق الفائدة فلا مجال له ، للزوم التفكيك في مبدأ العام بين الفوائد ، إذ لا ريب أن مبدأ العام بالنسبة إلى الفوائد غير الحاصلة بالاكتساب أول زمان حصول الفائدة ، والخطاب لا يقبل التفكيك المذكور. وفيه : أن ذلك ليس تفكيكاً في مفهوم عام الربح ، وإنما هو تفكيك في مصداقه ، ولا مانع منه ، فيراد من مئونة السنة عام الربح. وكما يمكن اختلاف أعوام الربح باختلاف أزمنته ، كذلك يمكن اختلافها باختلاف أنواع الربح ، فان كان هناك تعارف في مبدأ العام بالنسبة إلى صنف خاص من الربح كان عليه المعول ، وإلا كان المبدأ زمان الربح.

والانصاف أن عام الربح مبدؤه زمان الربح ، وعام التجارة أو الصناعة مبدؤه أول التجارة أو الصناعة ، فإذا كان المفهوم من أدلة استثناء المؤنة مئونة عام الربح ، كان مبدأه أول الربح. وإطلاق عام الربح على ما يكون أوله‌

٥٣٦

( مسألة ٦١ ) : المراد بالمؤنة [١] مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الربح ـ [٢] : ما يحتاج إليه لنفسه وعياله في معاشه‌

______________________________________________________

زمان التجارة ـ مثلا ـ إنما يكون بعناية ، يعني : عام التجارة الذي كان لأجلها الربح ، فالإضافة إلى الربح بنحو من الواسطة ، وحينئذ يكون حمل النصوص عليه غير ظاهر. وتعارف وضع المؤنة عن أول الكسب على الربح اللاحق لم يثبت في عصر صدور النصوص بنحو يرفع به اليد عن الإطلاق المقامي المتقدم.

إلا أن يقال : نصوص استثناء المؤنة مختلفة ، فما كان وارداً منها في ربح التجارة ونحوها ، فالمؤنة فيه تنصرف إلى مئونة سنة التجارة ، كخبر علي بن شجاع، وصحيح ابن راشد ، وصحيح ابن مهزيار (١). فان موضوعها التاجر والصانع وصاحب الضيعة ، فمبدأ السنة أول التجارة والصناعة والشروع في عمل الضيعة. ونحوها غيرها. وهذه الطائفة عمدة نصوص المؤنة ، وأما غيرها مما ليس له مورد ـ مثل صحيح البزنطي ، وتوقيع الهمداني (٢) فاما هو مهمل مجمل. أو مطلق يقيد بما ذكر ، فلا يصلح لمعارضة ظهور الأول. ويكفي في دعوى كون مبدأ السنة حصول الفائدة ـ مما لم يكن معها عمل ـ الإجماع. فتأمل جيداً.

[١] لفظ المؤنة ـ كسائر الألفاظ المذكورة في الكتاب والسنة ـ يرجع في تحديد مفهومها إلى العرف. والظاهر منها مطلق ما يحتاج اليه عرفاً في جلب المحبوب أو دفع المكروه.

[٢] بلا إشكال ولا خلاف. واستثناؤها هنا أوضح من استثنائها فيما سبق من الغوص والمعدن والكنز ، لعدم صدق الفائدة والربح إلا على ما يبقى.

__________________

(١) تقدم ذكر الأخبار المذكورة في أوائل الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١ ، ٢‌

٥٣٧

ـ بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة ـ من المأكل والملبس والمسكن ، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه [١] وجوائزه وأضيافه ، والحقوق اللازمة له بنذر ، أو كفارة ، أو أداء دين ، أو أرش جناية ، أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأ. وكذا ما يحتاج إليه ، من دابة ، أو جارية ، أو عبد ، أو أسباب‌

______________________________________________________

بعد إخراجها ، كما ذكر في الجواهر وغيرها. ولما في مكاتبة يزيد ـ المتقدمة في تفسير الفائدة ـ من قوله (ع) : « وحرث بعد الغرام » (١) ولخبر ابن شجاع المتقدم. وعلى هذا يستثنى من الخمس جميع ما يصرفه التاجر في إدارة تجارته ، من أجرة الدكان ، والحارس ، والحمال ، وضريبة الحكومة والسرقفلية ، وأجرة الدلال ، وأجرة الآلات التي يتجر بها ، وغير ذلك مما صرفه في سبيل تجارته وكسبه ، وكذلك ثمن القرطاس والآلات المحتاج إليها كل ذلك يستثنى من الربح ويخمس ما زاد عليه. نعم إذا كانت الأعيان التي اشتراها غير مستهلكة تقوم بالقيمة وتضمه الى الربح ، ومنها حق السرقفلية إذا كان له قيمة وكان حقا شرعياً ، فيقوم ويضم الى الربح.

[١] حكي عن بعض الأجلة : الاستشكال في كون الهدية والصلة اللائقين بحاله من المؤنة. وكذا مئونة الحج المندوب ، وسائر سفر الطاعة المندوبة. بل استظهر العدم ، وتبعه في المستند ، إلا مع دعاء الضرورة العادية إليهما. وعن ابن فهد في الشاميات : تقييد الضيافة بالاعتياد والضرورة ووافقه أيضاً في المستند. ثمَّ قال : « بل في كفاية الاعتياد أيضاً نظر. إلا أن يكون بحيث يذم بتركها عادة .. ».

أقول : عرفت أن المؤنة عبارة عما يحتاج إليه في جلب المحبوب ودفع المكروه. نعم إطلاق نصوص المؤنة منصرف إلى المتعارف ، فالخارج غير‌

__________________

(١) تقدم ذكر الرواية في أواخر الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

٥٣٨

أو ظرف ، أو فرش ، أو كتب. بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم ونحو ذلك ، مثل ما يحتاج إليه في المرض ، وفي موت أولاده أو عياله ، إلى غير ذلك مما يحتاج إليه في معاشه. ولو زاد على ما يليق بحاله مما يعد سفهاً وسرفاً بالنسبة إليه لا يحسب منها.

( مسألة ٦٢ ) : في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه ـ من المؤنة إشكال ، فالأحوط ـ كما مر ـ إخراج خمسه أولا [١]. وكذا في الآلات المحتاج إليها في كسبه ، مثل آلات النجارة للنجار ، وآلات النساجة للنساج ، وآلات الزراعة للزراع ، وهكذا .. فالأحوط إخراج خمسها أيضاً أولا.

( مسألة ٦٣ ) : لا فرق في المؤنة بين ما يصرف عينه‌

______________________________________________________

مستثنى ، لا أنه ليس من المؤنة. فالمستحبات المتعارفة لمثل المالك داخلة في المستثنى ، وغيرها خارج عنه وإن اشتركت في الصدق. ومنه يظهر : أن مثل بناء المساجد ، وعمارة الجسور والمعابر قد يستثنى بالنسبة إلى شخص ولا يستثنى بالنسبة إلى آخر ، لاختلاف المتعارف بالنسبة إليهما. وهذا هو الذي أشار إليه في المتن وغيره بقوله : « بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة .. ».

ومنه تعرف الوجه في عدم احتساب ما زاد عنها وإن لم يعد سرفاً وسفهاً ، فضلا عما لو عد كذلك ، الذي لا إشكال ظاهر في عدم عده من المؤن. وفي حاشية الجمال على الروضة : نفي الريب فيه ، وفي الجواهر : « لا أجد فيه خلافاً .. ».

[١] مر الكلام فيه. وهو بعينه جار بالإضافة إلى الآلات المحتاج إليها في كسبه.

٥٣٩

فتتلف ، مثل المأكول والمشروب ونحوهما ، وبين ما ينتفع به مع بقاء عينه [١] ، مثل الظروف والفروش ونحوها. فاذا احتاج إليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها وإن بقيت للسنين الآتية أيضاً.

( مسألة ٦٤ ) : يجوز إخراج المؤنة من الربح وإن كان عنده مال لا خمس فيه [٢] ، بأن لم يتعلق به ، أو تعلق وأخرجه. فلا يجب إخراجها من ذلك بتمامها ، ولا التوزيع وإن كان الأحوط التوزيع ، والأحوط منه إخراجها بتمامها‌

______________________________________________________

[١] كما صرح به جمع كثير. لأنها من المؤنة ، فتشملها إطلاقات استثنائها. وسيجي‌ء الكلام في وجوب إخراج خمسها إذا بقيت إلى نهاية السنة. أما لو تلفت في الأثناء ـ كما لو انكسر الإناء ، أو احترق الفراش في أثناء السنة ـ فلا يجب إخراج خمسه قطعاً.

[٢] كما قواه في الروضة. وحكي عن المحقق الثاني والمدارك والكفاية والذخيرة وشارح المفاتيح ، واستجوده في الحدائق ، وجعله أصح الأقوال في كشف الغطاء ، وقواه في الجواهر. وشيخنا الأعظم (ره) للأصل ، وإطلاق ما تضمن : أن الخمس بعد المؤنة ، الشامل لصورتي وجود مال آخر وعدمه ودعوى : أن الغالب الاحتياج إلى أخذ المؤنة من الربح ، فتحمل النصوص عليه ، مندفعة : بمنع الغلبة أولا. وبأن الغلبة لا تسقط الإطلاق عن الحجية ثانياً.

ولأجل ذلك يظهر ضعف ما عن الأردبيلي ، من تعين إخراجها من غير الربح إذا كان له مال آخر ، للاحتياط ، وإطلاق أدلة الخمس. إذ المتبادر مما دل على أن الخمس بعد المؤنة صورة الاحتياج إليه في المؤنة مع عدم صحة سنده. والإجماع ونفي الضرر يختصان بصورة الاحتياج. مع‌

٥٤٠