مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

( مسألة ٢٠ ) : يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير [١] إذا لم يكن ذلك الغير باذلاً لنفقته ، إما لفقره ، أو لغيره.

سواء كان العبد آبقاً أو مطيعاً.

______________________________________________________

قيامهم بالمؤنة اللازمة. وأن له حوائج أخرى زائدة عليها كما عرفت ، فلا يكون مما نحن فيه. ولا سيما بملاحظة عدم فرض العجز عن إتمام النفقة فيه. وإطلاقه من هذه الجهة لا يمكن الأخذ به ، لما تقدم من عدم جواز الأخذ من المنفق الزكاة ولو لا تمام النفقة ، فيتعين حمله على ما ذكرنا. فالعمدة في جواز أخذ الزكاة منه الإطلاق.

ثمَّ إنه إذا بني على جواز أخذ الزكاة من المنفق في صورة العجز عن النفقة التامة ـ اعتماداً على هذه النصوص ـ فالبناء عليه في صورة العجز عن أصل النفقة أولى. فالجزم بالعدم في الثانية ، والتوقف فيه في الأولى ـ كما في المتن ـ غير ظاهر.

[١] بناء على ملكيه العبد ، لا ينبغي التأمل في أن مقتضى إطلاق الأدلة ـ أنه مع عجز المالك عن القيام بنفقته ـ جواز دفع الزكاة إليه بنحو التمليك من سهم الفقراء كالحر. أما بناء على عدم ملكيته ، فلا مجال لدفع الزكاة إليه بنحو التمليك. إنما الإشكال في جواز صرفها عليه من سهم الفقراء ـ للإشكال في صحة صرف هذا السهم على الفقراء بلا تمليك لهم ـ أو أنه يعتبر فيه الدفع بنحو التمليك؟ ظاهر جماعة ممن صرح باعتبار الحرية في أوصاف المستحق هو الثاني ـ واختاره في الجواهر ـ لظهور الأدلة في ذلك خصوصاً ما تضمن منها : جواز تصرف الفقير بما يقبضه من الزكاة كيف يشاء لأنه ملكه ، فضلا عن قوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ... ) (١) لكن عرفت في أول الفصل : أن مفهوم التصدق لا يتوقف على التمليك‌

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

٣٠١

______________________________________________________

بل كما يكون به يكون بالصرف على المستحق. فراجع. وأما ما دل على جواز تصرف الفقير بالزكاة يتصرف بماله ، وأنه يتصدق به ويحج ويؤجر كما يؤجر غيره ، وأنها كماله يصنع بها ما يشاء ، فلا يدل على انحصار التصدق عليه بالتمليك. واللام في الآية للاستحقاق ، كما يقتضيه القول بعدم وجوب البسط. نعم قد يستفاد مما دل على أنه ليس في مال المملوك شي‌ء ولو كان له ألف ألف ، ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئاً ـ كصحيح ابن سنان وغيره ، مما تقدم في مبحث اشتراط الحرية في وجوب الزكاة ـ عدم جواز إعطائه من الزكاة مطلقاً. لكن التعليل بلزوم النفقة في نصوص واجب النفقة ـ المذكور هو معهم ـ يقتضي تخصيص المنع بالمولى في صورة لزوم نفقته عليه. واحتمال أن في المملوك مانعين ، أحدهما ذاتي للرقية ، والآخر عرضي للزوم نفقته ، والنصوص الأول تعرضت للأول والثانية تعرضت للثاني ، خلاف ظاهر التعليل في انحصار المانع باللزوم. ولو سلم فلا يبعد أن يكون المراد إعطاءه بنحو التمليك ، كما هو الشائع المتعارف. لا أقل من حملها على ذلك ، بقرينة إطلاق موضوعات الزكاة. وعليه لا يجوز تمليكه إياها وان قلنا بملكه ، ولا مانع من صرفها عليه مع عجز المولى عن إنفاقه. أو يكون المراد من احتياجه ـ المذكور في النص ـ ما يقابل الغنى المسبب عن تسليط المولى له على طائفة من المال لعدم كفاية مجرد الاحتياج بالمعنى المذكور ـ مع بذل المولى لنفقته ـ في جواز إعطائه ، كما استظهره شيخنا الأعظم (ره). لكن الأول أقرب. وعليه فلا يجوز تمليكه للزكاة وإن جاز صرفها عليه ،

هذا وربما يمنع عن خصوص زكاة المولى دون غيره ، لعدم كون إيتاء المولى إياها إيتاء للزكاة. أو لما عن غير واحد من التصريح : بأنه لو تبين كون المدفوع اليه عبد الدافع لم يجز. وفيه : أنه لا وجه لمنع صدق الإيتاء مع صرفها عليه كصرفها على غيره من الفقراء. وعدم الاجزاء في‌

٣٠٢

الرابع : أن لا يكون هاشمياً إذا كانت الزكاة من غيره [١] ،

______________________________________________________

الفرض المذكور لعله مختص بغير صورة العلم بصرفها في حوائجه ، وإلا فهو ممنوع جداً ، لأنه خلاف إطلاق الأدلة. وليس هو إجماعاً ليكون حجة ومقيداً للأدلة.

والمتحصل : أن منع العبد من الزكاة إما أن يكون لنصوص المنع من إعطاء واجب النفقة ، وإما لأن إعطاء الزكاة لا يكون إلا بنحو التمليك بضميمة ما دل على أن العبد لا يملك ، وإما لنصوص المنع من إعطاء الزكاة للعبد وإن احتاج إليها. والجميع عرفت إشكاله ، فإن الأول يختص بالمالك مع لزوم الإنفاق عليه. والثاني ممنوع. مع أن التحقيق إمكان ملك العبد. والثالث محمول على خصوص الإعطاء بنحو التمليك.

[١] بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين ، بل وبين المسلمين ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه متواتر. كالنصوص التي اعترف غير واحد أنها كذلك ، كذا في الجواهر. ومن النصوص الدالة عليه : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « لا تحل الصدقة لولد العباس ، ولا لنظرائهم من بني هاشم » (١) ، ومصحح الفضلاء : « قال رسول الله (ص) : إن الصدقة أوساخ أيدي الناس ، وإن الله تعالى قد حرم علي منها ومن غيرها ما قد حرمه ، وإن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب » (٢) وخبر إسماعيل ابن الفضل الهاشمي : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ، ما هي؟ قال (ع) : هي الزكاة. قلت : فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال (ع) : نعم (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٥.

٣٠٣

مع عدم الاضطرار. ولا فرق بين سهم الفقراء وغيره من سائر السهام [١] ، حتى سهم العاملين وسبيل الله. نعم لا بأس بتصرفه في الخانات والمدارس وسائر الأوقاف المتخذة من سهم سبيل الله. أما زكاة الهاشمي فلا بأس بأخذها له [٢] ،

______________________________________________________

[١] كما عن جماعة التصريح به. ويقتضيه إطلاق معاقد الإجماعات ، بل عن صريح كتاب القسمة من الخلاف : دعوى الإجماع على عدم الجواز مطلقاً. وفي صحيح العيص عن أبي عبد الله (ع) : « إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله (ص) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي ، وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله عز وجل للعاملين عليها ، فنحن أولى به. فقال رسول الله (ص) : يا بني عبد المطلب ( هاشم ، خ ل ) إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ، ولكني قد وعدت الشفاعة .. ( إلى أن قال ) : أتروني مؤثراً عليكم غيركم؟ .. » (١).

وعن كشف الغطاء : التأمل في حرمة سهم سبيل الله وسهم المؤلفة والرقاب ، مع فرضهما بارتداد الهاشمي. أو كونه من ذرية أبي لهب ، ولم يكن في سلسلة مسلم. وبتزويجه الأمة واشتراط رقية الولد عليه ، على القول به. وكأنه للتعليل في بعض النصوص : بأنها أوساخ أيدي الناس ، الدال على أن منعهم إياها تكريم لهم. وهو غير منطبق على سهم المؤلفة ، لعدم استحقاقهم هذا التكريم ، ولا على سهم الرقاب ، لعدم تصرفهم فيه بوجه وإنما يدفع إلى المالك عوضاً عن رقابهم. وأما تأمله في سهم سبيل الله فلأجل قيام السيرة على تصرفهم فيه ـ كغيرهم ـ في جملة من الموارد. لكن كان عليه التأمل أيضاً في سهم الغارمين ، لأن إفراغ ذمته كفك رقبته.

[٢] إجماعاً بقسميه أيضاً ، كما في الجواهر. والنصوص به مستفيضة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٣٠٤

من غير فرق بين السهام أيضاً ، حتى سهم العاملين. فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم. وكذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له ، مع الاضطرار إليها [١] وعدم كفاية الخمس [٢] وسائر الوجوه. ولكن الأحوط حينئذ‌

______________________________________________________

منها خبر الهاشمي المتقدم.

[١] إجماعاً صريحاً ، وظاهراً محكياً عن جماعة. ويشهد له : موثق زرارة عن أبي عبد الله (ع) ، قال : « إنه لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة. إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم. ثمَّ قال : إن الرجل إذا لم يجد شيئاً حلت له الميتة ، والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئاً ، ويكون ممن يحل له الميتة » (١).

[٢] هذا تفسير للضرورة المسوغة لدفع الزكاة اليه. والذي يقتضيه الموثق ـ بقرينة تشبيه الزكاة بالميتة ، وما في ذيله من قوله (ع) : « ويكون ممن يحل .. » الظاهر عطفه على ( لا يجد ) ، فالمعنى حينئذ : والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن يكون ممن تحل له الميتة ـ اعتبار الضرورة المسوغة لأكل الميتة. والمصرح به في كلام جماعة ـ بل هو المشهور ـ تفسيرها : بعدم التمكن من الخمس بل ادعى عليه جماعة الإجماع صريحاً وظاهراً. قال السيد (ره) في الانتصار : « ومما انفردت به الإمامية القول بأن الصدقة إنما تحرم على بني هاشم إذا تمكنوا من الخمس الذي جعل لهم عوضاً عن الصدقة وإذا حرموه حلت الصدقة لهم ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه : الإجماع المتردد. ويقوى هذا المذهب بظاهر الأخبار : بأن الله تعالى حرم الصدقة على بني هاشم وعوضهم بالخمس منها ، فاذا سقط ما عوضوه به لم تحرم عليهم الصدقة .. » وفي الغنية في شرائط المستحق :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٣٠٥

______________________________________________________

« وأن لا يكون من بني هاشم ، المستحقين للخمس ، المتمكنين من أخذه. بدليل الإجماع المتكرر .. ». وفي الخلاف : « تحل الصدقة لآل محمد (ص) عند فوت خمسهم ، أو الحيلولة بينهم وبين ما يستحقون من الخمس. وبه قال الإصطخري من أصحاب الشافعي. وقال الباقون من أصحابه : إنها لا تحل لهم ، لأنها إنما حرمت عليهم تشريفاً وتعظيما ، وذلك حاصل مع منعهم الخمس. دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم .. ». وفي المعتبر : « قال علماؤنا : إذا منع الهاشميون من الخمس حلت لهم الصدقة ، وبه قال الإصطخري. ( إلى أن قال ) : لنا أن المنع إنما هو لاستغنائهم بأوقر المالين ، فمع تعذره يحل لهم الآخر .. ». وعن المنتهى : « إن فتوى علمائنا أجمع على جواز تناول الزكاة مع قصور الخمس عن كفايتهم .. ». وفي الحدائق : « لا خلاف بين الأصحاب ـ على ما نقله غير واحد ـ في جواز إعطائهم من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس عن كفايتهم .. ». ونحوها عن غيرها وعليه فان جاز الاعتماد على مثل هذه الإجماعات لم يكن وجه لاعتبار عدم كفاية سائر الوجوه.

اللهم إلا أن يكون ذكر الخمس في كلماتهم من باب المثال لكل مال يصح له أخذه ، من زكاة الهاشمي ، والصدقات المندوبة ، ونحو ذلك. وذكره بالخصوص ، لأنه الغالب. لكن يأباه التعليل في كلام السيد المرتضى وغيره ، وإن كان المستند الموثق فظاهره ـ كما سبق ـ اعتبار الضرورة بنحو يحل له أكل الميتة ، ولا يكفي قصور الخمس وغيره من الوجوه عن المؤنة. نعم صدره ظاهر في كفاية قصور الخمس وحده عنها. والجمع بين الصدر والذيل لا يخلو من إشكال. لكن البناء على ظاهر الذيل خلاف المقطوع به ، فضلا عن أن يكون مخالفاً للإجماع. بل الحل عند حل الميتة مما لا يحتاج إلى بيان ، ولا يتفق وقوعه إلا نادراً ، فكيف يمكن حمل النص عليه؟.

٣٠٦

الاقتصار على قدر الضرورة يوماً فيوماً [١] مع الإمكان.

( مسألة ٢١ ) : المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال الواجبة [٢].

______________________________________________________

والمظنون : أن الصدر هو الكلام الوارد في مقام بيان التحليل ، وقد تمَّ عند قوله (ع) « سعتهم » ، وأن الكلام بعد ذلك كان كلاماً منفصلا عن الأول ، صدر لأمر ما ، وليس المقصود منه تقييد الصدر بصورة الضرورة. وكيف كان فالاعتماد على الإجماعات المحكية في كلام الأساطين قوي جداً.

[١] كما عن ابن فهد وغيره. وقيده بعض : بما إذا لم يتوقع ضرر الحاجة إن لم يدفع اليه ما يكمل قوت السنة. وعن بعض : أنه يأخذ كفاية السنة. إلا أن يرجى حصول الخمس في الأثناء. والذي يظهر من معاقد الإجماعات المتقدمة : أن ما يجوز أخذه من الصدقة مشروط بقصور الخمس.

وحينئذ فإن أحرز القصور في تمام السنة جاز أخذ مئونة السنة ، وإن لم يحرز ذلك اقتصر على المقدار المحرز فيه الشرط لا غير. فلو أخذ أكثر لم يملكه ووجب رده ، إلا أن ينكشف الاحتياج إليه. وبالجملة : المدار في جواز الأخذ واقعاً على القصور كذلك ، وكذلك الجواز الظاهري » فإنه تابع لثبوت القصور ظاهراً.

[٢] كما عن العلامة في القواعد ، والمقداد في التنقيح ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ، والشهيد الثاني في الروضة والمسالك ، والسيد في المدارك وغيرهم. وعن السيد والشيخ والمحقق والعلامة ـ في جملة من كتبه ـ : عموم الحكم لمطلق الصدقة الواجبة ، وربما يستظهر من الانتصار والخلاف والمعتبر الإجماع عليه. واستشهد له : بإطلاق النصوص المحرمة للصدقة. وفيه : أن الإجماع ـ ولا سيما بملاحظة خلاف من عرفت ـ ممنوع جداً. وكذلك التمسك بإطلاق النصوص ، فإنه أيضاً غير ظاهر ، لاشتمال بعضها على التعليل :

٣٠٧

______________________________________________________

بأنها أوساخ الناس. وذلك مختص بالزكاة ، كما يشير إليه قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ... ) (١) ، فان ذلك يكون مقيداً للإطلاق.

مضافاً إلى ما في جملة من النصوص من تخصيص المنع بها ، مثل خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع) عن الصدقة التي حرمت عليهم ، فقال (ع) : « هي الزكاة المفروضة ، ولم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض » (٢) ، وخبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال (ع) : هي الزكاة. قلت : فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال (ع) : نعم » (٣) ، ومصحح جعفر ابن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : أتحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال (ع) : إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا ، فأما غير ذلك فليس به بأس. ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة ، هذه المياه عامتها صدقة » (٤). بناء على أن الظاهر من الصدقة الواجبة على الناس هي الزكاة ، لأنها ـ لكثرتها ، وكثرة الابتلاء بها ـ ترى كأنها واجبة على جميع الناس. ولذا ورد كثيراً في الكتاب والسنة إطلاق وجوبها ، بخلاف غيرها من الصدقات الواجبة التي تجب على نوع خاص من الناس ، مثل الكفارات الواجبة عند حدوث أسبابها ، فلا يحسن التعبير عنه بمثل ذلك.

والانصاف أن دعوى ظهورها في خصوص الزكاة غير بعيدة. ومنها يظهر ضعف التمسك بالرواية على دعوى المنع في مطلق الصدقة الواجبة ،

__________________

(١) التوبة : ١٠٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

٣٠٨

وزكاة الفطرة [١]. وأما الزكاة المندوبة ـ ولو زكاة مال التجارة ـ

______________________________________________________

الشامل للكفارات وغيرها. ولو سلم عمومها لها أمكن الخروج عنه بالروايتين المتقدمتين ، بناء على انجبار ضعف سندهما بالعمل ممن عرفت ، المعتضدتين بما سبق ، من تعليل تحريم الصدقة بأنها أوساخ الناس.

ثمَّ إنه ـ لو بني على الأخذ بعموم الرواية للصدقة الواجبة ـ فالظاهر خروج المنذورة والموصى بها والصدقة بمجهول المالك ونحوها ، مما لم يتعلق الوجوب فيه بالصدقة وإنما تعلق بعنوان آخر ، وكانت الصدقة بعنوانها موضوعاً للأمر الندبي لا غير ، فان الوجوب في الصدقة المنذورة تعلق بالوفاء بالنذر ، وفي الموصى بها بالعمل بالوصية ، وفي مجهول المالك بالنيابة عنه في الصدقة ، وعنوان الصدقة في هذه الموارد ليس إلا موضوعاً للأمر الندبي. ولذا لا يظن من أحد الالتزام بأن الصدقة على الهاشمي مستحبة ، وأنه لا يجوز نذرها ، ولا الوصية بها ، فان التعبد في هذه الموارد إنما يكون بالأمر الندبي الثابت قبل النذر الذي لا يزول بالنذر ، لامتناع اقتضاء المعلول انتفاء العلة. وفي مجهول المالك إنما يقصد المتصدق امتثال الأمر الندبي المتوجه إلى المالك. ولذا كان ذلك نحواً من الإيصال اليه.

وكذا الحال فيما لو وكله على الصدقة المندوبة ، فإن الوجوب ليس متعلقاً بالصدقة ، وإنما يتعلق بعنوان آخر يكون لأجله داعياً إلى امتثال الأمر الندبي ، الذي وكل على امتثاله بالتصدق. وليس كذلك الحال في الكفارات والفطرة ، فإن الوجوب ثابت فيهما بعنوان الصدقة ، فيدخلان في الرواية على تقدير عمومها لغير الزكاة. ومما ذكرنا تعرف الاشكال فيما ذكره شيخنا الأعظم (ره) ، من الفرق بين الصدقة الموصى بها والمنذورة وأن الثانية واجبة بالعرض دون الأولى.

[١] إجماعاً على المنع فيها. لعموم ما دل على المنع من الزكاة ، الشامل‌

٣٠٩

وسائر الصدقات المندوبة فليست محرمة عليه ، بل لا تحرم الصدقات الواجبة ـ ما عدا الزكاتين ـ عليه أيضاً ، كالصدقات المنذورة والموصى بها للفقراء ، والكفارات ونحوها ـ كالمظالم ـ إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين. وأما إذا كان المالك المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشمياً فلا إشكال أصلا. ولكن الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه. وأحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة ولو مندوبة [١].

______________________________________________________

لها. بل في بعض الأخبار : أن أول زمان تشريع الزكاة لم تكن الزكاة حينئذ إلا زكاة الفطرة (١).

[١] فإنه وإن نفي الخلاف في عدم تحريمها ـ كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره). وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه صريحاً وظاهراً فوق الاستفاضة ، كالنصوص .. » مشيراً بالنصوص الى مصحح جعفر بن إبراهيم الهاشمي ، وخبري الشحام وإسماعيل المتقدمة وغيرها (٢). فقد احتمل أو قيل بالمنع فيها أيضاً ، لإطلاق تحريم الصدقة على بني هاشم لكن لا يصلح لمعارضة ما سبق. وما في نهج البلاغة من قوله (ع) : « أصلة أم زكاة ، أم صدقة؟ فذلك محرم علينا أهل البيت .. » (٣) ظاهر في تحريم الصدقة المقابلة للزكاة على خصوص أهل البيت (ع) ـ كما هو أحد القولين في الصدقة المندوبة ـ لا مطلق الهاشمي. لكن في المعتبر : « قال علماؤنا : لا تحرم. وعلى ذلك أكثر أهل العلم .. ( إلى أن قال ) : لنا : قوله (ع) : كل معروف صدقة.وقد كان يستقرض ، ويهدى له المال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ١.

(٢) لاحظ أول المسألة.

(٣) نهج البلاغة ج ٢ شرح محمد عبده صفحة : ٢٤٤.

٣١٠

خصوصاً مثل زكاة مال التجارة [١].

( مسألة ٢٢ ) : يثبت كونه هاشمياً بالبينة [٢] ، والشياع [٣]. ولا يكفي مجرد دعواه [٤] ، وإن حرم دفع الزكاة‌

______________________________________________________

وكل ذلك صدقة. وربما فرق قوم بين ما يخرج على سبيل سد الخلة ومساعدة الضعيف طلباً للأجر ، وبين ما جرت العادة بالتردد ، كالقرض والهدية .. » لكن من القريب أن يكون المراد من الصدقة في المقام الفداء المقصود به دفع البلاء. وأما خبر إبراهيم بن محمد بن عبد الله الجعفري : « كنا نمر ـ ونحن صبيان ـ ونشرب من ماء في المسجد من ماء الصدقة ، فدعانا جعفر بن محمد (ع) فقال : يا بني لا تشربوا من هذا الماء واشربوا من مائي .. » (١) فليس للحرمة قطعاً ، لعدم بلوغ المخاطبين ، ولا بد أن يكون للإرشاد إلى أمر هناك.

[١] كأن وجه الخصوصية وجود القول المعتد به في وجوبها ، فتكون من الزكاة المفروضة.

[٢] لعموم دليل حجيتها ، كما تقدم تقريبه في المياه (٢).

[٣] كما هو المشهور ، من ثبوت النسب به. وأنكره بعض إذا لم يفد العلم ، لعدم الدليل عليه. ودعوى قيام السيرة عليه غير ثابتة. لكن الانصاف ثبوت السيرة على الاعتماد على الشياع الموجب للاطمئنان ، فالاعتماد عليه حينئذ في محله.

[٤] للأصل. ولا سيرة على حجيتها ، كما كانت على حجية دعواه الفقر. فما عن كشف الغطاء : من القبول ، مع عدم كونه مظنة الكذب غير ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) لاحظ المسألة : ٦ من فصل ماء البئر من الجزء الأول من هذا الشرح.

٣١١

إليه مؤاخذة له بإقراره [١]. ولو ادعى أنه ليس بهاشمي يعطى من الزكاة ، لا لقبول قوله ، بل لأصالة العدم عند الشك [٢] في كونه منهم أم لا. ولذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط.

( مسألة ٢٣ ) : يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمي لمن تولد من الهاشمي بالزنا ، فالأحوط عدم إعطائه [٣]. وكذا الخمس ، فيقتصر فيه على زكاة الهاشمي.

______________________________________________________

[١] كما لم يستبعده في الجواهر. لكنه غير ظاهر ، إذ الإقرار إنما يمنع من العمل بالحجة ـ من أمارة أو أصل ـ بالإضافة إلى الاحكام التي تكون للمقر ، لا بالإضافة إلى المالك وإفراغ ذمته بذلك. فتأمل.

[٢] فقد حكي عن بعض : أنه نسب إلى الأصحاب بناءهم على العمل بها في جميع أبواب الفقه ، من النكاح ، والإرث ، والوصية ، والبيع ، والوقف ، والديات ، وغيرها. وفي طهارة شيخنا الأعظم (ره) في كتاب الحيض : أن أصالة عدم الانتساب معول عليها عند الفقهاء في جميع المقامات. لكن حجيتها من باب الاستصحاب مبنية على جريان الأصل في العدم الأزلي بنحو مفاد ليس الناقصة ، وهو محل إشكال وخلاف بين الأعلام. وتقدم في مبحث المياه التعرض له.

[٣] كذا في الجواهر أيضاً. لكن قال : « وإن كان قد يقوى خلافه ، لعموم الفقراء في مصرف الزكاة ، بعد الانسباق للمتولد منهم بغير ذلك ، فيبقى مندرجاً تحت العموم .. ».

أقول : دعوى الانصراف غير ظاهرة ، فعموم المنع من إعطاء الهاشمي محكم. ونفي ولد الزنا على نحو يشمل المقام غير متحصل ، إذ عدم التوارث أعم. وقاعدة : ( الولد للفراش ) قاعدة ظاهرية ، لا مجال لها في ظرف العلم بالانتساب.

٣١٢

فصل في بقية أحكام الزكاة

وفيه مسائل : الأولى : الأفضل [١] ـ بل الأحوط ـ [٢] نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة ، لا سيما إذا طلبها ، لأنه أعرف بمواقعها. لكن الأقوى عدم وجوبه [٣] ، فيجوز

______________________________________________________

فصل في بقية أحكام الزكاة‌

[١] بلا ريب ، كما قيل. لفتوى جماعة بالاستحباب. ولأنه أبصر بمواقعها. لكن ثبوت الاستحباب بالفتوى مبني على قاعدة التسامح ، وأن من مواردها فتوى الفقيه ، وكلاهما محل إشكال. والتعليل غير مطرد ، إذ ربما يكون المالك أبصر من الفقيه ، كما هو ظاهر جداً.

[٢] خروجاً عن شبهة الخلاف.

[٣] كما هو المشهور. ويشهد له كثير من النصوص ، المتفرقة في أنواع المستحقين وشرائطهم ، وفي نقلها وعزلها وغير ذلك ، مما يشرف بالفقيه على القطع بذلك. وبها يخرج عن ظهور قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ... ) (١) في وجوب الدفع إلى النبي (ص) أو الإمام (ع) أو نائبه العام ، بناء على تماميته. مع أنه محل إشكال.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن المفيد والحلبي : من وجوب الدفع إلى الامام مع حضوره ، وإلى الفقيه مع غيبته. اعتماداً على دعوى ظهور الآية في ذلك. كما يظهر ضعف ما عن ابن زهرة والقاضي : من وجوب الدفع‌

__________________

(١) التوبة : ١٠٣.

٣١٣

للمالك مباشرة ـ أو بالاستنابة والتوكيل ـ [١] تفريقها على الفقراء وصرفها في مصارفها. نعم لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب ـ بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيات الموجبة لذلك شرعاً ، وكان مقلداً له ـ يجب عليه الدفع إليه ، من حيث أنه تكليفه الشرعي [٢] ، لا لمجرد طلبه ، وإن كان أحوط [٣] ، كما ذكرنا. بخلاف‌

______________________________________________________

إلى الامام مع حضوره ، وعدم وجوب الدفع إلى الفقيه مع غيبته. وفي خبر جابر : « أقبل رجل إلى الباقر (ع) وأنا حاضر ، فقال : رحمك الله اقبض مني هذه الخمسمائة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة مالي. فقال : بل خذها أنت وضعها في جيرانك والأيتام والمساكين ، وفي إخوتك من المسلمين. إنما يكون هذا إذا قام قائمنا (ع) ، فإنه يقسم بالسوية ، ويعدل في خلق الرحمن ، البر والفاجر » (١).

[١] بلا إشكال ظاهر. ويقتضيه جملة من النصوص ، كموثق سعيد : « الرجل يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه ، أيأخذ منها شيئاً؟ قال (ع) : نعم » (٢).

ونحوه غيره. ويظهر من موثق ابن يقطين : « إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها ، وإن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها في مواضعها .. » (٣). اعتبار كونه ثقة.

[٢] هذا يتم إذا كانت الخصوصيات موجبة لتولي الفقيه للقسمة. أما لو كانت مقتضية لتعين المصرف الخاص ، فحينئذ يجوز للمالك أن يدفعها إلى ذلك المصرف ، ويكون بذلك عاملا بتكليفه ، وموافقاً لفتوى مقلده.

[٣] بل جزم به في الجواهر. وكذا شيخنا الأعظم (ره) في رسالته ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٣١٤

ما إذا طلبها الامام عليه‌السلام في زمان الحضور ، فإنه يجب الدفع إليه بمجرد طلبه ، من حيث وجوب طاعته في كل ما يأمر [١].

الثانية : لا يجب البسط على الأصناف الثمانية بل يجوز التخصيص ببعضها [٢]. كما لا يجب في كل صنف البسط‌

______________________________________________________

لأن منعه رد عليه ، والراد عليه راد على الله تعالى. ولقوله (ع) في التوقيع : « وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله » (١). وفيه : أن مورد الرد المحرم ـ الذي هو بمنزلة الرد على الله تعالى ـ هو الحكم في الخصومة ، فلا يعم المقام. والحوادث الواقعة لا تخلو من إجمال ، والمظنون أن المراد منها : الأمور التي لا بد من الرجوع فيها إلى الامام ، فلا يشمل المقام. ولا سيما بملاحظة الحجية المذكورة في الذيل ، المختصة بما يكون مورداً للاحتجاج وقطع العذر فالتمسك به على المقام غير ظاهر. وكأنه لذلك لم يعرف القول بوجوب الدفع عند الطلب من أحد ، كما عن الأصبهاني في شرح النافعالاعتراف به.

[١] لإطلاق قوله تعالى ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ ... ) (٢) ونحوه.

[٢] بلا إشكال فيه. لأنه موضع نص ووفاق ، كما في المدارك. وعن التذكرة : أنه مذهب علمائنا أجمع. وفي الجواهر : الإجماع بقسميه عليه. ويشهد له كثير من النصوص ، كمصحح عبد الكريم الهاشمي عن أبي عبد الله (ع) : « كان رسول الله (ص) يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر. ولا يقسمها بينهم بالسوية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب صفات القاضي حديث : ٩.

(٢) النساء : ٥٩.

٣١٥

على أفراده إن تعددت ، ولا مراعاة أقل الجمع الذي هو الثلاثة بل يجوز تخصيصها بشخص واحد من صنف واحد ـ لكن يستحب البسط على الأصناف [١] مع سعتها ووجودهم ، بل يستحب مراعاة [٢] الجماعة ـ التي أقلها ثلاثة ـ

______________________________________________________

وإنما يقسمها على قدر ما يحضرها منهم. وما يرى ، وليس في شي‌ء من ذلك موقت موظف ، وإنما يصنع ذلك بقدر ما يرى على قدر من يحضرها منهم » (١) ، وخبر أبي مريم ـ المروي عن تفسير العياشي ـ عن أبي عبد الله (ع) : « في قول الله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ... ) فقال (ع) : إن جعلتها فيهم جميعاً ، وإن جعلتها لواحد أجزأك » (٢). ونحوهما غيرهما. ومنه : ما تقدم في شراء العبد ، ووفاء دين الأب ، وتفريقها في الجيران والأقارب ، وغير ذلك مما هو مستفيض أو متواتر. ومن ذلك يعلم أن ( اللام ) في الآية ليست للملك. ولا سيما بملاحظة عطف الرقاب وسبيل الله وابن السبيل المجرورة بحرف الظرفية ، لامتناع تقدير ( اللام ) فيهما. وكون الصرف على وجه التوزيع خلاف الإطلاق ، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك. فما عن بعض العامة ، من وجوب القسمة على الأصناف الموجودين على السواء ، ويجعل لكل صنف ثلاثة أسهم فصاعداً ، ولو لم يوجد إلا واحد من ذلك صرفت حصة الصنف إليه ، لأنه تعالى جعل الزكاة لهم بـ ( لام ) الملك ، وعطف بعضهم على بعض بـ ( واو ) التشريك ، وذلك يوجب الاشتراك في الحكم. ضعيف.

[١] بلا خلاف ظاهر. لتعميم النفع. ومراعاة لظاهر الآية ، كذا في الجواهر.

[٢] كما في الشرائع وغيرها. للتعبير بلفظ الجمع في كل صنف من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٥.

٣١٦

في كل صنف منهم ، حتى ابن السبيل وسبيل الله. لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة أخرى مقتضية للتخصيص.

الثالثة : يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب [١] بمقدار فضله. كما أنه يستحب ترجيح الأقارب [٢] وتفضيلهم على الأجانب ، وأهل الفقه والعقل على غيرهم ، ومن لا يسأل من الفقراء على أهل السؤال [٣]. ويستحب صرف صدقة‌

______________________________________________________

الأصناف ، عدا سبيل الله وابن السبيل. ولما في تفسير القمي ، من تفسير الأول : بقوم يخرجون إلى الجهاد ، وتفسير الثاني : بأبناء الطريق (١).

[١] ففي رواية عبد الله بن عجلان : « إني ربما قسمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به ، فكيف أعطيهم؟ قال (ع) : أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل » (٢).

[٢] ففي رواية إسحاق عن أبي الحسن موسى (ع) : « قلت له : لي قرابة أنفق على بعضهم ، وأفضل بعضهم على بعض ، فيأتيني إبان الزكاة أفأعطيهم منها؟ قال : مستحقون لها؟ قلت : نعم. قال (ع) : هم أفضل من غيرهم ، أعطهم » (٣). وفي المرسل : « سئل رسول الله (ص) أي الصدقة أفضل؟ فقال : على ذي الرحم الكاشح » (٤).

[٣] ففي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج : « يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل » (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٣١٧

المواشي إلى أهل التجمل [١] من الفقراء. لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حد نفسها. وقد يعارضها ـ أو يزاحمها ـ مرجحات أخر ، فينبغي حينئذ ملاحظة الأهم والأرجح.

الرابعة : الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الاسرار به [٢] بخلاف الصدقات المندوبة ، فإن الأفضل فيها الإعطاء سراً.

الخامسة : إذا قال المالك : « أخرجت زكاة مالي » أو « لم يتعلق بمالي شي‌ء » قبل قوله ، بلا بينة ، ولا يمين [٣]

______________________________________________________

[١] ففي خبر ابن سنان ، قال أبو عبد الله (ع) : « إن صدقة الخف والظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين. وأما صدقة الذهب والفضة وما كيل بالقفيز مما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين » (١). ونحوه غيره.

[٢] ففي حسن أبي بصير في قوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراء ...ِ ) « وكلما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من أسراره ، وكلما كان تطوعاً فإسراره أفضل من إعلانه. ولو أن رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسناً جميلا » (٢) ونحوه غيره.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال. لخبر غياث : « كان علي (ع) إذا بعث مصدقه قال له : إذا أتيت على رب المال فقل تصدق ـ رحمك الله ـ مما أعطاك الله ، فإن ولى عنك فلا تراجعه » (٣). ونحوه ما في صحيح بريد (٤) وما عن نهج البلاغة (٥). وإطلاقها يشمل المقام. كما أنه يشمل صورة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٧.

٣١٨

ما لم يعلم كذبه. ومع التهمة لا بأس بالتفحص والتفتيش عنه.

السادسة : يجوز عزل الزكاة وتعيينها في مال مخصوص [١] وإن كان من غير الجنس الذي تعلقت به [٢] من غير فرق بين وجود المستحق وعدمه على الأصح [٣] وإن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية. وحينئذ فتكون في يده أمانة لا يضمنها إلا بالتعدي أو التفريط [٤] ،

______________________________________________________

التهمة. وجواز التفتيش لا ينافي ذلك.

[١] كما تقدم في أواخر فصل زكاة الغلات.

[٢] كما نص عليه شيخنا الأعظم (ره) في رسالته ، مستفيداً له من الشهيدين وجماعة. لإطلاق ما دل على جواز دفع البدل.

[٣] كما قواه في الجواهر ، حاكياً له عن التذكرة والمنتهى والدروس. ويقتضيه ظاهر موثق يونس بن يعقوب : « قلت لأبي عبد الله (ع) زكاتي تحل علي في شهر ، أيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجي‌ء من يسألني يكون عندي عدة. فقال : إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشي‌ء ، ثمَّ أعطها كيف شئت » ، وصحيح ابن سنان : « في الرجل يخرج زكاته ، فيقسم بعضها ، ويبقي بعضا يلتمس لها المواضع ، فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر ، قال (ع) : لا بأس » (١). خلافاً لآخرين ، لأن الزكاة دين ـ أو كالدين ـ لا يتعين إلا بقبض المستحق ، أو من بحكمه. لكنه لا يجدي في قبال ظاهر النصوص.

[٤] كما نص عليه في الجواهر. لخبر علي بن أبي حمزة. لكنه مختص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٣١٩

ولا يجوز تبديلها بعد العزل [١].

السابعة : إذا اتجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة. كان الربح للفقير بالنسبة والخسارة عليه [٢]. وكذا لو اتجر بما عزله وعينه للزكاة.

الثامنة : تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله [٣] ، وكذا الخمس وسائر الحقوق الواجبة‌

______________________________________________________

بصورة عدم وجود المستحق. أما خبر عبيد (١) وأبي بصير (٢) فاطلاقهما نفي الضمان مقيد بما دل على الضمان بتأخير الدفع مع إمكانه ، كما سيجي‌ء في مسألة جواز النقل. ولعل مراد الجواهر من قوله (ره) : « إلا بالتفريط أو نحوه .. » ما يشمل ذلك. بل ظاهر ما في رسالة شيخنا الأعظم (ره) ـ : « قالوا : فليس له الابدال ، ولا يضمنه إلا بالتفريط ، أو تأخير الإخراج مع التمكن .. » ـ الاتفاق على الضمان بذلك ، فإطلاق المتن نفي الضمان محل إشكال. إلا أن يكون المراد من التفريط ما يشمل ذلك ، كما يشهد به حكمه بالضمان مع التأخير حيث يمكن الدفع في آخر مسائل فصل زكاة الغلات. إذ احتمال العدول بعيد جداً. وتقدم هناك شرح المسألة. فراجع.

[١] لظهور النصوص في تعينها زكاة بالعزل ، فجواز التبديل يتوقف على ولايته عليه ، وهو يحتاج إلى دليل مفقود ، والأصل عدم ترتب الأثر. فما عن شارح الروضة : من منع خروجه عن الملك ، أو منع عدم جواز الابدال غير ظاهر.

[٢] تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثالثة والثلاثين من فصل زكاة الغلات.

[٣] بلا ريب كما عن المدارك ، وبلا خلاف أجده كما في الجواهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

٣٢٠