مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

فيما لا يبلغه. والظاهر أنه كالنقدين في النصاب الثاني [١] أيضاً.

______________________________________________________

وكشف الالتباس وغيرها : أنه قول علماء الإسلام ، كذا في الجواهر. وعن الحدائق ومجمع الفائدة : أنه مجمع عليه بين الخاصة والعامة ، وعن المستند ومفتاح الكرامة : أن الإجماع عليه محقق معلوم.

وهذا هو العمدة فيه ، لا الأصل كما قيل ، لأن إطلاق النصوص حاكم عليه. ولا ظهور النصوص في اتحاد زكاة التجارة مع زكاة غيرها كخبر شعيب : « كل شي‌ء جر عليك المال فزكه ، وكل شي‌ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به » (١). لمنع ذلك الظهور. ولا خلو النصوص عن التعرض للنصاب ، مع معهودية اعتباره في زكاة النقدين. فان ذلك إنما يقتضي وجود البيان في الجملة ، أما أنه بيان على اعتبار النصاب ـ كما في زكاة النقدين ، أو على نحو آخر ـ أو على عدم اعتباره أصلا فلا. نعم لو كانت النصوص متعرضة لاعتبار النصاب في الجملة ، ولم تتعرض لمقداره ، أمكن أن يكون إهماله اعتماداً على بيانه في زكاة النقدين. لكنه ليس محلا للكلام.

نعم قد يتمسك بإطلاق ما دل على أنه لا زكاة في الذهب إذا لم يبلغ عشرين ديناراً ، ولا في الفضة إذا لم تبلغ مائتي درهم ، الشامل للزكاة الواجبة والمستحبة ، ويتم الحكم في غيره بعدم القول بالفصل. لكن في ثبوت الإطلاق إشكالا. على أن عدم القول بالفصل ليس بأولى في الإثبات من الإجماع على أصل الحكم. بل يمكن منعه إذا لم يرجع اليه. نعم ما ذكر من الوجوه يصلح مؤيداً للإجماع ، بنحو يحصل منه الاطمئنان بالحكم.

[١] كما عن غير واحد التصريح به ، بنحو يظهر منهم المفروغية عنه ولم يعرف فيه تأمل إلا من الشهيد الثاني في فوائد القواعد ، حيث ذكر فيما حكي عنه : « أنه لم يقف على دليل على اعتبار النصاب الثاني ،

__________________

(١) تقدم ذكر الرواية في أول الفصل. فلاحظ.

٢٠١

الثاني : مضي الحول عليه [١] من حين قصد التكسب [٢].

الثالث : بقاء قصد الاكتساب طول الحول ، فلو عدل عنه ونوى به القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم [٣]. وإن عاد الى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه [٤].

______________________________________________________

وأن العامة صرحوا باعتبار الأول خاصة .. ». لكن عن المدارك أنه رده : « بأن الدليل على اعتبار الثاني هو الدليل على اعتبار الأول. والجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين ، كما ذكره في التذكرة .. ».

[١] بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل عن المعتبر والمنتهى حكايته عن علماء الإسلام ، كذا في الجواهر. ويشهد له خبر ابن مسلم : « كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة ، إذا حال عليه الحول » (١) وصحيحه : « عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها. فقال (ع) : إذا حال عليه الحول فليزكها » (٢).

[٢] أو من حين التكسب ، على الخلاف المتقدم في اعتبار مقارنة قصد التكسب للانتقال وعدمه.

[٣] اتفاقاً ، كما في محكي المعتبر ، ساكتاً عنه غيره. وفي الجواهر : نفى وجدان الخلاف فيه. ويقتضيه ما دل على اعتبار الحول ، فان الظاهر منه حولان الحول على المال بماله من الخصوصيات المعتبرة فيه ، التي منها قصد الاسترباح.

[٤] بناء على الاكتفاء بقصد الاكتساب. ولو اعتبر وقوع المعاوضة عليه فالابتداء من حين وقوعها.

__________________

(١) لاحظ الرواية في أول الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث : ٣.

٢٠٢

الرابع : بقاء رأس المال بعينه [١] طول الحول.

الخامس : أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول [٢] فلو كان رأس ماله مائة دينار مثلا ، فصار يطلب بنقيصة في‌

______________________________________________________

[١] يعني : بقاء عين السلعة المعاوض عليها بقصد الاسترباح. وما ذكره محكي عن الصدوق ، والمفيد ، والمحقق ، والمدارك ، والذخيرة ، وغيرها. مستدلين بالنصوص الدالة على اعتبار حولان الحول. فإنه مع تبدل العين التجارية بعين أخرى لا يصدق حولان الحول على كل منهما. وعن العلامة وولده : العدم ، وعن المدارك : نسبته الى من تأخر عنه ، وعن التذكرة والإيضاح : الإجماع عليه. لما عرفت من أن المراد من المال ـ الذي يعمل به ، أو يتجر به ، أو نحو ذلك ـ المال الذي وقع عليه العمل والاتجار ، وهو نفس رأس المال. وبقاؤه حولا لا بد أن يكون بلحاظه عارياً عن الخصوصيات المميزة له عن بدله وعوضه ، فيراد منه طبيعة المال الساري في أعواضه وأبداله ، فلا فرق بين بقاء نفس العين الأولى حولا ، وبين تبديلها بعين أخرى مرة أو مرات ، حتى يمضي الحول من حين التكسب وتخصيصه بالبدل الأول بلا مخصص ، لصدق حولان الحول على رأس المال بلحاظ البدل أو الإبدال في المقامين بنحو واحد. نعم لو كان المراد من المال نفس السلعة التي ملكت بالمعاوضة كان اعتبار بقائها بعينها حولا في محله. لكنه غير مراد قطعاً ، لأن السلعة المملوكة بالمعاوضة على رأس المال لم يتجر بها ولم يعمل بها ، وإنما كان العمل بثمنها لا غير ، كما هو ظاهر.

[٢] قال في المعتبر : « وجود رأس المال طول الحول شرط لوجوب الزكاة واستحبابها » فلو نقص رأس المال ولو قيراطاً ـ في الحول كله ، أو في بعضه ـ لم تجب الزكاة ، وإن كان ثمنه أضعاف النصاب. وعند بلوغ رأس المال يستأنف الحول. وعلى ذلك فقهاؤنا أجمع ، وخالف الجمهور .. ».

٢٠٣

أثناء السنة ـ ولو حبة من قيراط ـ يوماً منها ، سقطت الزكاة والمراد برأس المال الثمن المقابل للمتاع [١]. وقدر الزكاة فيه ربع العشر ، كما في النقدين [٢]. والأقوى تعلقها بالعين ، كما في الزكاة الواجبة [٣]. وإذا كان المتاع عروضاً فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر.

______________________________________________________

وعن التذكرة : نسبته إلى علمائنا ، وعن المنتهى : الإجماع عليه ، وعن غيرها : ما هو قريب من ذلك. ويشهد له جملة من النصوص المتقدمة في الشرائط السابقة وغيرها.

[١] أو قيمة المتاع حين قصد الاكتساب ، بناء على ما تقدم منه.

[٢] لما تقدم في الشرط الأول.

[٣] المشهور ـ كما عن جماعة ، بل عن المنتهى : الإجماع عليه ـ : أن الزكاة في المقام تتعلق بالقيمة لا بالعين ، فلو دفع من العين لم يكن أداء للفرض بل لبدله. إما لاستصحاب خلو العين عن الحق. وفيه : أنه معارض بمثله بالإضافة إلى القيمة. وإما لأن النصاب معتبر بالقيمة. وفيه : أن ذلك أعم من المدعى. وإما لموثق إسحاق : « كل عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير » (١). وفيه : أنه لا يخلو من إجمال ، ومن القريب أن يكون المراد منه أن العرض يقوم بالدراهم أو الدنانير ليعرف وجود النصاب فيه. وإما لمنافاة الاستحباب لملك العين. وفيه : أنه ينافي ملك القيمة أيضاً. وإما لأن موضوع الزكاة هو مال التجارة من حيث كونه مالا ، لا من حيث كونه مالا خاصاً ، زيتاً ، أو سمناً ، أو ثياباً ، أو نحو ذلك. فموضوع الزكاة هو نفس المالية. وفيه : أن ذلك يقتضي التعلق بالعين‌

__________________

(١) لم نعثر على الرواية في مظانها ، ولعلها نقل بالمعنى لما رواه في الوسائل باب : ١ من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث : ٧. وإن كان الظاهر خلافه.

٢٠٤

( مسألة ١ ) : إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة ، مثل أربعين شاة ، أو ثلاثين بقرة ، أو عشرين ديناراً ، أو نحو ذلك. فان اجتمع شرائط كلتيهما وجب إخراج الواجبة وسقطت زكاة التجارة [١] ، وإن‌

______________________________________________________

من حيث كونها مالا ، لا بالقيمة الخارجة عن العين. وإما لغير ذلك مما هو مثله ، أو أولى منه بالإشكال. فاذاً يتعين الأخذ بظاهر الأدلة الأولية المشرعة لها. ولأجل أن مساقها مساق أدلة الزكاة الواجبة ، يتعين البناء على أن تعلقها كتعلقها. وقد تقدم الكلام في كيفية تعلق الزكاة الواجبة. فراجع.

[١] بلا خلاف كما عن الخلاف ، وعن المعتبر والتذكرة والمنتهى والدروس ومجمع البرهان وغيرها : الإجماع عليه. لقول النبي (ص) : « لا ثنيا في صدقة » (١) ، ولمصحح زرارة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل دفع إلى رجل مالا قرضاً ، على من زكاته ، على المقرض أو على المقترض؟ قال (ع) : لإبل زكاتها ـ إن كانت موضوعة عنده حولا ـ على المقترض. قلت : فليس على المقرض زكاتها؟ قال (ع) : لا يزكى المال من وجهين في عام واحد » (٢).

ويمكن أن يقال : إن الحديثين الشريفين إنما ينفيان اجتماع التشريعين وحينئذ فثبوت الزكاة الواجبة ، وسقوط الزكاة المستحبة يتوقف على أهمية مقتضى التشريع في الأولى من مقتضية في الثانية ، ولا طريق لإثباتها. ومجرد كون التشريع في الثانية على نحو الاستحباب لا يقتضي كون مقتضية أضعف ، بل قد يكون مقتضي الإباحة أقوى اقتضاء من مقتضي الوجوب أو الحرمة ، كما لا يخفى.

__________________

(١) لم نعثر على الرواية بهذا النص. نعم روى في مستدرك الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٢ : « ونهي أن يثنى عليهم في عام مرتين ».

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

٢٠٥

اجتمعت شرائط إحداهما فقط ، ثبتت ما اجتمعت شرائطها [١] دون الأخرى.

( مسألة ٢ ) : إذا كان مال التجارة أربعين غنماً سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنماً سائمة ، سقط كلتا الزكاتين ، بمعنى : أنه قطع حول كلتيهما ، لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول [٢] ، فلا بد أن يبتدئ الحول من حين تملك الثانية.

______________________________________________________

نعم لو كان الاختلاف بين الوجوب والاستحباب ناشئاً من اختلاف مقتضيهما بالشدة والضعف ، فالوجوب ناشئ عن مصلحة قوية والاستحباب ناشئ عن مصلحة ضعيفة ، كان تقديم تشريع الوجوب على تشريع الاستحباب في محله. لكنه خلاف التحقيق ، فان التحقيق : أن الاختلاف بينهما ناشئ من اختلافهما في وجود مقتضي الترخيص وعدمه ، فان وجد مقتضي الترخيص كان الطلب استحبابياً ، وإن كان ناشئاً عن مصلحة قوية ، وإن لم يوجد مقتض للترخيص كان الطلب وجوبياً ، وإن كان ناشئا عن مصلحة ضعيفة. اللهم إلا أن يقال : ما ذكر مسلم ، إلا أن رفع الزكاة الواجبة في المقام يوجب تفويت المصلحة الملزمة بلا مزاحم ، ورفع الزكاة المستحبة يوجب تفويت المصلحة الملزمة مع المزاحم ، وحيث يدور الأمر بينهما يتعين الثاني. لكنه إنما يتم لو كان المقام من باب التزاحم. وإلا فلو بني على التعارض فتخصيص أدلة الزكاة المالية في المقام ليس بأولى من تخصيص أدلة زكاة التجارة.

[١] لإطلاق دليلها.

[٢] ولو بني على عدم اعتبار ذلك ـ كما تقدم ـ ثبت زكاة التجارة لاجتماع شرائطها ، وسقطت زكاة المال ، لانتفاء حولان الحول.

٢٠٦

( مسألة ٣ ) : إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال ـ مع بلوغه النصاب ـ على رب المال [١] ، ويضم إليه حصته من الربح [٢]. ويستحب زكاته أيضاً إذا بلغ النصاب وتمَّ حوله ، بل لا يبعد كفاية [٣] مضي حول الأصل. وليس في حصة العامل من الربح زكاة ، إلا إذا بلغ‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر. لأن الزكاة على المالك ورأس المال ملك للمالك.

[٢] يعني : إذا كان رأس المال النصاب الأول كما فرض ، كفى في ثبوت الزكاة في الربح بلوغه النصاب الثاني ، عملا بإطلاق دليله. أما لو كان رأس المال لا يبلغ النصاب الأول إلا بضميمة الربح ضم اليه الربح. لكن لا بد من مضي الحول من حين ظهوره ، فلو ظهر في الأثناء لم تثبت الزكاة بحلول الحول من حين الاكتساب ، لعدم مضي الحول على النصاب كما هو المفروض. وسينبه عليه المصنف (ره).

ثمَّ إنه قد يتأمل في صدق مال التجارة على الربح ، لعدم قصد التكسب به. وفيه : أن المراد من مال التجارة المال الذي وردت عليه التجارة ، وهو رأس المال ، وصدقه على المتاع باعتبار بدليته عنه ، وكذا صدق حولان الحول عليه. فاذا كان المتاع مال التجارة بهذه العناية ، ثبتت فيه الزكاة. وقصد التكسب المعتبر في الصدق إنما يعتبر في رأس المال الذي قصد إجراء المعاوضة عليه للاسترباح.

[٣] لا يخلو من إشكال ، إذ هو خلاف ظاهر الأدلة المعتبرة للحول. فان الربح إذا كان ملحوظاً نصاباً ثانياً لوحظت الشرائط بأجمعها بالإضافة إليه نفسه ، ووجودها بالإضافة الى رأس المال غير كاف في الثبوت. ولا فرق بين مضي الحول غيره من الشرائط.

٢٠٧

النصاب ، مع اجتماع الشرائط [١]. لكن ليس له التأدية من العين [٢] ، إلا بإذن المالك ، أو بعد القسمة.

( مسألة ٤ ) : الزكاة الواجبة مقدمة على الدين [٣] ، سواء كان مطالباً به أولا ، ما دامت عينها موجودة ، بل‌

______________________________________________________

[١] عملا بأدلة نفي الزكاة وثبوتها ، وشرطية الشرائط. وما ذكره هو المشهور. وعن الكركي : عدم ثبوت الزكاة في حصة العامل ، وعن الأردبيلي الميل اليه : إما لأن العامل لا يملك الربح إلا بعد الإفضاض أو القسمة وفيه : أن المشهور كون الملك بالظهور ، ولا يتوقف على ما ذكر. فتأمل. وإما لعدم التمكن من التصرف ، الذي هو شرط الزكاة. وفيه : أن المنع الناشئ عن الشركة غير قادح في ثبوت الزكاة. وإما لاختصاص أدلة زكاة التجارة بالتاجر ، فلا تشمل العامل. وفيه : أنك عرفت أن مال التجارة أعم من العين والمنفعة ، وعمل العامل من قبيل الثاني ، فالمضاربة نوع من التجارة على العمل. وإما لموثق سماعة : « عن الرجل يربح في السنة خمسمائة وستمائة وسبعمائة ، هي نفقته ، وأصل المال مضاربة. قال (ع) : ليس عليه في الربح زكاة » (١). وفيه : أن ظاهر قوله (ع) : ( نفقته ) أنها لا يحول عليها الحول ، فلا يثبت المدعى. وإما لعدم تمامية ملك الربح ، لأنه وقاية لرأس المال. وفيه : أن كونه وقاية لا يوجب نقصاً في الملك ، غاية الأمر : أن المملوك في معرض الزوال والانتفاء ، ومجرد ذلك لا يوجب قصوراً في الملك.

[٢] لأنها تصرف في المال المشترك ، الذي لا يجوز التصرف فيه بغير إذن الشريك.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال ، لتعلقها بالعين.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث : ٦.

٢٠٨

لا يصح وفاؤه بها [١] بدفع تمام النصاب. نعم مع تلفها ، وصيرورتها في الذمة حالها حال سائر الديون [٢]. وأما زكاة التجارة فالدين المطالب به مقدم عليها ، حيث أنها مستحبة ، سواء قلنا بتعلقها بالعين أو بالقيمة. وأما مع عدم المطالبة ، فيجوز تقديمها على القولين أيضاً ، بل مع المطالبة ، أيضاً إذا أداها صحت وأجزأت ، وإن كان آثماً من حيث ترك الواجب.

( مسألة ٥ ) : إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية ، واختلف مبدء حولهما ، فان تقدم حول المالية سقطت الزكاة للتجارة [٣] ، وإن انعكس ، فان اعطى زكاة التجارة قبل حلول حول المالية سقطت ، وإلا كان كما لو حال الحولان معاً في سقوط مال التجارة.

( مسألة ٦ ) : لو كان رأس المال أقل من النصاب ثمَّ بلغه في أثناء الحول ، استأنف الحول عند بلوغه [٤].

( مسألة ٧ ) : إذا كان له تجارتان ، ولكل منهما رأس مال ، فلكل منهما شروطه [٥] وحكمه ، فإن حصلت في أحدهما دون الأخرى استحبت فيها فقط. ولا يجبر خسران‌

______________________________________________________

[١] لما تقدم : من المنع من التصرف في النصاب ، لتعلق الزكاة به.

[٢] بل لا تبعد دعوى أهميتها منها ، كما يظهر من ملاحظة أدلة وجوبها. وبقية المسألة ظاهرة.

[٣] لنقص النصاب في أثناء الحول. ومنه يظهر وجه ما بعده.

[٤] بلا خلاف ولا شبهة كما قيل. وقد تقدمت الإشارة إلى وجهه.

[٥] للتعدد المانع من إلحاق إحداهما للأخرى.

٢٠٩

إحداهما بربح الأخرى.

الثاني مما يستحب فيه الزكاة : كل ما يكال أو يوزن [١] مما أنبتته الأرض ، عدا الغلات الأربع فإنها واجبة فيها ، وعدا الخضر ، كالبقل ، والفواكه : والباذنجان ، والخيار ، والبطيخ ونحوها. ففي صحيحة زرارة : « عفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخضر. قلت : وما الخضر؟ قال (ع) : كل شي‌ء لا يكون له بقاء ، البقل والبطيخ والفواكه وشبه ذلك ، مما يكون سريع الفساد .. » (١). وحكم ما يخرج من الأرض ، مما يستحب فيه الزكاة ، حكم الغلات الأربع ، في قدر النصاب ، وقدر ما يخرج منها ، وفي السقي والزرع ونحو ذلك.

الثالث : الخيل الإناث. بشرط أن تكون سائمة ، ويحول عليها الحول. ولا بأس بكونها عوامل ، ففي العتاق منها ـ وهي التي تولدت من عربيين ـ كل سنة ديناران ، هما مثقال ونصف صيرفي. وفي البراذين من كل سنة دينار ، ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي. والظاهر ثبوتها حتى مع الاشتراك فلو ملك اثنان فرساً تثبت الزكاة بينهما.

الرابع : حاصل العقار المتخذ للنماء ، من البساتين ، والدكاكين ، والمساكن ، والحمامات ، والخانات ، ونحوها. والظاهر اشتراط النصاب ، والحول. والقدر المخرج ربع‌

______________________________________________________

[١] قد تقدم الكلام في الموارد المذكورة إجمالا. فراجع.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث : ٩.

٢١٠

العشر ، مثل النقدين.

الخامس : الحلي. وزكاته إعارته لمؤمن.

السادس : المال الغائب ، أو المدفون الذي لا يتمكن من التصرف فيه ، إذا حال عليه حولان أو أحوال ، فيستحب زكاته لسنة واحدة بعد التمكن.

السابع : إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة ، فإنه يستحب إخراج زكاته بعد الحول.

فصل في أصناف المستحقين للزكاة

ومصارفها : ثمانية [١] :

الأول والثاني : الفقير والمسكين [٢].

______________________________________________________

فصل في أصناف المستحقين للزكاة‌

[١] بنص القرآن (١) ، وإجماع المسلمين ، كذا في المستند. وقريب منه ما عن غيره. لكن في الشرائع : عدها سبعة ، بجعل الفقير والمسكين صنفاً واحداً. لكنه خلاف ما عرفت ، وخلاف صريح بعض النصوص.

وعن أبي حنيفة : أن العاملين يعطون عوضاً وأجراً ، لا زكاة. وفيه ما يأتي في محله.

[٢] قد وقع الخلاف في اتحادهما معنى وتغايرهما ، مع التساوي بينهما‌

__________________

(١) يشير بذلك إلى قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوية : ٦٠.

٢١١

والثاني أسوأ حالا [١] من الأول. والفقير الشرعي من لا يملك‌

______________________________________________________

في المصداق وعدمه. وقد حكى غير واحد : الاتفاق على دخول أحدهما في الآخر عند الانفراد وعدمه عند الاجتماع. كما لا إشكال في أن المسوغ لاعطائهما من الزكاة عنوان خاص تعرضت له النصوص ، فيكون هو المدار في الجواز وعدمه. ولأجل ذلك لا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك. إلا بناء على وجوب البسط في المقام ، وفيما لو أوصى أو وقف أو نذر للفقير أو للمسكين إذا قصد معنى اللفظ إجمالا.

والذي يظهر من صحيح أبي بصير : « قلت لأبي عبد الله (ع) : قول الله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ... ). قال (ع) : الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم » (١) وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « أنه سأله عن الفقير والمسكين فقال (ع) : الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه ، الذي يسأل » (٢) مغايرتهما مفهوماً ومصداقاً. ودعوى ظهورهما في تفسير الفقير والمسكين في آية الزكاة في غير محلها ، إذ لا قرينة على ذلك في الثاني والأول وإن كان مورده الآية ، لكنه ـ بقرينة ذكر البائس ـ ظاهر في إرادة تفسير اللفظين مطلقاً ، فالعمل عليهما في جميع الموارد في محله.

[١] كما هو المشهور. ويقتضيه الصحيحان المذكوران. وعن ابن إدريس : أن الفقير أسوأ حالا من المسكين ، وحكي أيضاً عن جماعة من الفقهاء واللغويين. واستدل لهم ببعض الوجوه ، الضعيفة في نفسها ، فضلا عن صلاحيتها لمعارضة الصحيحين.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٢.

٢١٢

مئونة السنة له [١] ولعياله ، والغني الشرعي بخلافه. فمن كان‌

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور ، المنسوب إلى محققي المذهب ، وعن جماعة : أن عليه عامة المتأخرين. ويشهد له جملة من النصوص ، مثل : ما في صحيح أبي بصير : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره. قلت : فان صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟ قال (ع) : زكاته صدقة على عياله ، ولا يأخذها إلا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقل من سنة ، فهذا يأخذها. ولا تحل الزكاة لمن كان محترفاً وعنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة » (١) ، والصحيح عن علي بن إسماعيل عن أبي الحسن (ع) : « عن السائل عنده قوت يوم ، أله أن يسأل؟ وإن أعطي شيئاً أله أن يقبل؟ قال (ع) : يأخذ ـ وعنده قوت شهر ـ ما يكفيه لسنة من الزكاة ، لأنها إنما هي من سنة إلى سنة » (٢) ، وما عن المقنعة : من المرسل عن يونس بن عمار : « سمعت الصادق (ع) يقول : تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة ، وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة » (٣). فان الوصف وإن لم يكن له مفهوم ، لكن ورود الكلام في مقام التحديد يدل عليه. فتأمل. وتدل عليه أيضاً النصوص الآتية ، فإن الظاهر من إطلاق الكفاية والقوت فيها أنهما بلحاظ السنة ، لا الأقل ، ولا الأكثر.

هذا وربما قيل : بأن المراد من الفقير من لم يملك أحد النصب الزكوية. وفي الجواهر : « لم نعرف القائل به .. ». ونسب الى الشيخ تارة ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ١٠.

٢١٣

______________________________________________________

وإلى الخلاف أخرى ، وإلى المفيد والسيد ثالثة. لكن النسبة غير محققة. نعم عن الخلاف في باب الفطرة : « تجب زكاة الفطرة على من ملك نصاباً تجب فيه الزكاة ، أو قيمة نصاب. وبه قال أبو حنيفة .. ».

وكيف كان فاستدل له بالنبوي ـ المروي مضمونه في نصوصنا أيضاً (١) كما في الجواهر ـ قال (ص) : لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : إنك تأتي قوماً أهل كتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله (ص) فان هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله تعالى قد فرض عليهم صدقة ، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم » (٢). وفيه : أنه لم يتعرض فيه لتفسير مفهوم الغنى والفقر. غاية الأمر : أن ما دل على وجوب الزكاة بملك النصاب ، يقتضي أن يكون الأغنياء في الحديث مراداً منه من يملك أحد النصب الزكوية ، والفقير من لم يكن كذلك ، والاستعمال أعم من الحقيقة. مع أن البناء على أن من يملك الملايين من الدور والعقارات لا يكون غنياً ، ويكون فقيراً يجوز إعطاؤه من الزكاة ، لأنه لا يملك أحد النصب الزكوية ، وأن من عنده خمسة أوسق من الشعير لا تفي بقوت يوم من سنته يكون غنياً لا يجوز إعطاؤه من الزكاة ، مع ضرورته إليها ، خلاف النصوص بل خلاف الضرورة. وكون المعيار مقدار مالية النصاب لا عينه ـ كما في عبارة الخلاف المتقدمة ـ لا يدل عليه النبوي المذكور.

وبصحيح زرارة عن أبي عبد الله (ع) في حديث : « لا تحل لمن كان عنده أربعون درهما ، يحول عليها الحول ، أن يأخذها. وان أخذها أخذها حراماً » (٣). وفيه ـ مع أنه أجنبي عن الدعوى ـ : أنه يجب حمله على‌

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب : ١ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه.

(٢) كنزل العمال ج ٣ حديث : ٣٩٦٤ ، ٣٩٦٥ ، وسنن البيهقي ج ٤ صفحة ٩٦ ، ١٠١.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٥.

٢١٤

عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك ، تقوم بكفايته وكفاية عياله في طول السنة ، لا يجوز له أخذ الزكاة [١]. وكذا إذا كان له رأس مال يقول ربحه بمؤنته [٢] ، أو كان له‌

______________________________________________________

ما لا ينافي ما تقدم جمعاً. ولعل المراد به صورة عدم الحاجة ، بحيث تزيد على نفقته ، كما يشير اليه قوله (ع) : « يحول عليها الحول ».

وعن المفاتيح : أن الفقير من لم يقدر على كفايته وكفاية من يلزمه من عياله عادة على الدوام ، بربح مال ، أو غلة ، أو صنعة. حاكياً له عن المبسوط. والمراد منه لا يخلو من إجمال ، لاحتمال كون قوله : « على الدوام » قيداً لقوله : « يلزمه ». كما يحتمل أن يكون قيداً للكفاية. وكيف كان فدليله غير ظاهر ، لما عرفت من أن مفاد النصوص القول المشهور.

[١] بلا إشكال. وفي موثق سماعة : « عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال (ع) : نعم. إلا أن تكون داره دار غلة ، فخرج له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه وعياله ، فان لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله ـ في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم ـ من غير إسراف ، فقد حلت له الزكاة. فإن كانت غلتها تكفيهم فلا » (١).

[٢] بلا إشكال ولا خلاف ، وتقتضيه النصوص المتقدمة ، وفي موثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) : « قد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة ، وتحرم على صاحب الخمسين درهماً. فقلت له : وكيف يكون هذا؟ قال (ع) : إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير ، فلو قسمها بينهم لم تكفه ، فليعف عنها نفسه ، وليأخذها لعياله. وأما صاحب الخمسين فإنه يحرم عليه إذا كان وحده ، وهو محترف يعمل بها ، وهو يصيب منها ما يكفيه إن شاء الله » (٢)

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٢.

٢١٥

من النقدين أو الجنس ما يكفيه [١] وعياله ، وإن كان لسنة واحدة. وأما إذا كان أقل من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها [٢]

______________________________________________________

[١] كما تقتضيه النصوص السابقة.

[٢] أما إذا لم يكن رأس المال مع الربح كافياً لمؤنة السنة فالظاهر أنه لا إشكال فيه. وأما إذا كان رأس المال وحده كافياً لمؤنة السنة ، فالمنسوب إلى الشيخ والمحقق والعلامة وغيرهم : جواز الأخذ ، بل عن الأردبيلي (ره) : نسبته إلى صريح الأصحاب.

واستدل لهم بخبر هارون بن حمزة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : يروى عن النبي (ص) أنه قال : لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي ، فقال (ع) : لا تصلح لغني. قال : فقلت له : الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة ، وله عيال ، فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها. قال (ع) : فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو ومن يسعه ذلك وليأخذ لمن لم يسعه من عياله » (١). لكن الظاهر منه صورة كفاية رأس المال بضميمة الربح ، لأن موضوع السؤال الدراهم المشغولة بضاعة ، فلا يشمل صورة كفاية رأس المال وحده في مئونة السنة. والظاهر أن مثله : صحيح معاوية بن وهب قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يكون له ثلثمائة درهم أو أربعمائة درهم ، وله عيال ، وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها ، أيكب فيأكلها ولا يأخذ الزكاة ، أو يأخذ الزكاة؟ قال (ع) : لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ، ويأخذ البقية من الزكاة ، ويتصرف بهذه لا ينفقها » (٢). فان الظاهر من النفقة فيه نفقتة السنة ، فالمراد من قوله : « أيكب فيأكلها » يعني في نفقته ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢١٦

______________________________________________________

يعني : يأكلها كلها في نفقته. وموضوع السؤال فيه الدراهم التي يحترف بها ، فيكون المراد أن يأكلها مع ربحها.

وأما خبر أبي بصير قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل له ثمانمائة درهم ، وهو رجل خفاف ، وله عيال كثير ، أله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال (ع) : يا أبا محمد أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل؟ قال : نعم. قال (ع) : كم يفضل؟ قال : لا أدري. قال (ع) : إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة ، وإن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة » (١). فظاهره مخالف للإجماع ، وما عرفت من موثق سماعة وغيره ، فلا مجال للاستدلال به على المقام. فتأمل. ومن هنا يشكل القول بجواز أخذ الزكاة إذا كان رأس المال وحده كافياً بمؤنة السنة.

وربما يستدل على العدم بصحيح أبي بصير وموثق سماعة الثاني المتقدمين (٢) لكن الظاهر منهما كون السبعمائة ليست مال التجارة ، بقرينة المقابلة للمحترف لا أقل من عدم الإطلاق المانع من الاستدلال بهما على المقام. نعم موثق سماعة الأول يقتضي إطلاقه جواز أخذ الزكاة لصاحب الدار التي لا تفي غلتها بالمؤنة ، وإن كانت وحدها كافية فيها (٣) ، فان ثبت عدم الفصل بينها وبين رأس المال أمكن التعدي اليه ، وإلا وجب الاقتصار عليها دونه. نعم يمكن التعدي منها إلى كل ثابت ، من ضيعة أو عقار أو دكان أو خان أو نحوها ، للاشتراك بينها في صعوبة التبعيض في الإنفاق منها ببيع بعضها وفي لزوم الوهن والحرج نوعاً بذلك ، بخلاف مثل الدراهم والحيوان والحبوب ونحوها. نعم يستفاد من رواية عبد العزيز الآتية جواز تناول الزكاة إذا كان ثلم رأس المال يوجب فوات ما به معاشه وقوته ، لا مطلقاً. لكنها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

(٢) تقدم ذكرهما قريباً في أوائل هذا الفصل.

(٣) تقدم ذكرهما قريباً في أوائل هذا الفصل.

٢١٧

وعلى هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية ونقص عنه ـ بعد صرف بعضه في أثناء السنة ـ يجوز له الأخذ ، ولا يلزم أن يصبر إلى آخر السنة حتى يتم ما عنده [١] ، ففي كل وقت ليس عنده مقدار الكفاية المذكورة يجوز له الأخذ. وكذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة [٢]

______________________________________________________

ضعيفة السند. فلاحظ.

[١] لصدق عدم ملك ما يكفي لسنة ، فلو كان رأس ماله يكفي لسنة وربحه لا يكفي ، وقلنا بعدم جواز أخذ الزكاة حينئذ ، فإذا أنفق من رأس ماله بمقدار لا يبقى منه ما به الكفاية ، جاز له أخذها.

[٢] بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه كذا في الجواهر. ويشهد له مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « سمعته يقول : إن الصدقة لا تحل لمتحرف ، ولا لذي مرة سوي قوي ، فتنزهوا عنها » (١) ، وصحيحه ـ المروي عن معاني الأخبار ـ عن أبي جعفر (ع) : « قال رسول الله (ص) : لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي ، ولا لمحترف ، ولا لقوي. قلنا : ما معنى هذا؟ قال (ع) : لا يحل له أن يأخذها وهو يقدر أن يكف نفسه عنها » (٢). ونحوهما خبر أبي البختري عن علي (ع) (٣).

وأما ما عن الصدوق في الفقيه من قوله : « وفي حديث آخر عن الصادق (ع) : أنه قال : قد قال رسول (ص) إن الصدقة لا تحل لغني ولم يقل : ولا لذي مرة سوي » (٤) فلا يصلح لمعارضة ما ذكره.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب المستحقين الزكاة حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٩.

٢١٨

أو كسب يحصل منهما مقدار مئونته [١]. والأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلا [٢].

______________________________________________________

ولا سيما مع قرب احتمال أن يكون عين الصحيح لمعاوية بن وهب : « قلت لأبي عبد الله (ع) : يروون عن النبي (ص) : أن الصدقة لا تحل لغني ، ولا لذي مرة سوي ، فقال أبو عبد الله (ع) : لا تصلح لغني » (١) ، فيكون الصدوق (ره) قد فهم من اقتصار الامام (ع) على قوله : « لا تصلح لغني » عدم صحة نقل قوله (ص) : « ولا لذي .. ». وإن كان من المحتمل أيضاً أن يكون الوجه في الاقتصار عليه أمراً آخر ـ كما قيل ـ مثل عدم الاحتياج اليه لدخوله في الغني ، أو غير ذلك ، مما يقتضيه الجمع بينه وبين الصحيح.

[١] كما هو المعروف. بل قيل : إنه إجماع لو كان محترفاً فعلا. نعم عن الخلاف : جواز دفع الزكاة إلى المكتسب ، من دون اشتراط قصور كسبه. لكنه غير ظاهر ، بعد ما عرفت من النصوص المتقدمة. ومجرد صدق عدم ملك مئونة السنة غير كاف في جواز رفع اليد عنها ، كما هو ظاهر.

[٢] قد استظهر في الجواهر من عبارات المقنعة والغنية والسرائر وغيرها المنع. كما أنه استظهر من عبارات النهاية والتحرير والدروس والبيان الجواز ، واختاره هو. موجهاً له : بأن صحيح زرارة المتقدم وإن كان ظاهره المنع لكن مصححه ظاهر في الجواز ، بقرينة قوله (ع) فيه : « فتنزهوا عنها » (٢). ويقتضيه أيضاً صحيح معاوية المتقدم ، لاقتصاره على ذكر الغني ، الظاهر في الاقتصار في المنع عليه (٣). وفيه. أنه لو تمَّ ذلك اقتضى الجواز في ذي الصنعة والمتحرف فعلا ، لانحصار الدليل على المنع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

(٢) تقدم ذكر الروايتين قريباً : فلاحظ.

(٣) تقدم ذكر الروايتين قريباً : فلاحظ.

٢١٩

( مسألة ١ ) : لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤنته ، لكن عينه تكفيه ، لا يجب عليه صرفها في مئونته [١] بل يجوز له إبقاؤه للاتجار به وأخذ البقية من الزكاة وكذا لو كان صاحب صنعة [٢] تقوم آلاتها ، أو صاحب‌

______________________________________________________

فيهما بما ذكر من النصوص. مضافاً الى أن ظهور قوله (ع) : « فتنزهوا » في الكراهة ، ليس أقوى من ظهور : « ولا يحل » في الحرمة ، فلا يصلح قرينة على صرفها إليها. ولا سيما بقرينة ذكره في سياق الغني الممنوع عنها ضرورة. وما عساه يظهر من بعض ، من الإجماع على جواز إعطاء ذي الصنعة إذا أعرض عنها ، لا مجال للاعتماد عليه لو تمَّ ، لمخالفته لظاهر جماعة من الأعاظم. وإطلاق الأدلة مقيد بما ذكر. والسيرة على الإعطاء ممنوعة بنحو يعتد بها. ولا سيما مع احتمال اختصاصها بصورة العجز عن التكسب فعلا ، وإن كان قادراً عليه قبل ذلك فتركه اختياراً ، فإنه لا بأس بالبناء على الجواز في الفرض ، للعجز عن التكسب والاحتياج إلى النفقة. ومجرد ترك التكسب بالاختيار لا يخرجه عن موضوع جواز الأخذ ، كما ذكره في الجواهر.

[١] قد عرفت الكلام فيه. كما عرفت أنه إذا صرف منه مقداراً وبقي منه ما يفي بضميمة الربح بمؤنته جاز الأخذ حينئذ.

[٢] يمكن استفادة ذلك من رواية عبد العزيز بن المهتدي ، المتضمنة لعدم وجوب بيع الغلام والجمل وهو معيشته وقوته (١) ، المراد به كونهما مما يتوقف عليه القوت الذي لا بد منه وضروري للإنسان ، فيتعدى منهما إلى كل ما يكون كذلك ، حتى رأس المال إذا كان كذلك.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب المستحقين الزكاة حديث : ٣.

٢٢٠