مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

حينئذ وإن كانت العين باقية. وأما إذا كان على وجه التقييد فيجوز. كما يجوز نيتها مجدداً ، مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامناً ، بأن كان عالما [١] باشتباه الدافع وتقييده.

الثالث : العاملون عليها ، وهم المنصوبون من قبل الامام (ع) [٢] أو نائبه الخاص أو العام ، لأخذ الزكوات وضبطها وحسابها ، وإيصالها إليه [٣] أو إلى الفقراء ، على حسب إذنه ، فان العامل يستحق منها [٤] سهماً في مقابل عمله‌

______________________________________________________

إما بنحو الداعي الذي لا يقدح تخلفه ، لعدم كونه داعياً بوجوده الواقعي ، وإنما يكون مؤثراً بوجوده العلمي ، وهو غير متخلف. وإما بنحو آخر ، لا بنحو الداعي ولا بنحو القيد. وهذا بخلاف ما لو كانت الجهات المذكورة ملحوظة عنواناً للمدفوع إليه المقصود وقيداً له ، فان فواتها بوجب فوات القصد ، لانتفاء موضوعه.

[١] قد عرفت الإشكال في اعتبار هذا الشرط في الضمان.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال. وتشير إليه النصوص الآتية.

[٣] لا كلام في ذلك كله. وعن غير واحد : أنهم جعلوا من جملة العمل قسمتها وتفريقها بين المستحقين ، لأن ذلك نوع من العمل ، فيشمله الإطلاق. وفي الجواهر : استشكل فيه ، للمروي عن تفسير علي بن إبراهيم : « وَالْعامِلِينَ عَلَيْها هم السعاة والجباة في أخذها أو جمعها أو حفظها ، حتى يؤدوها إلى من يقسمها .. » (١) ، فان ظاهره خروج القسمة عن العمل لكن الخروج عن ظاهر الآية بالمرسل المذكور غير ظاهر.

[٤] مقتضى ظاهر الآية الشريفة ـ ولا سيما بقرينة السياق ـ كون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٧.

٢٤١

وإن كان غنياً [١]. ولا يلزم استئجاره من الأول ، أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة ، بل يجوز أيضاً [٢] أن لا يعين‌

______________________________________________________

استحقاق العامل منها يجعل الشارع ، فيعطى مجاناً ، لا يجعل الامام بعنوان المعاوضة. وحينئذ فلو جعل الامام للعامل شيئاً ـ بطريق الجعالة ، أو بطريق الإجارة ـ لم يكن ذلك مما هو مجعول بالآية الشريفة ، بل كان تصرفاً منه نافذاً حسب ولايته ، نظير أجرة المكان ، وقيمة العلف ، ونحو ذلك من المصارف. وحينئذ يشكل ما ذكره الأصحاب ـ بل قيل : إنه لا ريب فيه ـ من أن الامام مخير بين أن يقدر لهم جعالة مقدرة ، أو أجرة عن مدة مقدرة ، مما ظاهره أن الأجر والجعل من سهم العاملين. ولا سيما بملاحظة ما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : ما يعطى المصدق؟ قال : ما يرى الامام ، ولا يقدر له شي‌ء » (١).

ويترتب على ذلك : أنه لو كان السهم بعنوان الجعالة أو الأجرة ، لزم الامام أن يدفعه ولو تلفت الزكاة كلها ، وعلى ما ذكرنا لا يلزمه شي‌ء. وحينئذ فما في المتن ، من كون السهم المدفوع إلى العامل في مقابل عمله ، لا يخلو ظاهره عن الاشكال. بل عليه يلزم دفع أجرة المثل لا أكثر ، كما في سائر موارد العمل بلا إجارة أو جعالة ، وهو خلاف ظاهر الصحيح المتقدم.

[١] إجماعاً محكياً عن الخلاف. للأصل ، وظاهر الآية ، كذا في الجواهر.

[٢] يعني : كما يجوز أن يعين مقداراً بالإجارة والجعالة ، يجوز أيضاً أن يعطى من الزكاة بلا تعيين سابق على العمل. لكن عرفت الاشكال فيه ، وأن العمل في الآية يراد منه الولاية الخاصة المجانية ، كما يقتضيه سياقها وإجماع الأصحاب على اعتبار شروط خاصة فيه ، وإلا فلا ينبغي التأمل في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

٢٤٢

ويعطيه بعد ذلك ما يراه. ويشترط فيهم : التكليف ، بالبلوغ والعقل ، والايمان [١] ،

______________________________________________________

جواز استئجار من يفقد جميع هذه الشروط إذا احتيج الى عمله ، كالراعي والسائس والبيطار ، فان ذلك كاشف عن أن موضوع الشروط المذكورة هو الوالي لا غير.

والولاية هنا ـ كالولاية في سائر الموارد ـ نظارة على العمل ، لا نفس العمل الذي يبذل بإزائه الأجر والجعل ، ويشهد له تعديته بـ ( على ) ، فهذه الولاية من شؤون ولاية الإمام ليست ملحوظة ما لا ليبذل بإزائها المال ، فلو لوحظت كذلك كان حال العامل حال السائس والراعي والبيطار ونحوهم لا يعتبر فيه شرط من الشروط المذكورة. وأجرة عمله غير مجعولة بالآية الشريفة ، بل إما أن تؤخذ من الزكاة ، أو من بيت المال ، كأجرة المكان وأجرة النقل ونحوهما من المصارف اللازمة للزكاة ، لا يعطى مالكها بقصد التصدق عليه بل بقصد أداء حقه.

ولأجل ما ذكرنا كان بناء أبي حنيفة وأتباعه على سقوط هذا السهم لبنائه على كون العامل أجيراً للعمل كسائر الأجراء المحتاج الى عملهم ، مثل السائس والراعي والبيطار وغيرهم ، ممن يحتاج إلى عملهم ، والمدفوع إليهم يكون أجراً لا زكاة.

لكن فيه : أن الأعمال التي تلزم الولاية ، من الأمر والنهي ، واستئجار الراعي ، والحارس ، والمكان ونحو ذلك ، ربما لا تكون أموالا عرفاً. ولو كانت فالولاية مبنية على بذلها مجاناً ، كما في سائر موارد الولاية ، فليس له أخذ الأجرة عليها. نعم الأعمال التي لا تلزم الولاية ، مثل رعي الأنعام ، وحراستها ، ونحو ذلك ، لو قام به الولي جاز له أخذ الأجرة عليها. كما جاز له إعطاء الأجرة لغيره عليها. فتأمل جيداً.

[١] إجماعاً. لأنها ولاية ، لا تصلح للمولى عليها ، ولا للظالم ، كذا‌

٢٤٣

بل العدالة [١] والحرية [٢] أيضاً على الأحوط. نعم لا بأس بالمكاتب [٣]. ويشترط أيضا معرفة المسائل [٤] المتعلقة بعملهم‌

______________________________________________________

قيل. والعمدة : الإجماع.

[١] إجماعاً ، كما عن نهاية الاحكام والدروس والروضة والمفاتيح وغيرها. وهو العمدة أيضاً ، وإلا فالذي يظهر من قول أمير المؤمنين (ع) لمصدقه : « فاذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً ، غير معنف بشي‌ء منها .. » (١) ، الاكتفاء بالأمانة والوثاقة.

[٢] كما عن الشيخ (ره). لأنه لا يملك ، فلا يمكن أن يستحق سهما من الزكاة. وفيه : أن مصرفية العاملين لا تتوقف على التملك ، بل يجوز بنحو آخر.

ويمكن أن يستدل على الاعتبار : بما سبق في البلوغ والعقل. ولكن أشرنا إلى إشكاله. وكأنه لذلك حكي عن المعتبر : عدم اعتبارها ، وتبعه عليه في المختلف والمدارك ، على ما حكي. وهو في محله لو تمَّ عدم اختصاص مصرفية الزكاة بالتملك ، أو بني على استحقاق السهم المذكور بعنوان كونه أجرة في قبال العمل نفسه ، كما هو ظاهر المتن. فان العمل لما كان ملكاً للمولى كانت الزكاة له أيضاً. لكن عرفت أنه عليه لا مانع أيضاً من عمل الصبي والمجنون ، بل والمخالف. والإجماع على عدم جواز عملهم يراد منه العمل بمعنى الولاية ، لا بمعنى ما ذكر ، كما أشار إلى ذلك في الجواهر وغيرها. فلاحظ.

[٣] بلا ريب ، كما عن المدارك وغيرها. لأنه صالح للملك والتكسب.

[٤] بلا إشكال ولا خلاف ـ كما قيل ـ إذا توقف العمل الصحيح عليه ، وإلا فغير ظاهر. ومثله : اعتبار كونه فقيهاً ، كما عن جمع ، إذ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

٢٤٤

اجتهاداً أو تقليداً ، وأن لا يكونوا من بني هاشم [١]. نعم يجوز استئجارهم من بيت المال أو غيره [٢]. كما يجوز عملهم تبرعاً. والأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة [٣] مع بسط يد نائب الإمام (ع) في بعض الأقطار. نعم يسقط‌

______________________________________________________

لا دليل عليه.

[١] بلا خلاف أجده فيه ، كما في الجواهر. واستدل له : بعموم ما دل على تحريم الصدقة عليهم (١) ، الذي هو أخص مطلقاً من عموم آية الصدقات (٢) ، باعتبار مجموع عنواناتها فيقدم عليه. مع أنه لو لوحظت النسبة بينه وبين خصوص عنوان العاملين فالنسبة عموم من وجه ، والمرجع الأصل المقتضي للمنع فيها. وبصحيح العيص عن أبي عبد الله (ع) : « إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله (ص) ، فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي ، وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله تعالى للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول الله (ص) : يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكن .. » (٣).

[٢] كما صرح به في محكي المدارك وغيرها. لعموم نفوذ الولاية والإجارة من دون معارض ، لاختصاص المانع بالزكاة لا غير. بل عرفت الإشارة إلى اختصاص المنع بصورة الولاية المجانية ، فلا مانع من اتخاذه أجيراً على ما يحتاج إليه من العمل ، وتدفع الأجرة إليه من الزكاة كسائر الأجراء. وحينئذ فتخصيص الجواز بالدفع من بيت المال غير ظاهر.

[٣] للإطلاق. وقد يظهر من تفسير العاملين بالنواب والسعادة من‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٩ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) التوبة : ٦٠.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢٤٥

بالنسبة إلى من تصدى بنفسه [١] لإخراج زكاته وإيصالها إلى نائب الإمام (ع) ، أو إلى الفقراء بنفسه.

الرابع : الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ من الكفار ، الذين [٢] يراد من إعطائهم إلفتهم وميلهم إلى الإسلام ، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفار أو الدفاع. ومن الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ : الضعفاء العقول من المسلمين ، لتقوية اعتقادهم ، أو لا مالتهم إلى المعاونة في الجهاد أو الدفاع.

______________________________________________________

قبل الامام الاختصاص بحال حضوره. قال في محكي النهاية : « ويسقط سهم المؤلفة ، وسهم السعاة ، وسهم الجهاد ، لأن هؤلاء لا يوجدون إلا مع ظهور الإمام ، لأن المؤلفة إنما يتألفهم ليجاهدوا معه. والسعادة : الذين يكون من قبله في جمع الزكوات .. ». لكن التخصيص بحال الحضور غير ظاهر الدليل ، والإطلاق ينفيه. والتعبير بالإمام في بعض النصوص باعتبار كونه الولي الأصلي ، كما لا يخفي.

[١] إذ لا ولاية له على العمل فلا يدخل في الْعامِلِينَ عَلَيْها.

[٢] المحكي عن المبسوط والخلاف وغيرهما ـ بل استظهر أنه المشهور ـ اختصاص المؤلفة بالكفار ، بل عن ظاهر المبسوط وصريح الخلاف : الإجماع عليه. قال في محكي المبسوط : « الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عندنا : هم الكفار الذين يستمالون بشي‌ء من مال الصدقات إلى الإسلام ، ويتألفون على قتال أهل الشرك ، ولا يعرف علماؤنا مؤلفة أهل الإسلام .. ». وعن المفيد وجماعة : أنهم ضربان ، مسلمون ، ومشركون. وقال في الشرائع : « وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ : هم الكفار الذين يستمالون الى الجهاد ، ولا نعرف مؤلفة غيرهم .. » وعن الإسكافي : اختصاصه بالمنافقين. قال في محكي علامة : « الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

٢٤٦

______________________________________________________

من أظهر الدين بلسانه ، وأعان المسلمين وإمامهم بيده ، وكان معهم الأقلية .. ». وتبعه عليه في الحدائق وغيرها. وعن السرائر والنافع وجملة من كتب العلامة وغيرها : أنه مسلمون ، وكافرون. ولعله مراد المفيد في عبارته السابقة ، فتكون الأقوال ثلاثة.

والذي يظهر من أكثر النصوص هو القول الثاني ، ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن قول الله عز وجل : ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ... ) قال (ع) : هم قوم وحدوا الله عز وجل ، وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله عز وجل ، وشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله (ص) وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد (ص) فأمر الله نبيه أن يتألفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم ، ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه وأقروا به. وإن رسول الله (ص) يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش وسائر مضمر ، منهم أبو سفيان بن حرب ، وعيينة بن حصين الفزاري وأشباههم من الناس ، فغضبت الأنصار .. » (١). وخبره الآخر عنه (ع) : « الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ : قوم وحدوا الله عز وجل ، وخلعوا عبادة من دون الله تعالى ، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمداً رسول الله (ص). وكان رسول الله (ص) يتألفهم ويعرفهم كيما يعرفوا ، ويعلمهم .. » (٢). ونحوه مرسل القمي في تفسيره عن العالم ، ولعلهما واحد (٣). ومرسل موسى بن بكر عن رجل : « قال أبو جعفر (ع) : ما كانت الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قط أكثر منهم اليوم ، وهم قوم وحدوا الله تعالى ، وخرجوا من الشرك ولم تدخل معرفة محمد (ص) قلوبهم وما جاء به. فتألفهم رسول الله (ص)

__________________

(١) أصول الكافي ج ٢ صفحة ٤١٠ طبع إيران الحديثة باب المؤلفة قلوبهم حديث : ٢.

(٢) أصول الكافي ج ٢ صفحة ٤١٠ طبع إيران الحديثة باب المؤلفة قلوبهم حديث : ١.

(٣) تقدم ذلك في الثالث من مصارف الزكاة.

٢٤٧

______________________________________________________

وتألفهم المؤمنون بعد رسول الله (ص) لكيما يعرفوا » (١). ومنه يظهر المراد مما في خبر زرارة الثالث عن أبي جعفر (ع) : « الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم » (٢).

واستشكل عليه في الجواهر : بمنافاته لإطلاق الآية. وفيه : أن النصوص حاكمة على ذلك الإطلاق. وبأنه طرح لمعقد الإجماع ، ونفي الخلاف. وفيه : أنه لا يهم إذا لم يبلغا مرتبة الحجية ، لوضوح الخلاف وتعدد الأقوال اللهم إلا أن يكون المراد سقوط النصوص المذكورة عن الحجية من أجل الاعراض. وفيه نظر وتأمل. وبأنه ادعي ظهور بعض النصوص السابقة بغير المسلم. وفيه : أنه ممنوع. وللمرسل ـ في حاشية الإرشاد لولد الكركي ـ المروي : أنهم قوم كفار. وفيه : أنه لا يصلح لمعارضة النصوص السابقة من وجوه كثيرة. وبمخالفته للمرسل في ادعائهم عن جعفر (ع) : « والمؤلفة قوم يتألفون على الإسلام من رؤساء القبائل ، كان رسول الله (ص) يعطيهم ليتألفهم. ويكون ذلك في كل زمان إذا احتاج إلى ذلك الامام » (٣). وفيه : أنه لو تمَّ إطلاقه فهو مقيد بما سبق. مع أنه لا يصلح لمعارضة ما سبق. وبمخالفته للصحيح أو الحسن عن زرارة ومحمد : « قالا لأبي عبد الله (ع) : أرأيت قول الله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ .. ) أكل هؤلاء يعطى وإن كان لا يعرف؟ فقال : إن الامام يعطي هؤلاء جميعاً ، لأنهم يقرون له بالطاعة. قال زرارة. قلت : فان كانوا لا يعرفون! فقال : يا زرارة ، لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع وإنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين ، فيثبت عليه. فأما اليوم فلا‌

__________________

(١) أصول الكافي باب المؤلفة قلوبهم ج ٢ صفحة ٤١٠ طبع إيران الحديثة حديث : ٥.

(٢) أصول الكافي باب المؤلفة قلوبهم ج ٢ صفحة ٤١٠ طبع إيران الحديثة حديث : ٣.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١١.

٢٤٨

الخامس : الرقاب ، وهم ثلاثة أصناف :

الأول : المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة [١] ، مطلقاً كان أو مشروطاً [٢]. والأحوط أن يكون بعد حلول النجم ، ففي جواز إعطائه قبل حلوله إشكال [٣]. ويتخير‌

______________________________________________________

تعطها وأصحابك إلا من يعرف ، فمن وجدت في هؤلاء المسلمين عارفاً فأعطه دون الناس. ثمَّ قال : سهم المؤلفة وسهم الرقاب عام ، والباقي خاص » (١)

وفيه : أن الذي يظهر من جملة من فقراته الاختصاص بالمسلم. ولا سيما قوله (ع) : « لأنهم يقرون له بالطاعة .. » ( وقوله (ع) : « وإنما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه .. ». وأما قوله (ع) : « سهم المؤلفة وسهم الرقاب عام » فغير ظاهر في العموم للكافر ، بل لعله ظاهر في العموم للمسلم غير العارف. لا أقل من وجوب حمله على ذلك بقرينة غيره من النصوص. ومما ذكرنا يشكل تعميم المؤلفة للكفار ، بل للمسلمين الذين يقصد من إعطائهم المعاونة على الجهاد.

[١] إجماعاً ، كما عن جماعة. وفي الجواهر : الإجماع بقسميه عليه. ويشهد له : مرسل أبي إسحاق ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق (ع) : « أنه سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها. قال (ع) : يؤدى عنه من مال الصدقة. إن الله تعالى يقول في كتابه ( وَفِي الرِّقابِ ) » (٢)

[٢] بلا خلاف. لإطلاق النص.

[٣] ينشأ : من إطلاق الآية. ومن ظهور النص في العجز بعد حلول النجم. لكن النص لا يصلح للتقيد ، لجواز أن يكون مورد السؤال فيه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب مستحقين للزكاة ملحق حديث : ١.

٢٤٩

بين الدفع إلى كل من المولى والعبد [١]. لكن إن دفع إلى المولى ، واتفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة في المشروط فرد إلى الرق ، يسترجع منه [٢]. كما أنه لو دفعها إلى العبد ولم يصرفها في فك رقبته لاستغنائه ـ بإبراء ، أو تبرع أجنبي ـ يسترجع منه. نعم يجوز الاحتساب حينئذ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيراً [٣]. ولو ادعى العبد أنه مكاتب ، أو أنه عاجز ، فان علم صدقه ، أو أقام بينة قبل قوله ، وإلا ففي قبول قوله إشكال. والأحوط عدم القبول [٤] سواء صدقه المولى أو كذبه. كما أن في قبول قول المولى ـ مع‌

______________________________________________________

أحد الأفراد ، فلا ينافي المطلق ، فالعمل بالإطلاق متعين.

[١] لإطلاق الآية. لكن مقتضى الجمود على ظاهر المرسل تعين الأداء إلى السيد ـ وإن لم يكن بإذن العبد ـ لا إلى العبد. إلا بعنوان الوكيل من الدافع. اللهم إلا أن لا يفهم منه الخصوصية ، بأن يكون المقصود أداء ما في ذمته كيف كان. فتأمل جيداً.

[٢] لعدم الصرف في الفك ، المفروض كونه الجهة الملحوظة مصرفاً للمال. وعن الشيخ : العدم ، لأنه ملكه بالقبض ، فكان له التصرف فيه كيف شاء. وفيه : أن الملك ممتنع ، لعدم الدليل عليه. ولو سلم فلا تنفك ملكيته عن الوفاء ، فمع عدمه لا دليل عليها من أول الأمر.

[٣] فيدخل في إطلاق الفقراء.

[٤] المشهور بين الأصحاب : أنه إذا كذبه السيد لم يقبل قوله ، وإن صدقه قبل قوله. وقد قطع به الأصحاب ، كما عن المدارك. وفي الجواهر : نفي الخلاف فيه ، لأصالة العدالة. وبأن الحق في العبد له ، فإذا أقر‌

٢٥٠

عدم العلم والبينة ـ أيضاً كذلك ، سواء صدقه العبد أو كذبه. ويجوز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء [١]. إذا كان عاجزاً عن التكسب للأداء. ولا يشترط إذن المولى في الدفع إلى المكاتب ، سواء كان من باب الرقاب ، أو من باب الفقر.

الثاني : العبد تحت الشدة [٢].

______________________________________________________

بالكتابة قبل. وكلاهما كما ترى. وحينئذ فإن تمَّ إجماع على القبول كان هو المعتمد ، وإلا تعين القول بعدم القبول. ومن ذلك تعرف الوجه في الاشكال في قبول قول السيد مطلقاً ، أو إذا لم يكذبه العبد. ولو لم يعلم حال المولى من حيث التصديق والتكذيب ، فالمنسوب إلى الأكثر : القبول لما ذكر ، مما عرفت إشكاله.

[١] لإطلاق الأدلة فيه وفيما بعده.

[٢] إجماعاً ، كما عن المبسوط والخلاف والاقتصاد والسرائر والغنية والمنتهى والتذكرة ، وفي الجواهر : يعضده التتبع. واستدل له بصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستمائة ، يشتري بها نسمة ويعتقها. قال (ع) : إذاً يظلم قوماً آخرين حقوقهم. ثمَّ مكث ملياً ثمَّ قال : إلا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة ، فيشتريه ويعتقه » (١).

لكن قد يستشكل فيه : بعدم ظهوره في كون ذلك من الرقاب ، إذ يجوز أن يكون من سبيل الله ـ بناء على عمومه لذلك ـ كما هو الظاهر. والمقابلة بين الرقاب وسبيل الله ، لاختلاف العنوان ، لا للمباينة في المصداق. اللهم إلا أن يقال : بناء على عموم السبيل لمثل العتق ، لا يختص بصورة كون العبد في شدة ، فالتخصيص بذلك يدل على أنه من سهم الرقاب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢٥١

والمرجع في صدق الشدة العرف [١] ، فيشترى ويعتق. خصوصاً إذا كان مؤمناً في يد غير المؤمن.

______________________________________________________

لكن كما يمكن تخصيص الرقاب ـ المذكورة في الآية الشريفة ـ بصورة الشدة ، يمكن تخصيص السبيل بها ، إذ كل منهما خروج عن الإطلاق ، فجعله من أحدهما بعينه ترجيح من غير مرجح.

ودعوى : أن الإجماع على عدم اعتبار الشدة في سهم سبيل الله قرينة على حمل الصحيح على سهم الرقاب ، لئلا يلزم طرح التقييد فيها. مع أنها تمسك بالإجماع ، أنه إذا تمَّ الإجماع المذكور لم يكن وجه لقوله (ع) : « إذاً يظلم .. » ، إذ لا ظلم مع صدق سبيل الله ، إلا بناء على لزوم البسط ، وهو خلاف التحقيق. فيتعين إما تقييد سهم الرقاب بصورة الشدة أو تقييد سهم سبيل الله في خصوص العتق بذلك. ولا ترجيح للأول ، فيبقى الإجمال في الصحيح من هذه الجهة ممكناً. فاذاً العمدة : إما الإجماع. إلا أن يستشكل فيه : بأنه معلوم المستند ، فلا يعول عليه. أو إطلاق الآية فِي الرِّقابِ ، وإن كان سقط عن الحجية في غير صورة الشدة ، للعلم الإجمالي بتقييده ، أو تقييد سبيل الله في خصوص العتق.

هذا والانصاف أنه لا يبعد كون وجود الرقاب في الآية الشريفة قرينة على كون السؤال في الصحيح عن سهم الرقاب لا عن غيره ، كما يظهر من ملاحظة نظائره. فلاحظ.

[١] الموجود في النص : الضرورة ، لكن الأصحاب عبروا بالشدة. والظاهر أن المراد منهما واحد ، وهو الصعوبة التي لا يقدم عليها العقلاء. والرجوع إلى العرف هنا ـ كما في سائر مفاهيم الألفاظ التي تذكر في الكتاب والسنة ـ يراد منه الرجوع إليهم في تحديد المفهوم وما هو المراد من اللفظ ، لا في تطبيق المفهوم علي الخارج. وتنبيه المصنف (ره) وغيره‌

٢٥٢

الثالث : مطلق عتق العبد ، مع عدم وجود المستحق للزكاة [١]. ونية الزكاة في هذا والسابق عند دفع الثمن إلى‌

______________________________________________________

على هذا للرد على ما قيل : من أن أقلها أن يمنعوا من الصلاة أول الوقت لعدم كون ذلك ضرورة أو شدة مطلقاً. ومن ذلك يشكل أيضاً ما ذكره المصنف بقوله : « خصوصاً إذا .. » ، فإن مجرد ذلك أيضاً لا يكفي في صدق الشدة العرفية ، كما هو ظاهر.

[٢] كما عن جماعة كثيرة ، بل عن المعتبر : نسبته إلى إطباق المحققين ويشهد له موثق عبيد : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم ، فلم يجد موضعاً يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يزيده ، فاشتراه بتلك الألف الدرهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟ قال (ع) : نعم ، لا بأس بذلك » (١). وفيه أيضاً : أنه لا يظهر منه أنه من قبيل الرقاب ، بل من الجائز أن يكون من قبيل سبيل الله. بل في الجواهر جعله صريحاً في خلاف ذلك ، بقرينة الشراء بتمام الزكاة. وإن كان فيه : أن ذلك إنما يكون قرينة لو بني على وجوب البسط. مع أن النص المذكور مناف له على كل من الاحتمالين ، فلا يكون قرينة على أحدهما بعينه. ولو بني على عدم وجوب البسط مع الانحصار ـ كما فرض في النص ـ فلا يدل على كونه من أحد العنوانين بعينه. اللهم إلا أن يتم ما سبق في الصحيح ، من أن وجود الرقاب في الأصناف المستحقة للزكاة قرينة على كون السؤال من هذه الجهة.

ثمَّ لو بني على ذلك ، فمقتضى المنع في الصحيح السابق عن الشراء إلا مع الشدة التقييد هنا به. لكن لما كان المذكور في السؤال في الموثق صورة عدم وجوب المستحق ، كان من هذه الجهة أخص من الصحيح.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

٢٥٣

البائع [١]. والأحوط الاستمرار بها إلى حين الإعتاق.

______________________________________________________

وحينئذ يدور الأمر بين تقييد الحكم في الموثق بصورة الشدة ، وبين تقييد الصحيح بصورة وجود المستحق. ولا يبعد ترجيح الثاني ، بقرينة قوله (ع) : « إذاً يظلم .. ». ولو لم يتم أشكل البناء على دخول هذا القسم في صنف الرقاب. وكأنه لذلك ذهب الأكثر ـ أو المشهور ـ إلى اختصاصه بالقسمين الأولين. فتأمل جيداً.

[١] كما عن الروضة. وعن المسالك وحواشي النافع : أنها مقارنة للعتق ، وفي الجواهر : « لعله لا يخلو من قوة ، لأن دفع الثمن ـ خصوصاً إذا كان بعد إجراء الصيغة ـ لكونه مقتضى البيع. ومن هنا ينتقل العبد إلى أهل الصدقة ، ولذا كان ولاؤه لهم ، كما صرح به غير واحد من الأصحاب في القسم الثالث ـ بل ربما نسب إليهم ـ ودل عليه خبر أبي محمد الوابشي الآتي (١) ، فيكون إيصاله إلى الفقراء بعتقه عنهم .. ».

وما ذكره ( قده ) في محله ، لأن الشراء بالزكاة ـ سواء أكان بعد العزل والتعيين ، كما هو ظاهر مورد النص ، أم بالذمة بعنوان الولاية ـ يستوجب تبديل الزكاة بالعبد. ومقتضى البدلية صيرورة العبد زكاة ، وليس ذلك دفعاً للزكاة ، ولا أداء لها. كما لو بدل الزكاة بعين أخرى لا يكون ذلك أداء لها ، بل الأداء إنما يكون بإخراجها عن يده. وذلك إنما يكون بالعتق في المقام ، فهو مورد النية لا أداء الثمن إلى البائع. إذ بمجرد المعاملة تكون العين ملكاً للبائع ، فأداؤها أداء لمال البائع إليه. فلاحظ ، وتأمل.

وقيل بوجود قسم رابع ، وهو من وجبت عليه كفارة ، ولم يجد ما يكفر به عنه ، فإنه يعتق عنه. ومستنده : ما رواه علي بن إبراهيم في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب المستحقين الزكاة حديث : ١.

٢٥٤

السادس : الغارمون ، وهم الذين ركبتهم الديون وعجزوا عن أدائها [١] ،

______________________________________________________

تفسيره مرسلا ، قال في محكي كلامه : « وَفِي الرِّقابِ : قوم لزمتهم كفارات ـ في قتل الخطأ ، وفي الظهار ، وفي الايمان ، وفي قتل الصيد في الحرم ـ وليس عندهم ما يكفرون به ، وهم مؤمنون ، فجعل الله سبحانه لهم سهماً في الصدقات ليكفر عنهم .. » (١). ومقتضاه ـ كما عن المدارك ـ جواز إخراج الكفارة من الزكاة وإن لم تكن عتقاً. والمحكي عن المشهور : العدم ، لضعف المرسل ، وعدم الجابر.

[١] بلا خلاف فيه ولا إشكال في الجملة. نعم عن جماعة : التصريح باعتبار العجز عن أداء الدين ، وصرح آخرون : باعتبار الفقر ، وظاهر محكي المبسوط والسرائر والمعتبر والتذكرة : الإجماع عليه ، وظاهر غيرها : أنه من المسلمات. والقيد الأول لا دليل عليه في نفسه. إلا أن يرجع إلى الثاني ، بأن يكون المراد به الفقر. أو يرجع إليه الثاني ، بأن يكون المراد من الفقر العجز عن أداء الدين.

وقد أطال شيخنا الأعظم في ذكر الشواهد والمؤيدات على أن المراد من الفقر في المقام أن يكون بحيث لا يتمكن من مئونة السنة ، ولا يكفي فيه العجز عن أداء الدين ، ولو مع التمكن من مئونة السنة. فيكون الفقر أخص من العجز عن أداء الدين ، فيكون ذكره بعده ـ في كلمات جماعة ـ من باب ذكر الخاص بعد العام ، لكنها على كثرتها لا تصلح للخروج عن ظاهر الفقر ، الصادق بمجرد العجز عن وفاء الدين. ولو سلم قصور مفهومه عن ذلك ، فالمراد به هنا مجرد الحاجة إلى المال لوفاء الدين ، وإن لم يحتج اليه لمؤنة سنته. فلاحظ كلماتهم. وسيأتي في فروع هذا الخلاف التنبيه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٧.

٢٥٥

وإن كانوا مالكين لقوت سنتهم [١]. ويشترط أن لا يكون‌

______________________________________________________

على الإشكال في بعض كلماته ( قده ).

وكيف كان فالعمدة في دليل اعتبار الفقر : ظاهر الإجماع المستفاد من كلمات الجماعة. وقد يشهد له حسن زرارة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل حلت عليه الزكاة ، ومات أبوه وعليه دين ، أيؤدي زكاته في دين أبيه ، وللابن مال كثير؟ فقال (ع) : إن كان أبوه أورثه مالا ، ثمَّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه ، قضاه من جميع الميراث ، ولم يقضه من زكاته. وإن لم يكن أورثه مالا ، لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه ، فإذا أداها في دين أبيه ـ على هذه الحال ـ أجزأت عنه » (١). بناء على وروده في سهم الغارمين.

[١] كما عن المسالك ، والمدارك ، وشرح اللمعة للاصبهاني ، وغيرهم لإطلاق الآية. وما تقدم : من الإجماع على اعتبار الفقر لا ينافيه ، لأن وفاء الدين من جملة مئونة السنة ، بل قد يكون أهم من بقية المؤن ، فإذا لم يكن عنده ما يفي به الدين كان فقيراً. وما في كلام جماعة ، من أن الفقير من لا يملك قوت السنة ، يراد منه ما يعم ذلك ، كعمومه للباس والمسكن والفراش وغيرها في قبال ما عرفت.

ومنه يظهر اندفاع الإشكال في الجواز في المقام ، بأن ذلك خلاف إطلاق : « لا تحل الصدقة لغني .. » ، فإن المراد بالغني ما يقابل الفقير فاذا كان يصدق عليه الفقير لم يصدق عليه الغني. مع قرب احتمال أن يكون المراد نفي حلها للغني على نحو تكون له ، كسائر أمواله يتصرف بها كيف يشاء. وحينئذ لا يشمل ما نحن فيه ، مما كان المصرف جهة خاصة ، أعني : خصوص وفاء الدين وبهذا أيضاً افترق هذا السهم عن سهم الفقراء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢٥٦

الدين مصروفاً في المعصية [١] ، وإلا لم يقض من هذا السهم وإن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء. سواء تاب عن المعصية أو لم يتب ، بناء على عدم اشتراط العدالة في الفقير. وكونه مالكاً لقوت سنته لا ينافي فقره لأجل وفاء الدين الذي لا يفي‌

______________________________________________________

فإن الثاني يكون بنحو التملك للفقير ، وبنحو الصرف في مصلحته ، وهذا يختص بالصرف في الجهة الخاصة. وإذا قلنا باختصاص سهم الفقراء بنحو التمليك فالفرق واضح جداً. بل ـ على تقدير كون سهم الفقراء مصرفاً يمكن الالتزام ـ بقرينة المقابلة ـ بتخصيص المصرفية بغير وفاء الدين.

[١] إجماعاً ، كما عن الخلاف والمنتهى والتذكرة. وفي الجواهر : « لا أجد فيه خلافاً .. » ويشهد له : ما عن القمي (ره) في تفسيره ، مرسلا عن العالم (ع) : « والغارمين قد وقعت عليهم ديون ، أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف ، فيجب على الامام أن يقضي عنهم ، ويفكهم من مال الصدقات » (١) ، وخبر محمد بن سليمان ـ في تفسير قوله تعالى : ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) ـ قال : (ع) : نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام ، فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله ، فان كان أنفقه في معصية الله فلا شي‌ء على الامام » (٢). ونحوهما غيرهما. وضعفها منجبر بالإجماع.

ثمَّ المدين في المعصية يجوز أن يعطى من سهم الفقراء مع عجزه عن الوفاء ، لما عرفت من عدم المنافاة. نعم قد يظهر من خبر محمد بن سليمان عدم جواز إعطائه من الزكاة مطلقاً. لكن لا يجوز التعويل عليه في ذلك ، لضعفه. واحتمال اختصاصه بسهم الغارمين المذكور فيه ، لا مطلق السهام.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الدين حديث : ٣.

٢٥٧

كسبه أو ما عنده به. وكذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل الله [١] ولو شك في أنه صرفه في المعصية أم لا ، فالأقوى جواز إعطائه من هذا السهم [٢]. وإن كان الأحوط خلافه. نعم لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه في المعصية. ولو كان معذوراً في الصرف في المعصية ـ لجهل ، أو اضطرار ، أو نسيان ، أو نحو ذلك ـ لا بأس بإعطائه [٣]. وكذا لو صرفه‌

______________________________________________________

[١] بناء على أنه لكل خير وقربة ، والمقام منها.

[٢] كما عن الأكثر ، بل المشهور. ويقتضيه : إطلاق الأدلة. واحتمال الإنفاق في المعصية منفي بأصل العدم ، أو أصالة الصحة. اللهم إلا أن يقال : بعض نصوص الشرطية ظاهر في اعتبار الإنفاق في الطاعة ، والأصل لا يصلح لإثباته ، وكذا أصالة الصحة. مضافاً إلى ما في خبر محمد بن سليمان : « قلت : فما لهذا الرجل الذي ائتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه ، في طاعة الله ـ عز وجل ـ أم في معصيته؟ قال (ع) : يسعى له في ماله ، ويرده عليه وهو صاغر » (١).

لكن نصوص الشرطية ـ الظاهرة في اعتبار الإنفاق في الطاعة ـ ضعيفة السند ، غير مجبورة ، فالاعتماد عليها غير ظاهر. بل العمدة في المسألة : الإجماع ، والمتيقن منه اعتبار عدم المعصية. ولأجل أن المخصص لبي ، فالمرجع في الشبهة الموضوعية العموم. فما عن الشيخ في النهاية من المنع ـ وعن الشهيد من الميل إليه ـ ضعيف.

[٣] لظهور المعصية في الفعلية. لا أقل من أنها القدر المتيقن من النص والإجماع ، فالمرجع في الموارد المذكورة عموم الآية. وكذا الحال فيما بعده.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الدين حديث : ٣.

٢٥٨

فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون. ولا فرق في الجاهل بين كونه جاهلا بالموضوع أو الحكم.

( مسألة ١٦ ) : لا فرق بين أقسام الدين [١] ، من قرض ، أو ثمن مبيع ، أو ضمان مال ، أو عوض صلح ، أو نحو ذلك ، كما لو كان من باب غرامة إتلاف [٢]. فلو كان الإتلاف جهلا أو نسياناً ، ولم يتمكن من أداء العوض ، جاز إعطاؤه من هذا السهم ، بخلاف ما لو كان على وجه العمد والعدوان [٣].

______________________________________________________

[١] للإطلاق.

[٢] كما استظهره في الجواهر. لكن النصوص ـ مثل مرسل القمي (١) وخبر الحسين بن علوان (٢) ، وخبر محمد بن سليمان (٣) ، وخبر موسى ابن بكر (٤) غير شاملة له. وقد يشمله بعض نصوص وفاء الدين من الزكاة. لكنه غير ظاهر في كونه من سهم الغارمين ، فعموم الحكم له لا بد أن يكون لعموم الآية الشريفة ، وعدم صلاحية النصوص لتقييدها ، إما لقصور السند ، أو هو مع الدلالة.

[٣] لأنه من الدين في المعصية. اللهم إلا أن يقال : الظاهر من الدين في المعصية الدين في سبيل المعصية ، لا الدين المسبب عن المعصية ، فإنه معصية في الدين. فيكون المقام من قبيل ثمن البيع وقت النداء إذا كان ثمن المبيع ديناً. نعم يمكن أن يستفاد من صحيح ابن الحجاج : « ولا تعطين‌

__________________

(١) تقدم ذلك في المسألة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٣) تقدم ذلك في المسألة السابقة.

(٤) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

٢٥٩

( مسألة ١٧ ) : إذا كان دينه مؤجلا ، فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله. وإن كان الأقوى الجواز [١].

( مسألة ١٨ ) : لو كان كسوباً يقدر على أداء دينه بالتدريج ، فان كان الديان مطالباً فالظاهر جواز إعطائه [٢] من هذا السهم ، وإن لم يكن مطالباً فالأحوط عدم إعطائه [٣].

______________________________________________________

من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئاً. قلت : وما نداء الجاهلية؟ قال (ع) : هو الرجل يقول : يا آل بني فلان ، فيقع بينهم القتل والدماء. فلا تؤدوا ذلك من سهم الغارمين » (١). فتأمل.

[١] قال في الجواهر : « وفي اعتبار الحلول وجهان ، ولكن مقتضى إطلاق النص والفتوى عدمه .. ». وكأن منشأ اعتبار الحلول انصراف الدليل إليه ، لأن المؤجل غير معدود عرفاً من النفقات إلا بعد الحلول.

[٢] لصدق الغرم ، وعدم التمكن من الوفاء.

[٣] كأنه : لاحتمال انصراف الدليل إلى صورة وقوع المديون في ضيق المطالبة ، كما قد يشير إليه التعبير بال ( فك ) في مرسل القمي (٢) وقول السائل في مرسل محمد بن سليمان : « وليس له غلة ينتظر إدراكها ، ولا دين ينتظر محله ، ولا مال غائب ينتظر قدومه » (٣). لكنه كما ترى إذ المراد من الفك في المرسل مجرد فك الذمة وإفراغها. وما في خبر محمد ابن سليمان لا يصلح للتقييد ، لأنه في السؤال. ولو سلم لم يفرق بين صورتي المطالبة وعدمها. فالمدار صدق الحاجة والعجز عن الأداء عرفاً ، فان صدق جاز الصرف ، وإلا فلا.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) لاحظ المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

(٣) لاحظ المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

٢٦٠