مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

وأما إن كان معلقاً على شرط ، فان حصل المعلق عليه قبل تمام الحول لم تجب [١] ، وإن حصل بعده وجبت [٢] ، وإن‌

______________________________________________________

التكليف ، إذ كما أن ثبوت الحق فعلا مانع من التصرف في موضوعه ، كذلك ثبوت التكليف فعلا يقتضي وجوب إبقاء العين الى وقت المنذور من باب وجوب المقدمة. نعم لو بني في الموقت على عدم ثبوت الحق أو التكليف إلا بعد الوقت أشكل وجه المنع من التصرف قبل الوقت ، نظير المشروط بما بعد الحول ، كما سيجي‌ء.

[١] لأن المشروط بعد حصول شرطه كالمطلق الذي عرفت أنه مانع عن التصرف.

[٢] إذ لا حق ولا تكليف قبل حصول الشرط ، فلا مانع من التصرف كما أشرنا إليه. اللهم إلا أن يقال : جواز التصرف شرعاً في الحول ينافي الحق ولو في زمان متأخر عنه ، لأنه مفوت له ، فإذا بني على تقديم دليل وجوب الوفاء بالنذر على ما دل على جواز التصرف في الملك فلا بد من البناء في المقام على عدم جواز التصرف ، وإلا لزم تخصيص دليل وجوب الوفاء بالنذر بغير المقام ، فيلزم بطلان النذر والمفروض صحته. وكذا نقول بناء على أن مفاد النذر تكليف محض ، فان جواز التصرف شرعاً أيضاً ينافي وجوب الصدقة ولو في المستقبل ، لأنه مفوت لموضوعه ، فلا يجوز عقلا.

وإن شئت قلت : نذر الصدقة بالمال المشروط بالشرط المتأخر عن الحول إما أن يكون مشروطاً أيضاً ببقاء المال ، وإما أن يكون مطلقاً غير مشروط ببقائه ، فعلى الأول لا يجب الإبقاء ، لأنه شرط النذر ، فلا يكون النذر موجباً لحفظه ، كما لا يقتضي الوجوب المشروط بشرط حفظ ذلك الشرط. وعلى الثاني يجب إبقاء المال ، لأن مرجع النذر حينئذ إلى نذر إبقائه إلى زمان الشرط والتصدق به بعده ، فاذا كان إبقاء المال منذوراً لا يجوز إتلافه‌

٤١

حصل مقارناً لتمام الحول ففيه إشكال ووجوه ، ثالثها : التخيير [١] بين تقديم أيهما شاء ، ورابعها : القرعة.

______________________________________________________

ويمتنع التصرف فيه. ولأجل أن موضوع المسألة النذر غير المشروط ببقاء المال كان الواجب الحكم بعدم جواز التصرف فيه وعدم وجوب زكاته.

فان قلت : لا مانع من الالتزام ببطلان النذر إذا كان المنذور التصدق بتمام المال ، لعدم رجحان المنذور لتعلقه بحق الغير ، فاذا بطل النذر وجبت الزكاة ، لعدم المانع من وجوبها. قلت : إنما يكون متعلقاً بحق الغير إذا فرض اجتماع شرائط وجوب الزكاة ، وهو ممتنع ، لأن النذر رافع للتمكن من التصرف الذي هو شرط للوجوب ، فينتفي الوجوب بانتفائه.

فإن قلت : إذا قدم دليل النذر كان الأمر كما ذكر ، ولو قدم دليل الزكاة كانت الزكاة واجبة وارتفع شرط النذر ، فما وجه هذا الترجيح؟ قلت : الجمع بين الدليلين يقتضي الأخذ بالسابق موضوعاً ، ويكون ذلك تخصصا بالنسبة إلى اللاحق لا العكس ، كما أشرنا إلى ذلك في مواضع من هذا الشرح.

[١] يعني : أحدها وجوب الزكاة ، وثانيها عدمه. ثمَّ إن قلنا بعدم وجوب الزكاة فيما لو حصل الشرط بعد الحول فهنا القول بالعدم أولى. وإن قلنا بالوجوب ـ كما اختاره في المتن ـ فوجه الاحتمال الأول : أن عدم التمكن في آخر أزمنة الحول لا يقدح في وجوب الزكاة ، لعدم الاعتناء به في الآن المذكور لقلته. وحينئذ لا يصح النذر لتعلقه بحق الغير. ووجه الاحتمال الثاني : ظهور الأدلة في اعتبار التمكن في تمام الحول حقيقة ، وهو غير حاصل ، والصدق المبني على المسامحة لا يعتد به ، فيكون الحكم كما لو حصل الشرط في أثناء الحول. ووجه التخيير : إما البناء على كون المقام من باب تزاحم المقتضيات. أو من باب التعارض الذي حكمه التخيير.

٤٢

( مسألة ١٣ ) : لو استطاع الحج بالنصاب ، فان تمَّ الحول قبل سير القافلة والتمكن من الذهاب وجبت الزكاة أولا [١] فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب ، وإلا فلا. وإن‌

______________________________________________________

وفيه : أن التزاحم يتوقف على تمامية المقتضي في الطرفين ، وليس كذلك. إذ الأمر دائر بين الاحتمالين السابقين ، فان بني على الأول ارتفع موضوع النذر وإن بني على الثاني ارتفع موضوع الزكاة ، فلا يمكن البناء على اجتماع المقتضيين.

ومنه يظهر بطلان إجراء التعارض في المقام ، لأنه إن بني على الاحتمال الأول يتعين سقوط دليل النذر ، وإن بني على الثاني يتعين سقوط دليل الزكاة. مع أن التخيير حكم التعارض في المتباينين لا العامين من وجه ـ كما في المقام ـ فان حكمه التساقط والرجوع إلى دليل آخر.

اللهم إلا أن يقال : إنما يرجع إلى دليل آخر إذا كان موافقاً لأحدهما لا ما إذا كان مخالفاً لهما ، وفي المقام لا يمكن الرجوع إلى أصالة البراءة ونحوها مما كان نافياً للأمرين ، فيتعين الرجوع إلى الاحتياط ، فإن أمكن صرف العين في مجمع العنوانين وجب ، وإلا تخير بينهما. هذا والمتعين من الاحتمالين هو الثاني ، لظهور قوله (ع) : « حتى يحول عليه الحول في يده » (١) في اعتبار التمكن في تمام الحول. فلاحظ.

وأما وجه القرعة : فعموم ما دل على أنها لكل أمر مشكل (٢). وفيه : أنه على تقدير جواز العمل بهذا العموم فلا إشكال ولا اشتباه بعد كون مقتضى العمل بالقواعد تقديم النذر وسقوط الزكاة ، كما عرفت.

[١] كما في محكي البيان. لعدم وجوب حفظ المال قبل التمكن من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٣ من أبواب كيفية القضاء ، ومستدرك الوسائل باب : ١١ من الأبواب المذكورة.

٤٣

كان مضي الحول متأخراً عن سير القافلة وجب الحج [١]

______________________________________________________

السفر إلى الحج ، بل يجوز التصرف فيه بنحو تزول الاستطاعة. لكن سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في محله الإشكال في هذا التحديد. ولو بني عليه فشرط وجوب الزكاة حاصل.

[١] لتحقق الاستطاعة التي هي شرط وجوب الحج ، وإذا وجب وجب حفظ المال مقدمة له ، وحرم التصرف فيه ، فينتفي شرط وجوب الزكاة. ولا مجال لأن يقال : لا يجب الحج لانتفاء الاستطاعة من جهة وجوب دفع الزكاة بعد حولان الحول ، لأن وجوب الدفع مشروط بالتمكن من التصرف ، المنتفي بوجوب الحج ، المقتضي لحفظ المال عن التلف ، وقد عرفت أن المقتضيين الشرعيين إذا كان كل واحد منهما رافعاً لشرط الآخر يجب العمل على الأسبق.

هذا إذا توقف الحج على صرف عين المال ، وإلا لم يقتض وجوبه المنع من التصرف ، فاذا حال الحول وجبت الزكاة ، وحينئذ إذا كان وجوبها موجباً لثلم الاستطاعة سقط وجوب الحج. ولعله لذلك قال في القواعد : « لو استطاع بالنصاب ووجب الحج ثمَّ مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة .. » ونحوه حكي عن التذكرة ، والنهاية والإيضاح ، والبيان ، معللا في الثلاثة الأول : بأن الزكاة متعلقة بالعين بخلاف الحج ، يعني : فإنه متعلق بالذمة ، ولا يتوقف على وجود العين. وإلا فمجرد تعلقه بالذمة وتعلقها بالعين لا يستلزم تحقق شرطها الذي هو التمكن من التصرف.

ثمَّ إنه يمكن أن يقال بوجوب الزكاة والحج معاً في صورة عدم توقف الحج على صرف العين ، أما الزكاة فلما ذكر ، وأما الحج فلأن فوات الاستطاعة يكون مستنداً الى تقصيره في عدم تبديل النصاب ، وإذا‌

٤٤

وسقط وجوب الزكاة. نعم لو عصى ولم يحج وجبت بعد تمام الحول [١]. ولو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة أولاً لتعلقها بالعين [٢] ، بخلاف الحج.

( مسألة ١٤ ) : لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه بأن كان مدفوناً ولم يعرف مكانه ، أو غائباً ، أو نحو ذلك ـ ثمَّ تمكن منه استحب زكاته لسنة [٣] ، بل يقوى استحبابها بمضي سنة واحدة أيضاً.

______________________________________________________

استند فوات الاستطاعة إلى تقصير المكلف استقر عليه الحج ووجب ولو متسكعاً.

[١] هذا غير ظاهر ، لأن التكليف بالحج بحدوثه يمنع من التصرف والعصيان لا أثر له في رفع ذلك ، كما تقدم في النذر الموقت بما قبل الحول إذا لم يف به. نعم لو فرض عدم توقف السفر إلى الحج على صرف ذلك المال ـ بأن يمكنه السفر متسكعاً ، أو باستدانة مال آخر ـ لم تسقط الزكاة إذا تمَّ الحول على المال ، سواء حج أم عصى. وكذا لو بني على عدم وجوب المقدمة غير الموصلة ، وكان عازماً حين الاستطاعة على عدم الحج فإنه تجب الزكاة عليه إذا لم يحج ولم يتصرف بالمال. فسقوط الزكاة بالاستطاعة في أثناء الحول إنما يكون بناء على وجوب مطلق المقدمة ، وفرض توقف الحج على صرف ذلك المال في طريقه.

[٢] قد عرفت : أن مجرد ذلك غير كاف في وجوبها إذا كان وجوب الحج مانعاً عن التصرف بالعين ، لتوقفه على وجود النصاب أو بعضه. نعم إذا لم يتوقف الحج على وجود النصاب. أو قلنا : بأن المنع عن التصرف في آخر أجزاء الحول ليس مانعاً عن وجوب الزكاة وجبت الزكاة وسقط الحج ، لعدم الاستطاعة.

[٣] بلا خلاف فيه في الجملة ، بل ظاهر محكي التذكرة والمنتهى :

٤٥

( مسألة ١٥ ) : إذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة أو بعد مضي الحول متمكناً فقد استقر الوجوب [١] ، فيجب الأداء إذا تمكن بعد ذلك ، وإلا فإن كان مقصراً يكون ضامناً [٢] ، وإلا فلا.

______________________________________________________

الإجماع عليه. ويدل عليه ـ في المدفون والغائب ـ خبرا زرارة وسدير ، المتقدمان في شرطية التمكن من التصرف (١) ، ومصحح رفاعة : « عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ، ثمَّ يأتيه فلا يرد رأس المال ، كم يزكيه؟ قال (ع) : سنة واحدة » (٢) المحمولة على الاستحباب إجماعاً. نعم في التعدي عن موردها إلى كل ما لم يتمكن من التصرف فيه ـ كما قد يظهر من المتن ـ غير ظاهر. ولا سيما بملاحظة اختصاص أكثر الفتاوى بهما. نعم في محكي المنتهى : ذكر المغصوب والضال. ولا يحضرني إطلاق لهم يشمل كل ما لم يتمكن من التصرف فيه.

ثمَّ إن المحكي عن أكثر الكتب : تخصيص الحكم بالضال والمفقود ثلاث سنين ، وعن البيان وجامع المقاصد والمفاتيح : شمول الحكم لسنتين. وبساعدهم : إطلاق خبر زرارة ، بل قرب في الجواهر : عمومه للسنة الواحدة ـ كما قواه في المتن ـ وهو في محله.

[١] لتحقق شرطه ، وهو التمكن من التصرف في الحول.

[٢] المعروف : أنه إذا تعلقت الزكاة بعين المال فلم يتمكن من أدائها فتلفت لم يضمن ، وإن تمكن منه فأهمل ضمن. وعن المنتهى : الإجماع على الأول ، وعن التذكرة والمدارك : الإجماع على الثاني. والأول مقتضى أصالة البراءة من الضمان. كما أن الثاني ـ أيضاً ـ مقتضى أصالة الضمان‌

__________________

(١) لاحظ الشرط الخامس من شروط وجوب الزكاة.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٤.

٤٦

( مسألة ١٦ ) : الكافر تجب عليه الزكاة [١] ، لكن‌

______________________________________________________

على الأمين المفرط ، بناء على وجوب الأداء فوراً ، لأن تركه تفريط منه.

نعم بناء على عدم وجوب الفورية يشكل كونه مقتضى الأصل. إلا إذا كانت يده ليست يد أمانة ، بناء على عموم : « على اليد .. » لغير الأمين. لكن المبنى المذكور ـ مع مخالفته لظاهر الإجماع على كونه أميناً ـ مقتضاه الضمان مع عدم الإهمال.

فالمتعين الاعتماد في الضمان مع الإهمال ـ بناء على عدم وجوب الفور ـ على الإجماع المحكي ، وظاهر غير واحد من النصوص ، كمصحح زرارة : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل بعث إلى أخ [ له ] زكاته ليقسمها فضاعت فقال (ع) : ليس على الرسول ، ولا على المؤدي ضمان. قلت : فان لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت ، أيضمنها؟ فقال (ع) : لا ، ولكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها » (١) ، ومصحح ابن مسلم : « رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (ع) : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ، لأنها قد خرجت من يده » (٢).

[١] على المشهور المعروف ، بل حكي : إجماع أصحابنا على أن الكفار مكلفون بالفروع كما هم مكلفون بالأصول. ويقتضيه : عموم أدلة التكليف وخصوص جملة من الآيات ، مثل قوله تعالى : ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ... ) (٣). وقوله تعالى : ( لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب مستحقي الزكاة حديث : ١.

(٣) فصلت : ٦ ـ ٧ ).

٤٧

لا تصح منه [١] إذا أداها. نعم للإمام (ع) أو نائبه أخذها منه قهراً [٢].

______________________________________________________

نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ... ) (١). ويدل عليه في المقام : ما ورد من تقبيل النبي (ص) خيبر ، وأنه جعل عليهم في حصصهم ـ سوى قبالة الأرض ـ العشر ، ونصف العشر (٢). فراجع.

[١] بلا إشكال كما عن المدارك. لاعتبار الايمان ـ فضلا عن الإسلام ـ في صحة العبادات إجماعاً ، التي منها إيتاء الزكاة إجماعاً.

ثمَّ إنه قد يستشكل في ثبوت الوجوب على الكافر مع عدم الصحة : بأنه إن أريد وجوب أدائها حال الكفر فهو تكليف بما لا يصح ، وإن أريد بعد الإسلام فهو مناف لبنائهم على سقوطها بالإسلام.

أقول : الإشكال المذكور لا ورود له على وجوبها وضعاً في المال ـ بمعنى : تعلقها به كتعلقها بمال المسلم ـ إذ يترتب على تعلقها به كذلك جواز انتزاعها منه قهراً أو اختياراً. وأما وجوبها تكليفاً فالمراد منه وجود مناط الوجوب عليه ، وإن امتنع توجهه إليه فعلا لعدم إسلامه قبل أوان التعلق ، المستلزم لعدم قدرته على الامتثال ، فالمراد من الوجوب ما يقابل انتفاؤه رأسا ، لا الوجوب الفعلي.

[٢] كما عن المسالك. لأن الحاكم الشرعي بولايته على الفقراء له استيفاء أموالهم واستنقاذ حقوقهم ، ومجرد عدم صحة الإيتاء من الكافر وعدم مقربيته له لا يوجب تعذر استيفاء حقوق الناس منه ، كما في المسلم الممتنع ، فيكون الحاكم ولياً عليه في التعيين ، كما يكون ولياً على الممتنع فيه. وحينئذ يسقط وجوب الأداء بانتفاء موضوعه لا بامتثال النائب ،

__________________

(١) المدثر : ٤٣ ـ ٤٤.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب زكاة الغلات حديث : ١.

٤٨

ولو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه [١].

( مسألة ١٧ ) : لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه‌

______________________________________________________

لامتناع النيابة في العبادة عن الكافر.

وكذا الحال في التعيين ، فإنه لا بد فيه من النية كالأداء إجماعاً ، على ما حكاه غير واحد ، منهم المحقق والعلامة في المعتبر والمنتهى على ما حكي. فلا يتعبد عنه في التعيين ، كما لا يتعبد عنه في الأداء.

[١] لقاعدة الضمان بالإتلاف ، وحينئذ فتؤخذ منه قهراً. لكن المحكي عن تصريح الشيخين ، والفاضلين ، والشهيدين ، وغيرهم : عدم الضمان ، بل عن جماعة : نسبته إلى المشهور. ودليله غير ظاهر. نعم استدل له : بأن الكافر لا يتمكن من الأداء ، والتمكن منه شرط في الضمان. وفيه : أنى لكافر يتمكن من الأداء ، وإنما الذي لا يتمكن منه الأداء الصحيح المقرب ، وهو ليس بشرط للضمان ، كما يظهر من ملاحظة النصوص المتقدمة. مع أنه تمكن دعوى تمكنه من الأداء الصحيح بالإسلام قبل وقت التعلق. إلا أن يشكل الأخير : بأن التمكن المستند الى ما قبل التعلق لا يجدي في الضمان. ويشكل ما قبله : بأن عدم شمول نصوص نفي الضمان عند عدم التمكن لمثله لا يقتضي الضمان ، إلا بناء على عموم : « على اليد .. » للفرض.

فالعمدة : أن التمكن من الأداء شرط للضمان بالتلف لا بالإتلاف الذي هو محل الكلام ، فان الضمان به ليس مشروطاً بالتمكن من الأداء ، كما لا يخفى. وقد أطال شيخنا الأعظم (ره) في تقريب عدم الضمان بما لم يتحصل لنا المراد منه. مع أنه في آخر كلامه قال : « ويبقى الكلام في دليل ما ذكروه : من اشتراط الإسلام في الضمان ، وليس بواضح ، كما اعترف به غير واحد ».

٤٩

الزكاة سقطت عنه [١] وإن كانت العين موجودة ، فإن الإسلام يجب ما قبله.

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور ، بل في مفتاح الكرامة : « ما وجدنا من خالف أو توقف قبل صاحب المدارك وصاحب الذخيرة » ، وعن مجمع البرهان : أنه قال : لعله للإجماع والنص. ويريد بالنص : النبوي المشهور : « الإسلام يجب ما قبله » (١). لكن يمكن أن يستشكل فيه :

أولا : بوروده مورد الامتنان المنافي لشموله للمقام ، لأنه خلاف الامتنان بالإضافة إلى الفقراء.

وثانياً : بأن ظاهر الحديث جب حال الكفر عن حال الإسلام ، فيختص بما لو كان ثابتاً حالا الإسلام لاستند إلى ما ثبت حال الكفر ، مثل التكليف بقضاء العبادات حال الإسلام فإنه لو ثبت كان مستنداً الى الفوت حال الكفر فقطع حال الكفر عن حال الإسلام يقتضي أن لا يترتب على الفوت الثابت حال الكفر التكليف بالقضاء حال الإسلام. وهذا لا يجري في مثل الزكاة لأن حول الحول مثلا على العين الزكوية يوجب حدوث حق للفقراء ، فاذا حدث كان بقاؤه مستنداً إلى استعداد ذاته ، فإذا أسلم وبقي الحق المذكور للفقراء بعد إسلامه لم يكن بقاؤه مستنداً إلى حول الحول حال الكفر ليشمله الحديث ، وإنما يستند بقاؤه إلى استعداد ذاته ، فلا يشمله الحديث.

ودعوى : أن تعلق حق الفقراء ناشئ من الأمر بأداء الزكاة ، والأمر المذكور إنما يستند إلى حولان الحول حال الكفر ، فاذا كان الحديث نافياً لوجود ما لو وجد كان مستنداً إلى ما قبل الإسلام كان نافياً للأمر المذكور ، وإذا انتفى انتفى الحق المذكور ، لانتفاء منشأه. فيها : منع ذلك جداً. بل الأمر بالعكس ، فان السبب في الأمر بالإيتاء ثبوت الحق ، كما يقتضيه تعلق الإيتاء بالزكاة تعلق الحكم بموضوعه المقتضي لثبوته في رتبة سابقة عليه ، نظير‌

__________________

(١) تقدم الكلام حول الحديث في أوائل فصل صلاة القضاء من الجزء السابع من هذا الشرح.

٥٠

______________________________________________________

قولك : « ادفع مال زيد اليه » لا من قبيل : « ادفع مالك الى زيد ».

وبالجملة : ملاحظة مجموع ما ورد في الزكاة من أدلة التشريع يقتضي الجزم بأن جعل الحق ثابت في الرتبة السابقة على الأمر بالإيتاء ، وإلا فالأمر بإيتاء الإنسان ماله إلى غيره لا يقتضي بوجه ثبوت حق للغير في ماله كي يدعى أن الأمر بإيتاء الزكاة منشأ لثبوت الحق ، وقوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ... ) (١) يراد منها ما ذكرنا. ونسبتها إلى أموالهم يراد أن أصلها من أموالهم. أو لأنها قبل الدفع لم تتعين زكاة ، إنما تتعين به.

ودعوى : أن الملكية من الأحكام الوضعية ، وهي منتزعة من التكليف. مندفعة : بما تقرر في محله : من أن الانتزاع لو سلم فإنما هو في غير ما كان مثل الملكية والحقية ونحوهما ، مما أخذ موضوعاً للأحكام الشرعية ، لامتناع انتزاع الموضوع من حكمه. فراجع المسألة في الأصول.

وثالثا : بأن البناء على عموم حديث الجب يوجب تخصيص الأكثر إذ لا ريب في بقاء إيقاعاته وعقوده وما عليه من الديون ونحوها على ما هي عليه قبل الإسلام ، وذلك يوجب البناء على إجماله ، والقدر المتيقن عدم مؤاخذته على الكفر السابق ، وليس منه ما نحن فيه.

ويمكن الجواب على الأول : بأنه لو سلم كون الحديث وارداً مورد الامتنان فإنما هو بالإضافة إلى المسلم نفسه ، فلا مانع من كونه على خلاف الامتنان بالإضافة إلى غيره. وعن الثاني : بأن ملكية الفقراء للزكاة لما كانت من الأمور الاعتبارية وليست من الأمور الحقيقية كان بقاؤها مستنداً إلى ملاحظة منشأ الاعتبار ، فكما أن اعتبارها في آن حدوثها ناشئ من ملاحظة السبب ، كذلك اعتبارها في الآن الثاني ـ وهكذا ـ فما لم يلحظ منشأ الاعتبار في كل آن لا يصح اعتبارها كذلك. ولذا كان الفسخ وارداً على العقد وموجباً لارتفاع‌

__________________

(١) التوبة : ١٠٣.

٥١

______________________________________________________

الأثر ، لا أنه وارد على نفس الأثر. فهو من هذه الجهة نظير التكليف مثل وجوب القضاء ، فان المولى في كل أن ما لم يلحظ الفوت لا يوجب القضاء ، وكما لا يصح وجوب القضاء في أول أزمنة الفوت إلا بعد ملاحظة صدق الفوت كذلك في بقية الأزمنة ، لا يصح الوجوب إلا بلحاظ تحقق الفوت السابق. وكما أن مقتضى الحديث عدم تأثير الفوت الحاصل قبل الإسلام في وجوب القضاء بعده ، كذلك مقتضاه عدم تأثير حولان الحول الحاصل قبل الإسلام في ملكية الفقراء بعده.

نعم يتم الإشكال في مثل النجاسة ، والحدث الأصغر ، والأكبر ، فإنها لو كانت اعتبارية فمنشأ اعتبارها نفس الأثر الخارجي الحاصل من وجود السبب لا نفس السبب ، وذلك الأثر بقاؤه مستند إلى استعداد ذاته لا إلى السبب ، فحديث الجب لا يقتضي ارتفاعه ، فيصح اعتبار تلك الأحكام منه ويترتب أثرها : من الغسل والوضوء والغسل ، لوجود السبب بعد الإسلام بعين وجوده قبله.

وعن الثالث : بإمكان دعوى انصراف الحديث الشريف إلى خصوص ما كان وقوعه نوعاً قبل الإسلام ، من جهة عدم كونه مسلماً ، فلا يشمل مثل العقود والإيقاعات والديون ونحوها مما لا يختص بفعله نوعا غير المسلم. فلو أعتق الكافر عبداً بقي على حريته بعد إسلامه. ولو استدان مالاً بقي في ذمته بعد الإسلام ، وهكذا .. نعم لو وقع في عقده أو إيقاعه خلل ـ بفقد شرط ، أو وجود مانع ـ لم يؤثر ذلك الخلل فساداً بعد الإسلام ، لسقوط مؤثريته بعد الإسلام بحديث الجب ، فيصح بيعه الربوي أو المجهول فيه أحد العوضين ، وهكذا ..

نعم قد يشكل التمسك بالحديث : بأن المروي (١) في مجمع البحرين‌

__________________

(١) قد تقدم في قضاء الصلوات من كتاب الصلاة التعرض لجملة من طرق الحديث وموارده. فراجع ( منه قدس‌سره ).

٥٢

______________________________________________________

من متنه ، والمحكي عن غيره أيضاً هكذا : « الإسلام يجب ما قبله ، والتوبة تجبّ ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب ». وقصوره عن صحة التمسك به ظاهر ، والشهرة لا تجبر الدلالة على الصحيح. وفي أواخر الجزء الرابع من شرح النهج لابن أبي الحديد ، عن أبي الفرج الأصبهاني : ذكر قصة إسلام المغيرة بن شعبة ، وأنه وفد مع جماعة من بني مالك على المقوقس ملك مصر ، فلما رجعوا قتلهم المغيرة في الطريق ، وفر إلى المدينة مسلماً ، وعرض خمس أموالهم على النبي (ص) فلم يقبله. وقال : « لا خير في غدر » فخاف المغيرة على نفسه من النبي (ص) ، وصار يحتمل ما قرب وما بعد. فقال (ص) : « الإسلام يجب ما قبله ».

هذا وفي المدارك : « يجب التوقف في هذا الحكم ، لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سنداً ومتناً. ولما روى في عدة أخبار صحيحة : من أن المخالف إذا استبصر لا يجب عليه إعادة شي‌ء من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته ، سوى الزكاة فإنه لا بد من أن يؤديها (١) ومع ثبوت هذا الفرق في المخالف يمكن إجراؤه في الكافر. وبالجملة : الوجوب على الكافر متحقق فيجب بقاؤه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال ، أو يقوم على السقوط دليل يعتد به .. ».

وفيه : أن ضعف السند مجبور باعتماد الأصحاب ، وضعف الدلالة ممنوع إلا من جهة ما ذكرنا. ولو سلم فلا مجال للتوقف في الحكم بعد تسالم الأصحاب ، وأن من المقطوع به من سيرة النبي (ص) وخلفائه (ع) عدم مطالبتهم من أسلم من الكافرين بزكاة ماله فيما مضى من عمره ، سواء أكان موجوداً أم مفقوداً. وكفى بمثل ذلك دليلا على السقوط ، مانعاً من الرجوع إلى القواعد المقتضية للبقاء ، فضلا عن القياس على المخالف. فتأمل.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣ من أبواب مستحقي الزكاة.

٥٣

( مسألة ١٨ ) : إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلق الزكاة وجب عليه إخراجها [١].

فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة‌

تجب الزكاة في تسعة أشياء [٢] : الأنعام الثلاثة ـ وهي : الإبل ، والبقر ، والغنم ـ والنقدين ـ وهما : الذهب ، والفضة ـ والغلات الأربع ، وهي : الحنطة ، والشعير ، والتمر ،

______________________________________________________

والله سبحانه أعلم.

[١] إذ لا موجب لسقوطها بالبيع. وكذا لو اشترى بعض النصاب بناء على عدم جواز التصرف في النصاب قبل الإخراج ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة‌

[٢] بلا خلاف أجده بين المسلمين فضلا عن المؤمنين ، بل هو من ضروريات الفقه إن لم يكن من ضروريات الدين ، كذا في الجواهر. وعن التذكرة : أنه مجمع عليه بين المسلمين. ونحوه عن المنتهى وغيره ، بل عن المستند : أنه من ضروريات الدين. وتشهد له جملة من النصوص ـ وفي الجواهر : أنها متواترة ـ منها : صحيح ابن سنان : « قال أبو عبد الله (ع) : لما نزلت آية الزكاة : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ... ) (١) في شهر رمضان ، أمر رسول الله (ص) مناديه فنادى في الناس : إن الله‌

__________________

(١) التوبة : ١٠٣.

٥٤

والزبيب ، ولا تجب فيما عدا ذلك على الأصح [١] نعم يستحب إخراجها من أربعة أنواع أخر.

أحدها : الحبوب مما يكال أو يوزن [٢] ، كالأرز ،

______________________________________________________

تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ، ففرض عليكم من الذهب ، والفضة ، والإبل ، والبقر ، والغنم ، ومن الحنطة ، والشعير والتمر ، والزبيب ، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان ، وعفا لهم عما سوى ذلك » (١) ومصحح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) قالا : « فرض الله عز وجل الزكاة مع الصلاة في الأموال وسنها رسول الله (ص) في تسعة أشياء ، وعفا رسول الله (ص) عما سواهن : في الذهب ، والفضة ، والإبل ، والبقر ، والغنم ، والحنطة ، والشعير ، والتمر والزبيب ، وعفا رسول الله (ص) عما سوى ذلك » (٢) ونحوهما غيرهما.

[١] إجماعاً حكاه جماعة كثيرة ، منهم الشيخان ، والسيدان ، والفاضلان وغيرهم ، كما يقتضيه الصحيحان المتقدمان وغيرهما. وعن يونس : وجوبها في كل ما يدخل القفيز من الحبوب في أرض العشر ـ وكذا عن ابن الجنيد ـ مضافاً إلى وجوبها في الزيت والزيتون والعسل من أرض العشر. وعن بعض : وجوبها في كل ما تنبت الأرض مما يكال أو يوزن ، وعن آخر : وجوبها في مال التجارة ، اعتماداً على ظاهر بعض النصوص الذي لا يصلح لمعارضة ما سبق ، مما هو صريح في النفي أو كالصريح فيه. فالواجب الحمل على الاستحباب ، أو التقية ، كما سيأتي.

[٢] كما هو المعروف المدعى عليه الإجماع ، خلافاً لمن سبق فذهب إلى الوجوب ، اعتماداً على ظاهر مصحح ابن مسلم : « عن الحبوب ما يزكى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٤.

٥٥

______________________________________________________

منها؟ قال (ع) : البر ، والشعير ، والذرة ، والدخن ، والأرز ، والسلت والعدس ، والسمسم ، كل هذا يزكى وأشباهه » (١) ، ومصحح زرارة ـ الذي هو نحوه بزيادة ـ قال (ع) : « كل ما يكال بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة. وقال : جعل رسول الله الصدقة في كل شي‌ء أنبتت الأرض إلا ما كان في الخضر والبقول ، وكل شي‌ء يفسد من يومه » (٢) ومصححه الآخر : « قلت لأبي عبد الله (ع) : في الذرة شي‌ء؟ فقال لي : الذرة والعدس ، والسلت ، والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير. وكل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة » (٣) ونحوها غيرها ، المحمول جميعاً على الاستحباب ، جمعاً بينها وبين ما سبق مما هو صريح في العفو عما عدا التسعة.

وعن السيد (ره) حملها على التقية ، ويشير إليه ما في خبر أبي بصير : « قلت لأبي عبد الله (ع) : هل في الأرز شي‌ء؟ فقال (ع) : نعم. ثمَّ قال (ع) : إن المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه ، ولكنه قد جعل فيه ، وكيف لا يكون فيه وعامة خراج العراق منه؟ » (٤) لكن ـ مع اختصاص ذلك بالحديث المزبور ـ يمكن الاعتماد في الاستحباب على الإجماع المدعى ، ولو بضميمة قاعدة التسامح على تقدير تماميتها.

ثمَّ أنه قد اختلفت النصوص المذكورة في العنوان المأخوذ موضوعاً للحكم ، ففي بعضها : ما كيل بالصاع ، وفي بعضها : ما أنبتت الأرض ، وفي بعضها : الحبوب. والأخير مذكور في الأحاديث المتقدمة ، وفي حديث‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١١.

٥٦

والحمص ، والماش ، والعدس ، ونحوها. وكذا الثمار [١] ،

______________________________________________________

ابن مهزيار من الرواية عن أبي عبد الله (ع) (١). لكن قوله (ع) في مصحح ابن مسلم : « وأشباهه .. » ، وقوله (ع) في مصحح زرارة : « كل ما كيل بالصاع .. » ، وكذا قول أبي الحسن (ع) في التوقيع : « صدقوا الزكاة في كل شي‌ء كيل » (٢) يقتضي كون موضوع الحكم هو المكيل. وبينه وبين عنوان : « ما أنبتت الأرض » عموم من وجه ، ومقتضى كونهما مثبتين عدم تقييد أحدهما بالآخر ، لكن المحكي عن المشهور هو التقييد.

وكأن وجهه : ما في مصحح زرارة المتقدم ، حيث حكم (ع) بثبوت الزكاة في كل ما كيل بالصاع ، مستشهداً بجعل النبي (ص) الزكاة في كل شي‌ء أنبتت الأرض ، الظاهر في أن موضوع الحكمين واحد ، ومقتضى الاستشهاد أن يكون الموضوع : « ما أنبتت الأرض ».

ومنه يظهر الوجه في تعميم المشهور الحكم للموزون مع عدم ورود خبر فيه ، كما اعترف به غير واحد. ولذا حكي عن بعض : أنه حكم بعدم كفاية الوزن وحده ، بل عن المعتبر : لا زكاة فيما لا يكال ، كورق السدر والآس. وكذا حكي عن الحلي والعلامة : أنهما صرحا بأنه لا زكاة في الأزهار والأوراق ، فإن الجميع داخل فيما أنبتت الأرض. وعليه فلا حاجة إلى دعوى : أن ذكر الكيل في النصوص كناية عن التقدير ولو بالوزن مع أنها غير ظاهرة. فتأمل جيداً.

[١] على المشهور. لدخوله فيما يكال بالصاع. لكن عن موضع من كشف الغطاء : عدم الاستحباب فيها. واستشهد له في الجواهر بمصحح زرارة المتقدم ، المشتمل على عطف كل شي‌ء يفسد من يومه على الخضر والبقول. وبما في مصحح الحلبي : « وعن الغضاة من الفرسك وأشباهه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

٥٧

كالتفاح ، والمشمش ، ونحوهما ، دون الخضر والبقول [١] ، كالقت ، والباذنجان ، والخيار ، والبطيخ ، ونحوها.

الثاني : مال التجارة على الأصح [٢].

______________________________________________________

فيه زكاة؟ قال (ع) : لا ». و ( الفرسك ) ك‍ ( زبرج ) : ال ( خوخ ) أو ضرب منه أحمر (١) ومصحح ابن مسلم : « في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان مالا ، هل فيه صدقة؟ قال (ع) : لا » (٢) وعن الدروس والروضة : نسبته إلى الرواية ، فتكون هذه الروايات مخصصة للإطلاق المتقدم.

[١] كما عن جمع كثير التصريح به. ويشهد له مصحح زرارة المتقدم. ونحوه صحيح ابن مسلم : « عن الخضر فيها زكاة وإن بيع بالمال العظيم. فقال (ع) : لا ، حتى يحول عليه الحول » (٣) وما في مصحح الحلبي المتقدم : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ما في الخضر؟ قال : وما هي؟ قلت : القصب والبطيخ ومثله من الخضر. قال (ع) : ليس عليه شي‌ء ». ونحوها غيرها.

[٢] كما عن الأكثر ، بل عن جماعة : نسبته إلى المشهور. ويقتضيه الجمع بين ما دل على ثبوت الزكاة في مال التجارة ، مثل مصحح ابن مسلم : « عن رجل اشترى متاعاً فكسد عليه متاعه ، وقد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال (ع) : إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة ، وان كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه من بعد رأس ماله » (٤) ـ ونحوه غيره ـ وما دل على نفيها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٣.

٥٨

الثالث : الخيل الإناث [١] ، دون الذكور ، ودون‌

______________________________________________________

في مثل صحيح زرارة : « كنت قاعداً عند أبي جعفر (ع) وليس عنده غير ابنه جعفر (ع) فقال : يا زرارة ، إن أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله (ص) ، فقال عثمان : كل مال من ذهب أو فضة يدار به ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول. فقال أبو ذر : أما ما يتجر به أو دير أو عمل به فليس فيه زكاة. إنما الزكاة فيه إذا كان ركازاً أو كنزاً موضوعاً ، فاذا حال عليه الحول ففيه الزكاة. فاختصما في ذلك إلى رسول الله (ص) ، فقال (ص) : القول ما قال أبو ذر. فقال أبو عبد (ع) لأبيه : ما تريد إلا أن يخرج مثل هذا فيكف الناس أن يعطوا فقرائهم ومساكينهم. فقال له أبوه : إليك عني لا أجد منها بداً » (١) ، وصحيحه الآخر : « الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحركه » (٢). ونحوهما غيرهما.

هذا وعن الكاشاني والبحراني : حمل الأول على التقية ، لكون الوجوب مذهب جمهور العامة ، فلا دليل على الاستحباب. وفيه : أن الحمل على التقية فرع تعذر الجمع العرفي وإلا كان هو المتعين. ولو سلم كفى في دفع التقية التعبير بما ظاهره الوجوب من دون قرينة متصلة صارفة إلى الاستحباب كما ذكره جماعة.

[١] بلا خلاف ظاهر ولا إشكال ، بل عن جماعة : دعوى الإجماع عليه. لصحيح زرارة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : هل في البغال شي‌ء؟ فقال (ع) : لا. فقلت : فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال (ع) : لأن البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٣.

٥٩

البغال ، والحمير ، والرقيق [١].

الرابع : الأملاك والعقارات التي يراد منها الاستنماء ، كالبستان ، والخان ، والدكان ، ونحوها [٢].

______________________________________________________

الذكور شي‌ء. قلت : فما في الحمير؟ قال (ع) : ليس فيها شي‌ء » (١) ومصحح محمد وزرارة عنهما (ع) جميعاً ، قالا : « وضع أمير المؤمنين (ع) على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين ، وجعل على البراذين دينارا » (٢). وهما غير ظاهرين في الوجوب. ولو سلم فمحمولان على الاستحباب.

[١] كما هو المشهور.

لموثق سماعة : « ليس على الرقيق زكاة. إلا رقيق يبتغي به التجارة ، فإنه من المال الذي يزكى » (٣). نعم في مصحح ابن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أنهما سئلا عما في الرقيق ، فقالا : « ليس في الرأس شي‌ء أكثر من صاع من تمر ، إذا حال عليه الحول » (٤) فيمكن حمله على الندب ، ويحمل الأول ونحوه على نفي التأكد. وحمل الصاع على زكاة الفطرة خلاف الظاهر.

[٢] كما هو المعروف ، بل في الجواهر : « لا خلاف أجده فيه ». ولم يعرف له دليل ، كما عن غير واحد الاعتراف به. نعم قوى في الجواهر دخولها في مال التجارة ، لأن الاتجار التكسب والاسترباح ، وهو كما يكون بنقل العين يكون باستمائها مع بقائها. وفيه : أن الاستماء إذا كان بقصد التعيش بالنماء لا يكون من الاسترباح ، وإنما يكون منه إذا كان بقصد الاتجار بالنماء. بل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث : ٢.

٦٠