مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

اليد ، فلا يشمل المقام. وقد يستدل له : بما ورد في خبر محمد بن يزيد : « من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا » (١) ، وفي المرسل : « من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شيعتنا » (٢). وفيه ـ مع ضعف السند ـ : ظهورها في الصلة المستحبة ، فلا تشمل ما نحن فيه.

وفي الجواهر قوي إجراء حكم مجهول المالك عليه ، لأنه منه. إذ العلم بالنسب لا يخرجه عن كونه مجهولا ، بل المراد مجهول التطبيق وإن كان معلوم النسب. ويشكل : بأن نصوص مجهول المالك وإن كان بعض موارده كما ذكر ، وبعضه وارد فيمن يعرف تطبيقه ولكن لا يعرف محله ، كما في رواية يونس المذكورة في كتاب اللقطة من الوسائل ، الواردة في الرفيق بمكة (٣) فإن الرفاقة موجبة لمعرفة التطبيق ، لكن المانع من إيصال المال اليه الجهل بمحله ، مع تردده بين مواقع غير محصورة. ولعل مثلها رواية معاوية الواردة في ميراث المفقود. ولأجل ذلك لا يستفاد منها كون المعيار في التصدق ما ذكره. ولذلك استظهر شيخنا الأعظم (ره) من نصوص التصدق بمجهول المالك : أن المناط تعذر الإيصال من دون مدخلية للجهل ، بل جزم بذلك في مكاسبه في مبحث جوائز السلطان ـ تبعاً للشرائع والتحرير والكفاية ـ فجعل حكم المال الذي يتعذر إيصاله إلى صاحبه التصدق به عنه. لكنه أيضاً لا يخلو من إشكال في المقام ، لأنه مما يمكن فيه إحراز الرضا بالتصرف في جهة معينة ، أو الوثوق بذلك ، ومعه كيف يمكن التعدي عن موارد تلك النصوص إليه؟ لأن موارد تلك النصوص ما يتعذر فيه الإيصال إلى المالك ، ومع إحراز الرضا يتحقق الإيصال الواجب ، ومع الوثوق بالرضا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الصدقة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الصدقة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب اللقطة حديث : ٢.

٥٨١

______________________________________________________

يكون التصرف أقرب من التصدق إلى تحصيل الواجب.

وبالجملة : صورة حصول العلم بالرضا ـ أو الوثوق به ـ خارجة عن مورد النصوص الواردة في مجهول المالك وبعيدة عنه ، فلا مجال للتعدي إليها.

وقد يستدل عليه بصحيحة ابن مهزيار ، المتقدمة في روايات التحليل : « من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حل » (١). ويشكل : بأنها ظاهرة في التحليل ، لا في وجوب التصدق. على أنها خبر واحد ، فلا تصلح حجة في الموضوعات. اللهم إلا أن يكون المقصود من التحليل التحليل الشرعي لا المالكي. لكنه خلاف الظاهر.

وكيف كان فلم يتضح ما يدل على تعيين صرف سهمه (ع) في جهة معينة ، فيشكل التصرف فيه ، إلا أن يحرز رضاه (ع) بصرفه في بعض الجهات ـ كما في زماننا هذا ـ فإنه يعلم فيه رضاه (ع) بصرفه في إقامة دعائم الدين ، ورفع أعلامه ، وترويج الشرع الأقدس ، ومئونة طلبة العلم الذين يترتب على وجودهم أثر مهم في نفع المؤمنين ، بالوعظ والنصيحة ، وبث الحلال والحرام ، وغير ذلك من الواجبات الدينية التي انسلخ عنها اليوم أكثر المتدينين. والأحوط نية التصدق عنه (ع) ، كما عرفت.

ومن ذلك يظهر أن الأحوط ـ إن لم يكن الأقوى ـ إحراز رضاه (ع) في جواز التصرف ، فإذا أحرز رضاه (ع) بصرفه في جهة معينة جاز للمالك تولي ذلك ، بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي ـ كما عن غرية المفيد ، وفي الحدائق الميل اليه ـ لعدم الدليل على ذلك كما اعترف به في الجواهر أيضاً. وأدلة الولاية على مال الغائب ، مثل قوله (ع) : « جعلته قاضياً .. » و « حاكماً .. » (٢) لا يشمل نفس الجاعل ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الأنفال حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب صفات القاضي حديث : ٦ ، ١.

٥٨٢

______________________________________________________

فإن للإمام (ع) ولايتين ، إحداهما قائمة بذاته المقدسة بما أنه مالك وذو مال ـ كسائر الملاك وذوي المال ـ المستفادة من مثل قوله (ص) : « الناس مسلطون على أموالهم » (١) ، والأخرى : قائمة به بما أنه الامام وأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وموضوع الثانية غيره. وأدلة ولاية الحاكم إنما هي في مقام جعل الولاية الثانية له ، والامام خارج عن موردها ، فإنه الولي لا المولى عليه ، وليس ما يدل على جعل الولاية الأولى له ، بل المقطوع به عدمه.

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما عن الفاضلين والشهيدين وغيرهم ـ بل نسب إلى أكثر العلماء تارة ، وأكثر المتأخرين أخرى ـ من وجوب تولي الحاكم لحصته (ع) ، بل عن الشهيد الثاني : إجماع القائلين بوجوب الصرف للأصناف على الضمان لو تولاه غير الحاكم .. اللهم إلا أن يكون إجماعاً. لكنه كما ترى. أو كان لمراجعته دخل في إحراز رضاه (ع) ، فلا يجوز التصرف بدونه. ولا سيما إذا كان الحاكم بمرتبة عالية من العقل والعدالة والأمانة ، والاهتمام بالمصالح الدينية ، والقدرة على تمييز الأهم والمهم منها فإنه حينئذ يكون أبصر بمواقعة وأعرف بمواضعه ، فيتعين الرجوع إليه في تعيين المصرف. إلا أن مثل ذلك لا يقتضي صلاحيته للتصرف فيه تصرف الولي فيما له الولاية عليه ، مثل إيقاع المصالحة عليه بمقدار معين إذا كان في نفسه مردداً بين الأقل والأكثر ، ومثل تبديله بعين أخرى ـ وإن ادعى في المستند القطع بالجواز ـ ولا غير ذلك من أنواع التصرف الذي يتولاه الولي.

نعم يشكل البناء على عدم ولاية الفقيه على المال المذكور : بأنه لا دليل على تعيين الحصة ، سواه أكانت في العين أم في الذمة بتعيين المالك فاذا لم يكن للحاكم ولاية التعيين لا تحصل براءة المالك منها. اللهم إلا أن‌

__________________

(١) راجع البحار باب : ٣٣ حديث : ٧ ج ٢ صفحة ٢٧٢ الطبعة الحديثة.

٥٨٣

فلا بد من الإيصال اليه ، أو الدفع إلى المستحقين بإذنه. والأحوط له الاقتصار على السادة ما دام لم يكفهم النصف الآخر [١]

______________________________________________________

يدعى الإجماع على ولاية المالك على القسمة ـ كما في المستند ـ واستظهره من الأخبار المتضمنة لإفراز رب المال خمسه ، وعرضه على الامام (ع) وتقريره (ع) له. أو يقال : إن البناء على جواز الصرف بإحراز الرضا راجع إلى الرضا بتعيين المالك ، غاية الأمر : أنه قد يتوقف أحرز الرضا على مراجعة الحاكم ، وذلك لا يستدعي ثبوت ولايته على التعيين. فتأمل جيداً.

نعم ربما يمكن أن تستفاد ولاية الحاكم على التعيين ، وعلى الجهات المتعلقة بالسهم المبارك مما ورد في بعض النصوص : من أنه ليس ملكاً له (ع) بشخصه الشريف بل ملك لمنصبه المنيف منصب الزعامة الدينية ، فيتولاه من يتولى المنصب (١). ويشير إلى ذلك ما تضمن : أن سهم الله تعالى ، وسهم الرسول (ص) راجع للإمام (٢) ، وأن عزل الحاكم الشرعي عن الولاية عليه يؤدي إلى ضياع الزعامة الدينية ، والاحتفاظ بها من أهم الواجبات الدينية ، لأن بها نظام الدين ، وبها قوام المذهب ، وبها تحفظ الحقوق لأهلها ، ولولاها لاختل أمر الدين والدنيا. واني أبتهل إلى الله جل شأنه في أن يؤيد ولاتها ويسددهم ، ويرعاهم بعين رعايته. وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللهِ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

ثمَّ إنه ـ على تقدير ثبوت ولاية الحاكم ـ يكفي إذنه في جواز الصرف كما هو صريح الدروس وعن غيره. والمحكي عن ظاهر الأكثر. العدم ، ووجوب مباشرته بنفسه. ودليله غير ظاهر ، إلا أن يحتمل دخله في إحراز الرضا منه (ع) بالتصرف.

[١] قد عرفت وجهه. كما عرفت النظر في إطلاقه ، فقد يكون ما هو‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس ، تجد الكثير يدل عليهما.

(٢) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب قسمة الخمس ، تجد الكثير يدل عليهما.

٥٨٤

وأما النصف الآخر ـ الذي للأصناف الثلاثة ـ فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه [١]. لكن الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه ، لأنه أعرف بمواقعة ، والمرجحات التي ينبغي ملاحظتها.

______________________________________________________

أهم منه ، فيحرز الرضا بصرفه فيه ، ولا يحرز الرضا بإعطائه للسادة.

[١] قد حكي في حكم هذا النصف في زمان الغيبة أقوال :

أحدها : سقوطه وإباحته للشيعة ، جزم به الديلمي ، وقواه في الذخيرة ، وفي الحدائق : نسبه الى شيخه الشيخ عبد الله بن صالح ، والى جملة من معاصريه ، لأن تقسيمه منصب الامام (ع) ، ولا دليل على ثبوت ولاية ذلك لغيره. وفيه : أن الثابت أن للإمام ولاية الأخذ ـ أو مع الصرف ـ في حال حضوره ، أما ثبوت الولاية مطلقاً حتى حال غيبته فلا دليل عليه. وإطلاق ما دل على ثبوت الحق ووجوب إيصاله لأهله ينفيه ولنصوص التحليل التي قد عرفت إشكالها. ولأصالة البراءة ، لقصور أدلة الوجوب عن شمول حال الغيبة. وفيه منع واضح ، لظهور النصوص في استحقاق الأصناف الثلاثة ، وإطلاقها الشامل لحالي الحضور والغيبة.

ثانيها : وجوب دفنه إلى زمان ظهوره ، كما عن بعض.

ثالثها : وجوب الوصية به ، كما عن التهذيب.

رابعها : التخيير بين قسمته بين الأصناف الثلاثة ، وعزله وحفظه والوصية به ، كما عن المقنعة. أو بين ذلك والدفن ، كما عن المبسوط. ويظهر ضعف هذه الأقوال مما تقدم في حق الامام (ع) ، فيتعين القول المشهور بين المتأخرين والمتقدمين ، والمنسوب إلى جمهور الأصحاب ، والمنفي عنه الخلاف الا من نادر : من وجوب قسمته على الأصناف الثلاثة.

٥٨٥

( مسألة ٨ ) : لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره ، إذا لم يوجد المستحق فيه [١]. بل قد يجب كما إذا لم يمكن حفظه مع ذلك ، أو لم يكن وجود المستحق فيه متوقعاً بعد ذلك. ولا ضمان حينئذ عليه لو تلف [٢]. والأقوى جواز النقل مع وجود المستحق أيضاً [٣] ،

______________________________________________________

هذا وهل يشترط مراجعة الحاكم في ذلك؟ قولان ، اختار ثانيهما جماعة. للأصل. وعن بعض : الأول ، بل في محكي زاد المعاد ـ للمجلسي ـ نسبته إلى المشهور ، لأنه من وظيفة الإمام ، فيكون من وظيفة نائبه. لكنه غير ظاهر. نعم هو مقتضى قاعدة الاشتغال ، للشك في ولايته على التعيين ولا إطلاق واضح يقتضي ذلك. فتأمل جيداً.

[١] عن المدارك : أنه لا ريب فيه ، وعن غيره الإجماع عليه للأصل بل قد يجب ، لتوقف إيصال الحق إلى أهله عليه ، كما في فرض المتن.

[٢] بلا إشكال ، كما في الجواهر. للأصل. ولظاهر التعليل في نصوص نفي ضمان الزكاة لو تلفت بالنقل. هذا وسيجي‌ء الإشكال من المصنف في تعيين الخمس بالعزل ، فكأن فرض المسألة في نقل مجموع المال الذي فيه الخمس ، أما في نقل مقدار الخمس من ماله ، لأجل تفريغ ذمته أو ماله من الخمس ، فنفي الضمان غير ظاهر ، لعدم الدليل ، والأصل بقاء الخمس بحاله.

[٣] كما في المسالك والمدارك ، وعن الذخيرة وغيرها. حملا له على الزكاة. لكن في الشرائع ، وعن النافع والإرشاد والمنتهى والتحرير وغيرها : العدم ، لما سبق في الزكاة أيضاً. والعمدة فيه : منافاته للفورية التي تقتضيها قاعدة السلطنة. والخروج عنها في الزكاة للنصوص لا يقتضي الخروج عنها هنا ، فمنع وجوب الفورية هنا غير ظاهر ، كمنع منافاته لها. نعم إذا كان إيصاله للمستحق في البلد يحتاج إلى زمان أكثر من زمان النقل الى غيره كان‌

٥٨٦

لكن مع الضمان لو تلف [١]. ولا فرق بين البلد القريب والبعيد ، وإن كان الاولى القريب ، إلا مع المرجح للبعيد.

( مسألة ٩ ) : لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان ، ولو مع وجود المستحق [٢]. وكذا لو وكله في قبضه عنه بالولاية العامة ، ثمَّ أذن في نقله [٣].

( مسألة ١٠ ) : مئونة النقل على الناقل في صورة الجواز [٤] ومن الخمس في صورة الوجوب.

( مسألة ١١ ) : ليس من النقل لو كان له مال في بلد آخر فدفعه فيه للمستحق عوضاً عن الذي عليه في بلده [٥] ، وكذا لو كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر فاحتسبه‌

______________________________________________________

البناء على الجواز في محله. وعلى هذا فالمدار ـ في المنع والجواز ـ على لزوم التأخير وعدمه.

[١] كما عن جماعة التصريح به ، وعن المنتهى الإجماع عليه. ويقتضيه ظاهر بعض النصوص المتقدمة في الزكاة.

[٢] كأنه لقصور نصوص الضمان عن شمول المورد ، والأصل عدمه. أو لكون مرجع الاذن إلى إسقاط الضمان.

[٣] الحكم فيه ظاهر ، لأنه بقبضه بعنوان الوكالة حصل الدفع اللازم. والضمان خلاف مقتضى الولاية ، فإن يد الولي لا توجب الضمان.

[٤] إذ لا وجه لجعله على الخمس بعد عدم كونه لمصلحته ، بخلاف الصورة الآتية ، فإن جعله على المالك خلاف قاعدة نفي الضرر.

[٥] كما هو ظاهر. لكن يجري فيه إشكال النقل إذا استلزم تأخيراً عن أداء الحق. وكذا الحال في الفرض الأخير.

٥٨٧

خمساً ، وكذا لو نقل قدر الخمس من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضاً عنه.

( مسألة ١٢ ) : لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده فالأولى دفعه هناك ، ويجوز نقله إلى بلده مع الضمان.

( مسألة ١٣ ) : إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصة الإمام (ع) اليه [١] ، بل الأقوى جواز ذلك ولو كان المجتهد الجامع للشرائط. موجوداً في بلده أيضا بل الاولى النقل إذا كان من في بلد آخر أفضل ، أو كان هناك مرجح آخر.

( مسألة ١٤ ) : قد مر : أنه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له نقداً أو عروضاً ، ولكن يجب أن يكون بقيمته الواقعية ، فلو حسب العروض بأزيد من قيمتها لم تبرأ ذمته ، وإن قبل المستحق ورضي [٢].

( مسألة ١٥ ) : لا تبرأ ذمته من الخمس إلا بقبض

______________________________________________________

[١] حيث عرفت أن المعيار ـ في جواز التصرف في حصة الإمام (ع) ـ الرضا ، يدور أمر النقل وعدمه مداره ، ومع تساوي النقل وعدمه فيه يتخير. ولو ثبت أنه تحت ولاية الحاكم ، فمع الدوران بين الحاكم في بلده والحاكم في بلد آخر ، يجري الحكم الثابت مع الدوران بين فقير البلد وفقير غيره ، من جواز النقل وعدمه.

[٢] لأن المدار على جوازه شرعاً ، ولم يدل دليل عليه مع قبول المستحق. نعم لو صالح المستحق عن العروض بمقدار الخمس ، ثمَّ احتسب ذلك المقدار جاز.

٥٨٨

المستحق أو‌ الحاكم [١] ، سواء كان في ذمته أو في العين الموجودة. وفي تشخيصه بالعزل إشكال [٢].

( مسألة ١٦ ) : إذا كان في ذمة المستحق دين جاز له احتسابه خمساً [٣]. وكذا في حصة الإمام (ع) إذا أذن المجتهد.

______________________________________________________

[١] لعدم الدليل على البراءة بدون ذلك ، والأصل عدمها.

[٢] تقدم في المسألة السابعة عن المستند : حكاية الإجماع على ولاية المالك على القسمة ، مستظهراً له من النصوص المتضمنة إفراز المالك لخمسه وعرضه على الامام (ع) ، وتقريره (ع) له على ذلك. ويقتضيه ظاهر كلماتهم في مسألة جواز النقل ، حيث أن الظاهر أن موضوعها المال المعين خمساً. ويؤيده : ما ورد في الزكاة. لكن الخروج عن الأصل بهذا المقدار لا يخلو من إشكال ، لعدم ظهور تلك النصوص في تعين كون المفروز خمساً بعينه. ومجرد التعبير بمثل : « أد الخمس » ، أو « أرسله » لا يقتضي ذلك ، فإنه نظير قوله : « أد دينك ». فأصالة عدم التعيين محكمة.

[٣] الظاهر من الاحتساب : أنه إيقاع لا تمليك ، ولذا لا يكون موقوفاً على القبول ، ولا على القول بجواز تمليك ما في الذمة. وعلى هذا فجوازه يتوقف على أحد أمور :

الأول : أن تكون اللام للمصرف لا للملك ، إذ يكفي في الصرف إبراء الذمة وإسقاط ما فيها. لكن جعل اللام للمصرف خلاف الظاهر. ولا سيما بقرينة السهام الراجعة للإمام (ع).

الثاني : أن تكون اللام للملك ، لكن المالك لما كان هو الطبيعة ، فالمالك أو الفقيه ـ بحسب ولايته على المال المذكور الذي ليس له مالك معين ـ يصرفه في مصالح الطبيعة ، ومنها إبراء الذمة لبعض أفرادها. وفيه : أن ثبوت هذه الولاية المطلقة لا دليل عليه ، وإنما الثابت هو الولاية على‌

٥٨٩

( مسألة ١٧ ) : إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقداً أو عرضاً لا يعتبر فيه رضا المستحق أو المجتهد بالنسبة إلى حصة الإمام (ع) [١] ، وإن كانت العين التي فيها الخمس موجودة. لكن الاولى اعتبار رضاه ، خصوصاً في حصة الإمام (ع).

( مسألة ١٨ ) : لا يجوز للمستحق أن يأخذ من باب الخمس‌

______________________________________________________

تطبيق الطبيعة على الفرد ، وبعد التطبيق المذكور يدفع إليه ملكه ، نظير تطبيق الكلي المملوك على الفرد المعين في بيع الصاع من صبرة ، أو الدين الذي في الذمة على المال الخارجي المعين. فالولاية في الموردين المذكورين على تطبيق المملوك ، وفي المقام على تطبيق المالك ، والولاية على الصرف في مطلق مصلحة الطبيعة لا دليل عليه.

الثالث : البناء على صحة عزل الخمس في المال الذي في الذمة ، وبعد تطبيق المستحق الكلي على صاحب الذمة يسقط المال قهراً. لكن عرفت الإشكال في جواز عزل الخمس في المال الخارجي ، فضلا عن المال الذي في الذمة ومن ذلك يظهر الإشكال في جواز الاحتساب في هذا القسم من الخمس.

نعم لا يبعد ذلك في سهم الامام (ع) ـ بعد ما عرفت من اعتبار الرضا ـ إذ معه يصح إبراءه على أن يسقط منه بمقداره. كما لا بأس به في التصدق برد المظالم ، لصدق التصدق بذلك. وقاعدة إلحاق الخمس بالزكاة لا دليل عليها. نعم بناء على ثبوت ولاية الفقيه ، لو أذن للمالك بتعيين الخمس فيما له في الذمة وتعيين الفقير فيمن عليه المال سقط قهراً ، عملا بمقتضى الولاية. ولكن هذا أمر آخر غير جواز الاحتساب شرعاً. فتأمل جيداً.

[١] لأن ما دل على جواز دفع البدل ـ على تقدير تماميته كما تقدم ـ لم يعتبر فيه رضا المستحق أو المجتهد ، فإطلاقه محكم.

٥٩٠

الخمس ويرده على المالك إلا في بعض الأحوال [١] ، كما إذا كان عليه مبلغ كثير ، ولم يقدر على أدائه ـ بأن صار معسراً ـ وأراد تفريغ الذمة ، فحينئذ لا مانع منه إذا رضي المستحق بذلك.

( مسألة ١٩ ) : إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه كالكافر ونحوه ـ لم يجب عليه إخراجه [٢] فإنهم (ع) أباحوا لشيعتهم ذلك ، سواء كان من ربح تجارة أو غيرها ، وسواء كان من المناكح ، والمساكن ، والمتاجر ، أو غيرها.

______________________________________________________

[١] تقدم الكلام فيه في الزكاة ، في المسألة السادسة عشرة من فصل الختام. فراجع.

[٢] قد اشتهر في كلام الأصحاب ( رض ) تحليل المناكح والمساكن والمتاجر في زمان الغيبة ونحوه ، من أزمنة قصور يد العدل. بل ظاهر بعض : الاتفاق عليه ، وإن كان ظاهر بعض العبارات : اختصاص التحليل بالمناكح ، دون المساكن والمتاجر ـ والذين صرحوا بالتعميم اختلف ظاهر كلامهم في اختصاص ذلك التحليل بالأنفال ، أو الخمس ، أو يعمهما. وعلى الثاني في اختصاصه بحقهم (ع) ، أو يعم حق بقية الأصناف. وفي اختصاصه بمن هي في يده ، أو يعم غيره. وفي تفسيرها وتعيين المراد بها.

ففي الأول ، قيل ـ كما عن المسالك وغيرها ـ : إنها السراري المسبية من أهل الحرب ، وقيل : إنها السراري التي يشتريها بثمن فيه الخمس وقيل : إنه مهور الزوجات التي فيها الخمس. وفي الثاني ، قيل : إنه المسكن الذي يغتنم من الكفار ، وقيل : إنه المسكن المختص بالإمام ، كرؤوس الجبال ، وقيل : إنه المسكن الذي يشترى من أرباح التجارات ، وقيل :

٥٩١

______________________________________________________

إنه المسكن الذي يشترى من المال الذي فيه الخمس ، كما لو اشتراه من الربح بعد الحول ، أو من الكنز والمعدن ونحوهما. وفي الثالث ، قيل : إنه ما يشترى من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب حال الغيبة ، وقيل ما يشترى من أموال الإمام (ع) ، كالرقيق ، والحطب المقطوع من الآجام المملوكة له (ع) ، وقيل : ما يشترى مما فيه الخمس ممن لا يخمس ، أو لا يعتقد الخمس.

هذا وليس في النصوص ما يتضمن التحليل للعناوين المذكورة بخصوصها غير مرسلة الغوالي : سأله بعض أصحابه ، فقال : يا بن رسول الله (ص) ما حال شيعتكم ـ فيما خصكم الله تعالى به ـ إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال (ع) : ما أنصفناهم إن واخذناهم ، ولا أحببناهم إن عاقبناهم. نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم ، ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم ، ونبيح لهم المتاجر لتزكو أموالهم » (١). لكنها ضعيفة السند لا تصلح للاعتماد عليها ، فلا بد من الرجوع في تحليل المذكورات بتفاسيرها إلى الاعتماد عليها ، فلا بد من الرجوع في تحليل المذكورات بتفاسيرها إلى الأدلة ، فنقول :

أما التفسير الأول للأول فتقضيه جملة من النصوص ، كخبر الفضيل : « قال أبو عبد الله (ع) إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا » (٢). وخبر عبد العزيز بن نافع : « إن أبي كان ممن سباه بنو أمية ، وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا ولا يحللوا ، ولم يكن لهم مما في أيديهم قليل ولا كثير ، وإنما ذلك لكم ، فاذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد على عقلي ما أنا فيه. فقال (ع) له : أنت في حل مما كان من ذلك. وكل من كان في مثل حالكم من ورائي فهو في حل من ذلك » (٣). وما في خبر أبي حمزة « فنحن أصحاب الخمس والفي‌ء ،

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ١٨.

٥٩٢

______________________________________________________

وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. والله يا أبا حمزة ، ما من أرض تفتح ، ولا خمس يخمس ، فيضرب على شي‌ء منه إلا كان حراماً على من يصيبه ، فراً كان أو مالا » (١) ، وخبر الكناسي : « أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت : لا أدري. فقال (ع) : من قبل خمسنا أهل البيت. إلا شيعتنا الأطيبين ، فإنه محلل لهم ولميلادهم » (٢) وقريب منها غيرها. وظاهرها : تحليل الخمس بتمامه.

وأما التفسير الثاني فالشراء فيه إن كان من مئونة السنة ، فاستثناؤه في محله كما سبق ، وإن لم يكن منها فدلالة النصوص المتقدمة عليه غير ظاهرة لاختصاص أكثرها بالفي‌ء. والباقي إما ظاهر فيه أو غير ظاهر فيما نحن فيه. ولا سيما مع ضعف السند ، وعدم ثبوت الجابر. وأما نصوص التحليل العامة فقد عرفت الإشكال في التمسك بها ، لمعارضتها بما دل على عدم حل الخمس ، الموجب لحملها على ما ورد فيه التحليل بالخصوص. ومن ذلك يظهر الإشكال في التفسير الثالث فيما لم يكن من المؤن. مضافاً إلى أن حرمة المهر لا ترتبط بحرمة الزوجة ، لعدم كونه من أركان العقد ـ كما هو موضح في محله ـ فلا يلزم من تحريمه تحريمها.

وأما التفسير الأول للثاني ، فإن كان المراد من المغنم ما كان بغير إذن الامام ، فتحليله مبني على تحليل الأنفال ، على ما عرفت من أن الغنيمة بدون إذن الامام (ع) منها. وإن كان المراد منه المغتنم بإذنه فالدليل عليه غير ظاهر. ولا سيما بناء على عدم الخمس في الأرض ونحوها من غير المنقول كما تقدم تقريبه. وأما حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم ، ويكون معهم فيصيب غنيمة. قال (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ١٩.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٣.

٥٩٣

______________________________________________________

يؤدي خمسنا ويطيب له » (١) فظاهرها عدم الحل. لكنها مع انصرافها إلى المنقول ـ مختصة بصورة مباشرة الشيعي للاغتنام ، فلا تشمل صورة الانتقال اليه من المغتنم غير الشيعي. مع أنك عرفت من مبحث الغنائم : أن الجمع بينه وبين ما دل على أن الغنيمة بغير إذن الامام (ع) له ، حملها على صورة الاذن. وسيأتي الكلام فيه في تحليل الأنفال.

وأما التفسير الثاني فلأنه من الأنفال ، فيجري عليه حكمها. وأما التفسير الثالث ، فان كان من المؤن فتحليله ظاهر ، لما تقدم من استثنائها وان لم يكن منها فلا دليل على تحليله ـ كالرابع ـ فعموم ثبوت الخمس فيه محكم.

وأما التفسير الأول للثالث ، فقد عرفت : أن نفس المغتنم من الأنفال وأما شراؤه من المغتنم أو غيره ، فيدل على جوازه وحليلته ـ مضافاً إلى ما تقدم ـ إطلاقخبر أبي خديجة عن أبي عبد الله (ع) : « قال رجل وأنا حاضر : حلل لي الفروج. ففزع أبو عبد الله (ع). فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق ، إنما يسألك خادماً يشتريها ، أو امرأة يتزوجها ، أو ميراثاً يصيبه ، أو تجارة أو شيئاً أعطيه. فقال (ع) : هذا لشيعتنا حلال. أما والله لا يحل إلا لمن أحللنا له » (٢) فتأمل. فإنه قد يظهر من السؤال الأول الاختصاص بالمناكح. وخبر يونس بن يعقوب : « كنت عند أبي عبد الله (ع) ، فدخل عليه رجل من القماطين ، فقال : جعلت فداك ، تقع في أيدينا الأموال والأرباح ، وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون. فقال : أبو عبد الله (ع) : ما أنصفناكم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٨. وقد تقدم في صفحة : ٤٤٧ التعبير عنها بالمصحح.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٤.

٥٩٤

______________________________________________________

إن كلفناكم ذلك اليوم » (١). ولعله ظاهر صحيح الحرث عنه (ع) : « قلت له : إن لنا أموالا ـ من غلات ، وتجارات ، ونحو ذلك ـ وقد علمت أن لك فيها حقاً. قال (ع) : فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم. وكل من والى آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا ، فليبلغ الشاهد الغائب » (٢). مضافاً الى قيام السيرة عليه في الجملة. ولزوم الوقوع في الحرج العظيم لو بني على التحريم. ولا سيما بملاحظة ما هو معلوم من عطفهم ورأفتهم بشيعتهم.

ثمَّ إن ظاهر الاخبار ـ أو منصرفها ـ الشراء ممن لا يعتقد وجوب الخمس ، كالكافر والمخالف. ومنها يظهر الوجه في حل التفسير الثالث ، واختصاصه بالشراء ممن لا يعتقد الخمس ، وإن ذكر في الروضة ، وحكي عن السرائر : العموم لغيره ، بدعوى : إطلاق النصوص المذكورة الشامل له أيضاً. لكن عرفت أن النصوص لا إطلاق فيها ، لأن موضوع التحليل فيها الأموال التي تكون في أيدي الشيعة ، المنتقلة إليهم من غيرهم. ولا سيما بملاحظة الغلبة. وكون بناء الشيعة على إخراج الخمس في تلك الأعصار. وبالجملة : لا ينبغي التأمل في دعوى اختصاص النصوص بالشراء ممن لا يعتقد الخمس. وبذلك يرتفع التعارض بينها وبين ما دل على عدم جواز شراء ما فيه الخمس ، فيحمل على الشراء ممن يعتقد.

وأما التفسير الثاني فالرقيق فيه قد عرفت حكمه في المناكح إذا كان أنثى. أم الذكر ـ وكذلك الحطب المقطوع من الآجام ـ فهما من الأنفال يجري عليها حكمها. ومما ذكرنا يظهر أن المستفاد من النصوص المتقدمة : هو تحليل الشيعة من الخمس الثابت فيما يكون في يد غيرهم مطلقاً ، سواء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٩.

٥٩٥

______________________________________________________

أكان من المناكح ، أم المساكن ، أم المتاجر ، أم غيرها ، كما ذكر في المتن بل يظهر من كلماتهم : أنه من المسلمات ، بل عن ظاهر البيان : أنه مما أطبق عليه الإمامية ، وإن حكي عن الإسكافي والحلبي إنكار هذا التحليل من أصله. ولعله لأن الشبهة موضوعية ، والاعتماد فيها على خبر الواحد غير ظاهر. ولا سيما مع ضعف السند في كثير منها. لكن ذلك لا يتم في تحليل المناكح ، لتواتر النصوص إجمالا بتحليلها. وكذا في الشراء ممن لا يعتقد الخمس ، لقيام السيرة عليه في الجملة ، كما عرفت آنفاً.

بل الظاهر أن جواز الشراء لمطلق الفي‌ء مستفاد من النصوص المتواترة الواردة فيه بالخصوص أو العموم. وعليه فالمراد بالمناكح مطلق الجواري الموطوءة وإن لم تكن ذات ولد شيعي. ويشهد له خبر الكناسي المتقدم (١) الذي لا يصلح التعليل بطيب الولادة للحكومة عليه ، لكونه أظهر منه في جواز الوطء ، لئلا يكون الزنا. فتأمل. كما أنه لو كان المغتنم شيعياً لم يكن مورداً للتحليل ، لقصور النصوص المتقدمة عن شموله. كقصورها عن شمول شيعي آخر تنتقل منه اليه ، كما عرفت. والله سبحانه أعلم.

تذييل في الأنفال

الأنفال جمع : ( نفل ) ـ بالتحريك والسكون ـ وهو الزائد ، قال الله تعالى : ( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً ... ) (٢). ولأجل ذلك سميت الصلاة النافلة نافلة ، لزيادتها على الفريضة. وهي ـ كما ذكر غير واحد ـ : الأموال المختصة بالنبي (ص). قال الله تعالى : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ

__________________

(١) تقدم ذلك في هذه التعليقة قريباً.

(٢) الأنبياء : ٢١.

٥٩٦

______________________________________________________

الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ... ) (١) ومن بعده للإمام (ع) ، جعلها الله لهم زبادة على ما لهم من سهم الخمس إجماعاً. ويستفاد ذلك من النصوص الآتية وغيرها. وما في بعضها : من أنها تقسم نصفين ، نصف للناس ، ونصف للرسول وللإمام من بعده ، مطروح. وهي أمور :

منها : أراضي الكفار التي استولى عليها المسلمون من غير قتال ، سواء انجلى عنها أهلها أم مكنوا المسلمين منها طوعاً. بلا خلاف ظاهر ، كما اعترف به غير واحد ، بل عن جماعة : دعوى الإجماع صريحاً عن جماعة عليه. ويشهد له كثير من النصوص ، كمصحح حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) : « الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا ، أو قوم أعطوا ما بأيديهم. وكل أرض خربة ، وبطون الأودية فهو رسول الله (ص) ، وهو للإمام من بعده ، يضعه حيث يشاء (٢) ، وموثق إسحاق : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الأنفال ، فقال : هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها ، فهي لله وللرسول. وما كان للملوك فهو للإمام. وما كان من أرض الجزية ، لم يوجف عليه بخَيْلٍ وَلا رِكابٍ ، وكل أرض لا رب لها ، والمعادن منها. ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال » (٣) ونحوهما غيرهما مما هو كثير جداً. وإطلاق بعضها ـ كالمصحح ـ وإن كان يشمل الأرض وغيرها ، لكنه مقيد بما هو مقيد بها ، الوارد في مقام الحصر والتحديد ، فان وروده كذلك يستوجب ثبوت المفهوم له ـ وهو النفي عن غير الأرض ـ فيحمل المطلق في الإثبات عليه.

__________________

(١) الأنفال : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الأنفال حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الأنفال حديث : ٢٠.

٥٩٧

______________________________________________________

ومنها : الأرض الموات ، سواء أملكت ثمَّ باد أهلها ، أم لم يجر عليها ملك مالك ، كالمفاوز. بلا خلاف ظاهر ، بل عن جماعة كثيرة. دعوى الإجماع عليه. والنصوص الدالة عليه كثيرة جداً ، على اختلاف بينها في ذلك ، فقد أطلق في بعضها : كون الأرض الخربة أو الميتة من الأنفال وقيد في آخر : ببواد الأهل أو جلائهم. والظاهر من التقييد المذكور ـ كما اعترف به غير واحد ـ : إرادة الاحتراز عن الميتة التي لها مالك معروف ، فإنها ليست من الأنفال بل هي لمالكها. والظاهر أنه مما لا إشكال فيه ، وعن العلامة في التذكرة : الإجماع عليه.

نعم لو كان قد ملكها بالإحياء ، ففي خروجها عن ملكه بالموت وجواز إحياء غيره لها وملكه لها بذلك قولان ، حكي أولهما عن جماعة ، منهم العلامة في التذكرة ، والشهيد الثاني في الروضة والمسالك ، بل عن جامع المقاصد : أنه المشهور. لصحيح أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (ع) : « وجدنا في كتاب علي (ع) إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا. فمن أحيا أرضاً ميتاً من المسلمين فليعمرها ، وليؤد خراجها إلى الامام (ع) من أهل بيتي (ع) ، وله ما أكل منها ، فان تركها ، أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها ، فهو أحق بها من الذي تركها ، فليؤد خراجها إلى الامام من أهل بيتي ، وله ما أكل حتى يظهر القائم (ع) من أهل بيتي .. » (١) ، وصحيح معاوية ابن وهب : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فان عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضاً لرجل قبله ، فغاب عنها وتركها فأخرجها ثمَّ جاء بعد يطلبها ، فإن الأرض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب إحياء الموات حديث : ٢.

٥٩٨

______________________________________________________

لله ولمن عمرها » (١). المعتضدين بعموم : « من أحيا أرضاً ميتة فهي له » (٢). ولا يعارض بتطبيقه على المحيي الأول ، لعدم تعرضه للبقاء ، فلم يبق إلا الاستصحاب الذي لا يصلح لمعارضة الدليل.

وقيل ببقائها على ملك الأول ، كما عن المبسوط والتهذيب والسرائر والنافع والتحرير والدروس وجامع المقاصد وغيرهم. لصحيحي سليمان بن خالد والحلبي عنه (ع) : « عن الرجل يأتي الأرض الخربة ، فيستخرجها ويجري أنهارها ، ويعمرها ، ويزرعها ، ما ذا عليه؟ قال (ع) : الصدقة. قلت : وإن كان يعرف صاحبها؟ قال (ع) : فليؤد إليه حقه » (٣) لكنهما ـ كما ترى ـ لا يصلحان لمعارضة الصحيحين الأولين ، لصراحة الأول منهما في تملك الثاني بالإحياء في خصوص صورة تملك الأول بالاحياء. فيمكن أن يجعل شاهداً للجمع بين صحيح معاوية والصحيحين الأخيرين ، بحمل الأول على الصورة المذكورة ، والأخيرين على التملك بغيره. مضافاً إلى أن مورد السؤال في الصحيحين الأولين : صورة إعراض المالك الأول وتركه للأرض ، والأخيران خاليان عن ذلك ، فيمكن حملهما على صورة البناء على تعميرها. فتأمل جيداً.

ثمَّ إنه مما ذكر يظهر : أن موات المفتوح عنوة ملك للمسلمين ، وليس من الأنفال ، لأنها لها مالك معلوم قد ملكه بالفتح لا بالاحياء ، كما نص على ذلك في الشرائع وغيرها ، على نحو يظهر كونه من المسلمات وفي الجواهر ادعى القطع بذلك : وإطلاق ما دل على أن الموات للإمام (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب إحياء الموات حديث : ١.

(٢) كما هو مضمون ما رواه في الوسائل باب : ١ من أبواب إحياء الموات حديث : ٦ ، وغيره من أحاديث الباب المذكور.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب إحياء الموات حديث : ٣ وملحقة.

٥٩٩

______________________________________________________

مقيد بغير ذلك ، للصحيحين المتقدمين ـ كما أن مقتضى الأصل وظاهر صحيح الكابلي : عدم خروج لميتة عن ملكه (ع) بصيرورتها حية. كما أن ظاهر غير واحد ـ في كتاب إحياء الموات ـ : التسالم على عدم الفرق بين الموات في بلاد الإسلام وبلاد الكفر ، فكما يملك الامام (ع) الموات في الأول بملك الموات في الثاني. وحينئذ فلو أحياها الكافر قبل الفتح ثمَّ فتحت ، ففي كونها للإمام (ع) حينئذ ، أو للمسلمين وجهان ، مبنيان على عموم تملك المحيي الكافر في مثل ذلك وعدمه. فعلى الأول تكون ملكاً للكافر المحيي لها ، فيملكها المسلمون بالفتح. وعلى الثاني تكون ملكاً للإمام (ع) فلا تملك بالفتح. وما دل على أن العامر حال الفتح ملك للمسلمين مختص بما كان ملكا للكافرين ، فلا يشمل ما كان ملكا لمسلم ، فضلا عن أن يكون ملكاً لإمام المسلمين ،. والكلام في ذلك كله موكول إلى محله. وقد تعرضنا لهذه المسألة في كتابنا : ( نهج الفقاهة ) في أحكام الأرضين. فراجعه ، فان له نفعاً في المقام.

ومنها : سيف البحار ـ بكسر السن ـ : ساحله ، على ما ذكره في الشرائع. ودليله غير ظاهر ، إلا أن تكون من الموات فعلا ، فتدخل في أرض الموات. أو تكون حية فعلا ، لكن كانت مواتاً باستيلاء الماء عليها ، ثمَّ نضب عنها الماء فصارت حية ، بناء على ما عرفت : من عدم خروج الموات عن ملكه (ع) بالحياة. أما لو كانت حية من أول الأمر ـ كما يقتضيه إطلاق الشرائع ـ فكونها ملكاً له (ع) غير ظاهر. اللهم إلا أن تكون من الأرض التي لا رب لها ـ بناء على أنها له (ع) وإن كانت حية ـ كما يقتضيه ظاهر موثق إسحاق المتقدم (١). ومثله : خبر أبي بصير المروي عن تفسير العياشي (٢) ، المعتضدان بما دل على أن الأرض كلها‌

__________________

(١) تقدم ذلك في أول الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الأنفال حديث : ٢٨.

٦٠٠