مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

ولو كان الوارث مستحقاً جاز احتسابه عليه [١] ، ولكن يستحب دفع شي‌ء منه إلى غيره.

التاسعة : يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء [٢] خصوصاً مع المرجحات ، وإن كانوا مطالبين. نعم الأفضل حينئذ الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن [٣]. إلا إذا زاحمه ما هو أرجح.

______________________________________________________

وتقتضيه القواعد الأولية إذا فرض ترتب الأداء عليه ، لوجوب مقدمة الواجب. بل ولو احتمل ذلك كفى في الوجوب ، لوجوب الاحتياط مع الشك في القدرة. ويشير إلى ذلك : ما ورد في المال الذي مات صاحبه ولم يعلم له وارث ، من قوله : « ثمَّ توصي بها ، فان جاء طالبها. وإلا فهي كسبيل مالك » (١). ونحوه ورد في اللقطة (٢).

[١] ففي مصحح علي بن يقطين : « قلت لأبي الحسن (ع) : رجل مات وعليه زكاة ، وأوصى أن يقضى عنه الزكاة ، وولد محاويج إن دفعوها أضر بهم ذلك ضرراً شديداً. فقال (ع) : يخرجونها فيعودوا بها على أنفسهم ، ويخرجون منها شيئاً فيدفع إلى غيرهم » (٣). لكن الظاهر منه وجوب دفع شي‌ء منها إلى غيرهم. إلا أن ظاهر الأصحاب التسالم على استحباب ذلك.

[٢] كما يقتضيه نفي التوقيت والتوظيف في كيفية القسمة. ويقتضيه أيضاً : إطلاق ما دل على جواز النقل مع وجود المستحق ، مما يأتي إن شاء الله.

[٣] يعني : استحباب إجابة المؤمن في قضاء حاجته ، وهو الدفع إليه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب من لا وارث له حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب اللقطة حديث : ١٠ ، ١٢.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٥.

٣٢١

العاشرة : لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره [١] ، مع عدم وجود المستحق فيه. بل يجب ذلك إذا لم يكن مرجو الوجود بعد ذلك [٢] ، ولم يتمكن من الصرف‌

______________________________________________________

لكن قد يعارض ذلك بقضاء حاجة غيره. وكأن التعليل باستحباب إجابة المؤمن أولى. فتأمل.

[١] في الجواهر : « بلا خلاف ولا إشكال ، بل في محكي التذكرة والمنتهى : الإجماع عليه .. ». وعن المدارك : أنه لا ريب فيه. ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح ضريس : « سأل المدائني أبا جعفر (ع) فقال : إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا ، ففي من نضعها؟ فقال (ع). في أهل ولايتك. فقلت : إني في بلاد ليس فيه أحد من أوليائك ، فقال (ع) : ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم ، ولا تدفعها إلى قوم إن دعوتهم غداً إلى أمر لم يجيبوك ، وكان والله الذبح » (١) ، وخبر الحداد عن العبد الصالح (ع) : « قلت له : الرجل منا يكون في أرض منقطعة ، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال (ع) : يضعها في إخوانه وأهل ولايته. فقلت : فان لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال (ع) : يبعث بها إليهم » (٢). مضافاً إلى النصوص الآتية في المسألة الآتية.

[٢] إما لئلا يلزم تضييع الحق على مستحقه ، المعلوم من مذاق الشارع تحريمه. لكنه لا يتم في صورة العلم بعدم لزومه. وإما لتوقف الأداء الواجب عليه. لكنه يتوقف على وجوب الأداء المطلق ، إذ لو كان الواجب من الأداء ما يقابل الحبس والمنع ، لم يستدع وجوبه وجوب النقل. وإما لصحيح ضريس السابق. إلا أن يستشكل فيه ـ كما في الجواهر ـ : بأن الأمر في مقام توهم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٧.

٣٢٢

في سائر المصارف. ومئونة النقل حينئذ من الزكاة [١]. وأما مع كونه مرجو الوجود فيتخير بين النقل والحفظ إلى أن يوجد [٢]. وإذا تلفت بالنقل لم يضمن [٣] مع عدم الرجاء ،

______________________________________________________

الحضر. أو أن المقصود منه المنع من إعطائه لغير الموالي.

لكن يدفع الثاني : أن المتكفل للمنع من الإعطاء لغير الموالي قوله (ع) « ولا تدفعها .. ». كما أنه يدفع الأول : أنه خلاف الظاهر من غير رينة. ومثله : احتمال أن يكون الأمر إرشادياً ، لبيان طريق الإيصال إلى المستحق ، لا مولوياً تعبدياً ، فإنه أيضاً خلاف الظاهر. وخبر الحداد المتضمن للانتظار بها سنة أو سنتين أو أربع ـ مورده صورة رجاء الوجود بعد ذلك لا اليأس ، كما هو محل الكلام. على أنه ضعيف السند ، لا مجال للعمل بذيله ، كما لا يخفى.

[١] لأن الصرف لمصلحة المستحق ، والأصل البراءة من وجوب تحمل المؤنة. وما سبق من وجه الوجوب لا يقتضيه.

[٢] كما في الإرشاد. وفي الجواهر : « قيل : لا يظهر خلافه من كلام غيره من الأصحاب ، ولا من النصوص. إذ ليس فيها إلا نفي الضمان والجواز ، ونفي البأس ، وذلك لا يقتضي وجوب النقل بعينه .. ». وما في المدارك : من إطلاق وجوب النقل عند عدم المستحق ، لتوقف الدفع الواجب عليه ، قد عرفت ما فيه. مع أنه لا يتم مع رجاء حضور المستحق. وصحيح ضريس ظاهر في صورة اليأس ، فلا يشمل ما نحن فيه. فاذاً القول بالتخيير في محله. ولا سيما مع تأييده بالسيرة على نصب العمال لجباية الصدقات.

[٣] بلا إشكال ظاهر. وتقتضيه نصوص نفي الضمان ، كخبري أبي بصير وعبيد ، وغيرهما مما يأتي.

٣٢٣

وعدم التمكن من الصرف في سائر المصارف. وأما معهما فالأحوط الضمان [١].

______________________________________________________

[١] كأنه : لاحتمال شمول نصوص الضمان للمورد ، كمصحح ابن مسلم : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (ع) : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ، لأنها قد خرجت من يده. وكذلك الوصي الذي يوصى اليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه ، فان لم يجد فليس عليه ضمان » (١) ، ومصحح زرارة : « قلت : فان لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت ، أيضمنها؟ فقال (ع) : لا ، ولكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت ، فهو لها ضامن حتى يخرجها » (٢).

لكن الظاهر شمولها له ، إذ الموضع والأهل يعم الفقراء وسائر المصارف. ولا سيما بملاحظة الارتكاز العرفي ، فإن النقل مع وجود المصرف نوع من التفريط. ولا ينافي ذلك التعبير بالدفع في الأول الذي لا يشمل الصرف ، لأن الظاهر منه ـ بملاحظة الارتكاز العقلائي ، وما في ذيله من حكم الوصية ـ مجرد صرف المال في موضعه. مع أن صحيح زرارة خال عنه. نعم إطلاق نفي الضمان في جملة من النصوص مما يبعد تنزيله على صورة تعذر المصرف كلية لندرته. وحينئذ يتعين حمل الصحيحين على خصوص صورة تعذر الأداء ، كما في بعض الأصناف. وإن أمكن الصرف في سبيل الله تعالى أو غيره من الأصناف.

قيل : ويساعد ذلك ظهور الإجماع ـ المحكي عن التذكرة والمنتهى ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

٣٢٤

ولا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد [١] مع الاشتراك في ظن السلامة. وإن كان الأولى التفريق في القريب ما لم يكن مرجح للبعيد.

الحادية عشرة : الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر ولو مع وجود المستحق في البلد [٢]. وإن كان الأحوط عدمه‌

______________________________________________________

على الضمان بمجرد التمكن من الأداء ، الظاهر في انتفائه مع تعذر الأداء وإن تمكن من الصرف. ولعل نكتة الفرق بين الأداء والصرف : أن الأول لا يحتاج إلى كلفة غالباً ، بخلاف الثاني. فتعذر الأول يكون كافياً في نفي الضمان ، وإن أمكن الثاني. لكن الإنصاف : أن رفع اليد عن ظهور الصحيحين في توقف نفي الضمان على تعذر الصرف ، بدعوى لزوم حمل النصوص النافية للضمان على الفرض النادر غير ظاهر ، لا مكان منع ذلك في ذلك الزمان في جملة من الأمكنة التي تجب فيها الزكاة ، فالحكم بالضمان مع إمكان الصرف في محله.

هذا والمصنف (ره) لم يتعرض إلا لصورتي انتفاء الرجاء والتمكن معاً وثبوتهما كذلك ، وكان عليه التعرض لصورة انتفاء الرجاء وإمكان الصرف في سائر المصارف وعكسها. لكن مما ذكرنا يظهر أن الحكم في الأولى الضمان دون الثانية ، لظهور النصوص في كون المعيار في الضمان إمكان الصرف ، ولو مع عدم رجاء حضور المستحق ، وفي انتفاء الضمان عدم إمكان الصرف ، ولو مع رجاء حضوره.

[١] لإطلاق الأدلة.

[٢] كما عن جماعة كثيرة ، منهم الشيخان والحلبي وابنا زهرة وحمزة والعلامة والشهيدان في جملة من كتبهم ، بل نسب إلى أكثر المتأخرين. لجملة من النصوص ، كصحيح هشام عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يعطي‌

٣٢٥

كما أفتى به جماعة [١].

______________________________________________________

الزكاة يقسمها ، إله أن يخرج الشي‌ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال (ع) : لا بأس » ، (١). وصحيح أحمد بن حمزة : « سألت أبا الحسن الثالث (ع) عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه ، فهل يجوز ذلك؟ فقال (ع) نعم » (٢). ونحوهما غيرهما.

[١] بل عن الحدائق : أنه المشهور ، بل في التذكرة : لا يجوز نقل الزكاة عن بلدها مع وجود المستحق فيه ، عند علمائنا أجمع .. » : واستدل له بوجوه : ( أحدها ) : الإجماع المحكي عن التذكرة ، الممنوع جداً ، لظهور الخلاف حتى من حاكيه في بعض كتبه. ( ثانيها ) : أن في النقل خطراً. وفيه ـ مع أنه أخص من المدعى ـ : أن الخطر مندفع بالضمان. ( ثالثها ) : منافاته الفورية. وفيه ـ مع أنه أخص من المدعى أيضاً ـ أن الفورية غير لازمة. ( رابعها ) : النصوص المتضمنة أنه لا تحل صدقة المهاجرين للأعراب ، ولا صدقة الأعراب للمهاجرين ، وأنه كان رسول الله (ص) يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر (٣). وفيه ـ مع أنه أخص أيضاً ، إذ قد يكون النقل من الأعراب إليهم ، ومن المهاجرين إليهم. وكذا في البوادي والحضر ـ : أنك قد عرفت أن ذلك ليس على الوجوب ، لما دل على نفي التوقيت والتوظيف. ولما ثبت من نصب العمال والجباة للصدقات ، الظاهر في خلاف ذلك. ( خامسها ) : ما تضمن الضمان بالنقل مع وجود المستحق. وفيه : أنه أعم من حرمة النقل. هذا مضافاً إلى أن هذه الوجوه لو تمت لا تصلح ـ ما عدا الإجماع منها ـ لمعارضة ما تقدم من النصوص.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

٣٢٦

ولكن الظاهر الاجزاء لو نقل على هذا القول أيضاً [١]. وظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في أهلها ، فيجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء. وأبناء السبيل [٢]. وعلى القولين إذا تلفت بالنقل يضمن [٣]. كما أن مئونة النقل عليه لا من الزكاة [٤]. ولو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن [٥] وإن كان مع وجود المستحق في البلد. وكذا ـ بل وأولى منه ـ لو‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ولا إشكال كما قيل. بل عن الخلاف والمنتهى والمختلف والمدارك : نسبته إلى علمائنا أجمع ، وفي التذكرة : لو خالف ونقلها أجزأته في قول علمائنا كافة. وهو قول أكثر العلماء. لصدق الامتثال الموجب للاجزاء.

وعن بعض العامة : عدم الاجزاء ، لأنه دفع إلى غير من أمر بالدفع اليه. وفيه : أنه ممنوع ، لأن حرمة النقل لا تستلزم تعين الموضوع إلا عرضاً ، ومثله لا يمنع من الاجزاء مع الموافقة للأمر حقيقة ، كما لا يخفى. وفي صحيح ابن مسلم السابق : « فهو لها ضامن حتى يدفعها .. » (١) فجعل غاية الضمان الدفع الى المستحق.

[٢] بلا شبهة كما قيل. كما يقتضيه ظاهر البناء على حرمة النقل محضاً فإنه ـ لو تمَّ ـ لا يقتضي لزوم تقسيمها على أهل البلد ، وكذا مقتضى أدلتهم كما يظهر بالتأمل.

[٣] إذا تمكن من دفعها إلى المستحق. إجماعاً ـ كما عن المنتهى ـ لنصوص الضمان المتقدمة ، من دون معارض.

[٤] إذ لا مقتضى لكونها من الزكاة ، فالأصل بقاء الزكاة على حالها.

[٥] كأنه : لانصراف نصوص الضمان عن ذلك. لكنه محل إشكال‌

__________________

(١) تقدم ذكره في المسألة : ١٠ من هذا الفصل.

٣٢٧

وكله في قبضها عنه بالولاية العامة ، ثمَّ أذن له في نقلها.

الثانية عشرة : لو كان له مال في غير بلد الزكاة ، أو نقل مالاً له من بلد الزكاة إلى بلد آخر ، جاز احتسابه زكاة عما عليه في بلده ولو مع وجود المستحق فيه. وكذا لو كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر جاز احتسابه زكاة. وليس شي‌ء من هذه من النقل الذي هو محل الخلاف في جوازه وعدمه [١] فلا إشكال في شي‌ء منها.

الثالثة عشرة : لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده ، جاز له نقلها [٢] إليه مع الضمان لو تلف. ولكن الأفضل صرفها في بلد المال. [٣]

______________________________________________________

إذ لا يظهر موضوعية لإذن الفقيه بعد ما كان المالك مأذوناً من قبل الشارع بل لو منعه الفقيه من النقل جاز له ، إذ لا دليل على وجوب إطاعته في مثل ذلك ، فلا وجه لاقتضائها لنفي الضمان. نعم لو وكله على قبضها وإرسالها فتلفت ، كانت تالفة بعد الدفع إلى الولي العام ولو بقبض وكيله ، فلا وجه للضمان ، كما لو تلفت بعد قبض الفقير.

[١] كما استظهره غير واحد. وان تنظر فيه في الروضة ، من عدم صدق النقل الموجب للتغرير بالمال. ومن جواز كون الحكمة نفع المستحقين بالبلد. واستوضح في الجواهر وغيرها ضعفه. والانصاف : أن بعض أدلة المنع عن النقل إن تمَّ دليلا عليه منع في المقامين. لكن عرفت ضعفه.

[٢] كما سبق في المسألة الحادية عشرة.

[٣] نسب إلى العلماء كافة. وهو العمدة في الاستحباب ، إذ لا يظهر دليل عليه سواه.

٣٢٨

الرابعة عشر : إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة برئت ذمة المالك [١] ، وإن تلفت عنده ـ بتفريط أو بدونه ـ أو أعطى لغير المستحق اشتباهاً.

الخامسة عشرة : إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيال والوزان على المالك لا من الزكاة [٢].

السادسة عشرة : إذا تعدد سبب الاستحقاق في شخص واحد كأن يكون فقيراً وعاملا وغارماً مثلا ،

______________________________________________________

[١] لأن قبضه قبض المستحق ، كما هو مقتضى دليل الولاية في المقام وفي سائر مواردها.

[٢] كما عن الأكثر. لأنه مقدمة للتسليم الواجب. ورد : بأن الواجب من الدفع عدم الحبس والحيلولة بين العين والمستحق ، وهذا المقدار لا يتوقف على الكيل أو الوزن. وفيه : أن المعنى الذي يمكن حمل الإيتاء عليه هو رفع الحوائل عن وضع المستحق يده الحق ، ومن الواضح أن عدم تعيينه في مصداق خارجي ملازم للحائل دون ذلك. ولا فرق في ذلك بين عدم تعيينه أصلا ، أو تعيينه في المشاع. فاذا توقف ذلك التعيين على مئونة كانت على المالك ، لأنه المخاطب بالتعيين. كما لا فرق في ذلك بين القول بكون الزكاة جزءاً من النصاب أو مالا عليه أو في ذمة المالك ، لاشتراط المقتضي في الجميع.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن المبسوط : من أن الأجرة على الزكاة لأنه سبحانه أوجب على المالك قدراً معلوماً من الزكاة ، فلو وجبت الأجرة عليه لزم أن يزاد الواجب على القدر الذي وجب. إذ فيه : أن ذلك وجوب للمقدمة ، لا بالأصالة.

٣٢٩

جاز أن يعطى بكل سبب نصيباً [١].

السابعة عشرة : المملوك الذي يشتري من الزكاة إذا مات ولا وارث له ورثه أرباب الزكاة ، دون الامام (ع) [٢] ولكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط.

______________________________________________________

[١] كما هو المعروف. للإطلاق. والانصراف إلى صورة تباين الافراد ـ كما عن الحدائق ـ ممنوع ، بنحو يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق.

[٢] على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، كما في الجواهر ، وعليه علماؤنا ، كما في المعتبر وعن المنتهى. لموثق عبيد : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعاً يدفع ذلك اليه ، ونظر إلى مملوك يباع بثمن يريده ، فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه ، هل يجوز ذلك؟ قال : نعم ، لا بأس بتلك. قلت : فإنه لما أن أعتق وصار حراً اتجر واحترف فأصاب مالا كثيراً ، ثمَّ مات وليس له وارث ، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال (ع) : يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة ، لأنه إنما اشتري بمالهم » (١). وفي الصحيح عن أيوب بن الحر : « ميراثه لأهل الزكاة ، لأنه اشتري بسهمهم » (٢).

ومقتضى الأول وإن كان اختصاص الولاء بالفقراء ، إلا أن التعليل فيه بأنه اشتري بمالهم موجب لحمله على إرادة أرباب الزكاة ـ ولو بقية الأصناف ـ لحكومة التعليل ، كما في سائر الموارد. فيكون ذكر الفقراء لأنهم العمدة في المصرف لا لخصوصية فيهم ، كما هو الحال في النصوص المتضمنة أن الزكاة للفقراء. بل مناسبة الحكم والموضوع تقتضي جواز صرفه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٣.

٣٣٠

الثامنة عشرة : قد عرفت سابقاً [١] : أنه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة ، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا أعطي دفعة ، فلا حد لأكثر ما يدفع إليه. وإن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف ، خصوصاً في المحترف الذي لا تكفيه حرفته. نعم لو أعطي تدريجاً فبلغ مقدار مئونة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق. والأقوى أنه لا حد لها في طرف القلة [٢] أيضاً ، من غير فرق بين زكاة النقدين‌

______________________________________________________

في الرقاب أيضاً ، فيكون الولاء من نتائج الزكاة ، فيجري عليه حكمه. ومن ذلك يظهر ضعف ما جعله في الجواهر تحقيقاً في المقام : من كون الإرث للفقراء لا غير. وأضعف منه : ما عن جماعة من المتأخرين ـ منهم العلامة ـ من كون الوارث الإمام ، لأنه لا يملكه مستحق الزكاة ، فلا وجه لارثه له ، والامام وارث من لا وارث له. إذ هو ـ كما ترى ـ طرح للنص المعتبر من دون وجه ظاهر.

[١] يعني : في أصناف المستحقين. وعرفت هناك الوجه في جميع ما ذكره. فراجع.

[٢] كما عن جمل السيد والسرائر والقاضي والشهيدين وأكثر من تأخر عنهما ، خلافاً لظاهر المقنعة والانتصار والصدوقين والشيخ في النهاية والمبسوط والتهذيب والإسكافي وابن حمزة وسلار والغنية والمعتبر والشرائع والنافع على ما حكي عن بعضها. فقيل ـ وهو الأكثر. كما في المعتبر والشرائع ـ لا يعطى الفقير أقل مما يجب في النصاب الأول ، وهو خمسة دراهم ، أو عشرة قراريط. وقيل ـ كما في المعتبر حكايته عن سلار وابن الجنيد ـ : أقله ما يجب في النصاب الثاني ، وهو قيراطان ، أو درهم.

واستدل في المعتبر للأول : بصحيح أبي ولاد عن أبي عبد الله (ع) : « سمعته

٣٣١

______________________________________________________

يقول : لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم ، وهو أقل ما فرض الله ـ عز وجل ـ من الزكاة في أموال المسلمين ، فلا تعطوا أحداً من الزكاة أقل من خمسة دراهم فصاعداً » (١) ، وخبر معاوية بن عمار وعبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) : « لا يجوز أن يدفع من الزكاة أقل من خمسة دراهم ، فإنها أقل الزكاة » (٢).

ورد بأن الخبرين المذكورين معارضان بصحيح محمد (٣) ابن أبي الصهبان : « كتبت إلى الصادق (ع) : هل يجوز لي يا سيدي أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة الدراهم ، فقد اشتبه ذلك علي؟ فكتب : ذلك جائز » (٤) ، وصحيح محمد بن عبد الجبار : « إن بعض أصحابنا كتب ـ على يدي أحمد بن إسحاق ـ إلى علي بن محمد العسكري (ع) : أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة؟ فكتب : افعل إن شاء الله تعالى » (٥). وحملهما على التقية إنما يجوز بعد تعذر الجمع العرفي. لكنه ممكن بحمل ( لا يجوز ) على الكراهة.

ودعوى : أن ( يجوز ) و ( لا يجوز ) متنافيان قطعاً مسلمة ، لكن لا تمنع من صرف أحدهما إلى الآخر ، بحيث يكون قرينة عليه ، لأن أحدهما ظاهر والثاني أظهر. وأضعف منها : دعوى أن المكاتبتين لا ينفيان التقدير الثاني. وجه الضعف : أن التقدير الثاني يكفي في نفيه أصالة الإطلاق ، إذ لا دليل عليه. والعمدة في الاشكال هو التقدير الأول ، الذي تدل عليه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

(٣) محمد بن أبي الصهبان ، هو محمد بن عبد الجبار الذي ذكروا : أنه من أصحاب أبي الحسن الهادي (ع) ، فكيف تصح مكاتبته إلى الصادق (ع)؟. ( منه قدس‌سره ).

(٤) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٣٣٢

وغيرهما [١]. ولكن الأحوط عدم النقصان عما في النصاب الأول من الفضة في الفضة ، وهو خمسة دراهم ، وعما في النصاب الأول من الذهب في الذهب ، وهو نصف دينار. بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضاً [٢]. وأحوط من ذلك‌

______________________________________________________

النصوص المتقدمة. هذا مضافاً إلى ما في خبر عبد الكريم بن عتبة (١) وغيره من نفي التوقيت والتوظيف وإن كانت استفادة شموله للمقام محل تأمل.

[١] المحكي عن القائلين بالتقدير : أنهم ما بين مقتصر عليه في الفضة ـ كالمفيد في المقنعة ـ ومقتصر عليه في الذهب ـ كعلي بن بابويه ـ وناص على عمومه لهما ، كالأكثر ، ومنهم المحقق في الشرائع. والأول مقتضى الجمود على النص ، لأن الخمسة دراهم إنما فرضت في زكاة الفضة لا غير ، فالتعدي إلى الذهب يحتاج إلى إلغاء خصوصية موضوعه. وعليه يسهل التعدي إلى غير النقدين أيضاً ، كما هو أحد القولين. وقيل بعدم التعدي إلى غيرهما ، كما في المسالك ، وعن حواشي القواعد.

وعلى تقدير التعدي فهل هو بلحاظ القيمة في النقدين ـ زادت أو نقصت عما يجب في النصاب الأول أو الثاني من موضوع الزكاة ـ أو بلحاظ ما يجب في النصاب الأول أو الثاني منه ، فلا يدفع إلى الفقير أقل من شاة من نصاب الإبل والغنم ، ولا أقل من تبيع أو تبيعة من نصاب البقر؟ وجهان. وفي المسالك : جعل الأول هو الأجود. وفي الجواهر : جعل الثاني أجود حملا للخمسة دراهم على كونها مثالا لما يجب في النصاب الأول ، لا على إرادة القيمة ، كما هو مبنى ما في المسالك. لكنه خلاف الظاهر ، فالبناء على ما في المسالك أولى.

[٢] قد يظهر منه اختيار ما استجوده في المسالك من أحد الوجهين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٣٣٣

مراعاة ما في أول النصاب من كل جنس [١] ، ففي الغنم والإبل لا يكون أقل من شاة. وفي البقر لا يكون أقل من تبيع. وهكذا في الغلات يعطى ما يجب في أول حد النصاب.

التاسعة عشرة : يستحب للفقيه أو العامل أو الفقير الذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك [٢]. بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الذي يقبض بالولاية العامة.

______________________________________________________

[١] هذا إذا كان أكثر قسمة من الخمسة دراهم. ولو كان أقل ، فالأحوط مقدار الخمسة دراهم.

[٢] قد اختلف في وجوب الدعاء للمالك على النبي (ص) والامام عند قبض الزكاة منه ، فعن صدقات المبسوط والخلاف والعلامة ـ في جملة من كتبة ـ : الاستحباب ، وعن المبسوط والخلاف والمعتبر والإرشاد والمسالك والدروس وغيرها : الوجوب ، بل نسب إلى الأكثر. لظاهر الأمر بالصلاة عليهم في الآية الشريفة (١). ورد : بأنه لا يجب على الفقير إجماعاً ، فعدم الوجوب على نائبه أولى. وبأن أمير المؤمنين (ع) لم يأمر مصدقه بذلك حين أرسله لجباية الصدقات (٢). وفيه ما لا يخفى ، فإن الأولوية ممنوعة. وعدم أمره (ع) أعم من عدم الوجوب.

وهل يجب على الفقيه على تقدير القول بالوجوب على النبي (ص) أو الإمام؟ قولان : الوجوب ، لأصالة الاشتراك. وللتأسي. والعدم ، لعدم ثبوت الاشتراك مطلقاً. ولا سيما بملاحظة التعليل في الآية : بأن صلاته (ص) سكن لهم ، لعدم ثبوت ذلك في الفقيه. والتأسي لا دليل على وجوبه. ودعوى : أن ذلك لطف ، واللطف واجب ، من غير فرق بين النبي (ص)

__________________

(١) التوبة : ١٠٣.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

٣٣٤

العشرون : يكره لرب المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة والمندوبة [١]. نعم لو أراد الفقير بيعه ـ بعد تقويمه عند من أراد ـ كان المالك أحق به من غيره [٢] ، ولا كراهة [٣]. وكذا لو كان جزءاً من حيوان لا يمكن‌

______________________________________________________

ونائبه الخاص والعام ، غير ظاهر. ولو تمت اقتضت الدعاء في كل مورد.كدعوى : أن ذلك مقتضى ولاية الفقيه ، إذ اقتضاؤها لمثل ذلك ممنوع جداً. وأما الاستحباب للفقيه فالعمدة فيه الفتوى.

[١] بلا خلاف كما عن غير واحد ، بل عن المعتبر والمدارك : الإجماع عليه. واستدل له : بأنها طهور للمال فهي وسخ ، فالراجع فيه كالراجع بقيئه (١). وبأنه ربما استحي الفقير فيترك المماكسة ، فيؤدي إلى استرجاع بعضها ، وهما كما ترى. نعم في مصحح منصور : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا تصدق الرجل بصدقة لم يحل له أن يشتريها ، ولا يستوهبها ، ولا يستردها إلا في ميراث » (٢). وفي مصححه الآخر عنه (ع) : « إذا تصدقت بصدقة لم ترجع إليك ولم تشترها ، إلا أن تورث » (٣) المتعين حملهما على الكراهة إجماعاً.

[٢] كما في صحيح محمد بن خالد : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الصدقة .. ( إلى أن قال ) (ع) : فإذا أخرجها فليقيمها فيمن يريد ، فاذا قامت على ثمن ، فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها » (٤).

[٣] هذا غير ظاهر ، بل هو خلاف إطلاق النصوص المتقدمة.

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب : ١١ ، ١٤ من أبواب الوقوف والصدقات ، باب : ١٠ من أبواب الهبات.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الوقوف والصدقات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الوقوف والصدقات حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ٣.

٣٣٥

للفقير الانتفاع به ، ولا يشتريه غير المالك. أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير ، فإنه تزول الكراهة [١] حينئذ أيضاً. كما أنه لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث وشبهه من المملكات القهرية [٢].

فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة

قد عرفت سابقاً : أن وقت تعلق الوجوب ـ فيما يعتبر فيه الحول ـ حولانه بدخول الشهر الثاني عشر [٣] ، وأنه يستقر الوجوب بذلك ، وإن احتسب الثاني عشر من الحول الأول ، لا الثاني.

______________________________________________________

[١] كما عن غير واحد التصريح به ، بل عن المنتهى : الإجماع عليه. وهو العمدة في نفي الكراهة. مضافاً إلى احتمال انصراف النصوص المتقدمة عن الفرض. فتأمل.

[٢] بلا خلاف كما قيل. وعن المعتبر : الإجماع عليه. وعن المدارك : أنه يندرج في شبهة شراء الوكيل العام واستيفاؤها له من مال الموكل. وفي الجواهر : هو جيد. وكأنه لعدم دخوله في معقد الإجماع المتقدم ، وإلا فالنصوص المتقدمة شاملة له. فتأمل.

فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة‌

[٣] تقدم ذلك في الشرط الرابع من شرائط وجوب الزكاة في المواشي وفي الشرط الثالث من شرائطه في النقدين.

٣٣٦

وفي الغلات : التسمية [١] ، وأن وقت وجوب الإخراج ـ في الأول ـ هو وقت التعلق ، وفي الثاني هو الخرص والصرم في النخل ، والكرم والتصفية في الحنطة والشعير. وهل الوجوب بعد تحققه فوري أولا؟ أقوال [٢] ، ثالثها : أن وجوب‌

______________________________________________________

[١] تقدم ذلك في المسألة الأولى من فصل زكاة الغلات ، وفي المسألة السادسة منه. فراجع.

[٢] أصول الأقوال في المسألة ثلاثة : القول بالفورية ، والقول بعدمها والتفصيل بين الإخراج ـ ولو بالعزل ـ فيجب فوراً ، وبين الدفع فلا يجب وعلى القول بالفورية ، فهل هي مع الإمكان مطلقاً ، أو عند عدم انتظار الأفضل ، أو التعميم ـ كما في الدروس ـ أو عند عدم انتظار الأفضل ، أو الأحوج ، أو معتاد الطلب ـ كما عن البيان ـ أو إذا لم يكن التأخير للتعميم خاصة ، بشرط دفع نصيب الموجودين فوراً ، كما عن جملة من كتب العلامة (ره)؟ قال في التذكرة : « لو أخر مع إمكان الأداء كان عاصياً .. ( إلى أن قال ) : والوجه : أن التأخير إنما يجوز لعذر .. ( إلى أن قال ) : لو أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها ـ من ذي قرابة ، أو حاجة شديدة ـ فالأقرب المنع وإن كان يسيراً .. ( إلى أن قال ) : الأقرب أن التأخير ـ لطلب بسطها على الأصناف الثمانية ، أو الموجودين منهم ـ عذر مع دفع نصيب الموجودين .. » وعلى القول بعدمها ، فهل هو مطلقاً ، أو إلى شهر أو شهرين ، كما عن الشيخين ، ومال إليه ثاني الشهيدين؟. هذا وأما النصوص الواردة في المسألة فهي مختلفة المدلول.

فمنها : ما يظهر منه الفورية في الإعطاء ، كخبر أبي بصير ـ المروي عن مستطرفات السرائر ـ : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا أردت أن تعطي زكاتك ـ قبل حلها بشهر أو شهرين ـ فلا بأس ، وليس لك أن تؤخرها‌

٣٣٧

______________________________________________________

بعد حلها » (١).

ومنها : ما يظهر منه الفورية في الإخراج والعزل ، كصحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (ع) : « عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات ، أيؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال (ع) : متى حلت أخرجها » (٢).

ومنها : ما هو مطلق في جواز التأخير في الإعطاء ، كصحيح حماد : « لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين » (٣). ونحوه صحيح معاوية بن عمار : « الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم. قال (ع) : لا بأس. قلت : فإنها لا تحل عليه إلا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان؟ قال (ع) : لا بأس » (٤).

ومنها : ما هو ظاهر في جواز التأخير مع العزل ، كصحيح ابن سنان : « في الرجل يخرج زكاته ، فيقسم بعضها ويبقي بعضاً يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر. قال (ع) : لا بأس » (٥). ونحوه صحيح سعد المتقدم.

ومنها : ما هو ظاهر في جواز التأخير في صورة العزل وعدمه ، كموثق يونس : « قلت لأبي عبد الله (ع) : زكاتي تحل علي في شهر ، أيصلح لي أن أحبس منها شيئاً ، مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدة؟ فقال (ع) : إذا حال الحول فأخرجها من مالك ـ لا تخلطها بشي‌ء ـ ثمَّ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٩.

(٥) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٣٣٨

الإخراج ـ ولو بالعزل ـ فوري ، وأما الدفع والتسليم فيجوز فيه التأخير. والأحوط عدم تأخير الدفع ، مع وجود المستحق‌

______________________________________________________

أعطها كيف شئت. قال : قلت : فإن أنا كتبتها وأثبتها يستقيم لي؟ قال (ع) : نعم ، لا يضرك » (١).

ولو لا هذا القسم الأخير لأمكن الجمع بين ما تضمن الفورية في الإعطاء وما تضمن عدمها ، بحمل الأول على صورة عدم العزل ، والثاني على صورة العزل ، بشهادة القسم الرابع ، لأنه باختصاصه بصورة العزل يكون أخص مطلقاً من الأول ، فيقيد به. وحينئذ يكون الأول أخص مطلقاً من الثاني فيقيد به ، إذ لو لا ذلك لزم الطرح ، والجمع أولى منه. ويعمل بما دل على الفورية في العزل على ظاهره ، لعدم المنافي. ويكون المتحصل من المجموع : وجوب المبادرة إلى الدفع ، أو العزل ، ومعه يجوز التأخير في الدفع. لكن الأخير لما كان ظاهراً في جواز التأخير ـ في صورتي العزل وعدمه ـ كان معارضاً للأول مبايناً له. وحينئذ يتعين الجمع بينهما ، بالحمل على الكراهة. إلا أن يقال. المتضمن للفورية في الإعطاء شامل لصورتي العزل وعدمه ، ولصورتي انتظار المستحق وعدمه ، فيمكن الأخذ بظاهره من المنع ، مع تقييده بصورة عدم انتظار المستحق ، فيحمل ما دل على جواز تأخير الإعطاء مطلقاً على صورة انتظاره.

اللهم إلا أن يقال : خبر أبي بصير ـ المانع مطلقاً ـ ضعيف السند ، فلا يصلح لإثبات المنع. وفيه : أنه يكفي ـ في عموم المنع ـ النصوص المتواترة الدالة على عدم جواز حبس الزكاة ومنعها عن أهلها (٢) ، فيجمع بينها وبين ما سبق بما ذكر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) راجع الوسائل باب : ٣ ، ٤ ، ٥ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه.

٣٣٩

وإمكان الإخراج إلا لغرض ، كانتظار مستحق معين ، أو الأفضل ، فيجوز حينئذ ـ ولو مع عدم العزل ـ الشهرين والثلاثة ، بل الأزيد. وإن كان الأحوط حينئذ العزل ثمَّ الانتظار المذكور ، ولكن لو تلفت بالتأخير ـ مع إمكان الدفع ـ يضمن [١].

( مسألة ١ ) : الظاهر أن المناط في الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي [٢] ، فلو أخر ساعة أو ساعتين ـ بل أزيد ـ فتلفت من غير تفريط فلا ضمان ، وإن أمكنه الإيصال إلى المستحق من حينه مع عدم كونه حاضراً عنده. وأما مع حضوره فمشكل ، خصوصاً إذا كان مطالباً [٣].

( مسألة ٢ ) : يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحق ، فلو كان موجوداً لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان [٤] لأنه معذور حينئذ في التأخير.

( مسألة ٣ ) : لو أتلف الزكاة المعزولة ـ أو جميع‌

______________________________________________________

[١] للنصوص الدالة عليه ، المتقدمة في الفصل السابق.

[٢] كأنه لانصراف النصوص إليه.

[٣] لإطلاق نصوص الضمان الشامل لذلك.

[٤] لتعليق الضمان على وجدان الأهل ، كما في مصحح ابن مسلم (١) ، ومعرفة الأهل ، كما في مصحح زرارة (٢) ، وكلاهما منتف. وأما التعليل في المتن فعليل ، إذ المعذورية في التأخير في المقام لم تجعل موضوعاً لنفي الضمان ، كما هو ظاهر.

__________________

(١) تقدم ذكر الروايتين في المسألة : ١٠ من الفصل السابق.

(٢) تقدم ذكر الروايتين في المسألة : ١٠ من الفصل السابق.

٣٤٠