مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

مع احتمال كونه لبائعها. وكذا الحكم في غير الدابة والسمكة من سائر الحيوانات [١].

( مسألة ١٩ ) : إنما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مئونة الإخراج [٢].

( مسألة ٢٠ ) : إذا اشترك جماعة في كنز ، فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصاباً وإن لم يكن حصة كل واحد بقدره.

الرابع : الغوص [٣] ، وهو إخراج الجواهر من البحر‌

______________________________________________________

[١] لجريان ما سبق فيه. نعم لو علم أنه ملك للمسلم أو غيره من محترم المال أشكل تملكه ولو بعد إنكار البائع ، فيجري عليه حكم مجهول المالك. كما أنه لو علم بكونه تحت يد البائع السابق على بائع الواجد ، وجبت مراجعته لحجية يده ، ولا ينافيه ظاهر النص على ما عرفت آنفاً. ومقتضى إطلاقه جواز التملك ولو علم كونه ملكاً للمسلم. بل لعل الظاهر منه خصوص هذه الصورة. ومنه يظهر ضعف احتمال إجراء حكم مجهول المالك أو اللقطة عليه.

[٢] على ما تقدم في المعدن ، قولا ودليلا.

[٣] بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به في الحدائق. بل في ظاهر الانتصار وصريح الغنية والمنتهى : الإجماع عليه ، كظاهر نسبته إلى علمائنا في التذكرة ، كذا في الجواهر. ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح الحلبي : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن العنبر وغوص اللؤلؤ. فقال (ع) : عليه الخمس » (١) ، وصحيح البزنطي ، عن محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن (ع) : « سألته عما يخرج من البحر : من اللؤلؤ والياقوت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

٤٨١

مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما ، معدنياً كان أو نباتياً ، لا مثل السمك ونحوه من الحيوانات [١] ، فيجب فيه الخمس.

______________________________________________________

والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضة ، هل فيها زكاة؟ فقال (ع) : إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس » (١) ، ومصحح عمار بن مروان : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : فيما يخرج من المعادن والبحر ، والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز : الخمس » (٢) ، ومرسل ابن أبي عمير عنه (ع) : « الخمس على خمسة أشياء ، على الكنوز والمعادن ، والغوص ، والغنيمة .. ونسي ابن أبي عمير الخامس » (٣) ونحوه مرسل أحمد بن محمد (٤) ، وكذا مرسل حماد ، مع التنصيص على الخامس أنه الملاحة (٥).

هذا وإطلاق مثل مصحح ابن مروان شامل لجميع ما ذكر في المتن ، ولأجله لا يهم قصور صحيح الحلبي عنه ، ولا يحتاج في العموم إلى عدم القول بالفصل ، كما عن المدارك.

[١] وإن حكي عن الشيخ أنه قال : « ما يخرج من الغوص ، أو يؤخذ قفا ففيه الخمس ». وعن البيان : حكايته عن بعض معاصريه ، واختاره في المستند. لإطلاق المرسلتين ، يعني : مرسلتي أحمد وحماد. ولرواية الخصال ، التي هي مصحح ابن مروان. لكنه لم يتضح وجه اعتماده على خصوص المرسلتين المذكورتين دون مرسلة ابن أبي عمير. ومثله : عدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١١.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٤.

٤٨٢

بشرط أن يبلغ قيمته ديناراً فصاعداً [١] ، فلا خمس فيما ينقص‌

______________________________________________________

ذكرها في سلك الأخبار ، والأمر سهل.

والتحقيق : أن نصوص الغالب قد اشتملت على عنوانين ، أحدهما : ما يخرج من البحر ، والثاني : الغوص. وبينهما عموم من وجه ، لشمول الأول لما أخرج من البحر بالآلة ، ولما أخذ من وجه الماء. وشمول الثاني لما أخرج من الأنهار والشطوط. ولأجل ذلك قبل : يدور الأمر بين الأخذ بكل من العنوانين ، وتقييد كل منهما بالآخر ، وإرجاع الأول إلى الثاني والعكس. وحينئذ يشكل تعيين أحد المحتملات المذكورة بعينه. لكن التحقيق أن النصوص المشتملة على ذكر الغوص واردة في مقام الحصر ، ولا كذلك نصوص ما يخرج من البحر ، فيتعين أن تكون مقيدة لإطلاق غيرها. وحينئذ فلا مجال لتعميم الحكم للإخراج لا بطريق الغوص ، كالاخراج بالآلة أو من وجه الماء. وحمل ذكر الغوص على الغالب خلاف ظاهر الكلام الوارد في مقام التحديد. مع أنه ليس بأولى من حمل المطلق على الغالب.

ثمَّ الظاهر من الغوص في المقام ـ ولو بقرينة سياقه مساق ما فيه الخمس من الكنز والمعدن ـ المعنى العرفي المجعول مهنة عند نوع من الناس ، المختص عندهم بغير الحيوان ، وليس المراد منه المعنى اللغوي ، كي يدعي شموله للغوص للحيوان. وفي شموله للغوص في الأنهار والشطوط تأمل ، كما سيأتي.

[١] كما هو المشهور نقلا وتحصيلا ، شهرة كادت تكون إجماعاً. بل في التذكرة والمنتهى : نسبته إلى علمائنا ، كذا في الجواهر. ويشهد له خبر محمد بن علي المتقدم (١). ونحوه مرسل الفقيه (٢) ، وإن كان الظاهر أنهما واحد. وعن غرية المفيد (ره) : « إن النصاب عشرون ديناراً .. » ‌

__________________

(١) تقدم ذلك قريباً في أول الأمر الرابع مما يجب فيه الخمس.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٢.

٤٨٣

من ذلك. ولا فرق بين اتحاد النوع وعدمه [١] ، فلو بلغ قيمة المجموع ديناراً وجب الخمس. ولا بين الدفعة والدفعات فيضم بعضها إلى البعض. كما أن المدار على ما أخرج مطلقاً وإن اشترك فيه جماعة لا يبلغ نصيب كل منهم النصاب. ويعتبر بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن ، كما مر في المعدن [٢] والمخرج بالآلات من دون غوص في حكمه على الأحوط [٣] وأما لو غاص وشده بآلة فأخرجه فلا إشكال في وجوبه فيه [٤] نعم لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه الماء فأخذه من غير غوص ، لم يجب فيه من هذه الجهة [٥] ، بل يدخل في أرباح المكاسب ، فيعتبر فيه مئونة السنة ، ولا يعتبر فيه النصاب.

( مسألة ٢١ ) : المتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص‌

______________________________________________________

ومستنده غير ظاهر.

[١] تقدم الكلام فيه ، وكذا ما بعده. وفي كشف الغطاء : « مع الاشتراك يعتبر النصاب في نصيب كل واحد .. ».

[٢] مر الكلام فيه.

[٣] وعن الشهيدين الجزم به. وفي المدارك : « ربما كان مستنده إطلاق رواية محمد بن علي. لكنها ضعيفة السند .. » أقول : لم تمَّ سندها فقد عرفت لزوم تقييد إطلاقها بنصوص الغوص.

[٤] قد قواه في الجواهر. ثمَّ قال : « بل هو من أفراد الغوص على الظاهر .. ». وهذا هو العمدة.

[٥] لما عرفت. لكن عن البيان : أن فيه الخمس. وكأنه يريد خمس الأرباح لا الغوص. فتأمل.

٤٨٤

إذا لم يكن غائصاً [١]. وأما إذا تناول منه وهو غائص أيضاً ، فيجب عليه إذا لم ينو الغواص الحيازة [٢] ، وإلا فهو له [٣] ، ووجب الخمس عليه.

( مسألة ٢٢ ) : إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئاً [٤] ، ففي وجوب الخمس عليه وجهان ، والأحوط إخراجه [٥].

( مسألة ٢٣ ) : إذا أخرج بالغوص حيواناً ، وكان في بطنه شي‌ء من الجواهر ، فان كان معتاداً وجب فيه الخمس [٦]. وإن كان من باب الاتفاق ـ بأن يكون بلع شيئاً اتفاقاً. فالظاهر عدم وجوبه [٧] ، وإن كان أحوط.

______________________________________________________

[١] كما نص عليه في الجواهر. لعدم الدليل عليه ، بعد انتفاء الغوص.

[٢] كما في كشف الغطاء. وتوقف فيه في الجواهر ، للشك في اندراجه في إطلاق الأدلة. أقول : الشك ضعيف ، والإطلاق محكم.

[٣] يعني : للغواص دون المتناول ، وعلى الغواص خمسه.

[٤] يعني : فأخذه بنية الملك.

[٥] كما جزم به في كشف الغطاء. وتوقف فيه في الجواهر أيضاً ، للشك في اندراجه في الإطلاق. لكنه ضعيف ، كما في ما قبله.

[٦] كما استظهره في الجواهر. وفي كشف الغطاء : « ومن غاص فأخرج حيواناً بغوصه فظهر في بطنه شي‌ء من المعدن ، فالظاهر جريان حكم الخمس فيه .. ». وهو في محله ، للإطلاق.

[٧] استشكل فيه في الجواهر. وقد تقدم ما في كشف الغطاء ، من إطلاق وجوب الخمس. وما في المتن أقوى ، لخروجه عن إطلاق الغوص.

٤٨٥

( مسألة ٢٤ ) : الأنهار العظيمة ـ كدجلة والنيل والفرات ـ حكمها حكم البحر [١] بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص ، إذا فرض تكون الجوهر فيها كالبحر.

( مسألة ٢٥ ) : إذا غرق شي‌ء في البحر وأعرض مالكه عنه فأخرجه الغواص ملكه [٢] ، ولا يلحقه حكم الغوص على الأقوى [٣] ، وإن كان من مثل اللؤلؤ والمرجان. لكن الأحوط إجراء حكمه عليه.

______________________________________________________

[١] كما نص عليه في الجواهر وغيرها. لإطلاق الأدلة. لكن عرفت التأمل في شمول إطلاقات الغوص ، الذي هو المتخذ مهنة لمثل ذلك. ونصوص البحر غير شاملة جزماً ، فإثبات الحكم فيه خلاف الأصل. ولذا مال إلى العدم شيخنا الأعظم رحمه‌الله ، حاكياً له عن سيد مشايخه في المناهل.

وبالجملة : جريان الحكم في الأنهار يتوقف إما على التعدي من نصوص البحر إليها بإلغاء خصوصية المورد ، وإما على أن المراد بالغوص ـ الذي يتخذ مهنة ـ ما يعم الغوص في النهر. وكلا الأمرين غير ظاهر ، وإن كان الثاني غير بعيد ، إذا فرض تكوّن الجوهر في النهر.

[٢] كما يشهد به خبر السكوني ، عن أبي عبد الله (ع) ، عن أمير المؤمنين (ع) في حديث : « قال : وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه الناس ، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله ، وهم أحق به. وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم » (١). ونحوه خبر الشعيري (٢).

[٣] كما نص عليه في الجواهر. للأصل ، وظهور النصوص والفتاوى في غيره كما عرفت. وما في الحدائق من التردد فيه ضعيف.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب اللقطة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب اللقطة حديث : ٢.

٤٨٦

( مسألة ٢٦ ) : إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلا بالغوص فلا إشكال في تعلق الخمس به [١]. لكنه هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص؟ وجهان ، والأظهر الثاني.

( مسألة ٢٧ ) : العنبر إذا خرج بالغوص جرى عليه حكمه [٢] ، وإن أخذ على وجه الماء أو الساحل ، ففي لحوق‌

______________________________________________________

[١] إما لكونه من المعدن ، أو من الغوص. إنما الإشكال في تعيين أحدهما ، لأن المقابلة بين المعدن والغوص في النصوص تقتضي ـ بعد البناء على وجوب خمس واحد ، كما يأتي إن شاء الله ـ إما التصرف في إطلاق المعدن بحمله على غير البحري ، أو في إطلاق الغوص بحمله على غير المعدن. لكن لا ينبغي التأمل في ترجيح الأول ، للتصريح في نصوص الغوص بالياقوت والزبرجد ، اللذين هما من المعادن.

[٢] أما وجوب الخمس فيه في الجملة ، ففي الجواهر : نفي وجدان الخلاف فيه ، وفي الحدائق : نفي الريب فيه ، وحكاية إجماع الأصحاب عليه. وكذا ـ في دعوى الإجماع ـ ما عن المدارك وغيرها. لصحيح الحلبي المتقدم في الغوص (١) ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين أن يؤخذ بالغوص أو من وجه الماء ، أو من الساحل.

وأما اعتبار النصاب فيه ففيه خلاف ، فعن النهاية والوسيلة والسرائر : العدم ، وعن المدارك الميل اليه. وعن غرية المفيد : أن له حكم المعدن. وفي كشف الغطاء : « والعنبر من الغوص أو بحكمه .. ». وعن الأكثر ـ كما في الحدائق وعن غيرها ـ أنه إن أخرج بالغوص فله حكمه ، وإن جني‌

__________________

(١) تقدم ذلك قريباً في أول الأمر الرابع مما يجب فيه الخمس.

٤٨٧

______________________________________________________

من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعدن.

وكأن وجه الأول : إطلاق صحيح الحلبي. وعدم شمول دليل نصاب المعدن له ، لعدم كونه منه ، ولا نصاب الغوص لأنه يؤخذ من وجه الماء كما يشعر به عطف الغوص عليه في الصحيح. ويشكل : أن العطف غاية ما يقتضي عدم اختصاصه بالغوص لا عدم وقوع الغوص فيه ، فلو فرض إخراجه بطريق الغوص كان اللازم ثبوت حكمه له. إلا أن يقال : عموم الغوص ـ بالمعنى العرفي ـ له غير ثابت.

ووجه الثاني : أنه من المعدن فيلحقه حكمه. وفيه ـ مع أنه محل إشكال ـ : أنك عرفت في المسألة السابقة اختصاص المعدن بما لا يشمل الغوص.

ووجه الثالث : أنه لا يؤخذ إلا من البحر بطريق الغوص. وفيه : أنه غير ظاهر مع نقل غير ذلك. على أنه يكفي في التفصيل الفرض والتقدير.

ومنه تتضح قوة الرابع ـ وهو التفصيل ـ لو ثبت أنه من المعدن ، لأنه من عين في البحر كما عن منهاج البيان ، وفي القاموس احتماله. لكن عن حياة الحيوان : أنه رجيع دواب بحرية ، واحتمله في القاموس. وعن المبسوط والاقتصاد : أنه نبات في البحر. وعليه فان أخرج بالغوص فله حكمه من النصاب ، لعموم دليل النصاب ، وإن أخذ من غيره فلا مجال لإجراء حكم الغوص عليه ، لعدم كونه منه. وإجراء حكم المعدن حينئذ خلاف إطلاق الوجوب من دون مقيد ظاهر.

نعم يبقى الإشكال في الاعتماد على خبر الشيخ ، فإنه من خبر العادل الذي لم تثبت حجيته في الموضوعات. وأما خبر غيره فأولى أن لا يكون حجة ، لعدم الوثوق به ولا بمستنده. ومع استقرار الشك في كونه من المعدن فإطلاق الصحيح محكم ، للشك في أصل التقييد. وليس المقام من الشبهة المصداقية التي لا يجوز الرجوع فيها إلى العام ، لاختصاص ذلك بما لو علم‌

٤٨٨

حكمه له وجهان ، والأحوط اللحوق. وأحوط منه إخراج خمسه وإن لم يبلغ النصاب أيضاً.

الخامس : المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز ، مع الجهل بصاحبه وبمقداره ، فيحل بإخراج خمسه [١].

______________________________________________________

التخصيص وشك في بعض الأفراد أنه من الخاص أو العام ، ولا يشمل صورة الشك في انطباق الخاص على بعض أفراد العام ، كما في المقام. هذا ولكن عرفت أن خبر الواحد الثقة ـ كالشيخ في مثل المقام ـ حجة ، لأنه راجع إلى الاخبار عن الحكم الكلي ، لأنه في مقام تشخيص الموضوع مفهوماً.

[١] كما عن جمع كثير ، وعن جماعة : نسبته إلى الأشهر. وفي الحدائق : وعن المفاتيح نسبته إلى المشهور ، وعن المنتهى : نسبته إلى أكثر علمائنا. ويشهد له جملة من النصوص ، منها : مصحح عمار بن مروان المتقدم في الغوص (١) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « أتى رجل أمير المؤمنين (ع) فقال : إني كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراماً ، وقد أردت التوبة ، ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط علي ، فقال أمير المؤمنين (ع) : تصدق بخمس مالك ، فان الله قد رضي من الأشياء بالخمس ، وسائر المال لك حلال » (٢) ، وخبر الحسن بن زياد عن أبي عبد الله (ع) : « إن رجلا أتى أمير المؤمنين (ع) فقال : يا أمير المؤمنين إني أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه. فقال (ع) له : أخرج الخمس من ذلك المال ، فان الله عز وجل قد رضي من ذلك المال بالخمس ، واجتنب ما كان صاحبه يُعلم ، وسائر المال لك حلال » (٣)

__________________

(١) لاحظ الأمر الرابع مما يجب فيه الخمس.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

٤٨٩

ومصرفه مصرف سائر أقسام الخمس على الأقوى [١]. وأما‌

______________________________________________________

وقريب منها غيرها.

وبها يضعف ما عن ظاهر جماعة من القدماء ـ كالقديمين والمفيد وسلار وغيرهم ـ من عدم الوجوب ، حيث لم يتعرضوا لهذا القسم في عداد ما يجب فيه الخمس. وفي المدارك قال : « والمطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقن انتفاؤه عنه ، والتفحص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به ، فيتصدق على الفقراء ، كما في غيره من الأموال المجهولة المالك. وقد ورد التصدق بما هذا شأنه في روايات كثيرة ، مؤيدة بالإطلاقات المعلومة وأدلة العقل ، فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله تعالى .. ». وهو ـ كما ترى ـ طرح للنصوص المذكورة ، مع اعتبار بعض أسانيدها ، وانجبارها بعمل المشهور.

هذا وقد أطال في المستند في المناقشة في نصوص الباب ، تارة : من جهة صحة النسخ ، وأخرى : من جهة الدلالة ، وثالثة : من جهة المعارضة بما دل على حل المختلط مطلقاً الشامل للمقام ، أو على حل المختلط بالحرام بالربا. ولكن يمكن دفع المناقشات من الجهتين الأوليين. وأما من الجهة الثالثة فلا مجال للعمل بالمعارض ، لمخالفته للقواعد المسلمة العقلية والنقلية. فلاحظ.

[١] في رسالة شيخنا الأعظم (ره) نسبته إلى المشهور ، وفي الحدائق نسبته إلى جمهور الأصحاب. عن البيان : نسبته إلى ظاهرهم. ويقتضيه مصحح عمار (١). وظاهر إطلاق الخمس في غيره ، الظاهر في الخمس المقابل للزكاة وغيرها من الصدقات ، أعني الحق الذي تضمنته آية الغنيمة.

نعم قد توهم رواية السكوني (٢) ـ لاشتمالها على الأمر بالتصدق بالخمس ـ خلاف ذلك. لكن لا مجال للاعتناء به في قبال ما عرفت. ولا سيما‌

__________________

(١) تقدم ذكره في الغوص.

(٢) تقدمت في التعليقة السابقة.

٤٩٠

إن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدق به عنه [١].

______________________________________________________

مع إطلاق الصدقة على الخمس في كثير من الأخبار ، كما قيل. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن جمع من متأخرين المتأخرين من كون مصرفه الفقراء.

[١] كما نسب إلى المشهور ، وصرح به في كثير من الكتب على ما حكي عنها. وإطلاق بعض بحيث يشمل هذه الصورة محمول على التخصيص بها ولذا لم يستبعد شيخنا الأعظم (ره) دعوى عدم الخلاف في ذلك. وكأنه لعدم شمول النصوص السابقة لهذه الصورة. وللأمر بالتصدق به في بعض النصوص ، كرواية علي بن أبي حمزة : « إني كنت في ديوان هؤلاء القوم يعني : بني أمية ، فأصبت من دنياهم مالا كثيراً ، وأغمضت في مطالبه .. ( إلى أن قال ) قال (ع) : فأخرج من جميع ما اكتسبت من ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدقت به » (١).

لكن قد يشكل : بأن مصحح عمار شامل للمعلوم القدر. واختصاص غيره بالمجهول لا يمنع من العمل بإطلاقه. ورواية ابن أبي حمزة غير ظاهرة في المختلط. غاية الأمر أنها شاملة له وللمتميز ، فيمكن حملها على المتميز بقرينة مصحح عمار. بل قوله (ع) فيها : « رددت عليه ماله » وقوله (ع) : « تصدقت به » ظاهر في المتميز ، فتكون أجنبية عن المصحح ، لاختلاف موردهما. ومثلها : بعض النصوص الواردة في التصدق بمجهول المالك ، كصحيح يونس الوارد في أخذ متاع من كان معهم في مكة وغيره (٢).

ولذا قال في الحدائق ـ بعد أن حكى القول بوجوب إخراج الخمس ثمَّ الصدقة بالزائد في صورة الزيادة ـ : « ولقائل يقول : إن مورد تلك الأخبار الدالة على التصدق إنما هو المال المتميز في حد ذاته لمالك مفقود‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب اللقطة حديث : ٣.

٤٩١

______________________________________________________

الخبر ، وإلحاق المال المشترك به ـ مع كونه مما لا دليل عليه ـ قياس مع الفارق .. ( إلى أن قال ) : وبما ذكرنا يظهر أن الأظهر دخول هذه الصورة تحت إطلاق الأخبار المتقدمة ، وأنه لا دليل على إخراجها .. ».

وفيه : أن السؤال في الرواية لا يظهر منه الاختصاص بالمتميز ، واستفادته من الجواب غير ظاهرة. وقوله (ع) : « ماله » أعم. ولا سيما وأن من البعيد جداً تميز مال من يعرف منهم عن مال من لا يعرفه ، فالرواية عامة للمختلط والمتميز. كما أنها عامة للجهل بالقدر والعلم به. وأما مصحح عمار فإنه وإن كان ظاهراً في نفسه في العموم ، لكن التعليل في الروايتين (١) ظاهر في الاختصاص بصورة الجهل ، لأن المرجع في حكمه الله تعالى ، فيمكن أن يكون الحكم في التخلص منوطاً برضاه. أما مع العلم بالمقدار فالمرجع فيه المالك ، وحينئذ يكون التعليل حاكماً على إطلاق المصحح فيتعين حمله على صورة الجهل بالمقدار لا غير.

اللهم إلا أن يقال : إن الرجوع إلى الله تعالى في حكمه كما يصح في مجهول المقدار يصح في معلومة ، لأنه ولي الحكم كما لا يخفى. مع أن التعليل بمثل قوله : « فان .. » مما لم يشتمل على لام التعليل غير واضح الدلالة على الانتفاء عند الانتفاء ، كما أشرنا إليه في كثير من مسائل هذا الشرح ، ومنها مسألة قضاء المغمى عليه. فراجع. فالعمدة : دعوى انصراف المصحح أو وجوب حمله على غيره جمعاً. فلاحظ. ثمَّ إن الظاهر من التصدق أنه على الفقير ، إذ هو المنصرف اليه كما اعترف به شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه ، مضافاً الى ما في بعض النصوص.

__________________

(١) وهما روايتا السكوني والحسن بن زياد المتقدمتان في أول الأمر الخامس مما يجب فيه الخمس.

٤٩٢

والأحوط أن يكون بإذن المجتهد الجامع للشرائط [١]. ولو انعكس ـ بأن علم المالك وجهل المقدار ـ تراضيا بالصلح [٢]

______________________________________________________

[١] لعموم ولاية الحاكم لمن لا ولي له. وإطلاق نصوص التصدق وإن كان يقتضي الولاية لذي اليد ، لكن يحتمل ـ كما في كلام شيخنا الأعظم (ره) ـ أن يكون المراد منها بيان كيفية التصرف ، نظير ما ورد في بعض ما هو وظيفة الحاكم من إقامة البينة والإحلاف وغيرهما. أو أن الأمر بالتصدق إذن من الامام (ع) به ، لا بيان الحكم الشرعي ، ولو بقرينة خبر داود بن أبي يزيد عن أبي عبد الله (ع) : « إني قد أصبت مالا ، وإني خفت منه على نفسي ، فلو أصبت صاحبه دفعته اليه وتخلصت منه.

فقال أبو عبد الله (ع) : لو أصبته كنت دفعته اليه؟ فقال : إي والله ، فقال (ع) : فلا والله ما له صاحب غيري. فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره. قال : فحلف. قال : فاذهب وقسمه في إخوانك ، ولك الأمن مما خفت. قال : فقسمه بين إخوانه » (١).

فإن قوله (ع) : « ما له صاحب غيري » وإن كان ظاهراً في أنه هو المالك الحقيقي الذي لا يعرفه السائل ، إلا أن أمره (ع) بالتصدق ، وقوله (ع) : « ولك الأمن مما خفت » ظاهر في أن ذلك حكم للمال ، يأمن لأجله من تبعة عدم إيصاله إلى أهله ، فيكون المراد من كونه صاحبه أنه له ولاية المال المذكور. لا أقل من لزوم حمله على ذلك ، بقرينة ما ورد من الأمر بالتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه في النصوص الكثيرة. وهذا المعنى أولى من حمله على أنه مال الامام ، وحكمه التصدق به عن الامام لا عن صاحبه.

[٢] كما في الجواهر ، حاكياً التصريح به عن جماعة. والظاهر أنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب اللقطة حديث : ١.

٤٩٣

ونحوه ، وإن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقل أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان ، الأحوط الثاني ، والأقوى الأول إذا كان المال في يده [١]. وإن علم المالك‌

______________________________________________________

لا إشكال في صحة الصلح المذكور ، وفي حلية المال به من دون حاجة إلى إخراج خمسه ، لاختصاص نصوص الخمس بصورة الجهل بالمالك ، كما هو الظاهر من مصحح عمار وغيره. وحينئذ فلا مجال للرجوع إليها. لكن في وجوبه ـ كما صرح به الجماعة ـ إشكال ، لعدم الدليل عليه.

[١] لأن اليد أمارة على ملكية الجميع ، فيقتصر في الخروج عنها على المتيقن (١). نعم لو لم يكن في يده ، أو لم نقل بكونها امارة له على ملكيته لما تحتها وإنما تكون امارة لغيره ، يتعين الوجه الثاني ـ وهو الاحتياط ـ لأصالة عدم ملكية الزائد. أو لأصالة عدم السبب المحلل ، بناء على توقف حلية المال على سبب ، ولما وجب التخلص عن مال الغير وجب بذله له.

نعم إذا كان الغير قاطعاً بأنه له جاز له أخذه. أما لو كان جاهلا فأصالة عدم ملكه مانعة عن جواز أخذه. إلا إذا بذله ذو اليد له ولو مجاناً. لكن وجوب ذلك محل إشكال. إلا أن يكون من باب المقدمة للتخلص. وعن التذكرة : يتعين تحليله بدفع الخمس إلى المالك. واستدل له بما في خبر الحسن بن زياد ، من قوله (ع) : « إن الله عز وجل قد رضي من ذلك المال بالخمس .. » (٢) وفيه : أنه مقيد بمصحح عمار المقيد بصورة الجهل بالمالك (٣).

__________________

(١) قد يشكل ذلك من جهة القسمة ، فإنه لا ولاية لذي اليد عليها كي يحل المال له بدفع الأقل ، فيتعين الرجوع إلى الحاكم لحسم الخصومة ، فإن رضي بالقسمة بعد الحكم ، وإلا أجبره الحاكم.

( منه قدس‌سره ).

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٣) تقدم ذكره في الغوص.

٤٩٤

والمقدار وجب دفعه إليه [١].

( مسألة ٢٨ ) : لا فرق في وجوب إخراج الخمس وحلية المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها كما إذا اشتبه الحرام بين أفراد من جنسه أو من غير جنسه [٢].

( مسألة ٢٩ ) : لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلية البقية في صورة الجهل بالمقدار أو المالك ـ بين أن يعلم إجمالا زيادة مقدار الحرام [٣].

______________________________________________________

واحتمل بعض دفع الأقل إلى المالك ، والرجوع في الزائد المشكوك إلى القرعة فإنها لكل أمر مشكل. وفيه : أنه مع حجية اليد على الملكية لا إشكال ، فينتفي موضوع القرعة. نعم لو لم يكن في يد أحدهما ، والأصول النافية بالنسبة إليهما على حد واحد ، تعين الرجوع إلى القرعة ، لعموم أنها لكل أمر مشكل. ومن ذلك يظهر ضعف القول بوجوب الصلح عليهما ويجبرهما الحاكم عليه ، كما هو ظاهر كشف الغطاء. قال : « لو عرفه دون المقدار وجب صلح الإجبار ، ودفع وجه الصلح اليه .. ».

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر. وإطلاق بعض نصوص الخمس لا يهم بعد تقييد بعضها بصورة جهل المالك ، الواجب حمل غيره عليه ، كما عرفت في الفرض السابق.

[٢] لشمول النصوص لجميع ما ذكر من الصور.

[٣] كما عن المناهل ، بدعوى شمول النصوص وأكثر الفتاوى لذلك لكن في الجواهر : يلزم من ذلك حل ما علم من ضرورة الدين خلافه. وفي رسالة شيخنا الأعظم (ره) : « إن ظاهر التعليل كفاية الخمس عن الزائد الواقعي لو ثبت في المال لا المعلوم ، كما عرفت تقريبه في أوائل حكم‌

٤٩٥

أو نقيصته عن الخمس [١] ، وبين صورة عدم العلم ولو إجمالا. ففي صورة العلم الإجمالي بزيادته عن الخمس أيضاً يكفي إخراج الخمس ، فإنه مطهر للمال تعبداً. وإن كان الأحوط ـ مع إخراج الخمس ـ المصالحة مع الحاكم الشرعي أيضاً بما يرتفع به يقين الشغل ، وإجراء حكم مجهول المالك عليه. وكذا في صورة العلم الإجمالي بكونه أنقص من الخمس وأحوط من ذلك المصالحة معه ـ بعد إخراج الخمس ـ بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة.

______________________________________________________

هذا القسم ، فيكون حاكماً على إطلاق النصوص .. ». لكن عرفت إشكال التعليل. وأما دعوى انصراف النصوص عن الفرض ـ مع قطع النظر عن التعليل ـ فغير ظاهرة. اللهم إلا أن يكون المراد الانصراف بملاحظة الجواب بكفاية الخمس ، من جهة استبعاد التحليل للحرام المعلوم. وإن كان أيضاً لا يخلو من تأمل.

ثمَّ إنه لو بني على عدم شمول النصوص للفرض فالمرجع فيه نصوص التصدق ، فيلحقه حكم مجهول المالك ولا وجه لدعوى لزوم إخراج الخمس والزائد معاً ، وصرفه في مصرف الخمس. كدعوى إخراج الخمس وصرفه في مصرفه ، وإخراج الزائد والتصدق به.

[١] كما عن المناهل أيضاً لما سبق ، وفيه ما عرفت. ولا سيما بملاحظة سوقه مساق الإرفاق. وحينئذ يتعين الرجوع إلى نصوص التصدق بما لا يعلم صاحبه. ولا وجه لدعوى لزوم إخراج ما يظن به البراءة وصرفه في مصرف الخمس. أو دعوى لزوم إخراج ما يعلم معه البراءة كذلك ، إلحاقاً له بمورد النصوص.

٤٩٦

( مسألة ٣٠ ) : إذا علم قدر المال ولم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور ، ففي وجوب التخلص من الجميع ولو بإرضائهم بأي وجه كان [١] ، أو وجوب إجراء حكم‌

______________________________________________________

[١] كما عن جماعة ، ولا خمس فيه. أما الثاني فلاختصاص النصوص المتقدمة بصورة الجهل بالمقدار ، كما عرفت. وأما الأول فلأنه مقتضى كون الأداء غاية الضمان في حديث : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١).

ويشكل : بأن ذلك ضرر منفي بالأدلة (٢). ولا يعارضه نفي الضرر في حق المالك ، لأنه إنما يقتضي منع حرمانه بالمرة ، ولا يمنع من العمل بالقرعة كما يمنع من حصول العلم بالضرر على المالك ، كي يصح جريان دليل نفي الضرر. وأصالة عدم وصول المال إلى المالك وإن كان يقتضي ضرره ، فيعارض الضرر لذي اليد ، لكنه لا يجري لكونه من الأصل الجاري في الفرد المردد بين معلوم البقاء ومعلوم الارتفاع ، لتردد المالك بين الشخصين. وأما وجوب إجراء حكم مجهول المالك ، فلعموم الأمر بالصدقة بما لا يعلم صاحبه.

وفيه : اختصاص تلك النصوص بصورة عدم إمكان العلم بإيصال المال إلى مالكه كلا أو بعضاً ، فلا يشمل الفرض. وأما الرجوع إلى القرعة فلعموم أدلتها. وأما التوزيع فهو مقتضى قاعدة العدل والانصاف ، المستفادة من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة. لكن إثبات القاعدة الكلية منها لا يخلو من إشكال.

ويحتمل التخيير بين التوزيع على السوية وبين إعطائه إلى واحد لتعذر‌

__________________

(١) كنز العمال ج : ٥ صفحة ٢٥٧ الحديث : ٥١٩٧ ، مستدرك الوسائل باب : ١ من كتاب الوديعة حديث : ١٢.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الخيار وباب : ٥ من كتاب الشفعة وباب : ٧ ، ١٢ من احياء الموات.

٤٩٧

مجهول المالك عليه ، أو استخراج المالك بالقرعة ، أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسوية وجوه ، أقواها الأخير. وكذا إذا لم يعلم قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصور ، فإنه بعد الأخذ بالأقل ـ كما هو الأقوى ـ ، أو الأكثر ـ كما هو الأحوط ـ يجري فيه الوجوه المذكورة [١].

______________________________________________________

الاحتياط ، فيدور الأمر بين الموافقة الاحتمالية بدفعه إلى واحد بعينه الملازمة للمخالفة الاحتمالية ، وبين الموافقة القطعية في بعضه بتوزيعه بين الأطراف الملازمة للمخالفة القطعية في بعضه. ولا مرجح في نظر العقل ، كما ذكر ذلك في إثبات التخيير الاستمراري عند الدوران بين المحذورين الوجوب والحرمة. وفيه : أن ذلك يتم مع تمييز المال ، وعدم ضمان اليد ، كالودعي ونحوه. أما مع عدم التمييز فولاية القسمة لذي اليد محتاجة إلى دليل. كما أنه مع ضمان اليد لا مجال لحكم العقل لرفع الضمان بالتوزيع أو التخيير ، وإنما يجدي في رفع العقاب لا غير ، فرفع الضمان يحتاج إلى دليل. ولأجل هذا الاشكال لا يجدي الرجوع إلى الحاكم الشرعي في القسمة ، لأنها لا ترفع الضمان. نعم لو أمكن الرجوع إليه في دفع المال بعد القسمة والخروج عن الضمان ، كان الحاكم هو المكلف بالإيصال إلى المالك ، ويتخير حينئذ بين التوزيع ودفعه إلى واحد لما عرفت. لكن ثبوت الولاية للحاكم في القبض عن المالك ـ مع حضوره ، وإمكان الإيصال إليه ـ غير ظاهر ، لعدم الدليل عليها حينئذ. فالمتعين الرجوع إلى القرعة ، التي هي لكل أمر مشكل.

[١] فان نصوص الخمس منصرفة عن صورة العلم بالمالك بين محصور كانصراف نصوص حكم مجهول المالك عنها كما عرفت ، فيجري فيه الكلام السابق بعينه.

٤٩٨

( مسألة ٣١ ) : إذا كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محل للخمس [١]. وحينئذ فإن علم جنسه ومقداره ولم يعلم صاحبه أصلا [٢] ، أو علم في عدد غير محصور ، تصدق به عنه [٣] ، بإذن الحاكم ، أو يدفعه اليه. وإن كان في عدد محصور ففيه الوجوه المذكورة. والأقوى هنا أيضاً الأخير [٤]. وإن علم جنسه ولم يعلم مقداره ـ بأن تردد بين‌

______________________________________________________

[١] لاختصاص النصوص بالمال الخارجي ولا تشمل الذمي.

[٢] العلم بوجود الحق في الذمة مستلزم للعلم بصاحبه في الجملة ، ففرض عدم العلم بصاحبه أصلا غير ظاهر.

[٣] كما هو المعروف بينهم. وتقتضيه النصوص الواردة في الموارد المتفرقة ، وبعضها وارد في خصوص الدين ، كصحيح معاوية المروي عن الفقيه : « فيمن كان له على رجل حق ففقده ولا يدري أين يطلبه ، ولا يدري حي هو أم ميت ، ولا يعرف له وارثاً ولا نسباً ولا ولداً. قال (ع) : اطلب. قال : إن ذلك قد طال ، فأتصدق به؟ قال (ع) : اطلب » (١). بناء على ظهوره في الصدقة ، بعد سقوط وجوب الطلب باليأس. والمرسل في الفقيه ـ بعد رواية الصحيح المذكور ـ قال : « وقد روي في هذا خبر آخر : إن لم تجد له وارثاً ، وعلم الله منك الجهد فتصدق به » (٢).

[٤] يعني : التوزيع. لما سبق. وقد عرفت الاشكال فيه. كما عرفت الاشكال فيما عدا القرعة من الوجوه ، إذ لا فرق بين المقامين إلا في إمكان الاحتياط هنا وتعذره هناك. ولأجل ذلك قد يشكل العمل بنصوص القرعة هنا ، لعدم بناء الأصحاب على العمل بها في موارد العلم الإجمالي مع إمكان الاحتياط.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ملحق حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه حديث : ١١.

٤٩٩

الأقل والأكثر ـ أخذ بالأقل المتيقن [١] ، ودفعه إلى مالكه إن كان معلوماً بعينه [٢] ، وإن كان معلوماً في عدد محصور فحكمه كما ذكر [٣]. وإن كان معلوماً في غير المحصور ، أو لم يكن علم إجمالي أيضاً ، تصدق به عن المالك [٤] بإذن الحاكم أو يدفعه اليه. وإن لم يعلم جنسه وكان قيمياً فحكمه كصورة العلم بالجنس ، إذ يرجع إلى القيمة ، ويتردد فيها بين الأقل والأكثر [٥]. وإن كان مثلياً ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان [٦].

______________________________________________________

ويندفع : بأن ذلك حيث يجب الاحتياط ، وقد عرفت أنه لا يجب ، لمنافاته لأدلة نفي الضرر. فلاحظ.

[١] عملا بأصالة براءة الذمة عن ضمان الزائد.

[٢] بلا إشكال. لوضوح وجوب إيصال كل مال إلى أهله.

[٣] يعني : التوزيع ، الذي عرفت أنه محل إشكال.

[٤] قد سبق إشكال الفرض.

[٥] كما إذا علم بأنه إما أتلف فرسه أو دجاجته ، فعلى الأول تكون القيمة مائة درهم ، وعلى الثاني تكون القيمة درهماً. لكن قد يتساوى القيميان في القيمة ، كما لو علم أنه إما أتلف فرسه أو حماره مع تساويهما في القيمة.

هذا في باب التلف. أما في غيره من موارد ضمان القيمة ـ كما في العقود الواردة على القيميات ـ يتعين الأخذ بالاحتياط للشك في الفراغ. فتأمل. ومن ذلك يشكل إطلاق ما ذكره من الرجوع إلى القيمة في القيميات.

[٦] كما لو علم أنه إما أتلف مناً من حنطة زيد أو مناً من شعيرة.

٥٠٠