مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

بلوغ النصاب دون المجموع ، وإن كان الأحوط كفاية بلوغ المجموع [١]. خصوصاً مع اتحاد جنس المخرج منها ، سيما مع تقاربها. بل لا يخلو عن قوة مع الاتحاد والتقارب. وكذا لا يعتبر استمرار التكون ودوامه ، فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فأخرجه ثمَّ انقطع ، جرى عليه الحكم [٢] ، بعد صدق كونه معدناً.

( مسألة ٦ ) : لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية فإن علم بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر ، أو بالزيادة فيما أخرجه خمساً أجزأ [٣] ، وإلا فلا ، لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده.

______________________________________________________

[١] بل جزم بذلك كاشف الغطاء على ما حكي ، واختاره في الدروس أيضاً. وكأنه لدعوى ظهور المعدن في الجنس ، الصادق على الواحد والمتعدد لكنها غير ظاهرة ، لقرب الانصراف إلى الفرد. ولا فرق في العدم بين اتحاد الجنس واختلافه ، وتباعدها وتقاربها. نعم إذا كان التقارب مع الاتحاد يوجب صدق وحدة المخرج عرفاً ، اعتبر في المجموع النصاب.

[٢] كما صرح به بعضهم. وعن كشف الغطاء : الاستشكال فيه. وكأنه لدعوى الانصراف. لكنه بنحو يعتد به ممنوع.

[٣] قال في محكي المدارك : « لو أخرج خمس تراب المعدن لم يجزه لجواز اختلافه في الجوهر. ولو علم التساوي جاز .. ». واستشكل فيه في الجواهر : « بظهور ذيل صحيح زرارة في تعلق الخمس بعد التصفية وبعد ظهور الجوهر .. » بل قد يدعى ظهور غيره في ذلك أيضاً. ومراده بذيل الصحيح ، قوله (ع) : « ما عالجته بمالك ففيه ـ ما أخرج الله سبحانه‌

٤٦١

( مسألة ٧ ) : إذا وجد مقداراً من المعدن مخرجاً مطروحاً في الصحراء ، فان علم أنه خرج من مثل السيل أو الريح أو نحوهما ، أو علم أن المخرج له حيوان أو إنسان لم يخرج خمسه [١] ، وجب عليه إخراج خمسه [٢] على الأحوط إذا بلغ النصاب. بل الأحوط ذلك [٣] وإن شك في أن الإنسان المخرج له أخرج خمسه أم لا.

______________________________________________________

منه من حجارته مصفى ـ الخمس » (١).

لكن من المحتمل : أن يكون المراد أن الواجب هو خمس المصفى لا خمس التراب ، وإن كان ما فيه من الذهب ـ مثلا ـ أقل من خمس الذهب المصفى ، لا أن الخمس يجب في خصوص المصفى ، فان ذلك خلاف المتسالم عليه ـ نصاً وفتوى ـ من عدم اشتراط التصفية في الوجوب. وأما غيره فدلالته على ما ذكر أخفى. ولعل هذا هو مراد الشهيد الثاني في المسالك ، حيث قال فيها : « والمعتبر إخراج خمسه مخرجاً إن لم يفتقر إلى سبك وتصفية ، وإلا اعتبر بعدها .. ».

[١] راجع إلى الإنسان. ويعتبر أن يكون الإنسان غير قاصد للحيازة وإلا كان هو المخرج ، وعليه خمسه.

[٢] عملا بمقتضى الإطلاق. وقد تقدم : أنه لا يعتبر الإخراج من باطن الأرض ، والتردد غير ظاهر الوجه. نعم في الإنسان إذا أحرز أنه قصد تملكه بالإخراج ، يكون ما زاد على الخمس من قبيل مجهول المالك ، لا ما نحن فيه مما يكون ملكاً للمخرج.

[٣] كأن وجه التردد ، إما الحمل على الصحة ، أو العمل بمقتضى اليد لظهورها في الملكية الطلقة. والأول ممنوع. والثاني يتوقف على استمرار‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٣.

٤٦٢

( مسألة ٨ ) : لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها [١] ، وإذا أخرجه غيره لم يملكه ، بل يكون المخرج لصاحب الأرض ، وعليه الخمس من دون استثناء المؤنة ، لأنه لم يصرف عليه مئونة [٢].

( مسألة ٩ ) : إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوة ـ التي هي للمسلمين ـ فأخرجه أحد من المسلمين ملكه ، وعليه الخمس [٣]. وإن أخرجه غير المسلم ففي‌

______________________________________________________

اليد في زمانين : زمان العلم ، وزمان الشك ، وهو غير معلوم. فتأمل. على أنك عرفت أن حجية اليد ـ التي يكون حدوثها معلوم الخلاف ـ على الملكية الطلقة غير واضحة ، بل المشهور عدمها.

[١] قطعاً ، كما صرح به غير واحد منهم السيد في المدارك. وفي الجواهر « لا خلاف أجده فيه .. » ، وكذا ما بعده. لكن قد يشكل ، بناء على أنه من الموات ، وإخراجه إحياء له ، كما يأتي. وفيه : اختصاص ذلك بالموات غير المملوك لواحد من المسلمين تبعاً لملك الأرض ، فإنه ملك لمالكها.

[٢] يعني : لم يغرم المؤنة التي صرفها المخرج ، لعدم الوجه في ضمانها بعد أن كان العمل بلا إذن منه ، ولا تعهد له بقيمته ، كما هو ظاهر الفرض.

[٣] قد يشكل ملك المخرج له : بأنه مملوك للمسلمين تبعاً للأرض ، فحاله حال المخرج من أرض مملوكة لمالك معين ، الذي تقدم : أنه ملك لمالك الأرض وعليه الخمس. لكن في الجواهر : ادعى القطع بكونه ملكاً للحائز. ثمَّ قال (ره) : « ولعله لأنه بنفسه في حكم الموات ، وإن كان في أرض معمورة بغرس أو زرع .. » ، ويظهر من كلماتهم في كتاب الاحياء : المفروغية عن أن ذلك إحياء مملك. وفي مفتاح الكرامة : « اتفقت كلمة‌

٤٦٣

تملكه إشكال [١]. وأما إذا كان في الأرض الموات حال‌

______________________________________________________

الفريقين على أنها تملك بالاحياء. لكن القائلين بأنها للإمام يقولون بتوقف ذلك على إذنه حال حضوره لا غيبته ، ولا خلاف في ذلك إلا من الشافعي في أحد قوليه .. ».

ولعل في هذا المقدار ، بضميمة ما في الجواهر ، في كتاب الاحياء : من دعوى السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار ـ في زمن تسلطهم (ع) وغيره ـ على الأخذ منها بلا إذن ، حتى ما كان في الموات التي هي لهم ، وفي المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين ، كفاية في جواز الخروج عن قاعدة التبعية. ولا سيما مع تأيد ذلك بخلو نصوص الباب وغيرها عن التعرض للمنع عن أخذها من الموات أو العامرة التي هي ملك لهم (ع) وللمسلمين فإنها وإن لم تكن واردة لبيان هذه الجهات كي يحسن التمسك بإطلاقها ، لكن إهمالها التعرض لذلك ـ مع ارتكاز إباحة الأخذ ، وعموم الابتلاء بالمعادن على اختلاف أنواعها ـ طريق عرفي لجواز الأخذ وترتيب آثار الملك. نعم القدر المتيقن صورة الاذن من ولي المسلمين ، فاللازم الاقتصار في الحكم بالملك عليه.

[١] كأنه لعدم الدليل عليه ، بعد كونه ملكاً للمسلمين تبعاً للأرض. ولم يثبت عموم ما قيل : من كون الناس في المعادن شرعاً سواء ، لعدم ثبوت قيام السيرة عليه في الكافر. ولذا حكي عن الشيخ وظاهر البيان : منع الذمي من العمل في المعدن. لكن عن الأول : أنه لو خالف وعمل ملك ، وكان عليه الخمس.

وهو ـ كما ترى ـ لا يخلو من تناف ، إذ موضوع كلامه : إن كان المعدن في الأرض المملوكة ، صح المنع ولا وجه للملك ، وإن كان في الأرض المباحة ، صح الملك ولا وجه للمنع. ولذا قال في محكي المدارك ،

٤٦٤

الفتح ، فالظاهر أن الكافر أيضاً يملكه ، وعليه الخمس [١].

( مسألة ١٠ ) : يجوز استيجار الغير لإخراج المعدن ، فيملكه المستأجر [٢]. وإن قصد الأجير تملكه لم يملك.

( مسألة ١١ ) : إذا كان المخرج عبداً كان ما أخرجه لمولاه وعليه الخمس.

( مسألة ١٢ ) إذا عمل فيما أخرجه قبل إخراج‌

______________________________________________________

راداً عليه : « لم أقف له على دليل يقتضي منع الذمي عن العمل في المعدن .. ». وهو في محله ، لجريان جميع ما سبق فيه حتى السيرة ـ كغيره من المسلمين ـ على الظاهر. وعليه فاذا كان الإخراج بإذن ولي المسلمين ملكه.

[١] أما الملك فالعموم ما دل على مملكية الإحياء ، المختص عندهم بالموات حال الفتح مما كان ملكاً للإمام ، ولا يجري فيما كان ملكاً للمسلمين إجماعاً على ما حكاه غير واحد. ولأجله يخرج عن العموم المذكور. وبذلك افترق الفرض عما قبله في الوضوح والخفاء.

[٢] لأنه نتيجة العمل المملوك له ، والنتيجة تابعة لذيها في الملك ، كحمل الدابة وثمرة الشجرة. وقصد العامل تملكه أو تملك غيره لا أثر له ، لعدم سلطنته على ذلك. ومنه يظهر حكم المسألة الآتية.

نعم يختص ذلك بما لو كانت الإجارة على منفعته الشخصية ، أما لو كانت على ما في الذمة ، فلا مانع من قصد العامل نفسه في الحيازة ويكون المحاز له. وتحقيق ذلك موكول إلى ما ذكرنا في شرح المسألة السادسة ، من فصل : عدم جواز إجارة الأرض بما يحصل فيها من الحنطة أو الشعير ، من كتاب الإجارة من هذا الكتاب.

٤٦٥

خمسه ـ عملا يوجب زيادة قيمته ـ كما إذا ضربه دراهم أو دنانير ، أو جعله حلياً ، أو كان مثل الياقوت والعقيق فحكه فصاً مثلا ـ اعتبر في الإخراج خمس مادته [١] ، فيقوم حينئذ سبيكة أو غير محكوك مثلا ، ويخرج خمسه. وكذا لو اتجر به فربح قبل أن يخرج خمسه ، ناوياً الإخراج من مال آخر [٢] ، ثمَّ أداه من مال آخر. وأما إذا اتجر به من غير نية الإخراج من غيره ، فالظاهر أن الربح مشترك بينه وبين أرباب الخمس [٣].

______________________________________________________

[١] كما صرح به في الجواهر ، حاكياً له عن المسالك والمدارك. لأن مستحق الخمس إنما يملك خمس المادة ، والصفة بتمامها لعاملها ، فلا تدخل في التقويم.

[٢] نقل الخمس من العين إلى الذمة بمجرد النية لا دليل عليه ، وإن كان هو ظاهر الجواهر. وحينئذ فلا يجدي الأداء بعد البيع في نفوذ البيع له ، بحيث يكون تمام الربح للمالك ، إلا بناء على صحة بيع غير المالك إذا ملك بعد البيع. أو نقول : بأنه من قبيل الحق في العين ، فيصح البيع بمجرد سقوطه. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ تحقيق ذلك.

[٣] هذا يتم إذا كان للبائع ولاية البيع ، وقلنا بأن ثبوته بنحو يكون جزءاً من العين. فلو انتفى الأول ، فالاشتراك في الربح يتوقف على إمضاء الحاكم الشرعي ، وإلا بطل في مقدار الخمس. والأول محكي عن التذكرة والمنتهى. ويشهد له : خبر الحرث بن حصيرة الأزدي : « وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين (ع) ، فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع ، فلامته أمي وقالت : أخذت هذه بثلاثمائة شاة ، أولادها مائة‌

٤٦٦

( مسألة ١٣ ) : إذا شك في بلوغ النصاب وعدمه فالأحوط الاختبار [١].

الثالث : الكنز [٢] ، وهو المال المذخور في الأرض ،

______________________________________________________

وأنفسها مائة ، وما في بطونها مائة. قال : فندم أبي ، فانطلق ليستقيله فأبى عليه الرجل ، فقال : خذ مني عشرة شياه ، خذ مني عشرين شاة ، فأعياه. فأخذ أبي الركاز وأخرج منه قيمة ألف شاة. فأتاه الآخر فقال : خذ غنمك وآتني ما شئت ، فأبى ، فعالجه فأعياه. فقال : لأضرن بك ، فاستعدى أمير المؤمنين (ع) على أبي ، فلما قص أبي على أمير المؤمنين (ع) أمره ، قال لصاحب الركاز : أد خمس ما أخذت ، فإن الخمس عليك ، فإنك أنت الذي وجدت الركاز. وليس على الآخر شي‌ء ، لأنه إنما أخذ ثمن غنمه » (١) ‌لكن الخبر ضعيف ، والاعتماد عليه غير ظاهر. كما أنه لو كان تعلقه بنحو تعلق الحق في العين ، لم يكن الربح مشتركاً لو نفذ البيع ، لأن الثمن كله في قبال مال المالك. وسيجي‌ء ـ إن شاء الله تعالى ـ ما له تعلق بالمقام.

[١] الكلام فيه تقدم في الزكاة. فراجع.

[٢] بلا خلاف فيه كما عن جماعة ، بل إجماعاً كما عن آخرين ، بل عن المدارك : عليه إجماع العلماء كافة. ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح الحلبي : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الكنز كم فيه؟ فقال (ع) : الخمس » (٢) ، وصحيح ابن محبوب عن عمار بن مروان : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : فيما يخرج من المعادن ، والبحر ، والغنيمة ، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز الخمس » (٣). ونحوهما غيرهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٦.

٤٦٧

أو الجبل ، أو الجدار ، أو الشجر [١]. والمدار الصدق العرفي سواء كان من الذهب أو الفضة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما [٢] من الجواهر. وسواء كان في بلاد الكفار‌

______________________________________________________

[١] كما مال إليه في الجواهر وغيرها. ويقتضيه إطلاق النصوص. وعن كشف الغطاء : عدم الخمس في المذخور في جدار ، أو في بطن شجرة ، أو خباء من بيوت أو خشب ، أو تحت حطب. ويقتضيه ظاهر التخصيص بالأرض في كلام جماعة ـ بل الأكثر ظاهراً ـ وفي جملة من كلمات أهل اللغة. لكن الظاهر إرادة المثال ، وإلا فصدقه على غير المدفون في الأرض لا ينبغي أن يكون موضع تأمل. وملاحظة موارد الاستعمال شاهدة بذلك.

[٢] كما صرح به في التذكرة والمنتهى والدروس وعن البيان ، بل هو ظاهر كل من فسره بالمال المذخور. لصدق المال على جميع ذلك. لكن عن النهاية والمبسوط والجمل والسرائر والجامع وغيرهم : تخصيصه بالنقدين وربما نسب إلى ظاهر الأكثر.

واستدل له بالأصل ، بناء على الشك في صدق الكنز على غيرهما. بل في الجواهر الجزم بعدمه ، وان كان هو غير ظاهر ، بل العرف على خلافه. وبصحيح البزنطي عن الرضا (ع) : « عما يجب فيه الخمس من الكنز ، فقال (ع) : ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس » (١) بناء على ظهوره في المماثلة في الجنس كما هو غير بعيد. ودعوى ظهوره بالمقدار لا غير غير ظاهرة ، وإن صدرت عن جملة من الأعاظم ، ونسبها في الرياض إلى الأصحاب. اللهم إلا أن يكون من جهة التعبير بالمثل ، ولو أراد الجنس لقال : « ما تجب فيه ». ويؤيده التعبير بذلك ـ في مقام بيان المقدار ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٢.

٤٦٨

الحربيين أو غيرهم أو في بلاد الإسلام ، في الأرض الموات أو الأرض الخربة التي لم يكن لها مالك ، أو في أرض مملوكة له بالإحياء أو بالابتياع ، مع العلم بعدم كونه ملكاً للبائعين ، وسواء كان عليه‌

______________________________________________________

في صحيحه السابق في المعدن. وأما مرسلة المقنعة : « سئل الرضا (ع) عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس. فقال (ع) : ما تجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس ، وما لم يبلغ حد ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه » (١) ، فهي وإن كانت صريحة في المقدار لا تصلح قرينة على إرادته من الصحيح. ولا سيما وكون المظنون أنهما واحد ، وأن الاختلاف نشأ من أجل النقل بالمعنى ، واجتهاد الناقل في فهم المراد.

على أن المحتمل قريباً : أن يكون قوله (ع) : « من ذلك بعينه » مراداً به خصوص المسكوك من النقدين ، وحينئذ يكون الصحيح حاكماً على الإطلاقات التي تصلح لإثبات وجوب الخمس في غير النقدين من الكنز. وكذا على مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال : كل ما كان ركازاً ففيه الخمس. وقال : ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه من حجارته مصفى الخمس » (٢). بناء على عموم الركاز لغير النقدين ـ كما يقتضيه تفسيره بالمال المدفون ـ كما عن المصباح وغيره. مضافاً إلى ما في مجمع البحرين : من أن الركاز ـ عند أهل العراق ـ المعادن كلها. ويشهد له رواية الحرث المتقدمة (٣). ويناسبه وقوعه جواباً عن المعادن في الصحيح. وكأنه لذلك قال في كشف الغطاء : « إن الظاهر تخصيص الحكم بالنقدين وغيره يتبع حكم اللقطة .. ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٣.

(٣) لاحظ المسألة : ١٢ من هذا الفصل.

٤٦٩

أثر الإسلام أم لا. ففي جميع هذه يكون ملكاً لواجده [١]. وعليه الخمس. ولو كان في أرض مبتاعة ، مع احتمال‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف أجده ، كما في الجواهر وغيرها. وفي الحدائق : نفي الخلاف فيه بين الأصحاب ، وعن المدارك : أنه قطع به الأصحاب. للنصوص المتقدمة ، فإنها كما تدل على وجوب الخمس تدل على ملكيته لواجده. لكن في صلاحية الإطلاقات لإثبات الملكية إشكال ، لعدم ورودها لبيان ذلك ، بل موضوعها الكنز المملوك لواجده ، فلا بد من الرجوع إلى دليل آخر يقتضيها.

واستدل له في المدارك : « بأن الأصل في الأشياء الإباحة والتصرف في مال الغير إنما يحرم إذا ثبت كون المال لمحترم ، أو تعلق به نهي خصوصاً أو عموماً. والكل منتف في المقام .. ». وفي ظاهر الحدائق : نسبة الاستدلال المذكور إلى الأصحاب. وفيه : أن الأصل المذكور خلاف التوقيع المشهور : « لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره الا بإذنه » (١) اللهم إلا أن يقال : عموم التوقيع مخصص بالكافر الحربي ، ومع الشك في المالك تكون الشبهة موضوعية يرجع فيها إلى أصالة الإباحة. مضافاً إلى أن الظاهر أن التقابل بين الكفر والإسلام تقابل العدم والملكة. وحينئذ يكون موضوع التوقيع مال المسلم ، لا من ليس بكافر ، وحينئذ يمكن الرجوع الى أصالة عدم الإسلام فتنتفي الحرمة.

وإن شئت قلت : الذي يستفاد ـ مما ورد في الإسلام وأحكامه ـ انحصار عصمة المال بالإسلام والذمام ، فأصالة عدمهما تقتضي عدم العصمة وجواز التملك. ومن هنا يندفع الإشكال : بأن إباحة التصرف لا تقتضي جواز التملك بل تقتضي جواز التصرف لكل أحد ولو غير الواجد. فتأمل جيداً.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال حديث : ٦.

٤٧٠

______________________________________________________

ومما ذكرنا تعرف أن المدار في جواز التملك عدم العلم بكونه ملكاً للمسلم أو الذمي إلى حين الوجدان ، من دون فرق بين أنواع الأرض التي يوجد فيها ، مما ذكر في المتن. فلا فرق بين أرض الكفار الحربيين والذميين وأرض الإسلام الموات أو الخراب التي ليس لها مالك وما بعدهما ، لجريان أصالة عدم السبب الموجب لعصمة المال في الجميع على نهج واحد. مع أن الظاهر عدم الخلاف في الجميع إذا لم يكن عليه أثر الإسلام ـ بل إذا كان عليه أثر الإسلام مطلقاً ـ كما عن الخلاف والسرائر والمدارك وغيرها بل نسب الى ظاهر المفيد والمرتضى وغيرهما ، واختاره في الجواهر.

وعن المبسوط والقاضي والفاضلين والشهيدين ـ في البيان والمسالك ـ والمحقق وغيرهم ، ونسب إلى أكثر المتأخرين تارة ، وإلى الأشهر أخرى ، وإلى فتوى الأصحاب ثالثة : أنه يجري عليه حكم اللقطة إذا كان قد وجد في دار الإسلام. وكأنه : لأن الوجود في أرض الإسلام وأثر الإسلام معاً أمارة على تملك المسلم له ، فلا يجري فيه الأصل المتقدم ، ليبنى على جواز تملكه. وفيه : أنه لا دليل على الأمارية المذكورة. وأثر الإسلام لا يدل على سبق يد المسلم ، لأنه أعم. ولو سلم فلا وجه لإجراء حكم اللقطة ، لاختصاصها بالمال الضائع الذي لا يشمل الكنز. أو لموثق محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « قضى علي (ع) في رجل وجد ورقاً في خربة ، أن يعرفها ، فان وجد من يعرفها ، وإلا تمتع بها » (١). فان الحكم المذكور فيه هو حكم اللقطة. وفيه : أنه لا يظهر من الموثق كون الورق مكنوزاً ، ولا كونه مما عليه أثر الإسلام فحمله على ذلك والاستدلال به كما ترى.

ودعوى : تعين حمله على ذلك ، جمعاً بينه وبين صحيح ابن مسلم : « عن الورق يوجد في دار. فقال (ع) : إن كانت معمورة فهي لأهلها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب اللقطة حديث : ٥.

٤٧١

كونه لأحد البائعين ، عرفه المالك قبله [١] ،

______________________________________________________

فان كانت خربة فأنت أحق بما وجدت » (١) ، وصحيحه الآخر : « عن الدار يوجد فيها الورق. فقال (ع) : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد جلي عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به » (٢) فإنهما ظاهران في ملك الواجد ، فيجمع بينهما وبين الموثق بحمله على ما كان فيه أثر الإسلام.

مدفوعة : بعدم الشاهد. بل الأولى منه : الجمع بحمل النصوص جميعها على المال الضائع ، وتقييد بعضها ببعض ، فيحمل الصحيحان على الموثق ، فلا تكون مما نحن فيه. وأولى من ذلك : الأخذ بإطلاق النصوص ـ الشامل للكنز وغيره ـ مما كان عليه أثر الإسلام وغيره ، وتخصيصها ـ بقرينة ما في الموثق من لزوم التعريف ـ بصورة احتمال الوصول إلى مالكه المحترم المال ، وحمل نصوص الكنز على غير ذلك ـ كما لعله الغالب فيها. ولا سيما بملاحظة ما عرفت من إهمالها من حيث الدلالة ـ على ملكية الواجد بلا تعريف والانصاف لزوم البناء على هذا ، لو لم يقم إجماع على خلافه.

[١] بلا خلاف أجده فيه بيننا ، كما في الجواهر ، وعن المنتهى : الإجماع عليه. عملا بحجية اليد السابقة ، الدالة على ملكية ذيها. ولذلك قيل : إنه يدفع إليه بلا حاجة إلى بينة ولا يمين ولا وصف. بل ربما كان مقتضاها وجوب الدفع إليه وإن لم يدعه ، لأن اليد حجة على الملكية من دون اعتبار دعوى الملك. ويشير إلى ذلك ـ كما في الجوهر وغيرها ـ ما في صحيحي ابن مسلم المتقدمين.

وفي المدارك ناقش في وجوب التعريف إذا احتمل عدم جريان يده‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب اللقطة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب اللقطة حديث : ١.

٤٧٢

فان لم يعرفه فالمالك قبله [١] ، وهكذا .. ،

______________________________________________________

عليه : بأنه خلاف أصالة البراءة ، وخلاف أصالة عدم التقدم. لكن كلامه في خصوص صورة احتمال تجدد الكنز بعد الشراء وهو خارج عن مفروض كلامهم.

[١] كما هو المشهور. لأنه ذو يد عليه كاللاحق. وقد يستشكل في الترتيب المذكور ، مع الاشتراك في اليد. ويدفع : بأن اليد اللاحقة مزيلة لأثر الأولى. ولذا كانت أمارة على ملكية العين لذيها ، من دون مزاحمة السابقة. نعم لو احتمل تأخر الدفن إلى زمان اللاحقة أشكل الرجوع إلى السابق ، لعدم ثبوت يده عليه. وكأنه لذلك كان ظاهر جماعة ـ على ما حكي ـ عدم لزوم تعريف السابق ، مع عدم معرفة اللاحق ، لكن كان المناسب التفصيل بين صورة احتمال تأخر الدفن إلى زمان اللاحق ـ على تقدير عدم كونه له ـ وعدمه ، فعلى الأول يتم ما هو ظاهر الجماعة ، وعلى الثاني يتم ما هو المشهور.

هذا كله بالنظر إلى اليد ومقتضاها. لكن في موثق إسحاق : « عن رجل نزل في بعض بيوت مكة ، فوجد فيها نحواً من سبعين درهماً مدفونة فلم تزل معه ، ولم يذكرها حتى قدم الكوفة ، كيف يصنع؟ قال (ع) : يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت : فان لم يعرفوها. قال (ع) : يتصدق بها » (١). وظاهره ـ كصحيح عبد الله بن جعفر الآتي ، فيمن اشترى دابة ووجد في جوفها مالا ـ عدم لزوم تعريف السابق إذا لم يعرفه اللاحق. وحمل أهل المنزل ـ في الموثقـ والبائع ـ في الصحيح ـ على الجنس بعيد. اللهم إلا أن يستفاد ذلك من عموم المناط ، لاشتراك اليد في الجميع لا أقل من الاجمال ، المانع عن رفع اليد عن مقتضى حجية اليد السابقة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب اللقطة حديث : ٣.

٤٧٣

فان لم يعرفه فهو للواجد [١] ، وعليه الخمس [٢]. وإن ادعاه المالك السابق ، فالسابق أعطاه بلا بينة [٣]. وإن تنازع الملاك فيه يجري عليه حكم التداعي [٤]. ولو ادعاه المالك السابق‌

______________________________________________________

وعليه فما ذكره الجماعة في محله. ومنه يظهر ضعف ما هو ظاهر جماعة : من الاقتصار في التعريف على البائع اللاحق ، ثمَّ يكون لواجده.

هذا كله إذا كان ما وجده مما عليه أثر الإسلام. أما إذا لم يكن كذلك ، فالمشهور ـ ظاهراً ـ أنه بحكمه أيضاً في التعريف. وقيل : إنه لواجده ، وليس عليه التعريف. وفيه : أنه خلاف ما عرفت ، الذي لا يفرق فيه بين ما كان عليه أثر الإسلام وما لم يكن ، كما لعله ظاهر.

[١] كما عن النهاية والسرائر والشرائع والإرشاد وغيرها. لما عرفت من أصالة عدم العاصم. وعن التحرير وغيره : أنه لقطة. وعن المبسوط والدروس والمسالك وغيرها : أنه لواجده إذا لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإن كان فلقطة يجب التعريف به.

وكلاهما ضعيف ، لعدم ما يدل على وجوب التعريف عموماً إلا موثق محمد بن قيس ، ولكنه في غير المقام. ومن الجائز أن يكون تعريف الملاك يقوم مقام التعريف حيث لا مالك بعينه ، فرفع اليد عن الأصل المتقدم ـ المؤيد بصحيح عبد الله بن جعفر الآتي ـ غير ظاهر. وأما الموثق الآمر بالتصدق (١) فمحمول على صورة العلم بكون المالك مسلما ، كما هو ظاهر الفرض. وسيأتي التعرض لحكمه.

[٢] لإطلاق أدلته.

[٣] كما عرفت أنه مقتضى اليد.

[٤] كما صرح به في الجواهر وغيرها. لعين الوجه في إجراء حكم‌

__________________

(١) المراد به موثق إسحاق المتقدم في التعليقة السابقة.

٤٧٤

إرثاً ، وكان له شركاء نفوه ، دفعت إليه حصته [١] ، وملك الواجد الباقي ، وأعطى خمسه. ويشترط في وجوب الخمس فيه النصاب ، وهو عشرون ديناراً [٢].

______________________________________________________

التداعي إذا تداعيا ما في يدهما. ولو ادعاه أحدهم ونفاه الباقون ، فالمعروف دفعه إلى من ادعاه إذا لم يذكر سبباً يقتضي الشركة. وكأنه لحجية أخبار ذي اليد. أو حجية الدعوى بلا معارض ، وإلا فيد الشريك لا تصلح لإثبات ملكية الكل ، وإنما هي حجة على حصته ، فهو بالنسبة إلى غيرها كالأجنبي لا يجب دفعها إليه إلا بالبينة.

هذا لو كان التنازع من الملاك المشتركين. أما لو كان من المترتبين كان اللاحق منكراً لموافقة قوله لليد ، والسابق حينئذ مدعياً لمخالفة قوله لها فيجري عليهما حكم المدعي والمنكر.

[١] إذ لا يدعي إلا تلك الحصة ، فهو بالنسبة إلى ما عداها ناف كغيره وفي الجواهر قوى كونه للواجد. واحتمل كونه لقطة ، أو كمجهول المالك يتصدق به عن صاحبه. لكن عرفت دلالة النص على وجوب التعريف.

[٢] إجماعاً ، كما عن السرائر والمنتهى والتذكرة والمدارك. وعن الخلاف : الإجماع على اعتبار النصاب الذي تجب فيه الزكاة. لصحيح البزنطي المتقدم في أول المبحث (١). لكن عرفت أن الظاهر منه المماثلة في الجنس ، وحمله على المقدار وحده ـ أو مع الجنس ـ غير ظاهر. نعم يشهد له مرسل المقنعة المتقدم (٢). لكن في الاعتماد عليه لإرساله إشكال ولا سيما وكون المظنون أنه عين الصحيح الذي عرفت قصور دلالته.

وعن أمالي الصدوق : أن النصاب دينار واحد ، ناسباً له إلى دين‌

__________________

(١) لاحظ الكلام في الأمر الثاني مما يجب فيه الخمس.

(٢) تقدم ذلك في الأمر الثالث مما يجب فيه الخمس.

٤٧٥

( مسألة ١٤ ) : لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما [١] ، وتعريف المالك أيضاً [٢].

فإن نفياه كلاهما كان له [٣] ، وعليه الخمس [٤]. وإن ادعاه‌

______________________________________________________

الإمامية. ودليله غير ظاهر ، كنسبته إلى الإمامية ، إذ لم يعرف له موافق. نعم حكي عن الغنية ، مع الاستدلال عليه بالإجماع. لكن عبارتها لا تساعد عليه ، فإنه قال فيها : « ويعتبر في الكنوز : بلوغ النصاب الذي تجب فيه الزكاة ، وفي المأخوذ بالغوص : بلوغ قيمة دينار فصاعداً. بدليل الإجماع المتكرر .. ». وهي ـ كما ترى ـ توافق المشهور ثمَّ إن المراد من قوله (ع) : « ما تجب في مثله الزكاة .. » ـ بعد حمله على المقدار ـ مقدار ماليته. لكنه لا يظهر منه ملاحظة نصاب الذهب ، أو الفضة ، أو أقلهما ، أو أكثرهما. ومع إجماله يكون المرجع عموم وجوب الخمس. وعليه فاذا بلغ أقل النصابين مالية وجب الخمس ، من دون فرق بين الذهب والفضة وغيرهما. نعم لو بني على العمل بمرسلة المقنعة فالظاهر منها ، بناء على اختصاصها بالنقدين ـ كما تقدم احتماله ـ هو نصاب الذهب في الذهب ونصاب الفضة في الفضة.

[١] يعني : تعريف المستأجر أو المستعير. لأن كلا منهما ذو يد على الكنز بتوسط يده على الأرض ، فتكون حجة على ملكيته له.

[٢] لأنه ذو يد على الأرض ، فيكون ذا يد على ما فيها.

[٣] لما سبق : من أصالة عدم سبق الموجب لاحترام المال. لكن مقتضى ما سبق منه وجوب تعريف المالك السابق على المالك المؤجر ، فان لم يعرفه عرف السابق عليه ، وهكذا .. ولعله المراد من العبارة ، إذ لا فرق بين المسألتين في ذلك.

[٤] للإطلاق.

٤٧٦

أحدهما أعطي بلا بينة [١]. وإن ادعاه كل منهما ، ففي تقديم قول المالك وجه [٢] ، لقوة يده.

______________________________________________________

[١] لما عرفت من حجية إخبار ذي اليد. أما نفس اليد فدلالتها على الملكية المستقلة ـ مع تعدد الأيدي ـ لا تخلو من إشكال ، يأتي بيانه في الفرض الآتي.

[٢] كما عن المبسوط ، واختاره في المعتبر والإرشاد وحاشيته وشرحه للأردبيلي. بل نسبه في الأخير إلى الأكثر ، ونسب في غيره إلى المشهور.

وعلله : بأن الملك له ، فهو ذو اليد ، فعلى المستأجر الإثبات. وعلله في حاشية الإرشاد : بأن يد المالك أصلية ، ويد المستأجر فرعية. وعلله في المعتبر : بأن دار المالك كيده. وعن الخلاف : تقديم قول المستأجر ، لأن المالك لا يؤجر داراً فيها كنز. وفيه : أن غايته الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً.

ويضعف الوجه الأول : بأنه خلاف ما في الخارج ، ضرورة كون الدار تحت سلطة المستأجر وقبضته ، لا تحت يد المالك. ويضعف الثاني : بأن فرعيتها إنما توجب سقوطها عن الحجية بالنسبة إلى العين المستأجرة ، لا بالنسبة إلى ما فيها مما هو خارج عن موضوع الإجارة ، كأدوات الاستعمال من الأواني والفراش وغيرها. والكنز من هذا القبيل. ويضعف الثالث : بالمنع ، وإنما تكون داره كيده إذا كانت تحت يده لا مطلقاً. وما في يد العبد النائي عن مولاه إنما يحكم بأنه لمولاه من جهة أنه تحت يد العبد التي هي يد المولى اعتباراً ، لا من جهة أنها في ملك المولى فيكون في يده. ولو سلم فإنما يصح حيث لا يكون الملك تحت يد غيره ، وإلا كان العمل على اليد الأخرى ، ولا تكون الملكية محضاً مزاحمة لها عرفاً.

وأضعف منه ما قيل : من أن يد المستأجر إنما هي على المنافع لا العين.

٤٧٧

والأوجه الاختلاف بحسب المقامات في قوة إحدى اليدين [١].

( مسألة ١٥ ) : لو علم الواجد أنه لمسلم موجود هو أو وارثه ـ في عصره مجهول ، ففي إجراء حكم الكنز ، أو حكم مجهول المالك عليه ، وجهان [٢]. ولو علم أنه كان ملكاً لمسلم قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه.

______________________________________________________

إذ فيه : أن المنافع إنما تكون تحت اليد تبعاً للعين ، فالاعتراف بأنها تحت يد المستأجر اعتراف بأن العين كذلك. غاية الأمر أنها ـ للعلم بكون ذيها مستأجراً ـ لا تكون حجة على ملكية العين ، وان كانت حجة على ملكية ما فيها. وعلى هذا فما عن الخلاف والمختلف وفي المسالك وغيرها أقرب.

[١] كما في الجواهر ، حاكياً له عن كشف أستاذه والبيان الجزم به فإن الأقوائية موجبة لسقوط اليد الضعيفة عن كونها موضوعاً للحجية ، ولذا كان المشهور : أن الراكب للدابة أولى بها من قابض لجامها ، لكونه ذا اليد عرفاً عليها دون القابض ، وإن كان القابض ذا يد عليها لو لم يكن الراكب.

[٢] لا يخفى أن إطلاقات وجوب الخمس في الكنز لا فرق فيها بين ما علم كونه لمسلم وما لم يعلم. ومثلها : الموثق المتضمن لوجوب التعريف والصحيحان الدالان على كونه للواجد (١). نعم الأصل المتقدم لإثبات جواز التملك ـ أعني. أصالة عدم العاصم ـ لا مجال له في الفرض ، فان كان هو المعتمد تعين الفرق بين الفرض وغيره ، وإن كان المعتمد غيره فلا فرق بينهما. نعم مورد موثق إسحاق ظاهر في الفرض بعينه ، ومقتضاه نفي الملك كنفي الخمس. وتعين الصدقة حكم مجهول المالك ، فإن أمكن التعدي من مورده إلى غيره مما علم كونه للمسلم ـ كما هو الأظهر ـ فهو ، وإلا اقتصر على مورده مما وجد فيما في يد المسلم ، ويرجع في غيره ـ مما‌

__________________

(١) تقدم ذكر ذلك كله في الأمر الثالث مما يجب فيه الخمس.

٤٧٨

( مسألة ١٦ ) : الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب وعدمه [١] ، فلو لم يكن آحادها بحد النصاب وبلغت بالضم لم يجب فيها الخمس. نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعددة يضم بعضه إلى بعض ، فإنه يعد كنزاً واحداً وإن تعدد جنسها.

( مسألة ١٧ ) : في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب ، فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس ، وإن لم يكن كل واحدة منها بقدره.

( مسألة ١٨ ) : إذا اشترى دابة ووجد في جوفها شيئاً فحاله حال الكنز الذي يجده في الأرض المشتراة ، في تعريف البائع [٢]

______________________________________________________

لم يوجد فيما في يده ـ إلى الأدلة المتقدمة المطلقة. ولا فرق في المسلم المعلوم كونه له بين أن يكون موجوداً أو قديماً ، لإطلاق النصوص في المقامين. كما أنه لا يعارض الموثق المذكور صحيح عبد الله بن جعفر الآتي ، لاختلافهما في المورد ، فان مورد الثاني اللقطة دون الأول. ولا ينافيه عدم وجوب تعريف غير البائع ، لا مكان الاكتفاء بتعريفه ، كما أشرنا إليه آنفاً.

[١] الكلام في هذه المسألة وما بعدها يعلم مما تقدم في المعدن. نعم بناء على عدم وضوح الدليل في المقام على اعتبار النصاب إلا الإجماع ، ففي مورد الشك يرجع إلى عموم الوجوب.

[٢] بلا خلاف ظاهر. لصحيح عبد الله بن جعفر : « كتبت إلى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي ، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة ، لمن يكون ذلك؟ فوقع (ع) : عرفها البائع ، فان لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك ، رزقك الله‌

٤٧٩

وفي إخراج الخمس إن لم يعرفه [١]. ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب [٢]. وكذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة [٣]

______________________________________________________

تعالى إياه » (١).

[١] كما عن المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب ، وعن ظاهر الكفاية والحدائق : الاتفاق عليه. ووجهه غير ظاهر ، كما اعترف به غير واحد. ودعوى اندراجه في مفهوم الكنز ، كما ترى. ومثلها : دعوى إلحاقه به حكماً. وحينئذ فإن ثبت إجماع عليه فهو المعتمد ، وإلا ـ كما هو الظاهر ـ فالجميع له. ولا سيما مع إمكان دعوى ظهور الرواية في عدمه. وفي محكي السرائر : « إن عليه الخمس بعد مئونة طول سنته ، لأنه من جملة الغنائم والفوائد .. » وهو في محله.

[٢] لاختصاص دليل النصاب بالكنز غير الشامل للمقام ، كما عرفت.

[٣] المشهور : أن ما يوجد في جوف السمكة للواجد ، ولا يجب عليه تعريف الصائد لو كان قد أخذها منه ، لأن الحيازة إنما كانت للسمكة دون ما في جوفها ، فهو على إباحته الأصلية. وعليه فلو كان الصائد قد نوى حيازة ما في جوفها. أو قلنا بعدم اعتبار نية الحيازة في التملك ، بل يكفي فيه الحيازة الخارجية ولو تبعاً ، كان الواجب مراجعته. إلا أن يكون قد باع السمكة وشرط للمشتري ما في جوفها. ولذلك لم يفرق المصنف ـ تبعاً لجماعة ـ في وجوب مراجعة البائع بين الدابة والسمكة. إلا أن يعلم بعدم ملكية البائع لما في جوفها ، لعدم قصده الحيازة ، وقلنا باعتبار قصدها في التملك ، فحينئذ يكون له تملكه لبقائه على الإباحة الأصلية. والاشكال في وجوب الخمس عليه هو الاشكال السابق.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب اللقطة حديث : ١.

٤٨٠