وتأمّل واستدلال الموجب لإلحاقه بالقرائن المنفصلة ، لم يجز التمسّك بالعموم فيها ، وإن كان المخصّص لبّياً ، لما حقّقناه في محلّه (١) من أنّ جواز التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقية فيما لو كان المخصّص لبّياً منحصر بما يرجع إلى عالم الملاك ، دون ما يكون موجباً لتقييد العام وإعطاء عنوان خاصّ لموضوعه.
ثمّ لا يخفى أنّ هذه الجملة التي أفادها في الكفاية وفي حاشية الرسائل لو لم تتمّ ، لكان ما تقدّم من الجهة الأُولى التي تكفّلتها « إن قلت » (٢) الأُولى كافية في المنع عن التمسّك بالعموم ، لكون الحكم العقلي بقبح ردع من لا يمكن عادة انقداح إرادة الفعل في نفسه من القضايا الواضحة الملحقة بالقرائن المتّصلة ، وفي مثله لا يجوز التمسّك بالعموم ، سواء كانت الشبهة مفهومية أو كانت مصداقية. ومع قطع النظر عن هذه الجهة ننقل الكلام إلى الجهة الثانية ، وهي كون الشكّ في المقام إنّما هو في حسن الخطاب وعدم استهجانه ، فلا يمكن إحرازه بنفس إطلاق الخطاب ، ولعلّ هذه الجهة هي المراد ممّا أفاده في الكفاية.
لا يقال : كيف يتصوّر الشبهة المفهومية فيما هو موضوع الحكم العقلي ، والعقل لا يشكّ في سعة موضوع حكمه وضيقه.
لأنّا نقول : ليس هذا الحكم من الأحكام العقلية الصرفة التي لا مجال للشكّ فيها ، وإنّما هو من الأحكام العقلائية التي جرى عليها العقلاء ، فإنّهم يستقبحون ويستهجنون مثل ذلك التكليف ، فهو من هذه الجهة لا يكون إلاّمن قبيل الأحكام العرفية التي هي قابلة لشكّ العرف فيها بأنفسهم ، فضلاً عن أحد المكلّفين وإن
__________________
(١) راجع حواشي المصنّف قدسسره في المجلّد الخامس من هذا الكتاب ، الصفحة : ٢١٢ وما بعدها.
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٥٩.