الفعل الاختياري لا يوجب الفرق بينهما ، بحيث يختصّ القبح في صورة عدم التمكّن العادي بالأوّل الذي هو النهي ، دون الثاني الذي هو الأمر.
كما أنّ ما ربما يظهر من التقرير (١) من الفرق بينهما بكون الأوّل مشروطاً بطي المقدّمات دون الثاني ، ممّا لم يظهر وجهه ، فإنّه بعد فرض كون النهي عن الشرب من تلك الآنية مشروطاً بالقدرة عليه كالأمر بالشرب منها ، فإن قلنا إنّ القدرة التي هي شرط فيهما هي القدرة العقلية وهي لا تحصل إلاّبعد طي تلك المقدّمات كان كلّ منهما مشروطاً بطيّ تلك المقدّمات ، وإن قلنا بأنّ الشرب يتّصف بالمقدورية العقلية قبل طي تلك المقدّمات ، لم يكن شيء منهما مشروطاً بطي تلك المقدّمات ، وهكذا الحال لو قلنا بأنّ الشرط فيهما هو القدرة العادية.
وبالجملة : أنّ ما أُفيد مبني على أنّ الأمر لم يكن مشروطاً بالقدرة العادية ، وإنّما هو مشروط بالقدرة العقلية ، بخلاف النهي فإنّه مشروط بكلّ منهما ، والقدرة العادية لا تحصل إلاّبعد طيّ تلك المقدّمات ، وهذه التفرقة تحتاج إلى برهان قوي بحيث تكون القدرة العادية شرطاً في خصوص النهي دون الأمر.
ولتوضيح أصل المطلب ، وهو عدم إمكان تعلّق النهي بما لا يكون مقدوراً عقلاً ، ينبغي تقديم مقدّمات :
الأُولى : أنّ الفعل الاختياري لابدّ أن يكون له غاية مترتّبة عليه ، يكون وجودها العلمي وترتّب وجودها عليه هو الداعي على إيجاده ، وإلاّ لكان عبثاً ولغواً صرفاً ينزّه عنه الحكيم.
الثانية : قد حقّق في محلّه أنّ الغرض والغاية هو ما يكون بوجوده العلمي باعثاً على الفعل وبوجوده الخارجي يكون معلولاً لذلك ، فلابدّ أن تترتّب تلك
__________________
(١) لعلّه قدسسره يشير بذلك إلى ما في فوائد الأُصول ٤ : ٥١ ـ ٥٢.