النجاستين معلوماً بالاجمال.
وممّا ذكرناه من الفرق بين الأُصول النافية في مقام الفراغ والأُصول النافية في مقام الاشتغال ، تعرف أنّ العلم الاجمالي بفوات سجدة من هذه الركعة أو التشهّد مثلاً ، ليس من قبيل العلم الاجمالي بأنّه قد توجّه إليه أمر بأحد الأمرين السجدة والتشهّد ولا يعلمها بعينها ، بل إنّه في مثل ذلك يعلم تفصيلاً بأنّه قد أُمر بكلّ من السجدة والتشهّد ، وقد اشتغلت ذمّته بكلّ منهما أيضاً تفصيلاً أيضاً ، لكن علمه الاجمالي إنّما وقع في مقام الفراغ ، فإنّه يعلم بأنّه قد فرغت ذمّته من أحد الفعلين أعني السجدة والتشهّد ، وبقيت ذمّته مشغولة بالآخر ، فالشكّ بالنسبة إلى كلّ منهما يكون شكّاً في الفراغ بعد أن أحرز اشتغال ذمّته به بالخصوص. وهذا بخلاف العلم الاجمالي المتعارف ، أعني ما كان متعلّقاً باشتغال الذمّة بالتكليف بأحد الأمرين ، فإنّه لا يكون بالنسبة إلى كلّ واحد منهما بخصوصه إلاّ شكّاً في الاشتغال. نعم بعد الاتيان بأحدهما يكون شكّاً في الفراغ بالنسبة إلى القدر المشترك بينهما ، لا بالنسبة إلى الباقي بخصوصه.
وحينئذ فلو كان في البين أصل مثبت في أحد طرفي العلم الاجمالي الذي هو واقع في مقام الاشتغال ، كان موجباً لانحلال العلم الاجمالي ومسوّغاً للرجوع في الطرف الآخر إلى الأصل النافي ، بخلاف العلم الاجمالي الواقع في مقام الفراغ فإنّ وجود الأصل المثبت في أحد طرفي العلم الاجمالي ، مثل أصالة الاشتغال ومثل قاعدة الشكّ في المحل ومثل أصالة عدم الاتيان ، لم يكن موجباً لجواز الرجوع في الطرف الآخر إلى الأُصول النافية مثل أصالة البراءة ، لما عرفت من أنّ الشكّ في كلّ من طرفي هذا العلم راجع إلى العلم بأنّه بنفسه قد اشتغلت به الذمّة ، وأنّ الشكّ إنّما وقع في امتثاله والخروج عن عهدة الأمر.