قوله : أمّا أوّلاً : فلأنّ الاستدلال بالآية المباركة على البراءة لا يجتمع مع القول بأنّ مفادها نفي فعلية التعذيب لا استحقاقه ... الخ (١).
وكأنّه لأجل ذلك أجاب في الكفاية (٢) عن الاستدلال بها للبراءة بعين هذا الجواب ، الذي ذكر جواباً للاستدلال بها على إنكار الملازمة ، وحاصله : أنّ هذه الآية لا تنفع منكر الملازمة ، لأنّ إنكار الملازمة لابدّ فيه من إثبات عدم الاستحقاق ، والآية لا تدلّ على عدم الاستحقاق ، وإنّما تدلّ على نفي الفعلية ، كما أنّها لا تنفع القائل بالبراءة لأنّه لابدّ له من إثبات نفي الاستحقاق ، وهي لا تدلّ إلاّ على نفي الفعلية. فالخلاصة : أنّ الآية لا يمكن الاستدلال بها على البراءة ، كما لا يمكن الاستدلال بها على إنكار الملازمة ، هذا ما حرّرناه سابقاً.
ولكن بعد ذلك عرض لنا في هذه الدورة (٣) إشكال ، وهو أنّ النظر في الآية الشريفة في نفي التعذيب قبل الارسال في قبال قاعدة الملازمة ، إن كان المراد من الرسول هو الظاهر أعني نبوّة النبي ، فقبله لا تجري الملازمة ، لأنّ موردها هو مورد التشريع ، فقبله لا مورد لها ، نظير الاقتضاء ، وبعده تجري الملازمة ، فإن تمّت الملازمة صار العقاب مستحقّاً وفعلياً ، وإن لم تتمّ بأن لم يدرك العقل قبح الفعل الفلاني ، لم يكن هناك استحقاق ولا فعلية ، فأين المورد الذي يقال إنّ نفي فعلية العقاب لا يدلّ على نفي الاستحقاق الذي توجبه الملازمة.
وإن كان المراد من الرسول هو الحجّة ولو عقلية ، وإن شئت فقل : إنّه الشامل للرسول والحجّة العقلية ، فقبلهما لا استحقاق ولا فعلية ، وبعدهما يتحقّق
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٣٣٤.
(٢) كفاية الأُصول : ٣٣٩.
(٣) ٤ ذي القعدة سنة ١٣٨٤ [ منه قدسسره ].